شبهات حول المکی و المدنی من القرآن و تفنیدها نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شبهات حول المکی و المدنی من القرآن و تفنیدها - نسخه متنی

غازی عنایة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. غازي عناية

شبهات حول المكي والمدني من القرآن وتفنيدها


شبهة الاشتمال على اللغو

إن القرآن المكي اشتمل على لغو من الكلام في كثيرمن فواتح السور مثل: ألم وألر، والمر، والمص، وكهيعص، وطه، ويس، وص، وق، ون، وحم، وبذلك فإن القرآن لا يصلح أن يكون هدى وبياناً، ورحمة للناس، لأن اللغو لا يمكن أن يكونهدى، وبياناً.

ودليل شبهتهم: أن معاني أحرف التهجي هذه لا يفهم معناها حتى من قبل الراسخين في العلم. فالتلفظ بها، والخطاب بها، والبدء بها في بداية السور القرآنية لامعنى له، وهي تحصيل حاصل، وهي كعدمها من حيث معناها، ومفهومها. وأيضاً يزعم أصحاب هذه الشبهة كدليل لها: أن مثل هذه الألفاظ، والتعابير، والأحرف هي من اليهود، أخذها محمد(ص) من كتبتهم الذين كانوا يكتبون له القرآن ليستدل بها على انقطاع الكلام، واستئناف آخر. ويفسرون معناها: بأنه أوعز إليّ محمد، أو أمرني محمد. وهم يشيرون بذلك إلى براءتهممن الإيمان بها، والاعتقاد والتصديق بما يأمرهم محمد بكتابته .. أي يكتبون له هذه الأحرف، ويتبرأون من الإيمان، أو تصديقها. ويبررون تفاسيرهم لأحرف التهجي هذه بقول بعضهم:إن الحروف العربية المفتتح بها أوائل بعض السور إما أن يكون قصد منها التعمية، أو التحويل، أو إظهار القرآن في مظهر عميق مخيف، أو هي رمز للتمييز بين المصاحف المختلفة ثمألحقها بمرور الزمن بالقرآن فصارت قرآناً.

تفنيد هذه الشبهة:

إن خير رد على هذه الشبهة هو ما قام به أستاذنا، وشيخنا العلامة المرحوم محمد عبدالعظيم الزرقاني حيثأفاض وأجاد رداً، وتفنيداً وبالأدلة المستفيضة، والمقنعة نستعين بها، وننقلها كما وردت في كتابه: ((مناهل العرفان في علوم القرآن)) ـ الجزء الأول من ص 226 ـ 236، فبدأ بقوله:

((وننقض هذه الشبهة بأمور: (أولها) أنه لم يكن للرسول (ص) كَتَبة من اليهود أبداً. وها هو التاريخ حاكم عدل لا يرحم، ولا يحابي. فليسألوه إن كانوا صادقين. (ثانيها) أنه لادليل لهم أيضاً على أن فواتح هذه السور تستعمل في تلك المعاني التي زعموها، وهي (أوعَزَ إليَّ محمد) أو (أمرني محمد)، لا عند اليهود، ولا عند غيرهم في أية لغة من لغات البشر.(ثالثها) أن اليهود لم يعرف عنهم الطعن في القرآن بمثل هذا. ولو كان هذا مطعناً عندهم لكانوا أول الناس جهراً به، وتوجيهاً له، لأنهم كانوا أشد الناس عداوة للنبي (ص)،والمسلمين، يتمنون أن يجدوا في القرآن مغمزاً من أي نوع يكون، ليهدموا به دعوة الإسلام. كيف، وهم يكفرون به حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبين لهم الحق؟! (رابعها) أناشتمال القرآن على كلمات غير ظاهرة المعنى لا ينافي وصف القرآن بأنه بيان للناس، وهدى، ورحمة، فإن هذه الأوصاف يكفي في تحققها ثبوتها للقرآن باعتبار جملته، ومجموعه، لاباعتبار تفصيله، وعمومه الشامل لكل لفظ فيه. ولا ريب أن الكثرة الغامرة في القرآن كلها بيان للتعاليم الإلهية، وهداية للخلق إلى الحق، ورحمة للعالم من وراء تقرير أصولالسعادة في الدنيا والآخرة.

