عظماء المقرئین و مستقبل التغنی بالقرآن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عظماء المقرئین و مستقبل التغنی بالقرآن - نسخه متنی

کمال النجمی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كمال النجمي

كمال النجمي

عظماء المقرئين ومستقبل التغني بالقرآن


التغني ليس هو الغناء وان كان لهما أصل واحد وأصل موسيقى واحد.. والقارئ أو'المقرئ' العظيم هو الذي يتغنى بالقرآن الكريم فيجيد التغني مستوفياً أصوله. وقد استمعت مصر في خمسين عاماً أو أكثر إلى عدد من أعظم المقرئين خدموا القرآن فاحسنوا خدمته..ولكن ماذا عن مستقبل المقرئين ومستقبل التغني في عالمنا المتطور المتغير الراكض إلى مشارف القرن الواحد والعشرين؟!

سئل القارئ الكبير الشيخ محمد رفعت بعد ليلةأحياها متغنياً بالقرآن الكريم.

ـ كيف يتقق لكم دائماً أن تختاروا لكم آية من الكتاب أداء يناسب معانيها فلا يخطئها أبداً؟..

أجاب:

ـ ارفع أمام بصيرتي عندالتلاوة هذا السؤال القرآني: أفلا يتدبرون القرآن؟!.. فيذهب أدائي كله إلى معاني الآيات وألفاظها، ويذهب صوتي كله إلى أدائي، وينجاب من حولي الظلام فأرى كل شيء في النور..

ـ والفن العجيب الباهر الذي تتشكل به نبرات صوتك على الأصول الموسيقية؟!

ـ تسمونه فناً، وأسميه تغنياً على الأصول الشرعية المتناقلة بين القراء من قديم..

ومنسمع الشيخ رفعت قبل مرضه الذي أقعده عن التلاوة قبل ربع قرن، علم كيف كان الشيخ الحساس، الذكي الفؤاد، يتلو آيات القرآن والرحمة فيندي صوته بالفرحة والبشرى كأنه يستقبلأريج الفردوس، ثم يتلو آيات الزجر والعقاب فيهتز صوته هزة الخوف والاستغفار.. وفي كل آية يعلو صوته أو يستوي أو ينخفض، لا استعراضاً لقوته وجماله، بل تجميلاً له بعرضمعاني القرآن عرضاً جديداً في كل تلاوة جديدة، كأنه يقول للناس: إن معاني هذا الكتاب لا تنتهي!..

'وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون'.. فالإنصات طريقالتدبر وطريق العمل بما يقع عليه التدبر من أمر الدنيا والآخرة.. وما التغني من القارئ المجود إلا الوجه الآخر من إنصات المستمع الخاشع..

نعم قد يجيء التدبر مع التغني،أو بدون التغني، ولكن التغني في كل حال يدخل في عموم قول الرسول الكريم: '.. وتغنوا به، فمن لم يتغن به فليس منا'..

ولعل التغني من أبهر الظواهر الفنية التي فتنت الباحثينفي عصرنا بثباتها الهائل وتطورها الدائم في وقت معا، فعكف على البحث فيها دارسون مختلفو العقائد والاتجاهات، خارج البلاد العربية والإسلامية وداخلها.. وكلهم يسأل نفسه:كيف اتفقت جميع الأجيال العربية والإسلامية على الولاء للتغني والتأثر به أبلغ التأثر طوال بضعة عشر قرناً من الزمان؟!..

***

نشأ التغني في مكة والمدينة نشأةطبيعية في ظل القرآن الكريم، ولكن الحدود الصوتية الفنية التي كان يتحرك فيها المتغنون جعلت التغني أقرب إلى 'المصحف المرتل' الذي نسمعه الآن من القراء في الإذاعةوالاسطوانات..

فلم يكن متاحاً للمتغني في الصدر الأول إلا حيز معلوم شديد البساطة تتحرك فيه أوتار حناجر القراء.. كان الغناء العربي نفسه غير موجود بكيانه الضخم الذيلم يتكامل إلا بعد منتصف القرن الهجري الثاني. فلمم يكن معقولاً والأمر كذلك أن يتغنى المتغنون بالقرآن في الصدر الأول إلا بما اتيح لهم من بسائط العلوم الموسيقية، فيأبعد صورها عن التعقيد والتركيب والتكثيف، فكان مد الصوت وترقيقه ورفع طبقته بلا دربة صوتية ولا معرفة موسيقية، مطلباً لا يعبأ به كل ذي صوت فطري يتغنى بآية أو آيات، ولايجد وراء ذلك مذهباً من التغني ينطلق فيه..

فلما اتسعت علوم الغناء والموسيقى العربية، اتسع القراء في التغني. وبدلاً من الأصوات الفطرية غير المدربة ظهرت أصواتمدربة مصقولة تتغنى بأحكام ومعرفة بمواقع النغم، مع الحفاظ على جلال ما يتغنون به، فلم يستعملوا قط آلات للإيقاع أو الضرب أو العزف. ولبثوا كذلك حتى عصرنا هذا، معاكتسابهم التطور الفني جيلاً بعد جيل، لأن للسماع ـ كما لكل فن وعلم ـ خطوة من التطور في كل عصر لا يمكن ردها..

مع ذلك لم يصبح التغني والغناء فناً واحداً، لأن التغنيحافظ طوال ألف سنة وأكثر على الترنم الحر أو المفتوح، أي الذي لا يقيده زمن إيقاعي صارم، وأثر الأنغام المرتجلة في لحظتها على الألحان المؤلفة المرسومة من قبل.. وهكذاتغنى القراء ولكن بلا غناء..

