حقیقة المظلومة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حقیقة المظلومة - نسخه متنی

محمد علی صالح المعلم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

Untitled \n

الحقيقة المظلومة

محمد علي صالح المعلّم

( 5 )

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام
على أشرف الانبياء والمرسلين ، محمد وآله
الطّاهرين .

وبعد :

فهذا كتاب وضع للردّ على مزاعم وردت في
كتاب صدر عن جماعة أطلقت على نفسها جمعية
الشّباب الأوغندي .

وقد تجنّى الكاتب على الشّيعة ومذهب
الشيعة ورماهم بكلّ عظيمة زوراً وبهتاناً
، وهو لم يأت بشيء جديد ، وجاء كتابه صدى
وتكراراً لما حرّره من سبقه من خصوم
الشيعة وأعدائهم جهلاً منهم بحقيقة
الشيعة والتشيع واعتماداً منهم على
المناوئين . فيما يحرّرون ويكتبون .

( 6 )

وعرفت هذه الجميعة التي ينتمي إليها
الكاتب بعدائها للمسلمين ، ورميهم بالكفر
والضلال ، والخروج عن الدين ، وتميّز
أتباعهم بالغلظة والجفاء والازدراء لكل
من لا يسلك مسلكهم ويتبع منهجهم .

وليس من البعيد ان يكون هناك من يحرّكهم
لإيقاع الفتنة وإحداث البلبلة وتفريق
الكلمة بين المسلمين ، واشتغالهم عمّا هو
المهم من قضاياهم وشؤنهم ، وذلك لأنّا نرى
ونلمس آثار هذه الأساليب في بقاع مختلفة
من العالم ، الأمر الذي يؤكّد أنّ هناك من
يسعى للوقيعة بالمسلمين ويغري البسطاء
والجهلة ـ باسم الغيرة على الدين ـ
ويحرّكهم بإحداث الفتن ، فيستجيب هؤلاء
جهلاً منهم بحقيقة الحال .

وقد عانى المسلمون في أوغندا شتّى انواع
الأذى من قبل هذه الجمعية المزعومة واذا
كان الدّفاع عن النّفس والمعتقد حقاً
مكفولاً لكلّ احد فمن حقّنا أن ندافع عن
أنفسنا ومعتقداتنا ، وندعوا خصومنا إلى
التريّث قبل إصدار الحكم لنا أو علينا ،
ليتسنّى لهم الوقوف على حقيقة الشيعة
ومعرفة أفكارهم وآرائهم في مختلف القضايا
الدينية ، ليكون حكمهم صائباً أو قريباً
من الصّواب .

ولذا قمنا بوضع هذا الكتاب ويتضمن إيضاح
بعض

( 7 )

الحقائق ، والدّفاع عن معتقدنا ومذهبنا
الذي يتمثل في انتمائنا إلى عترة النبي
صلى الله عليه وآله في العقيدة والأخلاق
والتعاليم .

والعترة النّبويّة هم أهل البيت الّذين
نصّ القرآن الكريم على نزاهتهم وطهارتهم
في قوله تعالى : ( إنّما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)
وقد روى الحفّاظ والمفسّرون أنّ هذه الآية
نزلت في شأن أهل بيت النبي صلى الله عليه
وآله كما سيأتي الحديث عن ذلك .

ولا ندّعي أننّا جئنا بشيء جديد ، فإنّ
علماء الشّيعة عبر تاريخهم المعطاء قد
تصدّوا لردّ كلّ ما قيل أو ما يمكن ان يقال
من الشبه والافتراءات حول الشيعة
ومعتقداتهم ، وأجابوا عن ذلك بالأدلّة
والبراهين .

وإذا كان لنا من دور في هذا الكتاب فهو
مواجهة هذا الكاتب والتصدّي للجواب عن
مزاعمه بما استفدناه من علمائنا الأجلاء ،
وما أثبته علماء السنّة ورواتهم في كتبهم
المختلفة مشاركة منّا في الدّفاع عن حريم
التشيع المقدّس .

ونودّ قبل الدخول في دحض الاباطيل وردّ
الإفتراءات أن نذكّر ببعض الأمور نراها
مهمّة لمن يريد الدّخول في حوار مع أيّ طرف
كان في مثل هذه المجالات .

( 8 )

الأولّ : أن يتحلّى الإنسان بالآداب
والتعاليم الإسلامية في القول والفعل ،
فيتجنّب الفحش من القول والبذاءة من اللفظ
، وان يكون مصداقاً لقوله تعالى : (وجادلهم
بالّتي هي أحسن) 1 .

الثاني : أن يكون رائده الحق وهو الهدف
الأساسي الّذي يسعى إليه ، كما قال تعالى :
(الحق أحقّ ان يتّبع) 2 .

الثالث : الإحتياط التام في نسبة قول أو
عقيدة إلى أحد إلاّ عن دليل وبرهان ، ويكون
منصفاً في أقواله وحكمه على الأمور ، ولا
يلقي الكلام على عواهنه .

الرابع : أن يتجرّد عن العصبيّات تجرّداً
تامّاً ، وينظر إلى الأمور بواقعيّة ولا
يبني أحكامه على قناعات معيّنة منشأها
العاطفة وهوى النفس .

الخامس : إذا أراد ان يحكم على شيء او لشيء
فلابد من التثبّت معتمداً في ذلك على
المستند الموثوق والمصدر الصحيح المعترف
به عند الطرف المقابل ، لا أن يعتمد على
الخصم ويبني حكمه على ما يقوله الخصم ، فان
ذلك إجحاف غير مقبول .

وبعد هذا فلابدّ لنا أن نذكر تعريفاً
إجماليّاً عن الشّيعة



1) سورة النحل ، الآية 125 .

2) سورة يونس ، الآية 35 .

( 9 )

والتشيّع وما هي حقيقة مذهب الشيعة ؟
فنقول : الشّيعية في اللغة هم الأتباع
والأنصار ، وأصله من المشايعة وهي
المطاوعة والمتابعة ، ومنه قوله تعالى : (
وإنّ من شيعته لإبراهيم ) 1 وقوله تعالى : (
هذا من شيعته وهذا من عدوّه ) 2 واختصّ هذا
اللفظ بمن تابع عليّاً وبنيه عليهم السلام
وأقرّ بإمامتهم فحيثما أطلق هذا اللفظ من
دون قرينة انصرف إليهم وصار في عرف
الفقهاء والمتكلّمين من الخلف والسلف
يطلق على أتباع علي وبنيه كما قال ابن
خلدون في مقدّمته 3 .

1 ـ متى بدأ التشيّع :

إنّ من يرجع إلى ما دوّنه الحفّاظ ، وكتب
السّيرة ، وتاريخ الإسلام في أيّامه
الاولى يرى أنّ التشيّع كان معروفاً ،
وأنّ بعض الصحابة عرفوا به ، بل إنّ هذا
اللّفظ جاء على لسان النبي صلى الله عليه
وآله في كثير من الروايات ، وكان يعني به
معناه اللّغوي المعروف .

وقد روى الحفّاظ كثيراً من الروايات في
مدح الشّيعة ،



1) سورة الصافات ، الآية 83 .

2) سورة القصص ، الآية 15 .

3) مقدمة تاريخ ابن خلدون : ص 196 الفصل 27
مطبعة مصطفى محمد بمصر .

( 10 )

رووها عن النبي صلى الله عليه وآله كما
سنورد جملة منها ، الأمر الذي يؤكّد على
أنّ التشيّع كان مبدؤه من زمان النبي صلى
الله عليه وآله وأنه صلى الله عليه وآله هو
واضع بذرته في الإسلام ، لا كما عليه سائر
المذاهب الأخرى حيث نشأت في زمان متأخّر ،
ولم يكن لها ذكر في عهد الرسالة وزمان
النبي صلى الله عليه وآله وإنّما برزت
نتيجة صراعات سياسية مرّت بها الامّة
الإسلامية إبّان الحكم العبّاسي .

وإذا كان الأمر كذلك فإنّ مقتضى العدل
والإنصاف الإعتراف بتقدّم مذهب الشّيعة
الذي هو مذهب أهل البيت عليهم السلام ، على
سائر المذاهب الإسلامية الأخرى ، وأنّه
الأولى بالإتّباع ؛ لأنّ الدليل يسانده
والبرهان يعاضده (والحق أحقّ أن يتّبع) .

2 ـ أحاديث النبي صلى الله عليه وآله في
الشّيعة والتشيّع :

وأمّا ما روي عن الرسّول صلى الله عليه
وآله في التّعريف بالشيّعة والتشيّع
والحثّ على اتّخاذ التشيّع للإمام علي
عليه السلام ومتابعته مسلكاً ومنهاجاً
يسير على طريقه الإنسان المسلم في مختلف
القضايا والشّؤون الدّينية والدّنيوية ،
فقد بلغ من الكثرة حدّاً يمكن القول أنّه
متواتر عند كلا الطّرفين الشّيعة والسنّة
، ولم ينفرد بروايته

( 11 )

الشيعة وحدهم ، وسنقتصر على ذكر بعض ما
رواه علماء السنّة في كتبهم المعتمدة ،
وعن طريق رواتهم الموثوق بهم عندهم ومن
ذلك :

روى السّيوطي في الدرّ المنثور ، عن ابن
عساكر بسنده عن جابر بن عبد الله ، قال :
كنّا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل
عليّ عليه السلام فقال النبي صلى الله
عليه وآله : والذي نفسي بيده إنّ هذا
وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة 1 ، فنزل
قوله تعالى : (إنّ الذين آمنوا وعملوا
الصالحات اولئك هم خير البريّة) 2 .

وأخرج ابن عدي عن ابن عبّاس قال : لما نزل
قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا
الصالحات اٌولئك هم خير البريّة )3 قال
النبي صلى الله عليه وآله لعلي : هم أنت
وشيعتك .

وأخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام قال :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : ألم
تسمع قول الله تعالى : (إنّ الذين آمنوا
وعملوا الصّالحات اولئك هم خير البريّة)
هم أنت وشيعتك ، وموعدي



1) الدرّ المنثور لجلال الدين السيوطي : ج 6
ص 379 .

2) سورة البيّنة ، الآية 7 .

3) نور الابصار ، للشبلنجي في مناقب آل بيت
النبي : ص 80 ، الطبعة الأخيرة 1398 هـ دار
المكتبة العلمية بيروت ـ لبنان .

( 12 )

وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب
تدعون غرّاً محجّلين 1 .

وروى ابن حجر في الصّواعق المحرقة : عن ابن
عبّاس ، قال : لما أنزل الله تعالى : (إنّ
الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير
البريّة) قال رسول الله صلى الله عليه وآله
لعلي عليه السلام : هم أنت وشيعتك ، تأتي
أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين
ويأتي عدوّك غضاباً مقمحين 2 .

وروى القندوزي الحنفي في ينابيع المودة :
عن أم سلمة ( رضي الله عنها ) قالت : قال رسول
الله صلى الله عليه وآله : علي وشيعته هم
فائزون يوم القيامة 3 .

وروى الشبلنجي في نور الأبصار عن ابن
عبّاس قال : لما نزلت هذه الآية : (إنّ الذين
آمنوا وعلموا الصالحات أولئك هم خير
البريّة) قال النبي صلى الله عليه وآله
لعلي : أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة



1) الدرّ المنثور في التفسير المأثور
لجلال الدين السيوطي : ج 6 ص 379 .

2) الصواعق المحرقة لأحمد بن حجر الهيتمي
المالكي : ص 161 ، الطبعة الثانية سنة 1385 هـ
مكتبة القاهرة .

3) ينابيع المودة للشيخ سليمان ابن
ابراهيم القندوزي الحنفي ، باب 56 ج 2 ص 4 ،
الطبعة الأولى مؤسسة الأعلمي بيروت ـ
لبنان .

( 13 )

أنت وهم راضين مرضيّين ويأتي أعداؤك
غضاباً مقمحين 1 .

ورواه ابن الصبّاغ المالكي في الفصول
المهمّة 2 .

وروى الحمويني الشافعي في فرائد السمطين 3
عن جابر قال : كنّا عند النبي صلى الله عليه
وآله فأقبل عليّ عليه السلام فقال صلى
الله عليه وآله : قد أتاكم اخي ، ثم قال صلى
الله عليه وآله : والذي نفسي بيده إن هذا
وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة .

وروى الحاكم الحسكاني الحنفي في شواهد
التنزيل ثلاثة وعشرين حديثاً منها : ما
أخرجه باسناده إلى علي عليه السلام قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي
ألم تسمع قول الله تعالى : (إنّ الذين آمنوا
وعملوا الصالحات اؤلئك هم خير البريّة) هم
شيعتك وموعدي وموعدك الحوض يدعون غرّاً
محجّلين 4 .



1) نور الأبصار ، للشبلنجي : ص 87 الطبعة
الاخيرة دار المكتبة العلمية ، بيروت ـ
لبنان .

2) الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة
لابن الصباغ المالكي : ص 123 مطبعة العدل في
النجف ، منشورات الاعلمي ـ طهران .

3) فرائد السمطين للحمويني الشافعي : ص 156 ج
1 الطبعة الاولى ، مؤسسة المحمودي ، بيروت
ـ لبنان .

4) شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي : ج 2 ص 356
، 366 ، الحديث 1125 طبعة 1392 هـ منشورات مؤسسة
الاعلمي ، بيروت ـ لبنان .

( 14 )

وأخرج الدار قطني : يا أبا الحسن أما إنّك
وشيعتك في الجنّة 1 .

وفي غاية المرام عن المغازلي بسند عن أنس
بن مالك ، قال رسول الله صلى الله عليه
وآله : يدخل من أمّتي الجنّة سبعون ألفاً
لا حساب عليهم ، ثمّ التفت إلى عليّ عليه
السلام فقال : هم شيعتك وأنت إمامهم 2 .

ولا يخفى أنّ عدد سبعين يستعمل في لغة
العرب للمبالغة ويراد به الكثرة ، وقد ورد
في القرآن الكريم في آية الاستغفار
للمنافقين مضافاً إلى أنّ العدد لا مفهوم
له كما قررّ في علم الأصول .

وان شئت المزيد من الوقوف على الرّوايات
الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله
فراجع الكتب التاليه :

كفاية الطالب للكنجي الشافعي 3 .



1) احقاق الحق وإزهاق الباطل : ج 7 ص 309 عن
اسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور
الأبصار .

2) غاية المرام للبحراني : ص 328 الطبعة
القديمة ، باب 28 العقد الثاني .

3) كفاية الطالب للكنجي الشافعي : ص 353
مطبعة الغري ، النجف الأشرف 1351 هـ .

( 15 )

المناقب للخوارزمي الحنفي 1 .

ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ
دمشق لابن عساكر 2 .

تفسير الطبري 3 .

تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي 4 .

فتح القدير للشوكاني 5 .

روح المعاني للآلوسي 6 .



1) المناقب للخوارزمي الحنفي ، تحقيق
الشيخ المحمودي : ص 266 ، مؤسسة النشر
الاسلامي ، قم ـ ايران .

2) ترجمة الامام علي بن أبي طالب لابن
عساكر : ج 2 ص 442 ح 958 تحقيق الشيخ محمد باقر
المحمودي ، الطبعة الثانية 1400 هـ مؤسسة
المحمودي للطباعة ، بيروت ـ لبنان .

3) تفسير الطبري لابي جعفر محمد بن جرير
الطبري : ج 12 ص 171 الطبعة الاولى ، دار
المعرفة ، بيروت ـ لبنان .

4) تذكرة الخواص لسبط ابن الحوزي الحنفي : ص
27 . مؤسسة أهل البيت عليهم السلام بيروت ـ
لبنان طبعة 1401 هـ .

5) فتح القدير لمحمّد بن علي بن محمّد
الشوكاني : ج 5 ص 477 دار المعرفة ، بيروت ـ
لبنان .

6) روح المعاني لآلوسي : ج 30 ص 207 ، دار احياء
التراث العربي ، بيروت ـ لبنان .

( 16 )

وغيرها من كتب السنّة .

وهنا ينبغي أن ننبّه على أمر مهمّ وهو أنّ
الرجوع إلى هذه المصادر لابدّ وان يكون
الى طبعاتها الاولى لا الأخيرة ؛ لأن
الأيدي الامينة استطالت وأخذت تعبث بحذف
الروايات الواردة في صالح الشّيعة في
طبعاتها الأخيرة وهذه معضلة لا ندري ماذا
نفعل بإزائها .

فإنّ البعض يعمد إلى الروايات التي يمكن
للشيعة أن يحتجّ بها على ما تذهب إليه
فيحذفها تحت شعارات التحقيق والضبط
والتنقيح خلافاً للامانة العلميّة
وخروجاً على الموازين الشرعية والآداب
والاخلاق الإسلاميّة ولا حول ولا قوّة
إلاّ بالله العليّ العظيم .

3 ـ لماذا مذهب أهل البيت ؟

بعد أن ذكرنا عدة روايات عن النبي صلى
الله عليه وآله في مدح الشّيعة وأنهم
الفائزون يوم القيامة وأحلنا على بعض
المصادر ، يتبيّن الوجه في ضرورة اتّباع
مذهب أهل البيت عليهم السلام وأنه المذهب
الحقّ الذي سار على منهجه الشّيعة عبر
التاريخ وتحمّلوا في سبيل ذلك أشدّ انواع
الأذى ؛ لأنّهم لم يعدلوا عن الحقّ ولم
يرضوا بغيره بدلاً

( 17 )

ونضيف هنا أن ما ذكرناه آنفاً : إنّ القرآن
الكريم هو الذي أمرنا بالإتّباع لأهل
البيت عليهم السلام وأوجب علينا محبّتهم
والسير على خطاهم وعرّفنا بمكانتهم ،
وايّد ذلك النبي صلى الله عليه وآله في
أقواله وأفعاله ، فمن القرآن الكريم آيات
عديدة ، ومنها قوله تعالى : (قل لا أسألكم
عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) 1 .

روى البخاري في صحيحه 2 ، وأحمد بن حنبل في
مسنده 3 ، والثعلبي في تفسيره 4 ، والحاكم
في مستدركه 5 ، والطبري في تفسيره 6 ،
والزمخشري في كشافه 7 ، وابن الأثير في



1) سورة الشورى ، الآية 23 .

2) صحيح البخاري : ج 5 ص 23 باب مناقب علي بن
أبي طالب ، دار إحياء التراث العربي وج 55 ص
171 باب غزوة خيبر .

3) احقاق الحق وازهاق الباطل : ج 3 ص 2 .

4) احقاق الحق وإزهاق الباطل : ج 3 ص 6 .

5) مستدرك الحاكم ، للحاكم النيسابوري : ج 3
ص 172 ط ، الاولى مطبعة مجلس دائرة المعارف
النظامية حيدر آباد الهند سنة الطبع 1341 هـ
.

6) جامع البيان في تفسير القرآن لمحمد بن
جرير الطبري : ج 24 ص 15 وص 16 دار المعرفة ،
بيروت ـ لبنان .

7) تفسير الكشاف : ج 3 ص 466 و 467 دار المعرفة ،
بيروت ـ لبنان .

( 18 )

جامعه ، 1 وابن الصبّاغ في فصوله ، 2
والسيوطي في درره 3 ، والقندوزي في ينابيعه
4 ، وغيرهم بأسنادهم لما نزلت ( قل لا أسألكم
عليه أجراً إلاّ المودة في القربى ) قالوا :
يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا
مودّتهم ، قال : علي وفاطمة وابناهما .

ولا يخفى أنّ وجوب المودّة يستلزم وجوب
الطّاعة .

ومنها : قوله تعالى : (فقل تعالوا ندع
أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل ... ) 5 .

وهذه الآية معروفة بآية المباهلة ، وقد
أجمع المفسّرون على أنّ الأبناء إشارة إلى
الحسن والحسين عليهما السلام والنّساء
إشارة إلى



1) جامع الاصول في احاديث الرسول صلى الله
عليه وآله لمبارك بن محمد (ابن الاثير
الجزري) ج 9 ص 155 ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان
.

2) الفصول المهمة ، لعلي بن محمد بن أحمد
المغربي المالكي : ص 161 ، منشورات الاعلمي
طهران .

3) الدّر المنثور لجلال الدين السيوطي : ج 6
ص 6 و7 منشورات محمد امين ، بيروت ـ لبنان .

4) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ج 1 ص 105
و ج 2 ص 19 ، الطبعة الاولى ، استانبول .

5) سورة آل عمران ، الآية 61 .

( 19 )

فاطمة عليها السلام والأنفس إشارة إلى
عليّ عليه السلام فجعل الله تعالى نفس علي
نفس محمد صلى الله عليه وآله وهذه الآية من
أقوى الأدلّة على علوّ مرتبة الامام علي
عليه السلام ، وأنه التالي لرسول الله في
الفضائل والمناقب والكمالات .

روى مسلم في صحيحه 1 ، وأحمد بن حنبل في
مسنده 2 ، والطبري في تفسيره 3 ، والحاكم في
مستدركه 4 ، والثعلبي في تفسيره 5 ، وأبو
نعيم الاصبهاني في دلائله 6 ، والواحدي في



1) صحيح مسلم : ج 7 ص 121 الطبعة المصرية .

2) مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ص 185 ، دار صادر ـ
بيروت .

3) جامع البيان في تفسير القرآن : ج 3 ص 192 ،
الطبعة الميمنية بمصر .

4) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 150 ، كتاب معرفة
الصحابة ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان .

5) أحقاق الحق وازهاق الباطل : ج 3 ص 49 ،
النجف الأشرف ، منشورات الاعلمي ، طهران .

6) دلائل النبوة لابي نعيم الاصبهاني : ج 2 ص
455 ـ 458 ط / الاولى ، مكتبة العربية ، بيروت ـ
لبنان .

( 20 )

أسبابه 1 ، والبغوي في معالمه 2 ،
والزمخشري في كشّافه 3 ، والفخر الرازي في
تفسيره 4 ، والذهبي في تلخيصه 5 ، وابن
الجوزي في تذكرته 6 ، وغيرهم كثير بأسنادهم
ـ واللفظ للأول ـ قال : أمر معاوية بن أبي
سفيان سعداً ، فقال : ما منعك أن تسبّ أبا
التراب فقال : امّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ
له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبّه
لأن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم ،
إلى أن قال : ولما نزلت هذه الآية : فقل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم .. دعا رسول
الله صلى الله عليه وآله عليّاً وفاطمة
وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي .



1) اسباب النزول لابي الحسن علي بن أحمد
الواحدي النيسابوري : ص 59 وص 68 دار الكتب
العلمية ، بيروت ـ لبنان .

2) معالم التنزيل في تفسير القرآن
والتأويل لابي محمد الحسين البغوي : ج 7 ص 480
، دار الفكر للطباعة .

3) تفسير الكشاف للزمخشري الخوارزمي : ج 1 ص
434 ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان .

4) التفسير الكبير للفخر الرازي : ج 7 ص 85 ط /
الثالثة .

5) تلخيص المستدرك لمحمد بن أحمد الذهبي : ج
3 ص 150 ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان .

6) تذكرة الخواص للعلامة السبط ابن الجوزي
، الباب الثاني في ذكر فضائل علي ابن ابي
طالب : ص 24 ، مؤسسة اهل البيت ، بيروت ـ
لبنان ..

( 21 )

وذكر المفسّرون الآية نزلت في مباهلة
النبي صلى الله عليه وآله لنصارى نجران .

ومنها : قوله تعالى : (وأنذر عشيرتك
الأقربين) 1 .

ومنها : قوله تعالى : (يا أيها الرسول بلّغ
ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلّغت
رسالته والله يعصمك من الناس ) 2 .

وقوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم
وأتتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
ديناً) 3 .

وقوله تعالى : (إنّما وليّكم الله ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون) 4 .

وقوله تعالى : (إنّما يريد الله ليذهب عنكم
الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) 5 .

وقوله تعالى : ( وقفوهم إنّهم مسئولون ) 6 .

وقوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه
ابتغاء مرضات



1) سورة الشعراء ، الآية 214 .

2) سورة المائدة ، الآية 67 .

3) سورة المائدة ، الآية 3 .

4) سورة المائدة ، الآية 44 .

5) سورة الاحزاب ، الآية 33 .

6) سورة الصافات ، الآية 24 .

( 22 )

الله والله رؤوف بالعباد) 1 .

وقوله تعالى : (إنّما أنت منذر ولكلّ قوم
هاد) 2 .

وغيرها من الآيات ، وارجع الى ما ذكرنا من
المصادر في الآيتين الاوليين لتقف وتعرف
من المعنيّ بهذه الآيات وعلى ماذا تدلّ ؟

وأما ما ورد من احاديث النبي صلى الله
عليه وآله في شأن أهل البيت عليهم السلام
فأكثر من أن يحصى ، وإليك طرفاً مما رواه
الحفّاظ في كتبهم .

