رؤیة الإسلام للتأریخ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رؤیة الإسلام للتأریخ - نسخه متنی

محمود إسماعیل

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. محمود إسماعيل

رؤية الإسلام للتأريخ


إن ظهور الإسلام يمثل ثورة عالمية عقيدية واقتصادية واجتماعية وفكرية أيضاً. وبديهي أن يأتي بتصورللتاريخ البشري في ماضيه وحاضره ومستقبله. وبمعنى آخر اكتسب الوجود الإنساني قيمة أفضل مما انطوت عليه اليهودية بنزعتها العنصرية الضيقة، والمسيحية التي ترى في الحياةالدنيوية قنطرة عبور للآخرة ليس إلا.

وليس أدل على تبجيل الإسلام للواقع الإنساني المعيش، من اعتبار السلوك البشري إبان الحياة الدنيا هو المدخل الأساسي للحياةالأخروية، قال تعالى: ((ومَن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرة شراً يره)). كذا دعوته الصريحة لإعمال العقل في تدبير شئون الخلق دونما حدود، قال تعالى: ((قلسيروا في الأرض فانظرا كيف بدأ الخلق)). هذا فضلاً عن تحديد مسئولية البشر وحرية إرادتهم فيما يصنعون، بحيث يصبح التاريخ الإنساني من صنع الإنسان، وبالتالي إبراز قدرةالإنسان على صنع مصيره دون أن يتعارض ذلك مع قدرة الله على الخلق. وما دام الإنسان يصنع تاريخه فالأولى به أن يعي هذا التاريخ ويحاول تدبر علل ظواهره، لأن البحث والنظر فيهذه العلل طريق إلى المعرفة الحقة بالعلة الأولى، فالعقل يعمق الإيمان، والحكمة لا تتعارض مع الشرع، قال تعالى: ((إنما يخشى الله من عباده العلماء)).

والواقع الإنسانيـ الذي هو التاريخ بعينه ـ لا يجري حسب رؤية الإسلام اعتباطاً، وحركة تطوره ليست عشوائية، وأحداثه لا تقع حسبما اتفق، بل كل ذلك محكوم بقوانين وسنن حسب اعتراف ولفردكانتل.

تلك السنن التي تبدأ ((منذ بدأ الخلق)) وحتى القيامة، بمعنى أن الإسلام طرح فكرة الزمان المستمر المتطور بدلاً من فكرة الدورية التي كانت سائدة قبلاً. كما أنالسنن المسيّرة لحركة التاريخ لا تقتصر على شعب دون شعب، ولا على إقليم دون آخر، لأن الإسلام أنزل للناس كافة، قال تعالى: ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)).

وطرحالإسلام فكرة احترام الماضي باعترافه بنبوة الأنبياء. وكون محمد (ص) خاتم الأنبياء، لا يعني أن الإسلام يجبّ ما قبله، فيضع ستاراً يحول بين الماضي وبين الواقع الجديد كماتصور مرجوليوث. بل رمز إلى استمرارية الماضي في الحاضر بحيث يصبح جزءاً جوهرياً من مكوناته، وفي ذلك تأكيد على مبدأ ((الاستمرارية)) الحياتية.

كما طرح فكرة التطلعللمستقبل، وربط بين طبيعة تصوره وبين أفعال الإنسان في الحاضر، بما يؤكد شمولية تلك الاستمرارية، بحيث تحتوي وتربط بين خيوط الماضي والحاضر والمستقبل في وحدة عضوية لاتقبل التجزئة. ولا يقلل من قيمة تلك الوحدة ارتباطها بالدين ـ كما ذهب روزنتال ـ ، فالثابت أن دعوة الإسلام دين ودنيا في وقت واحد، وذلك من عوامل حيويتها وثرائها. فالدينلم يقصد به الدعوة للتوحيد وحسب، ((فالله غني عن العالمين))، إنما أنزل الدين ((رحمة للعالمين)).

والقرآن الكريم ـ فضلاً عن ذلك ـ انطوى على عديد من الحقائق العلمية فيحقل التاريخ التي اصطلح على تسميتها بالسنن حين عرض لتواريخ الأمم السابقة المعروفة ((بأساطير الأولين))، ((للعبرة والموعظة الحسنة)). وتلك السنن هي التي نسميها بلغة العلم((قوانين))، ومنها قانون ((الحتمية)) و ((الضرورة)) فضلاً عن قانون ((الصراع الطبقي))، وهي أمور يمكن أن يستشفها الباحث المدقق حين يستكنه المغزى التعليمي الأخلاقي للتاريخ فيالقرآن.