وهذا الجواب مبني على أحد رأيين للعلماء في فواتح تلك السور، وهو أن المعنى المقصود غير معلوم لنا، بل هو من الأسرار التي استأثر اللهبعلمها، ولم يطلع عليها أحد من خلقه. وذلك لحكمة من حكمه تعالى السامية، وهي ابتلاؤه سبحانه، وتمحيصه لعباده، حتى يميز الخبيث من الطيب، وصادق الإيمان من المنافق، بعد أنأقام لهم أعلام بيانه، ودلائل هدايته، وشواهد رحمته، في غير تلك الفواتح من كتابه، بين آيات، وسور كثيرة، لا تعتبر الفواتح في جانبها إلا قطرة من بحر، أو غيضاً من فيض.

فأما الذين آمنوا فيعلمون أن هذه الفواتح حق من عند ربهم، ولو لم يفهموا معناها، ولم يدركوا مغزاها، ثقة منهم بأنها صادرة من لدن حكيم عليم، عمَت حكمته ما خفي، وما ظهرمن معاني كتابه، ووسع علمه كل شيء عرفه الخلق أو لم يعرفوه من أسرار تنزيله. (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) سورة البقرة/ آية 255.

(فأما الذين في قلوبهم زيغفيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله) سورة آل عمران/ آية 7.

ونظير ذلك: أن تكون أستاذاً معلماً، وتريد أن تقف على مدى انتباهتلاميذك، ومبلغ ثقتهم فيك، وفي علمك بعد أن زودتهم منك بدراسات واسعة، وتعاليم واضحة، فإنك تختبرهم في بعض الأوقات بكلمات فيها شيء من الألغاز، والخفاء، ليظهر الذكي منالغبي، والواثق بك الوامق لك، من المتشكك فيك المتردد في علمك، وفضلك.

فأما الواثق فيك فيعرف أن تلك الألغاز، والمعميات، صدرت عن علم منك بها، وإن لم يعلم هو تفسيرها،ويعرف أن لك حكمة في إيرادها على هذه الصورة من الخفاء، وهي الاختبار، والابتلاء. وأما المتشكك فيك، فيقول: ماذا أراد بهذا؟ وكيف ساغ له أن يورده، وما مبلغ العلم الذي فيه؟ثم ينسى تلك المعارف الواسعة الواضحة التي زودته بها من قبل ذلك، وكلها من أعلام العلم، وآيات الفضل.

ولا يفوتنك في هذا المقام أن تعرف أن ابتلاء الله لعباده ليسالمراد منه أن يعلم سبحانه ما كان جاهلاً منهم ((حاشاه حاشاه)). فقد وسعَ كل شيء علماً. إنما المقصود منه إظهار مكنونات الخلق، وإقامة الحجج عليهم من أنفسهم، فلا يتهمونالله في عدله، وجزائه، إذا جعل من الناس أهلاً لثوابه، وآخرين لعقابه. (ولا يظلم ربك أحداً) سورة الكهف/ آية 49.

(الرأي الثاني في فواتح السور) أن لها معنى مقصوداًمعلوماً. قالوا: لأن القرآن كتاب هداية، والهداية لا تتحقق إلا بفهم المعنى، خصوصاً أننا أُمرنا بتدبر القرآن، والاستنباط منه، وهذا لا يكون إلا إذا فهم المعنى أيضاً.

غير أن أصحاب هذا الرأي تشعبت أقوالهم في بيان هذا المعنى المقصود بفواتح تلك السور. فذهب بعضهم إلى أن فاتحة كل سورة اسم للسورة التي افتتحت بها، واستدلوا بآثار تفيدذلك، منها ما روي عن النبي (ص) أنه قال: ((يس قلب القرآن)) وقوله: ((مَن قرأ السجدة، حفظ إلى أن يصبح)). ومنها اشتهار بعض السور بالتسمية بها. ثم إن ورودها في فواتح سور مختلفةبلفظ واحد، ينافي كونها أسماء للسور. بل شأنها في ذلك شأن الأعلام المشتركة اشتراكاً لفظياً كلفظ محمد المسمى به أشخاص كثيرون. فيضم إلى اسم كل منهم ما يميز مسماه عنغيره، فيقال: محمد المصري، ومحمد الشامي مثلاً. وكذلك فواتح السور يقال فيها: ((الم البقرة، وآلم آل عمران، وحم السجدة)) وهلم جرا.