1 ـ " إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله
وعترتي أهل بيتي " 3 .

2 ـ " مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من
ركب فيها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى " 4 .

3 ـ " أنت منّي بمنزلة هارون من موسى الاّ
أنّه لا نبي بعدي " 5 .



1) سورة البقرة ، الآية 207 .

2) سورة الرعد ، الآية 7 .

3) راجع صحيح الترمذي : ج 5 ص 328 ، ط / بيروت .

4) أخرجه الحاكم في مستدركه : ج 3 ص 163 .

5) صحيح مسلم : ج 7 ص 120 ، مطبعة محمد بن علي
صبحي بمصر .

( 23 )

4 ـ " علي مع الحقّ والحقّ مع علي ولن
يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة "
1 .

5 ـ " علي مع القرآن والقرآن مع علي لن
يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض " 2 .

6 ـ " أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن
اراد البيت فليأت الباب " 3 .

7 ـ " من سرّه ان يحيى حياتي ويموت مماتي
ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوال عليّاً
من بعدي وليوال وليّه وليقتد بالأئمة من
بعدي ، فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي رزقوا
فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من
أمّتي القاطعين فيهم صلتي ،



1) راجع ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ج
1 ص 53 طبعة استانبول ، نشر (مؤسسة الاعلمي)
بيروت ـ لبنان .

2) كنز العمال في سنن الاقوال والافعال
لعلاء الدين الهندي : ج 11 ص 653 ، الحديث 32912
عن ام سلمة ، مؤسسة الرسالة بيروت ـ لبنان
الطبعة الخامسة وراجع ينابيع المودة
للقندوزي الحنفي : ج 1 ص 270 باب 20 دار الاسوة
للطباعة والنشر .

3) شواهد التنزيل : ج 1 ص 81 و 82 ح 118 و 121
والصواعق المحرقة : ص 37 .

( 24 )

لا أنالهم الله شفاعتي " 1 .

8 ـ " من أحبّ ان يركب سفينة النجاة ويستمسك
بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين
فليوال علياً وليعاد عدوّه وليأتمّ
بالائمة الهداة من ولده فإنّهم خلفائي
وأوصيائي وحجج الله على خلقه من بعدي
وسادات أمّتي وقوّاد الأتقياء إلى الجنّة
حزبهم حزبي وحزبي حزب الله وحزب أعدائهم
حزب الشيطان " 2 .

9 ـ " يا امّ سلمة علي منّي وأنا من علي لحمه
من لحمي ودمه من دمي " 3 .

10 ـ " من كنت مولاه فعلي مولاه " 4 .

11 ـ " أعلم أمّتي علي بن ابي طالب " 5 .

12 ـ " اقضى امّتي علي " 6 .

13 ـ " انت أخي ووصيي وقاضي ديني وخليفتي من



1) الاصابة : ج 1 ص 559 .

2) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ج 2 ص 83
ط / استانبول .

3) فرائد السمطين لعلي بن محمد الجويني : ج 1
ص 150 ب 29 ، مؤسسة المحمودي ، بيروت ـ لبنان .

4) المناقب للخوارزمي : ص 222 ، مكتبة نينوى .

5) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ج 1 ص 216
، دار الاسوة .

6) المصدر السابق : ص 83 الطبعة الاولى ، ط /
استانبول .

( 25 )

بعدي " 1 .

14 ـ " علي إمام البررة وقاتل الفجرة منصورٌ
من نصره مخذولٌ من خذله " 2 .

15 ـ " علي مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ
أنّه لا نبي بعدي " 3 .

16 ـ " علي أخي في الدنيا والآخرة " 4 .

17 ـ " عليّ باب حطّة ، من دخل منه كان
مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً " 5 .

18 ـ " علي عيبة علمي " 6 .

19 ـ " عليّ منّي ، وأنا من عليّ ، ولا يؤدّي
عنّي إلاّ أنا أو



1) المناقب للشافعي ابن المغازي : ص 261 .

2) كنز العمال في سنن الاقوال والافعال
لعلاء الدين الهندي : ج 11 ص 602 ح 32909 ط /
الخامسة مؤسسة الرسالة ، بيروت ـ لبنان .

3) الجامع الصغير : ج 2 الحديث 5597 ص 177 الطبعة
الاولى .

4) الجامع الصغير : ج 2 ص 176 الحديث 5589 الطبعة
الاولى 1410 هـ ـ 1981 م .

5) نفس المصدر ، الحديث 5592 ص / 177 .

6) نفس المصدر ، الحديث 5593 ص 177 .

علي " 1 .

20 ـ " عليّ منّي بمنزلة رأسي من بدني " 2 .

21 ـ " علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه " 3 .

22 ـ " علي يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب
المنافقين " 4 .

23 ـ " علي يقضي ديني " 5 .

24 ـ " من آذى عليّاً فقد آذاني " 6 .

25 ـ " من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض
علياً فقد ابغضني " 7 .

26 ـ " من كنت وليه فعلي وليه " 8 .

27 ـ " لولاك يا علي ما عرف المؤمنون من بعدي
" 9 .



1) نفس المصدر ، الحديث 5595 ص 177 .

2) نفس المصدر ، الحديث 5596 ص 117 .

3) نفس المصدر ، الحديث 5598 ص 177 .

4) نفس المصدر ، الحديث 5600 ص 178 .

5) نفس المصدر ، الحديث 5601 ص / 178 .

6) نفس المصدر ، الحديث 8266 ص 547 .

7) نفس المصدر ، الحديث 8319 ص 554 .

8) الجامع الصغير : ج 2 ص 642 الحديث 9001 .

9) كنز العمال : ج 13 ص 152 ، الحديث 36477 مؤسسة
الرسالة .

( 27 )

28 ـ " إنه لا ينبغي أن أذهب الا وأنت خليفتي
" 1 .

29 ـ " عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي
طالب " 2 .

30 ـ " النظر إلى وجه علي عبادة " 3 .

31 ـ " حبّ علي يأكل الذنوب كما تأكل النّار
الحطب " 4 .

32 ـ " الحق مع ذا ، الحق مع ذا ـ يعني علياً "
5 .

33 ـ " عادى الله من عادى عليّاً " 6 .

34 ـ " سيكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك
فالزموا علي بن ابي طالب فإنّه الفاروق
بين الحق والباطل " 7 .

وارجع إلى ما ذكرنا من المصادر لتجد هذه
الروايات وغيرها رويت عن النبي صلى الله
عليه وآله وإنّما ذكرنا نماذج بسيطة والاّ
فالمروي أضعاف ما ذكرنا والاستقصاء يدعونا
لخروج عن خطّة الكتاب ،



1) نفس المصدر : ج 11 ، الحديث 32931 ص 606 .

2) نفس المصدر ، الحديث 32900 ص 601 .

3) نفس المصدر ، الحديث 32895 ص 601 .

4) نفس المصدر ، الحديث 33021 ص 621 .

5) نفس المصدر ، الحديث 33018 ص 621 .

6) نفس المصدر ، الحديث 32899 ص 601 .

7) نفس المصدر ، الحديث 32964 ص 612 .

( 28 )

ونكتفي بهذا القدر ( لمن ألقى السمع وهو
شهيد ) .

وإذا كان علماء السنّة وحفّاظهم قد رووا
هذه الرّوايات ودوّنوها في كتبهم ونقلوها
عن ثقاتهم ، فهل يلام الشيعة على الاخذ بها
واتّباعها والإلتزام بمضامينها ؟ !

وهل في اتّباع عترة أهل البيت عليهم
السلام وهم عترة النبي صلى الله عليه وآله
الذين امرنا الله في كتابه العظيم
بمحبّتهم والسير على خطاهم وحثنا النبي
على التمسّك بهم وهل في ذلك عيب ؟!

هل في ذلك انحراف عن الخطّ المستقيم الذي
رسمه الله تعالى وبيّنه النبي صلى الله
عليه وآله ؟!

أليس من واجب كل المسلمين ان يسيروا على
هذا المسلك وينهجوا هذا المنهج ؟

أليس القرآن يقول : (ما آتاكم الرسول فخذوه
وما نهاكم عنه فانتهوا) 1 ؟

اليس القرآن يقول : (لقد كان لكم في رسول
الله اسوة حسنة) 2 ؟

فنحن الشيعة على منهاج رسول الله نأتمر
بأمره وننتهي بنهيه



1) سورة الحشر ، الآية 8 .

2) سورة السجدة ، الآية 21 .

( 29 )

لا نحيد عن ذلك وعلى ذلك عقيدتنا فإنّها
مستمدّة من هدي القرآن الكريم وامتثال
لأوامر نبيّه العظيم صلى الله عليه وآله .

فليتق الله من يرمينا بالكفر والإنحراف
فلسنا الاّ تابعين للقرآن وللنبي صلى الله
عليه وآله ولأهل بيته عليهم السلام حيث
قامت الادلّة والبراهين على ما نحن عليه .

4 ـ عقيدة الشيعة الإمامية

ونذكر هنا مجمل معتقدات الشيّعة دون
الدخول في تفاصيلها ، فإن لذلك مجالاً آخر
فنقول :

تعتقد الشّيعة الإمامية الإثنا عشرية
بأنّ الله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفواً أحد ، لا شريك له في
العبوديّة ، متّصف بصفات الجمال والإكرام
من العلم والقدرة والإختيار والحياة
والارادة والكراهة وإلادراك والقدم
والأزليّة والبقاء والسرمديّة والتكلّم
والصّدق ، منزّه عن الكذب والإفتراء ،
متعال عن الإتّصاف بنقائص الأشياء ،
ومتّصف بصفات الجلال وهي نفي التركيب عنه
ونفي الجسميّة والعرضية وكونه محلاً
للحوادث ، ونفي الرؤية عنه ، ونفي الشّريك
، ونفي المعاني والأحوال ونفي الإحتياج ،
وكلّ ذلك مبرهن عليه بالأدلّة العقليّة

( 30 )

في كتب الشّيعة الكلاميّة .

وتعتقد الشيعة أنّه تعالى عدل لا يجور في
قضائه ، ولا يتجاوز في حكمه ، يثيب
المطيعين وينتقم بمقدار الذنب من العاصين
، ويكلّف الخلق بمقدورهم ، ويعاقبهم على
تقصيرهم دون قصورهم ، ولا يأمر عباده إلاّ
بما فيه صلاحهم ، ولا يكلّفهم إلاّ بما فيه
فوزهم ونجاحهم ، الخير منشأه منه ، والشرّ
صادر عنهم لا عنه ، وهو تعالى غنيّ عن
الظلم منزّه عن فعل القبيح ، وقد أمر
بالعدل والإحسان وذمّ الظلم ولعن
الظّالمين وقامت على ذلك الآيات
والبراهين 1 .

وتعتقد الشيعة أنّ الله لطيف بعباده ،
وأنّ من لطفه بهم أن فتح لهم باب التوبة ،
ونهاهم عن القنوط من رحمته ، وقال : (قلّ يا
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا
من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً)
2 وقال تبارك وتعالى : (إنّ الله لا يغفر أن
يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) 3 ومع
ذلك فقد حذّر من المعصية وتوعّد بالعقاب
كلّ من يخالف أوامره ونواهيه ، وهنا أبحاث
كثيرة ومطالب مهمّة لا يسعنا عرضها
بالتفصيل ،



1) العقائد الجعفرية : ص 17 بتصرف .

2) سورة الزمر ، الآية 53 .

3) سورة النساء ، الآية 48 .

( 31 )

فليرجع إليها في كتب الشيعة الكلاميّة .

وتعتقد الشيعة أنّ النبوة وإرسال
الأنبياء لطف من ألطاف الله بعباده ،
ومهمّة هؤلاء الأنبياء إخراج الناس من
الظّلمات إلى النور ، وتعريفهم الحلال
والحرام ، وإرشادهم إلى طاعة الله
وكيفيّتها ، وتحذيرهم من معصية الله
وعاقبتها .

وتعتقد الشيعة بجميع الأنبياء والرّسل
الذين بعثهم الله إلى الامم ، وانّ آخرهم
وخاتمهم هو النبي محمّد بن عبد الله صلى
الله عليه وآله خاتم الأنبياء والمرسلين
ولا نبيّ بعده ، وأنّه صلى الله عليه وآله
بلّغ الرسالة كاملة عن الله تعالى ، وأنّه
صلى الله عليه وآله جاء بالقرآن معجزته
الخالدة الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه
ولا من خلفه ، وأنّ النبي وهو أفضل البشر
على الإطلاق في صفاته ومناقبه وجميع
الكمالات وكان المثل الأعلى للبشريّة
جمعاء ، وأنّه معصوم عن الخطأ والسهو
والنسيان في جميع أحواله قبل البعثة
وبعدها حال التبليغ أو في سائر أحواله بلا
فرق بينها ، وله من الخصائص في نفسه وبدنه
وعبادته وجميع شؤنه ما لا يشاركه فيها أحد
من الناس .

وتعتقد الشيعة بالإمامة وأنّها في أهل
البيت بنصّ القرآن الكريم وأحاديث النبي
صلى الله عليه وآله وأنّ الإمامة امتداد
لمسيرة النبوّة وأنّها من الله لا من
الناس ، فكما أنّ النبي لا يمكن تعيينه
واختياره من

( 32 )

قبل الناس فكذلك القائم مقام النبي صلى
الله عليه وآله وهو الإمام لا يمكن أن
يعيّنه البشر ، بل التعيين يكون من النبي
بأمر من الله تعالى وأن الإمام القائم
مقام النبي يشترط فيه العصمة من الخطأ
والسهو والنسيان في جميع الأحوال ، وأنّ
الائمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله هم
اثنا عشر إماماً نصّ النبي على إمامتهم
وسمّاهم بأسمائهم ، وأنّ الأوّل هو أمير
المؤمنين علي بن ابي طاب عليه السلام ثم
الحسن ، ثمّ الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم
محمد بن علي الباقر ، ثمّ جعفر ابن محمد
الصادق ، ثمّ موسى بن جعفر الكاظم ، ثمّ
علي بن موسى الرضا ، ثمّ محمد بن علي
الجواد ، ثمّ علي بن محمد الهادي ، ثمّ
الحسن بن علي العسكري ، ثمّ القائم المهدي
المنتظر ، وهو حيّ موجود إلاّ أنّه غائب عن
الأنظار وسيظهر عندما يأذن الله له في
الخروج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما
ملئت ظلماً وجوراً .

بذلك وردت النصوص عن النبي صلى الله عليه
وآله ورواها الثقات والحفّاظ .

ومسألة الإمامة هي نقطة الخلاف والإختلاف
بين الشّيعة والسنّة ، فالشيعة تذهب إلى
أنّ الإمامة بالتّعيين من الله على يد

( 33 )

النبي وليس للبشر حقّ الإختيار .

وأمّا السنّة ، فقالوا : إنّ الإمامة
بالرأي والاختيار .

وقد أقام الشيعة الادلّة العقليّة
والنقليّة على أنّ الإمامة لا يمكن ان
تكون بالرأي والاختيار ، وساقهم البرهان
إلى الاعتقاد بما هم عليه واستدلّوا
بروايات وردت في صحاح كتب السنّة كصحيح
البخاري 1 وصحيح مسلم 2 ومسند أحمد 3 وغيرها
من كتب الحديث ، مضافاً إلى البراهين
العقليّة التي أقاموها على ذلك .

ويمكن القول إنّ أساس الاختلاف بين
السنّة والشيعة يرجع إلى مسألة الخلافة
والإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله
وعلى هذه المسألة يدور النزاع والصراع
الفكري بين الطرفين . وامّا بقيّة المسائل
كالفقهيّة والأصوليّة والكلاميّة ، فهي
وأن كانت موارد للخلاف ، والخلاف فيها قد
يصل الى حدّ التباين ، الاّ أنّ الأساس في
ذلك مسألة الإمامة وما يتفرّع عليها .

وتعتقد الشيعة بالمعاد يوم القيامة ،
وانّ المعاد جسماني



1) صحيح البخاري بحاشية السندي لأبي عبد
الله محمد بن اسماعيل : ج 3 ص 86 ، دار
المعرفة ، بيروت ـ لبنان .

2) صحيح مسلم بشرح النوري : ج 8 ص 174 و 175 و 176 و
177 .

3) مسند أحمد بن حنبل : ج 1 ص 174 و 175 و 177 .

( 34 )

ويوقف الناس في المحشر ويجمعهم الله
ليحاسبهم على أعمالهم ، فيثاب أناس ويعاقب
آخرون ، وأنّ هناك جنّة ونار وميزان وصراط
وأنّ النبي صلى الله عليه وآله يوم
القيامة يشفع لبعض العصاة من أمته ويشفّعه
الله في ذلك . كما أن الأئمة عليهم السلام
كذلك أيضاً فإنهم يشفعون ويشفّعون .

هذه هي أصول الاعتقاد عند الشيعة على
الإجمال وما عداها من سائر المعتقدات يرجع
إليها .

ونكتفي بعرض هذا القدر للتعريف الإجمالي
بعقيدة الشيعة . وأمّا تفاصيلها والأدلّة
عليها ، فقد ذكرت في كتبهم الكلاميّة
فليرجع الباحث الى كتبهم ويقف بنفسه على
أقوالهم وأدلّتهم ولا يعتمد على كتب
خصومهم أو السماع من أعدائهم ، ثم يحكم
عليهم بالزيغ والضلال من دون بيّنة وبرهان
.

(قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا
ومن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من
المشركين) 1 .

والحمد لله رب العالمين وصلّى الله على
محمد وآله الطاهرين .

محمد علي المعلم



1) سورة يوسف ، الآية 108 .

( 35 )

مع الكاتب حول المذهب الشيعي

كلّ ما ذكرناه ممّا تقدّم كان مقدّمة
تمهيدية للدخول في الردّ على هذه المقالة
التي ملئت فحشاً وسباباً ورمياً بالتكفير
لفئة آمنت بالله وأسلمت أمرها إلى الله
تعالى ودلّها البرهان وساندها القرآن على
ما تعتقد ، ولندع ما ذكره في مقدمة المقالة
لانّه ذكر فهرساً لما سيذكره بعد ذلك ونبدأ
معه من قوله : ما هو المذهب الشيعي ؟

ونقول : ذكرنا في مقدّمة هذا الكتاب
التعريف الاجمالي بالشيعة من حيث المبدأ
والمعتقد ، وأنّه أسبق المذاهب الاسلامية
وجوداً ، وأنّ واضع بذرته وغارس شجرته هو
نبيّ الاسلام صلى الله عليه وآله .

ثمّ افتتح حديثه برواية نقلها وهي : قال
النبي صلى الله عليه وآله : إذا ظهرت البدع
في امتي فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل
فعليه لعنة الله .

ونقول : إنّ الاستشهاد بالرّواية في غير
محلّه ؛ لأنّ البدعة

( 36 )

كما جاء في تعريفها : البدعة 1 بالكسر
فالسكون الحدث في الدين وما ليس له أصل في
كتاب ولا سنّة ، وإنّما سمّيت بدعة لأنّ
قائلها ابتدعها هو نفسه .

فماذا يريد الكاتب ان كان يريد انّ مذهب
الشيعة بدعة ، فهذا غير صحيح ، لانّ علماء
السنّة رووا عن النبي صلى الله عليه وآله
أنّ الشيعة كانوا معروفين في زمان النبي
صلى الله عليه وآله ، وأنّ النبي مدح
الشيعة وأنّهم الفائزون يوم القيامة ،
ارجع الى مقدمة هذا الكتاب .

وان كان مراده شيئاً آخر فلم يبيّنه ،
فالإستشهاد بالرواية ليس صحيحاً .

قال الكاتب : يوجد في أوساط أكثر مسلمي أهل
السنة وهم الأكثرية السّاحقة حاجة ماسّة
إلى المعرفة عن هويّة الشيعة وحقيقتهم ...
الخ .

ونقول : لا مانع من التعرّف على هويّة
الشّيعة وحقيقة التشيّع ، ولكن لا يمكن
التعرّف عليهم من خلال ما يكتبه خصومهم
وأعداؤهم ، بل مقتضى العدل والإنصاف أن
تؤخذ الأشياء من مصادرها ونحيلك على بعض
الكتب بأقلام شيعية



1) البدعة بالكسر الحدث في الدين بعد
الإكمال او ما استحدث بعد النبي صلى الله
عليه وآله من الاهواء والاعمال ، راجع
القاموس المحيط للفيروز آبادي : ج 3 ص 7 .

( 37 )

ومن خلالها يمكنك التعرّف على هويّة
التشيع ، وإليك أسماء بعض الكتب مع ذكر
مؤلّفيها .

1 ـ الشافي في الامامة ، تأليف السيد
المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي .

2 ـ المراجعات ، تأليف السيّد عبد الحسين
شرف الدين .

3 ـ الغدير ، تأليف الشيخ عبد الحسين
الأميني .

5 ـ مناهج اليقين في اصول الدين ، تاليف
الحسن بن يوسف ابن مطهّر العلاّمة الحلّي .

6 ـ هوية التشيع ، تأليف الشيخ أحمد
الوائلي .

7 ـ عقائد الامامية ، تاليف الشيخ محمد رضا
المظفّر .

8 ـ دليل المتحيّرين في بيان الناجين ،
تأليف الشيخ علي آل محسن .

9 ـ العقائد الجعفريّة ، تأليف الشيخ جعفر
كاشف الغطاء .

10 ـ كشف الغمّة في معرفة الائمة ، تاليف
أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح
الأربلي .

11 ـ إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل ، تأليف
السيّد نور الله الحسيني المرعشي .

12 ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ،
تاليف الحسن بن

( 38 )

يوسف بن مطهّر الحلّي .

13 ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ،
تاليف رضي الدين علي بن موسى ابن طاووس .

14 ـ أوائل المقالات في المذاهب المختارات
، تاليف محمد بن محمد بن النعمان الملقّب
بالشيخ المفيد .

15 ـ تاريخ الشيعة ، تأليف الشيخ محمد حسين
المظفّر .

16 ـ مناقب آل أبي طالب ، تأليف أبي جعفر
محمد بن علي ابن شهر آشوب المازندراني .

17 ـ الثاقب في المناقب ، تاليف عماد الدين
ابي جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن
حمزة .

18 ـ الارشاد ، تأليف الشيخ المفيد .

19 ـ النكت الاعتقادية ، تأليف الشيخ
المفيد .

20 ـ الإفصاح في الإمامة ، تأليف الشيخ
المفيد .

21 ـ مسارّ الشيعة ، تأليف الشيخ المفيد .

22 ـ تفضيل أمير المؤمنين ، تأليف الشيخ
المفيد .

23 ـ الإمامة والتبصرة من الحيرة ، تأليف
ابي الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه
القمي .

24 ـ الفصول المهمة في تاليف الأمّة ،
تاليف السيد

( 39 )

عبد الحسين شرف الدين .

25 ـ إعلام المؤمنين في صفات المؤمنين ،
تاليف الحسن بن أبي الحسن الديلمي .

26 ـ كفاية الأثر في النص على الائمة
الاثني عشر ، تأليف أبي القاسم علي بن محمد
بن علي الخزاز .

27 ـ إعلام الورى بأعلام الهدى ، تأليف أبي
علي الفضل بن الحسن الطبرسي .

28 ـ الاقتصاد الهادي الى طريق الرشاد ،
تأليف ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي .

29 ـ النصب والنواصب ، تأليف الشيخ محسن
المعلم .

30 ـ الاربعون حديثاً في اثبات إمامة أمير
المؤمنين عليه السلام ، تأليف الشيخ
سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني .

31 ـ الألفين في إمامة أمير المؤمنين ،
تاليف الحسن بن يوسف بن مطهر الحلّي .

32 ـ الاربعون في إمامة الأئمة الطاهرين ،
تأليف محمد طاهر بن محمد حسين الشيرازي
النجفي القمي .

33 ـ التشيّع لماذا ؟ ، تأليف الشيخ محسن
المعلم .

34 ـ رسالة في الولاية ، تاليف السيد محمد
حسين الطباطبائي

( 40 )

وهذه الكتب كلها مطبوعة منتشرة في الآفاق
.

وهناك مؤلّفات أخرى أيضاً تكفلت ببيان
التشيّع وحقيقته وفي ما ذكرناه كفاية ،
وليس من الإنصاف أن يقول الكاتب : الشّيعة
الفرقة الباطلة ، وهو يجعل من هم الشيعة
وما هي حقيقتهم معتمداً في ذلك على ما كتبه
خصومهم (ما هكذا يا سعد تورد الإبل) 1 .

