تفسیر القرآن الکریم؛ سورة البقرة (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة البقرة (1) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت

سورة البقرة

سبب هذه التسمية.قصة ذبح البقرة. مناهج الناس في فهم القصص القرآني، عرض لمقاصد السورة.

سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم، فقد استغرقت جزءين ونصف جزء من ثلاثين جزءاقُسِّم إليها القرآن، وهي من أوائل ما نزل بالمدينة، وسميت بهذا الاسم لأنها انفردت بذكر حادثة قتل وقعت في بني إسرائيل على عهد موسى (عليه السلام)، وكان للبقرة ـ وهيالحيوان المعروف الذي إتخذ بنو إسرائيل من نوعه إلها في وقت ما يعبدونه من دون الله ـ شأن إلهي عجيبى في هذه الحادثة: وقعت الجناية، وقتل القتيل، واختلف أهل الحي ـ الذيلوثت أرضه بدم الجناية ـ في القاتل: من هو ؟ وأخذ كلٌ يدفع الجناية عن نفسه ويتهم بها غيره، وفيهم من يعلم عين الجاني ويكتم أمره وإذ قتلتم نفساً فادارأتهم فيها واللهمخرج ما كنتم

تكتمون وترافع القوم إلى موسى (عليه السلام) ليحكم في هذه الجناية التي خفي مرتكبها، فأمرهم صلوات الله وسلامه عليه عن ربه جل وعلاأن يذبحوا بقرة وأن يضربوا القتيل ببعضها فيحيا بإذن الله ويخبر بقاتله، ولِما طُبع عليه بنو اسرائيل من العناد في تنفيذ الأوامر، وقفوا كالساخرين أو الهازئين من الأمربذبح البقرة في هذا المقام، حتى لقد قالوا لموسى: أتتخذنا هزوا ؟ وما كان لنبي الله أن يسخر أو يهزأ، ولكنها القلوب الملتوية تنصرف عن الحق وتعاند في قبوله فسألوا عنالبقرة: قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا أكثروا من السؤال وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم جزاء تنطعهم وتلكئهم في تنفيذ الأمر، شأنه في كلمتشدد متنطع، وحددها لهم في دائرة ضيقة من السن والأوصاف والعمل: قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين . إنهابقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها واخيرا وبعد حيرة ومشقة عثروا عليها فذبحوها وما كادوا يفعلون ثم ضربوا القتيل بجزء منها فأحياه اللهوأنبأهم بالمجرم الجاني كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون .

انفردت هذه السورة بذكر تلك القصة ومن أجلها سميت سورة البقرة .

ويجرد بنا أن نقفهنا وقفة نبين فيها مناهج الناس في شأن هام يتعلق بفهم القصص القرآني. فإن مما قيل في هذا القصص: إن كثيرا مما قصه القرآن لم يكن معروفاً من قبل، لا في الكتب الالهية، ولافي الاثار التاريخية، وقد قيل هذا في تلك القصة بالذات.

وقد خرّج الأستاذ الإمام الشيخ عبده هذه القصة على أنها نوع من التشريع الذي كان موجوداً في زمن بني إسرائيللغرض الوصول إلى معرفة للقاتل المجهول في مثل هذه الحادثة، وشد ازره في ذلك الأستاذ الشيخ رشيد رضا حيث ساق نصوص التوراة الواردة في هذا التشريع الذي يشير إليه:

قال الأستاذ الإمام: يقول أهل الشبهات في القرآن: إن بني إسرائيل لا يعرفون هذه القصة إذ لا وجود لها في التوراة فمن أين جاء بها القرآن ؟ ونقول أن القرآنجاء بها من عند الله الذي يقول في بني إسرائيل المتأخرين إنهم نسوا حظا مما ذكروا به، وإنهم لم يؤتوا إلا نصيبا من الكتاب، على أن هذا الحكم منصوص في التوراة، وهو أنه إذاقتل قتيل ولم يعرف قاتله فالواجب أن تذبح بقرة غير ذلول في واد دائم السيلان، ويغسل جميع شيوخ المدينة القريبة من المقتل ايديهم على العجلة التي كسر عنقها في الوادي، ثميقولون إن أيدينا لم تسفك هذا الدم، اغفر لشعبك اسرائيل: ويتمون دعوات يبرأ بها من يدخل في هذا العمل من دم القتيل، ومن لم يفعل يتبين أنه القاتل، ويراد بذلك حقن الدماء،فيحتمل أن يكون هذا الحكم هو من بقايا تلك القصة أو كانت هي السبب فيه.

