تفسیر القرآن الکریم؛ سورة النساء (2) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة النساء (2) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت

سورة النساء

خلاص ما سبق ـ أحكام المال ـ عناية القرآن باليتامى في أنفسهم وأموالهم ـ تعدد الزوجات في الاسلام ـ تكافل الامة ومسئولية بعضها عن بعض ـ حث الاسلام على تحريك الاموالوتثميرها ـ عناية القرآن بتقوية أخلاق اليتامى واحسان تربيتهم ـ علاقة الوصي باليتيم ـ أساس قانون المجالس الحسبية ـ حقوق النساء ـ أحكام الارث في هذه الآيات ـ أثرالقدوة العملية في الأمة ـ الحكمة في ابطال التبنى ـ ميراث الابناء ـ ميراث الوالدين ـ ميراث الزوجين ـ ميراث الاخوة.

خلاصة ما سبق:

قلنا في العدد الماضي،اجمالا لما عرضت له سورة النساء من أحكام وارشاد في نواحي الجماعة، ان احتفاظ الامم بكيانها يرتبط بأمرين عظيمين: الاستقرار الداخلي والاستقرار الخارجي، وقلنا انالاستقرار الداخلي أساسه صلاح الاسرة، وقوة النظم التي تتألف منها وتسير عليها، وصلاح المال، وأن يكون هذا وذاك

في ظل تشريع قوى عادل مبنى علىمقتضيات الطبيعة الانسانية، مجرد من تحكيم الاهواء والشهوات، وان الاستقرار الخارجي أساسه احتفاظ الامة بشخصيتها والاستعداد لمقاومة الشر الذي يطرأ عليها والعدو الذييطمع فيها، وقلنا ان سورة النساء قد تكفلت بوضع أسس الاحكام التي تصلح بها هذه النواحي، وبها يتحقق استقرار الامة داخليا وخارجيا. وانها في سبيل ذلك عرضت الى الموضوعاتالآتية: الاسرة، المال، أساس الجماعة الاسلامية، مصادر التشريع، تقوية العنصر الروحي في القلوب، ألوان التمرد على التشريع، مكافحة الآراء والشبه الضارة بالعقيدة،الاستعداد بالقوة المادية لحماية الحق ورد غائلة الطامعين.

وعرضنا لما تضمنته السورة من المبادىء التي أراد الله أن يحكم بها بناء الاسرة ويشيده عليها، ونتابع سيرنافي بيان سائر النواحي التي عرضت لها السورة الكريمة، والتي أشرنا اليها.

* * *

أحكام المال:

عنيت السورة في ناحية المال بوضع أحكام من شأنها اذا روعيت وطبقتحق التطبيق استقرت الحياة، وهدأت النفوس، واطمأنت القلوب وانصرف كل عامل الى عمله والقيام بواجبه، وانتفع كل ذي حق بحقه، وعنى كل ذي شأن بشانه.

عناية القرآنباليتامى في أنفسهم وأموالهم:

بدأت في هذا الشأن بأموال اليتامى، وللقرآن الكريم عناية خاصة باليتيم لصغره وعجزه عن القيام بمصالحه التي تحفظ له حسن الحياة فيالمستقبل، وتقى الأمة شر الضرر الذي يحيق بها من عدم تربيته لفقده الأب الذي يكفله ويهذبه ويرعاه.

وقد ظهرت هذه العناية في القرآن منذ الفترة الأولى حين بدأ الوحي الىالفترة الأخيرة حين قارب الوحي التمام والكمال: ظهرت في مكي القرآن حينما عاد الوحي الى الرسول (صلى الله عليه وسلّم) بعد انقطاعه مدة طال فيها على الرسول

انتظاره حتى توجس في نفسه أن يكون الله قد ودعه وقلاه، فاجأه الوحي مؤكداً له رعاية الله اياه، وأنه ما ودعه وما قلاه، وأخذ يثبت ذلك في نفسه، ويذكره بعناية اللهبه قبل النبوة وهو يتيم أحوج ما يكون الى العطف والايواء ((ألم يجدك يتيما فآوى)) وبذلك أشعر قلبه من أول الامر بأن اليتيم الذي ذاق مرارته ينبغي أن يكون باعثاً له علىالعطف على اليتيم، والنظر اليه بعين الرحمة، والعمل على ايوائه وتكريمه، ثم يطلب منه شكر الله على نعمته التي أنعم بها عليه حين وجده يتيما فآوى، وأن يكون ذلك الشكر مننوع هذه النعمة عطفاً على اليتيم كما أنعم الله عليه بالعطف وهو يتيم ((فأما اليتيم فلا تقهر)) وان رسالة تؤسس على رعاية مثل هذه الاعتبارات لرسالة الرحمة العامة والخيرالعميم.

ثم تظهر هذه العناية في المكي أيضاً في صور أخرى من شأنها أن تدفع بالقلوب ـ مهما كانت قاسية ـ الى أن تتفجر منها ينابيع الرحمة باليتيم، فمن ذلك قوله تعالى:((أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين)).

