تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنعام (3) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأنعام (3) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت

سورة الانعام

تذكير بالخطوات التمهيدية السابقة ـ صفحة عامة لما تضمنته سورة الأنعام ـ القضايا الكبرى التي شغلت العقول: قضية الألوهية ـ قضية الوحي والرسالة ـ قضية البعث ـالآيات الاربع الأولى تقرر هذه القضايا ـ كل ما جاء بعد ذلك تفصيل لهذه القضايا: أمثلة من السورة ـ استطراد بالإشارة إلى طرق القرآن في الاستدلال على قضية البعث ـ عود إلىما قبل الاستطراد ـ التحريم والتحليل ليس من شأن البشر ـ القرآن يفند الشبهة القديمة في الاحتجاج بالقضاء والقدر ـ الوصايا العشر ـ ختام السورة.

تذكيربالخطوات التمهيدية السابقة:

تكلمنا في العددين السابقين على خطوات ثلاث مهدنا بها للكلام على سورة الأنعام. وكانت الخطوة الأولى: الموازنة بين منهجها ومنهج السورالأربع المدنية التي سبقتها في الترتيب المصحفى. وكانت الخطوة الثانية: مقارنة منهجها بمنهج سور أربع من المكي شاركتها في البدء باستحقاق الله وحده الحمد والثناء، وهن:سورة الفاتحة، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر.

وكانت الخطوة الثالثة في الموازنة بينها وبين سورة الأعراف التي سبقتها في النزول وتلتها فيالترتيب المصحفى، وفي هذه الموازنة سقنا ما تيسر لنا من فروق بين منهجي الأنعام والأعراف فيما عرضت له كل منهما، كما عرضنا بمناسبة ذلك للحكمة ـ حسب إدراكنا ـ في مجئالترتيب المصحفى على غير ترتيب النزول.

صفحة عامة لما تضمنته سورة الأنعام:

والآن، نقدم لقاريء (رسالة الإسلام) صفحة عامة عما تناولته سورة الأنعام وعن أساليبهاالتي اتخذتها في سبيل تركيز عناصر الدين عند الله. وقد قلنا إن سورة الأنعام عرضت لهذه العناصر الدينية الأولى، وهي القضايا العالمية الكبرى التي شغلت العقل البشري منذأن نظر، وكشفت له جهات النظر عن مشاهداته الكونية ومعقولاته في الآفاق والنظام العالمي، وقد كانت هذه القضايا من قديم ميدانا لاختلاف النظر، واختلاف ما يدين به الإنسانفي خلق العالم وفي منشئه وحاضره ومستقبله، والواقع أن هذه القضايا هي التي تحاول نتائجها الإجابة عن أسئلة ثلاث تتفاعل في صدر الإنسان، وكثيرا ما يقف العقل البشرىأمامها حائراً مضطرباً، ولا يصل فيها إلى كلمة الحق، والى القول الفصل إلا عن طريق الوحي المرشد، والنظر العقلي السليم الذي يوفق الله إليه من يعصمه من الزلل واقتفاءالهوى والشهوة.

القضايا الكبرى التي شغلت العقول:

وهذه القضايا هي:

1 ـ قضية الألوهية وعبادة الله وحده.

2 ـ قضية الوحي والرسالة.

3 ـ قضية البعثوالجزاء.

وقد تناولت السورة هذه القضايا التي لو عرفتها البشرية حق المعرفة، وآمنت بها حق الإيمان لتخلصت من ظلمات المادة القاتلة، وعرفت قيمتها في الحياة،

ووصلت بها إلى أقصى درجات السعادة، وحققت حكمة الله في خلق الإنسان، وفي إرسال الرسل إلى الناس على أكمل الوجوه وأتمها وأرضاها عنده سبحانه وتعالى.

وقد جاء في تضاعيف هذه السورة تصوير متكرر بعبارات مختلفة وأساليب متعددة في هذه القضايا الثلاث.

قضية الألوهية:

فمن تصوير قضية الألوهية: '''''''' قل أغير الله أتخذوليا فاطر السموات والأرض ''''''''. '''''''' قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون ''''''''. '''''''' قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ''''''''. '''''''' قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ''''''''. ''''''''ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ''''''''. '''''''' قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ''''''''. '''''''' قل أغير الله ابغى رباً وهو رب كلشيء ''''''''.

قضية الوحي والرسالة:

ومن تصوير قضية الوحي والرسالة: '''''''' وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ''''''''.'''''''' إن أتبع إلا ما يوحى إلى ''''''''. '''''''' أتبع ما أوحى إليك من ربك '''''''' ''''''''وهو الذي أنزل اليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ''''''''. '''''''' الله أعلم حيث يجعل رسالته ''''''''.

