تفسیر آیة الوضوء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر آیة الوضوء - نسخه متنی

محمد رشید رضا

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

للإمام محمد رشيد رضا

تفسير آية الوضوء (سورة المائدة)

يا أَيُّهَا الَّذينَ أَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَىالصَّلاةِ فَاغْسلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرجُلَكُمْ إِلى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباًفَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُمْ مَّرضَى أَو عَلَى سَفرٍ أَو جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيمَّمُواصَعِيداً طَيِّباً فَامْسحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَليْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكنِ يُرِيدُ لِيُطهِّركُمْ وَلِيُتمَّنِعْمتَهُ عَليْكُمْ لَعلَّكُمْ تَشْكُرُونَ . وَاذْكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَليْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقكُم بِهِ إِذْ قُلتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاوَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ .

إن وجه المناسبة بين آية الوضوء وما قبلها هو أن الحدثين اللذين هما سبب الطهارتين هما أثر الطعاموالنكاح، فلولا الطعام لما كان الغائط الموجب للوضوء، ولولا النكاح لما كانت ملامسة النساء الموجبة للغسل، وأما المناسبة بين آية الميثاق وما قبلها فهي أن الله تعالىبعد أن بيّن لنا طائفة من الأحكام المتعلقة بالعبادات والعادات ذكرنا بعهده وميثاقه علينا وما التزمناه من السمع والطاعة لله ولرسوله بقبول دينه الحق، لنقوم بها مخلصين(يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) قال المفسرون أن المراد بالقيام هنا إرادته أي إذا أردتم إلى الصلاة، على حد قوله تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله منالشيطان الرجيم) أي إذا أردت قراءته. على أن الغالب أن مريد الصلاة يقوم إليها من قعود أو نوم، وقد يطلق لفظ القيام إلى الشيء على الانصراف إليه عن غيره، ومن فسر القيامبإرادته حاول أن يدخل في عموم منطوقه صلاة من يصلي قاعداً أو نائماً لعذر.

وظاهر العبارة أن المراد بالقيام إلى الصلاة عمومه في جميع الأحوال وأن هذه الطهارة تجب لكلصلاة وعليه داود الظاهري، ولكن جمهور المسلمين على أن الطهارة لا تجب على من قام إلى الصلاة إلا إذا كان محدثاً فهم يقيدون القيام الذي خوطب أهله بالطهارة بالتلبس بالحدثفالمعنى عندهم إذا قمتم إلى الصلاة محدثين فاغسلوا وجوهكم الخ والعمدة في مثل هذا التقييد السنة العملية في الصدر الأول، روى أحمد ومسلم وأصحاب السنن من حديث بريدة قالكان النبي (ص) يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر يا رسول الله أنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله فقال 'عمداً فعلته ياعمر'. وروى احمد والبخاري وأصحاب السنن عن عمرو بن عامر الأنصاري سمعت أنس بن مالك يقول 'كان النبي (ص) يتوضأ عند كل صلاة، قال قلت فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال: كنا نصليالصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث' وروى أحمد والشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً 'لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ' وروى أبو داود وصححه والدار قطني ـ قال الحافظفي بلوغ المرام واصله في مسلم ـ عن أنس بن مالك قال 'كان أصحاب رسول الله (ص) على عهده ينتظرون العشاء حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤن' ورواه الشافعي في الأم أيضاً،والترمذي بلفظ 'لقد رأيت أصحاب رسول الله (ص) يوقظون للصلاة حتى أني لأسمع لأحدهم غطيطاً ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤن'. وروى أحمد بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً 'لولا أنأشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك' وفي البخاري نحوه تعليقاً، وروى نحوه النسائي وابن خزيمة. وكذا ابن حيان في صحيحه من حديث عائشة. فهذه الأخبارتدل على أن المسلمين لم يكونوا في عهد النبي (ص) يتوضؤن لكل صلاة وإنما كان النبي (ص) يتوضأ لكل صلاة غالباً وصلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد أمام الناس لبيان الجواز،وقيل كان ذلك واجباً فنسخ يومئذ، ولو صح هذا القول لنقل أن الصحابة كلهم كانوا يتوضؤن لكل صلاة والمنقول خلافه، فعلم أن الوضوء لكل صلاة عزيمة وهو الأفضل وإنما تجب على منأحدث، وآخر الآية يدل على ذلك فانه ذكر الحدثين ووجوب التيمم على من لم يجد الماء بعدهما فعلم منه أن من وجده وجب عليه أن يتطهر به عقبهما، ولو كانت الطهارة واجبة لكل صلاةلما كان لهذا المعنى. وقد نقل النووي عن القاضي عياض أن أهل الفتوى أجمعوا على أن الوضوء لا يجب إلا على المحدث وإنما يستحب تجديده لكل صلاة.

