تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنفال (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنفال (1) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت

شيخ الجامع الأزهر

سورة الأنفال

سورة الأنفال ووضعها المصحفى بين ما قبلها وما بعدها ـ السور المكية وما تعنى به ـ السور المدنية وموضوعاتها ـ غزوة بدر وأثرها ـ الأسباب المباشرة لنزول سورةالانفال ـ مجمل ما عرضت له الورة: شئون شغلت المسلمين وحلول لمشاكلهم ـ واجب المؤمنين ـ تذكير هم بنعم الله عليهم فى يوم بدر، وبنعمه عليهم من قبل ـ مبادىء فى الحرب ـالولاية بين المؤمنين.

سورة الأنفال هى السورة الثامنة فى الترتيب المصحفى للقرآن الكريم، وقد تقدمتها سورة «الفاتحة»، وهى مكية، وجاء بعد الفاتحة أربع سور مدنيةمتتالية، هنّ أطول السور المدنية فى القرآن الكريم: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة. ثم تلت هذه الأربع سورتان مكيتان، هما أطول السور المكية فى القرآن: الأنعام،والأعراف، ثم جاءت سورتنا هذهى: «الأنفال» وتلتها سورة التوبة وهما مدنيتان.

ومن المعلوم أن المكى، وهو ما نزل قبل الهجرة، يتضمن أصول الدعوة، وهى قضايا التوحيد،والوحى، والبعث، كما يتضمن الإرشاد إلى أمهات الأخلاق الفاضلة، وفى سبيل ذلك يعنى المكى بتوجيه الأنظار إلى أدلة القضايا الثلاث ويناقش حجج المشركين فيها بما لا يدعشبهة لمشرك فى إشراكه ولا لمنكر

البعث فى إنكاره، ولا لمعرض عن تصديق الرسول فى إعراضه.

والمكى بعد هذا يعرض كثيرا لقصص الأولين، ونتائج تكذيبهملرسلهم; أخذا بالقوم إلى مواضع العظة والعبرة، وتبصيرا لهم بأمر من وقفوا موقفهم، وعانوا معاناتهم.

نرى ذلك فى سورتى الأنعام والأعراف وفى كثير غيرهما من السور التىنزلت قبل الهجرة.

أما السور المدنية فإنها قد عنيت فيما يتصل بالمخالفين بمجادلة أهل الكتاب الذين كانوا يحاورون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فى المدينة،ويثيرون الشكوك والشبه فيما يختص برسالته، كما عنيت فيما يختص بالمؤمنين بتفصيل كثير من الأحكام التى ينظمون بها شئونهم الداخلية والخارجية.

وترى ذلك فى سور:البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة. وما شاركها فى النزول بعد الهجرة.

وقد جاءت سورتا الأنفال والتوبة تعالجان بعض النواحى الحربية التى ظهرت إثر بعض الغزوات،وتضمنتا كثيراً من التشريعات الحربية، والإشارات التى يجب على المؤمنين اتباعها فيما بينهم، بعضهم وبعض، وفيما بينهم وبين المحاربين والمسلمين.

*    *    *

وسوردالانفال نزلت بمناسبة غزوة بدر، ولذلك سماها بعض الصحابة «سورد بدر».

ومن المعلوم فى تاريخ الغزوات أن غزوة بدر كانت فى رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكانت هىالجولة الأولى من جولات الحق فى تقليم  أظافر الباطل ورد البغى والطغيان، وإنقاد المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين قعد بهم الضعف فى مكة، وجعلوا يضرعون إلىالله قاتلين

«ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، وأجعل لنا من لدنك وليا. وأجعل لنا من لدنك نصيراً» فاستجاب الله لضراعتهم، وهيأ لهم كما هيأ لكلمةالحق 7 ولتخليص بيته من سلطان أعداء الله ـ هيأ ظروف تلك الغزوة التى تم فيها النصر للمؤمنين، على قلة فى عددهم وضعف فى عددهم. وعلى عدم تهيؤهم للقتال، وبها عرف أنصارالباطل أنه مهما طال أمده ولمع برقة، وامتد سلطانه، وقويت شوكته، فلا بدله من يوم يخر فيه صريعاً أمام روعة الحق وقوة الإيمان، وهكذا كانت غزوة بدر، كانت نصراً للمؤمنينوهزيمة للمشركين، وكانت فى الوقت نفسه حافزة للقلوب الحية المؤمنة أن يجد سيرها فى طريق الهدى والرشاد، وقاطعة للأمل على ذوى القلوب المريضة أن يستمر لهم سلطان أو تعلولهم كلمة أو تثبت لهم قدم.

