تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنعام (7) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنعام (7) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت

سورة‌ الأنعام

الوصية السادسة:النهي عن قرب مال اليتيم إلا بما ينفعه - سر تعليق النهى (بالقرب) في هذا و أمثاله دون تعليقه بذات الشىء المنهي عنه- عناية‌القرآن باليتيم و مظاهرها - الوصية‌السابعة:إيفاء الكيل و الميزان أصل من أصول الرسالات - الوصية الثامنة: العدل في الأقوال و الأفعال - مكانة‌العدل في نظر القرآن - الوصية‌التاسعة: الوفاء‌بعهد الله - منالوفاء‌بعهد الله ترادف المصلحين على خطة الإصلاح - و منه بيان العلماء شريعة‌الله دون كتمان لخوف من العامه أو الخاصة - و من خيانة‌عهد الله الجمود على النصوص دون نظرإلى قواعد الشريعة - بيان ما في الجمود من تأييد لأعداء الشريعة - الوصية‌العاشرة, اتباع صراط الله المستقيم: الصراط المستقيم هو شريعة‌الإسلام.

تكلمنا في العددينالسابقين، على الوصايا الخمس، التي تضمنتها الآية‌الأولى من الآيات الثلاث المشتملة‌على الوصايا العشر، و الواردة ‌في أواخر سورة‌الأنعام: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكمعليكم، ألا تشركوا به شيئاً، و بالوالدين إحسانا، و لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم و إياهم، و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و لا تقتلوا النفس التي حرمالله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون).

الوصية‌السادسة:

و هذه هي الوصية السادسة، و هى الوصية‌الأولى من وصايا الآية الثانية: (و لاتقربوا مال اليتيم إلا بالتي هى أحسن حتى يبلغ أشده) و هى كما نرى تتعلق بمال اليتيم، و معناها: النهي عن قربان مال اليتيم بأى‌حال من حالات القربان و الاتصال، غير حالواحدة، و هي الحال التي هي أحسن ما ينفع اليتيم، في الحال و المآل، بالنسبة لنفسه، كتربيته و تعليمه، و بالنسبة لماله، كحفظه و استثماره. و إذن، فكل تصرف مع اليتيم، أو فيماله، لا يقع في تلك الدائرة (دائرة‌الأحسن و الأنفع) فهو محظور، و منهي عنه؛ فأكل ماله طمعا فيه، و استضعافا له، محرم و منهي عنه، و تجميده و عدم استثماره بالزراعة أوالصناعة أو التجارة، محرم و منهي عنه. و الإسراف به، و لو عليه، فيما لا يكسبه خيرا، محرم و منهي عنه، و إهماله و عدم صيانته، بتمكين الناس من نهبه و الاستيلاء عليه، محرم ومنهي عنه.

و قد تعلق النهي في هذه الوصية‌بالقربان من مال اليتيم، دون التصرف فيه بما يفسده، و أن كان هذا هو المراد، نظرا ألى أن المال من الشئون التي تتعلق بهاالشهوات، و تميل إليها الأهواء بدوافع نفسية، فاتجه بالنهى إلى هذه الدوافع نفسها، و إلى محاربتها، و إلى العمل على انتزاعها، حتى لاتدفع صاحبها إلى مد يده بالإفساد إلىمال اليتيم، و كثيراً ما يتعلق النهى في القرآن بالقربان من الشىء، و ضابطه بالاستقراء، أن كل منهي عنه، و كان من شأنه أن تميل إليه النفوس، و تدفع إليه الأهواء،جاء‌النهى فيه عن (القربان) و يكون القصد، التحذير من أن يأخذ ذلك الميل في النفس مكانة‌تصل بها إلى اقتراف المحرم، و كان من ذلك في الوصايا السابقة النهى عن الفواحش،فقد جاء‌متعلقا بقربانها لا بفعلها نفسها (و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن)، و من هذا الباب: (و لا تقربا هذه الشجرة) . (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) .(‌لاتقربوا الصلاة و أنتم سكارى). (و لا تقربوا الزنا). (و لا تقربوهن حتى يطهرن).

