وحدة الإسلامیة و النظام العالمی القائم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وحدة الإسلامیة و النظام العالمی القائم - نسخه متنی

أبو النصر فضیل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الوحدة الإسلاميّة والنظام العالمي القائم

الأستاذ فضيل أبو النصر(1)

1 ـ لماذاالدعوة إلى الوحدة الإسلاميّة ؟

الوحدة حلم رواد مخيلة المسلمين منذ الأيام الأولى للدعوة الإسلاميّة ، لأن وحدة المسلمين فصل إيمان وعنوان عزة وكرامة. إلاّ أنالوحدة الإسلاميّة بقيت حلماً نظراً للخلافات التي رافقت الانتشار الإسلامي شرقاً وغرباً، فتشتت الشمل الإسلامي حتّى في عزّ النشاط والتوسع الذي رافق دخول شعوب و اُممكثيرة حضيرة الإسلام. إلاّ أن الأمانة الفكرية تقتضي منا الإقرار بأن حلم الوحدة لم يفارق مخيلة وتفكير القادة والمفكرين المسلمين حتّى في أحلك أيام النزاعات التي عصفتبالإسلام.

ثمة دافع آخر للحديث عن الوحدة الإسلاميّة ينبع من واقع العالم الإسلامي المعاصر: العالم الإسلامي بمجموعة يمر ـ حالياً ـ بمرحلة تململ وتشنج نتيجةانتقاله من مرحلة الركود والتخلف إلى مرحلة التحرك الهادف والانطلاق البنّاء. إنّ ولوج العالم الإسلامي مرتبة التطور والتقدم يحتم التفكير بقيام وحدة تضم

الشعوب الإسلاميّة كافة دون استثناء، لأن الوحدة تجسد كلّ ما هو خيّر ونبيل للامة الإسلاميّة ، فالوحدة معيار حضاري لتقدم الأمم والشعوب، لأنها تعزز وتقوي الكرامةوالعزة والسؤدد. زد على ذلك أن الوحدة الإسلاميّة باتت ضرورة اقتصادية وسياسية وثقافية في هذا العصر.

فالوحدات الكبرى أصبحت الكيانات المطلوبة لتطوير الاقتصادوالعلوم والذود عن الاستقلال والسيادة. إضافة إلى أن حركة التاريخ العالمي تدعم قيام كيانات كبرى مثل الوحدة الأوروبية، وتوسيع السوق الأميركي عن طريق ضم اقتصاد كنداوالمكسيك من خلال اتفاقية (نافتا) بين تلك البلدان الثلاثة. إذا كان هذا هو حال تلك المجموعات المتطورة اقتصادياً وسياسياً، فكيف يكون الحال بالنسبة للعالم الإسلاميالمتخلف؟ عندها تصبح الوحدة الإسلاميّة أكثر من ضرورة لما يمكن للوحدة أن توفره موارد طبيعية وثقافية تستخدم في عملية النمو والتطور.

والإسلام ذاته طالبالمسلمين بالتكتل والتعاون، وقد أكد القرآن الكريم في أكثر من مناسبة: أن المسلمين أمة واحدة، وكذلك الحديث الشريف طالب المسلمين بالتمسك بوحدة الأمة لما للوحدة منمردود عظيم مستقبل الإسلام والمسلمين. زد على ذلك أننا لا نغالي إذا قلنا بأن وحدة المسلمين تتعدى مصلحة العالم الإسلامي لتصب في رافد المصلحة الإنسانية العليا.

لذا، فإن طرح موضوع الوحدة الإسلاميّة اليوم أمر منطقي وينسجم مع تعاليم الإسلام، وحركة التاريخ العالمي، والمصحلة الإسلاميّة والإنسانية العليا. أما الوحدةالإسلاميّة التي ننادي بضرورة قيامها فأنها توحد شعوب ودول العالم الإسلامي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً في كيان واحد متخطية كلّ الفرو قات والنزاعات القوميةوالمذهبية والمصلحية الضيقة والكثيرة.

