تفسیر القران الکریم؛ سوره البقره نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القران الکریم؛ سوره البقره - نسخه متنی

محمود شلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القران الكريم

لخظرة‌ صاحب لفضيلة الاستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت

سوره البقره

تمهيد السورة‌ بينغرضيها:‌ طوائف الناس أمام هداية القرآن - المؤمنون، الكافرون، المنافقون، لامنزلإ بين فريقي الجنة و السعير. أصول الدين عندالله: توحيد الله، الإيمان برسالة الإيمانبرسالة محمد(ص) الايمان بالدار الآخرة.

كان مما ذكرناه - و نحن بصدد التعريف بسورة البقرة - أن السورة عنيت بأمرين اقتضتهما حالة المسلمين الذين تركزوا بعد هجرتهم االيالمدينة جماعة مستقلة، و صار لهم جوار من أهل الكتاب عير جوارهم في مكة، هذان الأمران هما:

توجيه الدعوة إلي بني إسرائيل، و مناقشتهم فيما كانوا يثيرونه حول الرسالةالمحدية من تششكيكات و شبه، و في سبيل ذلك أخذت تذكر هم بنعم الله علي أسلافهم، و بما انتاب هؤلاء الأسلاف ما ارتكبوا من صنوف العناد و التكذيب و المخالفة، و هذا هو الغرضالأول الذي استدعاه جوار المسليمن لأهل الكتاب، و استغرق قسما من السورة يبدأ من قوله تعالي: «يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي انعمت عليكم و أوفوا بعهدي و إياي فارهبون» اليآخر آية البرا في منتصف السورة تقريبا: «لس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب» أما الغرض الثاني فهو التشريع الذي اقتضاه تكون المسلمين جماعإ متميزة عن غيرهاعباداتها و معاملاتها، و يبدأ هذا الغرض من أول قوله تعالي آية البر: «يايها الذين آمنو كتب عليكم القصاص في القتلي» إلي آخر السورة‌ الذي كان بيانا لعقيدة المؤمنين.

و قد مهدت السورة أمام هذين الغرضين بأمور ثلاثة:

احدها:‌بيان طوائف الناس أمام هداية القرآن، و قد استغرق ذلك عشرين آية من أؤلها إلي قوله تعالي: «ولو شاء الله لذهببسمعهم و أبصاره أن الله علي كل شي قدير »

و الثاني: بيان اصول الدين عندالله، و قد استغرق ذلك تسع آيات من قوله تعالي: «يأيها الناس أعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين منقبلكم لعلكم تتقون»

إلي قوله تعالي: «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سموات و هو بكل شيء عليم»

الثالث: تذكير بني الإنسان بقصة‌الخلق، و ما قام في شأن آدم من جور في الملأ الأعلي، إذا خلقه لله، و استخلفه في الأرض، و ألهمه معرفة خواص الأشياء، و طبائع الموجودات، لينتفع بها، و إذ تبينت عدواة إبليسله ولذريته،‌حين عصي أمر اًلله في شأنه، و استكبر عن الخضوع له، و قد استغرق ذلك عشر آياتمن قوله تعالي: «و اذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة» إلي قوله تعالي: «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة» إلي قوله تعالي: «والذين كفروا و كذبوا بأياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون».

و حسبنا أن نعرض اليوم إلي الأمرينالأولين، و هما بيان طوائف الناس امام الهدايه القرآنية، و بيان أصول الدين عند الله:-

طوائف الناس أمام هداية القرآن:

بعد أن قرع الله الأسماع، و نبه القلوب، بهذهالأحرف المقطعة التي بدأبها السورة و هي قوله تعالي: «الف لام ميم» أشار إلي القرآن الكريم الذي أنزله علي نبيه محمد(ص) بقوله: «ذلك الكتاب لا ريب فيه، اي هذا هو الكتابالذي تفرد بالسمو من بين الكتب، و تنزه من جميع نواحيه عن أن يكون محلا للشك، أو يدانيه الشك. فهو حق لا ريب فيه، نزل بالحق من عندالله، و بني الحق الذين يرضاه الله، و أخبربالحق الذي يعلمه الله.