قضية البعث:

ومنتصوير قضية البعث: '''''''' ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ''''''''. '''''''' وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون '''''''' '''''''' لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ''''''''. ''''''''ويوم يقول كل فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور ''''''''. '''''''' ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ''''''''. هذه نماذج من تصوير سورة الأنعام للقضايا الثلاث التي دارحديثها حولها وهو تصوير يحمل توجيهاً واضحاً وقوياً إلى الحجة والبرهان، تصوير حسبُ

المنصف في نظره وتدبره أن ينظر ويتدبر فيتفهمه على وجهه الحقويدرك إشارته وإيحاءه.

الآيات الأربع الأولى تقرر هذه القضايا:

وقد بدأت سورة الأنعام فركزت اتجاهها نحو هذه القضايا الثلاث بآياتها الأربع الأولى، فقررت فيأولاها: '''''''' الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون '''''''' ما يوجب النظر فيه توحيد الله سبحانه في الألوهية، وأثبتت له في سبيل ذلكاستحقاق الحمد بحقيقته الشاملة لجميع أنواعه وصوره، وأهابت بالعقول إلى أنه هو الذي خلق العالم العلوي والعالم السفلي في مادته وجوهره في أعراضه وخواصه وآثاره، وإذنفليس أحد غيره يستحق شيئا من الحمد والثناء، لأنه هو وحده مصدر النعم كلها ومصدر الخير كله، وليس شيء مما ينتفع به الناس من أرضي أو سماوي إلا وهو أثر قدرته، ومن فيض نعمتهورحمته، فهو إذن المنعم على الاطلاق، وهو إذن القادر على الإطلاق، والمتصرف على الإطلاق، والمدبر والمهيمن على الإطلاق، ولا يصح في عقل أن يتجه بالعبادة والتقديس إلىغير من عظم سلطانه، ونفذت قدرته وعمت نعمته، وما أبعد هؤلاء '''''''' الذين تنكبوا طريق الوجدان السليم والعقل المستقيم، وعدلوا أو تشككوا في هذا الوضع البين الواضح، وعبدوا غيرالمنعم القادر، واتخذوا من خلقه أندادا يعبدونهم من دونه '''''''' ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ''''''''.

وقررت ثانية الآيات الأربع ما يوجب الايمان بقضية البعث والجزاء: '''''''' هو الذيخلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون '''''''' وإذا كان الله هو الذي خلق الإنسان من طين وعاقب عليه أطوار الخلق، وسار به في طريق النشوء والارتقاء، حتى وصل إلىدرجة الكمال العقلي التي بها يتصرف في الكائنات، والتي بها يسخر في منافعه الأرض والسموات، فكيف يمترى هذا الإنسان ويشك في أن له نشأة أخرى، هي حياة البعث والجزاء، حياةالكمال

المطلق الذي تتجلى فيه صفات الرحمة الإلهية والفضل الإلهي بأوسع معانيها، وما أبعد امتراء الإنسان عما يقتضيه العقل من ذلك ويحكم بهالنظر '''''''' ثم أنتم تمترون ''''''''.

وتقرر الآية الثالثة خاصة الألوهية من العلم الشامل وعموم القدرة '''''''' وهو الله في السموات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون '''''''' وعمومالقدرة وشمول العلم ها الأساسان في فهم الحق بالنسبة إلى الألوهية وبالنسبة إلى البعث والجزاء وبالنسبة إلى الوحي والرسالة.

ثم تجيء الآية الرابعة فتقرر أن لله آياتيبعث بها أنبياءه إلى خلقه، وهي آيات الشرائع والأحكام، وآيات الخلق والاتقان، ولكن الناس مع وضوح هذه الآيات تأخذ بهم فتنة الحياة عنها، فيعرضون ويكذبون وهي الحق الذيتشهد به فطرهم، وجاءهم من ربهم، ثم تتوعدهم الآية على ما كان منهم من إعراض وتكذيب واستهزاء '''''''' وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لماجاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون ''''''''.