وبعضهم ذهب إلى أنها أسماء للحروفالهجائية التي وضعت بإزائها. وهؤلاء منهم من قال: إن المقصود من ذلك هو إفهام المخاطبين أن الذي سيتلى عليهم من الكلام الذي عجزوا عن معارضته، والإتيان بمثله، إنما تركبمن مثل هذه الحروف التي في الفواتح، وهي معروفة لهم، يتخاطبون بما يدور عليها، ولا يخرج عنها.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها هو الدلالة على انتهاء سورة، والشروع فيأخرى.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها القسم بها لإظهار شرفها وفضلها، إذ هي مبنى كتبه المنزلة.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها بيان نبوة محمد (ص) من ناحية أنه ينطقبأسامي الحروف مع أنه أمي لم يقرأ، ولم يكتب. والمعروف أن النطق بأسامي الحروف من شأن القارئ وحده، لا سبيل للأمي إلى معرفتها، ولا النطق بها، فإتيانه بها، وترديده لها،دليل مادي أمامهم على أنه لا يأتي بهذا القرآن من تلقاء نفسه، إنما يتلقاهُ من لدن حكيم عليم.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها هو تنبيه السامعين، وإيقاظهم، وذلك أن قرعالسمع في أول الكلام بما يعني النفوس فهمه أو بالأمر الغريب، دافع لها أن تصغي، وتتيقظ، وتتأمل، وتزداد إقبالاً: فهي كوسائل التشويق التي تعرض في مقدمة الدرس على منهجالتربية الحديثة في التعليم.

ومنهم مَن قال: إن المقصود منها سياسة النفوس المعرضة عن القرآن. واستدراجها إلى الاستماع إليه. والمعروف أن أعداء الإسلام في صدر الدعوةكان يقول بعضهم لبعض: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون). فلما أُنزلت السور المبدوءة بحروف الهجاء، وقرع أسماعهم ما لم يألفوا، التفتوا، وإذا هم أمامَ آياتبينات استهوت قلوبهم، واستمالت عقولهم، فآمن مَن أراد الله هدايته، وشارفَ الإيمانَ مَن شاء الله تأخيره، وقامت الحجة في وجه الطغاة المكابرين، وأخذت عليه الطرقُ فلاعذر لهم في الدنيا، ولا يوم الدين.

وقال العلامة المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره لسورة آل عمران ما نصه:

((إعلم أن القرآن كتاب سماوي. والكتب السماوية تصرحتارةً، وترمزُ أخرى. والرمز، والإشارة من المقاصد السامية، والمعاني، والمغازي الشريفة. وقديماً كان ذلك في أهل الديانات، ألم تر إلى اليهود الذين كانوا منتشرين فيالمدينة، وفي بلاد الشرق أيام النبوة كيف كانوا يصطلحون فيما بينهم على أعداد الجمل المعروفة اليوم في الحروف العربية؟ فيجعلون الألف بواحد، والباء بإثنين، والجيمبثلاثة، والدال بأربعة، وهكذا مارين على الحروف الأبجدية، إلى الياء بعشرة، والكاف بعشرين، وهكذا إلى القاف بمائة، والراء بمائتين، وهكذا إلى الغين بألف، كما ستراه فيهذا المقام.

كذلك ترى أن النصارى في إسكندرية، ومصر، وبلاد الروم، وفي سوريا، قد اتخذوا الحروف رموزاً دينية معروفة فيما بينهم أيام نزول القرآن. وكانت اللغةاليونانية هي اللغة الرسمية في مصر. وكانوا يرمزون بلفظ ((إكسيس)) لهذه الجملة: ((يسوغ المسيح بن الله الملخص)) فالألف من إكسيس هي الحرف الأول من لفظ ((إيسوس)) يسوغ. والكافمنها هي الحرف الأول من ((كرستوس)) المسيح. والسين منها هي حرف الثاء التي تبدل منها في النطق في لفظ ((ثبو)) الله. والياء منها تدل على ((إيوث)) ابن. والسين الثانية منها تشيرإلى ((ثوتير)) المخلص. ومجموع هذه الكلمات: يسوع المسيح ابن الله المخلص. ولفظ ((إكسيس) اتفق أنه يدل على معنى سمكة، فأصبحت السمكة عند هؤلاء رمزاً لإلههم.

