سنن القرآن فی سقوط الحضارات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سنن القرآن فی سقوط الحضارات - نسخه متنی

محمد هیشور

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

سنن القرآن في سقوط الحضارات

محمد هيشور

معنى السقوط الحضاري في القرآن:

لعل ما يقصد بالسقوط الحضاري من خلال القرآن ليس هودائماً زوال الأمم من الوجود وفناء أفرادها في العدم ولكن ما يغني بالسقوط الحضاري هو الانهيار الداخلي للمجتمعات وذهاب قوة الأمم وعزتها وهوانها على الأمم الأخرى، ذلكعندما تذوب في غيرها وتنمحى شخصيتها المعنوية والروحية وهذا ما هو كائن في حياة الأمم التي سقطت حضاراتها. والثابت في تاريخ الإنسانية أن الأمم التي شهدت تلكالإمبراطوريات والحضارات الغابرة لم ينقرض نجمها ويندثر كيانها البشري كلية، وإنما ضعفت واستكانت وغاب تأثيرها المباشر في مسرح الحياة الاجتماعي والسياسي والاقتصادي،فاستوعبتها حضارات أمم أخرى هي أشد وأبقى حتى صارت جزءاً منها لا ينفصل، وأنشئت على أنقاض كيانها الحضاري حضارات جديدة تسلمت علم الريادة ووساد السيادة.

ولعل أوضحمثال تطبيقي في هذه النقطة هو حضارة العرب البائدة كعاد وثمود الذين بلغوا شأناً عظيماً في التحضر حكى القرآن الكريم بعضه للاعتبار ودلت عليه بقايا الدهر وأبحاثالتاريخ، والثابت أن هؤلاء العرب العاربة وغيرهم من الأمم الهالكة لم يستأصلوا استئصالاً كلياً تاماً وإنما أهلك الله الظالمين والكافرين منهم وأنجا رسلهم والذينآمنوا منهم ليستمروا في عمارة الحياة.

وقد جرت سنة الله أن يعامل البش حسب ما عملوا، وهذا بصريح قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

فاللهعز وجل لا يزيل ما بقوم من العافية والنعمة، والرخاء، والهناء ويبدلها بالآلام والأمراض والنوازل والفتن والأحداث وغيرها من ضروب العقاب الرباني حتى يزيلوا هم ويغيروافيجحدون النعمة ويعلنون الكفر والمعاصي ويتمردون عن سنن الله في إسعاد البشر ويتظاهرون بالفحش والمنكر والفساد، فتكون النتيجة أن تحل بهم قوارع الدهر، وينزل بساحتهمعذاب من الله.

وآفة الحضارات الجانحة التي نقرأ عنها في بطون التاريخ، أو نجد بقاياها وأطلالها منثورة على جنبات الأرض هي الفساد أو الإفساد في الأرض بكافة أشكالهوأنواعه فساد العقيدة ـ الشرك ـ فساد العلاقات بين أفراد الأمة بترك التوادد والتعاون، مما يؤدي الى العداء والتباغض ثم الظلم، وفساد النفوس بالغرور والتكبر والعجبوهذا هو الفساد الذي ظل القرآن الكريم يكرر الحديث عنه، ويكثر التحذير منه ويلفت نظر الإنسان إلى مغبات التورط في أسبابه وينبه إلى الرزايا والمصائب التي لابد أنيتحملها الإنسان على أعقابه وما فسدت هذه الأرض يوماً ما بعادية من عوادى الطبيعة ولا بسوء آخر ألم بها من هياج الحيوانات والوحوش، وإنما استشرى فيها الفساد وألم بهاالبلاء يوم تاه بنو الإنسان وخرجوا عن هواياتهم وطبيعتهم وحقيقة خصائصهم البشرية فتأله الأقوياء وذل الضعفاء، وخرج بذلك كل فريق عن حدود إنسانيته، ذلك نحو التعالىوالتجبر في الأرض وذاك نحو الخنوع، فتمت بذلك قصة الفساد في الأرض وهي قصة قديمة تتكرر أسبابها أو عواملها في الإنسان ذاته.

