یسر الإسلام و سماحته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

یسر الإسلام و سماحته - نسخه متنی

عبدالسمیع البطل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

يسر الإسلام وسماحته

للأستاذ عبد السميع البطل

عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ بالقاهرة

القرآنأساس الدين المتين:

نزل القرآن الكريم على نبي أمي، في أمة أمية، بلسان عربي مبين، فكانوا يعتمدون في فهمه على ما لديهم من ملكة البلاغة، وسلامة الذوق، وعلى بيانالرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لهم بالقول والعمل، وهو ما نسميه: بالسنة المحمدية، والهدى النبوي، سواء في العقائد، أو الأحكام العملية.

فأما العقائد فكانت آياتالكتاب العزيز تنزل في بيان صفات واجب الوجود من الوحدة والقدرة والإرادة، والعلم والحكمة، والسمع والبصر، وهذه الصفات تذكر في حشد من الآيات البينات، فتغذي التوحيد،وترتقي بأهله درجات من السمو الروحي، وناهيك بذكر أسمائه الحسنى ممزوجة ببيان الأحكام الشرعية من الطهارة والإرث والأموال، وبحكمة الخالق في الخلق والتدبير، وسننه فيطبائع البشر، ووضع كل اسم من أسمائه تعالى في موضعه من الآيات، ولاسيما ختامها من علم وحكمة، وقدرة وإرادة، وحلم وعفو ومغفرة، وحب ورضا وما يقابل ذلك، دع ما سرد منهاسرداً لجذب الأرواح العالية إلى كماله المطلن، وفنائها في شهوده عن شهودها، بله أهوائها وشهواتها كما تراه في سورة الحديد: (سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيزالحكيم. له ملك السموات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير. هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) وكما في آخر سورة الحشر: (هو الله الذي لا إله إلا هو عالمالغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن

/ صفحة 144 /

العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. هوالله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) فهذه الأسماء الإلهية هي ينابيع الحياة الروحية في القلوب، ومشرق أنوارالمعارف الإلهية على العقول، ومنها استمد العارفون، والأئمة الربانيون، تلك الحكم السامية، والكتب العالية، في معرفته تعالى وأسرار خلقه.

وهذا هو الغرض الأول منأمر القرآن المؤمنين بذكر الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ليكون الله تعالى غالباً على أمرهم، فيمقتون الباطل والشر ويكون حظهم من الحياة الحق والخير.

كان الصحابةـ رضوان الله عليهم ـ يتلون هذه الآيات ويتدبرونها، فتهتز مشاعرهم لهذا الجلال، وتفيض قلوبهم بالإيمان والإذعان والتسليم.

وهذه الطريقة ـ طريقة القرآن في الاستدلالـ أقرب إلى الفطرة، وأقوم في مخاطبة العقل، وأرسخ في النفس، من طريق البراهين الفلسفية، والأقيسة اليونانية التي فتن بها المتأخرون مع أنها تبعد عن القلب التأثر بآياتالله وصنعه في خلقه، فياليتنا نحييها من جديد ونجدد بها سنة السلف في درس التوحيد.

وعلى هذه السنة في إثبات صفات الله ممزوجة بأدلتها العقلية التي يلمسها من ينظر إلىسنن الله في خلقه نظر تعقل وتدبر يثبت القرآن عقيدة البعث والجزاء، وهو في ذلك لا يبد بالفكر في أجواء سحيقة حين يتحدث عن الحياة الثانية، بل يخاطب العقل بما لا يستطيعإنكاره، فالذي بدأ الخلق أول مرة يقدر على إعادتهم، لأن الإعادة في العادة أيسر من البداية، وإن كان كل شيء على الله يسيرا، يقول تعالى: (كما بدأكم تعودون)، ويقول: (أوليسالذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم? بلى، وهو الخلاق العليم. إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) ويقول: (بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقالالكافرون هذا شيء عجيب. أئذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد) وهكذا نرى القرآن يردد هذا المعنى

/ صفحة 145 /

في عشرات الآيات، ليقتلع عقيدة إنكار البعث التياستكبرها الناس وظنوها ضرباً من المحال.