قال الكاتب : بدأت الشيعة كفرقة صغيرة
سياسيّة في عهد الخليفة الثالث عثمان بن
عفان .

ونقول : ليس الأمر كما ذكر هذا الكاتب إنّ
التشيع بدأ برعاية الرسول صلى الله عليه
وآله وقلنا إنّه غارس بذرته ، وأوردنا
جملة من الروايات رواها علماء السنّة في
تفسير قوله تعالى : (إنّ الذين آمنوا
وعملوا الصالحات اولئك هم خير البريّة)
وأحلنا على جملة أخرى من المصادر .

قال : وعند ظهور هذه الفرقة لم يكن لها
ارتباط بالدين ...

ونقول : إنّ ما ذكر هذا الكاتب محض افتراء
لا أساس له من الصحّة ، فإنّ أبرز صحابة
النبي صلى الله عليه وآله كانوا من الشيعة
فإنّ أبا ذر الغفاري وهو رابع الإسلام أو
سادسهم وسلمان الفارسي



1) مجمع الامثال : ج 2 ص 364 .

( 41 )

والمقداد وعمار وحذيفة بن اليمان وخزيمة
بن ثابت ذا الشهادتين وأبا أيوب الانصاري
وغيرهم كانوا من شيعة علي بن أبي طالب .

يقول محمّد كرد علي في كتابه خطط الشام ـ
وهو ليس من الشيعة ولا من أنصارهم ـ :

عرف جماعة من كبار الصحابة بموالاة علي في
عصر رسول الله صلى الله عليه وآله مثل
سلمان الفارسي القائل : بايعنا رسول الله
صلى الله عليه وآله على النصح للمسلمين
والائتمام بعلي بن أبي طالب والموالاة له
، ومثل أبي سعيد الخدري الذي يقول أمر
الناس بخمس فعملوا بأربع وتركوا واحدة .
ولمّا سئل عن الأربع قال : الصلاة والزكاة
وصوم شهر رمضان والحج ، قيل : فما الواحدة
التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب .
قيل له : وانّها لمفروضة معهنّ ؟ قال : نعم
هي مفروضة معهنّ ، ومثل أبي ذر الغفاري ،
وعمّار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وذي
الشهادتين خزيمة بن ثابت وأبي أيّوب
الانصاري ، وخالد بن سعيد بن العاص وقيس بن
سعد بن عبادة 1 .



1) تاريخ الشيعة : ص 9 . وقد ذكر المرحوم
السيد شرف الدين في كتابه الفصول المهمة
أسماء الشيعة من أصحاب الرسول صلى الله
عليه وآله ـ لا على سبيل الحصر ـ ورتبها
على حروف المعجم فبلغ عددهم أكثر من ماءتي
نفر . راجع الفصول المهمة في تأليف الامة :
ص 265 ـ 309 الطبعة المحققة .

( 42 )

هؤلاء وغيرهم كانوا من الشيعة في زمان
النبي صلى الله عليه وآله فكيف يقول هذا
الكاتب : إنّ هذه الفرقة لم يكن لها ارتباط
بالدين وإنّها ترفع بعض الشعارات
الدينيّة .

قال الكاتب : وهناك شخص يدعى عبد الله بن
سبأ يعتبر من قادة مؤامرة اغتيال عثمان .

ونقول : وهذه فرية اخرى روّجها أعداء
الشيعة ضدّ الشيعة .

إنّ عبد الله بن سبأ ممّن اختلفت آراء
الباحثين فيه ، فمنهم من قال بوجوده ونسب
اليه أحداثاً كثيرة وكبيرة ، ومنهم من قال
انّه من صنع الخيال ، وقد تنبّه إلى ذلك
الدكتور طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى ،
والدكتور علي الوردي في كتابه وعاظ
السلاطين وغيرهما ، وقد استنتج الدكتور طه
حسين أن قضيّة عبد الله بن سبأ وما نسب إليه
إنما نسجت للنيل من الشيعة والكيد لهم .

وسواء كان عبد الله بن سبأ حقيقة ثابتة أم
أنّه محض خيال ، فلا يعنينا من أمره شيء .

يقول محمد كرد علي في كتابه خطط الشام :
وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب من أن أصل
مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ
المعروف بابن السوداء ، فهو وهم وقلّة
معرفة بحقيقة مذهبهم

( 43 )

ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة
وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله وكلام
علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم علم
مبلغ هذا القول من الصواب ، لا ريب في أنّ
أوّل ظهور الشيعة كان في الحجاز بلد
المتشيع له وقال : وفي دمشق يرجع عهدهم الى
القرن الأول للهجرة 1 .

وقد قلنا آنفاً إنّ محمد كرد علي صاحب
الخطط ليس من الشيعة ولا من أنصارهم .

ثمّ إنّ حادثة مقتل الخليفة الثالث ممّا
حارت فيها أفهام علماء السنّة ، ولم
يستيطعوا أن يقدموا لها تفسيراً صحيحاً
ومقبولاً يمكن الاعتماد عليه ، والاّ فأين
الصحابة الأوّلون عن هذا الامر ؟

وكيف تركوا خليفة المسلمين بلا حماية
حتّى جاءه أناس فقتلوه ؟! ثمّ ما هي
الدوافع لقتل الخليفة بينهم ؟ ؟

والحقيقة كما تشهد بها كتب التاريخ أنّ
لبعض الصحابة والتابعين يدا في قتل
الخليفة أمثال طلحة ، والزبير ، وعائشة ،
وعمرو بن العاص وغيرهم ممّن يؤلّب النّاس
على قتل عثمان ، وارجع الى التاريخ لتقف
على حقيقة الحال .

ومن الجدير بالذّكر أنّ المؤرخين كما
نصّوا على أشتراك



1) تاريخ الشيعة : ص 10 .

( 44 )

بعض الصحابة والتابعين في قتل عثمان ،
كذلك نصّوا على براءة أمير المؤمنين عليه
السلام ، من دمه أو الإعانة عليه ، بل لم
يكن راضياً بقتله ، وكان عليه السلام يقوم
بدور الإصلاح والنصح ما استطاع الى ذلك
سبيلاً ، يقول ابن أبي الحديد : وأمير
المؤمنين عليه السلام أبرأ الناس من دمه ،
وقد صرّح بذلك في كثير من كلامه ، من ذلك
قوله عليه السلام : والله ما قتلت عثمان
ولا مالأت على قتله 1 .

وقد ذكر الطبري في تاريخه 2 تفاصيل مقتل
عثمان بأسبابها ودوافعها وكثيراً مما
يتعلق بها ، ونقلها ابن أبي الحديد في شرح
النهج 3 وأضاف إليها حوادث أخرى نقلها عن
غيره . فراجع .

قال الكاتب : فأبوه كان يهودياً بينما أتت
امّة إلى المدينة وحاولت الحصول على منصب
في الحكومة الإسلامية فلم تنجح .

ونقول : لا ندري على أيّ المصادر اعتمد هذا
الكاتب ؟ ومن أين جاء بهذه المقالة ؟ وماذا
كانت تريد أمّ عبد الله بن سبأ أن تصبح ؟
وأيّ منصب كانت تطمح إليه ؟ وهل كانت
النساء في تلك



1) شرح نهج البلاغة : ج 1 ص 200 ، دار إحياء
الكتب العربية .

2) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) : ج 4
ص 317 ـ 417 .

3) شرح نهج البلاغة : ج 2 ص 126 ـ 161 ، دار إحياء
الكتب العربية .

( 45 )

الفترة تتقلد المناصب حتّى تطمع هذه
المرأة في أن يكون لها منصب في الحكومة
الاسلامية ؟

انّ هذا الكاتب يتعمد الافتراء ،
وسنوافيك بكثير من أكاذيبه التي ألصقها
بالشيعة زوراً وبهتاناً .

قال الكاتب : فعلى هذا الأساس يكون مصدر
الشيعة وفروعها نابتاً من فرقة عبد الله
بن سبأ الذي هو المسؤول عن اغتيال خليفة
النبي صلى الله عليه وآله .

ونقول : إن الاساس الذي هو مصدر التشيّع هو
النبي صلى الله عليه وآله ولم يكن لعبد
الله بن سبأ ـ على فرض وجوده ـ شأن يذكر ،
والمسؤول عن اغتيال الخليفة هو الصحابة
أنفسهم وهذه الحقيقة تحتاج الى الشجاعة
والجرأة والإنصاف ومحاكمة الأشخاص على
ضوء ما حفظه لنا التاريخ ، والاّ فكيف
يتسنّى لعبد الله بن سبأ وهو ينحدر من أصل
يهودي ـ حسب هذا الزعم ـ ويدبر مقتل
الخليفة على مرأى من المسلمين ولم
يتحرّكوا من أجل حماية الخليفة أليس في
هذا طعنٌ على الصحابة من حيث لا يشعر هذا
الكاتب ؟ ؟

قال الكاتب : هذه الجماعة في حين تستّرهم
مؤيّدين للامام علي عليه السلام رافعين
راية أهل البيت عليهم السلام قد انحرفوا
عن طريق الصحابة وسنّة الرسول صلى الله
عليه وآله وعندما اغتالوا عثمان تشخّصوا

( 46 )

وتميّزوا بالشيعة .

ونقول : إنّ هذا الكاتب يتجاسر على
الصحابة وينسب لهم النفاق من حيث لا يشعر ،
وإلاّ فهؤلاء المتستّرون ـ على حسب زعمه ـ
هل هم من الصحابة أم لا ؟ فإن كانوا من
الصحابة فكيف لهذا الكاتب أن يقول عنهم
إنّهم انحرفوا وكانوا يتستّرون بالتأييد
للإمام علي وإن كانوا ليسوا من الصحابة
فكيف لصحابي وهو الامام علي ان يرضى أن
تتستّر الجماعة بتأييده ، ولماذا لم
يردعهم ويفضحهم ويعاقبهم ، ثمّ ليته ذكر
أسماء هؤلاء الذين تستّروا بالتأييد
للامام علي عليه السلام إن هذا الكاتب
يتجنّى على الصحابة في الوقت الذي يريد
الدفاع عنهم ، فتراه يتخبّط في القول ولا
يدري ماذا يقول .

قال الكاتب : ثمّ إنّ للفرقة الشيعيّة فرق
أخرى كثيرة لها اعتقاداتها ومبانيها لا
تتّفق مع الإيمام في شيء .

ونقول : إنّ كلام الكاتب مبهم وغير واضح ،
فإن حديثنا وكلامنا عن الشيعة الإماميّة
الاثنا عشريّة لا عن جميع فرق الشيعة ونحن
لا ننكر وجود فرق اخرى كالزيدية
والإسماعيليّة وغيرهما ولا يعنينا من أمر
هذه الفرق شيء ، لكننّا لا نقول إنّها
خارجة عن

( 47 )

الاسلام ، وعندنا ان كل من شهد الشهادتين
وأقام الفرائض فهو مسلم الاّ من استثني .

وأما قوله بعد ذلك : وحيث خرجت هذه الفرقة
عن هيكل الإسلام فإن ذلك يعني خروجها عن خط
أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله ...

فهذا القول منه تخبّط على غير هدى وذلك
لأنّ عنوان المسلم إنّما ينطبق على كلّ من
تشهد الشهادتين وأقام الفرائض ، وأما
الخروج عن خطّ اصحاب الرسول صلى الله عليه
وآله فليس مقياساً لمعرفة المسلم من غيره
، وذلك لأن التاريخ بيّن أن خط أصحاب
الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن خطّاً
واحداً بل كانت هناك خطوط متعدّدة فإنّ
الصحابة أنفسهم قد اختلفوا ووقعت الحروب
فيما بينهم ، وهذه حرب الجمل 1 وحرب صفين 2
وحرب النهروان 3 إنّما وقعت



1) حرب الجمل وهي الحرب التي دارت رحاها في
البصرة بين أمير المؤمنين علي عليه السلام
وبين طلحة والزبير وعائشة سنة 36 وإنّما
سميت بذلك لأن عاشئة كانت تركب جملاً وهي
تقود الجيش ضد علي عليه السلام .

2) حرب صفين بكسرتين وتشديد الفاء وهو موضع
بقرب الرقة على شاطئ الفرات من الجانب
الغربي بين الرقة وبالس وكانت واقعة صفين
بين علي عليه السلام ومعاوية في سنة 37 في
غرة صفر . راجع معجم البلدان .

3) حرب النهروان . والنهروان كورة واسعة
بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي راجع
معجم البلدان لشهاب الدين بن عبد الله
الحمويني الرومي البغدادي : ج 5 دار احياء
التراث العربي .

( 48 )

بين الصحابة أنفسهم فهل يستطيع هذا
الكاتب أن يحدّد خطّ الصحابة الذي يكون
مقياساً لمعرفة المسلم من غير المسلم ،
وأمّا ما توصّل اليه الكاتب من النتيجة
وهي قوله : إذن الشيعة هي إحدى الفرق
الكاذبة التي ضلت وافترقت وهي التي تحدث
عنها الرسول صلى الله عليه وآله أنّها في
النار ، فهي نتيجة باطلة ، وكأنّما هذا
الكاتب يرتب المقدمات ويستخرج النتائج
كما يحلو له من دون مراعاة دليل أو برهان
على صحّة مقدّماته ، وإلاّ فما معنى قوله
هي إحدى الفرق الكاذبة التي ضلّت وافترقت
؟ وما هو كذبها ؟ وفي أيّ شيء كذبت ؟ وكيف
صحّ له أن يطبق الحديث على هذه الفرقة وحكم
عليها أنّها في النار ؟! ثمّ من هم الذين
عناهم الرسول في الحديث بأنّهم أصحابه ؟
ونحن نعلم أن اصحابه قد اختلفوا ووقعت
الحروب فيما بينهم ، فمن هو المحقّ منهم
ومن هو المبطل ؟ فإنّ الحق واحد لا يكون في
طرفين في آن واحد .

إنّ هذا الكاتب يركّز على أمر الصحابة
واعتبارهم مقياساً في الحكم ، ولكن لا
ندري هل غاب عنه أنّ الصحابة بشر كسائر
الناس منهم المصيب ومنهم المخطئ ، والصحبة
للنبي صلى الله عليه وآله شرف عظيم ولكن لا
يعني هذا أنّهم معصومون من كلّ خطأ وشاهد
ذلك أنّ الاختلاف قد وقع بينهم حتّى شهر
بعضهم السيف في

( 49 )

وجه بعض . وهذه هي إحدى المشاكل الخلافية
القائمة ، فإنّ إعطاء الصحابة منزلة
العصمة تصطدم مع الواقع التاريخي الذي عاش
عليه المسلمون بعد رحيل النبي صلى الله
عليه وآله الى الرفيق الأعلى .

إنّ الانصاف والعدل يقضيان بعرض أعمال
الناس صحابة أو غيرهم على المقاييس
الشرعية فما كان منها موافقاً لموازين
الدين والشرع حكم بصحّته وما كان مخالفاً
للموازين حكم بخطأه ، سواء صدر ذلك من
صحابي أو غيره ، وبذلك يستطيع الكاتب
وأمثاله أن يتخلّص من هذه العقدة التي
يعاني منها .

الإختلاف بين الشيعة والسنّة

قال الكاتب : ليس هناك اختلاف بسيط بين
مسلمي السنّة وبين الشيعة كما يحاول أن
يدعي ذلك أنصار ايران .

ونقول : إنّ الاختلاف بين الفريقين يرجع
الى مسالة الخلافة بعد الرسول صلى الله
عليه وآله فإنّ مذهب السنّة يقول إنّ
الخلافة هي بالانتخاب والاختيار من الناس
، وامّا الشيعة فيقولون إنّ الخلافة منصب
إلهي لا يد للبشر فيه ، فإنّ أهميّة
الإمامة بعد النبي وكونها الامتداد
لمسيرته في تعليم الناس وبيان أحكام الله
للعباد تقتضي أن يكون الخليفة بعد النبي
صلى الله عليه وآله مجعولاً من قبل الله
فإنه تعالى العالم

( 50 )

بحقائق الناس وهو الخبير بمن يصلح لقيادة
الأمة ، وقد أقام الشيعة الأدلة العقليّة
والنقليّة من القرآن ومن أحاديث النبي صلى
الله عليه وآله واعتمدوا في مصادرهم على ما
رواه السنّة أنفسهم في صحاحهم وأشرنا الى
طرف من ذلك .

هذا هو سرّ الخلاف ومرجعه بين السنّة
والشيعة وما عداه من الخلافات فهي خلافات
طبيعيّة تابعة للمصادر التي استند اليها
كلّ من الفريقين في معرفة الأحكام
والعقائد .

الشيعة والمتعة

قال الكاتب : ليس الاختلاف يكمن فقط في
مسألة كون الزنا مشروعاً في الإسلام والذي
يسمى عندهم (متعة) .

ونقول : إنّ هذا الكاتب لا يتقي الله في
تهمة المسلمين زوراً وبهتاناً ، والاّ ففي
أي كتاب من كتب الشيعة وجد هذا الكاتب
وغيره أن الشيعة تحلّل الزنا ، وهذه كتبهم
الفقهيّة الاستدلاليّة منتشرة في جميع
البلدان وكلّها قد اتّفقت كلمتهم على أنّ
الزنا محرّم بنصّ القرآن وانّه إحدى
الكبائر ، وقد بيّنوا ذلك في مختلف كتبم
الفقهيّة ، وأوضحوا كلّ ما يتعلّق بهذه
المسألة من الاحكام والآثار .

وأما ما ذكره من المتعة ، فالجواب عنه .

أولاً : أنّ المتعة ليست هي من الزنا .

وثانياً : إنّها زواج شرعيّ يشترط فيه
جميع الشرائط في النكاح ، وإنّما يختلف عن
النكاح المتعارف عليه أنّ فيه تحديد مقدار
المهر ومقدار المدّة ، ولهذا يسمى بالنكاح
المنقطع في مقابل النكاح الدائم ولا يفترق
النكاح المنقطع عن الدائم الا في هذين
الأمرين ، والا فما عداهما ممّا يشترط في
النكاح الدائم هو مشترط في النكاح المنقطع
.

وثالثاً : أنّ الشيعة لم تقل بحلّيّة
المتعة الاّ بعد قيام الدليل من الكتاب
والسنة ، واستدلوا من الكتاب بآية قرآنيّة
هي نصّ في دلالتها على حلّية المتعة ، وهي
قوله تعالى : (فما استمتعتم به منهنّ
فآتوهن أجورهن فريضة من الله) 1 .

راجع تفسير أبي حيّان 2 ، وتفسير الطبري 3 ،
وتفسير البغوي 4 ، وتفسير الزمخشري 5 ،
وتفسير القرطبي 6 ، وتفسير



1) سورة النساء ، الآية 24 .

2) تفسير أبي حيان : ج 3 ص 218 .

3) تفسير الطبري : ج 5 ص 9 ط / 2 بولاق مصر 1972 .

4) تفسير البغوي : ج 1 ص 414 ط / 2 دار المعرفة ـ
بيروت .

5) الكشاف للزمخشري : ج 1 ص 519 ، دار المعرفة
ـ بيروت .

6) جامع احكام القرآن للقرطبي : ج 5 ص 131 و 131
و 132 ، دار الكتب العربية ، القاهرة ـ مصر .

( 52 )

البيضاوي 1 ، وتفسير السيوطي 2 حول تفسير
هذه الآية .

واستدلّوا من السنّة بروايات كثيرة رواها
علماء السنة في كتبهم وإليك بعض هذه
الروايات : روى مسلم في صحيحه 3 وابن الأثير
في جامع الاصول 4 عن قيس ، قال : سمعت عبد
الله بن مسعود يقول : كنا نغزوا مع رسول
الله صلى الله عليه وآله ليس لنا نساء
فقلنا الاّ نستخصي فنهانا عن ذلك ، ثمّ
رخّص لنا ان نستمتع فكان أحدنا ينكح
المرأة بالثوب الى أجل ثم قرأ عبد الله :
(يا أيّها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما
أحلّ الله لكم ولا تعتدوا أنّ الله لا يحب
المعتدين) .

وروى البخاري 5 ومسلم في صحيحيهما 6 وابن
الأثير في جامع الاصول 7 عن سلمة بن الاكوع
وعن جابر قالا : خرج علينا



1) تفسير البيضاوي لناصر الدين الشيرازي
البيضاوي : ج 1 ص 336 ط / 1 مؤسسة الاعلمي ،
بيروت ـ لبنان .

2) الدر المنثور لجلال الدين السيوطي : ج 8 ص
140 .

3) صحيح مسلم : ج 4 ص 45 و 46 .

4) جامع الاصول : ج 2 ص 334 و 335 دار إحياء
الكتب العربية .

5) صحيح البخاري : ج 5 ص 158 .

6) صحيح مسلم : ج 4 ص 131 .

7) جامع الاصول : ج 11 ص 444 و 446 و 447 ، دار
الفكر ، بيروت ـ لبنان .

( 53 )

منادي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :
ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أذن لكم
أن تستمتعوا فاستمتعوا يعني متعة النساء 1 .

وروى مسلم في صحيحه 2 عن عطاء قال : قدم
جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله
فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ،
فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى
الله عليه وآله وأبي بكر وعمر وروى مسلم 3
ايضاً وذكره في جامع الاصول عن أبي الزبير
قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا
نستمتع بالقبضة من التمر والدّقيق ،
الأيّام على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله وابي بكر وعمر حتّى نهى عنه عمر في
شأن عمرو بن حريث .

وعن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر بن عبد
الله فأتاه آت فقال : ان ابن عباس وابن
الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر :
فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله
ثمّ نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما .

وهناك الكثير من الروايات في هذا المعنى
راجع صحيح



1) صحيح مسلم : ج 2 ص 1022 ح 1405 ، باب نكاح
المتعة ، دار احياء التراث العربي .

2) صحيح مسلم : ج 4 ص 131 .

3) صحيح مسلم : ج 2 ص 1023 باب نكاح المتعة ،
دار إحياء التراث .

( 54 )

مسلم 1 وصحيح الترمذي 2 وسنن البيهقي 3
وموطا 4 مالك وأحكام 5 القرآن وغيرها من كتب
السنة . وحكى الفخر الرازي في تفسير آية
المتعة عن محمّد بن جرير الطبري قال : قال
علي بن أبي طالب عليه السلام لولا أنّ عمر
نهى عن المتعة ما زنى الاّ شقيّ 6 .

ورابعاً : يظهر بعد ذلك أنّ المتعة حلال
وجائزة بنصّ القرآن والروايات عن النبي
صلى الله عليه وآله ، وقد فعلها كبار
الصحابة ، وإنّما كان النهي صدر من عمر في
زمان خلافته ولا يرتاب المسلم أنّ قول
القرآن والنبي مقدّم على قول عمر .

فكيف لهذا الكاتب يدعي ويفتري أن الشيعة
تبيح الزنا ؟ الم يعلم أن الزنا شيء وان
المتعة شيء آخر ؟

قال الكاتب : بل هناك اختلافات جوهريّة
كثيرة جداً بين



1) صحيح البخاري : ج 3 ص 246 ، دار المعرفة ،
بيروت ـ لبنان .

2) صحيح الترمذي : ج 2 ص 185 ، الحديث 824 ، باب
ما جاء في التمتع .

3) سنن البيهقي : ج 5 ص 21 وج 7 ص 206 .

4) موطأ ابن مالك : ج 2 ص 30 .

5) احكام القرآن للجصّاص : ج 1 ص 342 و 343 و 344 و
345 : ج 2 ص 178 و 179 .

6) التفسير الكبير للفخر الرازي : ج 10 ص 51 ط /
1 المطبعة البهية المصرية 1938 م .

( 55 )

السنة والشيعة في الإيمان تؤدي الى الكفر
الصريح .

ونقول : انّ الذي يؤدّي الى الكفر الصريح
قد بيّن في محلّه من كتب الفقه والإعتقاد ،
ومنها انكار وجود الله تعالى أو تكذيب
النبي صلى الله عليه وآله او الاستهانة
بالمقّدسات الدينيّة أو إنكار ما ثبت أنّه
من الدين كانكار الصلاة مثلاً ونحو ذلك من
الأمور مع ضرورة الالتفات الى عدم وجود
الشبهة في ذهن المنكر ، والشيعة مؤمنة
بوجود الله معتقدة بوحدانيّته تعالى
مصدقة بالأنبياء وبما جاؤا به من عند الله
محترمة لجميع المقدسات ، تؤدي الصلاة
المفروضة في أوقاتها محافظة على جميع
الواجبات الشرعية مستندة في ما تعتقد
وتعمل إلى الأدلة والبراهين ، محتجّة على
خصومها ، فأين الكفر من ذلك ؟ وقد قلنا إذا
كان هناك اختلاف أساسي فهو يرجع الى مسألة
الإمامة والخلافة وما يترتّب عليها من
آثار . ثمّ إنّ رمي أحد من الناس بالكفر
والخروج عن الدين ليس بالأمر اليسير ،
فكيف ساغ لهذا الكاتب أن يتّهم غيره ممّن
يخالفه في النظرة والفكرة بأنّه كافر الاّ
يتّقي هذا الكاتب ربّه في ما يقول ؟

قال الكاتب : الاختلافات بوسعها وعريضها
موجودة بين كافّة أهل الحق ..