ويقول الأستاذ رشيد رضا: إن ما اشار إليه الأستاذ من حكم التوراة المتعلق بقتل البقرة هو في أولالفصل الحادي والعشرين من سفر تثنية الاشتراع ونصه:

1 ـ إذا وجد قتيل في الأرض التي يعطيك الرب إلهك لتمتلكها واقعاً في الحقل لا يعلم من قتله.

2 ـ يخرج شيوخك وقضاتكويقيسون إلى المدن التي حول القتيل.

3 ـ فالمدينة القربى من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عِجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالنير.

4 ـ وينحدر شيوخ تلك المدينةبالعجلة إلى واد دائم السيلان لم يحرث فيه ولم يرزع ويكسرون عنق العجلة في الوادي.

5 ـ ثم يتقدم الكهنة بني لاوي لأنه إياهم اختار الأب إلهك ليخدموه ويباركوا باسمالرب، وحسب قولهم تكون كل خصومة وكل ضربة.

6 ـ ويغسل جميع الشيوخ في تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي.

7ـ ويصرخون ويقولون: أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر.

8 ـ اغفر لشعبك اسرائيل الذي فديت يا رب، ولا تجعل دم برئ في وسط شعبك إسرائيل. فيغفر لهم الدم اهـ.

ثمقال الشيخ رشيد: والظاهر ما قدمنا أن ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل إذا وجد القتيل قرب بلد، ولم يعرف قاتله ليعرف الجاني من غيره، فمنغسل يديه وفعل ما رسم لذلك في الشريعة برئ من الدم، ومن لم يفعل ثبتت عليه الجناية، ومعنى إحياء الموتى على هذا حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك بسبب الخلاف في قتل تلكالنفس، أي يحيها بمثل هذه الأحكام، وهذا الإحياء على حد قوله تعالى ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا وقوله: ولكم في القصاص حياة فالإحياء هنا معناه الاستبقاء كماهو المعنى في الايتين، ثم قال: ويريكم آياته بما يفصل بها في الخصومات، ويزيل من أسباب الفتن والعداوات، فهو كقوله تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بينالناس بما أراك الله وأكثر ما يستعمل مثل هذا التعبير في آيات الله في خلقه الدالة على صدق رسله وليس عندي شيء عن شيخنا في تفسير هذه الجملة، ولكنه قال في تعليلها ما يرجحالقول الأول، وهو: لعلكم تعقلون أي تفقهون أسرار الأحكام وفائدة الخضوع للشريعة، فلا تتوهمون أن ما وقع مختص بهذه الواقعة في هذا الوقت، بل يجب أن تتلقوا أمر الله في كلوقت بالقبول من غير تعنت.

والذي حمل الأستاذ الإمام على هذا فيما نظن هو رغبته في التخلص من الاعتراض الذي ذكره بعض المستشرقين مع وجود النص التشريعي الذي أشار إليهالشيخ بمعناه ونقله الشيخ رشيد بنصه.

هذا صنيعهما، وبذلك يتبين أنهما توافقا على أن الآيات مسوقة لبيان حكم تشريعي لا لبيان حادث تاريخي. لكننا إذانظرنا إلى النص في هذه الآيات وما ذُيل به الكلام من قوله تعالى: قلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيى الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون. ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهيكالحجارة أو أشد قسوة وجدنا هذا النص إن لم يمنع من الحمل على إرادة الحكم التشريعي فلا أقل من أن يبعده إبعاداً، ذلك بأن كلمة اضربوه واضحة في أن يضرب المقتول ببعضالبقرة المذبوحة، وليس في الكلام اشارة تتعلق بالقاتل الخفي ولا إشارة إلى غسل أيدي أهل الحي من دماء البقرة، وقوله تعالى كذلك يحيي الله الموتى يدل على أن الاحياءالمشبه به ـ وهو الاحياء في هذا المقام ـ إحياء حقيقي بعد موت تسلب فيه الروح، وليس إحياء حكميا يحصل بمعرفة القاتل والاقتصاص منه حتى يكون بمثابة ولكم في القصاص حياة كما يريد الشيخان، ولو كان الأمر كما يقرران لما صح تفرير إيحاء الموتى للبعث والجزاء بهذا النوع من الاحياء الحكمي المجازي، ولو أن قائلا قال: إن الله يحيي النفوسالجاهلة بالعلم، وكذلك يحيي الموتى من قبورهم لما كان مثل هذا التشبيه والقياس سائغا. وإن قوله تعالى ويريكم آياته لواضح في الارادة البصرية للآيات الكونية لا فيالارادة العقلية للأحكام الشرعية حتى يكون من قبيل (لتحكم بين الناس بما أراك الله) وإن قوله بعد ذلك ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ليدل على أنهمرأوا حالة مادية من شأنها أ ن تؤثر في النفوس ومن شأن القلوب أن ترق لها وأن تتجرد من القسوة والعناد عندها. ومع ذلك لقد قسوا واشتدت قسوتهم وكانت قلوبهم كالحجارة أو أشد،وكل هذا لا يتفق وما يريده الشيخان من حمل الآية على المعنى التشريعي، فهذا الحمل تأويل منهما ولكنه تأويل لا تساعد عليه اللغة وما هو المعهود من كلام العرب.