كل ما جاء بعد ذلك تفصيل لهذه القضايا: أمثلة من السورة:

على هذه الآيات الأربع التي ركزت بها السورة في أولها جهةالحق في الألوهية والبعث والجزاء والوحي والرسالة، أخذت السورة في تفصيل الحجج وتصريف الآيات، تهز بها العقل البشري وتدفعه إلى النظر، وتؤكد له هذه المطالب مع عرض موقفالمكذبين بها المعرضين عنها، ومن هنا جاء كل ما في السورة إما متصلا بالسموات والأرض أو متصلا بالإنسان أو متصلا بالوحي أو متصلا بالبعث، أنظر إلى قوله تعالى: '''''''' قل لمن مافي السموات والأرض ''''''''. '''''''' وله ما سكن في الليل والنهار ''''''''. '''''''' وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق ''''''''. '''''''' إن الله فالق الحب والنوى ''''''''. '''''''' فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمرحسبانا ''''''''. '''''''' وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ''''''''. '''''''' أنزل من السماء ماء فأخرج به نبات كل شيء ''''''''. '''''''' أنشأ جنات معروشات وغير معروشات ''''''''.

كل هذا ونحوه عرضت له السورة تفصيلا لنعم الله وآثار قدرته فيما يختص بالسموات والأرض وفيما يختص بنعمه على الإنسان.

ثم انظر قوله تعالى: '''''''' وهو القاهر فوق عباده ''''''''. ''''''''وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ''''''''. '''''''' وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظه حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ''''''''. '''''''' قل من ينجيكم من ظلماتالبر والبحر ''''''''. '''''''' قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ''''''''. '''''''' وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع ''''''''. '''''''' وهوالذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ''''''''.

كل هذا مما عرضت له السورة تفصيلا لنعم الله في الإنسان وإرشاداً إلى آثار قدرته فيه وسلطانه عليه.

ثم أنظرقوله تعالى: '''''''' وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ''''''''. '''''''' قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى اليّ ''''''''. '''''''' وأنذر به الذينيخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع ''''''''. '''''''' ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين، وقالوا لولا أنزل عليه ملكولو أنزلنا ملكاً لقضى الأمر ثم لا ينظرون، ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليه ما يلبسون '''''''' '''''''' وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزلالكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس ''''''''. '''''''' وهذا كتاب أنزلنا مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها ''''''''. '''''''' وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتىرسل الله، الله أعلم حيث يجعل رسالته ''''''''.

كل هذا عرضت له السورة بيانا لحكمة رسالته إلى البشر، ومهمة رسله، وبيانا لما عرض للمعاندين من شبه وأوهام، صرفتهم عن قبول الحقوالاعتراف برسالة الله إلى خلقه.

وانظر بعد ذلك إلى قوله تعالى: '''''''' كتب ربكم على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ''''''''. '''''''' ويوم نحشرهمجميعاً ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ''''''''. '''''''' ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ''''''''. '''''''' قد خسر الذينكذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ''''''''. '''''''' ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أولمرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ''''''''. '''''''' يا معشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكميقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا شهدنا على أنفسنا، وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ''''''''.

كل هذا عرضت له السورة تقريراًلقضية البعث، وبيانا لما سيسجلونه على أنفسهم حينما يصيرون إلى دار الجزاء ويرون بأعينهم آثارها فيهم.

استطراد بالاشارة إلى طرق القرآن

في الاستدلال على قضيةالبعث:

ومن الخير أن نشير هنا إلى أن للقرآن الكريم طرقا شتى في الاستدلال على قضية البعث، فهو يستدل عليها بخلق السموات والأرض '''''''' أو ليس الذي خلق السموات والأرضبقادر على أن يخلق مثلهم ''''''''. '''''''' أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي يخلقهن بقادر على أن يحيى الموتى '''''''' ويستدل بخلق الإنسان: '''''''' يأيها الناس إن كنتم في ريب منالبعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة '''''''' ويستدل بقياس الخلق الثاني على الخلق الأول: '''''''' أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلقجديد ''''''''. '''''''' فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ''''''''. '''''''' قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ''''''''. '''''''' وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه '''''''' ويستدل بإحياء الأرضبعد موتها: '''''''' وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا

عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيى الموتى وأنه على كل شيءقدير '''''''' ويستدل بأن الحكمة والعدل يقضيان بالحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما يقضيان بأن ينال المحسن إحسانه والمسئ إساءته، حتى يطهر المسئ من دنس النفس، ويكون أهلالرحمة الله الكاملة، وهذان شأنان هامان، إذ كثيراً ما يرتحل الناس عن الدنيا دون أن يعرفوا الحق فيما اختلفوا فيه، ودون أن يسهل طريق النقاء لمن دسى نفسه، وإذن فلابد مندار أخرى: '''''''' ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون ''''''''. '''''''' وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلىوعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ليبين الذين يختلفون فيه، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين '''''''' ويستدل بأن الاعادة التي يستبعدها المعاندون لا تتوقف إلاعلى العلم والقدرة، وهما عند الله من مرتبة ذاته العلية، لا يعزب عن عمله شيء ولا يعجزه شيء: '''''''' قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ ''''''''. '''''''' ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ''''''''.