كيفية السقوط الحضاري في القرآن:

أماعن كيفية سقوط الحضارات ودمار الأمم والمجتمعات فنجد أن أدق العلل وأصغرها، قد تؤدي إلى أعظم النتائج وأخطرها، ويعد عدم وجود صلة ظاهرة منظورة بين صغير العلل وعظيمالنتائج من أكثر الحوادث نجاحاً في حياة الأمم وتبدل ظروفها الحضارية سياسياً واجتماعياً، ذلك أن عيون المراقبة والملاحظة عادة ما تغفل الجزئيات وتهمل صغائر الأموروأدقها، ولعل هذا ما يمكن أن نفسر به تلك المفاجئات في التقلبات السياسية وتبديل القيادات العسكرية في الدول والحكومات، وكثير ما يدخل التاريخ من هذا الباب أناس لا حسابلهم في حس المراقبين واهتمامهم، وقد كانوا يتحركون ويعيشون في منأى عن أنظار خصومهم وفي القرآن الكريم إشارات وتنبيهات إلى هذا، قال تعالى: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولونبأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).

وللتذكير فإن الآية نزلت في قذف عائشة، وقد حسب بعض المؤمنين ذلك هيناً وعقوبته عند الله شديدة.

ولذاكان مبدأ العلة أو السببية من أكبر القضايا الفلسفية التي شغلت المفكرين وفلاسفة التاريخ والاجتماع، والعلة هي حادث يؤدي إلى حادث آخر أو مجموعة من الحوادث تتراكم فيشبكة واحدة ذات اتجاه معين حتى تؤلف عاملاً قد يكون له دور في تغيير وجه من أوجه الحياة أو تغيير مسار التاريخ كله.

والثابت تاريخياً انه ما انتصرت أمة أو انهزمت إلابفعل العوامل والأسباب الداخلية. وما العوامل الخارجية إلا متممة ومكملة للداخلية، ولعل هذا ما كان يطلق عليه مالك ابن نبي ـ رحمه الله ـ القابيلة للاستعمار، ويرى أنهالعامل الأكبر في هزيمة المسلمين في العصر الحديث.

وإن كان كثير من المؤرخين والمفكرين يميلون إلى الاهتمام بدور الأسباب المباشرة والعوامل الخارجية الظاهرة فيدراسة الأحداث التاريخية والتبدلات الاجتماعية والسياسية والتقلبات الحضارية.

ومن سنة الله في البشر أن كل ما يصيبهم من بلاء وأذى في الأنفس والأبدان وشئون الملكوالسلطان إنما هي آثار للأعمال ونتائج للسلوك الفاسد، مع وجود عفو الله الكثير كما قال تعالى: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

ولذا نجد القرآنلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ولم يترك الله ذرة من أعمال الإنسان إلا وسجلها يوم القيامة: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذاالكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً).

وتبقى سنة الله ثابتة تعمل عملها في حركة التاريخ، والله يتخذ من الظالمينوالمترفين وأهل الشرك والضلال وغيرهم من كل ذوى الفساد والانحراف أدوات ووسائل يسوق بها القرى والدول والحضارات والأمم والمجتمعات نحو الفواجع والمصائر الكالحة.

والقرآن الكريم يطرح على الإنسانية قضية السقوط الحضاري من أوسع الأبواب وأكثرها شمولاً، بصيغ عديدة واصطلاحات كثيرة كلها تؤدي إلى حالة واحدة بالأمة وهي الهلاكوالسقوط.

فالظلم مثلا عامل من أكبر عوامل سقوط الحضارات وله مفهوم شامل وعريض يؤدي إلى فقد التوازن في كافة مجالات الحياة، وعلاقات الإنسان مع نفسه ومع الله ومعغيره، وعن هذا تنبثق حالات وظواهر نفسية واجتماعية واقتصادية مرضية وتصورات فاسدة عن الوجود كله، فيعم الفساد الحياة الإنسانية كافة، كما قال الله تعالى: (ظهر الفساد فيالبر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين، فأقم وجهك للدين من قبلأن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون).

'ظهر الفساد في البر والبحر' نحو القحط والجدب، وقلة البركة في الزراعة والتجارة، وكثر الحرائق والغرق،' بما كسبت أيدىالناس' أي بسبب معاصيهم وذنوبهم، وأن الله أفسد بعض أسباب دنياهم ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا قبل الآخرة والحكمة 'لعلهم يرجعون' بمعنى لكي يرجعون عما هم عليه وحتىينجو من عذاب الآخرة، وهو العذاب الأكبر، ثم أمر الله الأمم أن تسير في الأرض وتنظر لترى كيف أهلك الله إمما كانت على الظلم وأذاقها سوء العاقبة بمعاصيهم. ودل قوله تعالى(كان أكثرهم مشركين) على أن الشرك لم يكن هو السبب الوحيد لتدمير القرى والأمم بل هو سبب إلى جانب أسباب أخرى.