هذا أحدالمناهج التي عرفناها للناس في فهم القصص القرآني، وهو صرف الكلام عن مدلوله اللغوي إلى معنى آخر دون ما يدعو إلى هذا التأويل .

وصاحبه قد يُحكِّمفيه مجرد الأستبعاد لما يؤديه الكلام من المعنى الظاهر، وكثيرا ما يقصده بعض الباحثين دفعا لما يثيره خصوم القرآن على القرآن، ويدخل في هذا القسم تأويل إحياء الموتىالمنسوب لعيسى بالاحياء الروحي، وحمل النمل في قصة سليمان على أنه قبيلة ضعيفة. وتأويل الكواكب في قصة إبراهيم بأنها جواهر نوارانية نورها عقلي لا حسي. وما نقله البيضاويعن بعض الصوفية في معنى المائدة التي أنزلها الله حيث يقول وعن بعض الصوفية: المائدة ههنا عبارة عن حقائق المعارف فإنها غذاء الروح كما أن الأطعمة غذاء البدن، وعلى هذافلعل الحال أنهم رغبوا في حقائق لم يستعدوا للوقوف عليها فقال لهم عيسى: إن كنتم حصلتم الإيمان فاستعمِلوا التقوى حتى تتمكنوا من الاطلاع عليها، فلم يكفوا عن السؤالوألحوا فيه فسأل لأجل اقتراحهم، فبين الله تعالى أن إنزاله اياها سهل ولكنْ فيه خطر وخوف عاقبة، فإن السالك إذا انكشف له ما هو أعلى من مقامه لعله لا يحتمله ولا يستقر بهفيضل به ضلالاً بعيداً .

وهذا المنهج هو من طريقة التأويل التي أسسها الباطنية في القرآن الكريم وصرفوه بها عن دلالته العربية، وفيه احتفاظ بمدلولٍ للكلام وواقع يدلعليه ولكنه صرف للفظ عن معناه الوضعي إلى هذا المعنى الواقعي الذي زعمه المؤول مدلولا للكلام.

والرأي في هذه الطريقة أنه يجب أن يطبق عليها قانون التأويل الذي يتلخصفي أنه إذا كان التأويل لا يقضي على أصل ديني ولا يمس عقيدة ثابتة، وهو في الوقت نفسه يحتفظ للعبارة القرآنية بواقع تعبر عنه تعبيراً صادقاً، وكانت اللغة تسمح به، فإنهيكون مقبولا من الوجهتين الدينية واللغوية، وإذا لم تسمح به اللغة فهو مرفوض من هذه الجهة، صادر عن جهل من صاحبه بقانون التأويل ومرفوض ايضا من جهة ما يلزمه من الحكمبصدور التلبيس من الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، أما إذا كان يقضي على أصل ديني أو يمس عقيدة فإنه يكون مرفوضا أيضا من الوجهة الدينية.

أماالمنهج الثاني من المناهج التي عرفناها للناس في فهم القصص القرآني فهو يتفق مع المنهج الأول في ناحية ويخالفه في ناحية، إذ هو صرف للألفاظ عن معانيها الحقيقية كما فيالمنهج الأول ولكن لا إلى واقع يُزعم ويدعى أنه مراد، وإنما إلى تخييل ما ليس بواقع واقعاً، فلا يلزم فيه الصدق ولا أن يكون إخباراً بما حصل، وإنما هو ضرب من القول شبيهبما يوضع من حكايات بين أشخاص مفروضين أو على ألسنة الطيور والحيوان، للإيحاء فقط بمغزى الحكاية من الإرشاد إلى فضيلة، والحث عليها أو التحذير من رذيلة والتنفير منها.