فانظر كيفانتقلوا من الأسماء إلى الرمز بالحرف، ومن الرمز بالحرف إلى الرمز بحيوان دلَّت عليه الحروف. قال الحبر الإنجليزي ((صموئيل موننج)): ((إنه كان يوجد كثيراً في قبور رومة صورأسماك صغيرة مصنوعة من الخشب، والعظم. وكان كل مسيحي يحمل سمكة إشارة للتعارف فيما بينهم)).

فإذا كان ذلك من طبائع الأمم التي أحاطت بالبلاد العربية، وتغلغلت فيها،ونزل القرآن لجميع الناس من عرب، وعجم، كان لابد أن يكون على منهج يلذه الأمم، ويكون فيه ما يألفون. وستجد أنه لا نسبة بين الرموز التي في أوائل السور، وبين الجمل عنداليهود، ورموز النصارى، إلا كالنسبة بين علم الرجل العاقل، والصبي، أو بين علم العلماء، وعلم العامة. وبهذا تبين لك أن اليهود، والنصارى كان لهم رموز، وكانت رموز اليهودهي حروف الجمل.

قال ابن عباس (رض): مر أبو ياسر بن أخطب برسول الله (ص)، وهو يتلو سورة البقرة: (الم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) ثم أتى أخوه حيي بن أخطب، وكعب بنالأشرف، فسألوه عن (الم) وقالوا: ننشدك الله الذي لا إله ألا هو أحق أنها أتتك من السماء؟ فقال النبي (ص): نعم. كذلك نزلت. فقال حيي: إن كنت صادقاً إني لأعلم أجل هذه الأمة منالسنين. ثم قالوا: كيف ندخل في دين رجل دلّت هذه الحروف بحساب الجمل على أن منتهى أجل أمته إحدى وسبعون سنة، فضحك النبي (ص). فقال حيي: فهل غير هذا؟ فقال: نعم (المص). فقال حيي:هذا أكثر من الأول: هذا مائة وإحدى وستون سنة. فهل غير هذا؟ قال: نعم (الر) فقال حيي: هذا أكثر من الأولى والثانية، فنحن نشهد إن كنت صادقاً ما ملكت أمتك إلا مائتين وإحدىوثلاثين سنة. فهل غير هذا؟ فقال: نعم (المر). قال حيي: فنحن نشهد أنا من الذين لا يؤمنون، ولا ندري بأي أقوالك نأخذ. فقال أبو ياسر: أما أنا فأشهد على أن أنبياءنا قد أخبروناعن ملك هذه الأمة، ولم يبينوا أنها كم تكون؟ فإن كان محمد صادقاً فيما يقول، إني لأراه سيجتمع له هذا كله. فقام اليهود، وقالوا اشتبه علينا أمرك كله فلا نردي أبالقليلنأخذ أم بالكثير؟

فبهذا تعرف أيها الذكيّ أن الجمل كانت للتعارف عند اليهود، وهو نوع من الرموز الحرفية، فكانت هذه الحروف لابد من نزولها في القرآن، ليأخذ الناس فيفهمها كل مذهب، ويتصرف الفكر فيها.

ولأقتصر لك مما قرأته على ثلاث طرائق فيما ترمز إليه هذه الحروف:

(الطريقة الأولى): أن تكون هذه الحروف مقتطعات من أسماء الله،كما روي عن ابن عباس (رض) أنه قال: الألف آلاء الله، واللام لطفه، والميم ملكه. وعنه أن (الر) و (حم)، و (ن) مجموعها الرحمن. وعنه أن (الم) معناه أنا الله أعلم، ونحو ذلك في سائرالفواتح. وعنه أن الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد. أي القرآن منزل من الله بلسان جبريل على محمد (عليهما الصلاة والسلام) أقول: إنما أراد ابن عباس بذلك أنتكون الحروف مذكرة بالله عزوجل في أكثر الأحوال، وذكر الله أجل شيء. ويرجع الأمر إلى أنها أسماء مرموز لها بالحروف كما تقدم عن الأمم السالفة من النصارى في إسكندرية،ورومة. ولكن لابد أن يكون هناك ما هو أعلى، وأجلّ.

(الطريقة الثانية): أن هذه الحروف من أعجب المعجزات، والدلالات على صدق النبي (ص). وهذا مما ترضاه النفوس. ألا ترى أنحروف الهجاء لا ينطق بها إلا من تعلم القراءة. وهذا النبي الأمي (ص) قد نطق بها. والذي في أول السور أربعة عشر حرفاً منها، وهي كلها ثمانية وعشرون حرفاً إن لم تعد الألفحرفاً برأسه، فالأربعة عشر نصفها. وقد جاءت في تسع وعشرين سورة، وهي عدد الحروف الهجائية إذا عدت فيها الألف. وقد جاءت من الحروف المهموسة العشرة وهي: ((فحثه شخص سكت))بنصفها، هي الحاء، والهاء، والصاد، والسين، والكاف.