يجعل ازدراء اليتيم واهمال شأنه، وعدم الاكتراث بأمره آية واضحة من آيات التكذيب بيومالدين، ويصرح بأن دعوى الايمان مع ذلك دعوى كذب و نفاق ورياء.

ومن ذلك أنه يجعل الوصية به والاحسان اليه احدى الوصايا العشر التي لم تنسخ في ملة من الملل، والتي يبدؤهاالله بقوله لرسوله في سورة الانعام: ((قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا…)) الى أن يقول: ((و لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده)) ومنتأمل أسلوب هذه الآية رأى أن الوصية باليتيم قصد فيها الى النهي عن ((قربان)) ماله، وأن تسليط النهي علي ((القربان)) على هذا النحو لم يرد في شيء غير النهي عن مال اليتيم الافي الوصية بالنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن ما عداهما كان النهي فيه مسلطاً على نفس الفعل حتى الشرك بالله: لا تشركوا، ولا تقتلوا

أولادكم، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله … الخ. وذلك يدل على مقدار العناية الالهية باليتيم وشأنه، ويوحى بأن الاعتداء عليه هو عند الله في مستوى ارتكاب الفواحش ماظهر منها وما بطن.

وكما ظهرت العناية باليتيم في المكي هكذا ظهرت في المدنى في صور شتى، ومن ذلك قوله تعالى في سورة البقرة: ((ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وانتخالطوهم فاخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم ان الله عزيز حكيم)).

تأثرت نفوس القوم بالوصايا المكية، وصاروا من أمر اليتيم في حرج وضيق. ماذايفعلون؟ أيتركون القيام عليه فيفسد أمره ويضيع ماله، أم يقومون عليه ويعزلونه عن أبنائهم في مأكله ومشربه فيشعر بالذلة والمسكنة، توجهت النفوس الى طريق ينقذهم من هذهالحيرة ويحفظ لليتيم عزته، ويقيهم شر الاعتداء عليه، فقيل لهم: اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح)).

ثم تجيء سورتنا هذه فتظهر فيهاالعناية باليتيم ظهوراً واضحاً عاماً، فتأمر بالمحافظة على أموال اليتامى، وتحذر من دفع أموالهم اليهم، وتحث على القيام بحقوقهم، وتأمر بابتلائهم واختبارهم فيالمعاملات، وترشد الى الوقت أو الحال التي تسلم فيه أموالهم اليهم، والى ما ينبغي أن يتخذ حين ذلك التسليم.

ثم تختم بالتحذير الشديد من اهمال شأن اليتامى وأكلأموالهم، وتذكر الوعيد في ذلك. تقرأ ذلك كله من قوله تعالى: ((وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب، ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم انه كان حوباًكبيراً…)) الآية الثانية الى قوله تعالى: ((ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيراً)) الآية العاشرة.

وقد مهدت السورة لهذهالأحكام في آيتها الأولى، فطلبت تقوى الله، وتقوى الرحم، وأشعرت الناس أنهم جميعاً خلقوا من نفس و احدة، أي فاليتيم وان كان

من غير أسرتكم فهو رحمكموأخوكم فقوموا له بحق الأخوة، وحق الرحم، واعلموا أن الله الذي خلقكم من نفس واحدة، وربط بينكم بهذه الرحم الانسانية العامة رقيب عليكم يحصى عليكم أعمالكم، ويحيط بما فينفوسكم، ويعلم ما تضمرون من خير أو شر فيحاسبكم عليه. وبعد هذا التمهيد الذي من شأنه أن يملأ القلوب رحمة، وأن يأخذ بالانسان الى حصن منيع يقيه غضب الله وسخطه، ويدفعه الىالعمل بأحكامه وارشاده، بعد هذا يأمرهم بحفظ أموال اليتامى حتى يتسلموها كاملة غير ناقصة، ويحذرهم الاحتيال على أكلها عن طريق المبادلة ((ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب)) أوعن طريق الخلط ((ولا تأكلوا أموالهم الى أموالكم)) والمبادلة والخلط طريقان يكثر الاحتيال بهما على اعتيال أموال اليتامى تحت ستار الاصلاح بالبيع والشراء باسم أنه منفعةلليتيم، أو بالخلط والشركة باسم أنه أعز لليتيم وأكرم.

وقد كان بعض أولياء اليتامى ينزع الى التزوج بمن يلى أمرها من اليتيمات اللائي يحل له زواجهن، أو الى تزويجهابعض أبنائه اذا كانت لا تحل له، ويتخذ هذا أو ذاك ذريعة الى أكل مالها أو أكل مهرها الذي تستحقه بعقد الزواج، فلما نزلت الآية السابقة وسمعوا هذا الوعيد الشديد، وقرعأسماعهم أن الاساءة في مال اليتيم، والاحتيال على أكله بهذه الأساليب الخداعة حوب كبير واثم عظيم انصرفت نفوسهم عن التزوج من اليتيمات متخوفين سوء العاقبة.