2 ـ الوحدة الإسلاميّة بين الحلم والواقع

الوحدة الإسلاميّة حلم جميل، لكن كلّ الأعمال الجليلة التيتحققت في العالم في الماضي نتجت عن أحلام راودت مخيلة قلّة من الناس. هذه القلة تعيى الأمور بالحدس وليس بالمنطق. فالذي تراه الأكثرية مستحيلاً تجده هذه القلة أمراً ممكنالتحقيق، والذي تراه الأكثرية ممكناً تجده هذه القلة محتملاً لا يفصله عن التحقيق سوى خطوات قليلة. ونحن من القلة القائلة بأن العالم الإسلامي دخل حيز التفكير في قياموحدة إسلامية شاملة رغم كلّ الصعوبات والعقبات المنظورة التي تعمل ضد هكذا توجه.

إنّ نجاح مثل هذه العملية يتطلب: قيادة وحكمة ودراية وصفاء نية، وتوفر ظروفداخلية وخارجية مؤاتية على امتداد سنوات طويلة قد تبلغ عدة عقود من الزمن.

وقد رأينا أن نضع (سيناريو) لما يمكن أن تكون عليه عملية التكتل الإسلامي للوصول إلىالوحدة الإسلاميّة المنشودة. وقبل وضع تفاصيل هذا التصور، لابدّ من التأكيد بأن قيام الوحدة الإسلاميّة مفهوم يتخطى القومية والعشائرية والمذهبية الضيقة، ليرسي قواعدكيان لا قومي، إنساني الشكل والمضمون. قد يطلق عليها بعض اسم 'قومية إسلامية' بذات التوجه الذي نتحدث فيه عن (قومية أوروبية) من خلال قيام الوحدة الأوروبية.

وكمدخلللحديث عن كيفية تحقيق الوحدة الإسلاميّة ، لابد من مراجعة سريعة لواقع العالم الإسلامي المعاصر، فالحلم الكبير لا يستطيع أن يتخطى الواقع. واليكم صورة مقتضبة عن هذاالواقع الذي سيقام على أساسه صرح الوحدة الحلم ـ ، في هذا الصدد، نلفت القارئ إلى أن واقع العالم الإسلامي ليس مرّاً كله بل هنالك كثير من الإيجابيات التي تبعث على الأمل.

الحقيقة الأولى:

العالم الإسلامي منقسم على ذاته، ومجزّأ إلى دول عدة تضم عديداً من الأجناس والقوميات واللغات والثقافات و ... زد على ذلك أنمصالح دوله وشعوبه متنافرة ومتضاربة لا قاسم مشتركاً بينها.

الحقيقة الثانية:

العالم الإسلامي متخلف اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً وثقافياًوفق كلّ المعايير وبصورة عامة.

الحقيقة الثالثة:

يعاني العالم الإسلامي بمجمله من فقر مدقع، يطال شريحة كبيرة من السكان، وبعض مجتمعات هذاالعالم المترامي الأطراف تعاني من سوء التغذية والجوع والمرض ونقص في الخدمات الأساسية من صحة ومسكن وتربية و..

الحقيقة الرابعة:

يتنازع العالمالإسلام خلافات سياسية ومذهبية عميقة تجعل من الاتصال بين قادة وشعوب دوله أمراً شبه مستحيل. أضف إلى ذلك، أن الاتصال الضيق القائم بين أجزاء العالم الإسلامي يمر ـبمعظمه ـ بعواصم القرار خارج نطاقه.

لذا، فالاتصال المباشر والفاعل شبه معدوم لأنه يراعي توجهات ومصالح الآخرين خارج العالم الإسلامي، أكثر من مراعاته توجهاتومصالح العالم الإسلامي. وهذا الأمر ينطبق على الشؤون الاقتصادية والسياسية والثقافية كافة.