وتكشف الآيات عن ارتباط أحوال الحياة وأوضاعها السياسيةوالاجتماعية والاقتصادية والحضارية عامة، بأعمال الناس وسعيهم، وأن فساد قلوب الناس وعقائدهم، وأعمالهم يوقع في الأرض الفساد، ويملأها براً وبحراً به، فظهور الفساد فيالبلاد واستفحال شره لا يتم عبثاً، ولا يقع صدفة، وإنما يكون وفق سنة جارية وحكمة مدبرة، وهي (ليذيقهم بعض الذي عملوا) من الشر والفساد والمنكر والباطل والظلم، وما إلىذلك، والله يذيقهم بعض أعمالهم وليس كل أعمالهم ذلك لأنه رحمن رحيم يعفو عن كثير، وها هم أهل القرى الظالمة والحضارات الفاسدة يكتوون بنار أعمالهم وتصرفاتهم ويتألمونلما يصيبهم، بما فكرت عقولهم وصنعت أيديهم و 'لعلهم يرجعون' لكي يرجعوا الى الله بالعمل الصالح والتوبة، ويعزموا على مقاومة الفساد والظلم، وفي هذا تحذير لمن جاء منالأمم من بعد، وهي تعرف عاقبة السابقين وترى آثارهم وتمر بها، وفي العاقبة وآثار الباقين من الهالكين عبر وعظات تستخلص منها التجارب والدروس وتستقرأ منها السننوالقوانين التاريخية والحضارية.

وإننا نجد صورة متكاملة لسنن الإقبال والإدبار الحاضرين في قصص الأمم في القرآن كقصة فرعون وبنى إسرائيل ذلك أن أهل مصر من آل فرعونلما وصلوا إلى الرقى والازدهار أخلدوا إلى الأرض ومارسوا الظلم والعدوان كمنهج سياسي واجتماعي وجعل فرعون يذبح أبنائهم ويستحى نسائهم، ولما بلغ ظلمه نهايته جاءت سنةالله وقضى رب الملك أن يخفض هذا الفرعون ويزول ملكه ويرفع تلك الأمة المستضعفة بني إسرائيل. وإذ أراد الله أمراً هيأ له أسباباً حيث ولد موسى عليه السلام وتربى في قصرفرعون كما تربى كثير من العظماء في قصور الطغاة وتلك سنة من أعظم سنن الله، ولما كبر عليه السلام آتاه الله الوحى والعلم والحكمة كما هو شأن كل الأنبياء.

فنصح فرعونبلطف ولم ينتصح له كعادة الظالمين والمتجبرين في كل العصور.

ثم جاءت النذر والإنذارات لفرعون وآله فتعاقبت عليهم المجاعات والسنون ونزل عليهم الدم وأذتهم كثرة القملوالضفادع وأكل حرثهم الجراد ومسخوا مسخاً غريباً متى كان منهم الخنازير والقردة وعبدة الطاغوت وحتى أخذهم الطوفان وأغرقوا في إليمِّ وهو مليم.

ولما تمت الحجة ولم يبقللظالمين عند الله عذر سقطت الحضارة الفرعونية وفق نفس السنن سقطت بها غيرها من الحضارات سقوطاً لم تنهض منه إلى الأبد وهلك فرعون وآله هلاك استئصال وتلك هي عاقبةالظالمين.

وسارت حركة التاريخ ودارت الحضارة دورتها وجاءت نوبة أو دورة بني إسرائيل وفق سنن الاستخلاف والوراثة أو التداول والاستبدال الحضاري. وبعد أن نصرهم اللهعلى فرعون بهلاكه آتاهم الملك وأورثهم الأرض. ولكن هذه الوراثة والاستخلاف كانا منوطين بسنة الاستقامة بالاعتقاد السليم والعمل الصالح وهذه سنة وشرط للاستمراروللاستخلاف، ليس خاص ببني إسرائيل وحدهم في التاريخ بل يجب أن تلزمه كل أمة تمنح حكومة الأرض.

ولما كان انحراف بني إسرائيل في تاريخ الإنسانية كانحراف الفراعين أوأشد نزعت من أيديهم الوراثة، وسلبوا التمكين والملك بنفس السنن العادلة وسلطت عليهم سهام المؤمنين تارة وسهام الجبابرة أمثالهم تارات أخرى، وأخرجوا من ديارهم وشردوا فيالأرض مرات ومرات في بؤس وشقاء، وضربت عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم القيامة ولن يرفعها عنهم الله إلا إذا عادوا للحق وحكموا بالعدل، وإن كانوا تمكنوا في الأرض هذهالأيام فما تلك إلا فترة استثنائية في تاريخ القوم، ومن باب وسنة تسليط الظالمين على ظالمين مثلهم أو أشد.