وقدأرشدتهم الآيات الى أنهم ان لم يأمنوا على أنفسهم العدل في أموال اليتيمات وحسن معاشرتهن وتسليمهن حقوقهن اذا تزوجهن أو زوجن أبناءهن منهن أرشدتهم الى ترك التزوج بهنحفظاً لأنفسهم من الوقوع في هذا الاثم العظيم، ولفتت أنظارهم الى باب واسع هو التزوج بغيرهن من الأجنبيات اللاتي تميل اليهن نفوسهم، فذكرت لهم اباحة التزوج بثنتين وثلاثوأربع، وذلك في قوله تعالى: ((و ان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)) يريد أنه لم يضيق عليكم في أمر الزواج حتى تقفوا فيه عند حداليتيمات

اللاتي تتحرجون من سوء معاشرتهم وخوف أكل أموالهم، فلكم في الزواج بما طاب لكم من النساء متسع عظيم.

تعدد الزوجات في الاسلام:

وقد كانت هذه الآية مصدراً لتشيع تعدد الزوجات في الاسلام، وهي مسألة كثير فيها الكلام قديماً وحديثاً واتخذها أعداء الاسلام سبيلا للطعن في التشريع الاسلامي، مع أنهالم تذكر كما ترى تشريعاً مقصوداً لذاته، و انما ذكرت طريقاً للخلاص من تخوف الوقوع في ظلم اليتيمات حين التزوج بهن، هذا ولنا بحث مستفيض في هذه المسألة عرضنا فيه لتاريختعدد الزوجات، كما عرضنا فيه لبيان أن الآية هل أباحث التعدد على وجه الرخصة عند حالات طارئة، أو أنها جعلت اباحة التعدد هي الأصل، وطلبت الاقتصار على الواحدة عند خوفعدم العدل بين الزوجات، وفي سبيل ذلك عرضنا الآيات التي جاءت بأحكام الترخيص عن أصل ثابت مقرر وقارنا بينها وبين هذه الآية، كما أوضحنا في هذا البحث الأسباب الطبيعيةالتي دفعت الى ظاهرة تعدد الزوجات، والى موقف المسلمين خاصتهم وعامتهم منذ العصر الاول للتشريع الاسلامي الى يومنا هذا من تعدد الزوجات، ونرجو أن تتاح لنا فرصة قريبةلنشر هذا البحث في (رسالة الاسلام) ان شاء الله(1).

ولنرجع الى موضوع الآيات، فنقول:

يأمر الله بالمحافظة على أموال اليتامى، ثم يحذر الاولياء تسليم أموالهم اليهم،ولا ريب أن مبنى ذلك وأساسه عدم قدرتهم على ضبط نفوسهم في التصرف، وضعف عقولهم عن ادراك ما هو خير وصلاح، ولهذا عبر عنهم بوصف السفهاء اثارة لعاطفة الرحمة بهم، واشارة الىشمول الحكم لغيرهم ممن يتحقق فيه ذلك

(1) رسالة الاسلام ترحب بهذا البحث أيما ترحيب، وتشكر لفضيلة الشيخ الجليل عنايته بها معتزة مغتبطة.

الوصف، كالمجنون والمعتوه والصبي الذي لا يعقل، وسيء التدبير والتصرف، وذلك قوله تعالى: ((ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيهاو اكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا)).

تكافل الأمة ومسئولية بعضها عن بعض:

ولنقف عند قوله: ((و لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما)) لنعلم ما يوحى بهمن تكافل الأمة ومسئولية بعضها عن بعض، ومن أن المال الذي في يد بعض الأفراد ((قوام للجميع)) ينتفعون به في المشروعات العامة، ويفرجون به أزماتهم وضائقاتهم الخاصة عن طريقالزكاة، وعن طريق التعاون وتبادل المنافع، وهذا هو الوضع المالي في نظر الشريعة الاسلامية، فليس لأحذ أن يقول: مالي مالي، هو مالي وحدي، لا ينتفع به سواي، ليس لأحذ أنيقول هذا أو ذاك، فالمال مال الجميع، والمال مال الله، ينتفع به الجميع عن الطريق الذي شرعه الله في سد الحاجات ودفع الملمات، وهو ملك لصاحبه يتصرف فيه لا كما يشاء ويهوى،بل كما رسم الله وبين في كتابه حتى اذا ما أخل بذلك فأسرف وبذر أو ضن وقتر حجر عليه، أو أخذ منه ـ قهراً عنه ـ ما يرى الحاكم أخذه من مثله.

حث الاسلام على تحريك الاموالوتثميرها:

ولنقف مرة أخرى عند قوله: ((وارزقوهم فيها)) لنعلم ايحاء آخر يوجه النفوس الى أن رؤوس الاموال لا يصلح أن تبقى جامدة غير متحركة، ولا واقفة غير مثمرة، فهويطلب أن يكون الرزق فيها لا منها، فهي باقية والرزق من أرباحها المشروعة، وقد أفصح عن هذا الايحاء ما صح من قوله (صلى الله عليه وسلّم) في خطبة له: ((ألا من ولى يتيما لهمال فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة)).