وقد حكى ابن تيمية في أول كتابه (بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) أن من جماعة الفلاسفة فرقة جعلت ما رأته بعقولها أصلا لما جاءت به الانبياء، فما وافق قانونهمهذا قبلوه، وما خالفه رفضوه. قال: (ومنهم أهل الوهم والتخييل الذين يقولون: إن الانبياء أخبروا عن الله واليوم الاخر، وعن الجنة والنار والملائكة بأمور غير مطابقة للأمرفي نفسه، لكنهم خاطبوهم بما يتخيلون ويتوهمون من أن الأبدان تعاد، وأن لم نعيما محسوساً، وعقاباً محسوساً، وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر، لأن من مصلحة ا لجمهور أنيخاطَبوا بما يتوهمون ويتخيلون من أن الأمر هكذا، وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور، إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تُمكن إلا بهذه الطريقة).

ولا شك أن القرآن إذااستُقبلت دراسته على هذا النحو من الخلط والخبط والادعاء، فقد اقتُحمت قدسيته، وزالت عن النفوس روعة الحق فيه، وتزلزلت قضاياه في كل ما تناوله من عقائد وتشريع وأخبار.

وشبيه بهذا ما فعله قوم زعموا أن ما جاء في الكتاب الكريم من الآيات الدالة على أن الله يعلم جزئيات الاشياء وتفاصيلها، لا يراد به معناه الظاهر ولا معنى آخر وإنما سيقليورث رغبة ورهبة في قلوب الناس، وفي هؤلاء يقول الإمام الغزالي وهم معترفون بأن هذا ليس من التأويل ولكن قالوا لما كان صلاح الخلق في أن يعقتدوا أن الله عالم بما يجريعليهم ورقيب عليهم جاز للرسول ان يفهمهم ذلك،

وليس بكاذب من أصلح غيره فقال ما فيه صلاحه، وإن لم يكن كما قاله، وهذا القول باطل قطعا. لأنه تصريحبالتكذيب وطلب للعذر في أنه لم يكذب، ويجب إجلال منصب النبوة ـ ونقول نحن: وأولى مقام الألوهية ـ عن هذه الرذيلة ففي الصدق وإصلاح الخلق به مندوحة عن الكذب .

أماالمنهج الثالث، فهو منهج جمهور المفسرين، ويقوم على الافراط في تحكيم الروايات الواردة من طرق مختلفة في فهم القصة القرآنية، واعتبار كل ما ورد متصلا بالقصة بياناًتفصيلاً لما جاء في القرآن، كما أتخذ الفقهاء الأحاديث المتصلة بآيات التشريع بيانا وتفصيلاً أو تكميلاً لما ورد في الآيات من أحكام. كما اعتبر الفقهاء الأحاديث مصدراًثانياً للتشريع اعتبر هؤلاء الروايات الواردة في القصة مصدراً ثانياً للقصة بعد القرآن الكريم.

والرأي السليم أنه إذا صح اتخاذ الاحاديث التشريعية مصدر ثانياًللأحكام مبينا أو مفصلا أو مكملاً لأن العلماء بحثوها وميزوا صحيحها من ضعيفها، فلا يصح ذلك في الروايات القصصية لأنها لم تبحث كما بحثت هذه، فهذا المنهج فيه افراط أيإفراط، وذلك يتمثل في كثير من كتب التفسير حينما تصل إلى قصص الانبياء مع أممهم كما نراه في حالة بني إسرائيل في التيه وكما نراه في وصف المائدة التي أنزلها الله. ولنضربتفسير أبي السعود ـ وقد يكون من المقلين في الرواية ـ مثلا في هذا إذ يقول في وصف المائدة وما عليها من طعام:

والصحيح الذي عليه جماهير الأمة ومشاهير الائمة أنها قدنزلت، روي أنه (عليه السلام) لما دعا بما دعا وأجيب بما أجيب إذا بسفرة حمراء نزلت بين غمامتين غمامة من فوقها وغمامة من تحتها وهم ينظرون إليها حتى سقطت بين أيديهمفبكى عيسى عليه الصلاة والسلام وقال اللهم اجعلني من الشاكرين اللهم اجعلها رحمة للعالمين ولا تجعلها مثلة وعقوبة ثم قام وتوضأ وصلى وبكى ثم كشف المنديل وقال بسم اللهخير الرازقين فإذا سمكة مشوية بلا فلوس ولا شوك تسيل دسماً وعند رأسها ملح وعند ذنبها خل وحولها من ألوان البقول ما خلا الكرات وإذا

