شبهات حول المتشابه فی القرآن و تفنیدها نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شبهات حول المتشابه فی القرآن و تفنیدها - نسخه متنی

غازی عنایة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

شبهات حول المتشابه في القرآن، وتفنيدها

د. غازي عناية

- الشبهة الأولى:

إن القول بأن الله لا جهة له، وأنه ليس فوقاً، ولا تحتاً، ولايميناً ولا شمالاً يستلزم أن الله غير معبود؛ لأن هذه من صفات المعدوم؛ وإن التجرد من الإتصاف بهذه المتقابلات جملة أمر لا يوسم به إلا المعدوم، ومَن لم يتشرف بشرفالوجود.

تفنيد هذه الشبهة:

أولاً: من الخطأ الفادح أن يشبّه الله بمخلوقاته، وأن يوضع موضع المخلوق من حيث النسبة. فالله تعالى لا يشبه خلقه حتى نحكم عليه بما نحكمعلى مخلوقاته في وجوب أن تكون له جهات ما دام موجوداً. فوجود الله غير وجود المخلوق. فالله ليس مجسماً، وليس مادياً. ومن الخطأ أن يقاس المجرد عن المادة بما هو مادي.

فالمادي هو الذي يجب أن يتصف بشيء من هذه المتقابلات بأن تكون له جهات ست أو جهة منها. أما غير المادي فترتفع عنه مثل هذه الصفات، ولا يمكن أن تكون له جهة من هذه الجهات.فالخالق لا يستوي أبداً مع خلقه في جريان أحكام الخلق على الخالق.

ونظير ذلك يمكننا القول: إذا صح، واتصف إنسان بأنه عالم أو جاهل، فإن الجماد كالجبل مثلاً لا يصح أنيتصف بالعلم أو الجهل، وهما مرتفعان عنه، بل وممتنعان عليه؛ لأن طبيعته تختلف عن طبيعة الإنسان. وكذلك لا يصح وصف الأرض بأنها بكر، أو متزوجة، أو أرملة؛ وكذلك لا يصح وصفالسماء بأنها سميعة أو بصيرة، أو خرساء؛ وكذلك لا يصح وصف البحر بأنه بالغ أو راشد، أو محلاف. وهكذا تنتفي المتقابلات كلها بانتفاء قابلية المحل لها أياً كانت هذهالمتقابلات. وهكذا فإن لكل محل، ولكل مخلوق طبيعة خاصة به تتصف بصفات خاصة، ولائقة بها. وهذه مخلوقة، ومادية فما بالك لو كان الأمر يتعلق بما هو خالق، وغير مخلوق، وغيرمادي، وهو الله تعالى، فقياس الغائب على الشاهد فاسد، ومغلوط.

ثانياً: إذا كان أنصار هذه الشبهة يقررون ضرورة أن يكون لله جهات حتى يكون معبوداً، فإن السؤال الذي يطرحذاته هذا: أين كان الله قبل أن يخلق العرش، والكرسي، والسماء، والأرض، وقبل أن يخلق الزمان، والمكان، وقبل أن تكون هناك جهات؟. فإن قالوا: لم يكن له جهة، ولا مكان، فقداعترفوا بخطأ ادعائهم، وناقضوا أنفسهم، واعترفوا بحقيقة أن الله لا تحده جهة، ولا مكان، ولا زمان، وهو حي باق موجود يدبر أمور الحياة في السماء، والأرض. وإن قالوا: إنالعالم قديم بقدم الله تعالى، فقد ناقضوا أنفسهم، واستجاروا من الرمضاء بالنار، وهنا يقتضي الحال الانتقال بهم إلى إثبات حدوث العالم.

ثالثاً: لا يجوز الأخذ بظواهرالنصوص على حقيقتها كما يبدو عند أنصار هذه الشبهة مما أوقعهم في لبس، تناقض غريب. فهم لا يستطيعون أن يوفقوا بين قوله تعالى: (أأمنتم مَن في السماء) مع قوله: (وهو الله فيالسموات وفي الأرض). فهل هو في السماء حقيقة، أم في الأرض حقيقة، أم فيهما معاً حقيقة؟!. فإن قالوا: إنه في الأرض وحدها حقيقة، فكيف تكون له جهة فوق؟! وإذا كان في السماءوحدها حقيقة، فكيف تكون له جهة تحت؟! وإن قالوا: إنه في السماء، والأرض معاً حقيقة، فلماذا يقال: إن له جهة فوق، ولا يقال له جهة تهت؟! ولماذا يشار إليه فوق، ولا يشار إليهتحت؟!