عناية القرآن بتقوية أخلاق اليتامى واحسان تربيتهم:

ولنقف مرة ثالثة عند قوله: ((وقولوا لهم قولا معروفا)) لنعلممقدار عناية القرآ، بتربية اليتامى تربية تهذب أخلاقهم، وتكفل لهم حسن المستقبل، وذلك

يكون بالارشاد الى ما هو خير ونافع، والتحذير مما هو شر وفساد.هذا وتربية اليتامى من الشئون التي يجب على أهل الرأي وأولى الأمر في الأمة أن يعنوا بها عناية خاصة حتى لا يكونوا عناصر فساد في الأمة، أو منبت شقاء لها بسريان عدوى فسادالأخلاق منهم الى من يخالطون من أبناء الأمة، فالعناية بهم عناية بتكوين الأمة، واهمالهم فتح لباب شر مستطير ينزل بالأمة في عزتها وكرامتها، وليس أدل على وجوب العنايةبأمر اليتامى في التربية العملية من قوله تعالى: ((وابتلوا اليتامى)) يأمر باختبارهم، وتدريبهم على التصرف والقيام على بعض الشئون لينظر أيحسنون أم يسيئون؟ فاذا أحسنواوسعت لهم دائرة الاختبار، واذا أساءوا أرشدوا وعلموا، تأمر الآية باختبارهم على هذا النحو حتى يصلوا الى درجة الرشد، وتعرف قدرتهم على ضبط الاموال وحسن التصرف، فتسلمأموالهم اليهم ليباشروا شئونها بأنفسهم، ويدخلوا بها في معترك الحياة.

علاقة الوصي باليتيم:

ولما كان الوصي لا يخلو حاله من أن يكون غنياً بماله لا يحتاج فيكفافه الى غيره أو فقيراً لا يملك ما يدفع به حاجته، أرشدهم الله الى أن الغني ينبغي له أن يترفع عن تناول شيء هو في غنى عنه من مال اليتيم، وأن عليه أن يجاهد نفسه فيالتحلى بالعفة ليكون عمله في صون اليتيم وحفظ ماله عملا انسانيا فاضلا يبتغى به وجه الله ورضاه، وأباح للوصي الفقير أن يأخذ من مال اليتيم بقدر ما يسد حاجته التي لاينكرها عليه أصحاب العقول: تقرأ ذلك كله في قوله تعالى: ((وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح، فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم ولا تأكلوا اسرافا وبدارا أنيكبروا، ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف فاذا دفعتم اليهم أموالهم فأشهدوا عليهم، وكفى بالله حسبيا)).

أساس قانون المجالسالحسبية:

وقد كانت هذه الآيات الواردة في شأن اليتيم والسفهاء أساساً لقانون المجالس الحسبية التي وكل اليها اقامة الاوصياء على اليتامى والسفهاء، ومحاسبتهم علىتصرفاتهم في الاموال التي أقيموا عليها.

ومع هذه المحاسبة التي يوجبها الله على أولياء الامر للاوصياء، فان الله سبحانه وتعالى يختم هذه الآيات بوعيد من شأنه أنيباعد بين الاوصياء المؤمنين، وبين التفريط في شيء من حقوق اليتامى، وأن يجتث من قلوبهم بذور الطمع فيهم، وذلك قوله تعالى: ((وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاخافوا عليهم فليتقوا الله، وليقولوا قولا سديدا، ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)).

حقوق النساء:

وكما عنيتالسورة في هذا المقام بحقوق اليتامى والسفهاء المالية على هذا النحو عنيت أيضا بهذه الحقوق في جانب النساء، والنساء يشاركن اليتيم في الضعف وعدم القدرة الطبيعية علىالمكافحة ومنافسة الرجال، وفي سبيل ذلك أبطلت ما كان عليه أهل الجاهلية من عدم توريثهن كما أبطلت عدم توريث الاطفال وألغت الأسباب التي كان أهل الجاهلية يعتمدون عليهافي توزيع الميراث، وبهذه المناسبة عرضت السورة الى الوارثين والوارثات، مفصلة في ذلك أنصباء الجميع. وقد جاء ذلك في قوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظالانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وان كانت واحدة فلها النصف، ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد، فان لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمهالثلث، فان كان له اخوة فلأمة السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً، فريضة من الله ان الله كان عليما حكيما، ولكم نصف ما تركأزواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن

ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد فان كان لكم ولدفلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين، وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت، فلكل واحد منهما السدس فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعدوصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم)).

وهناك آية ثالثة ختمت بها هذه السورة الكريمة، وهي قوله تعالى ((يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة انامرؤ هلك ليس له ولد، وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد، فان كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وان كانوا اخوة رجالا ونساءاً فللذكر مثل حظ الانثيينيبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم))، بهذه الآيات بين الله الوارثين والوارثات ونصيب كل وارث.