أما المحرمات التي لم يؤلف ميل النفوس إليها، و لا اقتضاء الشهوات لها، فإن الغالب فيهاأن يتعلق النهي عنها بنفس الفعل لا بالقربان منه، و من ذلك في الوصايا

السابقة، الشرك بالله (ألا تشركوا به شيئا) و قتل الأولاد (و لا تقتلوا أولادكم)و قتل النفس التي حرم الله ( و لا تقتلوا النفس التي حرم الله) فإنها و إن كان الفعل المنهي عنه فيها أشد قبحا و أعظم جرما عندالله، من أكل مال اليتيم، و فعل الفواحش، إلاأنها ليست ذات دوافع نفسية يميل إليها الإنسان بشهوته، و إنما هى في نظر العقل على المقابل من ذلك، ‌يجد الإنسان في نفسه مرارة من ارتكابها،‌و لا يقدم عليها إلا و هوكاره لها، أو في حكم الكاره، و لعل منشأ ذلك أن دلائل التوحيد بالنسبة للشرك مثلا، مظبوعة في النفوس البشرية ليس من السهل أن تتحلل منها، و لا من مقتضاها، فتكفر بها و تشركبالله، و انظر إلى التعبير في قوله تعالى بالنسبة للشرك: (و من يشرك بالله فكأنما خرّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) و كذلك قتل النفس مع وجوددواعيه، لايقدم عليه الإنسان إلا بمحاولة نفسية عنيفة، يتردد و يقدم و يتأخر، و يقع من تردده و إقدامه في حيرة‌و اضطراب، أيفعل و يشفى نفسه، أم يعدل و يستريح؟ يعق في نزاعبينه و بين نفسه، و في ظلمة هذا النزاع النفسي يقدم على الجريمة‌فيرتكبها، ثم لا يلبث أن يعود إليه شىء من الرشد، و حكم العقل، فيندم و يشتد ندمه، و انظر في ذلك تصويرالقرآن و تعبيره عن هذه المحاولة‌النفسية التي تملك على الإنسان قلبه و شهوته، بالنسبة الأول جريمة قتل وقعت بين أولاد آدم: (واتل عليهم نبأ إبني آدم بالحق،‌ إذ قرباقربانا، فتقبل من أحدهما، و لم يتقبل من الآخر، قال لأقتلنك، قال إنما يتقبل الله من المتقين: لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك، إني و ذلك جزاء‌الظالمين) هذا تعبير المقتول عن جريمة‌القتل، و قد رأى عزيمة‌أخيه (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله) ثم انظر إلى التعبير عن مآله و حسرته و ما ارتطم فيه من الندم: (فأصبح منالخاسرين، فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة ‌أخيه، قال: يا ويلتا، أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي، فأصبح من النادمين).

و كان من آثار هذا الفرق الذي نحسه بين ما يتعلق النهي فيه بالقربان من الفعل، و ما يتعلق فيه بنفس الفعل، أن الدنو من المكروه النفسي بالتفكير فيه، و محاولة فعلهلا يلزمه أن يصل بالإنسان إلى ارتكابه، و ذلك لعدم ميل النفس بطبعها إليه، و ليس كذلك الدنو بالتفكير فيما تشتهيه النفس و تميل إليه، كالمال و الفواحش، فإن الفعل يتبعه فيغالب أمره، و لا يتخلف عنه إلا برادع خاص، لا يتفق لكثير من الناس، و لا في كثير من الأحوال. و من هنا، يظهر السر البلاغي الحكيم في مجيء النهي عن الشرك و أمثاله، متعلقابنفس الفعل، و مجيء النهى عن المال و الفواحش، متعلقا بالقربان منهما، و على أساس من هذه النظرة الفطرية أو التي تشبه أن تكون فطرية، نستطيع إدراكه الحكمة في المغايرة‌بين أسلوبي النهي في الجانبين.