ونقول : انّ اختلاف الرأي والنظر بين بني
البشر من الأمور الطبيعية والسنن
الكونيّة فإنّ لكلّ شخص ذوقاً ونظراً قد
يتّفق مع

( 56 )

الآخرين وقد يخالفهم ، وهذا لا إشكال فيه
فإذن لماذا لا يحترم هذا الكاتب غيره
ويقدر لهم آراءهم ، ولماذا لا يحتمل في
نفسه الخطأ وهل هو معصوم ليكون هو المقياس
في الحكم على الناس بالكفر والخروج عن
الدين ؟

وأمّا ما ذكر بعد ذلك من أنّ الاختلافات
بين أهل المذاهب الأربعة اختلافات
هامشيّة ، فنقول في جوابه : إنّ هذا الكاتب
قليل الاطّلاع على مدى التباين والاختلاف
بين هذه المذاهب بحيث أنّ أهل كلّ مذهب
يكفّرون المذهب الآخر ، ونحيل الكاتب على
قراءة كتاب الامام الصادق والمذاهب
الأربعة ويقرأه ويرجع الى المصادر
السنّية التي اعتمد عليها المؤلّف ليتأكد
من صدق المؤلّف بأنّ الاختلاف بين المذاهب
وصل الى حدّ من البشاعة والاشمئزاز ممّا
تنفر منه الطباع السليمة ، إرجع الى هذا
الكاتب واقرأه وأبد بعد ذلك رأيك .

الشيعة والتقيّة

قال الكاتب : ولكن ليس كذلك عند الشيعة ،
بل الشيعة فرقة كاذبة ودينها يعتمد
علىالعداوة والبغض على رسول الله صلى الله
عليه وآله وهذه العداوة والبغض يصطلح
عندهم بالتقيّة في اعتقادهم .. الخ .

( 57 )

ونقول : لقد أوضحنا في بداية هذا الكتاب
بعض عقائد الشيعة بصورة اجماليّة ، ونلفت
النظر الى أنّ الكاتب لا يعرف عن عقائد
الشيعة شيئاً الاّ ما يسمعه من خصومها او
يقرأ في كتب أعدائها، ولو كان منصفاً لما
بادر الى التهجّم بلا مبرر وبدون برهان
ليست الشيعة ـ ونقصد الشيعة الامامية
الاثني عشرية ـ فرقة كاذبة ودينها يعتمد
على العداوة والبغض لرسول الله ، بل
الشيعة هي الفرقة التي آمنت بالله
وبالرسول وصدقت بما جاء به وطبقت التعاليم
الاسلامية وسارت على هدي القرآن والعترة
امتثالاً لأوامر الله تعالى واستجابة
لنداء الرسول صلى الله عليه وآله حيث قال :
إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
أهل بيتي ، وليس في مذهب الشيعة تجويز
الكذب فهم يعدّون الكذب من أكبر الكبائر
وقد نص القرآن على ذمّ الكذب والكاذبين ،
ورووا عن الرسول صلى الله عليه وآله وعن
أئمتهم عليهم السلام روايات كثيرة في هذا
المعنى مما لا يدع مجالاً لافتراء هذا
الكاتب على الشيعة بأنها فرقة كاذبة ، ولو
أنّه تناول ايّ كتاب من كتب الشيعة في هذا
المجال لعلم ذلك ، ونحن نعتقد أنّه يعلم
بذلك ولكن العصبية قد سيطرت عليه ودفعته
الى التجني وعدم الانصاف وأما ما ذكره من
أمر التقيّة ، فنقول في جوابه : ليست
التقيّة من بدع الشيعة كما يحلو لهذا
الكاتب أن يصفها بذلك ، وليست التقيّة
فكرة مذهبيّة كما يرغب

( 58 )

أن ينعتها بذلك بل التقية مبدأ قرآني نصّ
عليها في العديد من الآيات . وإذا كان
الشيعة يطبقون التقيّة فلأنهم يلتزمون
بتطبيق آيات القرآن وهل في هذا انحراف أو
خروج عن جادّة الحقّ .

لقد أشار القرآن الكريم إلى التقيّة ومدح
العاملين بها ، قال الله تعالى : ( الاّ من
أكره وقلبه مطمئنّ بالايمان) 1 (الاّ أن
تتّقوا منهم تقاة) 2 (وقال رجل من آل فرعون
يكتم إيمانه) 3 فهذه الآيات المباركة
وغيرها تدل صراحة على جواز التقية .

ثمّ إنّ التقية يلجأ اليها في حالة دفع
الضرر والخوف على الدين أو النفس أو العرض
أو المال ، وهذا أمر فطري طبيعي عند كلّ
انسان ، ولو أنّ هذا الكاتب واجهته بعض
الظروف القاسية التي تهدد حياته أو ماله
أو عرضه لما كان له مناص عن التقية فيما
ألّفوه من الكتب الفقهيّة ، ولكن هذا
الكاتب لا يكلف نفسه حتى بقراءة كتب مذهبه
فضلاً عن كتب غيرهم . والمهم انّ التقيّة
امر طبيعي لا يخالف الدين والعقل ، وليست
هي نفاقاً ، كما



1) سورة النحل ، الآية 106 .

2) سورة آل عمران ، الآية 28 .

3) سورة غافر ، الآية 28 .

( 59 )

يحاول خصوم الشيعة أن يثبتوا ذلك بل هي
حالة علاجيّة والغرض منها دفع الضرر
والخوف عن الدين والنفس والعرض والمال ،
ولها شرائط ومقررات ذكرها علماء الشيعة في
كتبهم الفقهية ، فليست التقية عندهم جائزة
في كلّ وقت وزمان ومكان وحال ، بل إنّ من
الحالات ما لا يجوز فيها التقيّة اصلاً ،
وقد ذكر ذلك مفصلاً في كتب الفقه الشيعية ،
وأما اقتران التقيّة بالشيعة فلأنّ الشيعة
في تاريخهم الطويل كانوا يعانون من
الويلات والأذى من خصومهم في محاولات
لمحوهم من الوجود ، ولا أقل من اسكات
أصواتهم عن قول الحق وقد قدّم الشيعة من
الضحايا في سبيل مبدئهم ما سطره التاريخ
واقرأ ما فعله معاوية بن أبي سفيان ومن جاء
من بعده من الامويين والعبّاسيّين في
الشيعة من القتل والسجن والتشريد لا لشيء
الاّ لأنّهم شيعة أهل البيت عليهم السلام
الأمر الذي دفع بالشيعة أن يعملوا
بالتقيّة حفاظاً على دينهم وأنفسهم
وأعراضهم .

وليس المقام مقام تفصيل والا لأسمعناك من
ذلك عجباً 1



1) راجع كتاب النصب والنواصب فقد استوعب في
دراسته لهذا الموضوع ما عاناه الشيعة ـ من
خصومهم ـ عبر تاريخهم المظلوم .

( 60 )

وقد كتب علماء الشيعة حول التقيّة بحوثاً
موسعة ومختصرة فقهية وغير فقهية ، فارجع
إليها إن شئت المزيد ونكتفي بهذا القدر من
الكلام حول التقيّة مشيرين الى أن التقية
ليست نبزاً ونقصاً بقدر ما هي مدحاً
وفضيلة ، وإذا كان من طعن أو نقاش حول
التقية فليوجّه نحو الاسباب التي دفعت
بالشيعة الى الالتزام بالتقيّة . وسيأتي
أيضاً بعض ما يرتبط بالتقيّة عند تعرض
الكاتب لذلك .

الشيعة والصحابة

قال الكاتب : توجد في الفرق الشيعيّة
اعتقادات متنوّعة باختلاف فرقها .

ونقول : قد أشرنا أكثر من مرّة الى أننا لا
يعنينا أمر سائر الفرق ، وينبغي أن يكون
حديث الكاتب محدّداً ولا يخلّط في اقواله
، فإنّ فرق الشيعة وإن كانت كثيرة ومتعددة
وهي كالفرق السنية فهي أيضاً كثيرة
ومتعدّدة ، والاختلاف فيما بينها كبير
جداً الاّ أنّ كلامنا في الشيعة الامامية
الاثني عشرية ولعل الكاتب متنبّه الى ذلك
، وإنما ذكر هذا تمهيداً لقوله الآتي حيث
قال :

ولكنها مع ذلك تلتقي وتتفق على نقطة واحدة
اساسية مشتركة لا تخرج عن صميمها جمعاء وهي
السبّ والشتم والحملة

( 61 )

الشرسة بتوجيه أصابع الاتهام إلى كلّ من
ابي بكر وعمر وعثمان ومعاوية والزبير
وطلحة وأبي هريرة ، فضلاً عن السيّدة
عائشة .

ونقول : انّ عقيدة الشيعة صريحة وواضحة
وقد تكلّفت ببيانها كتبهم الكلاميّة
ويستندون في ما يعتقدون إلى القرآن
والروايات والعقل ولا يحيدون عن ذلك ، ومن
أبرز معالم البحث عندهم استعراض الاحداث
والوقائع ومحاكمتها على ضوء القرآن
والروايات والعقل وتزن الامور والاشخاص
بموازين دقيقة وتقيمها بحسب مالها وما
عليها وليس من مبادئ الشيعة الاتّهام
والافتراء كما يحبّ هذا الكاتب أن ينسب
اليهم إن نظرة الشيعة الى الصحابة تنطلق
من هذا الاساس فالصحابة بشر كسائر الناس
منهم المؤمن قوي الايمان ، كسلمان وأبي ذر
والمقداد وعمار ، ومنهم ضعيف الايمان ،
ومنهم المنافق وقد تحدّث القرآن الكريم عن
ذلك وأشار الى وجود المنافقين (ومن أهل
المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن
نعلمهم) 1 بل نزلت في حقّهم سورة كاملة وقد
نهى الله تعالى نبيّه عن الصلاة عليهم
والاستغفار لهم وهذا أمر بين في آيات
القرآن الكريم ، وبناء على هذه النظرة
الصريحة فالشيعة لا تفترض في الصحابة
العصمة من كلّ سهو وخطأ ، بل



1) سورة براءة ، الآية 101 .

( 62 )

هم يخطّؤن كما يخطّئ الناس ويقع منهم
الاشتباه كما يقع من غيرهم الاّ ما ثبت
بالدليل انّه معصوم ، وذلك مختصّ بعترة
النبي صلى الله عليه وآله الذين قرنهم
بالقرآن في حديث الثقلين وأمر الامّة
باتّباعهم وشبّههم النبي صلى الله عليه
وآله بسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف
عنها غرق وهوى 1 ، وينبغي لهذا الكاتب
وامثاله ممن هو على شاكلته أن يتحلّى
بالشجاعة والفطنة ليتقبل هذه الحقيقة
ونؤكّد هذه الحقيقة بالاحالة على الوقوف
على تاريخ الصحابة ليتبيّن انّ الاختلاف
قد يقع بين الصحابة وقد يصل الى حدّ القتل
والقتال وقد أشرنا فيما تقدم الى بعض ذلك ،
وبناء على هذا يتّضح موقفنا ممّن ذكر من
أسماء الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان
ومعاوية والزبير وطلحة وأبي هريرة وعائشة
وغيرهم ، فإن التاريخ قد حفظ الينا كثيراً
من قضاياهم واحوالهم ، وعلى ضوئها
وتقييمها بالموازين العقلية والشرعيّة
يكون الحكم.

ثم ليعلم هذا الكاتب انّه ليس بين الشيعة
وبين الصحابة عداوة شخصية ، أو ثارات تدفع
بالشيعة إلى توجيه أصابع الاتّهام اليهم
كما يقول الكاتب إنّ ما تتميّز به الشيعة
هو الشجاعة والصراحة في تقييم الامور
والاشخاص ، وليس كما هو الحال



1) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 151 ، كتاب معرفة
الصحابة.

( 63 )

عند غيرهم حيث افترضوا في الصحابة العصمة
والاستقامة في كل الامور فبرّروا كلّ فعل
صدر عنهم ونزهوهم عن كلّ خطأ والحال أن
الواقع التاريخي يكذب هذا الافتراض .

واما ما ذكره الكاتب من السبّ والشتم
والحملة الشرسة فهذا مما ينطبق عليه المثل
المشهور " رمتني بدائها وانسلّت " 1 فلا ندري
هل يعلم الكاتب أنّ اوّل من وضع السبّ
والشتم هو معاوية بن أبي سفيان الذي جعل من
سبّ امير المؤمنين علي عليه السلام سنّة
يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير
واستمرّ شتم امير المؤمنين مدة طويلة على
منابر المسلمين في مختلف بقاع الاسلام حتى
أصبح حقيقة ثابتة وسنّة متّبعة ؟ لا ندري
هل يعلم الكاتب ما قام به معاوية في اعقاب
معركة صفين من الحملات الشرسة على الشيعة
في مختلف المناطق قتلاً وتشريداً وهدماً
للبيوت ؟ لا ندري هل يعلم الكاتب ما فعله
معاوية بحجر بن 2 عدي



1) مجمع الامثال ، لابي الفضل أحمد بن محمد
بن أحمد بن ابراهيم الميداني: ج 2 ص 23 المثل
1521 ، دار الجيل ، بيروت ـ لبنان .

2) حجر بن عدي الكندي وهو الملقب بحجر
الخير وكان من فضلاء الصحابة وكان على
كندة بصفين سنة 51 وكان الحسن البصري يعظم
قتل حجر واصحابه ـ راجع اسد الغابة : ج 1 ص 462
.

( 64 )

وأصحابه 1 عندما رفضوا ان يعلنوا السبّ
والبراءة من الامام علي عليه السلام ؟ لا
ندري هل يعلم هذا الكاتب من الذي دسّ السمّ
الى الامام الحسن عليه السلام ومن الذي بعث
الى مالك الاشتر من يقتله بالسمّ 2 ومن الذي
أوعز بقتل محمّد 3 بن أبي بكر غير معاوية بن
أبي سفيان ؟ لا ندري هل يعلم هذا الكاتب من
الذي قتل الحسين بن علي عليه السلام وارسل
جيشاً لاباحة المدينة وهدم الكعبة غير ولد
معاوية يزيد ؟

لا ندري هل يعلم الكاتب بذلك أم لا ؟ فإن
كان لا يعلم فليقرأ التاريخ ليقف على ما هو
أشد وأدهى من الاحداث الدامية المتوالية
التي قام بها معاوية وبنو امية.



1) واصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمي ،
وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيعة
العبسي ، ومحرز بن شهاب المنقري وكدام بن
حيان العنزي ، وعبد الرحمن بن حيان العنزي
.

راجع الكامل لابن الاثير : ج 3 ص 478 قول
الحسن البصري في معاوية وراجع تاريخ
الطبري حوادث سنة 51 ج 4 س 270 .

2) راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي : ج 192 .

3) هو محمد بن ابي بكر بن أبي قحافة التيمي
وكان امير المؤمنين عليه السلام يقول في
حقه محمد ابني من صلب ابي بكر وقد عرف
بولائه لامير المؤمنين وانقطاعه اليه .

( 65 )

وإن كان يعلم فكيف يريدنا أن نعتقد
باستقامة معاوية وامثاله.

هذه هي المشكلة التي ينبغي ان يفكر فيها
الكاتب ويوجد لها حلاً والا فسيبقى
متخبّطاً لا يهتدي الى الحق والحقيقة
وامّا الشيعة فلا مشكلة عندهم لانّهم
قيّموا الاشخاص بموازين العقل والشرع بعد
استعراض أعمالهم وأقوالهم وعرضها على
المقاييس الصحيحة والحكم عليهم أو لهم بما
يمليه الحق من دون لف أو دوران .

قال الكاتب : هذا ولا ينبغي ان يغيب عنك أن
هؤلاء الصحابة العظام قد ورد ذكرهم في
القرآن ... الخ .

ونقول : نحن الشيعة لا ننكر ان صحبة النبي
صلى الله عليه وآله والتشرف بالحياة معه
في زمان واحد وفي بلد واحد من اعظم
الكرامات ولكن نسال هل هذا وحده يكفي ؟ أم
أنه لابدّ من ضمّ شيء آخر وهو الايمان
والاستقامة ، والاّ فليس هناك شيء أقرب
الى الانسان من زوجته. وقد ضرب لنا القرآن
مثلاً بامرأة نوح وامرأة لوط قال الله
تعالى : (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة
نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا
صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من

( 66 )

الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع
الدّاخلين) 1 لا ننكر ان الصحبة مع النبي
شرف عظيم ولكن ذلك بشروط لابدّ من توفّرها
، والاّ فقد كان في زمان النبي صلى الله
عليه وآله وفي بلد النبي صلى الله عليه
وآله منافقون مردوا على النفاق. إذن لابدّ
من الالتفات والتوجه الى هذا المعنى فإنّ
الصحبة وحدها ليست كافية وما اشار اليه
الكاتب من أنّ القرآن أثنى على الصحابة
ومدحهم ، فهذا صحيح ولكن ليس على اطلاقه
بمعنى أن كلّ صحابي كذلك بل ان ذلك خاص بمن
سار على سيرة النبي صلى الله عليه وآله ولم
يصدر منه ما خالف به الشرع أو انحرف به عن
طريق النبي .

وقد أشار النبي صلى الله عليه وآله الى
هذه الحقيقة بقوله صلى الله عليه وآله : "
لقد كثرت عليّ الكذابة فمن كذب عليّ
متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " 2 .

فالذي يكذّب على النبي صلى الله عليه وآله
في زمانه هل يعدّ صحابياً ويؤخذ قوله وفعله
حجّة ؟ وهل يعتبر اسلام هذا الشخص هو اسلام
القرآن وهو اسلام الرسول صلى الله عليه
وآله على حد تعبير الكاتب



1) سورة التحريم ، الآية 10 .

2) اصول الكافي : ج 1 باب اختلاف الحديث ص 62 ،
الحديث 1 .

( 67 )

والذي نزل القرآن شاهداً بفسقه 1 هل يعد من
الصحابة الذين يجب احترامهم ومن يكون
عدواً له فهو عدو للرسول نفسه كما يقول
الكاتب .!! ؟

إن هذا الكاتب يخلط بين الغثّ والسمين ،
ولا يفرق بين الحقّ والباطل ، وليس له
مقياس واضح ويكتفي بالقشور دون اللباب.

قال الكاتب : إن الشيعة قد ضلّوا عن الصراط
المستقيم ...

ونقول : هذه عودة الى النغمة التي اسمعنا
ايّاها كثيراً حيث يختم كل جملة من كلامه
بالتفنن في السباب والشتائم يوجهها الى
الشيعة وليس هذا من أدب الحديث والمناظرة
وإنما يلجأ إلى هذا الاسلوب لاهتزاز
شخصيته واضطرابها وفشل ادعائه.

قال الكاتب : إن الركن الرصين والحجر
الاساسي للنجاة ونيل المغفرة يوم القيامة
هو اتباع الاسلام كما علمه الصحابة وهو



1) إشارة الى قول تعالى : (يا ايها الذين
آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ان
تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين) .

ونزولها في الوليد بن عقبة بن أبي معيط في
قصة ذكرها المفسّرون والمؤرخون وقد
استعرض ابن أبي الحديد جملة من أخبار
الوليد بن عقبة وذكر سبب نزول الآية فراجع
شرح نهج البلاغة : ج 17 ص 227 ـ 245 .

( 68 )

ما عليه الامة .

ونقول : إن الحجر الاساس للنجاة ونيل
المغفرة يوم القيامة هو امتثال أوامر الله
ونواهيه التي جاء بها النبي صلى الله عليه
وآله تطبيقاً للآية الكريمة وهو قوله
تعالى : (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم
عنه فانتهوا) 1 من دون ان يكون لعلم الصحابة
مدخلية فإن الصحابة قد اختلفوا بعد النبي
صلى الله عليه وآله اختلافاً كثيراً في ما
رووا وما نقلوا وقد صدرت من بعضهم مناقضات
، فكيف نتّبعهم جميعهم وفي ذلك الجمع بين
النقيضين وهو محال ، والصحيح هو أن النبي
صلى الله عليه وآله رسم لنا طريقاً وأمرنا
باتّباعه ، وذلك الطريق هو السير على
منهاج القرآن والعترة النبوية بمقتضى
حديث الثقلين وغيره من الروايات وقد ذكرنا
فيما تقدّم انّ النبي صلى الله عليه وآله
قد جعل الامام علياً عليه السلام خليفة
على المسلمين وامر المسلمين باتباعه
والاهتداء بسيرته لانّه نفس النبي صلى
الله عليه وآله بنصّ القرآن ، وهو باب
مدينة علم النبي بنصّ الرسول ، وهو المرجع
للمسلمين في قضاياهم واحكامهم بنص
التاريخ وبعد الامام علي تأتي سلسلة
الأئمّة عليهم السلام الذين نصبهم الرسول
صلى الله عليه وآله ليكونوا خلفاء على
الامّة ، وسيأتي ما يزيد هذا الأمر وضوحاً.



1) سورة الحشر ، الآية 8 .

( 69 )

قال الكاتب : وتعتبر فرقة الشيعة أنّها هي
التي دبّرت خطة قتل عثمان (رض) فعلى هذا
الأساس للارهاب والفوضى احد الافاعيل
والاعمال الرئيسية لهذه الفرقة.

ونقول : قد ذكرنا فيما تقدّم انّ الذي قتل
الخليفة بعض الصحابة والتاريخ يشهد على
ذلك ، ولو رجع هذا الكاتب الى الكتب
التاريخية لوقف على هذه الحقيقة ولكان
خيراً له من هذا التخبّط والخلط
والاضطراب.

قال الكاتب : في حين أسّست وأنشئت على
قاعدة الطعن في نزاهة الصحابة وهذا نجده
كثيراً في كتبهم وينقل عن تعاليمهم التي
تتركّز على الدسّ والتعرّض لشخصيّتهم.

ونقول : إن الذي طعن في الصحابة هم الصحابة
أنفسهم لاختلافهم الكبير ، والا فبماذا
يفسر حادثة السقيفة ؟ وبماذا يفسّر مقتل
عثمان حيث صدر من بعض الصحابة والتابعين
كما بينا ذلك فيما تقدم ؟ وبماذا يفسّر
واقعة الجمل وواقعة صفين وواقعة النهروان
وقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي
وميثم التمار ؟ أليس كل هذا الاحداث وقعت
بين الصحابة أنفسهم ؟ أليس طلحة والزبير
وعائشة من الصحابة ؟ فكيف حاربوا امير
المؤمنين عليه السلام فمن المحق منهم ؟ هل
يمكن القول ان الجميع على

( 70 )

الحق ؟ إذاً كيف تقاتلوا وسفكت الدماء ،
وقس على هذا سائر القضايا والأحداث ، ومن
هنا قلنا إن الذي طعن في نزاهة الصحابة هم
الصحابة أنفهسم وأما الشيعة فقد وجدوا هذه
القضايا مبثوثة في كتب التاريخ السنّية
كالطبري 1 وابن الأثير 2 وغيرها، وحينما
رأوا في كتب التاريخ استنتجوا منها نتائج
مهمة ، وخلاصتها أنّ الصحابة كسائر البشر
منهم المصيب ومنهم المخطئ ، وليس الامر
كما يقوله هذا الكاتب من أنّهم كلّهم على
الحق لأن الواقع التاريخي يكذّب هذه
المقولة.

قال الكاتب : كان يتجلّى عندهم بوضوح انه
لا يمكنهم الظهور على مسرح الحياة مع وجود
تلك القيادة الصحابية العظيمة في تلك
الفترة لذا أخذوا في ابتداء تنشأة تعاليم
وبيانات مضادة ومناقضة لهم عن طريق القوة
والخداع ... الخ .

ونقول : قد ذكرنا أنّ التشيّع كان قد نشأ
في زمان النبي صلى الله عليه وآله وأنّه
صلى الله عليه وآله أوّل غارس لبذرته وكان
عدة من اصحابه معروفين بالتشيّع 3 كسلمان
وابي ذر والمقداد وعمار وغيرهم كثير ؛ لأن



1) راجع تاريخ الطبري : ج 4 ص 207 .

2) الكامل في التاريخ لابن الاثير : ج 3 ص 487 .

3) الشيعة بين الحقائق والأوهام للسيد
محسن الأمين : ص 41 .