وقد اتخذها فقهاء الاسلام وائمته مصدراً لعلم الفرائض الذيأفردوه بالتأليف والتدوين وجعلوه علماً قائماً بذاته: بينوا فيه الحقوق المتعلقة بالتركة وأسباب الارث وشروطه وموانعه، كما بينوا أصناف الوارثين والوارثات وما يطرأعلى الوارث من حجب كلي أو جزئي الى آخر ما أوردوا من المسائل المتعلقة بالميراث وتوزيعه.

أحكام الارث في هذه الآيات:

و قد كنا في غنى عن شرح هذه الآيات اكتفاءبالرجوع الى كتب هذا الفن لولا أن رأينا أن أكثر قراء المجلات الدينية لا يسهل عليهم أخذ تلك الاحكام من الكتب الفقهية:

أولاً: لكثرة ما اشتملت عليه من بحوثواستدلالات وفروض.

وثانياً: لأنها مؤلفة بأساليب قد لا تساعدهم على هضمها ثقافتهم الخاصة التي لم تعرف هذه الأساليب، ولندرك من جهة أخرى حسن البيان مع الدقة فيماتضمنته ودلت عليه هذه الآيات الثلاث فقط، وكيف أنها تضمنت أصول هذا

العلم بوضوح يكتفى به النابه اليقط في معرفة فرائض الله وتشريعه في أحكامالمواريث، فهو بلا شك بيان تعجز عنه من البشر نهاية القوى والقدر ولا يكون الا من خالق القوى والقدر فسبحانه من خالق قوى ومشرع حكيم.

بينت هذه الآيات الثلاث الوارثينوالوارثات ونصيب كل وارث بالأوصاف والعناوين التي قررها الله سبباً في استحقاق الارث كالبنوة والأبوة والأمومة والزوجية، والأخوة، وقد ألغت بالنسبة الى أصل الاستحقاقالذكورة والانوثة والصغر والكبر، وسوت بين الذكر والانثى، كما سوت بين الصغير والكبير، وجعلت للكل حقاً في الميراث، كما اعتبرت للزوجية مكانها وجعلتها سبباً من أسباباستحقاق الارث، وبهذا أبطلت ما كان عليه العرب من جعل الارث بالنسب قاصراً على الرجال دون النساء والاطفال، وقد كانوا يقولون في ذلك: ((لا يرث الا من طاعن بالرماح، وداد عنالحوزة، وحاز الغنيمة)) فأبطل الله ذلك وجعل الميراث بالنسب عاما للرجال والنساء، والصغار والكبار. وجاء في ذلك على وجه العموم: أولا قوله تعالى: ((للرجال نصيب مما تركالوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً)). ثم جاءت الآيات الثلاث وفيها التفصيل والتصريح بما يعم الرجال والنساءوالصغار والكبار.

عدلت الآيات استحقاق الارث بالنسب على الوجه المتقدم، ولم تعرض لسببية التبنى فيه، وقد كان التبنى ـ وهو أن يتخذ الرجل انب غيره ابناً له ملحقاً بهفتقطع صلته بأبيه وتلزمه واجباته في الحياة ويرثه بعد الموت ـ سبباً من أسباب الارث التي كان العرب بها يورثون، ولم يقف القرآن في ابطال التوريث بالتبنى المذكور عند حداسقاطه من أوصاف الوارثين والوارثات، بل صرح ببطلانه واهدر آثاره، وأرشد فيه الى ما يقضى به العقل الصحيح، والمنطق المستقيم، وذلك في قوله تعالى من سورة الاحزاب ((وماجعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فأخوانكم في الدين ومواليكم)). و قدتبنى النبي صلى الله عليه

و سلم قبل هذا التشريع زيد بن حارثة جريا على ما كان معروفا عند العرب من اعتبار التبنى واقراره، فلما جاء القرآن بابطالالتبنى أمر الله نبيه أن ينفذ بنفسه تطبيق ذلك التشريع الجديد حتى يكون عند الأمة باعثاً على الامتثال والمسارعة الى القبول دون تحرج من ترك ما ألفوا.

أثر القدوةالعملية في الأمة:

ولا ريب أن القيادة العملية أفعل في النفس ـ وبخاصة بالنسبة للعادات الموروثة المتأصلة ـ من مجرد اعلان التشريع الجديد، وابطال السابق عليه،وهذه طريقة كثيرا ما كان يلجأ اليها النبي (صلى الله عليه وسلّم)، وكانت تستتبع آثارها من اندفاع الناس وراءه في العمل والامتثال، ولو أن ولاة الامور في الاسلاماقتفوا هذه السنة المباركة، وتقدموا الأمة في عمل ما يطلبون بالتشريع والكف عما يحذرون بالتشريع لكان لنا شأن غير الشأن، ومكانة غير المكانة، ولكن هكذا قدر، وابتلىالمسلمون بقوم يشرعون ويكون تشريعهم للناس في جانب، ووضعهم الشخصي في جانب آخر ومن هنا ضعفت قيمة التشريع في نفوس الناس، ولم توجد لديهم القوة التي تحفزهم على الامتثالوالتنفيذ الا بقدر ما يتحللون من طائلة العقاب والزج الى السجون.

