تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأعراف (5) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر القرآن الکریم؛ سورة الأعراف (5) - نسخه متنی

محمود الشلتوت

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

تفسير القرآن الكريم

لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمود شلتوت

وكيل الجامع الأزهر

سورةالأعراف

معلومات عامة ـ مقصد السورة هو مقصد السور المكية عامة ـ أساليب السورة في الدعوة: التذكير بالنعم والتخويف من العذاب ـ نعمة تمكين البشر فيالأرض ـ خلقهم من أب واحد ـ قصة آدم وإبليس ـ تخويف المعرضين بما حدث للأمم الماضية ـ التخويف بعذاب الآخرة ـ تثبيت الرسول.

معلومات عامة:

سورةالأعراف، هي السورة السابعة في الترتيب المصحفي، وهي إحدى السور التي بدئت ببعض حروف التهجي المص ، وهي أول سورة طويلة نزلت من القرآن الكريم، وأطول سورة في المكي، وهيأو سورة عرضت لتفصيل في قصص الانبياء مع أممهم، وقد نزلت بين جملتين من السور المكية: يكثر في الجملة التي نزلت قبلها، السور القصيرة التي تعرف بسور المفصّل ، ويكثر فيالجملة التي نزلت بعدها السور المتوسطة التي تعرف بسور المئين .

مقصد السورة:

وتقصد سورة الأعراف إلى ما تقصد إليه كل السورة المكية، وهو تقرير أصول الدعوةالدينية: توحيد الله في العبادة والتشريع، وتقرير البعث والجزاء، وتقرير

الوحي والرسالة بوجه عام، وتقرير رسالة محمد (صلى الله عليه وآلهوسلم) بوجه خاص. وتلك هي أصول الدعوة الدينية التي كانت لأجلها جميع الرسالات الإلهية.

وفي توحيد الله بالعبادة جاء فيها قوله تعالى حكاية لتبليغ الرسل أقوامهم: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وقوله في التهكم بمن عبدوا ما لا يضر ولا ينفع ولا يبصر ولا يسمع: أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهمينصرون، وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون، إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم، فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين، ألهمأرجل يمشون بها، أم لهم أيد يبطشون بها، أم لهم أعين يبصرون بها، أم لهم آذان يسمعون بها، قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون، إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولىالصالحين .

وهذه الآيات كما نرى من أقوى وأوضح ما يلزم المعاندين الحجة في انحرافهم عن دعوة الحق، وهي عبادة الله وحده، وفي التهكم بهم والإنكار عليهم في عبادة مايعبدون من أحجار وأصنام: أنكرت عليهم الشرك، وقررت في ذلك أن الذين اتخذوهم شركاء لله اذي خلقهم ورباهم وأنعم عليهم بقوى العلم والإدراك، لا يخلقون، وإنما يخلقون، فكيفيعبدون؟ وقد لا يكون الشيء قادراً على الخلق ومع ذلك يقدر أن يمد يد المعونة والنصرة إلى غيره، فأردف الأولى بقوله: ولا يستطيعون لهم نصراً فنفي قدرتهم على مد يدالمعونة بعد أن نفي قدرتهم على الخلق، وقد لا يستطيع الشيء المخلوق نصر غيره، ولكنه يستطيع نصر نفسه، فأردف بقوله: ولا أنفسهم ينصرون فنفي قدرتهم على نصرة أنفسهم بعدأن نفي قدرتهم على نصرة غيرهم، وقد لا يستطيع نصر نفسه ولا نصر غيره، ولكن يتبع الهدى إذا دعى إليه، فقفي بنفي ذلك ايضاً عنهم وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم وأكد عدماتباعهم الهدى عند الدعوة إليه باستواء حالتي الدعوة والصمت، فكما لا ينتظر منهم سمعاً إذا سكتم عن دعوتهم، لا ينتظر منهم سمعاً إذا دعوتموهم سواء عليكم أدعوتموهم أمأنتم صامتون . ثم افترض أن لهم شيئاً مما ذكر من النصر