خمسة أرغفة علىواحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد فقال شمعون رأس الحواريين يا روح الله أمن طعام الدنيا أم من طعام الاخرة ؟ قال ليسمنهما ولكنه شئ أخترعه الله تعالى بالقدرة العالية كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله فقالوا يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى فقال يا سمكةاحيي بإذن الله فاضطربت ثم قال لها عودي كما كنت فعادت مشوية ثم طارت المائدة ثم عصوا فمسخوا قردة وخنازير، وقيل كانت تأتيهم أربعين يوماً غبا يجتمع عليها الفقراءوالاغنياء والصغار والكبار يأكلون حتى إذا فاء الفئ طارت وهم ينظرون في ظلها ولم يأكل منها فقير إلا غنى مدة عمره ولا مريض الا برئ ولم يمرض أبدا ثم أوحى الله تعالى إلىعيسى عليه الصلاة والسلام أن اجعل مائدتي في الفقراء والمرضى دون الاغنياء والاصحاء فاضطرب الناس لذلك فسمخ منهم من مسخ فاصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناساتويأكلون العذرة في الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى (عليه السلام) وبكوا على الممسوخين فلما أبصرت الخنازير عيسى (عليه السلام) بكت وجعلت تطيف به وجعليدعوهم بأسمائهم واحداً بعد واحد فيبكون ويشيرون برؤوسهم ولا يقدرون على الكلام فعاشوا ثلاثة أيام ثم هلكوا. وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن عيسى (عليه السلام)قال لهم صوموا ثلاثين يوما ثم سلوا الله ما شئتم يعطكم فصاموا فلما فرغوا قالوا إنا لو علمنا لأحد فقضينا عمله لأطعمنا، وسألوا الله تعالى المائدة فأقبلت الملائكة بمائةيحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أخوان حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم، قال كعب نزلت منكوسة تطير بها الملائكة بين السماء والارض عليها كلالطعام الا اللحم، وقال قتادة كان عليها ثمر من ثمار الجنة وقال عطية العوفي نزلت من السماء سمكة فيها طعم كل شئ. وقال الكلبي ومقاتل نزلت سمكة وخمسة أرغفة فأكلوا ما شاءالله تعالى والناس ألف ونيف فلما رجعوا إلى قراهم ونشروا الحديث ضحك منهم من لم يشهد وقالوا ويحكم إنما

سحر أعينكم فمن أراد الله به الخير ثبته علىبصيرة ومن أراد فتنته رجع إلى كفره فمسخوا خنازير فمكثوا كذلك ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا وكذلك كل ممسوخ.

هذه المناهج الثلاثة مترددةبين افراط وتفريط في شأن القصص القرآني، وما ينبغي أن يستقبل به حتى يحقق الغاية المقصودة من قصّه على الناس بالعبرة والموعظة، وحتى يحدث التسلية للدعاة والمصلحين، وحتىيتبين للناس أنه القصص الحق المطابق للواقع الذي لا مرية فيه ولا تزيد ولا تخييل.

وعلى أساس أن الحق وسط بين باطلين نقرر المنهج الرابع الذي يجب استقبال القصص القرآنعلى أساسه وهو المنهج السليم والصراط المستقيم ان شاء الله، وخلاصته الوقوف عند ما ورد في القرآن الكريم، مع الاحتفاظ بدلالة الالفاظ اللغوية على معانيها وإفادتهالواقع هي تعبير صحيح عنه دون أن تزيد عليه بما لم يرد فيه اعتماداً على روايات لا سند لها كما صنع المفْرِطون، ودون تحيّف لمعانيها، باعتبار أن الكلام تخييل لا يعبر عنواقع كما فعل المفَرّطون، ودون صرف للألفاظ عن معانيها الوضعية إلى معان أخرى من غير صارف يمنع إجراء الكلام على ظاهره كما فعل أهل التأويل الذين حرفوا كثيراً من القرآنعن مواضعه، وتنكبوا قانون العربية التي نزل بها.

وسورة البقرة من أجمع سور القرآن، فقد احتوت على أصول العيدة، وعلى كثير من أدلة التوحيد، كما ذكرت مبدا خلقالإنسان، ثم وجهت عنايتها إلى امرين اقتضت الافاضةَ فيهما حالةُ المسلمين التي صاروا إليها بالهجرة من مكة إلى المدينة.

