تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأعراف (1) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأعراف (1) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الأكبر شيخ محمود شلتوت

شيخ الجامع الأزهر

سورة الاعراف

مشهد آخر من المشاهد الأخروية التي عرضتها سورة الأعراف: ما الحجاب الذي بين الجنة و النار ـ و ما الأعراف، و من أصحابها، و ما منزلتهم ـ أقوالالمفسرين في ذلك و بيان المنهج السليم الذي يجب السير عليه في مثل هذه الشئون الغيبية.

المشهد الأخير بين أصحاب النار و أصحاب الجنة: التحريم يستعمل بمعنى الحرمان ـمن صور الكفر اتخاذ الدين لهواً و لعباً، و الغرور بالحياة الدنيا: الصور و المراسم، و العبث في الأعياد و المواسم، و اتخاذ الحلقات و المواكب، باسم الدين ليس من شأنالمؤمنين ـ المادية و الطغيان المالي في صورتيه: «الرأسمالية الفردية» و «الرأسمالية الدولية» صراط الله المستقيم الذي بينه في كتابه هو الملاذ و العصمة، و الهدى والرحمة.

*   *  *

تحدثنا في العدد السابق من (رسالة الاسلام) عن بعض المشاهد الأخروية التي عرضتها «سورة الاعراف» و هي المشاهد الهامة التي يمر بها الناس من حينالوفاة الى حين استقرار أهل الجنة في الجنة، و أهل النار في النار.

والآن نستمر في الحديث عن بقية هذه المشاهد: يقول الله تعالى بعدالكلام عن نداء أهل الجنة لأهل النار: وبينهما حجابٌ، وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون وإذا صرفت ابصارهمتلقاء اصحاب النار  قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، ونادى أصحابُ الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذينأقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون .

وفي هذه الآيات يجئ ذكر لفرقة لم يتحدث عنها القرآن الكريم باسمها ومكانها وندائها، إلا فيهذه السورة، وفي هذه الآيات، وهي الفرقة التي سميت بأصحاب الأعراف وسميت السورة باسمها.

وذلك وصف لمشهد آخر يبين أن بين أهل النار وأهل الجنة حجابا، وأن هناك جماعةعلى الأعراف ينادون أهل الجنة بالتحية والتكريم، ويستعيذون بالله من أن يجعلهم مع أهل النار ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين وهو دعاء تذلل ولهم فيه مع ذلك لذة، ولأهلالنار منه حسرة، ثم يأخذ أصحاب الأعراف في تبكيتهم من جهة ما كانوا يجمعون من جموع ليصدوا عن سبيل الله وما كانوا يبدون من استكبار عن تقبل دعوة الحق، وأن هذا وذاك لميغنيا عنهم من شيء، ثم من جهة موقفهم من المؤمنين في الدنيا حيث كانوا يستهزئون بهم ويقسمون الأيمان الغليظة على أنهم لا يمكن أن يكونوا صالحين، وأن ينالهم الله برحمةمنه.

وقد تكلم العلماء في هذا المقام كثيراً: تكلموا في الحجاب الذي هو بين الجنة والنار، وتكلموا في الأعراف ورجاله، وكان لهم في ذلك آراء وصلت فيما كتب المفسرون إلىاثني عشر قولا:

فمن قائل: إن الحجاب الذي بين الجنة والنار، أو بين أهليهما، هو السور المذكور في سورة الحديد يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونانقتبس من نوركم، قيل ارجعوا وراءكم فالتسموا نورا، فضرب بينهم

بسور له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وأن الأعراف أعاليذلك السور، مأخوذ من عرف الديك، أو عرف الفرس.

ومن قائل إن الأعراف هي شُرَف الصراط.

ومن قائل إن المقصود بالأعراف جبل أحد، ويذكرون فيه حديثا إن أُحداً جبليحبنا ونحبه، وإنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار، ويحبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم، هم إن شاء الله من أهل الجنة وحديثاً آخر إن أحُداً على ركن من أركان الجنة وحديثاً ثالثاً أحدٌ جبل يحبنا ونحبه، وإنه لعلي ترعة من ترع الجنة .