ثم بين بعد ذلك أن الانتفاع بالحق لا يكفي فيه مجرد انه حق، و انه مبرأ من العيب و الشك، بل لا بد في الانتفاع به من استعداد ظاهر يتقبل به ذلكالحق، و يندفع الناس معه إلي طريق النظر فيه، و بذلك كان الناس أمام القرآن و ما أنزل الله فيه من هداية، طوائف ثلاثا:

الطائفة الأولي:

طائفة المتقين، و هم الذينحافظوا علي فطرهم التي خلقهم الله عليها، فاتقوا ما يفسدها، و يحول بينها و بين إشراق الحق، فلم تعبث مظاهر المادة باستعدادهم لإدراك ماغاب عن أبصارهم و حواسهم من الحقالثابت، في نشأة العالم، و إبداعه، و تدبيره، و لا بما يجب عليهم من وصل قلوبهم و أرواحهم بالله الذي خلقهم، و أنعم عليهم، بالمحافظة علي وسائل المراقبة، و استشعارالعظمة الدائمة علي الوجه الذي ينمي الصلة بين العبد وربه، و لا بما ينبغي من معونة الانسان لاخيه الانسان والجود بقسط من المال في سبيل تخفيف أعباء الحياة عنه: «الذينيؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون»

و كما لم تعبث مظاهر المادة باستعدادهم لهذا الإدراك؛ لم تمعنهم العصبية ‌الفاسدة لما ورثوا أو عرفوا من قبل،أن يتقبلوا الحق الذي يصدق ما عندهم و إن بزعت شمسه من غير سمائهم: «والذين يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و بالآخرة و هم يوقنون».

من سلمت قطرته من هاتينالعلتين: تسلط المادة و العصبية الفاسدة هم المتقون، و هم الذين ينتفعون بالكتاب، و هم الذين يهتدون به، و يصلون الي أقضي درجات الفلاح و الفوز في الدنيا و الآخرة، و فيهميقول الله عز وجل في هذه السورة: «أولئك علي هدي من رهبم و أولئك هم المفلحون » و يقول في غيرها:

«كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون» «و يري الذين أوتوا العلمالذي أنزل إليك من ربك هو الحق» «إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلي عليهم يخرون للأذقان سجدا و يقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا و يخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا» . «قل هو للذين آمنوا هدي و شفاء» . «وإنه لتذكرة للمتقين»

و هكذا يبين الله في كثير من آيات آلقرآن خلال طائفة الذي تنفع بالقرآن، و تنظر الخير و الفلاحبهدي القرآن.

الطائفة الثانية:

أما الذين فسدت فطرتهم بمور وثاتهم الفاسدة، و أوهامهم الضالة، و عصبيهتم الغاشمة، و طمس استعدادهم لادراك الحق بالمادة المظلمة،فلم يعرفوه، و لم يؤمنوا به، وطغوا و بغوا، و ععاندوا ولجوا في العناد، و أخذوا يحاربون الله و رسوله والمتقين في السر والعلن «و قالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه، وفي آذاننا و قر، و من بيننا و بينك حجاب» فالقرآن عليهم عمي و أولئك هم الكافرون، و فيهم يقول الله عز وجل في سوره البقرة: «إن الذين كفروا سواء عليهم أ أنذرتهم أم لمتنذرهم لا يؤمنون. ختم الله علي قلوبهم وعلي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم» و يقول في غيرها: «و إنا لنعلم أن منكم مكذبين و إنه لحسرة علي الكافرين». «ولا يزيدالظالمين إلا تبارا». لقد حق القول علي اكثرهم فهم لا يؤمنون. إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلي الأذقان فهم مقمحون، و جعلا من بين أيديهم سدا و من خلفهم سدا فأغشيناهمفهم لا يبصرون، وسواء عليهم أ أنذرتهم أم لم تندرهم لا يؤمنون». «سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الآرض بغير الحق و أن يروا كل آية لا يؤمنموا بها، و إن يروا سبيل الرشد لايتخذوه سبيلا، و إن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين». «والذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون».

و هكذا يبين الله في كثير من آياتالقرآن اوصاف هذه الطائفة التي لا ينتظر منها الإيمان بالقرآن، ولا يرجي لها أن تنتفع بشيء من هدي القرآ“،و قد جرت سنة‌ القرآن في التغبير عن هذه الطائفة بالكفافرين،و الفاسقين، و الخاسرين، و الضالين، و المجرمين، و قد كانت هذه الأوصاف التي اكتسبوها لإنفسهم بمحض اختيارهم، و بحكم اندفاعهم في أهواء البيئات الفاسدة، و قصر عقولهمعلي محساتهم أساسا لهذا المصير الذين صورته تلك الآيات، و صورت فيه انسداد مسالك الفهم و الاودراك بالختم علي القلوب. و بالأ كنة فيها القلوب، و بلأغلال في الاعناق، وبالا قماحم، و بالسد من بين إيديهم و من خلفهم، و غير ذلك منكل مايصور انزلاقهم و بعد هم عن الحق، اضطرابهم الذي جنوه علي أنفسهم فهم لا يؤمنون».