* * *

و بعد، فقد عني القرآن الكريم بشأن اليتيم عناية كبيرة: عني به من جهة ذاته، فنهى عن ازدرائه و إهانته، و جعل ازدراءه علامة منعلامات التكديب بيوم الدين: (أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم). و عني به من جهة ماله و استثماره، و من جهة‌تربيته و تعليمه، و تمرينه على التصرف حتى يبلغأشده و قوته، و لقد ظهرت تلك العناية في مكي القرآن و مدنيه: ظهرت في المكي حينما عاد الوحي إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، بعد أن فتر عنه مدة توجس منها أن يكون اللهودعه و قلاه، فاجأه الوحي على هذه الفترة، و على هذا التوجس، مؤكدا له حسن رعاية‌ الله إياه و ذنه ما ودعه و ما قلاه، و أخد يثبث ذلك في نفسه، يذكره بعنايته به قبل النبوة وهو باليتم أحوچ ما يكون إلى العطف و الإيواء: (ألم يجدك يتيما فآوى). ثم يلفت نظره إلى جلال تلك النعمة: نعمة العطف عليه و هو يتيم، و يطلب منه شكرها، و أن يكون هذا الشكر مننوعها: (فأما اليتيم فلا تقهر). و ظهرت في المكي أيضا في سورة المعاون، و في هذه الوصايا العشر التي نتحدت في ضوئها. و لقد تأثرت نفوس القوم بهذه الوصايا المكية‌التي جاءتفي شأن اليتيم، و صاروا من أمره في حرج، أيتركونه و لا يتصلون بشىء من أمره، اتقاء للوقوع في الحرج، فيفسد شأنه، و يختل حاله؛ أم يقومون عليه، و يعزلونه من أبنائهم، فيمأكله و مشربه، فيشعر بالذلة و المسكنة و يكون هو الازدراء نفسه؟ أم ماذا يفعلون؟

توجهت نفوسهم إلى ما ينقذهم من تلك الحيرة، و يحفظ لليتيم عزته، و يحفف عنهم عبء هذهالمسئولية التي قدروا و قوعهم فيها إذا اتصلوا به و باشروا شئونه، عندئذ نزل قوله تعالى في سورة البقرة المدنية: ( و يسألونك عن اليتامى، قل إصلاح لهم خير، و إن تخالطوهمفإخوانكم،‌و الله يعلم المفسد من المصلح، و لو شاءالله لأعنتكم، إن الله عزيز حكيم) ثم تأتي سورة‌النساء، فتعني عناية خاصة‌باليتيم في شأنه كله، و ليرجع القاريءالكريم في ذلك إلى العدد الرابع من السنة الثالثة لهذه المجلة، و لقد عرضنا هناك إلى تكافل الأمة‌و مسئولية بعضها عن بعض و مسئوليتها بوجه خاص عن اليتامى، كما عرضنالعناية القرآن بتقوية أخلاق اليتامى و إحسان تربيتهم، و إلى العلاقة‌التي يجب أن تكون بين الوصي و اليتيم. و قلنا في آخر الفصول المتعلقة‌ باليتيم: (و قد كانت هذه الآياتالواردة في شأن اليتيم و السفهاء أساسا لقانون المجالس الحسبية التي و كل إليها إقامة الأوصياء على اليتامى و السفهاء و محاسبتهم على تصرفاتهم في الأموال التي أقيمواعليها). و ختمنا تلك الفصول بهذه الآية‌ الرادعة عن إهمال شأن اليتيم، و هي قوله تعالى: (و ليخش الذين لو تركوامن خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله و ليقولواقولا سديدا، أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما، إنما يأكلون في بطونهم نارا و سيصلون سعيرا).

الوصية السابعة:

تضمنت الوصية‌السابقة النهي عن أكل مال اليتيم، وهو ينش، عادة عن استضعاف اليتيم و عجزه عن المحافظة على ماله. ثم جاءت الوصية السابعة، و هي المذكورة بقوله تعالى: (و أوفوا الكيل و الميزان بالقسط، لا نكلف نفسا إلا وسعها)متضمنة النهي عن أكل أموال الناس عن طريق المبادلة المالية بنقص الكيل و الميزان، اللذين اتخذهما الناس معيارا للعدل بينهم في التعامل العام، و لا ريب

أنه شأن له خطره في الحياة‌الاجتماعية، و المعاملات التي لا غنو للناس عنها، لأنه أكل في ظل صورة‌من العدل، ظاهرها الكيل و الميزان، و باطنها انتقاص الحقوق والخديعة في استلاب الأموال.