صيغ السقوط الحضاري في القرآن

إن الله تعالى ما ذكر أمةأصيبت بالدمار والهلاك، إلا وقد ذكر بجانب ذلك جريمتها وفسادها في الأرض وانحرافها وفسوقها عن أمر ربها، حتى يعلم الناس أن ما يصيبهم من حسنات وسيئات، أو فرح وقرح أوسعادة وشقاء فبما كسبت أيديهم، قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون).

كما أنه لا يكون باعث الدمار والهلاكفساداً فرديا بل هو الفساد الجماعي والظلم العام الذي يشمل كل العلاقات الإنسانية الشخصية والعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى على مستوى الاعتقادوالإيمان الذي يسوده الظلم بالشرك بالله. والتناقض الداخلي بالتظاهر بالإيمان والعمل الصالح واستبطان غيره وهو النفاق. ومعنى هذا أن ظلم الإنسان لنفسه بفساده العقيديوالعملي والأخلاقي ليس مدعاة للهلاك وسبب للدمار والسقوط ما دام قاصراً على الأفراد والأمة محتفظة بكيان استمرايتها وصلاحية ديمومتها وبقائها، ولكن إذ تجاوز الظلموالفساد مستوى الأفراد الذين لا يشكلون القاعدة أو الظاهرة العامة إلى مستوى دائرة الأمة أخذت تلك الأمة في الهبوط من علياء الكرامة والعز إلى درك الذل والهوان حتى تحينساعة الدمار والسقوط.

ولقد بين الله في القرآن أن الأمم التي أهلكت كان أكثر أفرادها غير مؤمنين فقال الله يبين هذه السنة في قوم نوح عليه السلام (فأنجيناه ومن معه فيالفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين. إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).

وعن ثمود قوم صالح: (فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين).

ولا يظن أحدأن الصيغة الوحيدة لسقوط الحضارات وهلاك الأمم هي في ذلك الأسلوب الذي تحدث عنه القرآن هو الدمار المباشر الذي حاق بعدد من القرى عبر عصور تاريخية متقدمة بسبب مواقفهاالجائرة من دعوات الأنبياء والرسل، كلا إن الأمم الظالمة المنحرفة والمجتمعات الفاسدة غير الصالحة للبقاء التي أخذت الجزاء من جنس عملها، والتي ما زالت هي أمام قوتين:سخرهما مالك الملك لتحقيق أمره وتنفيذ سنته، القوة المادية المنظورة والقوة الروحية غير المنظورة، والناس في الأولى يمرون في الآثار الباقية ويقرءون في التاريخ نماذجشتى من تسخير الله للطبيعة في إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وذلك كالسيول الجارفة والرياح العاصفة والهزات العنيفة والصيحة والرجفة، والغرق، وإن اختلفت التعليلاتوالتصورات لأسباب حدوث هذه العوامل المدمرة بين الاتجاهات والمذاهب التفسيرية.

أما صيغة القوة الثانية اللامرئية غير المنظورة فهي صيغة روحية معنوية أكثر شموليةوأشد خطراً، وهي التي تحتضر بها الأمة المصابة كثيراً، وسنة الله أن تنشأ أضرارها من داخل النفس الإنسانية، وهي أن كل فرد يحيد عن الاستقامة ويزيغ عن أمر ربه يصاب باليأسوالإحباط والقنوط وفشل الإرادة أو بالغرور والتجبر والظلم والعدوان، وأخف الأمراض من هذه أشر من الآخر.

وحتى لا يحسب الإنسان المعاصر نفسه أنه أصبح بمفازة ومناعة منهذه الأمراض والمهالك مع أنه يأتي أسبابها ويمارس عواملها ـ لمجرد انتمائه لعصر التكنولوجيا والازدهار الطبي وتقدم وسائل العلاج، فليقرأ عن هذه الأمراض في الحضارةالغربية المعاصرة وما تفعله في أكبر عواصمها وما يعانيه أبناؤها من دمار وانتحار، ولأمر بسيط جداً وهو أنهم زاغوا عن أمر الله فحق عليهم قوله تعالى: (فلما زاغوا أزاغ اللهقلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين).

ويقيناً في عدالة الرحمن انه سيحيق بهؤلاء ما حاق بأهل تلك القرى الظالمة التي سبقتهم في التاريخ والتي قال الله في أهلها: (فمازالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين).