وهاتان العقيدتان: عقيدة إثبات الوحدة لله، وإثبات الحياة الآخرة بعد الحياة الدنيا، ليلقي فيها كل جزاءه، هما أساس دين اللهالذي بعث لأجله الرسل وأنزل الكتب، وشرع الشرائع، وهما اللتان ضل فيهما أكثر الناس، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك.

هذه طريقة القرآن في عرض العقائد، وهي طريقةسهلة لا تعقيد فيها، يفهمها البدوي راعي الغنم، ويقبلها الحضري الذي تلوث التقاليد والعقائد الموروثة فطرته، ولا يماري فيها الفيلسوف الذي لا يؤمن إلا بالعقل والنظر،لذلك سرت في الأمة العربية مسرى الماء المنحدر، وأخرجتها في زمن وجيز من جمودها وتحجرها وإسفاف عقلها إلى باحة الحرية، وسماحة النفس، ورجاحة العقل، وصحة الحكم، ولا يرفعالإنسانية من وهدتها مثل معرفة الله والإذعان بأنه وحده المؤثر في الموجودات كلها، وليس له شريك ولا مشير، الخلق كلهم عبيده، وهو صاحب النهي والأمر والتصرف الكامل، وأنالرسل والأنبياء، وفي مقدمتهم خاتمهم عليه وعليهم الصلاة والسلام لا يعلمون غيباً ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا.

هذهالعقيدة هي التي هونت الحياة على المسلمين الأولين، فباعوا نفوساً تموت غداً، بنفوس تحيا أبدا، وهي سر عظمتهم وهيبتهم، فكانوا ينصرون بالرعب، قبل أن ينصروا بالسيفوالرمح.

هذه الطريقة في فهم العقيدة هي أرسخ العقائد وأقواها، لا تزعزعها هوج الرياح، ولا تميل بها أعاصير الأباطيل، يفهمون النصوص على ظواهرها بلا تأويل ويمرون علىما تشابه منها مروراً، مفوضين حقيقتها إلى الله الذي (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (ولم يكن له كفواً أحد) ويقولون: (آمنا به كل من عند

/ صفحة 145 /

ربنا) وبذلكلم يضيعوا وقتهم سدى، ولم يردوا مورداً لا يحسنون الصدور منه، فسلمت لهم عقيدتهم، وبقيت لهم وحدتهم.

طريقة فهمهم للعبادات:

وأما في العبادة فكانوا متبعين لعملالرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يعملون ما يعمل، ويتركون ما يترك، وكان يعلمهم بالعمل والقول، فيقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ويقول: (خذوا عني مناسككم) ويقول: (إيتونيبوضوء لا توضأ لكم) وهذا من التعليم التجريب (كما يقال في عرف هذا العصر) وقد يكون تعليمه نظرياً كتعليمه للرجل المسيء صلاته، الذي قال له حين رآه لا يحسن الصلاة: (إرجع فصلفإنك لم تصل) ثلاث مرات، ثم قال له: (إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) إلى آخر الحديث وهو مشهور، ولم يكونوا يخرجون عن سنته قيد شعرة، فإذا أشكل علىأحدهم فهم شيء وسأله عنه الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يجيبه عما سأل، وكان يبيح لهم الاجتهاد فيما يكون مظنة الإجتهاد، ويقرهم على اجتهادهم وفهمهم، وذلك كنهيه عليهالصلاة والسلام أصحابه عن صلاة العصر إلا في بني قريظة، وكان ذلك عقب الفراغ من غزوة الخندق، ولم يكن أصحابه استراحوا منها، فنزل جبريل
(عليه السلام)

بالأمر بالغزو،فقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة) يريد سرعة مباغتتهم، فبعضهم أخذ النص على ظاهره، ولم يصل العصر إلا بعدوصوله. وقد فاتته الصلاة في وقتها لأنه أخذ بمنطوق الحديث، وبعضهم صلاها في الطريق يحن حل وقتها، وأدرك الآخرين، لأنه فهم من النهي عدم التخلف عن الخروج، ولم يعنف النبي

(صلى الله عليه وسلّم)

أحداً، ولا خطأ اجتهاده.

كان كل همهم من العبادة الاتباع والإخلاص، لا يختلفون في سنة ولا فرض، ولا في شرط ولا ركن.