(فاغسلوا وجوهكم وأيديكمإلى المرافق) الغسل بالفتح إِسالة الماء على الشيء والغرض منه إزالة ما على الشيء من وسخ وغيره مما يراد تنظيفه منه. والوجوه جمع وجه، وحدّه من أعلى تسطيح الجبهة إلى اسفلاللحيين طولاً ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً والأيدي جمع يد وهي الجارحة التي تبطش وتعمل بها، وحدها في الوضوء من رءوس الأصابع إلى المرفق وهو (بفتح الميم والفاءوبالعكس) أعلى الذراع واسفل العضد.

فالفرض الأول من أعمال الوضوء غسل الوجه، وهل يعد باطن الفم والأنف منه فيجب غسلهما بالمضمضة والاستنشاق والاستنثار أم ليسا منهفيحمل ما ورد من أمر النبي(ص) بها والتزامه إياها على الندب؟ ذهب جمهور فقهاء الأمصار إلى أن ذلك سُنة، وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وابن المنذر وبعض فقهاء أهل البيتإلى أنه واجب واستدلوا بأنها من الوجه وبالأحاديث المتفق عليها في الأمر بذلك والتزامه وهو سبب التزام المسلمين ذلك من الصدر الأول إلى الآن. والمضمضة إدارة الماءوتحريكه في الفم، والاستنشاق إدخال الماء في الأنف والاستنثار إخراجه منه بالنفس. وليس للقائلين بعدم وجوب ما ذكر دليل يعتد به في معارضة أدلة الوجوب. قال في (نيلالاوطار) قال الحافظ (ابن حجر) في الفتح: وذكر ابن المنذر أن الشافعي لم يحتج على عدم وجوب الاستنشاق مع صحة الأمر به إلا بكونه لا يعلم خلافاً في أن تاركه لا يعيد، وهذادليل فقهي فأنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة والتابعين إلا من عطاء، وهكذا ذكر ابن حزم في المحلى اه‍ أقول أن الذين يصح جعل تركهم حجة في هذا الباب هم الصحابة ولم ينقلعنهم ترك المضمضة والاستنشاق حتى يبحت في إعادتهم، وحديث 'المضمضة والاستنشاق سنة' الخ الذي رواه الدار قطني عن ابن عباس مرفوعاً ضعيف على أن السنة في كلامهم هي الطريقةالمتبعة وهو المعنى اللغوي فلو صح لكان جعله من أدلة الوجوب أظهره.

والفرض الثاني من أعمال الوضوء غسل اليدين إلى المرفقين. وهل المرفقان مما يجب غسله أم هو مندوب؟الجمهور على أنه يجب غسلهما واختار ابن جرير الطبري عدم الوجوب ونقله عن زفر بن الهذيل. وقال في نيل الاوطار اتفق العلماء على وجوب غسلهما ولم يخالف في ذلك إلاّ زَفر وأبوبكر بن داود الظاهري، فمن قال بالوجوب جعل 'إلى' في الآية بمعنى (مع)، ومن لم يقل به جعلها لانتهاء الغاية اه‍ وقد استدل ابن جرير على ذلك 'بان كل غاية حدت بإلى فقد تحتمل فيكلام العرب دخول الغاية في الحد وخروجها منه (قال) وإذا احتمل الكلام ذلك لم يجز لأحد القضاء بأنها داخلة فيه إلاّ لمن لا يجوز خلافه فيما بيّن وحكم، ولا حكم بأن المرافقداخلة فيما يجب غسله عندنا ممن التسليم بحكمه' اه‍ ولكن بعض علماء اللغة ومنهم سيبويه حققوا أن ما بعد إلى أن كان من نوع ما قبلها دخل في الحد وإلا فلا يدخل، فعلى هذا تدخلالمرافق فيما يجب غسله لأنها من اليد، ولا يدخل الليل فيما يجب صومه بقوله تعالى 'ثم أتموا الصيام إلى الليل' لأن الليل ليس من نوع النهار الذي يجب صومه، واستدل بعضهم علىالوجوب بفعل النبي (ص) من حيث أنه بيان لما في الآية من الإجمال، ونازع آخرون في هذا الاستدلال، ولكن لا نزاع في أن النبي (ص) كان يغسل المرفقين فقد ورد صريحاً ولم يَرِد تركغسلهما، والالتزام المضطر دآية الوجوب: وإنما المستحب إطالة الغرة والتحجيل فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع فيالعضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتى اشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى اشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال قال رسول الله(ص) 'أنتم الغر المحجلون من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله' والمراد بإطالة الغرة ما ذكر، وقبل غسل جزء من الرأس مع الوجه وجزء من العضدين مع اليدين وجزءمن الساقين مع الرجلين، شبه ذلك بغرة الفرس وتحجيله وهو البياض في جبهته وقوائمه، أو التشبيه للنور الذي يكون في هذه المواضع يوم القيامة، وقال ابن القيم أن هذا اجتهادمن أبي هريرة ولم يزد (ص) على غسل المرفقين والكعبين'.