الحقيقة الخامسة:

المجتمعات الإسلاميّة فيأغلبيتها الساحقة مجتمعات استهلاكية بكل ما في هذا المصطلح من معنى. فهي مجتمعات مستهلكة للبضائع وليست منتجة لها،

وهي مستهلكة لثمار العقل وليست مبدعة لها.حتّى في حقل الدراسات والأبحاث الإسلاميّة ما يزال العالم الإسلامي يعتمد (الاستيراد) وليس الإنتاج الأصيل الخلاّق. ونتيجة لذلك، باتت المجتمعات الإسلامية ـ بصورة عامةـ مجتمعات اتكالية على غيرها في أمور شتى.

الحقيقة السادسة:

إضافة إلى الحقائق الخمس أعلاه، يفتقر قادة ومفكر والعالم الإسلامي إلى الرؤيةالحضارية الشاملة لحاضر ومستقبل العالم الإسلامي. إنّ غياب هذه الرؤية عن مخيلة الفعاليات السياسية والاجتماعية والفكرية والثقافية تشل كلّ عمل وتوجه يعالج موضوعالعالم الإسلامي كوحدة إنسانية ـ حضارية. إنّ وضع تصوّر لما يمكن أن تكون عليه المجتمعات الإسلامية منفردة أو مجتمعة، مع الأخذ بعين الاعتبار الخلفية الشاملة للمجتمعالإنساني ككل، بات أمراً ملحاً في عصر يعتمد التخطيط والدراسات المستقبلية في مختلف الشؤون وليست الاقتصادية فقط. لذا فان توفر الرؤية التي ترصد الحاضر وترشد إلىالمستقبل أصبح ضرورة من ضرورات فهم الحاضر والاستدلال لما يخفيه المستقبل والرؤية الشاملة باتت تشكل العمود الفقري لكل عمل تطويري وتنموي يدفع بالمجتمعات نحو التقدموالرفاهية والسعادة.

وبعد هذه الصورة القاتمة للعالم الإسلامي، إليكم بعض الإيجابيات التي يحفل بها هذا العالم:

الحقيقة الأولى:

يحتلالعالم الإسلامي الممتد من إندونيسيا شرقاً حتّى المغرب الأقصى غرباً، موقعاً جغرافياً استراتيجياً مميزاً على سطح الكرة الأرضية.

الحقيقة الثانية:

تضم الأرض الإسلاميّة ثروات طبيعية كثيرة جداً تجعل العالم الإسلامي من أغنى مناطق الأرض قاطبة.

الحقيقة الثالثة:

يبلغ تعداد المسلمينأكثر من مليار نسمة، يشكلون ربع سكان الكرة الأرضية. هذا العدد من البشر يعد طاقة بشرية عظيمة إذا ما تطورت ونمت و تدرّبت. ومن الطبيعي أن الأمم العظمى تقاس بحجم ونوعيةسكانها ويبقى على الفرد المسلم أن يعمل على تطوير قدراته الشخصية ومواهبه خدمة لامته وتحقيقاً لذاته دون انتظار لما يمكن أن تفعله الحكومة فقط.

الحقيقةالرابعة:

يعيش العالم الإسلامي برمته اليوم مرحلة يقظة ونهضة تحمل في طياتها الخير العميم للمسلمين والعالم. إنّ ما يحدث اليوم في المجتمعات الإسلاميّة ليسمعركة بقاء فحسب بل انتفاضة من أجل إثبات الهوية الإسلاميّة المميزة في عالم تتقاذفه مختلف التيارات الحضارية، وبخاصة تيار العصرنة القادم من مختلف الجهات.