هاتان طائفتان: طائفإالمتقين الذين سلمت قلوبهم من مفسدات الإدراك والعلم و النظر و طائفه الكافرين الذين سدت عليهم نافذ الخير و سبل الهداية، و أعلنوا الكفر و العناد.

و هاتان الطائفتانكثيرا ما تحدث القرآن عنهما في مكيه و مدينه، فإن الدعوة لم تخل مرحلة من مراحلها عن مؤمن بها، مصدق لها، و عن كافر بها، جاحد لاياتها.

و يري بعض الناظرين في القرآن أنالله يتحدث في هذه الآيات عن الطرفين الكاملين من الفريقين، فهو حين يصف المؤمنين بهذه الآوصاف يريد أرباب الايمان الكامل الذين لم يلبسوا إيمانهم بشيء ما من المخالفاتو العصيان، كما إنه حين يتحدث عن الكافرين يريد الذين فسدت فطرتهم تماما فلم يعرفوا الخير في صورة ما من صوره، و أن هذا لا ينافي أن من المؤمنين فريقا لم تكمل فيه تلكالصفات، و هم يتراوحون في درجات الايمان المتفاوتة، و هؤلاء ليسوا من الذين يقول الله فيهم: «أولئك علي هدي من ربهم و إولئك هم المفلحون» فإن ذلك خاص بالكاملين.

و الذيأراه أن القرآن لم يجعل الاتصاف بهذه الأوصاف عنوانا علي العصمة من الذنوب أو المخالفة في لون ما من ألوانها، والحكم في هذا هو آلايات الواردة في سورة آل عمران و هي قولهتعالي:‌«و سارعوا إلي مغفرة من ربكم و جنة عرضها السموات و الأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس، و الله فاستغفروالذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا علي ما فعلوا و هم يعلمون؛ أولئك جز اؤهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الآنهار خالدين فيها و نعم أجر العاملين».

نعمبقي فريق ثالث، هو الذي يزعم لنفسه أنه مصدق بالله و باليوم الآخر، و هو يفعل الفواحش ماظهر منها و ما بطن، ولا يذكر الله فيشتغفر لذنبه. بل يستمر طول حياته غافلا عن ربهغير ذاكر لعظمته، اللهم إلا تلك الكلمة التي يجريها علي لسانه، ليعلن بها تصديقه و إيمانه دون أن يكون لهذا الايمان و ذلك التصديق ما يدل علي انطباغه نفي النفس، و تمكنهمن القلب، و هذا في رأينا ليس من فريق المتقين المؤمنين، وليست هناك منزلة بين الذين سعدوا والذين شقوا، و فريقي الجنة والسعير.

الطائفة الثالثة:

و قد رأيناالقرآ“ الكريم يتحدث في المدني خاصة عن طائفة ثالثه إطلق عليها اسم «المنافقين» و هم الذين فسد باطنه كالكافرين، ولكنهم ظهروا بين المسلمين كالمسلمين: قالوا كلمةالتوحيد كما يقولون، و صلوا كما يصلون، و ظنوا أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين.

ولم تظهر هذه الطائفة إلا في المدينة حيث تكون المسلمون، وقويت شوكتهم، و اخافواغيرهم، فضعفت طائفة عن المجاهرة بالكفر و العناد فكتموه في نفوسهم.

وفي هؤلاء تقول السورة «و من الناس من يقول آمنا بالله و باليوم الآخر و ما هم بمؤمنين يخادعون اللهو الذين آمنوا و ما يخدعون إلا أنفسهم و ما يشعرون».

هؤلاء هم المنافقون الذين أعد الله لهم ما شاء من عذاب مقيم، و جعلهم في الدرك الأسفل من النار. يزعمون أنهم مصدرالخير و الصلاح، و هم مبعث الشر والفساد: «و إذا قيل لهم لا تفسيدوا في الأرض قالو إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون».