وهنا نوع آخر من الاستدلال على البعث عرضت له كثيراً سورة الأنعام يقطع النظر فيه عن كل ما تضمنته هذه الأنواع من توجيهالنظر إلى العلم والقدرة والى ما تقتضيه العدالة والحكمة، وإنما يعرض شأن البعث باعتباره أمراً كائناً ليس موضع إنكار، ولا محلا لريب، وتصور فيه مواقف المنكرين، وماسيكونون عليه في ذلك اليوم، وكأن القرآن يقول لهم في هذا النوع: أريحوا أنفسكم من الإنكار، وأريحوا الرسول من الجدل والمناقشه، وتعالوا فاعرفوا الواقع الذي سيكون، وهذاهو الأحرى بكم، وما يجب ان تعرفوه، وأن يرتسم على صفحات، قلوبكم، وانظر في هذا مثل قوله تعالى: '''''''' ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون، ثملن تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين، انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ''''''''. '''''''' ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا ياليتنا نرد ولا نكذببآيات ربنا ونكون

من المؤمنين، بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا ومانحن بمبعوثين، ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق؟ قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ''''''''. '''''''' ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ماخولناكم وراء ظهوركم، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء، لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ''''''''.

إلى غير ذلك مما تضمنته السورة من الوصف العينيلمظاهر البعث الذي يأخذ بالقلب، ويثير الوجدان.

عود إلى ما قبل الاستطراد:

وفي تضاعيف هذا العرض للقضايا الثلاث تعرض السورة في صور مختلفة لموقف المكذبين منالرسل وأن التكذيب سنة قديمة وفي هذا تعالج نفس الرسول من اليأس وضيق الصدر بتكذيبهم إياه، وتبين له حسن عاقبته، وسوء عاقبتهم: '''''''' قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأ المرسلين ''''''''. '''''''' ولقداستهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون '''''''' يعلو زبد الباطل فيخفي في ظلمته الحق، حتى إذا ما تنبه أهل الحق واطمأنت قلوبهم اليه، وانفعلت نفوسهمبه؛ تبددت ظلمة الباطل وانطفأت فقاقيعه، وتجلى الحق وأخذ سلطانه، وإندحر الباطل وتواري تلبيسه '''''''' فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض '''''''' سنة الله ولاتجد لسنة الله تبديلا.

وبينما نرى السورة تصرف الآيات والحجج في هذه القضايا الثلاث على النحو الذي أرشدنا إليه ورسمنا خطوطه نراها تعرض لكل ما تذكر هذه النتيجةالبينة الواضحة '''''''' ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، قد جاءكم بصائر من ربكم فمنأبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ''''''''.

التحريم والتحليل ليس من شأن البشر:

ثم نتابع السورة فنجدها تتناول بعض تصرفاتهم التيكانت أثراً من آثار الشرك في التحليل والتحريم لما خلق الله من الحرث والأنعام وتبين لهم خطأهم الواضح في هذا التصرف الذي تأباه طبيعة الأشياء أنفسها، وتبين لهم أنالتحليل والتحريم ليس من شأن البشر وإنما هو من شأن الخالق الحكيم الذي يعلم خصائص الأشياء وخلق كل شيء لغايته '''''''' وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذالله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ''''''''. '''''''' وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشأء بزعمهموأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون '''''''' تشرح الآيات انحرافهم في التحليل والتحريم وتجعله في مستوى اعتدائهم علىأولادهم بالقتل '''''''' سفها بغير علم '''''''' ثم تقفى كل ذلك بالتفنيد والإبطال: '''''''' قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا فمنأظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ''''''''.

وفي هذا السياق تبين السورة ما حرمه الله من الطعام وتحصره في أربعة أصناف '''''''' قل لاأجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم '''''''' (1).

القرآن يفند الشبه القديمة في الاحتجاج بالقضاء والقدر:

ثم تعرض السورة في سياق التحدث عن تصرفهم بالتحليل والتحريم للشبه التي كانوا يتمسكون بها في تبرير شركهموفي التحليل والتحريم من دون الله، وهي الشبه البشرية في قديم الزمان وحديثه فيما يتعلق بالايمان والكفر، والطاعة

(1) انظر هذا الحصر في الآية 173 منسورة البقرة، والايات الأولى من سورة المائدة، والاية 115 من سورة النحل لتعلم أنه قرر في مكي القرآن ومدنيه.

/ 3