الحقيقة الخامسة:

يشارك المسلمون في مختلف أصقاعهم بطريقة حياة وأسلوب سلوك و نمط تفكير يميزهم عن سواهم من الناس. باختصار، يشترك المسلمون بحضارة واحدةتبقى عنصر توحيد وجمع مهما اختلفت النزعات القومية الثقافية.هذه الحضارة أيضاً تخضع لعملية النمو والتطوير من جراء الاتصال بالحضارات الأخرى وبخاصة الحضارة الغربية.ومهما حدث، نتوقع أن تحافظ الحضارة

الإسلاميّة على أصالتها وسمتها المميزة لتبقى أحدى أهم الروافد الحضارية المتواجدة على الساحة الحضارية الإنسانية. من ناحيةأخرى. إنّ بروز شخصية إسلامية مميزة تبقى نوعاً من التمني نظراً لتعددية واختلاف الشعوب الإسلاميّة ، لكن بروز مثل هذه الشخصية ليس أمراً مستحيلاً ضمن الحضارةالإسلاميّة الواحدة.

الحقيقية السادسة:

يواجه العالم الإسلامي التحدي الكبير الذي سيتقرر معه فيما إذا كان للعالم الإسلامي أن يتوحد، أو يبقىعلى هامش الأحداث تابعاً واتكالياً على غيره. هذا التحدي الكبير يطالب بالتجديد الحضاري من خلال التفاعل مع الحضارات السائدة، وبخاصة الحضارة الغربية الطاغيةوالمرغوبة لما تحمل في طياتها من منافع. المشكلة التي يواجهها العالم الإسلامي والحضارة الإسلاميّة هي: كيفية التفاعل والتطور مع الاحتفاظ بالأصالة الإسلاميّة .فالوحدة الإسلاميّة تأتي نتيجة للتصدي لهذا التحدي الحضاري الكبير.

بعض ظواهر العالم المعاصر:

بعدما رسمنا أرز الحقائق عن واقع العالمالإسلامي، لابد من ذكر بعض ظواهر العالم المعاصر، والتي تخص موضوع بحثنا مباشرة حول الوحدة الإسلاميّة والنظام العالمي. فالعالم الإسلامي يعيش ضمن وجود مؤثر فهو لايعيش في فراغ بل في محيط أوسع يتسم بكثير من السلبيات والتحديات والنزاعات.

الظاهرة الأولى:

إنّ الكلمة النهائية على صعيد الشؤون الدولية هيللقوة بأبعادها الثلاثة: قوة

السلام، وقوة الاقتصاد والمال، وقوة المعرفة. أذن، العالم الذي يحيا فيه العالم الإسلامي هو عالم يخضع لمنطق القوة المجرّدة عن كلّأخلاق ومثالية. فالأخلاق والمثل لا رصيد لها عند التعاطي بالشؤون الدولية. إنّ ما يسدد خطى القادة والمفكرين والفعاليات هو المصلحة النفعية النابعة من الأنانيةالقومية.

الظاهرة الثانية:

تتسع (الأنا) القومية وتضيق باتساع وضيق الرؤية المتجذرة بالمصلحة القومية العليا المتعامية عن أي مصلحة أخرى.فالشوفينية، أي القومية المتطرفة، توجه أعمال القوى العظمى الفاعلة على أرض العلاقات الدولية. لا تختلف التوجهات مهما كانت الأيديولوجية السائدة في المجتمع القومي بغضالنظر عن التسميات تبقى الحقيقة الثابتة أن (الأنا) الجماعية هي محور وموجه سلوك القادة والمفكرين على الساحة الدولية، إذ يمكن أن تضم (الأنا الجماعية) البشرية بأكملها،عندها تصبح المواجهة بين (أنا) بشرية الكرة الأرضية، بمواجهة (أنا) مخلوقات على كوكب آخر.

الظاهرة الثالثة:

تقوم العلاقات الدولية على المصلحةالقومية المجرّدة من كلّ عاطفة خيرة ومحبة وتفان. فالمثاليات لا دور فعلياً لها على أرض واقع العلاقات الدولية إلاّ لتبرير وتغطية سلوك غير أخلاقي. فالمثل والعقائدالروحية والأخلاق تلعب دوراً ـ دائماً ـ للسلوك الأناني غير المبرر.