أو اتباع الهدى، وبين أنهم لا يخرجون بهذا عن أن يكونوا في مستوى عابديهم ومماثلين لهم، لايقدرون على ما لا يقدرون عليه، ولا يعلمون ما لا يعلمون إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين وإذن، فليسوا أمثالكم لأن شأنكمأن تستجيبوا وتسمعوا لمن يدعوكم وهم ليس من شأنهم أن يستجيبوا لداعيهم، وأخذ يبرهن على نزول الشركاء عن مرتبة المماثلة للمشركين فقال: ألهم أرجل يمشون بها، أم لهم أيديبطشون بها، أم لهم أعين يبصرون بها، أم لهم آذان يسمعون بها والمعنى: أن المعبود الذي تعنو له الوجوه، وتتجه إليه القلوب، ويناجي ويسأل، هو القادر، العالم الذي لا يعجزقدرته شيء، ولا يغيب عن علمه شيء. وهؤلاء الشركاء قد فقدوا أضعف الوسائل العادية للقدرة والعمل، من الأيدي والأرجل، كما فقدوا أضعف وسائل العلم العادية أيضا، من الأعينوالآذان. وقد حصلتم أنتم ـ أيها المشركون ـ على تلك الوسائل، فكان لكم أرجل بها تمشون، وأيد بها تبطشون، وكان لكم أعين بها تبصرون، وآذان بها تسمعون، وبذلك كنتم أعلى شأنامنهم فكيف تعبدونهم وكيف تسألونهم؟ وإذن، ليس لكم إذا ما تمسكتم بهذا الوضع بالنسبة إليهم، إلا أن تدعوهم، وتجمعوا الرأي معهم للكيد بمن يدعوهم إلى الهدى قل ادعواشركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون . من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة، فليمدد بسبب إلى السماء، ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ وهذا نهاية في التبكيتعلى عدم الاكتراث بهم وبمعبوداتهم، وبعد، فكم لله في كتابه من آيات ودلالات، وتطأطئ لها الرءوس إكباراً، وتخر لها الجباء روعة وجلالا.

وفي توحيد الله في التشريع، وفيأنه لا يأمر إلا بما هو حسن صالح، جاء في السورة قوله تعالى تفنيداً لتحريم القوم على أنفسهم وعلى الناس، زينة الحياة الدنيا والطيبات من الرزق، وإبطالات لقولهم تلبيساًعلى الناس وإضلالا لهم إذا فعلوا الفاحشة: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها . جاء رداً على ذلك كله: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغيرالحق وأن تشركوا بالله ما لم

ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون . وقوله تعالى: قل إن الله لا يأمر بالفحشاء، أتقولون على الله ما لاتعلمون، قل أمر ربي بالقسط، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وأدعوه مخلصين له الدين .

وفي تقرير البعث والجزاء وتقريبه لعقولهم بما يعرفون في أنفسهم وبما يرون من إحياءالأرض بالنبات جاء قوله تعالى: كما بدأ كم تعودون . وقوله تعالى: وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحاباً ثقالا، سقناه لبلد ميت، فأنزلنا به الماءفأخرجنا به من كل الثمرات، كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون . وتقول في استبعادهم أمر الساعة واستبطائهم أمر الآخرة: يسألونك عن الساعة أيان مرساها؟ قل إنما علمها عندربي، لا يجليها لوقتها إلا هو، ثقلت في السموات والأرض، لا تأتيكم إلا بغتة، يسألونك كأنك حفىٌ عنها، قل إنما علمها عند الله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

وفي الرسالةبوجه عام، جاء قوله تعالى: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين . وقوله: وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضّرعون . وقوله: تلكالقرى نقص عليك من أنبائها، ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل:. وقوله إرشاداً إلى سنة الله التي يبنى عليها تنظيمه لخلقه: يا بني آدم إمايأتينكم رسل يقصّون عليكم آياتي، فمن أتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . وقوله حكاية لقولالرسل السابقين: لأقوامهم: أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون:.

وقوله: لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين .

وهكذا إلىسائر ما تضمنته آيات القصص في هذه السورة، وقد جاء فيما يتعلق بالرسالة في هذه السورة قوله تعالى حكاية عما ينطق به أهل الجنة بعد أن يدخلوها فرحاً بإيمانهم، واستبشاراًبمكانتهم لقد جاءت رسل ربنا بالحق . وحكاية عما ينطق به أهل النار ويسجلونه على أنفسهم بعد أن يدخلوها، حسرةً على ما فاتهم من إيمان،

وما وقع منهمتكذيب، وما قابلوا به الرسل من إعراض: قد جاءت رسل ربنا بالحق، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل .

وفي رسالة محمد على وجه خاص، جاء قولهتعالى في أول السورة: كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين .

وقوله: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم فيالتوراة والإنجيل . وقوله: يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض، لا إله إلا هو يحيى ويميت، فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي، الذي يؤمنبالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون . وقوله: إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون . وقوله: قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربي، هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون .

هذا هو مقصد سورة الأعراف، وهو كما قلنا مقصد كل السور المكية، وقد أجملت السورة دعوتها إلى هذه الأصول، والى كل ما تضمنه القرآن الكريم في آية واحدة، جاءت فيأولها، ووجه فيها الخطاب إلى كل من يصلح للخطاب، مشتملة على الأمر بالجانب الإيجابي وعلى النهي عن الجانب السلبي، وهي قوله تعالى: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولاتتبعوا من دونه أولياء طلبت اتباعهم ما أنزل إليهم ممن تولى تربيتهم، خلقاً وتنمية، وإرشاداً وهداية، وقد شمل ذلك العقائد والأخلاق والأعمال، ونهت عن اتخاذ أولياء مندونه سبحانه، يرجعون إليهم في التحليل والتحريم، أو يقصدونهم بالعبادة والتقديس، أو يعتمدون عليهم في الشفاعة والمغفرة، وهذا مجمل الدعوة، وقد مهدت السورة لهذاالإجمال بالإرشاد إلى عظمة هذا الكتاب الذي احتواها، والى الغاية التي لأجلها أنزل، والى ما يجب على الرسول أن يتذرع به ليقوم بالمهمة التي ألقيت عليه: كتاب أنزل إليكفلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين والعبرة من ذلك أن الداعي إلى الله، والقائم على نشر دينه وأحكامه، يجب أن يكون قوى القلب في تحمل مهمته،

مطمئن البال على حسن عاقبته، لا يتأثر بالمخالفة، ولا يضيق صدره بالإنكار، كما أنه يجب على أتباعه أن يوفروا له هدوء النفس، وأن يبعدوا به عما يعكر الصفو ويحرجالصدر، كي ينشط في الدعوة، ويسير في طريق القيادة، لا ترده عقبة، ولا تقعد به كلمة.

أساليب السورة في الدعوة:

وقد سلكت السورة بعد تحديد الدعوة على هذا الوجهفي تركيزها وحمل الناس عليها، وتنبيههم إليها، سبيل التذكير بالنعم، والتخويف بالعذاب، وهما أسلوبان يكثر استخدام القرآن لهما في الدعوة، وقلما ينفرد فيه أحدهما عنالآخر، وذلك تمشياً مع طبيعة الإنسان التي قضت أن تكتنفه عاطفة الرغبة فيما يحب، وعاطفة الخوف مما يكره، ثم هما بعد ذلك أسلوبان عامان لجميع الطبقات البشرية، سواء منهممن كان من أهل النظر والاستدلال أم لم يكن من هؤلاء، وللقرآن أسلوبان آخران وهما: أسلوب الحجة يقيمها عن طريق الأمر بالنظر في ملكوت السموات والأرض وما أودع الله في الكونمن أسرار وسنن، لا يستطيع عاقل بعد معرفتها إلا أن يردها للخالق القادر، المختار، العليم بكل ما في الكون. وأسلوب دفع الشبه التي يثيرها المعاندون المستكبرون بقصدالتشكيك في الدعوة أو في جانب من جوانبها، وقد كثر هذان الأسلوبان: أسلوبا الحجة ودفع الشبهة في السور التي نزلت بعد سورة الأعراف، كما كثر أسلوبا الترغيب والتخويف فيالسور التي نزلت قبلها. والحكمة في ذلك: التدرج في أسلوب الدعوة من العام إلى الخاص، ومما تكفي فيه العاطفة إلى ما يحتاج إلى الفكر والنظر، وهذا شأن درج عليه القرآن حتى فيتشريعه، يبدأ بالسهل اليسير، ثم يسير في طريق الترقي بعد أن تستمد النفوس، ويتفتح لها أبواب القبول، وهو شأن لابد من مراعاته في التعليم والتثقيف، وإن البناء على المراحلالطبيعية في الإنسان لمن أقوى العوالم التي تثمر الثمرات المطلوبة وتصل بالمصلحين إلى الأهداف المقصودة.

ولنرجع إلى أسلوب التذكير بالنعم، والتخويف بالعذاب اللذينعرضت لهما

هذه السورة. أما التذكير بالنعم فقد لفتت فيه الأنظار إلى ما يلمسونه ويحسونه من نعمة تمكينهم في الأرض واتخاذهم إياها وطناً مزوداً بضروبشتى مما يحتاجون إليه في معايشهم وما به قوام حياتهم وكمالها، يستقلون فيه بالحكم والتصرف والانتفاع بموارده الحيوانية والنباتية والمعدنية في ظاهر الأرض وباطنها، لايشاركهم فيه أحد، ولا يعكر عليهم فيه أحد صفو الحياة، وذلك قوله تعالى: ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش وهذه نعمة كبرى يجب أن تقدر، وأن تقابل بالشكروالإيمان، ولكن الناس لنشأتهم فيها وتعودهم عليها، وشدة إلفهم بها، ينعمون فيها غير مقدرين لها، ولا عارفين فضلها، ولا شاكرين لربها قليلا ما تشكرون .