وسنة الله سائرة، ثابتة، باقية ببقاء الخلق، ومن عدل الله في الإنسانية ألا يخص الأمم بنوع واحد أو صيغة واحدة من الدماروالسقوط بل جرت سنته تعالى بتنويع العذاب وكثرة ألوانه واختلافها بطرق عديدة (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر).

وبحسب فساد الأمة وانحرافها كما ذكرنايكون الهلاك والتعذيب الذي قد يجئ صاعقة، أو غرقاً، أو فيضاناً، أو ريحاً، أو خسفاً أو قحطاً، أو مجاعة وارتفاعاً في الاسعار،أو امراضاً، وأوجاعاً، أو ظلما وجوراً أوفتناً واختلافاً بين الناس، أو مسخاً في الصور والأشكال كما فعل ببني إسرائيل، أو ضعفاً في القلوب، ووهنا في النفوس كما هو حالة الأمة الإسلامية.

فعن هلاك قوم نوحعليه السلام يقول تعالى: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً فأخذهم الطوفان وهم ظالمون).

وعن عاد قال تعالى: (فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً فيأيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون).

وعن ثمود قال تعالى: (وأما ثمود فأهلكوا بالطاغية).

والطاغية هي الصاعقة.

وهكذا كل الأمم آتاها ما يناسب إجرامها، ففي الغرق يقول الله: (فأغرقناهم في اليم).

وفي الريح يقول تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية).

وفي الصاعقة يقولتعالى: (فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون).

ويقول في الخسف (فخسفنا به وبداره الأرض)، وهو قارون.

ويقول تعالى في القحط والمجاعات والارتفاع في الأسعار وانتشار الأمراض(وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون).

ويقول تعالى في الفتن بين الناس والتشيع للأفراد: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أويلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون).

وقيل أن العذاب من فوق قد يكون هو القذف بالقنابل على الناس من الطائرات والعذاب من تحت قد يكونهو الألغام التي اعتاد المقاتلون استعمالها في الحروب، وقيل ليس الشيع هي كثرة الفرق والمذاهب المتناحرة والمتخاذلة.

ويقول تعالى عن مسخ الصور: (فلما عتوا عن ما نهواعنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب).

وهذا المسخ حدث لبني إسرائيل، وكان مسخاً وتغييراً حقيقياًوتحويلاً من الصور الآدمية إلى صورة قردة وخنازير وهذا هو ظاهر النص القرآني.

أما مسخ القلوب فقد حصل للكثير من ذلك قارون وابن باعوراء، الذي قال الله فيه: (واتل عليهمنبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض وأتبع هواه فمثله كمثل الكلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركهيلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلكم يتفكرون).

وعن إمطار الحجارة على قوم لوط قال تعالى: (وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وماهي من الظالمين ببعيد).

ولقد أنذر الله الذين كذبوا برسوله (ص) من أن ينزل بهم ما نزل بتلك الأمم السابقة التي خرجت عن سنن الاستقامة وحدود الامتثال لأمر الله فقالتعالى: (... وعاد وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين. وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا فيالأرض وما كانوا سابقين فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانواأنفسهم يظلمون).

وكانت الإشارة الأخرى إلى قارون وفرعون وهامان الذين جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض، فهؤلاء وأولئك قد كانوا أصحاب قوة ومال وغلبة وسلطان،ونالوا ملكاً وجاهاً فظنوا أن تلك عوامل بقاء وخلود وأسباب حصانة ومناعة فأتاهم الله بسبب ذنوبهم من حيث لم يحتسبوا. قال تعالى: (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليهحاصباً ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).

فهذه مصارع بعض العتاة الطغاة على مدارالتاريخ الذين بقوا عبرا ودروساً للإنسانية.

أما ما عوقب به الظالمون العرب بسبب تكذيبهم برسول الله عليه الصلاة والسلام فقد كان يوم بدر الذي أخذ الله فيه رؤوسالكفر والشرك ونصر المسلمين عليهم وهم أذلة وهو نوع من أنواع عقوبات الأمم السابقة بل لعله أشد وأشقى لان تلك الأمم استؤصلت بالعذاب ثم الموت أما هم فلم يموتوا فيها كليةولم يحيوا حياة طيبة.

وبقت سنة الله واحدة لا تتبدل تعامل بها القرون الحاضرة بمثل ما عملت بها القرون الذاهبة الخالية.

المصدر:سنن القران في قيام الحضاراتوسقوطها

/ 1