ناهيك عن التذكير بأن الجهات أمور نسبية، فما هو فوق بالنسبة إلينا قد يكون تحت بالنسبة لغيرنا.

رابعاً: إن الأخذ بظواهر النصوص على حقيقتها أعجز أنصار هذهالشبهة عن تفسير كثير من التساؤلات. فإذا كان الله تعالى يقول: (يد الله فوق أيديهم) بإفرادها، ويقول: (لما خلقت بيدي) بتثنيتها، ويقول: (والسماء بنيناها بأييد) بجمعها، فهميعجزون عن الإجابة على ما يوجه إليهم من التساؤلات، والتي منها: هل له يد واحدة بناءً على الآية الأولى؟! أم له يدان اثنتان بناء على الآية الثانية؟! أم له أيد كثيرة بناءعلى الآية الثالثة؟!

خامساً: إن الأخذ بظواهر النصوص على حقيقتها أعجز أنصار هذه الشبهة عن تفسير كثير من الوقائع، والظواهر، وأدى بهم إلى شواهد البلبلة، والتناقض.

فقد روى البخاري، ومسلم، وغيرهما أن رسول الله (ص) قال: ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: مَن يدعوني؟ فأستجيب له؟ مَن يسألني،فأعطيه؟ مَن يستغفرني، فأغفر له؟)).

فكيف يؤخذ بظاهر هذا الخبر مع أن الليل مختلف في البلاد باختلاف المشارق، والمغارب؟! وإذا كان الله ينزل لأهل كل أفق نزولاًحقيقياً في ثلث ليلهم الأخير فمتى يستوي على عرشه حقيقة كما يقولون؟! ومتى يكون في السماء حقيقة كما يقولون؟! مع أن الأرض لا تخلو من الليل في وقت من الأوقات، ولا ساعة منالساعات كما هو ثابت، وأكيد.

سادساً: يرد على أنصار هذه الشبهة بما قاله حجة الاسلام أبو حامد الغزالي: ((نقول للمتشبث بظواهر الألفاظ: إن كان نزوله من السماء الدنياليسمعنا نداءه، فأي فائدة في نزوله؟! ولقد كان يمكنه أن ينادينا كذلك، وهو على العرش أو على السماء العليا. فلابد أن يكون ظاهر النزول غير مراد، وأن المراد به شيء آخر غيرظاهره. وهل هذا إلا مثل مَن يريد، وهو بالمشرق، إسماع شخص في المغرب، فتقدم إلى المغرب بخطوات معدودة، وأخذ يناديه، وهو يعلم أنه لا يسمع نداءه، فيكون نقله الأقدام عملاًباطلاً، وسعيه نحو المغرب عبثاً صرفاً فلا فائدة فيه، وكيف يستقر مثل هذا في قلب عاقل)).

- الشبهة الثانية:

إن القول بالمتشابه يؤدي إلى الترجيح بين الآياتالقرآنية ترجيحاً مذهبياً يشوبه التعصب، وينتابه الضعف، والخفاء.

نقل السيوطي عن الإمام فخر الدين الرازي أنه قال: ((من الملحدة من طعن في القرآن لأجل اشتماله علىالمتشابهات))، وقال: إنكم تقولون: إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام الساعة، ثم إنا نراه بحيث يتمسك به صاحب كل مذهب على مذهبه. فالجبري متمسك بآيات الجبر،كقوله تعالى: (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً) الكهف/ 57.

والقدري يقول: هذا مذهب الكفار بدليل أنه تعالى حكى عنهم ذلك في معرض الذم في قوله تعالى:(وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر).

وفي موضع آخر: (وقالوا قلوبنا غلف) البقرة/ 88. ومنكر الرؤية متمسك بقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) الأنعام/ 103.ومثبت الجهة متمسك بقوله تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم) النحل/ 50. (الرحمن على العرش استوى) طه/ 5. والثاني متمسك بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) الشورى/ 11. ثم يسمي كل واحد الآياتالموافقة لمذهبه محكمة، والآيات المخالفة متشابهة، وإنما آل في ترجيح بعضها على بعض إلى ترجيحات خفية، ووجوه ضعيفة، فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هو المرجوعإليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا؟!.

