ترک فی السنة و الأحکام التی تدل علیها نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ترک فی السنة و الأحکام التی تدل علیها - نسخه متنی

محمد سلیمان الأشقر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. محمد سليمان الأشقر

الترك في السنة والأحكام التي تدل عليها


إن تروك النبي (ص) يمكن تقسيمها إلى أقسام موازية لأقسام أفعاله. والأقسامالتي يظهر انقسام الترك إليها ما يلي:

الأول: الترك لداعي الجِبِلّة البشرية. وهذا لا يدل في حقنا على تحريم ولا كراهة. ومثاله ترك النبي (ص) أكل لحم الضب، وقال: ((إنه لميكن بأرض قومي فأجدني أعافه)).

وكان يترك الطعام إن لم يكن مما يشتهي. ففي الحديث: ((ما عاب النبي (ص) طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه)).

ويظهر ن من هذا النوعما روي أنه (ص) اغتسل من الجنابة فأتته ميمونة بخرقة، فلم يُردها، وجعل ينفض الماء بيده. فتركه التنشيف ظاهر أنه لغرض جِبِلّي، ولعله يتعلق برغبته في إطالة برهة ترطبالبدن، أو غير ذلك. وقال ابن دقيق العيد: ((رد المنديل واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون لا لكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو غير ذلك)). ولا حاجة لهذاالتكلف بل الأولى حمله على الغربة الجِبِلّية، والله أعلم. ونقل ابن قدامة أن عبدالرحمن بن مهدي وجماعة من أهل العلم كرهوا التنشيف لهذا الحديث. ثم قال: ((وترك النبي (ص) لايدل على الكراهة، فإن النبي (ص) قد يترك المباح كما يفعله)).

الثاني: الترك الذي قام دليل اختصاصه به (ص). وهو تركه لما حرم عليه خاصة. كتركه أكل الصدقة. قال (ص): ((إنا معشرآل محمد لا تحل لنا الصدقة)).

ومثله ترك ما يشتبه أنه من الصدقة. ومنه أنه (ص) وجد تمرة ملقاة، فقال: ((لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها)).

ولا يجوز أن يحملشيء من تروكه (ص) على الخصوصية لمجرد الاحتمال. بل لابد من دليل، كما في الأفعال.

وقد قال أبو شامة في الأفعال إنه يقتدي بالخصائص النبوية الواجبة على سبيل الاستحباب.

فقياس قوله هنا إنه ينبغي أن يستفاد لحقنا كراهية ما خُصّ النبي (ص) بتحريمه. فيكون أكل الصدقة مثلاً، مكروهاً لنا.

الثالث: الترك بياناً أو امتثالاً لمجمل معلومالحكم، عام لنا وله. فيستفاد حكم الترك من الدليل المبين والمتمثل. ومثاله تركه (ص) الإحلال من العمرة مع صحابته، وقال: ((إني لبدت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)). وقال:((لا يحل مني حرام حتى يبلغه الهدي محله)) فقد امتثل النهي الذي في الآية، بترك التمتع، لما كان قد ساق الهدي. وتبين بذلك حكم من ساق الهدي. وتبين أيضاً أن المحِلّ الزمانيمراعىً.

والحكم هنا ـ أعني حكم الحلق ـ هو التحريم، لظاهر النهي في الآية.

ومن الترك الامتثالي تركه (ص) الصلاة على المنافقين لما نزل قوله تعالى: (ولا تصل على أحدمنهم مات أبداً).

الرابع: الترك المجرد، وهو الذي ليس من الأقسام السابقة. وهو نوعان:

الأول: ما علم حكمه في حقه بقوله (ص)، أو باستنباط.

والثاني: ما لم يعلم حكمه.

فأما ما علمنا حكمه في حقه بدليل، فينبغي أن يكون حكمنا فيه كحكمه. أخذاً من قاعدة المساواة في الأحكام.

وأما ما لم نعلم حكمه في حقه (ص)، فما ظهر فيه أنه تركه تعبداًوتقرباً نحمله على الكراهة في حقه، ثم يكون الحكم في حقنا كذلك أخذاً من قاعدة المساواة، كتركه ردّ السلام على غير طهارة، حتى تيمم.

وما لم يظهر فيه ذلك، نحمله على أنهمن ترك المباح، كتركه السير في ناحية من الطريق، أو الجلوس في جهة من المسجد.

فعلى ما تقدم ذكره، لا فرق بين الفعل والترك في التأسي فيهما، وقد صرح الشوكاني بذلك، فقال:((تركه (ص) للشيء كفعله له في التأسي به فيه)).

ويقول الجصاص، وفيه تلخيص أحكام الترك: ((نقول في الترك كقولنا في الفعل. فمتى رأينا النبي (ص) قد ترك فعل شيء، ولم ندر على أيوجه تركه، قلنا تركه على جهة الإباحة. وليس بواجب علينا إلا أن يثبت عندنا أنه تركه على جهة التأثم بفعله، فيجب علينا حينئذ تركه على ذلك الوجه حتى يقوم الدليل على أنهمخصص به دوننا)). وفي هذا القول منه بعض النظر يعلم مما بيناه في هذا المبحث.

وقال ابن السمعاني: ((إذا ترك (ص) شيئاً وجب علينا متابعته فيه)) ومقصوده بالمتابعة المساواةفي حكم الترك، كما تقرر عندنا أن ذلك مراده بهذه العبارة في بحث الأفعال. وليس مقصوده أنه يجب علينا أن نترك ما ترك في جميع الأحوال.

