وظیفة الدین فی المجتمع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وظیفة الدین فی المجتمع - نسخه متنی

احمد أمین بک

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

وظيفة الدين في المجتمع

لحضرة الكاتب الكبير الأستاذ أحمد أمين بك

أمتاز القرن الثامن عشر والتاسع عشر بوضعخطّة ترمي إلى أن يكون العلم أساس الحياة، وبشّر الدعاة فيهما بأن العلم هو الذي يزيل شقاء العالم، ويزيد من سعادته، وهو الذي ينبغي أن تبنى عليه كل نظم الحياة السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية والتربوية. وأدّاهم هذا النظر إلى الاعتقاد (بالجبر) ولكن لا على النحو الذي كان يقول به الأقدمون، وهو أن ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعيةوالسياسية والطبيعية، ترغم الناس على نوع من الحياة لا يمكنهم أن يتحولوا عنه، فالفقر نتيجة طبيعية للنظام الاقتصادي، وسوء حالة الأفراد في بؤسهم وضعف عقلهم واضطرابهموخرافاتهم وأوهامهم، نتيجة طبيعية للنظم السياسية والاجتماعية التي يعيشون فيها، فإذا تغيرت تغيروا، وإذا حسنت حسنوا.

وهذا حق من ناحية أن الحياة ينبغي أن تؤسس علىالعلم، فالمشروعات التي تقترح، ونظم التربية التي توضع، وتنظيم الحياة الاقتصادية ونحو ذلك، كلها يجب أن تبنى على العلم والإحصاء والتجربة.

ولكن خطأ هذه النظرية جاءمن أن العلم ليس كل شئ، وأنه لا يكفي وحده لإسعاد العالم، فانتشار العلم في أوروبا لم يمنع الحرب وويلاتها وأهوالها ولم يحقق الأمل الذي بشّر به العلماء، ولو خيّر أكثرالناس بين بيت أسس على أحدث طراز من العلم والصناعة فجهز بالراديو والتلفون ومكيّفات الهواء وأدوات الزينة ونحو ذلك وسكنته أسرة فقدت أحد أبنائها في الحرب، وبين

/صفحه 27/

بيت أقلّ مدنية وحضارة ولكن سلم أهله من الحرب وويلاتها، لفضلوا البيت الثاني على البيت الأول والحياة الثانية على الحياة الأولى.

لو كان الإنسان جسمافقط يخضع للعلم لصحت هذه النظرية من جميع وجوهها ولكن الإنسان جسم وروح، وعقل وقلب، ومادة وإرادة، فمن قصر النظر أن تنظم الحياة المادية وحدها من غير أن تنظم الروح،وينظم العقل وحده ولا ينظم القلب، وتجري تجارب المادة على الإنسان كأنه جماد من غير أن ينظر إلى إرادته الحرة.

لذلك نجحت المدنية الأوروبية في باب المادة وما يتعلقبها ولم تنجح في باب القلب وما يتصل به. والمدنية الصحيحة هي التي تعالج الإنسان في جانبيه اللذين فطر عليهما وهما جسمه وروحه.

إن العلم في كل أشكاله حتى علم النفسيعالج المادة، والذي يعالج القلب هو الدين، ولا تنتظم سعادة العالم إلا بهما. فإذا غلا العلم فاعتقد أنه يسيطر على كل شئ في الإنسان فقد أخطأ. وإذا غلا الدين وحارب العلمفي دائرته فقد أخطأ.

إن كان العلم يحقق رغبة الإنسان من حيث مادته، فالدين يحقق أمله وطموحه من حيث نفسه وقلبه.

لقد أراد الماديون أن يؤسسوا نظاماً للأخلاق مبنياًعلى العقل البحت فلم ينجحوا. إن الأخلاق إذا كان يحميها القانون فقط أو الحكومة أو الضمير أو الرأي العام لم تكن أخلاق محصنة، فكل هذه الوسائل لا تمنع الإجرام. فكم منالجرائم يستطيع الإنسان ارتكابها ولا يصل إليها القانون ولا الحكومة ولا الرأي العام، وما سمّي بالضمير ليس إلا مرآة منعكسة للعرف والتقاليد.

فالضمير في الهند كانيسمح للزوجة أن تدفن حيّة وراء زوجها، والضمير في أمريكا يسمح للأمريكي أن يعامل الزنجي معاملة الإنسان للغنم. والدين هو الذي يسد هذه الثلمة فيربط قلب الإنسان بربه،وضميره بإلهه، وإلهه مّطلع على خفاياه يحاسبة حتى على نياته، ويراقبه حتى في خلجات نفسه.

