منهج القرآن لإحداث التغییر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهج القرآن لإحداث التغییر - نسخه متنی

محمد عبدالرحمن مرحبا

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

منهج القرآن لإحداث التغيير

منهج القرآن لإحداث التغيير


* د. محمد عبدالرحمن مرحبا

إن الفقهاء وأصحاب كتب الشريعة عند حديثهم عن القواعدالأصولية تتبعوا منهج القرآن في التربية والتعليم لإحداث التغيير المطلوب. فهناك تدرج في التشريع يريد أن يساير الفطرة البشرية وطبيعة الإنسان التي تأبى التحولالفجائي، والمثل على ذلك تحريم الخمر، إذ لم يكن التحريم عملاً فجائياً بل لقد حدث على خطوات ومراحل متدرجة في اليسر والصعوبة. ويعبر عن ذلك قصة عمر بن عبدالعزيز مع ابنهالذي أنكر على أبيه عدم إزالة بقايا الانحراف والمظالم التي ارتكبها مَن سبقه من خلفاء بني أمية، فقال عمر قولته المشهورة: (لا تُعجِّل يا بني فقد ذم الله الخمر في القرآنمرتين وحرمها في الثالثة. وإني لا أريد أن أحمل الناس على الحق جملةً فيكون من ذا فتنة). لقد كان شعار القوم آنذاك: (يسروا ولا تُعسروا) فلابد من تيسير سبل التحريم حتى تنضجظروفه ومبرراته لاتخاذ الخطوة الحاسمة. وبهذا استطاع القرآن القضاء على عادة شرب الخمر بين المسلمين، وإن كنت لا أشك في أنه بقيت في الساحة قلة ضئيلة لم تستطع التخلص منهذه العادة فتجاوز عنها القرآن لأنه إنما يرسم ويخطط للأجيال المقبلة. فإذا عجزت هذه القلة عن التخلص من هذه العادة فقد خرج من أصلابها سلالات نظيفة لم تقرب الخمر طوالحياتها. لقد كانت الواقعية رائد محمد والقرآن، ولا عليه بعد ذلك أن يحدث تجاوز من هنا وتقصير من هنا ليَسلم الإنسان!

وقد نتج عن ذلك ما يسمى بالناسخ والمنسوخ. إنالتدرج في التشريع غرضه القضاء على عادات راسخة في المجتمع الجاهلي واستئصال شأفتها كما ذكرنا. كان شرب الخمر أمراً مباحاً لا حرج منه حتى في أوقات الصلاة. فكان يصحللمسلم أن يصلي وهو سكران، لكنه في خطوة تالية مُنع من الصلاة إذا بلغ به السكر حداً أفقده الوعي، فإذا كان السكر دون ذلك فالصلاة صحيحة لا غبار عليها: (يا أيها الذينآمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) النساء/ 43، ثم نُسخت هذه الآية بآية أخرى نزلت) فيما بعد أتمت عملية التحريم نهائياً: (إنما الخمر والميسروالأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة/ 90، فالآية السابقة يقال لها منسوخة، وقد نسختها الآية الأخيرة. هذه الآية نسخت تلك، وكلتاهما منالقرآن، لكن إحداهما منسوخة تُقرأ ولا يُحتج بها، وبالتالي لا يجوز العمل بها، والأخرى ناسخة، يجب الالتزام بها وعدم تأويلها. بصرفها عن ظاهر معناها. وهكذا فالنسخ مبدأأساسي في الاسلام، إنه يريد أن يعالج أمراً واقعاً يعيشه المجتمع كل يوم ويعاني من همومه. ولئن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مدى واقعية القرآن وعنايته بمشكلات الحياةوهمومها. إنه الآلية القادرة على إزالة التناقض بين المطلق والنسبي، بين الثابت والمتحرك، بين الموت والحياة. هي الواقعية عصب كل تحرك وتحريك، كل تفقه وتفقيه، بل كل تفكروتفكير، وكل تأصيل وتشريع في نطاق الاسلام السني، دع عنك الاسلام المنحرف.

إن ظاهرة النسخ هذه تُبرز واقعية القرآن كما رأينا وبالتالي تبرز طابعه التاريخي. فالنسخ لامعنى له في الاسلام إلا تطور التشريع بتطور الواقع الاجتماعي. وهناك ظاهرة أخرى تبرز الطابع التاريخي للقرآن أيضاً وهي ظاهرة تنجيم القرآن. فالخطاب القرآني لم (ينزل)جملةً واحدة، بل لقد نزل (نجوماً) استجابة لأحداث ووقائع تمر بها حياة المؤمنين وتأتي كل يوم بجديد. ومعنى ذلك أنه (نزل منجماً) بحسب التعبير الاسلامي ـ على امتداد 23 سنة ـ، تبعاً لما يطرأ على هذا المجتمع من معضلات أو مشاكل، أو يثار فيه من أسئلة تُطرح على النبي من قبيل (يسألك) و(يسألونك) و(سأل) و(سألك) وأمثالها، ولابد أن (ينزل) القرآنمجيباً عن هذه الأسئلة بكلمة (قل). وبذلك يتبين الموقف الاسلامي من القضايا المطروحة التي يدور عليها السؤال والتسآل. فنتج عن ذلك كله نظام شامل للحياة والمجتمع هو وليدواقع الحياة والمجتمع وتفاعلات الحياة والمجتمع.