ثم رسخت هذه الطريقة في التغني رسوخاً لا يمكن زعزعته، لأن دخول آلات العزف أو الإيقاع عليه أمر مستبعد اليوم وغداً كما كان مستبعداً منذالبداية. وهو لا يصطدم بوجهة النظر الدينية فقط، بل يصطدم كذلك بوجهة النظر الفنية السليمة التي ترى أن التغني وقد أصبح مستودع المقامات الموسيقية العربية في أنقىصورها، سوف لا يكون كذلك في المستقبل لو فكر بعض المغامرين في المساس بصرحه الفني التليد..

وهذه الحقيقة تفسر لنا الإخفاق الذي أصاب في الزمن الأخير محاولات 'تلحينالقرآن'.. ومن بينها محاولات للشيخ زكريا أحمد الملحن المشهور الذي كان مقرئاً قبل أن يتفرغ للغناء ثم للتلحين.. ومحاولات لمحمد عبد الوهاب سار فيها شوطاً خاطفاً ثم عدلعنها..

ولقيت محاولات بعض المطربين والمطربات من التغني بالقرآن الكريم ما لقيته محاولات الملحنين، فلم تتغن أم كلثوم ـ مثلاً ـ وهي سيدة الغناء ـ إلا ببضع آيات ثمفطنت إلى أن التغني مجال يتخصص له أصحابه.

ويحاول المتدينون المخلصون في هذه الأخريات من القرن العشرين أن يزدادوا قربا من الجموع البشرية الهائلة التي بهرها التطوروالتقدم واتساع حاجات النفس والبدن ووفرة ما تلبيه الحضارة من هذه الحاجات..

وقد كان غناء رجل الدين المسيحي قديماً في القداس الكنسي لا تصاحبه آلات موسيقية، ثم دخلتالآلات رحاب الكنيسة، وأفضى الأمر أخيراً إلى دخول أحدث صيحات الموسيقى، اجتذاباً للشباب.

وفي الكنائس الأوربية والأمريكية الآن غناء ديني راق مؤلف على غرارالمؤلفات الموسيقية الكبيرة القائمة على الهارموني والكونتربوبنت إلى جانب الغناء البسيط القديم الذي جمعه ورتبه البابا جريجوريوس قبل مئات السنين، وجعله غناء دينياًمعترفاً به.

والأديان الأخرى كالبوذية واليهودية وغيرهما تنسج على هذا المنوال أيضاً. وربما سمع من يؤم معابدهم موسيقى الجاز أو ألواناً أخرى متنوعة من الموسيقىالحديثة ترتفع نغماتها العنيفة مصحوبة بالرقص ومرح الشباب..

لا يخطر بالبال أن نسير نحن على هذا المنهج، فلكل امرئ حدود دينه ودنياه. ولكن لا يخطر بالبال كذلك أنينقرض التغني أو يقف عن التطور والتوسع والتزود من مقامات الموسيقى العربية، أو علوم الموسيقى العربية، بتعبير أكثر شمولاً.. وسوف يبقى التغني بعد ذلك في الحدود التيتصون لمفردات الكلام أوضاعها الصحيحة.. إلى ما هو متفق عليه من أصول القراءة منذ الزمان الأول..

ومن المفيد هنا أن نشير إلى محاولات تجري هنا وهناك لطي صفحات الموسيقىالعربية وإيداعها متحف التاريخ، وإحلال الموسيقى الأوربية مكانها جملة وتفصيلاً، ولو نجحت هذه المحاولات كما يريد إلى أصحابها أن تنجح بلا قيد ولا شرط، لانهار ركن ضخممن وجدان الأمة العربية وما حولها من الأمم الإسلامية والشرقية.

ويقول الغيورون على الموسيقى العربية أن التغني سوف يساعد في حفظها مساعدة فعالة، لأن التغني بلغةالقرآن العربي سوف يبقى دائماً عربي النغم. وهل عاشت اللغة العربية نفسها مصونة من الانقراض إلا بفضل لغة القرآن؟!

هكذا أصبح التغني في عصرنا موصولاً بقضية قومية لاتقل جسامتها عن قضية اللغة، لأن الاتجاه إلى تصفية الموسيقى العربية أو تنحيتها سوف يؤثر في مستقبل التغني بالقرآن، فضلاً عن تأثيره في مستقبل اللغة العربية ذاتها..

وكثير من حسني النية يضيقون بالتغني ويقولون: تكفي التلاوة.. وهم لا يعلمون أنهم يظاهرون بقولهم هذا جماعة الكارهين للموسيقى العربية الذين يقولون بدورهم: لماذاالموسيقى العربية؟.. تكفي الموسيقى الأوربية!..

ومن حسن الحظ أن التغني بالقرآن ماض في طريقة تطوراً واتساعاً وتأثيراً في الجماهير..

ونسمع الآن 'المصحف المرتل'..ومن آثاره الكريمة حفظ اللفظ القرآني الصحيح وحفظ اللسان العربي..

أما التغني فهو الذخيرة التي لا تنفذ للموسيقى العربية، وينبغي ألا نجزع من التقارب بين كلمتي'التغني' و'الموسيقى' على ألسنتنا، فإنما قاربت بينهما في الحقيقة عوامل تاريخية واجتماعية عميقة حاسمة..

وفيما يخص التغني، فإن كل الدلائل تبشر بأننا سائرون فيالاتجاه الصحيح.. حسبك أن ترى قراء مصر منبثين في البلاد العربية والإسلامية، لتقول: نعم.. هكذا فليلتقوا مع الناس.. 'فمن لم يتغن به فليس منا'!.


المصدر: القرآن ـ نظرة عصرية جديدة

/ 1