انقضى ذلك العصرالذهبي للإسلام، وكان عصر تعليم وتركيز للعقيدة، كما كان

/ صفحة 147 /

عصر غزو وفتح لحماية الدعوة والقضاء على الواقفين في سبيلها، لتكون كلمة الله هي العليا،وكلمة الباطل هي السفلى، وقد أبلوا في ذلك بلاء حسناً سجله لهم التاريخ بمداد من النور، وتركوا لنا ذلك الهدى النبوي: كتاب الله وسنة رسوله.

عصر التابعين ومن بعدهم:

فلننظر إلى العصر الثاني عصر التابعين، وما بعده لنرى ما آل إليه الأمر، هل ظللنا على المنهج، أم انحرف بنا الطريق، وكيف نشأ ذلك، وما أسباب هذا التقحم في المهالك بعدالسبيل المهيع؟.

غبر التابعون على هدى من سلفهم، مهتدين بالقرآن والسنة، مجتهدين فيما ليس فيه نص قطعي: يفعل ذلك أو لو الأمر من الأئمة والقضاة، وقواد الجيوش فيالأحكام العامة، كما يفعله الواحد لنفسه إذا احتاج إلى حكم لا نص فيه.

ولا ننسى أن من المراجع التي كانوا يرجعون إليها بعد كتاب الله وسنة رسوله كتاب عمر في القضاء،وكتاب علي للأشتر النخعي في السياسة.

وقد ترك لنا هذا العصر كثيراً من سنن الهدى في العبادات والأحكام القضائية والإدارية ملئت بها كتب السلف، وكانت مرجعاً لمن بعدهمإلى اليوم.

عصر العلم والتدوين:

ثم جاء العصر الذي استبحر فيه العمران، واتسع ملك المسلمين، ودخلت فيه أهم ورثت علوماً وفنوناً، كانت بها أرقى من العرب في هذهالنواحي، وكان على العرب أن يستفيدوا من ذلك حتى لا يكون الغالب أقل من المغلوب، ثقافة، ولأن الدولة قد اشتد ساعدها، واستحصدت مرتها، والعلوم والفنون من أسس الحضارة،ولا تقوم دولة بدونها، لهذا شجع الخلفاء والأمراء النهضة العلمية وكافئوا المؤلفين والمترجمين الذين نشطوا في ترجمة ما وصل إليه العقل البشري من ثمار المعارف، فذخرتالمدن الإسلامية بالعلماء والمؤلفين والمترجمين، ولا سيما بغداد في عصر الرشيد والمأمون، وحذت أمهات المدن حذو بغداد،

/ صفحة 148 /

وانتقلت هذه الحركة إلى ديارالغرب، وسارت الأندلس ومدن أوربة في هذا المضمار، وأقبل العرب على هذه العلوم الجديدة يعبون منها عبا، ويرتوون منها نهلا وعللا، ولم يمض جيل حتى استقل العرب بهذه العلوموالفنون ومحصوها، وأصلحوا أخطاء الواضعين لها، وزادوا عليها من ثمرات قرائحهم.

كان من طبيعة العمران أن تصبح علوم الدين والدنيا فنوناً صناعية، وأن يظهر للتخصص فيكل علم وفن، وكل ذلك حسن، ولكن الأحسن أن تكون هذه العلوم كلها خادمة للقرآن، تحيط به وتدافع عنه، وأن تكون مرقاة لفهمه والتبحر في علومه، حتى يأخذ بحجزها عن التقحم فيالجدل والنقاش الذي لا يتناهى، والذي أفسد على المسلمين أمرهم وجعلهم شيعاً وأحزاباً، متنكبين هدى القرآن في جمعهم، والمحافظة على وحدتهم.

نعم، إن الإسلام دينالحريه والبحث والنظر، وقد أباح، بل أوجب على أهله أن ينظروا ويتدبروا ويعملوا عقولهم فيما تصل إليه أفهامهم دون ما ليس في مقدورهم، وهو كلام الله القطعي الرواية، وأماما كان ظني الدلالة من الآيات أو ظني الرواية أو الدلالة من الأحاديث، فقد أباح لهم النظر فيه بشرط ألا يكون الاختلاف سبباً لتفرق الكلمة، وتحكيم الأهواء، وضرب المسلمينبعضهم ببعض.