و إذا كان السارق بجريمته لا يجد شيئا يستتر به فإن منتقصي الكيل و الميزان يرتكبون جرائمهم باسم المعاملة. و باسم معيار العدالة،فجريمتهم أشد إثما عند الله و أعظم وزرا، و لو لا سنة التعامل العام لكان قطع اليد هنا أحق و أولى. و الطمع في الأموال عن طريق الكيل و الميزان علة قديمة مزمنة، عرفها أربابالطمع و الشره منذ عرف الناس البيع و الشراء، و قد قص الله سبحانه و تعالى علينا من أنباء الأمم، أنه أهلك قوم شعيب بما تفشى فيهم من الظلم بأكل الأموال عن طريق التطفيف فيالكيل و الميزان، و بخس الناس أشياءهم، و اقرأ في ذلك قوله تعالى في سورة لأعراف: (و إلى مدين أخاهم شعيبا، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة منربكم، فأوفوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا الناس أشياءهم، و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها). و انظر كيف يأتي هذا النهي، و هو النهي عن الإفساد في الأرض و قد هيأها اللهبعناصر الخير و الصلاح، بعد الأمر بإيفاء الكيل و الميزان، و اقرأ في سورة الشعراء: (كذب أصحاب الأيكة المرسلين، إذ قال لهم شعيب، ألا تتقون إني لكم رسول أمين ، فاتقواالله و أطيعون، و ما أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على رب العالمين، أوفوا الكيل و لا تكونوا من المخسرين، وزنوا بالقسطاس المستقيم، و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لاتعثوا في الأرض مفسدين). و اقرأ مثله أيضا في سورة هود، قص الله علينا ذلك كله المرة بعد الأخرى عن قوم شعيب، و به كان الأمر بإيفاء الكيل و الميزان، أصلا من أصول الرسالاتالإلهية السابقة، شأن هذه الوصايا العشر كلها، و قد جاء‌الأمر به في سورة الأنعام كما نرى، كما جاء‌في سورة الإسراء: (و أوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم،ذلك خير و أحسن تأويلا). و قد جاء في القرآن سورة‌خاصة، ترشد إلى نكال هؤلاء الذين يعبثون بحقوق الناس عن طريق

المبادلات التي لا بد منها في الحياة،و التي يكون الانتقاص فيها و السلب عن طريقها، انتقاصا للحياة كلها، و سلبا لعوامل الأمن و الطمأنينة، و قد سميت هذه السورة ‌بسورة المطففين:( ويل للمطففين، الذين إذااكتالوا على الناس يستوفون، و إذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين).

أما قوله تعالى: (بالقسط) فمعناه:أوفوا الكيل و الميزان، لا رغبة و لا رهبة، و إنما أوفوه بدوافع القسط الذي يملك عليكم قلوبكم، و يصير خلقا لكم، تصدرون عنه في جميع أفعالكم، دون تكلف في وقت دون وقت، و لاحال دون حال، أى ليكن القسط و العدل هو الدافع لكم إلى الإيفاء، فيستمر بكم داعي الخير، و تطبعون على حب الفضيلة للفضيلة، و لما كانت الدقة في الكيل و الميزان التي تحققالعدل المطلق، قد لا تدخل تحت كسب الإنسان و قدرته، رفع الله الحرج في ذلك و ذيل الوصية‌ بقوله: (لا نكلف نفسا إلا وسعها) فهى ترخيص فيما لا يملك الإنسان ضبطه في الزيادة أوالنقصان. و إذن، فإيفاء الكيل مطلوب بقدر الوسع و الاستطاعة، و هذا سير مع سنة الله في التشريع لعباده، يرفع الحرچ، و ينفي العسر، و هي قاعدة لها شأن عظيم في تشريعالإسلام، و قد قررها القرآن في غير ما آية، و في كثير من الجزئيات، و في التكاليف عامة (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت، ربنا لاتؤاخذنا إننسينا أو أخطأنا، ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به) و كان لهذه القاعدة أثرها الواضح في العبادات و المعاملات، وهي أثر من آثار رحمةالله بعباده.