أمر الله النبي (صلى الله عليه وسلّم) بتنفيذ التشريع الجديد، وطلب منه أن يتزوج حليلة مولاه زيدبن حارثة بعد أن طلقها زيد. وجاء ذلك في قوله تعالى من سورة الاحزاب أيضاً ((فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم اذا قضوا منهنوطرا وكان أمر الله مفعولا، ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدراً مقدوراً)).

بذلك بطل هذا النوع من التبنى وطويتصفحته الجاهلية، وصار في الشريعة الاسلامية مهدراً ومحرما، لا يصح لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يفعله، ولعل من واجب قراء (رسالة الاسلام) علينا أن يعرفوا الحكمة في ابطالهذا

النوع من التبنى وتحريمه ليتبين لهم مقدار حدب الشريعة الاسلامية على حفظ الانساب والحقوق التي لابد منها في نظام الحياة.

الحكمة في ابطالالتبنى:

وليس من ريب أن هذا التبنى فيه:

أولا: حرمان الأب الحقيقي من أن يتصل به نسله المنسوب اليه في الواقع وفيما يعلم الله، وحرمانه من النصرة والمعونة التيأساسها اتحاد الشعور بالمسئولية ورابطة البنوة الحقة.

وثانياً: تضييع حقوق الورثة الذين تحقق سبب ارثهم الشرعي من الأب الكاذب ((المتبنى)) وبذلك تقع العداوة والبغضاءبينهم وبين مورثهم ودعية الذي تبناه وضيع به حقهم في التركة.

وثالثا: أن المتبنى ((الولد الزور)) يدخل على زوجة المتبنى وبناته باسم البنوة والاخوة، ويعاشرهن على أساسمنهما وهو أجنبي عنهن لا يباح له منهن ما يباح للابن أو الأخ الحقيقي لهن، وبقدر ما تتركز هذه البنوة الكاذبة في هذه الأسرة المدخولة فان البنة الحقة في الأسرة الحقة تسيرالى الفناء والمحو والزوال حتى ينسى الشعور بها أصلا، فتنسى الأم التي ولدته، وتنسى الأخت التي اجتمت معه في بطن واحدة، وقد تدفع ظروف المستقبل أن يتزوج من أخواته أوأبنائهن، وبذلك تضيع الأنساب، ويختل نظام الأسر، ويعيش المرء في حياته الزوجية مع من حرم الله عليه التزوج بها ((حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكموبنات الأخ وبنات الأخت)) وفي هذا قال بعض العلماء ((لو فتح باب الانتفاء من الأب لأهملت هذه المصالح ولاختلطت الانساب ولضاعت حكمة الله في جعل الناس شعوباً وقبائل)).

وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلّم) ((أيما امرأة أدخلت على قوم ما ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الجنة، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر اليه احتجب اللهمنه وفضحه على رؤوس الخلائق)).

ولنرجع الى ما تضمنته الآيات من أنواع الارث فنقول:

عرضت الآيات للارث بالبنوة، والأبوة، والزوجية، والأخوة. وهيعلى الترتيب الآتي:

ميراث الأبناء:

دل قوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وان كانت واحدةفلها النصف)) على أن الولد الذكر صغيراً كان أم كبيراً واحداً أم متعدداً متى وجد مع الأنثى واحدة أو متعددة فله سهمان ولها سهم، ولا فرق في ذلك بين أن يكون معهم صاحب فرضأو لايكون، الا أنه في الأولى يقتسم الذكور والاناث ما بقى بعد أخذ صاحب الفرض فرضه، وفي الثانية يقتسمان كل المال.

وعلى أن الأنثى اذا انفردت عن الذكور ان كانت واحدةفلها النصف، وان كن ثلاثاً فلهن الثلثان، ولم تذكر الآية الانثيين الثنتين، وجمهور العلماء على أنهما كالثلاث، لهما الثلثان لأن الذكر مع الواحدة يرث الثلثين، واللهيقول ((للذكر مثل حظ الانثيين)) فيكون الثلثان هما حظ الأنثيين. ولما كان يتوهم أن نصيبهما يزيد عن الثلثين عند زيادتهما نفى ذلك في قوله: ((فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثاما ترك)) وبالنص على نصيب الذكر مع الأنثى، وعلى نصيب الأنثى الواحدة علم أن الذكر اذا انفرد يأخذ التركة كلها، واذا كان معه أخ أو أكثر كانت التركة بينهم بالمساواة، وعلمأن البنات مهما كان عددهن لا يستغرق نصيبهن التركة، بل يأخذن الثلثين فقط ويكون الباقي للعصبة.

وقد جاء التعبير عن استحقاق الأنثى ـ وقد كان العرب يحرمونها منالميراث ـ بهذا الأسلوب الذي يدل على أصالتها في الارث، وينسب الذكر اليها، مبالغة في ابطال ما كانوا عليه من حرمانها، وكأن ارثها هو الأصل وحمل عليه ارث الذكر ولهذا لميقل مثلا: ((للأنثى نصف حظ الذكر)) وقال: ((للذكر مثل حظ الانثيين)).