( 71 )

التشيع كما ذكرنا هو الإتّباع لأمير
المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
وهذا أمر متّفق عليه بين المسلمين ، وقد
نقله الرواة وأودعوه في كتبهم وذكرنا فيما
تقدم بعض النصوص والشواهد على ذلك فما ذكره
الكاتب من تنشأة تعاليم وبيانات مضاده ما
هو الاّ نوع من الدجل والافتراء ولا أساس
له من الصحّة على الاطلاق.

قال الكاتب : فأسسّوا (يعني الشيعة) قواعد
دينهم على أساس من افضاح صحابة الرسول
الكرام الذين اكثر حبّهم الرسول ولم تكن
خلافتهم وقيادتهم من عند انفسهم ، أو لأجل
اكتساب محبّة الناس ، وانما هذه الخلافة
والقيادة من الله تعالى ، فلولا وجود
الصحابة ما كان للاسلام ثبوت على الاطلاق
وما بقى القرآن حاكماً وقائماً.

ونقول : إن هذا الكاتب يخالف مبادئه
والاسس التي بنى عليها مذهبه ولا يدري
ماذا يقول ، وذلك لأن المذاهب السنّية
اتّفقت كلمتها على ان النبي لم يعين خليفة
من بعده ، وإنّما الامر شورى بين المسلمين
، وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة
واختاروا أبابكر خليفة على المسلمين هكذا
تقول كتب السنة .

واما الشيعة فقد ذهبوا الى انّ النبي نصب
خليفة من بعده وعيّنه من بينهم ، وهو علي
بن ابي طالب ، واثبتوا ذلك بالادلة

( 72 )

العقليّة والنقليّة ، فكيف لهذا الكاتب
ان يقول ولم تكن خلافتهم وقيادتهم من عند
انفسهم. هذا مضافاً الى ان علماء السنة
ذهبوا إلى أنّ الخلافة والامامة ليست
واجبة عقلاً بينما الشيعة يقولون بوجوبها
عقلاً وانّ الامامة لا يمكن ان تكون من جعل
البشر وإنما هي تعيين من الله على يد النبي
صلى الله عليه وآله وإذا كان الامر كذلك
فكيف لهذا الكاتب ان يقول وإنما هذه
الخلافة والقيادة من الله تعالى فهو يقول
بمذهب الشيعة من حيث لا يشعر ويتناقض في
اقواله.

واما ما ذكره بالنسبة الى الصحابة وانّه
لولا وجودهم ما كان للاسلام ثبوت على
الاطلاق ، فهذا ايضاً تخليط من هذا الكاتب
وقد أجبنا عن ذلك فيما تقدّم ، فإن المقياس
ليس هو الصحبة بل المقياس الصحيح هو
الالتزام بتعاليم القرآن الكريم وامتثال
اوامر النبي صلى الله عليه وآله ونواهيه
(ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا) 1 .

قال الكاتب : ليس هناك فرقة من فرق الاسلام
على الاطلاق تعرف الافتراء على النبي صلى
الله عليه وآله ونسبة ما ليس منه اليه كهذه
... الخ .

ونقول : لا زال هذا الكاتب بين حين وآخر
يظهر لنا تناقضاته



1) سورة الحشر ، الآية 7 .

( 73 )

ففي هذه الفقرة يعترف انّ الشيعة من الفرق
الاسلامية ، وقد تقدّم انّها ليست اسلامية
كما جاء في كلامه وان الشيعة كفار ، فهذا
الكاتب لا يعي ما يقول ولا يلتفت الى معاني
كلامه ، ثمّ إنّ ما ذكر من انّ الشيعة تدخل
في الاحاديث وتفتري ، فهذا كذب صريح على
الشيعة ، وليس هناك احد من المسلمين من
اعتنى بصيانة الحديث والدفاع عنه كما فعل
الشيعة في تاريخهم حيث الّفوا الكتب
الرجالية التي تتناول حياة الرواة والبحث
عن احوالهم ومدى ما يمكن الاعتماد على
أقوالهم في نقل الاحاديث ولم يقبلوا
الحديث المروي الاّ بعد عرضه على القرآن
الكريم ، وكون راوية ثقة معروفاً بالامانة
في النقل على تفاصيل مذكورة في محلها ،
فليس الامر كما ادّعاه هذا الكاتب.

قال الكاتب : إنّ الاسلام المتّبع عند
الامة الاسلامية على مدار 1400 سنة الماضية
نزل بواسطة الوحي ولم يأت هذا الاسلام
كفكرة بشرية خالصة حسب رغبتهم ، ولكن ليس
عند الشيعة ركن وأساس في القرآن أو السنة ،
بل الركن قائم عندهم ومبني على الفكر
البشري البحت لنيل صحابة رسول الله صلى
الله عليه وآله وقتلهم ...

ونقول : انّ الشيعة تعتمد على القرآن وما
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله

( 74 )

واهل بيته ويستندون في عقائدهم وأحكامهم
على هذه المصادر وليس الامر كما ذكر هذا
الكاتب افتراء عليهم وزوراً وبهتاناً . إن
الشيعة يتعبّدون في جميع امورهم بما جاء
عن الشرع ولا يجوزون العمل بالرأي والقياس
والاستحسانات التي يعتمد عليها غيرهم من
بعض المذاهب السنية ولهم في ذلك ادلّتهم
العقليّة والنقليّة المبثوثة في كتبهم ،
ولكن هذا الكاتب لا يتقي الله في اتّهام
غيره بما هو متلبّس به وبما يعتقده من حيث
يشعر ، او لا يشعر وليته طالع كتب الشيعة
العقائديّة والفقهيّة لوجد هذه الحقيقة
ثابتة ، ولكنه لا يفعل ذلك وإن فعل فإنّما
هو بلا رويّة وتدبّر ومن غير انصاف ، بل من
اجل التحوير والتزوير والاتهام.

قال الكاتب : انّ ما عليه الشيعة هو تحريف
القرآن والسنة من خلال التفاسير الكاذبة
التي توافق مبانيهم تمام الانسجام .

ونقول : هل وجد هذا الكاتب قرآناً عند
الشيعة يخالف نسخ القرآن الموجودة عند
السنّة ، ليتوجّه هذا الكاتب الى اقرب
مسجد للشيعة وليرى نسخ القرآن فيه
ويتصفحها ليجد هل فيها اختلاف بينها وبين
نسخ القرآن الموجودة عند السنة .

ووالله لو فعل ذلك لما وجد الاّ نفس النسخ
بل ونفس الطبعات ، وانّ القرآن عند الشيعة
هو نفس القرآن عند السنّة ،

( 75 )

فلماذا هذا الكذب والافتراء ؟ ولماذا هذا
التجني على الشيعة بلا سبب ؟ هل كان ذلك
لاختلافهم في الرأي في بعض النظريات مع
السنة ؟ فليس هذا الاختلاف دافعاً لهذا
الافتراء وقول الباطل كما يفعله هذا
الكاتب التي ينفث حقده وعداوته بلا سبب ،
ونحن نتحدّى هذا الكاتب ان يأتي بنسخة من
القرآن محرّفة عند الشيعة وهو لن يجد من
ذلك شيئاً ؛ لان القرآن المتداول عند
الشيعة ونقرأه صباحاً ومساء هو نفس القرآن
الموجود عند السنّة ولا اختلاف بين نسخ
القرآن الموجودة بين كافّة المسلمين.

وسيأتي الكلام عن هذا الموضوع بالذات في
الصفحات والبحوث القادمة .

الشيعة وعصمة الائمة ومقاماتهم عليهم
السلام

قال الكاتب : على سبيل المثال يدعون انّ
الامام علياً ومن يتّخذونهم ائمّة دينهم
لا ذنب لهم وما كانوا مخطئين كالانبياء.

ونقول : ان هذا الكاتب لا يملك أسباب البحث
ومناهجه فهو يخلّط في كلامه بين ما يتناسب
مع موضوع البحث وما لا يتناسب معه ، فهذا
المثال الذي يأتي به لا يتناسب مع كلامه
حول

تحريف الشيعة للقرآن ، وله من هذا القبيل
الشيء الكثير مما يدل على انّ نفس الكاتب
مضطربة اشدّ الاضطراب وعلى ايّ حال فهذا
الكاتب يقول ان الشيعة تقول بعصمة الائمة
عليهم السلام وهذا صحيح وعليه عقيدتنا ولا
نتنازل عن ذلك ابداً ، ودليلنا صريح القرآن
الكريم حيث قال تعالى : (إنما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم
تطهيراً) 1 .

فإنّ هذه الآية صريحة في انّ الله تعالى
اذهب الرّجس عن اهل البيت ، والرّجس هو اسم
عامّ لكل الآثام وقبائح الاعمال ونتيجة
هذا خلو اهل البيت عليهم السلام عن ذلك ولا
تعني بالعصمة غير هذا ، وأمّا من هم اهل
البيت ؟ فالمرجوّ من حضرة الكاتب ان يكلّف
نفسه بمراجعة كتب التفاسير السنية ليعرف
من هم هؤلاء الذين اذهب الله عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيراً .

ويدل على عصمتهم ايضاً قوله تعالى : (فقل
تعالوا ندعوا



1) سورة الاحزاب ، الآية 33.

نزلت الآية في حق خمسة وهم محمد وعلي
وفاطمة والحسن والحسين راجع تفسير ابن
كثير : ج 5 ص 483 و 484 و 485 ط / 2 بمصر وراجع
الكشاف للزمخشري : ج 1 ص 192 طبعة مصطفى محمد
369 ط بيروت ـ لبنان .

( 77 )

ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وانفسنا وانفسكم) 1 وليراجع هذا الكاتب كتب
التفاسير ليعرف المراد من الابناء والنساء
والانفس وليقف على دلالة الآية كما قررها
علماء السنة في كتبهم هذا غير الآيات
الاخرى التي يستفاد منها عصمة اهل البيت
عليهم السلام كآية المودّة وغيرها من
الآيات الدالة على ان الائمة من اهل البيت
عليهم السلام عباد مكرمون منزهون عن
ارتكاب المعاصي والذنوب.

ويدلّ على ذلك ايضاً الاحاديث الكثيرة
التي رواها علماء السنة في كتبهم كحديث
الثقلين وحديث السفينة ، وحديث المنزلة ،
وعشرات بل مئات الروايات المرويّة عن
النبي صلى الله عليه وآله فإن اراد هذا
الكاتب ان يرد هذه الروايات ولا يقبلها
فإنما هو يرد اوّلاً على الله وعلى رسوله ،
ويطعن في نزاهة الصحابة الذين رووا هذه
الروايات ويرد أقوال علماء السنة الذين
اثبتوا هذه الروايات في كتبهم وعمل الشيعة
على طبقها واستفادوا منها عصمة الائمة
عليهم السلام واعتقدوا بذلك ، وإذا كان
السنة لم يعتقدوا بعصمة



1) سورة آل عمران ، الآية 61 .

وفي سبب نزول الآية راجع تفسير الطبري : ج 3
ص 299 و 301 الطبعة الميمنية . وراجع تفسير ابن
كثير : ج 1 ص 370 و 371 وراجع الدر المنثور
لجلال الدين السيوطي : ج 1 ص 33 دار الكتاب
العربي ، بيروت ـ لبنان .

( 78 )

الائمة عليهم السلام فلذلك لا يضرّ
بالشيعة ؛ لأن الشيعة انما تتعبّد بما
يمليه عليها الدليل.

قال الكاتب : ورد في كتاب الطباطبائي وهو
احد رموز الشيعة البارزين ورد في كتابه
الذي سماه [ الشيعة في الاسلام ] ما نصه : لا
يمكن ان تكون هناك امة من الناس دون ان
يكون فيهم امام لا فرق في ذلك معروف عندهم
ام لا .

ونقول : لما كان الدين هو دين الله وهو من
الاهميّة بحيث لا يكون لأيدي البشر
يتصرّفون في وضع الاحكام ورفعها بما يبلغ
إليه تفكيرهم اقتضت الحكمة الالهية ان
يختار الله تعالى نخبة من الناس اجتمعت
فيهم الكفاءات التي تؤهلهم للحفاظ على
احكام الشريعة وتبليغها الى الناس ، ولا
يعقل ان يهمل هذا الدين من دون ان يكون له
حفظة ورعاة يحفظونه ويدفعون عنه الشبهات
ويوصلونه الى الناس وهذا هو معنى الامامة
الذي تذهب اليه الشيعة وان الامامة لا
تكون من عند الناس يختارون لهم اماماً
يجعلونه حاكماً ، بل ان الله تعالى هو الذي
اختار لعلمه بحقائق الناس وصلاحيتهم للامر
والشيعة تعتقد انّ الله تعالى امر نبيه صلى
الله عليه وآله ان يعيّن من بعده خلفاء
يقومون بمهمّة المحافظة والرعاية لهذا
الدين

( 79 )

وقد تزوّدوا بجميع المؤهلات من العلم
والتقوى والعبادة وغيرها من الصفات
الكمالية ، وقد قامت الادلة على ذلك وهي
مبثوثة في كتب الشيعة العقائدية .

ولما كان هذا الدين باقياً خالداً ،
فلابدّ من وجود الامام الذي يكون دائم
الرعاية لهذا الدين ، ويدلّ على ذلك بوضوح
قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث
الثقلين الذي يرويه كلّ المسلمين : " إنّي
مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل
بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض
... " 1 وهذا تصريح بعدم الافتراق بين القرآن
والعترة وما دام القرآن موجوداً ، فلابدّ
ان يكون الى جانبه العترة المتمثّلة في
الامام المنصوب من قبل الله تعالى على يد
النبي صلى الله عليه وآله وبناء على هذا
فقد يكون شخص الامام معروفاً ظاهراً يراه
الناس كما كان في حياة امير المؤمنين علي
عليه السلام وسائر اولاده الائمة من بعده
وقد يكون مستتراً لبعض الظروف اقتضت ان
يغيب شخصه عن الناس كما في الامام الثاني
عشر من ائمة اهل البيت عليهم السلام الذي
هو الامام المنتظر وهو من سلالة امير
المؤمنين عليه السلام وهذه الغيبة التي
يغيبها عن الناس لا تضرّ بمهمّته من رعاية
الدين وحفظه ، فإنّه مؤيّد من قبل الله
تعالى وعلى ذلك قامت الادلة



1) صحيح الترمذي : ج 5 ص 328 .

( 80 )

وليراجع هذا الكاتب ما قررّه علماء
الشيعة في كتبهم ليقف على هذه الحقيقة .

قال الكاتب : لو تطالع كتب الشيعة سوف تجد
ان هؤلاء في درجة الانبياء او اكثر ،
فإنّهم يدّعون ان يكون هؤلاء في مقام
الانبياء والاختلاف بينهم وبين الائمة في
التسمية فحسب ، ففي اعتقاد الشيعة وجد بعد
النبي صلى الله عليه وآله ائمة قاموا
مقامه ومجرد التسمية لا تغير الاعتقاد
والاّ فالنبي والامام شيء واحد.

ونقول : ان الشيعة تعتقد ان الائمة عليهم
السلام اختارهم الله تعالى لإمامة
المسلمين ، وهم خلفاء الرّسول صلى الله
عليه وآله ، وليسوا بأنبياء فلا نبيّ بعد
الرسول صلى الله عليه وآله وقد اتفق
الشيعة والسنّة على رواية هذا الحديث : "
علي مني بمنزلة هارون من موسى الاّ انّه لا
نبيّ بعدي " 1 كما تحدّث القرآن الكريم عن
ذلك في قوله تعالى : (ولكن رسول الله وخاتم
النبييين) 2 ، بل جاء في الاحكام الشرعيّة
من الفقه الشيعي انّ من يدّعي النبوّة بعد
النبيّ محمد صلى الله عليه وآله فحكمه
القتل ، بل إّن من ضروريّات مذهب الشيعة
الايمان بخاتمية نبوة النبي



1) الجامع الصغير : ج 2 ص 177 ، الحديث 5597
الطبعة الاولى 1401 هـ 1981 م .

2) سورة الاحزاب ، الآية 40 .

( 81 )

محمّد صلى الله عليه وآله . ثم إن الشيعة
تعتقد انّ النبي محمد صلى الله عليه وآله
هو افضل الخلق واشرف الممكنات على الاطلاق
، وانّ الانبياء عليهم السلام لو بعثوا في
زمانه ما وسعهم الا الايمان به واتّباعه ،
كما اشار القرآن الكريم الى ذلك في قوله
تعالى : (وإذ اخذ الله ميثاق النبييّن لما
آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق
لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال
أأقررتم واخذتم على ذلكم إصري قالوا
أقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من
الشاهدين) 1 على ما جاء في تفسير هذه الآية
الشريفة .

ويتلو النبي صلى الله عليه وآله في الفضل
والشرف خلفاؤه من بعده وهم الائمة الاثنا
عشر عليهم السلام .

واما ما ذكره الكاتب من انّ الائمة عليهم
السلام في درجة الانبياء واكثر وانّهم في
مقام الانبياء والاختلاف بينهم وبين
الائمة في التسمية فحسب ...

فالذي تعتقده الشيعة انّ الائمة عليهم
السلام خلفاء النبي صلى الله عليه وآله
وهم ائمة وليسوا بأنبياء لما ذكرنا من انّ
النبوّة ختمت بنبيّنا محمد صلى الله عليه
وآله فلا نبيّ بعده .

وأما أفضليّة الائمة عليهم السلام على
الانبياء عليهم السلام عد النبيّ محمد صلى
الله عليه وآله



1) سورة آل عمران ، الآية 81 .

( 82 )

عند الشيعة الامامية فهو مما قامت عليه
الادلّة النقليّة الواصلة اليهم ، وساقهم
البرهان للاعتقاد بذلك ، وايّ ضير فيه على
الشّيعة في هذا الاعتقاد ؟

ولعلّ الكاتب وأمثاله يستبعدون ذلك ،
ونرفع هذا الاستبعاد بامرين دون الدخول في
التفاصيل فإن لها مقامات اخرى.

الاوّل : ذكرنا آنفاً انّ القرآن الكريم
اشار الى انّ الانبياء لو بعثوا في زمان
النبي صلى الله عليه وآله لما وسعهم الاّ
الايمان به واتباعه ، ومقتضى الايمان
والاتّباع هو الإمتثال لكل ما يأمر به
النبي صلى الله عليه وآله ، واتباعه في كلّ
شيء ، فلو فرضنا انّ الانبياء موجودون في
زمان النبي صلى الله عليه وآله ونصّ على
إمامة الائمة عليهم السلام وامر باتباعهم
فهل يسع الانبياء مخالفة ذلك ؟ وحينئذ
نسأل ايّهما افضل الامام ام المأموم ؟
والتّابع ام المتبوع ؟ وإذا ثبتت
افضليّتهم في هذا الحال فهي ثابتة في كلّ
الاحوال ، فليس هناك ما يمنع من القول
بأفضلية الائمة عليهم السلام على سائر
الانبياء لا عقلاً ولا شرعاً .

الثاني : إنّ السنة رووا في كتبهم ان النبي
صلى الله عليه وآله قال علماء امتي كأنبياء
بني اسرائيل او بمنزلة انبياء بني اسرائيل
، ونحو ذلك وانّ النبي صلى الله عليه وآله
يفتخر بعلماء امته يوم القيامة 1 فإذا كان
العالم



1) جامع الاخبار ـ الفصل العشرون ـ الحديث 5
ص 111 عن ابي هريرة .

( 83 )

المسلم من امّة النبي صلى الله عليه وآله
بهذه المنزلة والمكانة ، وهو مهما بلغ في
علمه فليس بمعصوم ، فكيف بمن نصّ القرآن
على عصمتهم ونوّه النبيّ صلى الله عليه
وآله بفضلهم ، وورثوا العلوم عن النبي صلى
الله عليه وآله ، واستغنوا عن النّاس في
المعارف والعلوم ، واحتاج الناس الى
علومهم ومعارفهم !!

واما قول الكاتب اخيراً ومجرّد التّسمية
لم تغيّر النظرة والا فالنبي والامام شيء
واحد ، فهو من رمي القول على عواهنه من دون
معرفة ودليل ، وقد تبيّن جوابه مما ذكرنا .

قال الكاتب : في بعض البيانات عن مقام
الائمة ورد في كلام ما نصّه : انّه من
اعتقادنا نحن الشيعة انّه لا يمكن ان
يتأتى لشخص الوصول الى درجة ايمان الائمة
حتّى وإن يكن الملك جبرئيل فضلاً عن النبي
صلى الله عليه وآله .

ونقول : إن مشكلة هذا الكاتب انه لا يفهم
معاني الكلام ولا يلتفت الى المرادات ،
ولذلك تراه يخلّط في كلامه ويضيف من عند
نفسه الاكاذيب والاباطيل من اجل الكيد
للشيعة ونظراً لقصور افكاره لا يستطيع ان
يفهم المقصود ويفسّر الكلام بحسب نظرته
الممزوجة بالحقد والبغضاء.

إن الشيعة قاطبة تعتقد بأفضليّة النبي
صلى الله عليه وآله على سائر

( 84 )

الكائنات وهو سيد البشر وائمتنا عليهم
السلام إنما هم ورثة علمه وليسوا في درجته
فضلاً عن كونهم افضل منه ولا ندري من اين
لهذا الكاتب ان يسمح لنفسه بأن يرمي
الشيعة بالاتهام الباطل ولا يراعي ابسط
الاداب الاخلاقيّة في البحث والمناظرة ،
وكان ينبغي عليه ان يستفهم ويسأل ليبيّن
له المراد لا انه يفهم الكلام فهماً
خاطئاً ويضيف اليه الاباطيل من عنده
ويتّهم بالكفر والفساد كما هي عادته
دائماً .

قال الكاتب : وفي نظر الشيعة انّ الائمة
الاثني عشر منتخبون من قبل الله تعالى .

ونقول : إنّ انتخاب الائمة تمّ على يد
الرسول من قبل الله ، وأي ضير في ذلك إذا
كان الدليل قام على ذلك . ان النبي صلى الله
عليه وآله يقول : " الائمة اثنا عشر كلّهم من
قريش " 1 وقد عيّنهم النبي صلى الله عليه
وآله ونصّ على إمامتهم والرسول صلى الله
عليه وآله (لا ينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي
يوحى) 2 فما المانع من ذلك . ونؤكّد انّ
اختيار الائمة عليهم السلام



1) راجع الجامع الصحيح للترمذي : ج 4 ص 501 باب
ما جاء في الخلفاء دار احياء التراث العربي
.

وراجع ايضاً كنز العمال : ج 12 ص 32 مؤسسة
الرسالة ، الطبعة الخامسة . وراجع سنن ابي
داود : ج 4 ص 106 ح 4280 و 4281 .

2) سورة النجم ، الآية 3 و 4 .

( 85 )

لا على أنّهم انبياء بل هم خلفاء من قبل
الرسول صلى الله عليه وآله وليس الائمة
يتلقّون الوحي كما هو الحال عند النبي صلى
الله عليه وآله بل الائمة يعرفون الاحكام
التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله
ويعلمونها الناس لأنّهم اعلم الناس
بأحكام الله تعالى بعد النبي صلى الله
عليه وآله وفيما تقدم أشرنا الى بعض ما ورد
في حق امير المؤمنين عليه السلام ، وابناؤه
من بعده على هذا النحو ، ولهذا كان ائمتنا
على مر التاريخ هم المرجع للناس وللعلماء
حتى قال ابو حنيفة ( لولا السنتان لهلك
النعمان ) 1 وقال مالك ( ما رأت عين ولا سمعت
أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن
محمد 2 ) والمرجوّ من الكاتب ان يرجع الى
كتاب الامام الصادق عليه السلام والمذاهب
الاربعة تأليف الشيخ اسد حيدر ليرى ان
الامام الصادق عليه السلام وهو الامام
السادس من ائمة الشيعة كيف كان له دور بارز
في المجالات العلميّة بحيث استفاد منه
كافة علماء المسلمين في زمانه وهكذا غيره
من سائر الائمة عليهم السلام كانوا في
أزمنتهم الملاذ للمسلمين في معرفة احكام
الدين والتفسير والحديث وغيرها من علوم
الشريعة .



1) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب
الاربعة لاسد حيدر : ج 1 ص 70 منشورات مكتبة
الصدر طهران ، ط / 4 سنة 1413.

2) نفس المصدر السابق : ج 1 ص 53 .

( 86 )

قال الكاتب : فالامامة كما تفهم عندهم هي
النبوّة ...

ونقول : نحن نتحدّى هذا الكاتب ان يدلّنا
على مصدر من مصادر الشيعة ذكر فيه ان
الامامة هي النبوّة ، أو انّ المفهوم
عندهم من الامامة هو النبوة ، إنّ الامامة
عندهم هي الرئاسة الدينية والخلافة بعد
النبي صلى الله عليه وآله للحفاظ على
الاحكام وتبليغها الى الناس ، وليس كما
يدّعيه هذا الكاتب زوراً وبهتاناً.