ولكن المسلمين اختلفوا. وإذا كان الخلاف من طبيعة البشر، ضرورة اختلاف العقول والميول والبيئات والثقافة، فيجب ألا يخرج الخلاف بالمختلفين عن وحدة الأمةالجامعة، بل يقدر بعضهم بعضاً مع احترام كل لرأي الآخر، وعدم تحقيره، أو التشهير به، بذلك تستبحر العلوم والفنون، وتظل للأمة وحدتها، ويظل للعلم والعلماء الاحترام،وتقدير بعضهم لبعض، لأن الجميع يعملون في ميدان واحد، وكل واحد يؤخذ من قوله ويرد، كما قال الإمام مالك: كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذه الحجرة، ويشير إلى قبرالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن هذا الاختلاف فتح باباً، بل أبواباً للابتداع في الدين، بل للقول على الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فأصبحت السنة بدعة ينكر

/ صفحة 149 /

على فاعلها، ويشهر بمن يدعو إليها، وصارت البدعة هي السنة التي يرضى عنها ويسكت عليها.

اختلاف الأئمة رحمة

كلمة جرت مجرى الأمثال، نعم، كان يجبأن يكون اختلاف الأئمة رحمة بالأمة، فإمام يضيق في بعض المسائل، وآخر يوسع، لا تبعاً للهوى، بل جريا وراء الدليل، ولكل وجهة هو موليها، فمن ييسر يعمل بقوله من لا يستطيعالأخذ بكل العزائم، ومن يلحقه عذر من مرض أو سفر مثلاً يجد له مندوحة من الضيق ومخرجاً، ومن يطيق العمل بكل العزائم فسبيله العمل، ولا يمنعه مانع ما لم يخرجه تشدده عمارسمه صاحب الشريعة، بهذا يظهر يسر الإسلام ورفعه الحرج عن المكلفين، ولكن الأمر جاء على خلاف ذلك، فالخلاف الذي نهى الله عنه بقوله في سورة آل عمران: (ولا تكونوا كالذينتفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) وقوله في سورة الأنعام: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) وقوله في سورة الشورى: (شرعلكم من الدين ما وصى به نوحاً والذين أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) وغيرها من الآيات البينات، الآمرة بالوحدة، الناهيةعن الفرقة كثير. هذا الخلاف الذي نهينا عنه نهياً قاطعاً في أكثر من آية لم يكن رحمة، بل كان نقمة أي نقمة، لأن المختلفين استغلوا هذا الاختلاف في التعصب لمذاهبهم، وحرمواعلى غيرهم أن يقلدوا غيرها ولو للحاجة إليه، وجر ذلك إلى طعن بعضهم في بعض، ورد بعضهم قول بعض، لا بالحجة والإقناع، بل بالهوى الأعمى الأصم، وقد يعرضون عن الدليل منالقرآن أو السنة الصحيحة في سبيل التعصب للمذهب، ناسين أو متناسين أن الإسلام دين يسر لا عسر، وأنه دين العقل والنظر، وأنه دين اتباع لا ابتداع، قال تعالى: (لا يكلف اللهنفساً إلا وسعها) وقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) والرسول صلوات الله وسلامه عليه ـ ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن

/ صفحة 150 /

إثماً، كماروت عائشة ـ رضي الله عنها ـ وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن أعرابياً بال بالمسجد، فثار عليه الناس ليضربوه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (دعوه وصبوا علىبوله دلوا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين).

وفي باب الإستعانة في الصلاة من كتاب البخاري، عن أبي برزة الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ أنه صلى يوماً، وكان معأصحابه في غزوة، وكان لجام فرسه في يده فجعلت الفرس تجذبه إلى الأمام، وجعل هو يتبعها، فلما فرغ من صلاته سألوه عن عمله هذا فقال: إني غزوت سبع غزوات مع رسول الله صلى اللهعليه وآله وسلم وشهدت تيسيره، وإني وإن كنت أن أرجع مع دابتي أحب إلى من أن أتركها ترجع إلى مكانها الذي ألفته، فيشق على رجوعي بدونها. قال الحافظ ابن حجر: إن أبا برزة كانوهو يصلي ممسكاً بزمام فرسه، فنازعته متجهة إلى جهة القبلة ببطء، فكان يلاحقها، فمشيه معها لم يكن كثيراً، بل عمل يسير ليس فيه استدبار للقبله، فلا يضره. أ هـ.