وقد كان للمسلمين فى تلك الغزوة شئون.

كان لهم فى أولها حينما طلب إليهم الرسول أن يخرجوا لمصادرة العير القرشية شأن، هو: أيخرجون إطاعةللرسول. أولا يخرجون حرصاً على أموالهم فى المدينة؟

وكان لهم بعد أن خرجوا ووجدوا العير قد مرت وفاتهم أن يحصلوا عليها، شأن، هو: أيستجيبون للرسول ويقاتلون قوى الشركالتى تكتلت وخرجت من مكة لقاتلهم، أو يرجعون لأنهم لم يخرجوا فيما يظنون للقتال ولم يستعدوا للنضال؟

وكان لهم بعد أن أمدهم الله بروح من عنده وأمكنهم من عدوهم القوىبالقتل والأسر والغنيمة. شأن:

ففى الأسرى: أيقتلونهم أم يطلقون سراحهم بالفداء؟

وفى الغنائم التى حصلوا عليها: أيختص بها الشبان المحاربون أم يشاركهم فيها الحراسوأصحاب الرأى؟

كانت هذه الشئون هى الجو الذى نزلت فيه سورة الأنفال فعنيت ببيان الحلول فيها، وقد بدأت بمسألة الأنفال ليكون مطلع الحديث تسجيلا لنعمةالنصر التى ساقت إليهم تلك الأنفال وإيحاء إلى أن حصولهم على تلك الأنفال كان يجب أن يكون من بواعث الطاعة لا من بواعث المخالفة، وبواعث الائتلاف لا من بواعث الاختلاف،وهكذا بأت السورة بحل مشكلة الأنفال «يسألونك عن الأنفال» والأنفال فى هذا المقام هى الغنائم التى حصلوا عليها من غزوة بدر. وق أرشدتهم السورة إلى أن الشأن فى توزيعها لايرجع إلى آرائهم وإنما هو لله ورسوله، «قل الأنفال لله والرسول» فيها يحكمان، ولها يوزعان، وقد جاء الحكم بعد فى قوله تعالى من السورة نفسها: «واعلموا أن ما غننتم من شىءفأن لله خمسة وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل» ثم انتهزت السورة هذه المناسبة وأرشدتهم إلى ما يجب أن يتحلوا به حتى يحصلوا على الظفر الدائم والنصرالمستمر، وهو القوة المعنوية التى بينت عناصرها بقوله «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلتقلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون، الذين يقيمون الصلاة ومما زرقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا، لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم».ثم تعود السورة بعد هذا إلى موقفهم الأول حينما أمروا بالخروج، وتذكر أن الذين كرهوه وتلكئوا فيه، وأخذوا يتعللون مرة بالأموال، وأخرى بعدم الاستعداد. قد انحرفوا عمايوجبه الإيمان عليهم من الطاعة والامتنال، وعما يجب على المؤمنين الصادقين أن يلبوا دعوته، وهى دعوة القوة والشوكة «كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنينلكارهون يجادلونك فى الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون، وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن يحقالحق

بكلماته ويقطع دابر الكافرين.

وفى شأن الأسرى وفدائهم أو قتلهم «تقول» ما كان لنبى أن يكون له أسرى حتى يثخن فى الأرض، تريدون عرض الدنيا واللهيريد الآخرة والله عزيز حكيم، لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم» وهكذا حلت سورة الأنفال المشاكل التى اعترضت المسلمين بمناستة غزوة بدر وقد انهزت هذهالحلول وتلك المشاكل فذكرتهم بنعمة الله عليهم فى تلك الغزوة من الإمداد بقوى النصر واستجابة الدعاء «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم بألف من الملائكة مردفين».«إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليريط على قلوبكم ويثبت به الأقدام» إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتواالذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان».