/ صفحه 28 /

لذلك كان لابد من الدين لحياة القلب، وحياة الضمير، وتحقيقالسعادة، وبدونه تصبح الحياة جافّة مادية تافهة لا قيمة لها.

هذا فضلاً عن أن الدين هو الذي يتفق والطبيعة الإنسانية، والغرائز البشرية فمن فقد دينه فقد أفسد طبيعته،وجزاؤه على ذلك الحيرة والاضطراب وقلق البال وزعزعة النفس. وخاصة عند الشدائد، أو عند الشيخوخة، أو عند حضور الموت.

وإذا كان الدين هو الذي يتفق والطبيعة البشرية وهوالذي يكمّل نقص العلم، وهو الذي يسعد الناس ويطمئنهم ويرقي بهم، كان ضرورة من ضرورات الحياة أشدّ من العلم.

وليست الأديان كلها بمنزلة واحدة في تحقيق هذا الغرض، فقديضرّ الدين إذا كان دين خرافات وأوهام، يقف حجرة عثرة في سبيل العلم، وقد يضّر الدين إذا كان لا يتفق مع الطبيعة الإنسانية فيدعو إلى العزلة والتبتل والرهبانية، وقد يضرالدين إذا ملأ الإنسان رعباً وخوفاً ورهبة فشّله عن العمل في الحياة، وقد يضر الدين إذا لم يكن روحانيا واقتصر على الانهماك في اللذائذ والاستهتار بالحياة، إنما الدينالصحيح ماسما بالإنسان فوق حاجاته الجسمية، وأوثق الصلة بينه وبين الله العادل الحكيم المتصف بجميع صفات الكمال، المنزه عن جميع صفات النقص، والدين الصحيح هو الذي يبثفي نفوس أصحابه روح الأخوَّة بينهم وبين سائر أفراد البشر لأنهم جميعاً من صنع إله واحد. والدين الصحيح هو الذي يتمشى مع الطبيعة الإنسانية ولكنه يرقيها، ويحيي غرائزهاولكن يعدِّ لها ويلطفها، والدين الصحيح هو الذي يربط عبادة الله وطاعته بخير الناس، ويربط عصيانه بفساد الناس ويبث في نفوس أتباعه حب العدل والإخاء والمساواة وكره الظلموالطغيان والطبقات. والدين الصحيح هو الذي يرقي القلب ويحييه، ويوحى إلى الضمير باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه.

/ صفحه 29 /

والناظر في الإسلام يراه أسِّسعلى هذه المبادئ: فالله رب العالمين، والمؤمنون أخوة، والناس سواسية، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره، والرسل ليسوا إلا بشراً كسائر الناس: رقىاستعدادهم، وتفتحت نفوسهم فأوحى الله إليهم بتعاليمه، وبما يصلح من معاش الناس ومعادهم.

إن الدين على هذا الوضع يدعو إلى الوئام لا الشقاق، وإلى الحب لا الخصام، وإلىعمل الخير لا عمل الشر، وإلى الإكثار من الخير وتلافي الشر ـ إن كان هذا فما أعجبنا من خصام يكون بين الدين الواحد. لقد كان حرياً أن لا يكون خصام بين الأديان المختلفة،فكيف بأهل دين واحد ؟! لقد تبين الرشد من الغي، وتبين أن للإسلام أصولا وفروعاً، وأن أصول الإسلام إيمان بالله وإيمان بحياة أخرى وإيمان برسله، فمن اعتنق هذه الأركان كانمؤمناً وكان مسلماً، وهذه الأركان هي لبُّ الدين. فالخلاف في الفروع خلاف لا يصح أن يكون مثار حرب ولا نزاع ولا عداء، ولئن صح أن يكون خلاف فخلاف يقتصر على المنطق وتبادلالآراء وإقامة حجة أو بطلان حجة، ولا يصح أن يتعدى هذا. فما أعجب قوماً لهم رب واحد، ورسول واحد، وكتاب واحد، يتنازعون في الفروع هذا التنازع العقيم ثم يكفّر بعضهم بعضاً،ويلعن بعضهم بعضا، ويلجأون إلى السلاح في إقامة الحجة، وما كان السلاح يوماً إحدى الحجج ولا وسيلة للإقناع.

إنما نشأ هذا عن ضيق في النظر، وتعصب أعمى، وفساد في الذوق،وانحراف عن أصول الدين، وسياسة تعتمد على التفريق، وجهالة تتجر بالجهل، ولئن صح هذا في العصور المظلمة والعصور الجاهلة، فلا يصح في هذا العصر المستنير العاقل، ولئن صحأن يصدر هذا الخلاف عن أهل دين يقولون بالتعديد فلا يصح عن أهل دين يقولون بالتوحيد !.

/ 1