الظاهرة الرابعة:

العالم المعاصر عالم تراجع فيه دور الدين والرسالاتالسماوية والمثل العليا. هذه المبادئ تصلح للاستهلاك الداخلي للأمم والشعوب، وهي لا تحظى

بالاهتمام في العلاقات الخارجية لهذه الأمم والشعوب إلاّ للمزايدةالكلامية القائمة على النفاق.

الظاهرة الخامسة:

العالم مقسّم إلى شمال وجنوب: شمال غني ومتطور ومستقر، وجنوب فقير ومتخلف. الكلمة النهائية فيالعالم للأقلية الشمالية، والهيمنة عنوان تعاطي الشمال مع الجنوب. لا تحرّك الشمال مشاعرُ الاخوة والتعاون تجاه الجنوب، بل مشاعرُ الغطرسة والتفوق وعدم الاكتراث لمصيرالآخرين.

الظاهرة السادسة:

عالم اليوم، وبخاصة الدول العظمى، لا يقيم للسيادة أية أهمية، تسانده في مسعاه هذا قوى عسكرية وطاقة اقتصادية مدمرةوتكنولوجيا متطورة ووسائل إعلام متقدمة، تجتاح الحدود السياسية والثقافية بدون رادع، بحيث باتت السيادة الوطنية وهماً وخرافة. فالسيادة في عصر الأقمار الصناعية باتتأثراً بعد عين، فأصبحت من مخلفات الماضي.

الظاهرة السابعة:

العلوم الطبيعية المادية غير الدينية تحظى بالاهتمام الأكبر من الناس، بحيث أصبح منالعسير السعي لنشر المفاهيم الدينية والفكرية المثالية. فالفكر بمجمله بات خاوياً إلاّ من الترهات ومن كلّ محتوى إنساني علوي. فالناس يعيشون ليومهم دون الأخذ بعينالاعتبار المستقبل والآخرة.

في ظل هذا الفراغ المخيف، على القادة والمفكرين المسلمين أن يسعوا لتحقيق حلم الوحدة الإسلاميّة ، الذي يأخذ بعين الاعتبار مصيرالأمة الإسلاميّة كامتداد (للامة الإنسانية). وفي ظل هذه الأوضاع الداخلية والخارجية على

أصحاب الرأي والقادة والفعاليات الإسلاميّة أن يؤسسوا مستقبل الأمةالإسلاميّة .

4 ـ بعض الحقائق عن النظام العالمي القائم:

النظام العالمي القائم ـ إذا كان لنا أن ندعوه نظاماً ـ بتمثل بهيمنة وطغيان دولة واحدةكبرى في صنع القرار الدولي، فلا منافس لها يؤثر ويخفف من غلواء قراراتها. فالولايات المتحدة الأمريكية بعد اختفاء الاتحاد السوفياتي عن الساحة الدولية باتت المرجعيةالأولى والرئيسة دون منازع في تسيير دفة شؤون الكون. هذا واقع لا يستطيع أحد إنكاره أو تحاشيه. حتّى الدول الغربية الأخرى مثل: إنجلترا وفرنسا وألمانيا تسير في ركبالسياسة الأميركية دون أقل احتجاج أو معارضة، فالمصالح الأميركية تأتي في الدرجة الأولى في مقابل المصالح الأخرى حتّى الأوروبية واليابانية. إنّ حلفاء أميركا هم أطرافغير متساوين في الأهمية أمام المصالح الأميركية العليا والحيوية.