اتخذوا لأنفسهم وجهين يقابلونهؤلاء بوجه، و هؤلاء بوجه، «مذبذبين بين ذلك لا إلي هؤلاء ولا إلي هؤلاء» «و إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون».

و ما ابتلي المسلمون في أي زمان و مكان بشر من هذه الطائفة: تدبر المكائد، و تروج الأكاذيب، و تزعزع المؤمنين، و تفسد روابط المحبين، و تنفث سموم الشر و الفتن، و قداهتم القرآن بالحديث عنهم، و التحذير منهم حتي لا نكاد نجد سورإ من سور القرآن المدينة تخلو من ذكر هم، و لفت الأنظار إلي أوصافهم، و قد نزلت فيهم سورة كاملة سميت باسمهم .

ساقت سورة البقرة في هذا المقام ثلاث عشرة آية بينت بها حقيقتهم و خواصهم و خطتهم في الحياة، و ضربت لحيرتهم و اضطرابهم بين ما يظهرون من إيمان، و يبطنون من كفر،مثلين واضحين في تصوير حالهم، و سوء عاقبتهم: «مثلهم كمثل الذين استوقد نارا فلما أضات ما حوله ذهب الله بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون». أوكمثل قوم نزل بهم صيت «مطر» من السماء «فيه ظلمات و رعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين، يكاد البرق يخطف ابصارهم كلما أضاء لهممشوا فيه و إذا أظلم عليهم قاموا، ولو شاء الله لذهب بسمعهم و أبصارهم إن اًُلله علي كل شيء قدير».

هذا و ذاك مثلان للمنافقين لله ظهر لهم الحق فالتوت عنه قلوبهم، و بزغعليهم نور الهداية فغشيتهم ظلمة الشهوات و الإ هواء .

هذه الطوائف الثلاث هي صنوف الناس بالنسبة للانتفاع بالقرآن، بينها الله لنبيه و هو شأن لا بد من معرفته لكل داعإلي الحق. لا بد أن يعرف المعاني التي تقابل بها دعوته فيتخذ لها اهبته، ويعامل كل طائفة بما يناسب نزعتها فيطمئن إلي المتقين الذين سلمت قلوبهم، و يريح نفسه من الذينأعلنوا خصومة الحق، و يحترس من المنافقين فلا يولي وجهه شطرهم، ولا يتغير بظواهر هم، ولا ينخذع بأكاذيبهم، و بذلك تستقيم دعوته، و يستقر سلطانه، و تصل أمته إلي أقصيدرجات الخير و الفلاح.

أصول الدين عندالله:

و جهت السورة بعد هذا نداء عاما ألي الطوائف كلها بوصف الانسانية العام «يأيها الناس» الذي جْعل عنوانا في الخلق والتقدير علي العقل و النظر و التدبر، رجاء التخلص مما يفسد عليهم إنسانيتهم التي تقضي باعتناق الحق والعمل بمقتضاه، و التمتع بلذته و الاهتداء بهديه و نوره .

اجملتفي هذه النداء دعوة القرآن التي هي عناصر الحق و أصول الدين عندالله و هي:

التوجه إلي الله وحده بالعبادة

الايمان برسالة محمد(ص)

الايمان بدار البعث والجزاء.

كان القوم مع اعترافهم بأن الله هو الذي خلق الارض و السموات، و أنه هو الذي خلقهم و رباهم يتجهون في العبادة و التقديس إلي غير الله يتقربون أليهم، و يستعينونبهم، و كانوا إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا؛ فأمروا بعبادة الله وحده، وأرشدهم في سبيل ذلك إلي أن الله ربهم هو الذي خلقهم و خلق منكان قبلهم من الاباء و الاجداد، و أن نسبإ آبائهم و أجدادهم إليه سبحانه كنسبتهم إليه: فهو رب الكل، خالق الكل، و المنعم علي الكل.

فليس الحق بالنسبة للجميع إلا ما أمرالله به، ليس ما سواه إلا الباطل، و إن درج عليه الاباء و الاجداد «اعبدو ربكم الذي خلقكم و الذين من قبلكم تتقون».