ومن قائل إن رجاله هم الملائكة، أو الانبياء، أو عدول الأمم الشهداء على الناس، أو العباسوحمزة وعلي وجعفر، أو أهل الفترة، أو الذين تستوي حسناتهم وسيئاتهم... إلى غير ذلك من الأقوال التي نراها في كتب التفسير.

والذي يجب علينا أن نقف عنده هو: أن هناكحجاباً بين الجنة النار، قد يكون ماديا، وقد يكون معنويا، والله أعلم بحقيقته، والمقصود أن بين الجنة والنار ما يحجز بين الفريقين، وأن هذا الحجاب الحاجز لا يمنع من وصولالأصوات عن طريق المناداة، وأن هناك مكانا ـ أو مكانة ـ له صفة الامتياز والعلو، وأنه يكون على هذا المكان رجال لهم من المكانة والمنزلة الرفيعة ما استحقوا به عند الله أنيكونوا في هذا المكان أو تلك المكانة، مشرفين على هؤلاء وهؤلاء، ينادون كل فريق بما يناسبه: يُحيّون أهل الجنة، ويبكتون أهل النار.

وإنما رجحت أنهم ليسوا من الملائكةلقوله تعالى: رجال وهو تعبير لم يعهد عن الملائكة، وهو يوحي أيضاً بأن أصحاب الأعراف على صفة ممدوحة، ولهم منزلة مرموقة، على حد قوله تعالى: رجال لا تلهيهم تجارة ولابيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار .

وليس أصحاب الأعراف ممن تساوت حسناتهم وسيئاتهم كما جاء في بعض الأقوال، لأن مانسب اليهم من الأقوال لا يتفق مع انحطاط منزلتهم عن أهل

الجنة، انظر قولهم للمستكبرين: ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون ، أهؤلاءالذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة فإن هذا كلام لا يصدر إلا من أرباب المعرفة الذين اطمأنوا إلى مكانتهم.

أما قوله تعالى: لم يدخلوها وهم يطمعون فليس حديثاًعنهم، ولكن عن أهل الجنة.

ولذلك أرجح أن رجال الأعراف هم عدول الأمم، والشهداء على الناس، وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل، وقد جاء التصريح بهؤلاء في كثير من الآيات،مثل قوله تعالى:

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا .

وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا . 

وأشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجئ بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون .

وهنا قد يسأل بعض الناس فيقولون: إن كل آيات القرآن تجعل الناس فريقين،فريقاً في الجنة، وفريقاً في السعير، فما بال هذه الآيات تجعل الناس فرقا ؟.

وبالتفسير الذي فسرناه يعلم أنه لا محل لهذا السؤال، إذ ليس معنا إلا فريقان، فريق الجنة،وفريق السعير، نعم من فريق الجنة هؤلاء الذين خصوا بهذه المنزلة.

وقد يسأل بعض الناس سؤالا آخر فيقولون: إذا كانت الجنة في السماء، والنار في الارض ـ كما يقولون ـ فكيفيمكن أن يبلغ هذا النداء ؟ أو كيف يصح أن يقع ؟

وأجاب عنه بعض المفسرين بأن الله قادر على أن يقوى الأصوات والأسماع فيصير البعيد كالقريب، وبأنه يحتمل أن الله يجر إحدىالدارين إلى الأخرى، إما بإنزال العليا، أو برفع السفلى.

وإني لأعجب من مثل هذه الأسئلة وأجوبتها، فكأن هؤلاء قد علموا المواقع

الجغرافية لكل من الجنة والنار، وعرفوا النسبة بينهما، وعرفوا حقيقة الحجاب، وكيفية أصوات أهل الجنة وأهل النار،ومثل هذا لا يستحق النظر ‍!.

وكذلك يسأل بعضهمفيقول: كيف يرى أهل الجنة أهل النار، أو العكس، مع أن بينهما حجاباً.