إذا كان هذا هو حال الحلفاء، فكيف تتعامل الولايات المتحدة مع الأطراف البعيدة أو المعاديةلسياستها؟ هذا تساؤل يجب أن نبقيه أمام أعيننا، ونحن نحاول رسم صورة لقيام وحدة إسلامية نتوقع أن لا تماشي أو تهادن الطغيان الأميركي، أو أي هيمنة أخرى. ومما يجعل الدورالأميركي خطيراً جداً تحلق مجموعة الدول الغربية واليابان الغنية والقوية والمتطورة في فلك الولايات المتحدة، مما أدى إلى هيمنة شاملة وطاغية على مقدرات العالمالسياسية والاقتصادية والثقافية. فكيفما تستدير القوى الأخرى تجد نفسها في مواجهة قوى الهيمنة والطغيان.

ومما زاد في نفوذ الولايات المتحدة الأميركية أن بقاياالاتحاد السوفياتي، مثل: روسيا وأوكرانيا ودول أوروبا الشرقية باتت تدور في فلك الولايات المتحدة وحلفائها، بحيث أصبحت تابعة لها في جميع المجالات. ورغم امتلاك روسيا

للسلاح النووي المدمر، إلاّ أن هذا السلاح (حُيّد) وبات عبأ على روسيا بدلاً من أن يكون مصدر قوة، إذ إنّ القوة الاقتصادية والتطور التكنولوجي والمهارة في الإدارةباتت المعايير التي تحدد مسار الحياة المعاصرة.

وإضافة إلى ما أسلفنا أعلاه، تبقى حقيقة أخرى: أن الهيمنة والسلام الأميركي مستمران إلى أمد غير قصير، إذ لا يبدوأنّ ثمة منافساً حقيقياً ظاهراً في الأفق على الساحة الدولية. فلا أوروبا الموحدة اقتصادياً قادرة على منازلة العملاق الأميركي، ولا اليابان تستطيع تحدي الجبارالأميركي، ولا الصين في موقع يسمح لها بمجابهة قوة الولايات المتحدة. أذن، فالولايات المتحدة باقية معنا كمرجعية دولية نهائية إلى أمد طويل خدمة لمصالحها الحيويةوالعليا، وبدرجة أقل، خدمة لمصالح حلفائها، الأمم المتحدة (أمل البشرية بالسلام والاستقرار، وأمل الشعوب الضعيفة والفقيرة والصغيرة) باتت العوبة وأداة طيعة لخدمةمصالح قومية لدولة عظمى واحدة، وليست لخدمة البشرية والعدالة الدولية والاجتماعية والسلام العالمي.

أما أخطر مظاهر النظام الدولي القائم فهو استعمال البعدالثقافي بجانب البعد السياسي والعسكري والاقتصادي، لتعميق وتعزيز الهيمنة الشاملة في العالم. أن نشر الثقافة الأميركية الغربية يشكل السلاح الأخطر لأنه يتخطى النواحيالمادية والاجتماعية ليطال مجال القيم والمفاهيم الأخلاقية والروحية. إنّ نشر طريقة الحياة الغربية على أنها الطريقة المثالية شأن في غاية الخطورة على التراث والقيم.ومما يزيد في خطورة (الاستعمار الثقافي) أن الولايات المتحدة وأوروبا تملكان أفضل وأكثر وسائل الأعلام والإعلان تطوراً. وهي الوسائل الفاعلية للوصول إلى العقول والقلوب.ومما يجعل الاستعمار الثقافي ذا خطورة، خاصة أن شعوب الأرض خارج نطاق الغرب هي شعوب مستهلكة في شأن ثمار الفكر والروح، إذ

تصبح هذه الشعوب موضوعاً و (تستهلك) كلّما هو أجنبي وافد من الخارج.

من هنا ننطلق لنرسم (السيناريو) الذي يمكن أن تتم فيه عملية الوحدة الإسلاميّة على ضوء واقع العالم الإسلامي وواقع العالم خارج هذاالنطاق والنظام الدولي القائم الذي يوجه حركة التاريخ في كلّ مكان على الكرة الأرضية.