قال الكاتب : ولكن الشيعة ليس كذلك
فالائمة الاثنا عشر معصومون كالانبياء
أنّهم كما يثبتون العصمة الخاصة
بالانبياء يثبتونها للائمة عندهم...

ونقول : معنى العصمة في عقيدة الشيعة هي :
لطف يفعله الله تعالى بالانسان لا يكون له
مع ذلك داع الى ترك الطاعة وارتكاب
المعصية مع قدرته على ذلك ، وهذه المعصية
تشمل جميع الملائكة والأنبياء وائمة اهل
البيت عليهم السلام فلا تصدر عنهم العصمة
سواء كانت صغيرة او كبيرة عمداً أو سهواً
ويعتقدون انّ السيّدة فاطمة الزهراء
عليها السلام ايضاً كذلك ، ولهم على ذلك
أدلّة عقليّة ونقليّة مبثوثة في كتبهم
العقائديّة ، وقد تقدم فيما سبق ان اشرنا
الى انّ آية التطهير وآية المودّة وآية
المباهلة وغيرها من الآيات

( 87 )

التي يستدلّ بها الشيعة على عصمة ائمتهم
عليهم السلام ونضيف هنا انه اذا كان
الائمة عليهم السلام هم الخلفاء بعد
الرسول صلى الله عليه وآله وعلمنا ايضاً
ان الخلافة إنّما هي من قبل الله تعالى على
يد النبي صلى الله عليه وآله وهم يتولّون
مهمة ايصال التعاليم الالهيّة والتعريف
بأحكام الله الى الناس فمن الطبيعي ان
يكون القائم بهذه المهمّة معصوماً ولو لم
يكن معصوماً لكان ذلك نقضاً للغرض ، ولا
يمكن الوثوق بأقواله وأفعاله ولو جاز ان
تصدر عنه المعاصي لما أمكن الاعتماد عليه
في سيرته ولا يمكن الركون اليه فكما ان
النبي صلى الله عليه وآله معصوم عن ارتكاب
الصغائر والكبائر من الذنوب عمداً وسهواً
فكذلك خلفاؤه الذين عينهم الرسول بأمر
الله خلفاء من بعده وامّا عصمة الزهراء
عليها السلام ففيه لكونها أحد افراد آية
التطهير مضافاً الى ما ثبت عن النبي صلى
الله عليه وآله مما رواه علماء السنة في
كتبهم عن النبي صلى الله عليه وآله " فاطمة
بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أبغضها
فقد أبغضني " 1 وقوله صلى الله عليه وآله "
يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها " 2 " فاطمة
سيدة نساء العالمين " 3 فاذا كان ايذاء
الزهراء إيذاء للنبي صلى الله عليه وآله
فما ذلك الا لأن



1) راجع مستدرك الحاكم : ج 3 ص 158.

2) ينابيع المودة : ج 1 ص 203 انتشارات الشريف
الرضي ، الطبعة السابعة.

3) نفس المصدر السابق.

( 88 )

الزهراء عليها السلام لا تقول الاّ الحق
ولا تفعل الاّ الحقّ دائماً وأبداً ، وهذا
هو معنى العصمة ، فإن مفهوم العصمة الذي
ذكرنا تعريفه هو عبارة عن الالتزام بجادة
الحق وعدم الانحراف في القول والعمل ،
واذا كان الله تعالى يغضب لغضب فاطمة
ويرضى لرضى فاطمة ، فما ذلك الا لأن فاطمة
عليها السلام لا تفعل الاّ ما يرضى به الله
، ولا تقول الا ما يرضى به الله ، ومعنى ذلك
أن قولها وفعلها على طبق الحق ، وهذا هو
معنى العصمة.

ثمّ إن هذا الكاتب ينكر علينا هذا
الاعتقاد في أئمّتنا عليهم السلام وقد
قامت الادلّة من القرآن الكريم واحاديث
النبي صلى الله عليه وآله كحديث الثقلين
الذي يدلّ على عصمة العترة حيث قرنهم
النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن ونحن
نعلم ان القرآن لا يأتيه الباطل من بين
يديه ولا من خلفه فكذلك العترة ، والاّ فلا
معنى لأن يأمر النبي بالتمسّك بهم لو كان
يحتمل في حقهم ارتكاب الخطأ.

نقول : إنّ هذا الكاتب ينكر علينا ذلك وهو
اعتقادنا في أئمتنا عليهم السلام والسيدة
الزهراء عليها السلام بضعة النبي صلى الله
عليه وآله ومجموع عددهم ثلاثة عشر نفراً
الائمة الاثنا عشر مع السيدة الزهراء في
حين انه يثبت العصمة الى جميع صحابة النبي
صلى الله عليه وآله بلا استثناء ويرى
انّهم كلهم على الحقّ ، مع ان الواقع
التاريخي يكذب هذا الادعاء ،

( 89 )

فكيف باء هذا الكاتب تجرّ وباؤنا لاتّجر ،
غير انّه يلقي الكلام على عواهنه من دو
تدبّر او تفكير ، ونحن اذ ندّعي العصمة
لائمّتنا عليهم السلام والسيدة الزهراء
عليها السلام نقيم على ذلك الادلّة
العقليّة والنقليّة ونتحدّاه ان يثبت ان
احد ائمتنا ارتكب ذنباً من الذنوب او
معصية من المعاصي ، وليقف على تراجمهم
وتفاصيل حياتهم مما كتبه علماء السنة ليرى
هذه الحقيقة الثابتة التي لا ينكرها الاّ
جاهل او مغرض.

وقد أسمعت لو ناديت حيّاً * ولكن لا حياة
لمن تنادي

الشيعة ومعجزات الائمة عليهم السلام

قال الكاتب : ليس المعجزة في الاسلام الاّ
خاصة بالانبياء وليس كذلك عند الشيعة بل
تعد المعجزة ثابتة للائمة ، فعلى هذا
فالائمة الاثنا عشر ثبتت لهم معجزات كما
ثبتت للانبياء حسب تعاليم الشيعة .

ونقول : ان المعجزة هي : ثبوت ما ليس بمعتاد
او نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة
الدعوى 1 . وذلك بإقدار من الله



1) كشف المراد في تجريد الاعتقاد ـ المقصد
الرابع ـ المسألة الرابعة : ص 275 منشورات
مكتبة المصطفوي ـ قم .

( 90 )

تعالى ، وهيك ما تجري على أيدي الانبياء
عليهم السلام كذلك تجري على ايدي بعض
الصالحين ، وقد تحدّث القرآن الكريم عن
ذلك في قصّة مريم عليها السلام واصحاب
الكهف وآصف بن برخيا الذي جاء بعرش بلقيس
في اقلّ من لمح البصر ، هذا مذهب الامامية
ويشاركهم في هذا المذهب ايضاً الاشاعرة
وجماعة من المعتزلة.

ونتيجة ذلك انّ المعجزة ليست خاصّة
بالانبياء عليهم السلام كما يدعي الكاتب ،
فلا مانع من ثبوتها للائمة عليهم السلام
تصديقاً لدعواهم الامامة وتاييداً لهم من
قبل الله تعالى ، وقد ثبت عن ائمتنا انّهم
اقاموا المعجزات من الاخبار بالمغيبات
وغيرها من خوراق العادة وقد روي عن امير
المؤمنين عليه السلام انه قال : سلوني قبل
ان تفقدوني ، فوالله لا تسألوني عن فئة
تضلّ مائة او تهتدي مائة الاّ نبّأتكم
بناعقها وسائقها وقائدها الى يوم القيامة
1.

واخبر بقتل ذي الثدية من الخوارج ، وبصلب
ميثم التمار وأراه النخلة التي يصلب عليها
، وبقتل ولد الحسين عليه السلام في كربلاء
وغيرها من الحوادث والوقائع التي أخبر
عنها قبل وقوعها فليس هناك ما يمنع عقلاً
او نقلاً عن صدور المعجزة عن الائمة عليهم
السلام



1) راجع كتاب سلوني قبل ان تفقدوني ، للشيخ
محمد رضا الحكيمي : ج 2 ص 176 ، مكتبة الصدر ،
طهران ، طبعة 1400 هـ .

( 91 )

بل لابد من صدور المعجزة على يد الامام
المعصوم عليه السلام كما ثبت ذلك بالدليل
العقلي والنقلي.

قال الكاتب : إنفرد الوحي في الاسلام
بخصوصيّة نزوله على الانبياء لا غير وهذا
ما نجده كثيراً في التعاليم الاسلامية على
انه لا يمكن نزول الوحي على اي شخص ما لم
يتعيّن بهذا الميزة اي النبوّة ، ولكن
بحسب تعاليم الشيعة ليس الامر كذلك ، فكما
ينزل الوحي على الانبياء كذلك ينزل على
الائمة بالسواء.

ونقول : قد اجبنا في ما تقدم عن هذه الفرية
، ونضيف هنا اننا لا ندعي لائمتنا النبوة
فقد ختمت الرسالات السماوية بخاتم
الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه
وآله وقد ذكر ذلك القرآن الكريم في قوله
تعالى : (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) 1
واشار اليه النبي صلى الله عليه وآله في
الحديث المروي عنه " يا علي انت منّي
بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي "
2 وإنما دعوانا وعقيدتنا ان الائمة عليهم
السلام خلفاء للرسول صلى الله عليه وآله
ونوّاب عنه في ايصال الاحكام الى الناس
والمحافظة



1) سورة الاحزاب ، الآية 40.

2) صحيح مسلم بشرح النووي : ج 8 ص 175 ، دار
الفكر ـ بيروت.

وراجع صحيح البخاري : ج 4 ص 162 ، كتاب
المغازي ، دار المعرفة ـ بيروت ، ومسند
احمد بن حنبل : ج 1 ص 179 وج 3 ص 32.

( 92 )

على الدين من عبث العابثين ، وقد نص النبي
صلى الله عليه وآله على خلافتهم وإمامتهم
من بعده وليس معنى هذا هو دعوى النبوة
ونعتقد ايضاً ان الوحي لا ينزل على الائمة
كما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وقد
كذب هذا الكاتب في نسبة ذلك الى الشيعة
وليته ذكر مصدراً من مصادر الشيعة قالوا
فيه بذلك.

ثمّ لا يخفى انّ هذا الكاتب يكذب القرآن
من حيث يشعر او لا يشعر اذ يقول انه لا يمكن
نزول الوحي على ايّ شخص ما لم يتعين بهذه
الميزة اي النبوة والحال ان القرآن الكريم
ذكر مخاطبة الملائكة لمريم عليها السلام
ونزول الملك عليها ، فقال تعالى : (وإذ قالت
الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك
واصطفاك على نساء العالمين) 1 وقال تعالى :
(إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يبشّرك
بكلمة منه) 2 وقال تعالى : (واذكر في الكتاب
مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً
فاتخذت من دونهم حجاباً فسأرسلنا اليها
روحانا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني
اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقياً قال انما
انا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً ...) 3
وقال تعالى



1) سورة آل عمران ، الآية 42.

2) سورة آل عمران ، الآية 45.

3) سورة مريم من الآية 16 ـ 19.

( 93 )

في قصة ام موسى (وأوحينا الى ام موسى ان
أرضعيه ...) 1 وقال تعالى : (ولقد مننا عليك
مرة اخرى إذ اوحينا الى امّك ما يوحى) 2
فكيف لهذا الكاتب ان ينكر ذلك وهل هذا الاّ
تكذيب للقرآن وردّ على كتاب الله.

قال الكاتب : يقول الطباطبائي في كتابه :
إن الائمة وان كانوا لا يتلقون جديداً
الاّ ان افعالهم وأقوالهم تمثل تكملة
اقوال النبي (الحديث والسنة) فالائمة بعده
صلى الله عليه وآله ... من جهة التشريع
والهداية...

ونقول : كان ينبغي على الكاتب ان ينقل
العبارة كاملة ثم يوجّه نقده اما انه يبتر
الكلام ويأتي ببعض ويترك بعضاً فذلك إخلال
بالمعنى وعلى اي حال فجوابنا انّ الائمة
عليهم السلام في عقيدة الشيعة هم خلفاء
الرسول صلى الله عليه وآله وليسوا بأنبياء
ومهمّتهم ابلاغ الاحكام وتعليم الناس ـ
كما قلنا ذلك تكراراً ومراراً ـ فإنّ
الناس كانوا حديثوا عهد بالاسلام ، ومنهم
من أسلم ولم يتعمّق الاسلام في قلبه ، فكان
بحاجة الى مرشد وموجّه ومعلّم بعد النبي ،
ولابد ان يكون المعلم والمرشد عالماً
بالشريعة وأسرارها ، فكان الائمة عليهم
السلام



1) سورة القصص ، الآية 7 .

2) سورة طه ، الآية 37 .

( 94 )

هم الملاذ والمرجع للناس في معرفة
الاحكام ، وقد كان في زمان الصحابة امير
المؤمنين عليه السلام هو المرجع للمسلمين
، فكانوا يرجعون اليه في معرفة الاحكام ،
وقد نقل الرواة كثيراً انّ عمر قال في أكثر
من موضع كلمته المشهورة [ لولا علي لهلك عمر
] 1 وبعد زمان الصحابة كان الائمة من اولاد
علي عليه السلام هم المرجع للمسلمين وقد
ذكرنا ما كان عليه الامام الصادق عليه
السلام حيث تتلمذ عليه ابو حنيفة سنتين ،
حتى قال [ لولا السنتان لهلك النعمان ] 2
وكانت للامام الصادق عليه السلام مدرسة
كبرى يقصدها طلاّب العلم في مختلف العلوم
ويستفيدون من علمه حتى شهد علماء السنة
بذلك.

قال الكاتب : في الحقيقة لو تمّ المقارنة
بين مقامات الانبياء والائمة يتّضح جيداً
انّ النبوّة مستمرّة وما تزال قائمة وهذه
النبوة تسمّى عندهم بالامامة ، وان الشيعة
لا يفرقون بين الانبياء والائمة .

ونقول : ما لهذا الكاتب لا يكاد يفقه
حديثاً ، ولا يدري ماذا



1) راجع ينابيع المودة لذوي القربى : ج 1 ص 227
تحقيق السيد علي جمال اشرف الحسيني ،
الطبعة الاولى ، دار الاسوة للطباعة ،
وراجع ايضاً كتاب سلوني قبل ان تفقدوني
للحكيمي : ج 2 ص 215 ، مكتبة الصدر ـ طهران.

2) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب
الاربعة : ج 1 ص 70 ، مكتبة الصدر.

( 95 )

يقول ، ويريد ان يلزمنا بشيء نحن لا نقول
به ولا نعتقده وادلّتنا على خلافه ،
فالنبوة ختمت بالنبي صلى الله عليه وآله
والائمة انما هم خلفاء عنه من بعده لا كما
يدّعيه هذا الكاتب من انّ النبوّة مستمرّة
، فالامامة شيء والنبوّة شيء آخر ، وائمتنا
ليسوا بأنبياء ، ونحن لا ندري لماذا يصرّ
هذا الكاتب على إلصاق هذه التهمة كسائر
التهم الباطلة بالشيعة ، ويكرر ذلك في
مواطن كثيرة من كتابه ، وسيعود الى هذه
النغمة في مطاوي كلماته كما سيأتي.

قال الكاتب : امّا لو توقّفنا عند اصول
الدين فالفارق فيها واضح بين اهل السنة
وبين الشيعة ، وهذا الفارق خطير جدّاً ،
ففي اعتقاد الشيعة كان الائمة الاثنا عشر
يتلقون الوحي والاختلاف انّما يكون في
التسمية فقط ، وكما عرفت لا يسمونهم
أنبياء بل يسمّونهم ائمة.

ونقول : عاد الكاتب مرّة اخرى ليضرب على
وتره والملاحظة انّه يأتي بالكلام
بمناسبة بدون مناسبة ، وقد اجبنا عن ذلك
مراراً ، وهنا نقول بصراحة لو كنا نعتقد ـ
كما يدّعي هذا الكاتب ـ انّ الائمة انبياء
فما الذي يمنعنا عن تسميتهم بالانبياء
ونكتفي بتسميتهم ائمة ؟ لماذا ؟ ان هذا
الكاتب لا يخجل من نفسه حينما يفتري على
غيره بلا دليل.

( 96 )

هذه الشيعة منتشرة في بقاع العالم هل
وجدهم يصلّون الى غير القبلة وهي الكعبة ؟
وهل وجدهم يحجّون الى غير مكة المكرمة ؟
وهل وجدهم يصومون غير شهر رمضان ؟ وهل
وجدهم يتوضّؤن بغير الماء ؟ هل وجدهم في
اعمالهم العباديّة والمعاملاتيّة على
خلاف سائر المسلمين ؟

ان الاختلافات الجزئية امر طبيعي بين
الناس لاختلاف الآراء والانظار ، فكيف
يصرّ هذا الكاتب على تعميق الخلاف ويدّعي
الدعاوي الباطلة بلا أساس.

قال الكاتب : وبعد كل هذا البيان يجب ان لا
يخفى على اهل السنة والجماعة انه ليس
الاختلاف بين السنة والشيعة كالاختلاف
المعروف بين المذاهب الاربعة كما يروّج
ذلك شيوخ الشيعة.

ونقول : قد اشار هذا الكاتب الى هذا الامر
وهنا يعود اليه مرة اخرى ، وقد اجبنا عن
ذلك فيما تقدّم ، ونضيف هنا انّ الاختلاف
بين المذاهب قائم بشكل كبير شاء هذا
الكاتب ام ابى ونحن على اطّلاع تام
بالاختلافات والنزاعات فيما بينهم ولسنا
في مقام التشهير وكشف العورات ، ونكتفي
باحالته على كتاب

( 97 )

الامام الصادق والمذاهب الاربعة 1 ، كما
ذكرنا ذلك ليقرأه بامعان ليرى مساحة
الاختلاف بين هذه المذاهب الاربعة ، واذا
كان شيوخ الشيعة ـ على حدّ تعبير الكاتب ـ
يروّجون ان الاختلاف بين السنة والشيعة
كالاختلاف المعروف بين المذاهب الاربعة
فإنما هو لتضييق دائرة الخلاف والاّ
فليعلم هذا الكاتب ان مذهب الشيعة مذهب
قائم بذاته مستمد من الكتاب العظيم
وأحاديث النبي صلى الله عليه وآله والعترة
عليهم السلام وتدعمه الادلّة التامّة من
العقل النقل ، وليس مذهب اهل البيت بحاجة
الى غيره مادام رائده الحق وصراطه مستقيم
ولا يظنّ هذا الكاتب وأمثاله انّ ذلك لضعف
الشيعة فكريّاً وعقائديّاً فإنّهم يملكون
القدرة على الاقناع وعلى استعداد تام
لاظهار عقائدهم بأدلتها ، وانّما يحاولون
هذه المحاولات من اجل رفع الخلاف بين
المسلمين بظهور الحق واتباعه كما يقول
تعالى (الذين يستمعون القول فيتّبعون
أحسنه) 2 ولن تتنازل الشيعة عن مبدئها
وعقيدتها لانّ الادلّة العقليّة
والنقليّة تساند طريقتها في العقيدة وفي
مختلف النظريات الدينية.



1) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب
الاربعة ، لاسد حيدر : ج 1 ص 187 الى ص 206 ،
مكتبة الصدر ـ طهران.

2) سورة الزمر ، الآية 18.

( 98 )

الشيعة وتحريف القرآن

قال الكاتب : إذا راجعنا تعاليم الشيعة
فسوف نجد انّهم يقولون بعدم صحة القرآن
الموجود بين أيدينا ، وعلى انه نسخ منه بعض
الاحكام واضيف فيه اخر فيما حرفت بعضها
وحذفت منه آيات عديدة . انّ الشيعي المعروف
والمشهور برواية الحديث عندهم المسمّى
بالكليني أورد في كتابه الكافي ما حاصله "
ان القرآن الذي جاء به جبرئيل الى محمد صلى
الله عليه وآله سبعة عشر الف آية فكيف يتم
ذلك والحال ما هو متواتر عندنا كون آيات
القرآن كلها لا تتجاوز (6000) وهذا ليس الاّ
القول ضمنياً انّ البقية الـ (3/2) من الآيات
اسقطت وحذفت من نصوصه.

ونقول : ان هذا الكاتب ينطبق عليه المثل
المشهور ( رمتني بدائها وانسلّت ) 1 وقد
استشهدنا بهذا المثل في موضع آخر وسنجيب
عن هذا الاعتراض ولكن قبل ذلك نلفت نظر
الكاتب الى اننّا سنذكر المصادر السنّية
وعليه ان يرجع اليها ليرى صدق



1) مجمع الامثال ، للميداني : ج 2 ص 23 ، المثل
1521 ، دار الجيل ، بيروت ـ لبنان.

( 99 )

كلامنا ولو انه وقف على ما سنذكره من
المصادر وما ورد فيها لما تجرّأ وفتح فمه
بكلمة واحدة في هذا المجال وبعد هذا نقول :

ان المشهور عند علماء السنة هو القول
بتحريف القرآن وقد رووا في كتبهم روايات
كثيرة وهي:

1 ـ روى ابن عبّاس ان عمر قال : فيما قال وهو
على المنبر : " ان الله بعث محمداً صلى الله
عليه وآله بالحقّ وانزل عليه الكتاب فكان
مما انزل الله آية الرجم فقرأناها
وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله
صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده فأخشى ان
طال بالناس زمان ان يقول قائل والله ما نجد
آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة
أنزلها الله والرجم في كتاب الله حقّ على
من زنى إذا أحصن من الرجال ... صحيح مسلم ـ
كتاب الحدود ـ باب رجم الثيّب في الزنا ،
الحديث 15 ص 1317 الطبعة الثانية.

وذكر السيوطي اخرج ابن اشته في المصاحف عن
الليث بن سعد قال " اول من جمع القرآن
ابوبكر كتبه زيد .. وان عمر اتى بآية الرجم
فلم يكتبها لأنه كان وحده " الاتقان في
علوم القرآن للسيوطي : ج 1 ص 206 الهيئة
المصرية العامة للمكتبات.

وآية الرجم التي ادعى عمر أنها من القرآن
ولم تقبل منه رويت بوجوه منها : أذا زنى
الشيخ والشيخة فارجموهما البتة

( 100 )

نكالاً من الله والله عزيز حكيم.

ومنها : " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة
بما قضيا من اللذة.

ومنها : ان الشيخ والشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة.

وعلى اي تقدير فليس في القرآن الموجود ما
يستفاد منه حكم الرجم المذكور فلو صحت
الرواية فلازمة سقوط آية من القرآن.

2 ـ واخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن
الخطاب مرفوعاً " القرآن ألف ألف وسبعة
وعشرون ألف حرف " الاتقان في علوم القرآن
للسيوطي : ج 1 ص 242.

بينما ان القرآن الذي بين ايدينا لا يبلغ
ثلث هذا المقدار وعليه فقط سقط من القرآن
اكثر من ثلثيه.

3 ـ وروى ابن عبّاس عن عمر أنه قال : ان الله
بعث محمداً بالحقّ وانزل معه الكتاب ، فكان
مما انزل اليه آية الرجم فرجم رسول الله
صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده ، ثم قال:
كنّا نقرأ " ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر
بكم " أو ( ان كفراً بكم ان ترغبوا عن آبائكم
) مسند أحمد : ج 1 ص 47 ، دار الفكر.

4 ـ وروى نافع انّ ابن عمر قال : ليقولنّ
احدكم قد أخذت

القرآن كلّه وما يدريه ما كلّه قد ذهب من
قرآن كثير ولكن ليقل قد اخذت منه ما ظهر )
الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج 3 ص 81 و
82.

5 ـ وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت :
كانت سورة الاحزاب تقرأ في زمن النبي صلى
الله عليه وآله مأتي آية فلما كتب عثمان
المصاحف لم نقدر منها الاّ على ما هو الآن )
الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج 3 ص 82.

6 ـ وروت حميدة بنت ابي يونس قالت قرأ علي
أُبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة
ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها
الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً
وعلى الذين يصلون في الصفوف الاولى قالت :
قبل ان يغير عثمان المصاحف ، الاتقان في
علوم القرآن للسيوطي : ج 3 ص 82.

7 ـ وروى زرّ قال : قال ابيّ بن كعب يازرّ :
كايّن تقرأ سورة الاحزاب قلت : ثلاث وسبعين
آية قال : ان كانت لتضاهي سورة البقرة او هي
اطول من سورة البقرة ... " منتخب كنز العمال
بهامش مسند احمد : ج 2 ص 43.