تفنيد هذه الشبهة:

إن نسبة بعض أفعال الجوارح لله تعالى كالبصر، والإدراك، والاستواء، والرؤية، لا تعني تشبيه اللهالخالق بمخلوقاته أو تجسيمه وإنما الغرض من ذلك التقريب للأفهام، والتنبيه للعقول، والتأنيس للقلوب.

ويمكن تفنيد هذه الشبهة بالقول: بأن لوقوع المتشابه فوائد، منها:أنه يوجب مزيداً من المشقة في الوصول إلى المراد، وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب.

ويمكن تفنيد هذه الشبهة بما ذكره ابن اللبان في مقدمة كتابه: ((رد الآيات المتشابهاتإلى الآيات المحكمات))، إذ قال ما خلاصته: ((ليس في الوجود فاعل إلا الله وأفعال العباد منسوبة الوجود إليه تعالى بلا شريك، ولا معين؛ فهي في الحقيقة فعله، وله بها عليهمالحجة مصداق قوله تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). ومن المعلوم أن أفعال العباد لابد فيها من توسط الجوارح مع أنها منسوبة إليه تعالى، وبذلك يعلم أن لصفاته تعالى فيتجلياتها مظهرين: مظهر عبادي منسوب لعباده، وهو الصور، والجوارح الجثمانية. ومظهر حقيقي منسوب إليه، وقد أجرى عليه أسماء المظاهر العبادية المنسوبة لعباده. على سبيلالتقريب لأفهامهم، والتأنيس لقلوبهم. ولقد نبه في كتابه تعالى على القسمين، وأنه منزه عن الجوارح في الحالين، فنبه على الأول بقوله: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم). فهذايفيد أن كل ما يظهر على أيدي العباد، فهو منسوب إلى الله تعالى. ونبه على الثاني بقوله فيما أخبر عنه نبيه (ص) في صحيح مسلم: ((لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه؛فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)).

وقد حقق الله ذلك لنبيه بقوله: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعونالله)، وبقوله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).

وبهذا يفهم ما جاء من الجوارح منسوباً إليه تعالى، فلا يفهم من نسبتها إليه تشبيه، ولا تجسيم؛ ولكن الغرض من ذلكالتقرب للأفهام، والتأنيس للقلوب. والواجب سلوكه إنما هو رد المتشابه إلى المحكم على القواعد اللغوية، وعلى مواضعات العرب، وعلى ما كان يفهمه الصحابة، والتابعون منالكتاب والسنة.

- الشبهة الثالثة:

إن القول بالمتشابه يؤدي إلى التساؤل عن ماهية الحكمة في إنزال المتشابه ممن أراد لعباده البيان، والهدى؟!

تفنيد هذه الشبهة:

إن الحكمة من القول بالمتشابه موجودة قطعاً. وهنا يفرّق بين المتشابه الذي يمكن علمه، والمتشابه الذي لا يمكن علمه. فالمتشابه الذي يمكن علمه، فالحكمة من وجوده يتمثلفي حفزه العلماء، والفقهاء والدارسين على التبحر في العلم، والوقوف على موضوعاته، وجزئياته، والغوص في دقائقه، والإحاطة بخواصه.

وتتمثل حكمة المتشابه أيضاً فيإظهار منازل الناس، وتكريس شواهد التفاضل، وتبيين درجات التفاوت منهم؛ نظراً لأنه لو كان القرآن كلّه محكماً، لما احتاج إلى التأويل، والبحث، ومن ثم لاستوت منازلالناس، ودرجاتهم، ومن ثم لم يظهر فضل العالم الباحث المفسر المؤول عن غيره من العوام. أما المتشابه الذي لا يمكن علمه أي الذي استأثره الله بعلمه، فحكمته تتجلى في ابتلاءالعباد بالاستسلام لله، والأخذ به، والتفويض، والتوقف فيه لله تعالى، ومن ثم التعبد به تلاوة كالمنسوخ حكماً دون التلاوة؛ فقد بقي قرآناً يتعبد به تلاوة نثاب عليها،وبالتالي فإن حكمة هذا المتشابه تتمثل في أمر آخر هو إثبات إعجاز القرآن البياني حيث إنه أعجز من نزل القرآن بلغتهم، وبيانهم، ومع ذلك أفحمهم، فعجزوا عن فهم معناه،والوقوف على حقيقته، مما يؤصل بالتالي حقيقة الألوهية للقرآن، وأنه كلاما لله العربي المعجز، وفي أقصر سورة منه.