ثم لفتتالسورة بعد ذلك إلى نعمة خلقهم من أب واحد، يجمعهم به رحم واحدة وبه كانوا خلفاء في الأرض وعمارة الكون، وفضلهم بذلك على كثير من خلقه، وهنا ذكرت السورة خلق آدم، وأمرالملائكة بالسجود له إظهاراً لفضله، وتنويهاً بما يكون له من شأن بعد أن سألوا عن الحكمة في خلقه وقد ركبت فيه الشهوة والغضب وبهما يفسد في الأرض ويسفك الدماء. وذكرتالسورة موقف إبليس وإباءه للسجود لأبيهم وامتثال أمر الله فيه، كما ذكرت قصة تأثر آدم بوسوسة الشيطان وإغرائه إياه بالأكل من الشجرة، وكيف كانت عاقبة آدم في الهبوط منالراحة والاطمئنان إلى الكد والتعب، إلى مكاحفة عوامل الشر التي بنيت الحياة عليها وعلى ما يقابلها من عوامل الخير، ومطالبة الإنسان بأن يقف مع جانب العقل والرسالةالإلهية اللذين يشدان أزره في التغلب على عوامل الشر، وهذا شأن يجب أن يفقههه أولاد آدم وأن يتخذوه أساساً لحياتهم، وبه ينجون من المهالك ويفوزون برضا الله ونعيمه.

قص الله علينا هذه القصة أكثر من مرة، ومنها ظهر للإنسان عدوه المبين الذي ابتلاه الله به في هذه الحياة، والذي يجب عليه ليسلم من شره ويسعد أن يتخذه عدواً يتحسس نواياهويتعرف وسوسته، ويكافحه بكل ما أوتي من قوة. يجب أن

يعرف أنه عدو قد نصب له الشباك، وقعد له بالمرصاد، ورسم خطته في إغوائه والكيد له: لأقعدنّ لهمصراطك المستقيم، ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين . بصرنا الله بهذه العداوة، وحذرنا منها: أخرج منها مذءوماًمدحوراً، لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين . ثم ذكرنا بما كان من أثر عداوته لأبينا آدم، وبما كان من آدم من التنبه لكيده، ورجوعه إلى ربه: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لمتغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين . وعبرتنا من هذا أنه يجب أن نربط نسبنا بأبينا فنعرف كما عرف كيد الشيطان، وأن نطهر أنفسنا من وسوسته كما طهر أبونا نفسه من وسوسته.وقد خلقنا في الأرض كما خلق الله آدم، وابتلانا بالشهوات وتعارض الرغبات على نحو ما ابتلى آدم، وقام الشيطان بينا يضل ويكيد، ويفرق ويغري، ونظم حياته معنا على قوىالإفساد كما فعل كل ذلك مع آدم. وإذن فلنحذره ولنتق شره، ولنعتصم بدعوة الله الواقية التي دعا بها آدم، وفي ذلك كله يقول الله تعالى: اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرضمستقر ومتاع إلى حين، قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون . وقد رتبت السورة على هذه القصة إرشادات أربع لبني آدم، وهي بمثابة المغزي لقصة أبيهم مع إبليس، ويبدأ هذاالسياق من قوله تعالى: ولقد خلقناكم، ثم صورناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين. الآية الحادية عشرة إلى قوله تعالى: يا بني آدم إمايأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي، فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون... الآيتانالخامسة والثلاثون والسادسة والثلاثون . وسنعود إن شاء الله إلى شرح هذه النداءات الخاصة ببني آدم التي وردت في هذا المقام وبيان ما تضمنته من حكم وأسرار وإرشاد وهداية.

هذا مجمل ما عرضت له السورة في جانب التذكير بالنعم، أما ما عرضت له في سبيل التخويف فهو إنذارهم نوعين من العذاب، إذا هم ظلوا متمسكين بجانب الاعراض والاستكبار عنقبول الدعوة والسير بأنفسهم في طرق الغي والضلال:

(أحدهما) دنيوي، مضى وصار تاريخاً يعلمونه ويتحدثون عنه، وهو ما حل بالأمم السابقة حينما كذبت رسلهاوعتت عن أمر ربها. (وثانيها) أخروي يقع في يوم البعث والجزاء وهو ما أعدّ للمكذبين في دار العذاب، وقد أجملت السورة العذاب الدنيوي في الآيتين الرابعة والخامسة وهما قولهتعالى: وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياناً أو هم قائلون، فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين . ثم عادت السورة إلى هذا الإجمال بتفصيل طويلبدأ من الآية التاسعة والخمسين: لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قومي اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم . وانتهى بالاية السابعة والسبعينبعد المائة، وهي قوله تعالى: واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين... إلى قوله: ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهمكانوا يظلمون .