أقول:هذا هو الفقه الذي تتسع له عقول المتحررين، وتضيق به أفكار الجامدين، الذين ضيقوا الخناق على الناس حتى زهدوهم في الدين، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وسنرى كثيراً منأمثال هذه الفتوى.

ويا لله للعجب، إن التعصب بلغ بالكثير منهم ألا يصلي خلف إمام يخالف مذهبه، كأن اختلاف المذاهب الذي هو رحمة للأمة صار اختلافاً في أصل الدين.

ذكر المرحوم السيد رشيد رضا في مقدمته لكتاب المغني لابن قدامة الحنبلي، وهو من أجل كتب الفقه: وقد بلغ من إيذاء بعض المتعصبين لبعض في طرابلس الشام في آخر القرن الثالثعشر الهجري أن ذهب بعض شيوخ الشافعية إلى المفتي وهو رئيس العلماء، وقال له: أقسم المساجد بيننا وبين الحنفية، لأن فلاناً من فقهائهم يعتبرنا كأهل الذمة، بما أذاع في هذهالأيام من اختلاف الأحناف، في هل يجوز للحنفي أن يتزوج شافعية? فقال بعض الأحناف: لا يصح، لأنها

/ صفحة 151 /

تشك في إيمانها، لأن الشافعية يجيزون أن يقول المسلم:أنا مؤمن إن شاء الله، أي وهذا يدل عدم تيقنها في إيمانها، والإيمان لابد فيه من اليقين، وقال بعضهم: يجوز للحنفي أن يتزوج الشافعية حتى لو كانت شاكة في إيمانها قياساًعلى الذمية. أ هـ.

أرأيت كيف انحدر بعض المتعصبين إلى هذه الهاوية؟ جاهلين رحابة الإسلام وتيسيره على الناس، أرأيت كيف يتهجمون على القول بالتحليل والتحريم،والتكفير والتضليل? وانظر إلى السلف الصالح ومسلكهم الحسن، كان الواحد منهم إذا سئل عن مسألة يقول: أكره كذا، أو أخشى أن يكون كذا، أو لا ينبغي أو لا يعجبني ويقول في مقابلذلك: يعجبني كذا أو هذا أحسن.

مسائل يسرها الدين:

من أحكام الحج المسيرة:

(1) أباح ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لمن لم يجد إزاراً أن يلبس السراويل، ولمن لم يجدنعلين أن يلبس الخفين.

(2) روي عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص: أن الناس وقفوا عقب خطبة الرسول يوم النحر يسألون، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح،فقال: اذبح ولا حرج.

(3) وقال آخر: لم أعلم فحلقت قبل أن أرمي، وآخر نحرت قبل أن أرمي، وآخر أفضت قبل أن أرمي، فقال في كل ذلك: أرم ولا حرج.

(4) وقال رجل: أفضت قبل أنأحلق، فقال لا حرج. وقال آخر: أفضت قبل أن أذبح، وآخر رميت بعد أن أمسيت، فقال لكل منهما: لا بأس.

وروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا حرج إلا على رجل اقترض عرض مسلموهو ظالم، فذلك الذي حرج. أي أن الإثم والحرج على من يغتاب مسلماً.

/ صفحة 152 /

وقال شارح الإقناع الحنبلي بعد كلام: قلت: وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة أن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم قال: (إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب) رواه أحمد وأبو داود من رواية محمد بن عجلان وهو ثقة، روى له مسلم، ولأنه عليه الصلاة والسلام هووأصحابه كانوا يصلون في نعالهم، والظاهر أنها لا تسلم من نجاسة تصيبها، فلو لا أن دلكها يجزي لما صحت الصلاة فيها، ولأنه محل يتكرر إصابة النجاسة له، فعفى عنه بعد الدلككالسبيلين. وقال ابن قدامة المقدسي في كتاب ذم الموسوسين والتحذير من الوسوسة: ومن ذلك (يعني أشياء سهل فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشدد فيها بعض الفقهاء) الصلاةفي الخفين والنعلين، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم، وساق النصوص الواردة في ذلك.