الفرض الثالث المسح بالرأس في قوله (وامسحوا برءوسكم) الرأس معروف ويمسح ما عدا الوجه منه لأن الوجه شرع غسلهلسهولته، وكيفية المسح المبينة في السنة أن يمسحه كله بيديه إذا كان مكشوفاً وإذا كان عليه عمامة ونحوها يمسح ما ظهر منه ويتم المسح على العمامة. روى احمد والشيخانوأصحاب السنن عن عبد الله بن زيد أن رسول الله (ص) مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم برأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه' وروى مسلموالترمذي عن المغيرة بن شعبة أن النبي (ص) توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة.

وقد اختلف فقهاء الأمصار في أقل ما يحصل به فرض مسح الرأس فقال الشافعي في الأم: إذا مسحالرجل بأي رأسه شاء أن كان لا شعر عليه وبأي شعر رأسه شاء بإصبع واحدة أو بعض إصبع أو بطن كفه وأمر من يمسح له اجزأه ذلك. اه‍ وبين فيه أن أظهر معنيي الآية أن من مسح من رأسهشيئاً فقد مسح برأسه، وأن مقابل الأظهر مسح الرأس كله ولكن دلت السنة على أنه غير مراد فتعين الأول. وذكر من السنة حديث المغيرة في المسح على الناصية والعمامة وحديثاًمرسلاً في معناه عن عطاء وسيأتي. وقال الجزء الممسوح يجب أن يكون من الرأس نفسه أو من الشعر الذي عليه. وقال الثوري والاوزاعي والليث يجزئ مسح بعض الرأس ويمسح القدم وهوقول احمد وزيد بن علي والناصر والباقر والصادق من أئمة أهل البيت. وذهب أكثر العترة ومالك والمزني والجبائي إلى وجوب مسحه كله وهو رواية عن احمد. قاله في نيل الاوطار. وقالأبو حنيفة يجب مسح ربع الرأس. ولا يعرف هذا التحديد عن غيره، قيل أن منشأ الخلاف الباء في قوله تعالى برءوسكم هل هي للتبعيض فيجزئ مسح بعض الرأس أم زائدة فيجب مسحه كله، أمهي للإلصاق الذي هو أصل معناها، ووجه الحنفية قول إمامهم على هذا بان المسح إنما يكون باليد وهي تستوعب مقدار الربع في الغالب فوجب تعينه، وهذا أشد الأقوال تكلفاً، ولميقل أبو حنيفة ولا أحد من المسلمين أنه يشترط المسح بمجموع اليد فلو مسح ببعض أصابعه ربع رأسه أجزأه عند أبي حنيفة، وليست اليد ربع الرأس بالتحديد وقد عبروا هم أنفسهمبقولهم غالباً. ولو كان مراد أبي حنيفة قدر اليد لعبّر به.ونازع بعضهم في كون الباء تفيد التبعيض قيل مطلقاً، وقيل استقلالاً وإنما تفيدها مع معنى الإلصاق، ولا يظهر معنىكونها زائدة، والتحقيق أن معنى الباء الإلصاق لا التبعيض أو الآلة وإنما العبرة بما يفهمه العربي من مسح بكذا ومسح كذا، فهو يفهم من كلمة مسح العرق عن وجهه أنه إزالهبإمرار يده أو إصبعه عليه، ومن: مسح رأسه بالطيب أو الدهن أنه أمره عليه، ومن: مسح الشيء بالماء أنه أمر عليه ماء قليلاً ليزيل ما علق به من غبار أو أذى، ومن: مسح يدهبالمنديل أنه أمرّ عليها المنديل كله أو بعضه ليزيل ما علق بها من بلل أو غيره، ومن: مسح رأس اليتيم أو على رأسه ومسح بعنق الفرس أو ساقه أو بالركن أو الحجر أنه أمر يدهعليه، لا يتقيد ذلك بمجموع الكف الماسح ولا بكل أجزاء الرأس أو العنق أو الساق أو الركن أو الحجر الممسوح. فهذا ما يفهمه كل من له حظ من هذه اللغة مما ذكر ومن قوله تعالى(فطفق مسحا بالسوق والأعناق) على القول الراجح المختار أن المسح باليد لا بالسيف، ومن مثل قول الشاعر