ويقولون في الجواب عن ذلك: يحتمل أن سور الجنة لا يمنع الرؤية لما وراءه لكونه شفافا كالزجاج، أو أنفيه طاقات تحصل الرؤية منها.

وهكذا شغل بعض المفسرين الناس عن معاني العظة والاعتبار، والتخويف والإنذار، وصوروا لهم المعاني الغيبية التي استأثر الله بعلمها علىنحو ما يشاهدون ويألفون، ولو أن التاريخ تقدم باختراع الراديو ناقل الأصوات، و التليفزيون ناقل الصور؛ لرأينا من يجيب عن سؤال الأصوات باستعمال الراديو، وعن سؤالالرؤية بالتليفزيون !.

والمنهج السليم هو الإيمان بالغيب على ما جاء وفي حدود ما جاء دون تزيد، أو محاولة لقياس الغائب على الشاهد، ولا يجب الإيمان في ذلك إلا بما صحوأفاد العلم من كتاب أو سنة.

*  *  *

بقي من مشاهد العذاب الأخروي ذلكم المشهد الأخير الذي تضمنته هاتان الآيتان: ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا منالماء أو مما رزقكم الله ؟ قالوا: إن الله حرّمهما على الكافرين، الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا، فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوابآياتنا يجحدون .

يستجدي أهلُ النار ـ بعد أن أحاط بهم العذاب ولفحتهم حرارة النار، واشتد بهم الظمأ وهم في سموم وحميم ـ أهل الجنة أن يمنحوهم شيئاً مما يتمتعون به منشراب وطعام ويقابل أهلُ الجنة هذا الاستجداء بما يقطع عليهم الأمل في

الحصول على ما يطلبون، ويؤكدون لهم أن الله حرمهما على الكافرين. وليسالقصد تحريم التكليف والنهي وإنما القصد تحريم المنع بطريق القهر وذلك على حد قوله تعالى: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون . فهو تحريم فعلى قضى الله به عليهمجزاء لموقف العناد والتكذيب، ثم وصفهم أهل الجنة بالوصف الذي اختاروه لأنفسهم وكان سبباً في ذلك الحرمان: الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا .والقرآن كثيراً ما يضيف هذا الوصف إلى الكافرين ويعلن أنه سبب نكبتهم وسوء مصيرهم، والمعنى أنهم اتخذوا دينهم صوراً ورسوما لا تزكي نفساً، ولا تطهر قلباً، ولا تهذبخلقاً، ولا تصلح فاسداً. اتخذوا دينهم هكذا وكان اشتغالهم به على هذا النحو صرفاً للوقت فيما لا يفيد وهو اللعب أو شاغلا لهم عن الجاد النافع وهو اللهو. وقلبوا بذلك فيالوقت نفسه حقيقة الدين وسلخوه عما اراد الله به من تطهير النفوس وتزكية القلوب وإصلاح المجتمع، ثم أرشد بقوله: وغرتهم الحياة الدنيا . إلى العلَّة الحقيقية التي لوتبهم الطريق وعدلوا بها عن حقيقة الدين وهي اغترارهم بزخارف هذه الحياة الدنيا، وانصراف قلوبهم اليها، وظنهم أنها الحياة ولا حياة لهم بعدها فعكفوا على الجانب الماديالمظلم وحرموا أنفسهم من الجانب الروحي المضي، فعاشوا في ظلمة حالكة في الدنيا، وسيصيرون إلى ما اختاروا لأنفسهم في الآخرة.

ولعل أظهر طائفة يصدق عليها هذا الوصففيما بيننا هم جماعة الماديين الذين أنكرت قلوبهم معاني الرحمة والعطف وكفروا بما يجب أن تكون عليه صلة المخلوق بالخالق. هؤلاء الذين يتمثلون اليوم في الطغيان الماليالفردي الرأسمالية الفردية . وفي الطغيان المالي الحكومي الرأسمالية الدولية فكلتا الطائفتين قد غرتهم الحياة الدنيا بحق واتخذوا اللهو واللعب دينا به يتعبدون،وباسمه ينافقون، واليه ينتسبون.

