د. محمد حسين الصغير
القيمة البيانية
العرب أمة بيان، وأئمة لسان، ولو قسم التراث الإنساني بين الأمم؛ لكان الفن القولي تراثهم، والموروثالبلاغي نصيبهم، لهذا كان القرآن من جنس ما يحسنون، ومن سنخ ما يعرفون، ومن ثم كان إعجازه البياني أرقى مراتب الإعجاز، ومناخه في تقويم اللسان من أولى دلائل التبليغ. (الرَّحمانُ، عَلَّمَ القُرءانَ، خَلَقَ الإنسانَ، عَلَّمَهُ البيان).
وهو المنطق الفصيح المعرب عما في الضمير كما يقول الزمخشري فهو لغة الضمير المعبر عنهابالكلمات، وهو حديث النفس المصور بالألفاظ، لهذا فعل في العقول ما يفعل السحر فصور النبي الكريم (ص) ذلك بقوله:
(إن من البيان لسحراً).
وهذا ما يقتضي بيان المعنىاللغوي من جهة، ومسايرة البيان بمعناه العام من جهة ثانية، وتحديد المصطلح البياني ثالثة.
البيان لغة:
أـ فالبيان _عند الراغب _ الكشف عن الشيء، وهو أعم من النطق،مختص بالإنسان، ويسمى ما بُيّن به بياناً... ويكون على ضربين:
أحدهما: بالتنجيز، وهو الأشياء التي تدل على حال من الأحوال من آثار صنعه.
والثاني: بالاختبار، وذلكأما أن يكون نطقاً أو كتابة أو إشارة، فمما هو بيان بالحال قوله تعالى (ولا يَصُدَّنَكُم الشَّيطانُ إنَّهُ لَكُم عدُوٌ مُّبينٌ)، أي: كونه عدواً بيّن في الحال. وما هوبيان بالاختبار، كقوله تعالى:
(وَأَنزلنا إليكَ الذّكرَ لِتُبينَ لِلنَّاسِ ما نُزلَ إليهم...) وسمي الكلام بياناً لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو (هذا بَيانٌلِلنّاسِ...).
وسمي ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بياناً نحو قوله _تعالى _ (ثُمَّ إنَّ عَلينا بَيانَهُ).
ب_ أما ابن منظور (ت: 711 ه) فقد تكفل باستيعاب جذرالكلمة ومفرداتها دون اللمسات التي قدمها الراغب:
'البيان ما بين به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء بياناً: اتضح. وتبين الشيء ظهر. والتبيين الإيضاح والوضوح.والبيان الفصاحة واللسن، وكلام بين فصيح، والبيان الإفصاح مع ذكاء، والبين من الرجال: الفصيح.
والبيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللسن،وأصله الكشف والظهور'.
ويتجلى مما سبق أن الراغب قد تحدث عن الجانب التطبيقي للأصل اللغوي، وإن ابن منظور قد تحدث عن المعنى الدلالي للبيان مع إشارته لبلاغته في توخيلمسات المعنى الاصطلاحي له.
ونخلص من هذا أن لفظ البيان _نطقاً _ هو ما يزاد به الكشف والإيضاح والظهور وتلك مادة اللفظ الأولى لغة.
المصدر :أصول البيان العربي في ضوء القرآن الكريم