ولما قضينا من منى كل حاجة ومسح بالأركان من هو ماسح

والأقربأن سبب الخلاف ما ورد من الأحاديث في المسح مع مفهوم عبارة الآية. قيل أن العبارة مجملة بينتها السنة، ولم يرد حديث متصل بمسح البعض إلا حديث أنس عند أبي داود قال: رأيترسول الله (ص) يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة. وهذا الحديث لا يحتج به لأن أبا معقل الذي رواه عن أنس مجهول، وقال الحافظابن حجر: في إسناده نظر. وقال ابن القيم في زاد المعاد أنه لم يصح عنه (ص) في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة ولكنه كان إذا مسح بناصيته كمل على العمامة. وأماحديث أنس فهذا مقصود أنس به أن النبي (ص) لم ينقض عمامته حتى يستوعب مسح الشعر كله ولم ينف التكميل على العمامة وقد أثبته المغيرة بن شعبة وغيره فسكوت أنس عليه لا يدل علىنفيه اه‍. وقد علمت أن حديث أنس لا يحتج به. ومثله يقال في حديث عطاء المرسل الذي احتج به الشافعي في الأم على الاكتفاء بالبعض والحنفية على الربع وهو أن رسول الله (ص) توضأفحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه أو قال ناصيته. وهذا بصرف النظر عن الخلاف في الاحتجاج بالمرسل وقد منعه جمهور الأمة من أهل السنة وغيرهم، وقال به أبو حنيفة وجمهورالمعتزلة. والشافعي لا يحتج بالمرسل وقد رواه عن مسلم بن خالد المكي الفقيه وهو ثقة عنده ووثقه ابن معين مرة وضعفه أخرى كما ضعفه أبو داود وقال البخاري منكر الحديث.والجرح مقدم على التعديل. وقد علمت أنه لا يدل على وجوب مسح الربع.

وجملة القول أن ظاهر الآية الكريمة أن مسح بعض الرأس يكفي في الامتثال وهو ما يسمي مسحاً في اللغة،ولا يتحقق إلا بحركة العضو الماسح ملصقاً بالممسوح، فوضع اليد أو الإصبع على الرأس أو غيره لا يسمى مسحاً، ولا يكفي مسح الشعر الخارج عن محاذاة الرأس كالضفيرة، وأن لفظالآية ليس من المجمل، وأن السنة أن يمسح الرأس كله إذا كان مكشوفاً وبعضه إذا كان مستوراً ويكمل على الساتر، وأن ظاهر الأحاديث جواز مسح على الساتر وحده والاحتياط أنيمسح معه جُزءاً من الرأس والله أعلم.

الفرض الرابع غسل الرجلين فقط أو مع مسحهما، أو مسحهما بارزتين أو مستورتين بالخف أو غيره. قال تعالى (وأرجلكم إلى الكعبين) قرأنافع وابن عامر وحفص والكسائي ويعقوب 'وأرجلَكم' بالفتح أي واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق من الجانبين. وقرأها الباقون ـ أبن كثيروحمزة وأبو عمرو وعاصم ـ بالجر والظاهر أنه عطف على الرأس أي وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين. ومن هنا اختلف المسلمون في غسل الرجلين ومسحهما فالجماهير على أن الواجب هوالغسل حده والشيعة الإِمامية انه المسح وقال داود بن علي والناصر للحق من الزيدية: يجب الجمع بنيهما، ونقل عن الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري أن المكلف مخير بينهما،وستعلم أن مذهب أبن جرير الجمع.