ومعلوم أن الحروف إما مهموسة ـ أي يضعف الاعتماد عليها ـ وهي ما تقدم، وإما مجهورة، وهي ثمانية عشر، نصفها ـ وهوتسعة ـ ذكرت في فواتح السور، ويجمعها ((لن يقطع أمر)).

والحروف الشديدة ثمانية، وهي ((أجدت طبقك)) أربعة منها في الفواتح، وهي ((أقطك)).

والحروف المطبقة أربعة: الصاد،والضاد، والطاء، والظاء، وفي الفواتح نصفها: الصاد، والطاء.

وبقية الحروف ـ وهي أربعة وعشرون حرفاً ـ تسمى منفتحة، نصفها، وهو إثنا عشر في الفواتح المذكورة.

فانظر كيف أتى في هذه الفواتح بنصف الحروف الهجائية، إن لم تعدّ الألف، وجعلها في تسع وعشرين سورة عدد الحروف، وفيها الألف؟ وكَيف أتى بنصف المهموسة، ونصف المهجورة.ونصف الشديدة، ونصف الرخوة، ونصف المطبقة، ونصف المنفتحة؟!!

وإني موقن أن المتعلم لو طلب منه أن يأتي بهذه الحروف منصفة على هذا الوجه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإنهإن راعى نصف الحروف المطبقة، فكيف يراعي الحروف الشديدة؟! وكيف يراعي نصف المجهورة في نفس العدد؟!.

إن ذلك دلائل على صدق صاحب الدعوة (ص). ففائدة هذا الوجه أهم من الوجهالأول، فالأول فائدته تذكير الإنسان بأسماء الله تعالى. وأما الوجه الثاني ففيه إعجاز للعقول، وحيرة. فيقال: كيف تنصف الحروف الهجائية، وتنصف أنواعها من مهموسة، وشديدةالخ. وهذه الأنواع لم يدرسها أحد في العالم أيام النبوة. ثم لما ظهرت تلك الدراسات، وافقت تلك الحروف بأنصافها!

إن ذلك ليعطي العقول مثلاً من الغرابة الدالة على أن هذالا يقدر عليه المتعلمون فإذاً هو من الوحي. وهذا الوجه على قوته يفضله ما بعده.

(الطريقة الثالثة): أن الله تعالى خلق العالم منظماً محكماً، متناسقاً متناسباً. والكتابالسماوي إذا جاء مطابقاً لنظامه، موافقاً لإبداعه، سائراً على منهاجه، دلّ ذلك على أنه من عنده. وإذا جاء الكتاب السماوي مخالفاً لنهجه، منافراً لفعله، منحرفاً عن سننهكان ذلك الكتاب مصطنعاً، مفتعلاً، منقولاً، مكذوباً، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) سورة النساء/ آية 82.

والعالم المشاهد، فيه عدد الثمانيةوالعشرين. وذلك فيما يأتي:

1 ـ مفاصيل اليدين في كل يد أربعة عشر.

2 ـ خرزات عمود ظهر الإنسان منها أربع عشرة في أسفل الصلب، وأربع عشرة في أعلاه.

3 ـ خرزات العمودالتي في أصلاب الحيوانات التامة الخلقة: كالبقر، والجمال، والحمير، والسباع، وسائر الحيوانات التي تلد أولادها، منها أربع عشرة في مؤخر الصلب، وأربع عشرة في مؤخرالبدن.

4 ـ عدد الريشات التي في أجنحة الطير المعتمدة عليها في الطيران أربع عشرة ريشة ظاهرة في كل جناح.

5 ـ عدد الخرزات التي في أذناب الحيوانات الطويلة الأذناب:كالبقر، والسباع.

6 ـ عمود صلب الحيوانات الطويلة الخلقة: كالسمك، والحيات، وبعض الحشرات.

7 ـ عدد الحروف التي هي في لغة العرب التي هي أتم اللغات، ثمان وعشرونحرفاً. منها أربعة عشر يدغم فيها لام التعريف، وهي: ت ث د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ل ن. وأربعة عشر لا تدغم اللام فيها، وهي: أ ب ج ح خ ع غ ف ق ك م هـ و ي.