ثم بعد أن أرشدهم إلي دلائل التوحيد القائمةبأنفسهم. أرشدهم إلي الدلائل المحيطة بهم في أرضه و سمائه، و التي أنعم عليهم فيها بوسائل الحياة و موارد الرزق، فجعل لهم الأرض فراشا، صالحإ للسكني و السعي والانبات، وجعل لهم السماء بناء تشرق عليهم شمسه، و تضيئهم كواكبه، و بذلك صاروا بين نعمتي الآرض و السماء يتمتعون بما تنزل السماء عليهم من ماء، و بما تخرج الارض لهم من طيبات وأرزاق كل ذلك في نظام محكم، و صنع دقيق لا خلل فيه و لا اعوجاج «الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم»

و إذا قد قدتبينتم الدلائل، و عرفتم مصدر تربيتكم والإنعام عليكم، و أنه لا شأن لغير الله في الخلق و الإنعام، فلتتجهوا إليه وحده بالعبادة التقديس، و حذروا كما هو قضية العقل والانسانية البريتة أن تشركوا به شيئا «فلا تجعلو الله أندادا و أنتم تعلمون».

و كان القوم ينكرون علي محمد(ص) رسالته، و ينكرون عليه أن القرآن وحي من عندالله،فحاكمتهم هذه الآيات إلي أنفسهم، و تلطفت معهم أولا المحاكمة: طلبت منهم إن كانوا في ريب من أن الله أنزل القرآن علي عبده و كانوا صادقين في أنه من عند محمد - و محمدبشرمثلهم نشأ في جوهم، و فيما بينهم - أن يأتوا من عند أنفسهم بحديث مثل هذا القرآن، يجمع إلي البلاغة التي خرتت لها الجباه، وإلي الإخبار بالغيوب النفسيية و الكونية والماضية والمستقبلة قوانين الأخلاق، و نظم الاجتماع، و سنن الكون، و أصول التشريع التي لا ينقضها علم، ولا تنبو عنها حياة، طالبتهم بهذا، و طالبتهم أن يستعينوا فيهبمالهم من شهداء و أعوان و أنصار «و إن كنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا فأتوا بسورة‌ من مثله و ادعوا شهداءكم من دون اللهإن كنتم صادقين».

ثم اانقلت بهم من الملاطفةإلي التحدي و التحذير «فإن لم تفعلوا و لن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة إعدت للكافرين».

سجلت عليهم العجز الدائم المستمر عن الإتيانبمثل القرآنلأنه هو سبحانه الذي أنزل القرآن، و هو الذي خلقهم و منحهم القدر التي لا تقدر بطبيعتها علي الاتيان بمثل هذا القرآن الذي هو من صنعه و تفصيله، و لا ريب أن تسجيل العجزالدائم في وقت المعارضة والإنكار هو من أقوي الدلائل علي الوثوق بالحق من جانب صاحب الدعوة، و ليس بعد هذا النوع من التحدي سوي الاذعان بأن القرآن وحي من عندالله، و أنمحمدا رسول الله، و أن إنكار شيء من ذلك لا يكون إلا عن محض العناد، و بدافع الاستكبار.

و في هذا السياق تحذرهم الآيات - أن استمروا علي الكفر - نارا وقودها الناس والحجارة أعدها الله لمن أعرضوا عن الحق و كفروا باياته، و تبشر الذين آمنوا و عملوا الصالحات بجنات تجري من تحتها الأنهار. بذلك أقامت الآيات الحجة عليهم من أنفسهم و منالآفاق في لزوم توحيد الله بالعبادة، و في لزوم الايمان برسالة محمد(ص) ، و في لزوم الايمان بدار البعث و الجزاء.

و هذه الثلاثة هي أصول الدين عندالله بعث بها كل نبي، وطلبها في كل كتاب و أرسل محمدا أرسل محمدا بحددها في القلوب، و يحييها في النفوس فيحيا الناس بها في الدنيا حياة طيبة، و ينعمون بها في الآخرة بلذة خالدة.

ثم قفتالسورة علي هذه الأصول بلفت الأنظار إلي بعض نواحي الأدلة الكونية الدالة علي حقيقة هذه نالدعوة، و استبعاد أن يكفر إنسان ذو عقل بها بعد تبينها في الأنفس و الآفاق «كيفتكفرون بالله و كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحيكم ثم إليه ترجعون هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوي إلي السماء فسواهن سبع سموات و هو بكل شيء عليم».

هذاعرض موجز للنواحي التمهيدية التي جاءت في أوائل سورة البقرة بين يدي غرضيها الرئيسيين. وإلي اللقاء في العدد المقبل إن شاء الله؟

/ 1