الوصية الثامنة:

كانت الوصية السابقة الأمر بإيفاء الكيل و الميزان بالقسط الذي يدخل في مقدور الإنسان و استطاعته، و هو بذلك نوعمن العدل الذي اهتم به القرآن،‌و حفل له، و جمع له من الأوامر و الترغيبات ما جعله أصلا من أصول الدين

و أوامره، و في هذه الوصية‌يقصد إلى العدلبوجه خاص، و يسوقه بعبارة مستقلة عامة: (و إذا قلتم فاعدلوا) و القول و إن كان ظاهرا، أو خاصا في المتعارف العام بالكلام ينطق به الإنسان، إلا أنه في واقعه يجري مجرىالأفعال و الألفاظ، و كل ما يدور في النفس من معان تعلن بالقول، و يتصل أثرها بالحياة؛ فالشاهد يشهد معبرا عما في نفسه،‌و الحاكم يصدر حكمه معبراً عما في نفسه، و الفاعليصدر فعله معبراً عما في نفسه. و إذن، فالقول من هذه الجهة يتناول كل ما يعبر به الإنسان عما استقر في نفسه من أخبار أو أحكام أو إرادات، فإن صح ذلك و أطلق على كل منها (قول)و خوطب أصحابها بكلمة (و إذا قلتم) فذاك، و اإلا فلا أقل من أن يلحق غير القول بالقول، و يكون طلب العدل في الأقوال التي تعبر عن المعالي النفسية، و عن الأفعال المتصلةبالحياة، يقتضي اقتضاءا أوليا، طلب العدل في تلك المعاني و هذه الأفعال.

و العدل في أصل معناه: (التسوية) و هى تشمل التسوية بين الناس في إعطاء الحقوق، و التسوية بينالأقوال و الوقائع، و بين الحكم و ما تثبته البينة، و بين التصرف و ما تقضى به أحكام القوانين و الشرائع، و قد أمر القرآن بالعدل عاما و خاصا: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) ، (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) و قد طلبه من الشاهد و الحاكم و المتصرف، طلبه في الأسرة، و طلبه فيالزوجات، و طلبه في الناس جميعا،‌طلبه حتى مع الخصوم و الأعداء (و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى) و العدل مطلوب القرآن بقدر ما نهى عن ضده وهو الظلم، الذي يرجع إلى حرمان صاحب الحق من حقه، و قد عرض القرآن إلى بعض صلات، من شأنها أن تعدل بالناس في أعرافهم و عاداتهم عن العدل، و طلب مكافحتها في النفس، و حذرالانحدار في طريقها (يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله، و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوىأن تعدلوا، و إن تلووا أو تعرضوا، فإن الله كان بما تعملون

خبيرا). و قد عرض له بوجه خاص في اليتامى و تعدد الزوجات (و أن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى)فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى و ثلاث و رباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، فقد أباح تعدد الزوجات إذا خيف الجور بينهن، و بذلك كان العدل مبيحا لتعدد الزوجات، و فيالوقت نفسه كان الخوف من فواته بين الزوجات مانعا من تعددهن. و لنا أن نأخذ من هذا أن إباحة الله لشىء ما مشروطة بألا يترتب على فعل هذا المباح ضرر أو إيذاء، و أنه إذا صحبهضرر أو إيذاء وچب منعه، و خرج عن أن يكون مباحا، و هذه قاعدة تشريعية عامة تعمل عملها في كل ناحية من نواحي الحياة و نواحي التشريع.

و كما طلب الله العدل في اليتامى وبين الزوجات، طلبه في معاملة الأبناء، محافظة على تماسك الأسرة، و بعداً بها عن الانحلال و التفرق، و من ذلك أنكرت الشريعة على الناس تفضيل بعض الأبناء علل بعض فيالإقبال و البشاشة، فضلا عن العطاء و الإيثار، و قد تناقل المحدثون في ذلك الحادثة المشهورة، حادثة تخصيص بشير لولده النعمان بالمنح و العطاء، منحه منحة لم يمنح سائرأولاده مثلها، فقالت له زوجته:

لا أرضى بهذه العطية لولدي حتى تشهد عليها رسول الله، فذهب إلى الرسول ليشهده عليها، فسأله الرسول: أعطيت كل ولدك مثل ما أعطيتالنعمان؟ فقال: لا يا رسول الله، فأمره الرسول بالرجوع في العطية، و قال له: إني لا أشهد على جور، و قد روى هذا المعني بتعبيرات مختلفة، منها بعد هذا: (لا أشهد إلا على حق)،(اتقوا الله و اعدلوا بين أولادكم)، (أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: نعم، قال الرسول: فلا إذن) و بذلك رجع بشير في عطيته.