أحدهما: أن المسلمين تركزوا جماعة مستقلةلأول دخولهم المدينة، فبنى النبي مسجده ليؤدي فيه مع المؤمنين الصلوات المفروضة، وليكون بمثابة ندوة

جامعة لهم، فيها يتعلمون، وفيها يتشاورون،وفيها يتحاكمون، وآخى النبي (صلى الله عليه وسلم) في الوقت نفسه بين المهاجرين والانصار، وصاروا جبهة واحدة تؤمن بالله وتدعو إلى الخير والفضيلة، وتحتاج تشريعاًتنظم به شئونها.

ثانيهما: أنه قد صار لهم جوار في المدينة غير جوارهم في مكة: جاوروا أهل الكتاب من اليهود والنصارى بعد جوارهم للمشركين في مكة. وبهذين ا لأمرين نجدالسورة تهدف في جملتها إلى غرضين: هما: توجيه الدعوة إلى بني إسرائيل ومناقشتهم فيما كانوا يثيرونه حول الرسالة المحمدية من تشكيكات وشبه، وفي سبيل ذلك أخذت تذكرهم بنعمالله على أسلافهم، وبما انتاب هؤلاء الأسلاف حينما التوت عقولهم عن تلقي دعوة الحق من أنبيائهم السابقين، وارتكبوا ما ارتكبوا من صنوف العناد والتكذيب والمخالفة، واقرأفي ذلك من قوله تعالى في السورة يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم، وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون إلى آخر اية البر في منتصف السورة تقريباً ليسالبر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب .

وهذا هو الغرض الأول الذي استدعاه جوار المسلمين لأهل الكتاب، أما الغرض الثاني فهو التشريع الذي اقتضاه تكوُّن المسلمينجماعة متميزة عن غيرها في عباداتها ومعاملاتها وعاداتها.

وقد ذكرت السورة من ذلك القصاص في القتل العمد العدوان، وذكرت الصيام، والوصية، والاعتكاف والتحذير من أكلأموال الناس بالباطل.

وذكرت الأهلة، وأنها جعلت ليعتمد الناس عليها في معرفة أوقات العبادة والزراعة وغيرها، وذكرت الحج والعمرة، وذكرت القتال وسببه الذي يدعو إليهوغايته التي ينتهى اليها، وذكرت الخمر والميسر واليتامى، وحكم مصاهرة المشركين، وذكرت حيض النساء والتطهر منه، والطلاق والعدة والخلع والرضاع وذكرت الإيمان وكفارةالحنث فيها، وذكرت الانفاق في سبيل الله والربا والبيع، وذكرت طرق الاستيثاق في الديون بالكتابة والاستشهاد والرهن.

ويبدأ هذا السياق من قوله تعالى بعد آيةالبر: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى إلى قبل آخر السورة، وكان يتخلل كل ذلك على طريقة القرآن ما يدعو المؤمنين إلى التزام هذه الأحكام وعدم الاعتداءفيها، من قصص ووعد ووعيد، وارشاد إلى سنن الله في الكون والجماعات، ثم تختم ببيان عقيدة المؤمنين على نحو ما بدأت في بيان اوصاف المتقين آمن الرسول بما أنزل إليه من ربهوالمؤمنون .

وبذلك يؤكد آخرها أولها، ويؤسس أولها لآخرها وتصير السورة كتلة واحدة، ينتفع المسلمون الذين يهتدون بالكتاب بأحد غرضيها في معاملة من يخالطون من أهلالملل الأخرى، وينتفعون بالغرض الآخر في تنظيم أحوالهم من عبادة ومعاملة.

ويأتي الغرضان في آية البر مجملين بين ليس و لكن فتنفي ليس أن يكون البر شيئا مما درجعليه هؤلاء الحرفيون أصحاب المظاهر الجوفاء، الذين يتمسكون بمثل تولية الوجوه قِبَل المشرق أو المغرب، وتثبت لكن أصول الإيمان الحق والعمل الصالح على أنها هي البرالصحيح، والواقع العملي للتقوى والمتقين ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال علىحبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، والصابرين في البأساء والضراء وحين البأسأولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون .

ثم يكون الختام الاخير تعليم المؤمنين دعاءً من شأنه أن يغرس في نفوسهم سنة الله في التشريع لهم وبناء أحكامه وتكاليفه علىاليسر والوسع ودفع الحرج، ومن شأنه متى أخلصوا فيه أن يأخذ بأيديهم إلى حياة سعيدة سهلة ميسرة، وييسر لهم وسائل المغفرة والنصرة ربَّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأناربَّنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربَّنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين .

/ 1