والقرآن مع حرصه الشديد على الإجابة عن الأسئلة التي تُطرح على الساحة، فقد كان حريصاً أيضاً على أن يحدَّ بقدرالإمكان من كثرة السؤال والتسآل وألاّ يُطلق للمؤمنين العنان ليسألوا عن كل شيء يقفز إلى أذهانهم، كيلا يغرقهم في نصوص لا تنتهي تشل فاعلية الفكر وتوقف تحركه. إنه لايريد أن يلزمهم بقوالب جامدة لا تدع لهم فسحة أو رخصة، لاسيما وأن هذه الأسئلة كان أكثرها يدور على الحلال والحرام. ولذلك نهاهم عن الإكثار من الأسئلة، فقال: (يا أيهاالذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم، وإن تسألوا عنها حين يُنزَّل القرآن تُبدَ لكم، عفا الله عنها، والله غفور رحيم * قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بهاكافرين) المائدة/ 101 و102. فالسؤال ملزم لصاحبه، فإن لم يتقيّد بالجواب الذي (ينزل) به القرآن فقد وقع في الحرام. فما عفا الله عنه هو ما تُرك للعقل البشري ليجتهد فيه.

والاجتهاد قاعدة أساسية من قواعد التشريع الاسلامي. فالنصوص لم تتناول كل شيء بالتفصيل. فقد بين الله حكمه في أشياء وسكت عن أشياء، وهذا السكوت تفويض إلينا بالاجتهاد.ومن الاجتهاد ما يعتمد على القياس ومنه ما يعتمد على المصلحة.

قال الشاطبي (المتوفى سنة 590هـ) في كتاب الاعتصام: (فلم يبق للدين قاعدة يُحتاج إليها في الضرورياتوالخاصيات أو التكميلات إلا وقد بينت غاية البيان. نعم يبقى تنزيل الجزئيات على الكليات موكولاً إلى نظر المجتهد. فإن قاعدة الاجتهاد نصاً ثابتة في الكتاب والسنة، فلابدمن إعمالها ولا يسع تركها، وإذا ثبتت في الشريعة أشعرت بأن ثم مجالاً للاجتهاد، ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نص فيه. ولو كان المراد بالآية الكمال بحسب تحصيل الجزئياتبالفعل، فالجزئيات لا نهاية لها فلا تنحصر بمرسوم. وقد نصّ العلماء على هذا المعنى، فإنما المراد بحسب ما يحتاج إليه من القواعد الكلية التي يجري عليها ما لا نهاية له منالنوازل).

وهكذا، ففي الشريعة أصول عامة استوفت أمور الدين. لكن تفصيلها تُرك للنظر الاجتهادي، لأن النصوص المتناهية كما هو معلوم لا تستوعب الوقائع غير المتناهية.فاستنباط أحكام الوقائع المتجددة من الوقائع الكلية لابد منه لفهم الشريعة. وقد حدث ذلك في وقت مبكر جداً، بل لقد كان أسبق أنواع النظر العقلي عند المسلمين وأسرعها إلىالظهور.

وعلى كل حال، إن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يكون المنع بالنص. فانتهزوا أيها المؤمنون فرصة عدم ورود النص رفعاً للحرج ففي ذلك رخصة لكم. واعلموا أن الله لمينس شيئاً وأن النص على كل شيء فيه تضييق، وفيه تشديد، وفيه حرج، وفيه أيضاً عدم مراعاة لأحوال الزمان والمكان، فلا تتدخلوا بعد اليوم فيما لا يعنيكم، فالله أعلمبمصالحكم. إن الناس يختارون ما يحقق المصلحة ولا مصلحة لكم في التزام نصوص جامدة لا تحقق أي مصلحة فيضيقون بها ولا يعملون بمضمونها فيهلكون.

وهكذا نرى كيف أن القرآنلم يكن فقط عمدة المسلمين الأساسية في رصد حياة نبيهم بتقلباتها المتموجة ولحظاتها الخفاقة منذ بلوغه سن الأربعين حتى وفاته، بل كان أيضاً عمدتهم في رصد حياة شريعتهموسجلاً أميناً لحوادث وقعت ومواقف اتخذت وحركة تاريخية لم تتوقف إلا بتوقف أنفاس مثيراه ومشعل فتيلها.

المشاكل عربية إسلامية، والهموم عربية إسلامية، والحلول عربيةإسلامية، والأسئلة والأجوبة عربية إسلامية، في بيئة كل نسمة هواء فيها وكل حبة رمل عربية إسلامية. وكل أولئك يؤكد تاريخية القرآن وتمخضه بحركة التاريخ. فكل آية في القرآنهي تاريخ وكل آية تنبض بدفق التاريخ، وما أكثر الآيات التي غيرت في تلك البقعة على الأقل وجه التاريخ، خلال ثلاثة وعشرين عاماً من الكفاح والنضال والعذاب والآلام التيقذفت بأصحابها إلى سدة التاريخ، وجعلتهم صناعاً للتاريخ.

وهكذا فكلما كان الاسلام ينتشر في ربى الحجاز ونجد، كان الوحي (ينزل) ـ بحسب التعبير القرآني ـ بالتوجهوالتعليم وبالدرس الضروري في المثابرة والصبر والإقدام والإخلاص والبشارة والأمل والتشجيع والترهيب والتغريب.. يتلقاه أولئك الأبطال الأسطوريون، أبطال الملحمةالخارقة.

/ 1