8 ـ وروى ابن ابي داود وابن الانباري عن
ابن شهاب قال : بلغنا انه كان انزل قرآن
كثير فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا

( 102 )

قد وعوه ولم يعلم بعدهم ولم يكتب . منتخب
كنز العمال بهامش مسند حمد : ج 2 ص 50.

9 ـ وروى عمرة ، عن عائشة انها قالت : كان
فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات
يحرمن ثم نسخن بـ : خمس معلومات ، فتوفّي
رسول الله صلى الله عليه وآله وهنّ فيما
يقرأ من القرآن ، صحيح مسلم : ج 2 كتاب
الرضاع باب 6 ص 1075 ، الطبعة الثانية.

10 ـ وروى المسور بن مخرمة قال : قال عمر
لعبد الرحمن ابن عوف : الم تجد فيما انزل
علينا ان جاهدوا كما جاهدتم اول مرة فإنّا
لا نجدها ، قال : أسقطت فيما اسقط من القرآن
، الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج 3 ص 84.

11 ـ وروى ابو سفيان الكلاعي انّ مسملة بن
مخلد الانصاري قال لهم ذات يوم : اخبروني
بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف ، فلم
يخبروه وعندهم ابو الكنود سعد بن مالك فقال
ابن مسملة : انّ الذين آمنوا وهاجروا
وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم
الا ابشروا انتم المفلحون والذين آووهم
ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب
الله عليهم اولئك لا تعلم نفس ما اخفي لهم
من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون "

( 103 )

الاتقان في علوم القرآن للسيوطي : ج 3 ص 84.

12 ـ وقد نقل بطرق عديدة عن ثبوت سورتي
الخلع والحفد في مصحف ابن عباس وابي بن كعب
اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك
ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم
اياك نعبد ولك نصلّي ونسجد واليك نسعى
ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك
بالكافرين ملحق ) الاتقان في علوم القرآن
للسيوطي : ج 1 ص 227.

وهناك غيرها من الروايات ايضاً ذكرت في
كتب السنة .

فماذا يقول هذا الكاتب وبماذا يجيب ؟

على انّ المشهور بين علماء الشيعة
ومحقّقيهم بل المتسالم على بينهم هو القول
بعدم التحريف واستدلوا بعدّة ادلة من
القرآن ومن احاديث النبي صلى الله عيله
وآله على ان القرآن لا تحريف فيه ومن ذلك
قوله تعالى : (انا نحن نزلنا الذكر وانا له
لحافظون) 1 وقوله تعالى : (وانه لكتاب عزيز
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
تنزيل من حكيم حميد) 2 ومن الاحاديث قوله
صلى الله عليه وآله : " إنّي تارك فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي
وإنّهما لن يفترقا حتى



1) سورة الحجر ، الآية 9.

2) سورة فصلت ، الآيتان 41 و 42.

( 104 )

يردا عليّ الحوض " 1.

وغيرها من الادلّة بل إنّ القول بعدم
التحريف من معتقدات الاماميّة التي صرّح
بها علماؤهم ، كالشيخ الصدوق محمد بن
بابويه القمي ، والشيخ ابي جعفر محمد بن
الحسن الطوسي والطبرسي ، والسيد المرتضى ،
والشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والشيخ محد جواد
البلاغي ، وغيرهم من اقطاب العلماء
والفقهاء الشيعة.

بل قام اجماعهم على ذلك.

ونحيل الكاتب على كتاب البيان في تفسير
القرآن وهو للسيد ابي القاسم الخوئي احد
ابرز علماء الشيعة في العصر الحديث ليقف
على الدفاع عن القرآن الكريم باسلوب علمي
محكم.

واما الروايات التي وردت في كتب الشيعة
وظاهرها التحريف ، فهي : اما مردودة لا
يعتمد عليها ، واما مؤولة على وجوه اخرى لا
تتنافى مع القول بسلامة القرآن عن التحريف.

والنتيجة ان الشيعة الامامية لا تقول
بتحريف القرآن ،



1) اخرجه الترمذي : ج 5 ص 329 ، طبعة دار الفكر
ـ بيروت.

ومستدرك الحاكم : ج 3 ص 18 ح 4576 وص 161 ح 4711.

( 105 )

ومجرد وجود رواية في كتبهم لا يعني الاخذ
بها ، فما عند السنة من ذلك الشيء الكثير
وقد ذكرنا بعضه.

قال الكاتب : ومن جهة اخرى انّهم يعتقدون
ايضاً انّ القرآن الموجود حالياً لم يدوّن
الاّ على يدي ابي بكر وعمر وعثمان بينما هم
غاصبون لخلافة علي عليه السلام وهذا ( اي
غصب الخلافة ) يثبت خيانتهم وفقد الايمان
الصحيح.

ونقول : انّ القرآن قد دوّن وجمع في زمان
النبي صلى الله عليه وآله لانّ الروايات
المذكورة في جمع القرآن بعد النبي صلى
الله عليه وآله كلّها مضطربة ومتناقضة ،
كما انها مخالفة للعقل وتستلزم القول
بالتحريف ، وقد بحث السيد ابو القاسم
الخوئي هذه المسألة في كتابه البيان في
تفسير القرآن فإن شاء هذا الكاتب ان يقف
على حقيقة الامر فليرجع الى هذا الكتاب 1.

واما مسألة الخلافة ، فقد ذكرنا اكثر من
مرّة انّ الشيعة تعتقد بأنّ النبي صلى
الله عليه وآله نص على إمامة الائمة عليهم
السلام من بعده وعيّنهم بأسمائهم وعى ذلك
ادلّة الشيعة في هذا المجال في كتبهم
الاعتقاديّة.

قال الكاتب : وبحسب اعتقادهم انّ القرآن
الصحيح قد



1) البيان في تفسير القرآن : ص 257 و 278 الطبعة
الثانية 1385 هـ 1965 م.

( 106 )

خلّفه الرسول للامام علي عليه السلام
وعندما لم يفسح له الاعداء مجالاً لخلافة
النبي صلى الله عليه وآله اخفاه الامام
واوصاه لأولاده المعروفين بالائمة الى ان
وصل الى الامام الحادي عشر ، فقام بدوره
وسلّمه الى الامام الثاني عشر وهو الغائب
وعلى انّه اختفى وغاب بالقرآن الصحيح وعند
ظهوره سوف يخرج وينكشف هذا القرآن الصحيح
امام الملأ.

ونقول : انّ في كلام هذا الكاتب خلطاً
واضحاً ، وذلك لان الشيعة كما مرّ تعتقد
انّ القرآن هو هذا القرآن المتداول بين
المسلمين وهو عند الشيعة كما هو عند السنة
، وليس عند الشيعة ولا عند ائمتهم قرآن
آخر.

واما الذي عند الائمة فهي كتب اخرى غير
القرآن الكريم ، وانما هي كتب فيها من
العلوم والمعارف كان النبي صلى الله عليه
وآله يمليها على علي وكان علي يكتبها وهي
ليست كتب احكام وتشريع مخالفة للقرآن
الكريم ، بل فيها تفاصيل بعض الاحكام
الواردة في القرآن ، ويستند اليها الائمة
عليهم السلام في بعض ما ينقلون من الاحكام
، وهي من مختصّاتهم عليهم السلام وممّا
ورثوه عن جدّهم رسول الله صلى الله عليه
وآله وان كان لا يعمل على طبقها في زمان
غيبة الامام عليه السلام والمدار في في
زمانها على القرآن والسنة.

( 107 )

وكان الائمة عليهم السلام يتوارثون هذه
الكتب وهي موجودة الآن عند الامام الثاني
عشر . هذا هو معتقد الشيعة.

امّا ان القرآن الصحيح هو عند الامام
الثاني عشر وعند ظهوره سوف يخرج وينكشف
امام الملأ ، فهذا كذب وافتراء على الشيعة
واذا كان هذا الكاتب قد قرأ في كتب الشيعة
شيئاً من هذا القبيل فهو لم يفهم المعنى
المراد فخلط في كلامه وجرّه ذلك الى
الاتهام الباطل كما هي عادته.

قال الكاتب : ويذهبون بعيداً من القول ان
امامة علي واولاده تمّ التنصيص عليها في
هذا القرآن المذكور.

ونقول : ان ما يذهب اليه الشيعة هو التنصيص
على امامة علي واولاده في هذا القرآن
المتداول عند كافة المسلمين ويستدلون
بالآيات القرآنية والروايات الواردة عن
النبي صلى الله عليه وآله التي رواها
علماء السنة في صحاحهم كآية التطهير وآية
المباهلة وآية المودة وآية الغدير ، وهي
قوله تعالى : (يا ايها الرسول بلغ ما انزل
اليك من ربك وان لم تفعل فما بلّغت رسالته
والله يعصمك من الناس) 1 حيث نزلت هذه الآية
في غدير خم وهو مكان بين مكة والمدينة بعد
منصرف النبي صلى الله عليه وآله من حجّة
الوداع ، وقد روى هذه



1) سورة المائدة ، الآية 67.

( 108 )

الحادثة علماء السنة في كتبهم وألّفت
فيها كتب عديدة.

وآية الولاية وهي قوله تعالى : (انما وليكم
الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) 1 وقد
نزلت هذه الآية في قصة مشهورة ذكرت في كتب
التفاسير وآية الانذار يوم الدار وغيرها
من الآيات ، وهكذا الروايات الواردة عن
النبي صلى الله عليه وآله كحديث الثقلين ،
وحديث المنزلة ، وحديث السفينة ، وأحاديث
اخرى كثيرة ، مما أشرنا فيما تقدّم.

والنتيجة ان الشيعة تستدل على إمامة
ائمتّهم بآيات هذا القرآن الكريم وأمّا
الكتب التي هي عند الائمة عليهم السلام
فهي كتب خاصة لهم يتوارثونها فيما بينهم.

قال الكاتب : ان ما عليه الشيعة من القول
يعادل من يرفض وينكر هذا القرآن بكونه
صحيحاً ومحتوياً على احكام الله وشرائعه
المنزلة على رسوله لهداية الناس (الامّة)
فالانكار للقرآن الكريم يستلزم الانكار
لنبوة محمد صلى الله عليه وآله نفسه ولكن
الشيعة لا يظهرون هذا الانكار لأجل
التقيّة ولما ينجم عن الانكار الصريح
تلويث ورقة الاسلام بالفضيحة.

ونقول : ان هذا الكاتب يدّعي علم الغيب ،
فإنّه اطّلع على



1) سورة المائدة ، الآية 55.

( 109 )

قلوب الشيعة ، وعرف انّهم لا يظهرون هذا
الانكار لأجل التقية ، ثمّ هو يناقض نفسه
فهو في الوقت الذي يتهم الشيعة بالكفر ثمّ
هو يناقض نفسه فهو في الوقت الذي يتهم
الشيعة بالكفر والخروج عن الدين يرى انّهم
يخافون على الاسلام من ان تتلوث ورقته
بالفضيحة ان افكار هذا الكاتب مبعثرة ولا
يدري ماذا يقول فهو تارة يمدح وتارة يذمّ
وتارة يدّعي علم الغيب وتارة يهاجم واخرى
يدافع وكل ذلك يدل على اضطراب في نفسه وحقد
دفين في قلبه ، ولا يسعنا الاّ ان نسال الله
له الشفاء.

الشيعة والسنة النبويّة

قال الكاتب : انّهم لا ينكرون القرآن فحسب
، بل يمتدّ هذا التكذيب والرفض الى الكتب
الحديثية (الصحاح الستة) فبناء على دعواهم
يقولون ان لديهم كتب حديثية وما فيها من
أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله لا
تتجاوز الخمسة بالمائة والبقية يعني 95%
(الخمسة والتسعون) من الاقوال والافعال
ترجع الى ائمتهم ان كلمة الحديث في
مصطلحهم تعني أقوال ائمتهم وافعالهم
وتقريراتهم.

ونقول : انّ الشيعة تعتقد ان النبي صلى
الله عليه وآله جاء بالشريعة كاملة غير
منقوصة ، وقد بيّن تعاليم الاسلام وأحكامه
من خلال القرآن

( 110 )

الكريم واحاديثه صلى الله عليه وآله وقد
نصّ بأمر من الله على إمامة الائمة من
ذرّيته وعترته وجعلهم خلفاء من بعده وامر
بأخذ العلم والمعرفة منهم اذ هم الاعرف
والاعلم من كلّ الناس بعد النبي صلى الله
عليه وآله لانّهم اهل البيت وهم ادرى
بالذي في البيت والائمة عليهم السلام
اخذوا العلم عن طريق الوراثة من رسول الله
صلى الله عليه وآله فإذا تحدّثوا فإنّما
يتحدّثون عن النبي صلى الله عليه وآله
وقولهم قول النبي ، وحديثهم حديث النبي
صلى الله عليه وآله ، لكونهم ورّاث النبي
صلى الله عليه وآله ولمّا قامت الادلّة
على ذلك وثبت انهم عليهم السلام اخذوا
العلم عن النبي صلى الله عليه وآله وقد
امرنا النبي صلى الله عليه وآله باتّباعهم
، فإنّهم سفينة النجاة ومثلهم كمثل سفينة
نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى
وانّهم عدل القرآن وانّهم عترة النبي صلى
الله عليه وآله يتضح بذلك مسلك الشيعة
وطريقتهم في اخذ الاحكام فهم انما يأخذون
التعاليم من أئمّتهم عليهم السلام لأنّ
اقوالهم وأحاديثهم هي التي توصل الى
الرسول صلى الله عليه وآله ولأنّهم باب
حطة وهم سفينة النجاة ورثة علمه صلى الله
عليه وآله وليس احد من الناس اقرب الى
الرسول صلى الله عليه وآله من اهل بيته ولا
أحد اعلم ولا اعرف بالاحكام منهم بعد النبي
صلى الله عليه وآله وكان ينبغي على كافة
المسلمين ان يسلكوا هذا المسلك وكان
الصحابة انفسهم يأخذون الاحكام من امير
المؤمنين علي بن

( 111 )

ابي طالب عليه السلام ويرجعون اليه اذا
اشكل عليهم الامر فإنّه باب مدينة علم
النبي صلى الله عليه وآله حتى قال عمر
كلمته المشهورة لولا علي لهلك عمر.

الشيعة لا تقول انّ الائمة في مقابل النبي
ولهم طريق يخالف طريق النبي بل تقول ان
طريق الائمة وسيرتهم هو طريق النبي صلى
الله عليه وآله وسيرته لانّهم اهل بيته
وعترته وذرّيته وهو صلى الله عليه وآله
امر المسلمين باتباعهم كما في حديث
الثقلين والعاقل المنصف إذا فكر في هذا
الامر رأى ان الاخذ عن الائمة عليهم
السلام الذين هم ذرية النبي صلى الله عليه
وآله واهل بيته هو الطريق الصحيح المؤدّي
الى الرسول صلى الله عليه وآله ولمّا قرن
النبي صلى الله عليه وآله بين القرآن
والعترة واخبر انّهما لن يفترقا علمنا
بعصمتهم عن الخطأ ويكون قولهم وفعلهم
وتقريرهم كلّ ذلك على طبق الحقّ والصواب.

ثمّ إنّ هذا الكاتب يدّعي اننّا لا نأخذ
الاّ عن ائمّتنا ، وهذا كذب صريح إنّ
الشيعة تأخذ عن النبي صلى الله عليه وآله
وعن ائمّتهم الذين امر النبي باتّباعهم ،
ولكن لابدّ ان يعلم انّه ليس كلّ حديث يروى
يعتمد عليه ؛ لأنّنا علمنا انّ كثيراً من
الروايات مكذوبة لما اخبر به النبي صلى
الله عليه وآله بقوله : لقد كثرت علي
الكذابة وستكثر من بعدي.

( 112 )

فمن اجل صيانة الحديث الشريف وتنزيهه عن
عبث العابثين لابدّ من عرضه على المقاييس
الصحيحة ليعرف منها صدق الحديث من غيره
كما هو معلوم عند علماء السنة ، فما وافق
المقاييس اخذ به وما لم يوافقها يرد وليس
ردّ الحديث تكذيباً للنبي صلى الله عليه
وآله كما قد يتوّهم هذا الكاتب ويبادر
للاتهام فإن هذا امر يعرفه علماء السنّة
والغرض منه صيانة الحديث والدفاع عنه.

وتبيّن من ذلك ان الشيعة في اخذها
الاحاديث عن ائمتها باعتبار انّ طريقهم
اوثق الطرق واقربها الى رسول الله صلى
الله عليه وآله واعرفها بمقاصده.

قال الكاتب : ولاجل ذلك ان الشيعة قد قطعوا
حبل الرسول صلى الله عليه وآله وفتّتوا عرى
الاسلام في حين قال صلى الله عليه وآله في
حجّة الوداع الاخيرة في حياته ما نصّه :
إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم
بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي.

ونقول : ان الشيعة بفعلهم حفظوا الدين
وصانوه عن التلاعب لانّهم يعتقدون انّ
الدين وضعه النبي في ايدي امينة وهم عترته
واهل بيته وامر الناس باتباعهم واقتفاء
آثارهم لانهم اعرف الناس بمرادات النبي
صلى الله عليه وآله ومقاصد القرآن وذلك
لانهم عليهم السلام ورثوا العلم عن رسول
الله صلى الله عليه وآله . وليس الامر كما
يدّعيه هذا الكاتب من انهم قطعوا حبل
الرسول صلى الله عليه وآله وفتّتوا عرى
الاسلام.

( 113 )

فيا ايّها العقلاء والمفكّرون هل في
اتّباع ذرية الرسول صلى الله عليه وآله
الذين امر النبي باتّباعهم قطع لحبل
الرسول صلى الله عليه وآله ؟ وهل في
الاقتداء بأهل البيت تفتيت لعرى الاسلام ؟
كيف لهذا الكاتب ان يسمّى الاشياء بغير
اسمائها ؟ وكيف له ان يعكس الحقائق
ويبدلها ؟ نحن لا ندري ولعل الكاتب ايضاً
لا يدري.

وامّا ما ذكره من الرّواية : " إنّي تارك
فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن
تضلّوا بعدي كتاب الله وسنتي " فالمتواتر
عند الشيعة والسنّة انّ المروي عن النبي
صلى الله عليه وآله هو قوله : وعترتي ، لا
وسنتي . وهذه الرواية وردت بأسانيد متعددة
بلغت حدّ التّواتر ، ونقلها علماء السنة
في كتبهم ، فضلاً عن علماء الشيعة ، فقد
وردت هذه الرّواية في كل من صحيح مسلم ،
وسنن الدرامي ، وخصائص النسائي ، وسنن ابي
داود ، وابن ماجة ، ومسند احمد ، ومستدرك
الحاكم ، وذخائر الطبري ، وحلية الاولياء
، وكنز العمّال ، وتفسير الرازي ، وتفسير
الثعلبي ، وتفسير النّيسابوري ، وتفسير
الخازن ، وتفسير ابن كثير ، وغيرها.
بالاضافة الى الكثير من كتب التاريخ
واللغة والسير والتراجم.

وقد اشتهر هذا الحديث شهرة واسعة نظراً
الى ان النبي صلى الله عليه وآله كان يكرره
في اكثر من موضع ، وقد ذكروا انّ النبي صلى
الله عليه وآله قاله في

( 114 )

حجة الوداع بعرفة ، وبالمدينة في مرضه وقد
امتلأت الحجرة بأصحابه ، وفي غدير خم ، وفي
الطائف ، وغيرها من المواطن.

ومن هنا تعددّت طرقه واسانيده حتى بلغت
اكثر من مائة طريق 1 .

وقد استشهد الامام الرضا عليه السلام ـ
وهو الثامن من ائمة اهل البيت عليهم
السلام ـ بهذا الحديث في مناظرة علمية جرت
بينه وبين العلماء في مجلس المأمون
العباسي.

روى الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي بسنده
عن الريّان بن الصّلت قال : حضر الرضا عليه
السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في
مجلسه جماعة من علماء اهل العراق وخراسان
، فقال المامون : اخبروني عن معنى هذه
الآية : (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا
من عبادنا) 2 فقالت العلماء : أراد الله
عزّوجل بذلك الامة كلّها.

فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟
فقال الرضا عليه السلام : لا اقول كما
قالوا ، ولكنّي اقول : اراد الله العترة
الطاهرة.

فقال المأمون : وكيف عنى العترة من دون
الامة ؟ فقال له



1) الاصول العامة للفقه المقارن : ص 164 و 165 ،
الطبعة الثانية بتصرّف.

2) سورة فاطر ، الآية 32.

( 115 )

الرضا عليه السلام : انّه لو اراد الامة
لكانت بأجمعها في الجنة ، لقول الله تبارك
وتعالى : (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد
ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو
الفضل الكبير) 1.

ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : (جنات عدن
يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهب) 2
فصارت الوراثة للعترة الطّاهرة لا لغيرهم.

فقال المأمون : من العترة الطاهرة ؟

فقال الرضا عليه السلام : الذين وصفهم
الله في كتابه ، فقال جلّ وعزّ : (انما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهّركم
تطهيراً) 3 .

وهم الذين قال رسول الله صلى الله عليه
وآله : " اني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله
وعترتي اهل بيتي ، وانهما لن يفترقا حتى
يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني
فيهما ، ايها الناس لا تعلّموهم فإنّهم
اعلم منكم ".

قالت العلماء : اخبرنا ـ يا ابا الحسن ـ عن
العترة اهم الآل ،



1) سورة فاطر ، الآية 33.

2) سورة فاطر ، الآية 33.

3) سورة الاحزاب ، الآية 33.

( 116 )

او غير الآل ؟ فقال الرضا عليه السلام : هم
الآل.

فقالت العلماء : فهذا رسول الله صلى الله
عليه وآله يؤثر عنه انه قال : امّتي آلي .
وهؤلاء اصحابه يقولون بالخبر المستفاض
الذي لا يمكن دفعه : آل محمد امّته .

فقال ابو الحسن عليه السلام : اخبروني هل
تحرم الصّدقة على الآل ؟ قالوا : نعم . قال :
فتحرم على الامّة ؟ قالوا : لا . قال : هذا
فرق ما بين الآل والامّة ، ويحكم اين يذهب
بكم ، اضربتم عن الذكر صفحاً ام انتم قوم
مسرفون ! اما علمتم انه وقعت الوراثة
والطهارة على المصطفين دون سائرهم ؟ .... 1.

والرّواية طويلة اقتصرنا منها على موضع
الحاجة.

والحديث ـ بعد ذلك ـ احد معالم النبوّة
ومعجزاتها الخالدة ويمكن اجمال معطياته
فيما يلي :

اولاً : دلالته على عصمة العترة الطّاهرة
فإنّها عدل الكتاب ، وكما انّ القرآن لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
فكذلك ققرناؤه ، وانهما معا عاصمان عن
الضلالة دائماً وابداً ما دام التمسّك
بهما قائماً ، والعاصم عن الضّلال لابد
وان يكون



1) الامالي المجلس التاسع والسبعون ،
الحديث 1 ص 614 و 615 ، الطبعة الاولى المحققة.

( 117 )

معصوماً والاّ ففاقد الشيء لا يعطيه.

وثانياً : ضرورة التمسّك بهما معاً وانّ
احدهما لا يغني عن الآخر ، ومعنى التمسّك
بهما الاخذ بتعاليمهما والسير على
منهاجهما ، ولو كان يمكن الاكتفاء بأحدهما
لضمان عدم الانحراف والضلال لنبّه النبي
صلى الله عليه وآله على ذلك . ومن هنا يعلم
انّ قول من قال حسبنا كتاب الله 1 يتضمّن
الردّ على الرسول صلى الله عليه وآله .

وثالثاً : دلالته على بقاء العترة الى جنب
الكتاب وانّهما لن يفترقا حتى يردا الحوض
على النبي صلى الله عليه وآله ، فما دام
القرآن موجوداً فلابدّ ان تكون العترة الى
جانبه ، وهذا المعنى لا ينسجم الاّ مع ما
تذهب اليه الشيعة الامامية من بقاء
الامامة ووجود الامام الى ان يرث الله
الارض ومن عليها.

ورابعاً : دلالته على جامعية العترة لكل
ما يحتاج اليه الناس من العلوم والمعارف ،
وهذا ما اكّدته سيرتهم عليهم السلام حيث
كانوا فإنّهم معدن العلوم والاسرار
والاحكام ، وكانوا ملاذ المسلمين في
النوازل والحوادث والمعضلات.

وخامساً : دلالته على انحصار المعرفة
والعلم بالكتاب بهم عليهم السلام دون من
سواهم فإنّهم اهل البيت وهم ادرى بما فيه ،



1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ج 1 باب
كتابة العلم : ص 168 الطبعة الثانية 1402 هـ ـ
1982 م دار احياء التراث العربي.