فظاهر كلامهم التسوية بين الفعلوالترك في مراتب التأسي.

ـ تفريق القاضي عبدالجبار في التأسي بين الترك والفعل ومناقشتنا له في ذلك:

فرّق القاضي عبدالجبار بين الترك وبين الفعل، في التأسي بهما.فعنده أن الفعل إذا وقع منه (ص) يتأسى به فيه على كل حال، لأنه، لا يخلو أن يكون من أحد الأقسام المعلوم حكمها أو من المجرد، فإن كان مجرداً فإما أن يظهر فيه قصد القربة،فيتأسى به على وجه الندب، أو لا يظهر فيه ذلك، فيتأسى به فيه على وجه الإباحة، أما الترك فإن كان معلوم الحكم يتأسى به على أساس ذلك الحكم، لكن إن كان مجهول الحكم فالتأسيبه عند عبدالجبار غير ممكن. يقول: ((أما الفعل فقد ينقل الوجه الذي عليه وقع، فيصح معه التأسي))، ثم قال: ((فأما تركه فإنما يدل بمقدمة زائدة، نحو أن نعلمه تاركاً لما جعلعلامة لوجوب الفعل، فنعلم أنه ليس بواجب، أو خروجه عن كونه واجباً إذا تعمده وقصد إليه))ز

ويقول في موضع آخر: ((التأسي به (ص) في الفعل أولى من الترك، لأن الترك لا يقعغلا على الحد الأول الذي لا تقتضيه طريقة التأسي، فهو بمنزلة الأكل والشرب وغير ذلك، إلا بأن يكون الترك واقعاً على وجه يعلم أنه من باب الشرع)). اهـ.

وهو بهذا يشير إلىأن الترك يجوز أن يدل على التخصيص أو النسخ. فإن لم يكن كذلك وعلم حكمه من دليل خارجي صح التأسي به. فإن لم يعلم حكمه فهو حينئذ من قبيل الترك الجِبِلّي، ويكون بدرجة الفعلالجِبِلّي الذي لا أسوة فيه، لأن حالة الترك هي الأصل بالنسبة إلى الأفعال الوجودية. ولا يجوز عند عبدالجبار إلحاق الترك بما ظهر فيه قصد القربة من الأفعال، حتى يدل علىالكراهة.

وتوجيه قوله أن الفعل يظهر فيه قصد القربة من كونه مخالفاً للمعتاد، كهيئة المصلي، أو الساجد، أو الملبي، أو الطائف، أو الساعي، مع ما يظهر من الخشوعوالتضرع، ونحو ذلك. أما الترك فهو أمر مجرد لا يظهر للتقرب به وجه.

والذي نرى أنه يحل الإشكال أن يقال: إن الترك إن كان عدمياً صرفاً، فهو الذي بمنزلة الفعل الجبلي غيرالاختياري، لأنه (ص) لغفلته عن الشيء الذي ليس بحضرته، ولا داعي يدعوه لفعله، فهو خارج عن نطاق التكليف. ولذلك فلا أسوة فيه. وهو الذي نعتقد أن القاضي عبدالجبار يريدهبالترك الذي لا أسوة فيه.

وأما الكف عن الشيء والإمساك عنه، فهو أمر تكليفي مقصود، قد يظهر فيه قصد القربة، فيدل على كراهة الشيء، دون تحريمه. وقد لا يظهر فيه قصدالقربة، فيحمل على أنه من ترك المباح. ويدل على الإباحة.

ولذلك كان الصواب التسوية بين الفعل والترك في جميع المراتب. فكما أن من الأفعال أفعالاً جبلية اضطرارية لاأسوة فيها، فكذلك التروك العدمية جبلية اضطرارية، ولا أسوة فيها. وكما أن من الأفعال ما هو معلوم الحكم فيتأسى به، فكذلك في التروك. وكما أن مجهول الحكم من الأفعال يحملعلى الندب أو الإباحة ويتأسى به على ذلك الأساس، فكذلك الكف والإمساك، يحمل مجهول الحكم منه على الكراهة أو الإباحة، والله أعلم.

ـ تكرار الترك:

إنه كما تقدم فيالفعل أن تكراره والمواظبة عليه يقرب أنه (ص) فعله على جهة التعبد والقربة، فكذلك التروك، ترقى بها المواظبة حتى تقربها من باب ما ترك تعبداً.

ونضرب مثالاً على ذلك ماورد في الصحيحين عن ابن عمر: ((أن رسول الله (ص) كان يسبح على ظهر راحلته، حيث كان وجهه، يومئ برأسه)). وفي رواية البخاري: ((إلا الفرائض)) ولمسلم: ((غير أنه لا يصلي عليهاالمكتوبة)).

فإنه تركه لصلاة الفريضة على الراحلة، لو كان تركه مرة أو مرتين، لا يدل على المنع منها. يقول ابن دقيق العيد: ((قد يتمسك بما في الحديث في أن صلاة الفرض لاتؤدي على الراحلة. وليس ذلك بقوي في الاستدلال لأنه ليس فيه إلا ترك الفعل المخصوص. وليس الترك بدليل على الامتناع)).

ثم قال: ((وقد يقال إن دخول وقت الفريضة مما يكثر علىالمسافرين. فترك الصلاة لها دائماً، مع فعل النوافل على الراحلة، يشعر بالفرقان بينهما في الجواز وعدمه)).

وهذا الذي قاله أخيراً هو الذي نريده. وهو المعتمد عندالفقهاء في هذا الفرع.

*المصدر : افعال الرسول ودلالتها على الاحكام الشرعية

/ 1