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: ذلك على مايستقذر من مخاط أو نحوه من الطاهرات لا يصح لوجوه: أحدها: أن ذلك لا يسمى خبثاً. الثاني: أن ذلك لا يوقت بمسحه عند الصلاة، فإنه لا يبطلها. الثالث: أنه لا يخلع النعل لذلك فيالصلاة، فإن عمل لغير حاجة، فأقل أحواله الكراهة. الرابع: أن الدارقطني روى في سننه في حديث الخلع من رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إن جبريل أتانيفأخبرني أن فيهما دم حلمة ـ والحلم: كبار القراد ـ ولأنه محل يتكرر ملاقاته النجاسة غالباً، فأجزأ مسحه بالجامد كمحل الاستنجاء، بل أولى فإن محل الاستجمار يلاقي النجاسةفي اليوم مرتين أو ثلاثاً. أ هـ.

ولابن تيمية فتوى جليلة في هذا الموضوع، ذكر فيها كل ما ورد في هذا الباب جاء فيها: ولهذا كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأصحابهيصلون تارة في نعالهم وتارة في خفافهم، وتارة حفاة، كما في سنن أبي داود والمسند عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه صلى فخلعنعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما أنصرف قال: لم خلعتم? قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا. قال: فإن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً، فإذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه، فإن

/ صفحة 153 /

رأى خبثاً فليمسحهما بالأرض ثم ليصل فيهما) ففي هذا بيان أن صلاتهم في نعالهم، وأن هذا كان يفعل في المسجد إذ لم يكن يوطأ بهما على مفارش، وأنه إذا رأىبنعليه أذى فإنه يمسحهما بالأرض ويصلي فيهما، ولا يحتاج إلى غسلهما، ولا إلى نزعهما وقت الصلاة ووضع قدميه عليهما كما يفعله كثير من الناس، وبهذا كله جاءت السنة، ثم ساقحديث (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم، ولا خفافهم) فقد أمرنا بمخالفة ذلك، إذ هم ينزعون الخفاف والنعال عند الصلاة، ويأتمون فيما يذكر عنهم بموسى (عليهالسلام)

حيث قيل له وقت المناجاة: (اخلع نعليك، إنك بالوادي المقدس طوى) فنهينا عن التشبه بهم، وأمرنا أن نصلي في خفافنا ونعالنا، وإن كان بهما أذى مسحناهما بالأرض. إلىأن قال: وهذا أصح قولي العلماء، ومع أدلة السنة عليه هو مقتضى الإعبتار، فإن هذا محل تتكرر ملاقاته للنجاسة، فأجزأت الإزالة عنه بالجامد كالمخرجين، فإنه يجزئ فيهماالاستجمار بالأحجار كما تواترت به السنة مع القدرة على الماء، وقد أجمع المسلمون على جواز الإستجمار.

نكتفي بهذا القدر في هذه المسألة، ولدينا مزيد، ومن لم يقتنعبكلام الله وكلام رسوله وما يراه أئمة الهدى فلا يقنعه شيء، وقد كان يجب حمل هذه النصوص على الوجوب، لو لا أن في بعضها تخييراً صرفها إلى الندب والاستحباب، وأقل ما تفيدهصحة الصلاة بالنعلين وأنها جائزة.

ربما يقول قائل: كيف نصلي بنعالنا ومساجدنا اليوم على ما نعرف ونشاهد: زرابي مبثوثة، وخدم يكنسون وينظفون، فإذا كانت مساجد السلفتسمح لهم بالصلاة في نعالهم، فإن من يحاول ذلك بمساجدنا اليوم يكون جزاؤه الضرب والطرد والتنكيل.

إذا قيل ذلك فلنا أن نقول: إننا لم نكلف الناس أن يصلوا بنعالهم في مثلهذه السماجد التي وصفت، ولماذا لا تكون مساجدنا كمساجد الصدر الأول? أتظن أنها كما وصفت، وفوق ما وصفت أجذب إلى المصلين من دواعي الإيمان الصحيح؛

/ صفحة 154 /

إنالناس قد هجروا الصلاة هجراً غير جميل مع ما في المساجد من المرغبات من النظافة والفرش وآلات التهوية في الصيف، فالواجب أن نربي الناس على الدين تربية عملية سليمة، وإذذاك لا يهمهم أسجدوا على حصى أم على فرش، بل إنهم ليتلذذون من وضع جباههم على الأرض خضوعاً لله العلي الكبير، أكثر من تلذذهم بوضعها على هذه الأبسطة الفاخرة.