8 ـ والحروف التي تخط بالقلمقسمان: منها أربعة عشر معلمة بالنقط، وهي: ب ت ث ج خ د ز ش ص ظ غ ف ق ن، وأربعة عشر غير معلمة وهي: أ ح د ر س ص ط ع ك و هـ ل م لا. وهذا الحرف هو الألف التي هي من حروف العلة. أماالأولى فهي الهمزة. فهذه أربعة عشر حرفاً. وبقيت الياء، وهي تنقط في وسط الكلمة، ولا تنقط في آخرها، فأصبحت الحروف المعلمة أربعة عشر، وغير المعلمة أربعة عشر، والحرفالتاسع والعشرون معلم، وغير معلم، لتكون القسمة عادلة. والفضل في هذا العدل للحكيم هو الذي يتشبه بالله بقدر الطاقة البشرية. وهذا جعل ثمانية وعشرين حرفاً مقسمة قسمين،كل منها أربعة عشر كما في مفاصل اليدين، وفقرات بعض الحيوانات.

9 ـ منازل القمر ثمان وعشرون منزلة، في البروج الشمالية أربع عشرة وفي الجنوبية أربع عشرة. فهذا يفيد أنالموجودات التي عددها ثمانية وعشرون تكون قسمين كل منهما أربعة عشر. فهكذا هنا في القرآن جاءت الحروف العربية مقسمة قسمين، قسم منهما أربعة عشر منطوق به في أوائل السور،وقسم منهما أربعة عشر غير منطوق به في أوائلها. وكأنه تعالى يقول: أي عبادي، إن منازل القمر ثمان وعشرون، وهي قسمان، ومفاصل الكف ثمانية وعشرون وهي قسمان، وهكذا. والحروفالتي تدغم في حرف التعريف، والتي هي معلمة كل منها أربعة عشر. وضدها أربعة عشر، فلتعلموا أن هذا القرآن هو تنزيل مني، لأني نظمت حروفه على هذا النمط الذي اخترته في صنعالمنازل، والأجسام الإنسانية، والأجسام الحيوانية، ونظام الحروف الهجائية، فمن أين لبشر كمحمد أو غيره أن ينظم هذا النظام، ويجعل هذه الأعداد موافقة للنظام الذيوضعته، والسنن الذي رسمته، والنهج الذي سلكته؟ إن القرآن تنزيل مني. وقد وضعت هذه الحروف في أوائل السور لتستخرجوا منها ذلك، فتعلموا أني ما خلقت السموات، والأرض ومابينهما باطلاً، بل جعلت النظام في العالم، وفي الوحي متناسباً. وهذا الكتاب سيبقى إلى آخر الزمان. ولغته ستبقى معه إلى آخر الأجيال. إن اللغات متغيرة، وليس في العالم لغةتبقى غير متغيرة إلا التي حافظ عليها دين. وهل غير اللغة العربية حافظ عليها دين؟)).

هذا ـ ولا يخفى عليك أن ذاك الرأي الثاني في فواتح السور أبلغ في نقض الشبهة من الرأيالأول، لأنه ينفي ما زعموه من أساس الاتهام، وهو أنه ليس لهذه الفواتح معنى مفهوم، ويقرر أن معانيها مفهومة على ما تبين في تلك الوجوه السابقة. وإذا كان بعض الناس لا يفهمتلك المعاني، فليس ذلك عيباً في القرآن إنما هو عيب في استعداد بعض أفراد الإنسان. وكتاب الله خوطب به الخواص كما خوطب به العام، فلا بد أن يكون فيه ألفاظ لا يفهمها إلاالخاصة دون العامة.

وعلى كلا هذين الرأيين يتضح لك أن اشتمال القرآن على هذه الألفاظ، ليس من قبيل اشتماله على لغو الكلام، أو إظهار القرآن بمظهر عميق مخيف، ولا يفهممنه أنها رموز للمصاحف ألحقها مرور الزمن بالقرآن، إلى غير ذلك من الهذيان. بل ثبوت هذه الفواتح لا يقدح في كون القرآن من عند الله، سواء أفادت معنى ظاهراً أم لم تفد علىما بيّناه من حكمة الله البالغة في إيرادها. والله هو الحكيم العليم.

/ 1