قيام الوحدة الإسلاميّة العتيدة:

إنّ الأعمال الجليلةفي الحياة تبدأ حلماً يراود عقول ونفوس قلة تتولى نشر فكرة الحلم حتّى تصبح ـ مع مرور الزمن ـ كرة ثلج تتدحرج من علٍ، تكبر و تنمو في الشكل والمضمون مع كلّ حركة في الاتجاهالصحيح لتصبح مع الوقت حقيقة واقعة. وقولنا: إنّ الوحدة الإسلاميّة حلم جميل، لا يعني أنها وهم وخيال بل أنها تصوّر عملي لما يمكن أن يكون عليه واقع العالم الإسلاميواتجاهات حركة التاريخ السائدة.

والآن، نسأل ما هي الخطوات العملية التي يجب اتخاذها لتحقيق هذه الأمنية الغالية؟

نشير في مستهل هذا الحديث إلى أن هنالكجهوداً بذلت في الماضي وتبذل في الحاضر في اتجاه تحقيق هذه الأمنية، وأنه ليس على القادة والمفكرين أن يبدأوا من نقطة الصفر. لقد اتخذت خطوات عدة من أجل تقريب الدولالإسلاميّة بعضها من بعض عن طريق تعزيز الاتصال والتكامل في الآراء والمصالح، في الاتجاه ذاته، فالخطوة الأولى تنطلق من تعزيز وتعميق الاتصال المباشر بين شعوب ودولالعالم الإسلامي.

لقد نجح الاستعمار في الماضي في عزل الدول الإسلاميّة بعضها عن بعض، وجعل من ذاته القاسم المشترك لهذه الدول. فالاتصال بالخارج كان يتم عن

طريق باريس أو لندن أو روما أو بروكسل أو أمستردام وليس، على سبيل المثال، بين القاهرة وبغداد، أو بين كراتشي وطهران مباشرة. إنّ غياب الاتصال المباشر بين العواصمالإسلاميّة ضيّع فرصاً كثيرة للتقرب والتكامل. والآن بعد أن زال كابوس الاستعمار لابد من إجراء الاتصال والتكامل المباشر حتّى يتم التفاهم ومعرفة الأمور المشتركة،وبخاصة بين تلك الدول المتصلة أو القريبة بعضها من بعض. فالاتصال المباشر يولد الرغبة في التقارب وتبادل المصالح على اختلاف أنواعها. أذن، تعزيز وتعميق الاتصال بينمختلف أجزاء العالم الإسلامي هو الخطوة العملية الأولى في الاتجاه السليم.

مع الاتصال، يجب وضع تصور لما يمكن أن يؤدي إليه الاتصال من نتائج تقرّب أجزاء العالمالإسلامي بعضه من بعض. فالتصور السليم يتطلب إجراء إحصاء للعناصر المشتركة التي يمكن أن يبنى عليها، والعناصر المختلف حولها، كي يتم إيجاد حلول لها، ومن ثمّ تصبح عناصرإيجابية في بناء صرح الوحدة الإسلاميّة .

في هذا الصدد نود أن ننبه إلى أن الساحة الإسلاميّة مزروعة بالألغام الكثيرة. بعض هذه الألغام من وضع عناصر داخلية لاترى مصلحة في الوحدة الإسلاميّة ، وغيرها من وضع عناصر خارجية، وهي متعددة، نظرا لعدائها التاريخي للإسلام والمسلمين، تحسباً لما يتأتى عن مثل هذه الوحدة على الوضعالعالمي من محاذير تضر بمصلحة هذه الأطراف. إنّ العمل للوحدة لن يتم في فراغ أو حياد، بل ضمن نطاق مليء بالأشواك والعقبات.

التصور الذي نتحدث عنه يتطلب التنسيقعلى مستوى رؤساء الدول الإسلاميّة والتعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية على صعيد الشعوب والهيئات الأهلية. ونظراً لأهمية الإعلامالحديث في

تقريب الشعوب، يتوجب إقامة أعلى مستوى من التعاون والتنسيق بين الفعاليات المسؤولة عن وسائل الأعلام والتوجيه. هذه المرحلة هي مرحلة التهيئة النفسيةحتّى ترى الشعوب في التقارب والتعاون مصدراً للخير والبركة.