الأرضكلها مساجد:

كان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي حيثما أدركته الصلاة، لا يتقيد بمكان، قال ابن قدامة في (ذم الموسوسين) وقال عليه الصلاة والسلام: (جعلت لي الأرض مسجداًوطهوراً، فحيثما أدركتك الصلاة فصل) وكان يصلي في مرابض الغنم ويأمر بذلك، قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعيفإنه قال: لا أكره ذلك إذا كان سليماً من أبعارها.

وقال ابن عمر: كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد، ولم يكونوا يرون شيئاً في ذلك. أ هـ.

قلت: إن الآثار في ذلككثيرة، وكلها صحيحة في أن شريعة الإسلام أسمح الشرائع وأيسرها، وأنه لو لا تشدد كثير من مقلدة المذاهب وتصويرهم لها بصورة منفرة، لكان إقبال الناس عليها عظيماً. يقول ابنتيمية رحمه الله: أما الصلاة على السجاد بحيث يتحرى المصلي ذلك، فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار، ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان، بل كانوا يصلون في مسجدهصلى الله عليه وآله وسلم على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها. وقد روي أن عبد الرحمن بن مهدي لما قدم المدينة بسط سجادة، فأمر مالك بحبسه، فقيل له: إنه عبدالرحمن بن مهدي، فقال: أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة?.

الأرض طاهرة:

قال ابن قدامة في كتاب (ذم الوسوسة) روي أبو داود بإسناده، عن امرأة من بين بعد الأشهلقالت: قلت يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة،

/ صفحة 155 /

فكيف نفعل إذا تطهرنا? قال: أليس بعدها طريق تكون أطيب منها? قالت: قلت: بلى، قال: فهذه بهذه.وعن عبد الله بن مسعود قال: كنا لا نتوضأ من موطئ. وعن علي رضي الله عنه: أنه خاض في طين المطر ثم دخل المسجد فصلى ولم يغسل رجليه. وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن الرجل يطأالعذرة فقال:

إن كانت يابسة فليس بشيء، وإن كانت رطبة غسل ما أصابه. وعن حفص أنه أقبل مع عبد الله بن عمر عامدين إلى المسجد، قال: فلما انتهينا عدلت إلى المطهرة لأغسلقدمي من شيء فيهما، أو من شيء أصابهما، فقال: لا تفعل، فإنك تطأ الموطئ الردئ، ثم تطأ بعده الموطئ الطيب، أو قال: النظيف، فيكون ذلك طهوراً، فرضيت بذلك، ودخلنا المسجدفصلينا جميعاً. وعن أبي الشعثاء قال: كان ابن عمر يمشي بمنى في الفرث والدماء اليابسة حافياً ثم يدخل المسجد فيصلي، ولا يغسل قديمه. وعن عاصم الأحول قال: أتينا أبا العاليةفدعونا بوضوء فقال: ما لكم؟ ألستم متوظئين؟ قلنا: بلى، ولكن هذه الأقذار التي مررنا، فقال: وطئتم على شيء رطب يعلق بأرجلكم? قلنا: لا، قال: فكيف بأشد من ذلك? هذه الأقذار تجففينسفها الريح في رؤوسكم ولحاكم. أ هـ.

ونقله ابن القيم في إغاثة اللهفان، ونقل بعضة السيد صديق خان في شرح بلوغ المرام.

أرأيت هذه النقول الحسنة، والنصوص الصحيحةالصريحة? إن ناساً كثيرين أهدروها ولم يعبئوا بها، ذاهبين إلى ما جروا عليه هم وآباؤهم، فإذا صليت بنعليك أمامهم، أو مسحت على الجوربين، أو مشيت حافياً ثم رأوك تصلي،فإنهم يضللونك، ويرمونك بالابتداع والزندقة، وأعقلهم يتهمك بالتساهل في دينك وعدم الأخذ له بقوة.