وإذا كانت الرأسمالية الفردية تستغل حاجة الفقير وتموت أمام طغيانها فضيلة الرحمة بالإنسان الضعيف، فالرأسمالية الدولية تستلب منالفقير المتكسب حقه،

ومن العامل المجد أجره، وتركز المادة في بضعة من الرجال القائمين بالحكم تحت ستار زائف هو ستار العدالة الاجتماعية .

فليحذر من يشق غبار هؤلاء وهؤلاء، كما تحذر طوائف أخرى ليسوا عنا ببعيد اتخذوا دينهم صوراً ورسوما بها يلهون ويلعبون: ينتهزون لها الأعياد والمواسم والاحتفالات التيخلعوا عليها اسم الاحتفالات الدينية، والحلقات التي خلعوا عليها اسم حلقات الذكر، والمواكب التي يسيرون بها في الطرقات وقد أحاطت بهم الشياطين من كل الجهات، وخلعواعليها اسم موكب الخليفة. فليعتبر هؤلاء كما يعتبر هذا الفريق الثالث الذين يقيمون حفلات الملاهي باسم أعمال الخير التي يدعو اليها الدين. كل هؤلاء يصدق عليهم من قريب أوبعيد اتخذوا دينهم لهوا ولعبا .

بعد هذا يسمعون الحكم الإلهي العادل فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون : جحدوا آيات الكون فلم تتفتحلها عيونهم ولم تشتغل بها أفكارهم، ولم تتجه اليها قلوبهم، وجحدوا آيات التشريع فلم يسمعوا لها وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وأعرضوا عن حكم الله، وإرشادالله، وأخلاق الله، وبذلك نسوا لقاء يومهم هذا؛ فوقعوا فيما وقعوا فيه، وحقت عليهم الكلمة، وباءوا بالخسران المبين.

*  *  *

وبعد هذه المشاهد يأتي قوله تعالى: ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون، هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل. قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوالنا أو نُردُّ فنعمل غير الذي كنا نعمل، قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون .

تأتي هذه الآية فتقطع أعذارهم وتبطل حججهم وتبين أنهم هم الذين جنوا على أنفسهم،فقد بيّنا لهم، وفصلنا في كتبنا وعلى ألسنة رسلنا ما نعلم أنه سبيل سعادتهم،

وجئناهم به واضحاً لا لبْس فيه ولا غموض، مطابقا للحق الذينعلمه سبيلا للسعادة فما كان منهم إلا أن تنكبوا الصراط ونبذوا ما فصلناه على علم وراء ظهورهم مؤثرين عليه إملاء الشهوات والأهواء، وإملاء الحياة الدنيا الفانية. فماذاينتظرون ؟ أينتظرون حقا غير الحق الذي فصلناه لهم على علم منا ولا حق سواه، وقد ارتضيناه وأكملناه ؟ أم ينتظرون باطلا غير الباطل الذي هم فيه ؟ لم يبق لهم سوى أن ينتظرواعاقبة الأمر وما يؤول إليه الشأن حينما ينكشف لهم الحق ويعترفون به قد جاءت رسل ربنا بالحق يقولونها تندماً وتحسراً على ما ضيعوا في جانب ذلك الحق وعندئذ يلتمسونشفعاءهم فلا يجدونهم، أو أن يردوا إلى الدنيا فيعملوا غير الذي كانوا يعملون وهيهات فقد طويت حياة العمل، ومضت حياة الإيمان، وسُجّل عليهم الخزي والوبال و خسروا أنفسهموضل عنهم ما كانوا يفترون . وبهذا عادوا إلى قولهم الأول حينما جاءتهم رسل الله يتوفونهم وقالوا لهم: أين ما كنتم تدعون من دون الله ؟ قالوا: ضلوا عنا. وشهدوا على أنفسهمأنهم كانوا كافرين .

وإلى العدد المقبل إن شاء الله تعالى.

/ 1