- الشبهة الرابعة:

إن القول بالمتشابه يقود إلىالسؤال التالي: (هل للمحكم مزية على المتشابه أولاً؟! فإن قلتم بالثاني، فهو خلاف الإجماع، وإلا فقد نقضتم أصلكم في أن جميع كلامه سبحانه سواء، وأنه منزل بالحكمة).

تفنيد هذه الشبهة:

وقد أجاب أبو عبدالله النكربازي على هذه الشبهة بقوله: بأن المحكم كالمتشابه من وجه، ويخالفه من وجه، فيتفقان في أن الاستدلال بهما لا يمكن إلا بعدمعرفة حكمة الواضع، وأنه لا يختار القبيح.

ويختلفان في أن المحكم بوضع اللغة لا يحتمل إلا الوجه الواحد، فمن سمعه، أمكنه أن يستدل به في الحال. والمتشابه يحتاج إلىفكرة ونظر ليحمله على الوجه المطابق؛ ولأن المحكم أصل، والعلم بالأصل أسبق؛ ولأن المحكم يعلم مفصلاً، والمتشابه لا يعلم إلا مجملاً.

وقد ردّ الشيخ محمد عبدالعظيمالزرقاني على هذه الشبهة بقوله: ويمكن دفع هذه الشبهة بوجه أقرب: وهو أن المحكم له مزية على المتشابه؛ لأنه بنص القرآن هو أم الكتاب؛ والاعتراض بأن هذا ينقض الأصل المجمععليه، وهو أن جميع كلامه سبحانه سواء، وأنه منزل بالحكمة: الاعتراض بهذا ساقط من أساسه؛ لأن المساواة بين كلام الله إنما في خصائص القرآن العامة: ككونه منزلاً على النبي(ص) بالحق وبالحكمة، وكونه متعبداً بتلاوته، ومتحدياً بأقصر سورة منه، ومكتوباً في المصاحف، ومنقولاً بالتواتر، ومحرماً حمله، ومسّه على الجنب، ونحو ذلك. والمساواة فيهذه الخصائص لا تنافي ذلك الامتياز الذي امتازت به المحكمات. وكيف يتصور التنافي على حين أن كلاً من المحكم والمتشابه له حكمه، وله مزاياه؟! فمزية المحكم أنه أم الكتابإليه ترد المتشابهات، ومزية المتشابه أنه محك الاختبار، والابتلاء، ومجال التسابق والاجتهاد، إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى.

ثم كيف يتصور هذا التنافي، والقرآن كلهمختلف باختلاف موضوعاته وأحواله، فمنه: عقائد، وأحكام، وأوامر، ونواهي، وعبادات، وقصص، وتنبؤات، ووعد، ووعيد، وناسخ، ومنسوخ. ولا ريب أن كل نوع من هذه الأنواع له مزيته،أو خاصته التي غاير بها الآخر، وإن اشترك الجميع بعد ذلك في أنها كلها أجزاء للقرآن، متساوية في القرنية، وخصائصها العامة.

وخلاصة الجواب: ((أن امتياز المحكم علىالمتشابه في أمور، ومساواته إياه في أمور أخرى، فلا تعارضن ولا تناقض، كما أن كل عضو من أعضاء جسم الانسان له مزيته، وخاصته التي صار بها عضواً، والكل بعد ذلك يساوي الآخرفي أنه جزء للانسان في خصائصه العامة من حسن، وحياة)).

- ا لشبهة الخامسة:

إن القول بالمتشابه يؤدي إلى التأويل، وهو اتباع المتشابهات بالتأويل. فإن الناظر في موقفالسلف، والخلف من المتشابه، يجزم بأنهم جميعاً مؤولون لأنهم صرفوا ألفاظ المتشابهات عن ظواهرها؛ وصرفها عن ظواهرها تأويل لها. وبذلك فإنهم مؤولون وقعوا جميعاً فيما نهىالله عنه، وهو اتباع المتشابهات بالتأويل، حيث وصفهم الله تعالى بأن في قلوبهم زيغاً، فقال تعالى في الآية السابقة: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منهابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) آل عمران/ 7.