أعرف أستاذاً جرت له حادثة من هذا القبيل وإليكها:

كان ببلدهم،وكان يزور أحد وجهاء البلد، وقد أدركته صلاة العصر، فقام وصلى بنعليه، وكان غرضه إحياء تلك السنة التي أماتها الناس بالترك، ليوجه أنظار الناس إلى عمل كهذا ليناقشوهفيه، فيقنعهم بجوازه ـ بله ـ استحبابه، ولكن الناس

/ صفحة 156 /

سلقوه بألسنة حداد، وتناقلوا الحادثة إلى البلاد المجاورة لهم، فأصبحت شغل الناس الشاغل،وحديثهم في كل ناد وسامر، فلجأ إلى استفتاء علماء العصر، وكتب استفتاء قدمه إلى علماء الاسكندرية وكانت صيغة الإستفتاء مزدحمة بالأدلة التي لا تخرج عما قدمناه، قال:ولما قيل له: (إن ما ذكرت من الأدلة خاص ببلاد العرب الرملية، قال: إن الدين صالح لكل زمان ومكان، ولم يأت دليل على الخصوص، على أن بلاد الحجاز كغيرها من سائر البلاد، وإلافلا معنى لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فإن وجد بها خبثاً) الخ. فإن الحديث يدل على أنها كانت كغيرها فيها أقذار، وكيف وهم كانوا يقتنون الخيل والبغال والجمال والغنموغيرها على أن الأمر وراء ذلك وهو مخالفة اليهود، ثم قال: ويؤيد ذلك أن سادتنا وعلماءنا في مشيخة الإسكندرية يصلون على الجنازة بنعالهم، ومعلوم أن صلاة الجنازة يشترط لهاما يشترط لها ما يشترط لسائر الصلوات، فلو لا أن ذلك جائز لما أقدم عليه علماؤنا.

كان ذلك بمجلس حافل بالعلماء، وفيه الشيخ أبو الفضل الجيزاوي، وكان شيخاً لعلماءالإسكندرية، ثم صار شيخاً للأزهر، وقد أجاب على الفتوى المشايخ: محمد تاج الدين، ورزق الزلباني، ومصطفى الجزيري، ومحمود حسن حمدان، ومأمون الشناوي الذي صار شيخ الأزهر،ومحمد علي القاضي الطماوي. فجزاهم الله خيراً، وأثابهم على نصرتهم للحق.

ويعجبني أنه لما عرض الاستفتاء على السادة العلماء قال الشيخ تاج الدين:

وأي فتوى تريد بعدفتوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: إن هذا الحكم يعرفه المبتدئون في طلب العلم، ولما أراد أن يمضي على الفتوى قال للشيخ الزلباني: ألا يحسن أن نكتب جملة من كتابتكون كالدليل لما نقول? كما جرت العادة، فقال له: وماذا نكتب بعد الذي ورد في السؤال أو ما هذا معناه. فحيا الله العلماء المنصفين، وجزاهم خيراً، وأكثر من أمثالهم.

/صفحة 157 /

أكتفي بهذا القدر الآن في هذا الموضوع، وأرى أنني لم أوفه حقه من البحث لأنه موضوع شائك ويحتاج إلى تفصيل أوسع، ومناقشات أعرض، لأنه موضوع الإسلام، وأساسهاليسر ورفع الحرج، ولابد للباحث فيه أن يعرض لعناصر كثيرة، منها:

كيف دخل الحرج على المسلمين وهو ليس من دينهم؟.

وما العوامل السياسية والاجتماعية التي سهلت دخولالحرج؟.

وكيف كان العلماء المستقلون يقاومون الجمود، ويعرضون أنفسهم لأذى العامة وأشباه العامة؟.

وكيف كان للسياسية أصابع خفية في هذه النكسة العلمية?.

وماالواجب عمله على أهل الاستقلال العلمي?.

وكيف يحفظون دينهم وشبابهم من الانحلال?.

إلى عشرات من هذه الأسئلة.

وموعدنا في الكتابة عن ذلك فرصة أخرى إن أمهلناالزمان، وساعدنا الرحمن، وهو الموفق للصواب، وملهم الخير، وإلية ترجع الأمور.

/ 1