و كذلك طلب القرآن العدل في كتابةالوثائق التي بها تحفظ الديون و شروط الالتزام،‌و أنزل في ذلك أطول آية في القرآن: (يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه، و ليكتب بينكم كاتب بالعدل،و لا يأب كاتب أن يكتب

كما علمه الله، فليكتب، و ليملل الذي عليه الحق، و ليتق الله ربه، و لا يبخس منه شيئا، فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أولا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل) ثم يقول في ثمرة هذه الأوامر التي تتلاقى كلها عند العدل و طلبه: ( ذلكم أقسط عند الله و أقوم للشهادة و أدنى ألا ترتابوا).

وهكذا عرض القرآن للعدل في كثير من الجزئيات، و حث عليه بأساليب مختلفة حتى وصل به إلى أن جعله الغاية من إرسال الرسل إلى الخلق، و إنزال الكتب عليهم:

(لقد أرسلنا رسلنابالبينات، و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط).

ثم لا يقف عند هذا الحد، و هو: ( ليقوم الناس بالقسط) بل يوحى بأن القسط مطلوب و يجب العمل على إقراره وتعميمه و لو أدى ذلك إلى استعمال القوة و اتخاد الحديد آلة‌للسير بالناس في طريق العدالة‌ و المساواة، و انظر قوله بعد ذلك:

(و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافعللناس، و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب إن الله قوي عزيز) و إذن، فالعدل هو الطريق الذي يطلبه الله في نصرته و نصرة رسله و تحقيق حكمته في إرسال الرسل، و إنزال الكتب،و معنى هذا أن العدل في نظر القرآن - كما هو الواقع المحس - عماد الخير و الصلاح- و عماد النظام و تمام الملك و السلطان؛ فلا نظام إلا بالعدل، و لا أمانة إلا بالعدل، و لاشرائع إلا بالعدل، و لا حكمة و لا رحمة إلا بالعدل؛ فالعدل هو غاية الغايات، و هو الأساس أو العماد الذي شاد الله عليه الكون، ليس في الإنسان مع الإنسان فقط، و إنما فيالإنسان مع نفسه، و في الإنسان مع ربه، و في الإنسان مع أسرته ، و في الإنسان مع أمته، و في الإنسان مع بشريته، و في الإنسان مع كل ما في الكون من جماد ، و نبات، و حيوان.

هذه هي مكانة العدل في الإسلام، و كثيرا ما حكى القرآن عن مصير الأمم التي حرمت من إدراك معني العدل، و تفشى فيها الظلم حتى أدركها الفناء.

أما قوله تعالى: ( و لو كانذا قربى) فهو أخذ بالإنسان عما جرت به عادته من التأثر بصلات القربى في المحاباة للأقرباء، و الظلم لغيرهم.

الوصية‌التاسعة:

و إذا كان شأن العدلفي القرآن، هو ما رأينا في الوصية‌السابقة، فإن أساسه يرجع إلى شيء واحد، و هو الوفاء بعهد الله، و لله مع عباده عهود يجب الوفاء بكل واحد منها، و قد صورت لنا في القرآنأنواع كثيرة من هذه العهود: أخذ الله العهد على الناس أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئا: ( ألم أعهد إليكم يا بنى آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، و أن اعبدوني هذاصراط مستقيم) و أرشد إلى أن هذا العهد قد أخذ على الإنسان بما أودع فيه من العقل، و بما ركب فيه من قوي الإدراك، و بينِّ له من مناهچ الخير و الشر، و نصب له من الدلائل والأمارات: ( و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريهتم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا بلى) و أخذ الله العهد على الأنبياء باعتبارهم رسل هداية و دعاة إصلاح، يعدالسابق منهم للاحق،‌و يبني اللاحق منهم على أساس السابق: ( و إذ أخذ الله ميثاق النبيين، لما آتيتكم من كتاب و حكمة، ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم، لتؤمنن به و لتنصرنه قال.أأقرتم و أخذتم على ذلكم إصرى، قالوا أقررنا قال فاشهدوا و أنا معكم من الشاهدين) و هذا العهد في واقعه ليس خاصا بالأنبياء بعضهم مع بعض، و إنما هو عهد لكل من خصصه الوجودللقيام بطرف من مسئوليات الأنبياء، و قام بشىء من وظائفهم؛ فهو عهد المصلحين للمصلحين، عهد الله على اللاحقين منهم أن يسيروا في طريق السابقين، و أن يكونوا يدا واحدة، وقلبا واحدا، و اتجاها واحدا في سبيل الإصلاح يؤمنون به جميعا، و يتعاونون به جميعا، و يقر آخرهم عمل أو لهم فيه، و هو عهد يقضى أن يكون للإصلاح خطة معلومة مرسومة، منشؤهاأحكام الله و شرعه، يتناقلها الخلف عن السلف، و يتممها الخلف بعد السلف. و يناقض هذا العهد أو يقطعه، أن يكون كل مصلح أمة في نفسه، و حزبا برأسه، يستأنف و لا يبني، و يهدم ولا يشيد، و ذلك مفسدة للرأى، و مضيعة‌للخير، و نقض لعهد الله.