تفنيد هذه الشبهة:

وننقل هنا ما قاله الشيخ محمد عبدالعظيم الزرقاني في الرد على أصحاب هذه الشبهة.

أولاً: إن القولبكون السلف، والخلف مجمعين على تأويل المتشابه قول له وجه من الصحة لكن بحسب المعنى اللغوي، أو ما يقرب من المعنى اللغوي. أما بحسب الاصطلاح السائد فلا؛ لأن السلف، وإنوافقوا الخلف في التأويل، فقد خالفوهم في تعيين المعنى المراد باللفظ بعد صرفه عن ظاهره، وذهبوا إلى التفويض المحض بالنسبة إلى هذا التعيين. أما الخلف فركبوا متنالتأويل إلى هذا التعيين.

ثانياً: إن القول بأن السلف، والخلف جميعاً وقعوا بتصرفهم السابق فيما نهى الله عنه قول خاطئ، واستدلالهم عليه بالآية المذكورة استدلالفاسد؛ لأن النهي فيها إنما هو عن التأويل الآثم الناشئ عن الزيغ، واتباع الهوى بقرينة قوله سبحانه: (فأما الذين في قلوبهم زيغ) أي ميل عن الاستقامة، والجهة إلى الهوى،والشهوة. أما التأويل القائم على تحكيم البراهين القاطعة، واتباع الهداية الراشدة، فليس من هذا القبيل الذي حظره الله تعالى، وحرمه. وكيف ينهانا عنه، وقد أمرنا به ضمناًبايجاب ردّ المتشابهات إلى المحكمات؛ إذ جعل هذه المحكمات هي أم الكتاب على ما سبق بيانه، ثم كيف يكون مثل هذا التأويل الراشد محرماً، وقد دعا به الرسول (ص)، فقال فيالحديث المشهور: (اللهم فقهه في الدين، وعلّمه التأويل).

وخلاصة هذا: أن الله أرشدنا في الآية إلى نوع من التأويل، وهو ما يكون به ردّ المتشابهات إلى المحكمات، ثمنهانا عن نوع آخر منه، وهو ما كان ناشئاً عن الهوى، والشهوة لا على البرهان، والحجة قصداً إلى الضلال والفتنة، وهما لونان مختلفان، وضربان بعيدان بينهما برزخ لا يبغيان.

إذن، فمن لم يصرف لفظ المتشابه عن ظاهره الموهم للتشبيه أو المحال، فقد ضلّ كالظاهرية، والمشبهة. ومَن فسّر لفظ المتشابه تفسيراً بعيداً عن الحجة، والبرهان قائماًعلى الزيغ، والبهتان، فقد ضلّ أيضاً: كالباطنية، والإسماعيلية، وكلّ هؤلاء يقال فيهم: إنهم متبعون للمتشابه، ابتغاء الفتنة. أما مَن يؤول المتشابه أي يصرفه عن ظاهرهبالحجة القاطعة لا طلباً للفتنة؛ ولكن منعاً لها، وتثبيتاً للناس على المعروف من دينهم ورداً لهم إلى محكمات الكتاب القائمة، وأعلامه الواضحة، فأولئك هم الهادونالمهديون حقاً. وعلى ذلك درج سلف الأمة، وخلفها، وأئمتها، وعلماؤها.

روى البخاري عن سعيد بن جبير أن رجلاً قال لابن عباس: ((إنني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ. قال: ماهو؟ قال: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)، وقال: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)، وقال: (ولا يكتمون الله حديثاً)، وقال: (قالوا والله ربنا ما كنا مشركين).

قال ابنعباس: فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى، ولا يتساءلون. ثم في النفخة الثانية أقبل بعضهم على بعض يتساءلون.. فأما قوله: (والله ربنا ما كنا مشركين) فإن الله يغفر لأهلالإخلاص من ذنوبهم، فيقول المشركون: تعالوا نقول ما كنا مشركين. فيختم الله على أفواههم، فتنطق جوارحهم بأعمالهم، فعند ذلك لا يكتمون الله حديثاً. إلى آخر الحديث)).

*المصدر : شبهات حول القران وتفنيدها

/ 1