وكما تذكرهم السورة بنعم الله عليهم فى الغزوة، تذكرهم بسابق نعمه عليهمقبلها حينما آواهم وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات بعد أن كانوا مستضعفين فى الأرض، وحين مكر الكفار برسولهم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه. «واذكروا إذ أنتم قليلمستضعفون فى الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون «وإذ يمكر بك الذين كفرا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر اللهوالله خير الماكرين.

وكما تذكرهم السورة بنعم الله عليهم فى الغزوة وفيما قبلها تذكرهم أيضاً بحالة أعدائهم الذين آثروا الكفر والعناد على الإيمان والطاعة، فانطمستقلوبهم عن الحق، وانقلبوا على أنفسهم يلتمسون العذاب إن كان ما يدعوهم إليه محمد، هو الحق من عند الله «وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة منالسماء أو ائتنا بعذاب أليم». ثم تؤكد لهم أن أعداءهم مهما

أنقفوا من أموال فستكون عاقبتها الدمار والنكال «إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عنسبيل الله فسينققونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون».

وقد انتهزت السورة أيضاً فرصة هذه الغزوة فأرشدت المسلمين إلى جملة من المبادىء لو تمسكوا بها وحافظوا علهاحالفهم النصر وصاحبهم التوفيق. وفى هذا الجانب بينت السبب الذى يبح الحرب، والغاية التى تنتهى عندها «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن اللهبما يعملون بصير وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم، نعم المولى ونعم النصير» وأمرت بإعداد العدة ضمانا للسلم وإرهابا للأعداء «وأعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباطالخليل برهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شىء فى سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون:

وقررت إيثار السلم على الحربمتى وجد السبيل إليه «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم، وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين» وأمرتبالمحافظة على العهود وباعلان النبذ عند إرادته. كما أمرت بطاعة الرؤساء والقواد، والاحتفاظ بأسرار الدولة والثبات فى الحرب، واقرأ فى كل ذلك «يأيها الذين آمنوا إذالقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جنهم وبئس المصير» «يأيها الذين آمنوالا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم». «يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكرواالله كثيراً لعلكم فلحون وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين». «وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لايحب الخائنين. ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون».

وأخيراً بينت السورد أن المؤمنين فى ظل هذه المبادىء وتلك الإشارات مهاجريهم وأنصارهم بعضهمأولياء بعض، وأن عليهم نصر الذين يستنصرونهم من المؤمنين الذين لم يهاجروا، وأنه لا ولاية بينهم وبين الكافرين. فالذ ين كفرا بعضهم أولياء بعض، «والذين آمنوا وهاجرواوجاهدوا فى سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنين حقاً لهم مغفرة ورزق كريم، والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولىببعض فى كتاب الله إن الله بكل شىء عليم».

وانظروا كيف بدأت السورة وختمت بأوصاف المؤمنين حقا، وفى هذا، وفيما ذكرت من نعم الله على المؤمنين يتضح لنا مدد النصر الذىيعده الله لعباده المخلصين وهو مدد دائم يتبع الإيمان والإخلاص أينما وجدا، فجدير بالمؤمنين أن يعلموا للحصول عليه بتقوية الإيمان بالله والإخلاص لدعوة الله فيمكن لهمإقرار الحق، وبث العدل، وإقامة النظام على الوجه الذى يسعدهم ولا يشقيهم، ولو علم الناس آثار هذا المدد الإلهى، وطهروا به نفوسهم، لسخروا من وسائل التخريب والتدمير،التى يتفانى فيها رجال العصر الحاضر، والتى لا يخرج منها الفريقان إلا بالهزيمة المنكرة والضعف الشامل.

أما بعد:

فهذا هو الجو الذى نزلت فيه سورة الأنفال وهذا هومجمل ما تضمنته من مبادىء وإرشادات.

وإلى العدد القادم إن شاء الله تعالى.

/ 1