و أخذ الله العهد على الذين آتاهم الكتاب، و منحهم فضل بيانه و تعليمه، أخذ عليهم العهد بالبيان،بالقلم، باللسان، بكل وسيلة من وسائل الإعلام، أخذ عليهم

العهد بالبيان، و توعدهم على الكتمان، كما توعدهم على التحريف و التأويل، و سبيلهم في هذاالعهد أن يذكروا للناس ما نصت عليه شريعته، و أن يجتهدوا في معرفة حكمه بالنسبة‌لما لم يرد به نص؛ فخيانة العهد إما بكتمان ما ورد، أو بالجمود و قبض الفكر عن بيان ما لميرد، و اقرأ في ذلك كله قوله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب، أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون، إ لا الذين تابواو أصلحوا و بينوا، فأولئك أتوب عليهم و أنا التواب الرحيم). و ليس ما بينه الله في الكتاب خاصا بالأحكام الجزئية التي وردت أعيانها في الكتاب، كتحريم الخمر، و تحريم الزنا،و وجوب الصلاة و الزكاة، و إنما يشمل ما بينه الله في الكتاب: ما ذكر في الكتاب على وجه الخصوص، و ما ذكر في قواعد التشريع العامة التي تؤخذ من جملة المنصوص عليه في الكتاب،و عليه؛ فمن كتم الحق خوفا من الناس، أو طمعا فيهم فهو ملعون، و من بدل حكم الله رغبة فيما عند الناس أو رهبة منهم فهو ملعون، و من وقف عند حد المنصوص و لم يستخدم مواهبه فيتطبيق القواعد التشريعية على ما جد من أحداث و نوازل و قال كفانا ما بين الأوائل، و أفسح بذلك المجال للطعن في الشريعة و أحكامها لمن يزعم قصورها عن أحكام ما يجد فيالعالم، و أنها بهذا الوضع، و بهذا الجمود تكون غير صالحة ألا لعصرها الذي نزلت فيه، و صرح بأحكام واقعاته و نوازله - من يقف هذا الموقف فهو في حكم الكاتم الملعون، و علىالعموم فلله كما قلنا عهود، و أعمها العهد الذي أخذه على الناس جميعا، أن يوحدوه، و ألا يشركوا به شيئا، و أن يعملوا بشرائعه و أحكامه، و أن يقوموا بما تعاقدوا عليه منارتباطات و التزامات على أساس من أحكام الله و شرعه (يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). (و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا). (و بعهد الله أوفوا، ذلكم وصاكم به لعلكمتذكرون).


الوصية‌العاشرة:

أما ألوصية العاشرة فهى الوصية العامة التي تتناول جميع أحكام الله و شرعه. و قد أطلق الله فيها على دينه و شرعه: كلمة : (الصراطالمستقيم) و قال (و أن هذا