أما القائلون بالجمع فأرادوا العمل بالقراءتين معاً للاحتياط ولأنه المقدم في التعارض إذا أمكن، وأما القائلون بالتخيير فأجازواالأخذ بكل منهما على حدته، وأما القائلون بالمسح فقد أخذوا بقراءة الجر وارجعوا قراءة النصب إليها. وذكر الرازي عن القفال أن هذا قول ابن عباس وانس بن مالك وعكرمةوالشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح عند ذكر مذهب الجمهور: ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف هذا إلاّ عن علي وابن عباس وأنس، وقد ثبت عنهمالرجوع عن ذلك. وأما الجمهور فقد أخذوا بقراءة النصب وارجعوا قراءة الجر إليها، وأيدوا ذلك بالسنة الصحيحة وإجماع الصحابة، ويزاد على ذلك أنه هو المنطبق على حكمةالطهارة. وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ.

وعمدة الجمهور في هذا الباب عمل الصدر الأول وما يؤيده من الأحاديث القولية، وأصحها حديث ابن عمر في الصحيحين قال:تخلف عنا رسول الله (ص) في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا. قال فنادى بأعلى صوته 'ويل للأعقاب من النار' مرتين أو ثلاثاً. وقد يتجاذبالاستدلال بهذا الحديث الطرفان فللقائلين بالمسح أن يقولوا أن الصحابة كانوا يمسحون فهذا دليل على أن المسح كان هو المعروف عندهم، وإنما أنكر النبي (ص) عليهم عدم مسحأعقابهم. وذهب البخاري إلى أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل.

وقد روى ابن جرير المسح عن النبي (ص) وعن كثير من الصحابة والتابعينمنهم علي كرم الله وجهه قال: اغسلوا الأقدام إلى الكعبين، وروى عن أبي عبد الرحمن قال قرأ عليَّ الحسن والحسين رضوان الله عليهما فقرآ 'وأرجلكم إلى الكعبين' فسمع علي عليهالسلام ذلك وكان يقضي بين الناس فقال: 'وأرجلكم' هذا من المقدم والمؤخر من الكلام. وتفسير هذا ما رواه عن السدي من قوله: أما 'وأرجلكم إلى الكعبين' فيقول اغسلوا وجوهكمواغسلوا أرجلكم وامسحوا برءوسكم فهذا من التقدم والتأخير. ومنهم عمر وابنه (رض) وروى عن عطاء أنه قال: لم أر أحداً يمسح على القدمين. ومذهب مالك الغسل دون المسح وهو يحتجبعمل أهل المدينة فلو كان أحد منهم يمسح لما منع المسح البتة. ولا يتفقون على الغسل إلا لأنه السنة المتبعة من عهد النبي (ص) ولكن ابن جرير روى القول بالمسح عن ابن عباسوأنس من الصحابة وعن بعض التابعين، ومن الرواية عن ابن عباس أن الوضوء غسلتان ومسحتان، وعن أنس 'نزل القرآن بالمسح والسنة الغسل' وهو من أعلم الصحابة بالسنة لأنه كان يخدمالنبي (ص) ثم قال ابن جرير بعد سوق الروايات في القولين ما نصه:

والصواب من القول عندنا في ذلك أن الله أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء كما أمر بعموم مسح الوجهبالتراب في التيمم وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ كان مستحقاً اسم ماسح غاسل لأن غسلهما إمرار الماء عليهما أو أصابتهما بالماء ومسحهما إمرار اليد وما قام مقام اليد عليهما،فإذا فعل ذلك بهما فاعل فهو غاسل ماسح، وكذلك من احتمال المسح المعنيين اللذين وصفت من العموم والخصوص اللذين أحدهما مسح ببعض والآخر مسح بالجميع اختلفت قراءة القراء فيقوله 'وأرجلكم' فنصبها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل وإنكاراً منه المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعموم مسحهما بالماء،وخفضها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح، ولما قلنا في تأويل ذلك أنه معنيّ به عموم مسح الرجلين بالماء كره من كره للمتوضئ الاجتزاء بإدخال رجليه في الماءدون مسحهما بيده أو بما قام مقام اليد توجيهاً منه قوله 'وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين' إلى مسح جميعهما عاماً باليد أو بما قام مقام اليد.