وقد سبق أن قدمنا اجتهاداً في هذا الصدد لا ضير من إيراده تدليلاً على انطواء القرآن على رؤية علمية للتاريخ ذات طابع سوسيولوجي، نوجزها في النقاط التالية:

أولاً: عالمية الدعوة الإسلامية تمثل نظرة شاملة متكاملة للوجود الإنساني ((منذ بدأ الخلق)) وإلى ((البعث والحساب))، وفي ذلك إحاطة تامة برحلة البشرية عبر الزمان والمكان،وهما بعدا حركة التاريخ كوحدة لا تقبل التجزئة.

ثانياً: هذه الحركة ((ليست عشوائية)) وإنما محكومة ((بسنن حتمية))، ((سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان أمر الله قدراًمقدوراً)).

ثالثاً: هذه السنن أو القوانين يمكن الوقوف عليها من خلال ((الصراع))، ((ولولا دفع الله الناس بعضهم لبعض لفسدتِ الأرض)).

رابعاً: والصراع نتيجة لما جُبِلعليه الخلق من شهوة التملك، ونزعة الأثرة والأنانية، فالإنسان ((إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً)).

خامساً: وإطلاق العنان لهذه الشهوات والنزعات الأنانيةينتهي بالبشر إلى التسلط والطغيان، ((إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)).

سادساً: والتسلط والطغيان مسئولية الإنسان وليسا من صنع الله، فالله هو العدل سبحانه، وذاتهمنزهة عن الظلم، ((إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون)).

سابعاً: والظلم يترتب عليه نتائج اجتماعية وبيلة تنتهي إلى خراب العمران بالضرورة، ((ولقدأهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا)).

ثامناً: فالظلم يؤدي إلى خلخلة البناء الاجتماعي، بظهور الطبقات وتسلط بعضها على البعض الآخر، وعدم ارتداع الطبقات المتسلطةبالحسنى (( .. وجاءتهم رسلهم بالبينات ما كانوا ليؤمنوا)).

تاسعاً: ويترتب على ذلك احتدام الصراع بين المظلومين والظلمة، لتشبث الظلمة بامتيازاتهم، باعتبارها شيئاًموروثاً، وكفرهم بالدعوات الإصلاحية، ((وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون)).

عاشراً: إذن فلا ردع إلا بالعنف والقهر، بحيث يُحسمالصراع بالضرورة بسحق الظلمة وانتصار المستضعفين، ((ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة، ونجعلهم الوارثين)).

هكذا انطوى القرآن الكريم على خيوطالمادية التاريخية كافة أكثر النظريات المستحدثة علمية في تفسير التاريخ حسبما نعتقد.

وإذا طفر القرآن الكريم بالفكر التاريخي طفرة كبرى، فإن الرسول (ص) في سننهوأحاديثه نحا المنحى نفسه، برغم ما زعمه بعض الدارسين من تسفيه الرسول للشعر والشعراء، تحريم رواية القصص، والاستخفاف بالنسب .. إلخ. فالواقع أن هؤلاء الدارسين لم يفطنواإلى مغزى مواقف الرسول في هذا الصدد، فقد استجاز الرسول (ص) قول الشعر ـ وكان حسان بن ثابت شاعره ـ لكنه رفض أن يقال في الأغراض البذيئة التي كان يتباري فيها الشعراءكالمجون والهجاء والفخر والمباهاة ... إلخ، وكان القصص السائد في عصره ينطوي على المعاني نفسها كتقديس ا لملوك والأبطال والتعصب القومي والشعوبي .. إلخ، والشيء نفسه يقالعن الأنساب بما انطوت عليه من روح العنجهية القبلية وإثارة الفِرقة، بما يتنافى ودعوة الإسلام لإقرار مجتمع الأخوة على صعيد العالم أجمع، هذا فضلاً عن المبالغاتوالأساطير والخرافات وغيرها من المثالب التي شابت الشعر والقصص وأقوال النسابة.

بل نجد الرسول على الصعيد العملي يحض على طلب العلم والمعارف بغض النظر عن مصادرها،قال (ع): ((اطلبوا العلم ولو في الصين))، وأتاح روح التسامح في الجدل والحوار، واستخدم المنطق في حواره مع اليهود كما هو معروف، وأجلّ العلم والعلماء، وأخذ برأي المستنيريندون تعصب أو جمود.

كل ذلك ـ وغيره ـ يؤكد أن الإسلام جاء برؤية علمية للتاريخ، فضلاً عما تضمنه من أصول وقواعد منهجية لدرسه، بالإضافة إلى مادة تاريخية أصبحت عمادالدراسات التاريخية فيما بعد، وبالذات فيما يتعلق بالسيرة النبوية والمغازي وتاريخ الدعوة الإسلامية، وبعض أخبار الماضيين والمعاصرين للدعوة من الأمم الأخرى.

والأخطر من ذلك كله ما جاء به من تشريع لتنظيم العلاقات الإنسانية وفق معايير أخلاقية تعد كسباً حقيقياً للبشرية.

*المصدر : سوسيولوجيا الفكر الاسلامي

/ 1