ويجدر هنا أن نشير الى أن خصوم الاسلام اتخذوا التفاوت بين نصيبي الذكر والانثى هكذامطعنا على الاسلام من جهة أن فيه اهداراً لحق بنوة الانثى المساوية تماما في نسبتها الى المورث لبنوة الذكر، وقالوا ان هذا من فروع هضم الاسلام حق المرأة، وهي انسانكالرجل، وفاتهم أن الذكر تتعدد مطالبه وتكثر تبعاته في الحياة، فهو ينفق على نفسه، وعلى زوجه، وعلى أبنائه، ومن أصول الشريعة أنه يدفع المهر لمن يريد أن يتزوجها، أماالانثى فانها لا تدفع مهرا و يلزم زوجها بنفقتها في مأكلها ومشربها ومسكنها وملبسها وخدمها، وذلك فوق تبعاته العائلية التي لا يلحق الانثى مثلها، وهذا باب يتضح منه أننصيب الأنثى في الوضع الاسلامي أعظم وأكثر من نصيب الذكر، ولو أنا نظرنا نظرة أخرى وقارنا الوضع الاسلامي لميراث المرأة بالأوضاع الأخرى لوجدنا أن الاسلام قد انتهج فيهالحد الوسط الذي لا افراط فيه ولا تفريط، فبينما نرى تشريعاً يقضى بحرمان الأنثى بتاتاً يقابله تشريع آخر يقضى بمساواتها للذكر، نرى الاسلام لا يفرط في حقها بمساواتهابأخيها ولا يفرط في حقها بحرمانها، وانما يمنحها كما يمنح أخاها، ويقدر ظروف كل فيجعل نصيبه على ضعف من نصيبها، وهذا هو شأن الاسلام الذي اتخذه أساساً في كل أحكامهوشرائعه.

ميراث الوالدين:

انتقلت الآيات من بيان ميراث الاولاد الى بيان ميراث الوالدين ((ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد، فان لم يكن لهولد وورثه أبواه، فلأمه الثلث فان كان له اخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين)).

و دلت الآية على أنه اذا كان مع الوالدين ولد ـ والمراد منه ما يشمل ولد الابنذكرا كان أم أنثى ـ كان لكل منهما السدس الا أنه في صورة وجود البنت الواحدة معهما يكون الباقي بعد فرضها وهو النصف، وفرضهما وهو الثلث للأب

بطريقآخر يقال له التعصيب، وعلى أنه اذا لم يكن معهما ولد وورثاه هما فقط كان لأم الثلث، وكان الباقي وهو الثلثان للأب.

ودلت على أنه اذا كان معهما اخوة للميت ـ والمرادمطلق العدد ـ من غير اعتبار تثليث ولا صفة ولا جهة، كان للأم السدس، وكان للأب الباقي فرضاً وتعصيبا، ولا شيء للاخوة من السدس الذي حجبوا عنه الأم، وذلك لأنه تعالى لميذكرهم بعد أن كان المال كله للأبوين الا بحجبهما الأم عن السدس فبقى المال على أصله.

ميراث الزوجين:

ثم انتقلت الآية الى بيان ارث الزوجين: ((ولكم نصف ما تركأزواجكم ان لم يكن لهن ولد فان كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين، ولهن الربع مما تركتم ان لم يكن لكم ولد، فان كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتممن بعد وصية توصون بها أو دين، وقد دلت على أن الزوج يرث من زوجته نصف ما تركت اذا لم يكن لها فرع وارث، ويرث الربع اذا كان لها فرع وارث، وعلى أن الزوجة ترث من زوجها الربعاذا لم يكن له فرع وارث وترث منه الثمن اذا كان له فرع وارث، ولا فرق في ميراث الزوجة المذكور بين أن تكون واحدة فتستقل به، أو أكثر فيقتسمنه بالسوية.

وفي تقرير الارثبالزوجية تقرير لأساس قوى متين لتبادل التعاون في تركيز الأسرة والمحافظة على الاموال، وتربية الابناء على وجه تدوم به المودة ويقوى به شعور كل من الزوجين بمسئوليته.ومن فروع ذلك أن حق المرأة على الرجل في النفقة هو الحق الأول. فاذا لم يجد بعد سد رمقه الا ما يسد رمق انسان واحد كان ذلك الانسان هو الزوجة، ولا يتصل ذلك الوضع بحقالاحترام والاحسان الواجبين للوالدين، وانما يتصل بالحالة الاجتماعية التي صار اليها الزوجان وانفردا بها عن الوالدين.

