تمهیدات:
الأول: یمتاز البیع عن القرض فی أنّ البیع تملیك عین بعوض لا مجّاناً، والقرض تملیك للمال بالضمان فی الذمّة بالمثل إذا كان مثلیاً وبالقیمة إذا كان قیمیاً (قد یقال: إنّ البیع والقرض یفترقان من جهة أخرى، وهی اعتبار وجود فارق بین العوض والمعوض فی البیع، وبدونه لا یتحقق البیع وعدم اعتبار ذلك فی القرض، ویترتب على ذلك انه لو باع مائة دینار بمائة وعشرة دنانیر فی الذمّة فلابد من وجود مائز بین العوضین كأن یكون أحدهما دینارا عراقیا والثانی دینار اردنیا، وأما لو كانا جمیعا من الدینار العراقی مثلا، من فئة وطبعة واحدة، فهو قرض بصورة البیع، لانطباق العوض على المعوض مع زیادة فیكون محرّما لتحقق الربا فیه. ولكن هذا غیر واضح، لأنه یكفی فی تحقق مفهوم البیع وجود التغایر بین العوضین فی وعاء الانشاء من حیث كون المعوض عینا شخصیة والعوض كلّیا فی الذمة، مضافا إلى أن لازم هذا الرأی القول بصحة بیع عشرین كیلو من الحنطة نقدا بمثلها نسیئة بدعوى أنه قرض غیر ربوی حقیقة وإن كان بصورة البیع، مع أنه ـ كما یعترف هذا القائل ـ من بیع أحد المثلین بالآخر مع زیادة حكمیة فیكون من الربا المحرّم). كما یمتاز عنه فی أنّ البیع الربوی باطل من أصله، دون القرض الربوی، فإنّه باطل بحسب الزیادة فقط، وأمّا أصل القرض فهو صحیح. ویمتاز عنه أیضاً فی أنّ كلّ زیادة فی القرض إذا اشترطت تكون رباً ومحرّمة دون البیع، فإنّه تحرم فیه الزیادة مطلقاً فی المكیل والموزون من العوضین المتحدین جنساً، وأمّا لو اختلفا فی الجنس، أو لم یكونا من المكیل والموزون، فإن كانت المعاملة نقدیة، فلا تكون الزیادة رباً، وأمّا لو كانت المعاملة مؤجّلة كما لو باع مائة بیضة بمائة وعشر إلى شهر، أو باع عشرین كیلو من الأرز بأربعین كیلو من الحنطة إلى شهر، ففی عدم كون ذلك من الربا إشكال، فالأحوط لزوماً الاجتناب عنه. الثانی: الأوراق النقدیة بما أنّها من المعدود یجوز بیع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسیئة، وأمّا مع الاتّحاد فی الجنس فیجوز التفاضل فی البیع بها نقداً، وأمّا نسیئة فلا یخلو عن إشكال كما تقدّم والاحوط لزوماً التجنب عنه، وعلى ذلك، فیجوز للدائن عشرة دنانیر عراقیة مثلاً أن یبیع دینه بالأقلّ منها كتسعة دنانیر نقداً، كما یجوز له بیعه بالأقلّ منها من عملة أُخرى كتسعة دنانیر أُردنیة نقداً ولا یجوز ذلك نسیئة إلا إذا كان دینه حالاً لانه لا یجوز بیع الدین غیر الحال بدین مؤجّل. الثالث: الكمبیالات المتداولة بین التجّار فی الأسواق لم تعتبر لها مالیة كالأوراق النقدیة، بل هی مجرد وثیقة لإثبات أنّ المبلغ الذی تتضمّنه دین فی ذمّه موقّعها لمن كتبت باسمه، فالمعاملات الجاریة علیها لا تجری على أنفسها، بل على النقود التی تعبّر عنها، وأیضاً عندما یدفع المشتری كمبیالة للبائع لا یدفع بذلك ثمن البضاعة الیه ولا تفرغ ذمته منه، ولذا لو ضاعت الكمبیالة أو تلفت عند البائع لا یتلف منه مال بخلاف ما إذا دفع له ورقة نقدیة وتلفت عنده أو ضاعت.
|