صراطي مستقيما، فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) و شرع الله و دينه وحدة قائمة فيالوجود، متميزة‌ بذاتها. و حكمها و أسرارها، واضحة جلية، تتلقاها العقول عن الطبيعة‌البريئة من ظلمات المادة، و من تقاليد الأهواء، و تتلقاها عن الوحي في الرسالات والكتب. ظاهرة ليست بخافية، بارزة ليست بمستترة، و بذلك أخذت حكم المحس المشاهد، و قيل فيها: ( و أن هذا صراطي مستقيما) و الصراط المستقيم معناه: الطريق الذي لا التواء فيه ولا انحراف، المعبّد لسالكه، و هو أقرب ما يصل به الإنسان إلى مقصده دون بطء أو تعويق،‌و لما كان شرع الله في الوصول إلى غايته بهذه المثابة، أطلق عليه: (الصراط المستقيم) والصراط المستقيم ورد كثيرا في القرآن، عنوانا على شرع الله و دينه،‌و أضيف تارة إلى الله كما في هذه الآية، و كما في قوله: (و هذا صراط ربك مستقيما) و أضيف أخرى إلى الذينالتزموه و ساروا على مقتضاه، حتى نعموا بفضله و مزاياه،‌و خلد ذكرهم فى الآخرين: (صراط الذين الذين أنعمت عليهم).

و قد طلب الله من الناس أن يتبعوه، و اتباعه (التزامأحكامه و العمل بما فيه) و هو (الاستقامة) التي أمر الله بها عباده، و أمر بها على وجه خاص نبيه: (فاستقم كما أمرت و من تاب معك و لا تطغوا إنه بما تعملون بصير) و هو يشمل :العقيدة، و الخلق، و العمل، و كما طلب اتباعه، نهى عن اتباع ماعداه، و في التعبير عنه بضمير الواحد، و التعبير عما سواه بالجمع، إيحاء إلى أن الحق واحد لا تعدد فيه، أماالباطل فذو صور شتى و أنحاء متعددة؛‌فالحق منبعه الواقع، و مصدره الله، و الباطل منابعه النفوس، و مصادره الأهواء و الشهوات، يأتي من الأهواء تحت ضغط السلطان، و تحت ضغطالعصبيات، و تحت ضغط الحسيات، و ضغط الجاه، و ضغط الطغيان، و ما إلى ذلك، و قد كان المسلمون وحدة في العقيدة، و الخلق، و المعاملة، و السلطان، و العدل، و المكانة. يوم أنكان صراطهم نابعا من الواقع، و مرسوما من السماء، فلما غيروا و بدلوا، غير الله عليهم و بدل، فتعددوا، و تنافسوا، و تكاثروا، و هبطت عزتهم، و تحطمت شوكتهم، و صاروا كماقال الرسول: غثاء كغثاء السيل، و لا حول و لا قوة‌ إلا بالله.

تعددت مذاهبهم، و فرقهم، و كثرت فتنهم، فتعددت بهم السبل، و تفرقت بهم الكلمة، و حدثتفيما بينهم ثغور استطاع الخصوم أن يلجوا منها إليهم، فضاعفوا تفرقهم، و أخذوا بهم بعيدا عن صراط الله المستقيم.

هذا و قد شرح رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)هذه الآية شرحا تصويريا بيده الكريمة فيما يحدث به عبدالله بن مسعود، قال : خط رسول الله (صلى الله عليه و سلم) خطا بيده، ثم قال: (هذا سبيل الله مستقيما) ثم خط خطوطا عنيمين هذا الخط و عن شماله، ثم قال: (و هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو أليه) ثم قرأ الآية كلها: (و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عنسبيله).

و بعد، فأين المسلمون اليوم حينما يسمعون هذه الآية، ثم ينظرون إلى ما هم فيه من تفرق في الآراء و الأحكام و السلطان، و مجافاة لأحكام الله، و بغض لما لا يتفق وأهواءهم منها، و من الارتماء في أحضان غيرهم و موالاة الأعداء، أين يضعون أنفسهم حينما يسمعون هذه الآية، و حينما يسمعون قول الله تعالى بعدها: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شىء، إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون).

و بعد: فهده هي الوصايا العشر، تضع أساس العقيدة في توحيد الله، و تبنى الأسرة على أساسمن الخلق الفاضل بالإحسان إلى الوالدين، و تحفظ الاجتماع بحرمة الأنفس و الأعراض و الأموال و النظام العام، ثم تربط التقوى لعامة‌المطلقة التي هي منبع كل خير، و سبيل كلفلاح بالتزام صراط الله المستقيم. فاللهم اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم، و لا الضالين.

/ 1