يتبع التعاون والتنسيق الفكري، إيجاد القواسم المشتركة على الصعيد الاقتصادي كتحضير لوحدة اقتصاديةمرجوة تساعد في رفع وتحسين الوضع المعيشي للشعوب. إنّ التعاون والتنسيق على المتسوى الاقتصادي يجب أن يرافقه تعاون وتنسيق في المجالين العلمي والتكنولوجي. يبدأ التعاونوالتنسيق الاقتصادي بين الدول المتجاورة لينطلق بعدها ويشمل دولاً بعيدة.

والتنسيق المذهبي على أهميته القصوى يبقى مرحلة متقدمة تصاحب جميع المراحل التي تمرفيها عملية الوحدة، إذ لا يتوقع أكثر من تقارب في وجهات النظر وليس زوال الخلافات الأساسية. يجب ترك التقريب المذهبي يأخذ مداه على صعيد العلماء والفقهاء ورجال الدينبعيداً عن المسؤولين السياسيين والاقتصاديين، إذ يمكن أن تكون الخلافات المذهبية عقبة كؤوداً تحول دون تحقيق الوحدة الشاملة على المسارات الأخرى.

أخيراً تأخذدولة الوحدة الإسلاميّة شكل جمهورية اتحادية أو كونفدرالية وفق رغبة الأعضاء، إذ يجب أن تحافظ كلّ دولة على خصوصياتها المحلية في الوقت الذي تنضم فيه إلى دولة الوحدة.

في الختام، يجدر التأكيد أن أية وحدة سياسية لن تتم وتنجح إلاّ إذا جاءت منسجمة مع إرادة أبنائها وحاملة الخير والبركة للجميع. إنّ رصد حركة التاريخ، ومشروعالوحدة الإسلاميّة جزء من هذه الحركة، يسمح لنا بالتكهن بأن الوحدة الإسلاميّة العتيدة ستستغرق زمناً غير يسير، لكنها قادمة بدون شك. ربما سبقتها وحدة بين الدولالعربية ـ الإسلاميّة ووحدات في أسيا وأفريقيا، لكن هذه

ستكون مدخلاً للوحدة الإسلاميّة المنشودة.

6 ـ الوحدة الإسلاميّة والنظام العالميالقائم:

تشكل الوحدة الإسلاميّة خطراً كبيراً على النظام العالمي القائم لأنها يمكن أن تكون منافساً قوياً لأي نظام عالمي قائم، أو ربما باتت هي الطرف الأهم فيأي نظام عالمي.

أما المصدر الثاني لخطر قيام وحدة إسلامية، وهو البعد الثقافي ـ الحضاري لكيان إسلامي متطور ومتقدم. إنّ الحياة الثقافية، والحضارية،والإسلاميّة تتميز عما عداها من ثقافات وحضارات. فكما كانت الثقافة الإسلاميّة مصدر إشعاع وتأثير في السابق، فانه يتوقع للثقافة الإسلاميّة مثل هذا الدور فيالمستقبل.

من هنا ينطلق العداء الذي تواجهه حركة اليقظة الإسلاميّة الحالية من قبل النظام العالمي القائم المتمثل بالولايات المتحدة وحلفائها. فالمواجهة بينالغرب والعالم الإسلامي التي عمرها ألف عام، ستزداد حدة وضراوة مع تعمق اليقظة الإسلاميّة وتشعبها.

إنّ المجابهة بين أجزاء من العالم الإسلامي والنظام العالميالقائم ستصبح سافرة بين عالم إسلامي يتململ، ونظام عالمي يرتجف من هول هذا التململ.


1 ـ كاتب تقريبي من لبنان شارك فيالمؤتمر الثامن للوحدة الإسلاميّة بمقاله هذا.


/ 1