وقد تبنه الزمخشريلهذا المعنى فقال في بيان حكمة قراءة الجر: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه فعطفت على الرابعالممسوح لا لتسمح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وقيل 'إلى الكعبين' فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة (لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة)اه‍ والصواب لتمسح حين تغسل.

وأقوى الحجج اللفظية لاهل السنة على الامامية جعل الكعبين غاية طهارة الرجلين وهذا لا يحصل الا باستيعابهما بالماء لان الكعبين هماالعظمان الناتئان في جانبي الرجل، والإمامية يمسحون ظاهر القدم إلى معقد الشراك عند المفصل بين الساق والقدم ويقولون أنه هو الكعب ففي الرجل كعب واحد على رأيهم، ولو صحهذا لقال إلى الكعاب كما قال في اليدين إلى المرافق لأن في كل يد مرفق واحد.

إن القول بكل من الغسل والمسح مروي عن السلف من الصحابة والتابعين ولكن العمل بالغسل أعموأكثر وهو الذي غلب واستمر، ولم ينقل عن النبي (ص) غيره إلا مسح الخفين.

إن القول بعدم جواز الغسل أبعد عن النقل والعقل من القول بعدم جواز المسح وأن روي كل منهما، أماالنقل فلأنه ظاهر قراءة النصب ولصحة الروايات فيه، وأما العقل فلأن الغسل هو الذي تحصل به الطهارة أي المبالغة في النظافة التي شرع الوضوء والغسل لأجلها، كما هو منصوص فيالآية نفسها، ولأن المسح قد يدخل في الغسل دون العكس.

إذا قيل أن القراءتين متعارضتان والسنن متعارضة أيضاً، نقول أن أهل السنة والشيعة متفقون على أنه إذا أمكن الجمعبين المتعارضين يقدم على ترجيح أحدهما على الآخر، والجمع هنا ممكن بما قاله ابن جرير وهو المسح في أثناء الغسل، لأن المسح هو إمرار ما يُسمح به على ما يُسمح وإلصاقه به،وصب الماء لا يمنع منه، بل يتحقق به، والآية لم تقل امسحوا أرجلكم بالماء ولا رءوسكم، والأمر بمطلق المسح أمر بإمرار اليد بغير ماء كمسح رأس اليتيم. ولكن لما قال 'وامسحوابرءوسكم' في سياق الوضوء علم بالقرينة وبباء الإلصاق أن ذلك يحصل ببل اليد بالماء ومسحها بالرأس، ولما قال 'وأرجلكم' بالنصب والجر ولم يقل وبأرجلكم كان الظاهر أن يغسلالرجلان ويمسحا في أثناء الغسل بإدارة اليد عليهما، وإلا كان أمراً بإمرار اليد عليهما بغير ماء وهو غير معقول ولم يقل به أحد.

إذا أمكن المراء فيما قاله ابن جرير فلايمكن أن يماري أحد في الجمع بين المسح والغسل بالبدء بالأول على الوجه الذي يقول به موجبو المسح والتثنية بالغسل المعروف.

لا يعقل لإِيجاب مسح ظاهر القدم باليدالمبللة بالماء حكمة بل هو خلاف حكمة الوضوء لأن طروء الرطوبة القليلة على العضو الذي عليه غبار أو وسخ يزيد وساخته وينال اليد الماسحة حظ من الوساخة، ولولا فتنة المذاهببين المسلمين لما تشعب هذا الخلاف في هذه المسألة وأمثالها كالمسح على الخفين.

وخلاصة الخلاصة أن غسل الرجلين المكشوفتين ومسح المستورتين هو الثابت بالسنة المتواترةالمبينة للقرآن والموافق لحكمة هذه الطهارة ولا تعارض بين القراءتين، ومن سرى إليه شيء من قراءة الجر في الصدر الأول رجع عنه لبيان النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلموأحكم.

المصدر: تفسير المنار / المجلد السادس

/ 1