وفي هذا التفصيل ذكرت السورة نوحاً وتوجيه دعوته إلى قومه وتكذيبهم إياه، إلى أن قالت: فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتناإنهم كانوا قوماً عمين ، وذكرت كذلك هوداً وقومه، وما ذكرهم به من نعم الله عليهم، إذ جعلهم خلفاء من بعد قوم نوح، وزادهم في الخلق بسطة وما كان منهم من التهكم بوعده إلىأن قالت فيما تحكيه عن هود: قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب... إلى أن تقول: فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين . وذكرتصالحاً وقومه إلى أن قالت: فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم، وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين . وذكرت لوطاً وقومهإلى أن قالت: فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين . وذكرت شعيباً كأن لم يغنوا فيها، الذين كذبوا شعيباًكانوا هم الخاسرين، فتولى عنهم وقال، يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين . ثم ذكرت موسى وفرعون: ثم بعثنا من بعدهم

موسىبآياتنا إلى فرعون وملئه، فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين . وقد سبحت في هذه القصة سبحاً طويلا وبذلك كانت أوسع قصة في السورة، كما كانت أخطر رسالة لأخطر قوم فيالوجود وختمتها السورة بقوله تعالى: واذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون .

أما العذاب الأخروي، فقدأجملته السورة في الآيات من السادسة إلى التاسعة: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين، فلنقصنّ، عليهم بعلم وما كنا غائبين، والوزن يومئذ الحق، فمن ثقلتموازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون وسنعرض إن شاء الله إلى تفصيل ما عرضت له السورة من العذاب الأخروي،ومعنى ما يقع فيه من الحساب والميزان، ومن تخاصم أهل النار بعضهم من بعض، ومن النداءات المتبادلة بين المصدقين أهل الجنة والمكذبين أهل النار، والفرقة الثالثة التي لميعرض القرآن لها إلا في هذه السورة، وهي الفرقة التي أطلق عليها أصحاب الأعراف، والتي باسمها سميت السورة سورة إلاعراف، وسنعرض كذلك إن شاء الله إلى ما نراه في معنىالحجاب المذكور في قوله تعالى: وبينهما حجاب ومقالة الناس فيه.

وهذا هو منهج السورة في تركيز الدعوة عن طريقي التذكير بالنعم والتخويف بالعذاب، وقد اتجهت بعد ذلككلّه إلى ما يختص بخاتم الانبياء والرسل محمد عليه الصلاة والسلام، وقالت في جانبه، آمرة له بإعلان رسالته، عامة شاملة: قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذيله ملك السموات والأرض .

وقالت في جانب قومه منكرة عليهم إهمال قضية العقل والتفكير في شأنه عليه الصلاة والسلام وهو صاحبهم الذي نشأ بينهم وعرفوه بالصدق والأمانة،والعقل والحكمة، وفي شأن ما يرون من ملكوت السموات والأرض المليء بالبراهين الواضحة في الدلالة على حقية ما يدعو إليه وعلى صدقه في الدعوة: أولم يتفكروا، ما بصاحبهم منجنَّة، إن هو إلا نذير مبين، أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض

وما خلق الله من شيء . وفي شأن استبعادهم وقوع الساعة: يسألونك عن الساعة وفي شأنشركهم واتخاذهم ـ مع وضوح الدلائل على توحيد الله ـ معبودات من دونه سبحانه: أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون؟ . ثم بعد أن تبكت قومه هذا التبكيت الشديد على إعراضهموتكذيبهم وعبادتهم غير الله، تعود السورة وتتجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وترجع إلى ما بدأت به في أول آية منها، فتقرر ولاية الله له وإنزاله الكتاب عليه،وترشده إلى التذرع بالصبر ومكافحة النزغات الشيطانية التي يتسرب إليه الحرج منها، وأن يلتزم ما يوحى به إليه، وأن يكون على ذكر دائم لربه، مستحضراً عظمته وقوته، ثم يؤكدله أن ما يرشده إليه في موقفه من ربه، هي خطة الملأ الأعلى الدائم على طاعة الله، الواقف على أسراره في كونه: إن وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين... خذ العفووأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم... قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون...واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين، إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون .

أما بعد:

فهذه هي سورة الأعراف وإلى العدد المقبل إن شاء الله.

/ 1