ميراث الاخوة:

بينتالآيات ميراث الابناء، والوالدين، والازواج وكل منهم يتصل بالمورث دون توسط شخص ثالث، ثم انتقلت الى بيان ارث الصنف الرابع وهو صنف الاخوة الذي يتصل بالمورث بواسطة الابأو الام ((وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس، فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث)) وتدل الآية على أن الميت ذكرا كان أم أنثى اذا لمتكن وراثته من جهة الأبوة ولا البنوة، وانما كانت من جهة الأخوة، والأخوة من الأم، فالحكم فيها أن للواحد منهم السدس وللأكثر منه الثلث، يقتسمونه بالسوية لا فرق بينذكرهم وأنثاهم، وانما قيدت الأخوة في هذه الاية بجهة الأم، لأن الله تعالى بين حكم الارث بها اذا كانت من جهة الأب والأم أو الأب فقط في الآية الثالثة من آيات الميراثالتي ختمت بها سورة النساء ((يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد، فان كانتا اثنتين فلهماالثلثان مما ترك، وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين)).

وبذلك يكون الله قد بين ما يرثه الاخوة للأم في الآية الأولى وبين بالثانية ما يأخذه اخوةالعصب، وكانت الآيتان في ميراث الكلالة، والأصل في كلمة ((كلالة)) ذهاب القوة اعياء وضعفا عبر بها عن القرابة من غير جهة الوالد والولد وهي قرابة الاخوة.

* * *

هذاشرح وجيز لآيات الميراث ونستطيع أن نستخلص منها المبادىء الآتية:

أولاً: أن مبنى التوريث في الاسلام أمران: نسبي وهو القرابة بنوعيها: قرابة الولادة وتشمل الاخوة منالجهات الثلاث. وسببي وهو الزوجية، وتشمل الزوج والزوجة، وأنه لا اعتبار لما وراء ذلك في أصل الاستحقاق من أوصاف الذكورة والانوثة والصغر والكبر.

ثانياً: أنه متى اجتمع في المستحقين ذكور واناث أخذ الذكر ضعف الأنثى الا في الاخوة لأم فانهم يستوون في النصيب.

ثالثا: أن الابناء والابوين والزوجين لا يسقطون فيأصل الاستحقاق بحال وان كان يؤثر عليهم وجود غيرهم في كمية المستحق.

رابعا: أنه لا ارث للاخوة والاخوات مع وجود الابوين، وان كانوا يحجبون الأما من الثلث الى السدس.

خامسا: يجب تقديم حقوق الميت على تقسيم التركة، وأنه لا ينبغي الاهمال في تنفيذها ويرشد الى ذلك تكرير قوله تعالى: ((من بعد وصية يوصى بها أو دين)) في الآيتين ثلاث مرات،ويلاحظ أن الوصية وان قدمت في الذكر على قضاء الدين، فان قضاء الدين مقدم عليها في التنفيذ وانما قدمت الوصية بعثا على تنفيذها نظراً الى أنها من المورث، يتعلق بها الضن،وتشح بها الأنفس، فيخشى التهاون بها، أما الدين فحق ثابت له مطالب من جهة العباد، فلا يخشى اهماله.

سادسا: لا ينبغي للمورث أن يسىء الى ورثته حين مشارفته الموتبالوصية لمن ليس محتاجا اليها، أو الاقرار بما ليس ثابتا عليه، وورثته في حاجة اليه، يرشد الى هذا قوله تعالى ((غير مضار وصية من الله)) أي أن المورث لا يجوز له أن يضر ورثتهلا من جانب الوصية ولا من جانب الدين، وقد حدد النبي (صلى الله عليه وسلّم) الوصية الجائزة بثلث التركة وقال ((والثلث كثير)) وليعتبر بذلك كثير من الناس الذين يجترحون،وهم على عتبة الوقوف بين يدي مولاهم، تصرفات بها يحرمون بعض ورثتهم من حقوقهم تلبية لشهوة باطلة أو هوى فاسد فيوصون للأجانب، أو يعترفون لهم بديون كيداً للوارث في حقهالذي ربما يكون في حاجة اليه ليقيم به أوده، ويحفظ به حياته.

وان التعبير في أول آيتي الميراث بقوله تعالى: ((يوصيكم الله في أولادكم)) وفي آخرهما ((وصية من الله)) لجديرأن يهز هذه القلوب القاسية التي تستبيح لنفسها أن تختم حياتها بذلك الوزر العظيم، فتفرط في تنفيذ شيء من هذه

الاحكام التي فرضها الله، فيحرمونبناتهم أو يؤثرون بعض أولادهم على بعض، أو يمنعون بعض عصبتهم من أخذ حقوقهم في التركة بما يقدمون عليه من تصرفات تحت ستار البيع والشراء، أو تحت ستار الوصية والاعترافبالديون، فان كل ذلك جرم عظيم، وذنب كبير لا يقترفه من يؤمن بأن المشرع هو العليم الحكيم ((تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيهاوذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالدا فيها وله عذاب مهين)).

* * *

أما بعد:

فهذه جملة صالحة من الفقه والاحكام نسوقهابمناسبة التفسير، بدافع الرغبة الشديدة في فتح أبواب المعرفة لأحكام الميراث وفرائض الله في اليتامى والسفهاء والنساء، أمام المؤمنين برسالة الاسلام.

والى اللقاءفي العدد المقبل ان شاء الله.

/ 1