( 118 )

فلا يعرف الكتاب حق معرفته الاّ من نزل
الكتاب في ابياتهم وورثوا علومه واسراره
عن رسول الله صلى الله عليه وآله .

وغير ذلك . ونلفت النظر الى ما جاء في
كتابي المراجعات للسيد شرف الدين رحمه
الله ولا سيما المراجعة الثامنة ، وكتاب
الاصول العامّة للفقه المقارن للسيّد
محمّد تقي الحكيم حفظه الله في الفصول
السبعة التي تناول البحث فيها حول السنّة
فلا غنى لطلاب الحقيقة في هذا الموضوع
عنهما .

وأمّا ما ذكره الكاتب من الرواية
المشتملة على لفظ (وسنتي) بدلاً من (وعترتي)
فهم لم ترد الاّ في روايات قليلة جداً ، مع
الضّعف في اسنادها.

يقول السيّد الحكيم : وفي حدود تتبّعي
لكتاب الحديث ، واستعانتي ببعض الفهارس ،
لم اجد رواية وسنّتي الاّ في عدد من الكتب
لا تتجاوز عدد الاصابع لليد الواحدة ، وهي
مشتركة في رواية الحديثين معاً ، اللهم
الاّ ما يبدو من مالك حيث اقتصر في الموطّأ
على ذكرها فحسب ، ولم يذكر الحديث الآخر ـ
إن صدق تتبّعي لما في الكتاب.

يقول راوي الموطأ : وحدّثني عن مالك : "
انّه بلغه انّ رسول الله صلى الله عليه
وآله قال : تركت فيكم امرين لن تضلّوا ما
تمسّكتم بهما:

( 119 )

كتاب الله وسنة نبيه " ، ويكفي في توهين
الرواية انّها مرفوعة ولم يذكر الكتاب
رواتها، مما يدل على عدم اطمئنان صاحبها
ولسانها : " عن مالك انّه بلغه انّ رسول
الله " ، ولعلّ الموطّأ هو اقدم مصادرها في
كتب الحديث ، كما أنّ ابن هشام هو اقدم
رواتها في كتب السير فيما يبدو . وما عدا
هذين الكتابين ، فقد ذكرها ابن حجر في
صواعقه مرسلة ، وذكرها الطبراني فيما حكي
عنه 1 .

ونضيف هنا انّه لا يبعد القول انّ الأيدي
العابثة حرّفت الكلم عن مواضعه ، وابدلت
لفظ وعترتي بلفظ وسنتي ، ونسب الى رسول
الله صلى الله عليه وآله افتراء على الله
وعلى الرسول وبيان ذلك انّ نقول : ما
المراد من لفظ وسنتي ؟

فإن كان المراد به نفس الالفاظ الصّادرة
عن النبي صلى الله عليه وآله فهي ليست
باقية بنفسها الى يومنا كبقاء كتاب الله
وعترة النبي صلى الله عليه وآله ، فما صدر
عن النبي صلى الله عليه وآله انّما صدر في
زمان وجوده صلى الله عليه وآله وقد تصرّم
وانقضى فالوجود العيني الحقيقي لما صدر
عنه غير متحقق لأن الالفاظ ترجع الى الكيف
المحسوس وهو من الاعراض القائمة بالغير
ولا وجود لها في نفسها ، كما انها سريعة
الزّوال كالقيام والقعود ونحوهما ممّا لا
استقرار له .



1) الاصول العامة للفقه المقارن : ص 171 و 172 ،
الطبعة الثانية.

( 120 )

وان كان المراد به وجودها في كتب الشّيعة
والسنة او في صدور الناس فهي قابلة
للتشكّك وتعرضها الزّيادة والنقيصة
والاشتباه والسّهو والنسيان من غير
المعقول ان يجعل النبي صلى الله عليه وآله
ذلك اماناً للامّة وعاصماً لها عن
الضّلال.

واي عصمة في ذلك ؟ ما دامت عرضة للتغير
والتبدل بالزيادة والنقيصة ونحوهما على
انّ السنّة النبويّة بهذا المعنى قد منيت
بالتلاعب والعبث والدّس حتى في زمان النبي
صلى الله عليه وآله وقد كثر الكذب عليه
وحذّر من مغبّة ذلك وخطره ، فقال صلى الله
عليه وآله : " من كذب عليّ متعمّداً
فليتبوّأ مقعده من النار " وقال صلى الله
عليه وآله : " من كذب عليّ فهو في النار " 1.

ونقل محمود ابو رية في كتابه شيخ المضيرة
ابو هريرة كلاماً لابن حزم فيه التصريح
بذلك وممّا جاء فيه قوله : (وقد كذب على
النبي صلى الله عليه وآله وهو حيّ ، وقد
كان في عصره منافقون ومرتدّون ، فلا يقبل
حديث قال روايه فيه : عن رجل من الصّحابة او
حدثني من صحب رسول الله حتى يسمّيه ، ويكون
معلوماً بالصحبة الفاضلة ... " 2 .



1) الجامع الصغير : ج 2 الحديثان 8993 و 8994 ص 641
و 642 الطبعة الاولى 1401 هـ .

2) شيخ المضيرة ابو هريرة : ص 117 ، الطبعة
الثالثة.

( 121 )

ونقل ابن ابي الحديد عن شيخه ابي جعفر
الاسكافي انّه ذكر انّ معاوية وضع قوماً
من الصّحابة ، وقوماً من التابعين على
رواية اخبار قبيحة في علي عليه السلام
تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم
على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما
ارضاه ، منهم ابو هريرة ، وعمرو بن العاص ،
والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن
الزبير 1 .

وذكر ابن ابي الحديد نماذج كثيرة من
الاكاذيب والافتراءات على الرسول صلى
الله عليه وآله نكتفي بذكر اثنين منها
الاوّل : قال : روى الزهري انّ عروة بن
الزبير حدّثه ، قال : حدثتني عائشة ، قالت :
كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله اذ
اقبل العبّاس وعليّ ، فقال : يا عائشة انّ
هذين يموتان على غير ملّتي ـ او قال ديني 2 .

الثاني : قال : وامّا الحديث الثاني فهو
انّ عروة زعم انّ عائشة حدثته ، قالت : كنت
عند النبي صلى الله عليه وآله اذ اقبل
العباس وعلي فقال : يا عائشة ان سرّك ان
تنظري الى رجلين من اهل النار فانظري الى
هذين قد طلعا فنظرت ، فاذا العبّاس وعليّ
بن ابي طالب 3 .



1) شرح نهج البلاغة : ج 4 ص 63 ، دار إحياء
الكتب العربية.

2) شرح نهج البلاغة : ج 4 ص 63 و 64 ، دار إحياء
الكتب العربية.

3) شرح نهج البلاغة : ج 4 ص 64.

( 122 )

فإذا كان الافتراء على الرسول صلى الله
عليه وآله ونسبة الاباطيل الى ساحة قدسه
صلى الله عليه وآله شائعاً في زمانه وبعد
زمانه من بعض الصحابة والتابعين حيث
ينسبون اليه صلى الله عليه وآله ـ وحاشاه ـ
القدح في اقرب النّاس اليه كعمه وابن عمه
ولا يتورعون في ذلك فما ظنّك بالاحكام
ومؤنة الوضع فيها اسهل وايسر ، فتنسب الى
النبيّ ويتلقّاه المتأخرون على انها سنّة
النبي صلى الله عليه وآله.

ثم إذا فرضنا ان احداً دخل الاسلام واطّلع
على هذه الرّواية المشتملة على لفظ وسنّتي
، وبحث عن السنة ليتمسّك بها لتحصيل الامن
من الضلال ، ووقف على هذا الاختلاف الكثير
اتراه يطمئن الى ذلك ؟ ام تراه حائراً لا
يهتدي الى شيء ؟ ام انّ الضرورة تحتم وجود
العترة الى جانب الكتاب ، وهي العالمة بما
صدر عن النبي صلى الله عليه وآله من قول او
فعل ؟

وخلاصة القول : انّه بغض النظر عن سند
الرّواية فإننّا ننزّه النبي صلى الله
عليه وآله ونجلّ ساحة قدسه ان يقول وسنّتي
وانّه لفظ وضعه المفترون (وأرادوا به
كيداً فجعلناهم الاخسرين) 1 ولا حول ولا
قوة الاّ بالله العلي العظيم.

قال الكاتب : تفرقت الشيعة بما هي الى اكثر
من 24 فرقة



1) سورة الانبياء ، الآية 70 .

( 123 )

اكبرها الشيعة الاثنا عشرية حيث تتميز
وتنفرد عن اخراها باتباع اثني عشر اماماً
الذين نصبهم الله تعالى حسب مدّعاهم ورغم
وجود افتراق بين هذه الفرق فهي جميعاً
تلتقي عند نقطة مشتركة هي الايمان
والاعتقاد بوجود الامام والفرق بسيط جداً
، فالكلّ من هذه الفرق يؤمن بالامامة
لانها امتداد لنبوة وما تزال للنبوّة
قائمة بواسطة الامامة وبعبارة اخرى
الائمة هم الأنبياء.

ونقول : ما اشدّ جرأة هذا الكاتب واقل
حياءه ليته لمّا لم يفهم سأل واستفهم ، ولو
فعل لما بخل عليه بالاجابة والتوضيح فمن
اين قرأ او سمع ان الائمة هم الانبياء ؟
وكيف ساغ له الصاق هذه التهمة بالشيعة ـ
وهي بريئة مما نسب لها ـ زوراً وبهتاناً
واعتقاد الشيعة بأنّ الامامة بالتنصيص لا
يعني ذلك القول بالنبوّة وقد اوضحنا ذلك
مراراً الا ان هذا الكاتب عوّدنا ان يجترّ
ويعيد اقواله بمناسبة وبدون مناسبة ولا
نملك ونحن في مقام ابطال اكاذيبه الا ان
نسايره في مكرّراته والاجابة عنها .

الشيعة والتقية مرّة اخرى

قال : التقيّة او النفاق اصل واساس من صميم
اعتقاد الشيعة وهذا النفاق يصطلح عندهم
بالتقيّة.

( 124 )

ونقول : إنّ هذا الكاتب يرد على القرآن ـ
كما ذكرنا ذلك سابقاً ـ فإنّ الذي شرّع
التقية هو الله تعالى في القرآن الكريم
وقد اوردنا الآيات في موضع سابق من هذا
الكتاب . وليست التقية هي النفاق ، فهما
شيئان مختلفان مفهوماً ومصداقاً ، وقد
ذكرنا هذا ايضاً فيما مضى ، ونضيف هنا ان
الكاتب وامثاله هم الذين يلجؤن الشيعة الى
التقيّة ، فإن هؤلاء المغرضين الذين لا هدف
لهم الاّ إثارة الفتنة إذا كتبوا هذه
الاباطيل والأراجيف ونسبوها زوراً
وبهتاناً الى الشيعة وحرّكوا الناس ضدّهم
فمن الطبيعي انّهم يخافون على انفسهم
واعرضاهم واموالهم ، فيضطرون الى التخفّي
ظاهراً وقلوبهم مطمئنّة بالايمان واقعاً
، ولو انّهم جاؤا وجادلوا بالتي هي احسن
لكان خيراً للجميع ، وهذه محنة الشيعة على
مرّ التاريخ ، وقد ذكرنا بعض الوقائع
التاريخية التي نالها الشيعة من جراء
الحقد والعداوة ، ولا زال الشيعة يعانون
الويلات من ملقحي الفتن والاحقاد.

قال الكاتب : انّهم يلصقون مثل هذا النفاق
على سيّدنا علي على انّه علم بخيانة ابي
بكر وعمر على خلافته ، ولكنه لم يعترضهما
لاجل التقية في الخلافة آنذاك ، فهذه
الاكاذيب التي الصقت على سيّدنا علي تكشف
وضوح الانحراف في عقيدتهم

( 125 )

وانّهم ما كانوا يقصدون وراء افضاح صحابة
الرسول الاّ لأجل ان تتسنى لهم فرصة رفض
ولايتهم وخلافتهم ، وعلى هذا الاساس لم
يحبوا رسول الله صلى الله عليه وآله .

ونقول : لولا ان هذا الكاتب يذكر اسم
الشيعة ويعنيهم بالكلام لقلنا انّه يقصد
غيرهم ؛ لأنّ هذه الاوصاف والافاعيل التي
ينسبها اليهم لا تنطبق على الشيعة جملة
وتفصيلاً إنّ الشيعة صريحون في عقيدتهم
وآرائهم ، وقد بثّوها في كتبهم المنتشرة
في بقاع الارض ، يقارعون الحجة بالحجّة
والبرهان بالبرهان ، وليس الشيعة من الفرق
الباطنية التي تخفي عقائدها ، وإذا اضطرّ
الشيعة لاخفاء فإنما هو للظروف العصيبة
التي تمرّ بهم من الجائرين فتدفعهم الى
التستر خوفاً على ارواحهم واعراضهم ، وما
ذكره هذا الكاتب لا يمتّ الى الشيعة بصلة ،
ولكن اذا علمنا انّ هذا الكاتب يفتري ويرمي
القول بلا خوف من الله ولا رادع يتبين لنا
انّه إنما ينسب هذه الأباطيل الى الشيعة
من اجل اشاعة الفتنة بين المسلمين والاّ
فكيف يقول هذا الكاتب انّ الشيعة تلصق
النفاق بسيّدنا علي وهو الامام الاول
للشيعة وهل يصدّق عاقل ان تنسب الشيعة الى
إمامها النفاق ؟ ولكن ماذا نصنع مع شخص لا
يتقي الله ولا يخافه.

الشيعة والصحابة مرّة اخرى

قال الكاتب : ولأجل تحقيقهم لهذه الاهداف
الخطيرة انّهم لم يتسامحوا ولم يتركوا حتى
الامر البسيط في افضاح الصحابة وانزال
قيمهم ، ففي اعتقادهم يدّعون انّ الصحابة
الاجلاء كأبي بكر وعمر وعثمان (رض) انّهم
لم يكونوا فاهمين لتعاليم الرسول صلى الله
عليه وآله وعلى انهم كانوا يختلفون
ويفتعلون الاحاديث بينما كانوا خونة سرقة
لا يعرفون شيئاً من احكام الدين.

ونقول : عاد الكاتب الى نفس النغمات التي
كان يطلقها وان دل هذا على شيء فإنّما يدل
على افلاسه من العلم والمعرفة ، وقد
تكلمنا عن هذه النقطة في اكثر من موضع
وخلاصتها انّ الصحابة بشر وليسوا هم افضل
البشر ، فإنّ الانبياء ـ لا شكّ ـ افضل
منهم ثمّ انّ في الصحابة من بلغ الغاية
العليا في الايمان والتّقوى وفيهم من هو
اقلّ ايماناً ، ومنهم من هو منافق كما تحدث
القرآن عن ذلك وكلّ يجازى بحسب عمله .
وسيأتي بعض التفصيل حول هذا الموضوع.

قال الكاتب : وربّما الامر يثير زوبعة
ويصاب الانسان بصدمة ودهشة بمجرّد ان يسمع
الاتّهامات والافتراءات هذه ولكن

( 127 )

ليس بعجب ، فالشيعة او اتباعهم اناس اكثر
فرية وخيانة في الاسلام ناسبين ما تملي
عليهم قلوبهم الى الرسول صلى الله عليه
وآله .

ونقول : وهذه نغمة اخرى ليس فيها الاّ
السباب والشتائم والقول الزور ، والشيعة
اجلّ واسمى من هذه الاوصاف التي يحكي بها
الكاتب عن حقيقة نفسه.

ولو يوفق هذا الكاتب وأمثاله ممّن هو على
شاكلته ويجالس الشيعة وعلماءها لرأى صدق
الحديث واداء الامانة والاخلاص والتّقوى
والورع والعبادة والترفع عن الدّنايا ،
ولكن كيف يوفّق هذا الكاتب وقد امتلأ قلبه
حقداً ، فأعمى بصره وبصيرته عن رؤية الحق
فضلاً عن اتّباعه.

قال الكاتب : اتهموا الصّحابة على انّهم
تآمروا على الإسلام وخطّطوا لمحوه
ليتأتّى لهم إعادة وإجراء عادات العرب
الجاهلية التي كانت قبل الاسلام إن هذه
الاتهامات وامثالها ظاهرة يتسع نطاق
وجودها في كتبهم ومواعظهم ، فهي ظاهرة
تبرز وضوح انحرافهم وبغضهم للاسلام
المحمدي.

ونقول : وهذه نغمة ثالثة لكيل الاتّهامات
والافتراءات بلا حساب او مراعات لابسط
الآداب والتعاليم ، ولو كان هذا الكاتب
يهدف الى الحق لجاء بالدليل والبرهان لا
بالتهويل

( 128 )

والفوضى والكلام البذيء ولكنّه يعلن عن
عجزه بهذا الاسلوب ويفضح نفسه بهذه
الطريقة من الكلام ، وكفى بذلك حجة لنا
عليه وعلى امثاله ممّن هم على شاكلته ،
فليس هذا أدب المناظرة والاحتجاج ، وليس
بهذا الاسلوب يتوصل الناس الى معرفة
الحقيقة التي يحاول هذا الكاتب اخفاءها
بهذا التهويل وهذه الحملات المسعورة التي
لا هدف وراءها الاّ إثارة النعرات واضرام
نار الفتنة بين المسلمين.

التهويل والأساليب الملتوية

قال الكاتب : بالرغم من انّ الشيعة يقذفون
السموم ضدّ صحابة الرسول صلى الله عليه
وآله بالصراحة ، فقد فتح بعض اهل السنة
المناصرون لهم والذين لا يتمتّعون بمادة
علميّة فتحوا باب التآلف والتفاهم مع
الشيعة.

ونقول : إنّ هذا الكاتب بهذه العبارة يكشف
عن حقيقة نفسه المليئة بالحقد والحسد
ويحاول ان يسدّ الباب في وجه اخوانه الذين
عبّر عنهم بأنّهم لا يتمتّعون بمادة علمية
وفي الحقيقة انهم ليسوا كمثله في الحقد
والبغضاء والاّ فما المانع من فتح باب
الحوار والتفاهم ليحمل عليهم هذه الحملة
ويتّهمهم بقلّة العلم والمعرفة

( 129 )

وهذا ما يؤكّد لنا ما استنتجناه من خلال
كتابته عن نفسيته المضطربة القلقة ، فهو
يخاف ان يتصل الناس بالشيعة لئلا يفتضح
امام اعينهم لانّهم سيرون من الشيعة عكس
ما كان يشيعه هذا الكاتب عنهم ويفتريه
عليهم.

قال الكاتب : إنّ القليل من اهل السنة
نصبوا منبر الصداقة والاخوة مع اعداء
الرسول واعداء اصحابه الكرام انّه من يفعل
ذلك ( يعني التصادق مع الشيعة ) لن يكون من
اخوة اهل السنة ابداً..

ونقول : هذا اسلوب آخر يتبعه هذا الكاتب
ليخوف به هؤلاء الناس الذين تربطهم صلة
بالشيعة فهو اولاً يصفهم بالقلة
ليستصغروا في الاعين ، ولو ترك هذا الكاتب
افتراءاته لازداد العدد لأن الطبيعة
البشرية تدفع الانسان الى التفاهم
والتساؤل ، والانسان يحب ان يطلع على
احوال الغير ويتعرف عليهم ، وما المانع من
ذلك لولا هذه المعكّرات التي يمارسها هذا
الكاتب ، وامثاله.

وثانياً : يستخدم اسلوب التهديد بقوله لن
يكون من اخوة اهل السنة ابداً ولماذا هذا
الحجر على العقول والافكار ولماذا هذه
الطريقة في منع اتصال الشيعة بالسنة ،
فالجميع مسلمون واختلاف

( 130 )

الآراء والانظار امر طبيعي بين البشر ،
ولكن ماذا نصنع مع هذا التعجرف والتحجر
والهمجيّة في عصر العلم والمعرفة
والثقافة.

قال الكاتب : اي داع يجعلنا نذل انفسنا
بهذا الشكل وبكل بساطة في عقيدتنا بمثل
هذه الامور ، فاذا كانت هناك حاجة الى
التضامن والوحدة فعليهم (يعني الشيعة)
الاتحاد والتضامن مع الشيطان والقاديانية
إن ّ اناساً كمثل هؤلاء يتعاملون مع الشيعة
ليسوا الاّ مذبذبين مفضحين للاسلام.

ونقول : هذا ايضاً اسلوب آخر يتّخذه
الكاتب لمنع هؤلاء من الاتصال بالشيعة وهو
محاولة اظهار انّ له مكانة سامية ولا داعي
لأن يذل نفسه بهذه البساطة ، ولا ندري كيف
توهّم هذا الكاتب انّ في ذلك إذلالاً
للنفس وتنازلاً عن عقيدته ورأيه ، ومتى
كان في مثل هذه اللقاءات إذلال ومهانة
بقدر ما فيها من بث روح الالفة والتوادد
إنّ القرآن الكريم يأمر الانسان المسلم ان
يعاشر ابويه المشركين بالتي هي احسن قال
تعالى : (وإن جاهداك على ان تشرك بي ما ليس
لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا
معروفاً ...) 1 فإذا كان الابوان مشركين
فالآداب الاسلامية تفرض الصحابة بالمعروف
فيها لا يسخط الخالق فكيف بالمعاشرة



1) سورة العنكبوت ، الآية 8.

( 131 )

مع المسلمين ممن يختلفون في الآراء ، ولكن
هذا الكاتب يخرج على الآداب الاسلامية
ليحقق اهدافه.

ثم إن هذا الكاتب يكرّ مرة اخرى على
الشيعة ليقول فعليهم الاتحاد والتضامن مع
الشيطان والقاديانية ، وليس هذا اسلوب
المثقّفين او المتعلّمين وانما هي اساليب
بربرية همجيّة تكشف عن مرض في النفس
واضطراب في التفكير.

ويبدو ان الكاتب شعر باليأس من جميع
اساليبه وانما لا فائدة منها فأخذ يحمل
على هؤلاء الذين يتصلون بالشيعة ليتّهمهم
بالتذبذب وفضح الاسلام وليتنبه اتباع هذا
الكاتب والذين يرتأون رأيه انهم مهدّدون
بأن ينقلب عليهم بمجرّد ان يخالفوه في
الرأي والفكرة ، وسيكون مصيرهم في نظره
مصير هؤلاء الذين اتّصلوا بالشيعة من
التذبذب والانحراف ، وعليهم ان يتحلّوا
بالشجاعة وينزعوا عن انفسهم هذه القيود
التي احاطوا انفسهم بها ، وليكونوا
احراراً في آرائهم وافكارهم ، فانّ ذلك
خير لهم من هذا القلق والاضطراب النظرة
التشاؤميّة التي نظروا بها المسلمين وما
استفادوا من ذلك غير العداوة والبغضاء.

قال الكاتب : ان اغلب المسلمين وبالاخص
مسلمي افريقيا يجهلون حقيقة الشيعة
واهدافهم نتيجة تلبس رواج هذا المذهب

( 132 )

بمظهر الاسلام فضلاً عن الدعايات الواردة
من الشيعة انفسهم ومن الاطراف الاخرى.

ونقول : انّ حقيقة الشيعة هي نفس حقيقة
الاسلام ، واهدافهم هي اهداف الاسلام ،
والشيعة عبر تاريخهم منذ زمان النبي صلى
عليه وآله كما بيّنا ذلك لا كما يدّعيه هذا
الكاتب كانوا محافظين على تعاليم الاسلام
واحكامه وتطبيقها في عباداتهم ومعاملاتهم
وجميع شؤونهم ، وان شئت البرهان على ذلك
فاذهب الى ايّ مسجد من مساجدهم في اوقات
الصلاة وانظر هل يصلّون الى غير قبلة
المسلمين ، واذهب الى اسواقهم وانظر هل
يتعاملون على خلاف الاسلام ، واذهب الى
ايّ مكان من امكنة الشيعة هل تجد شيئاً فيه
مخالفة للدين ؟ فلماذا هذه الدعاوى
الكاذبة ؟ ولماذا هذا الزور والبهتان ؟

قال الكاتب : انّ مروّجي مذهب الشيعة
يحاولون الاستعانة بالاسلام والعمل به
ظاهراً ليحملوا الناس على الاعتقاد انّهم
على الاسلام متمسكين له راسخاً في قلوبهم.

ونقول : إنّ هذا الكاتب قد جعل من نفسه
عالماً بالغيب مطّلعاً على الضمائر ،
والاّ فكيف يحكم على ان هؤلاء يعملون
بالاسلام ظاهراً هل اطّلع على قلوب الناس
وعرف انّهم يعملون

( 133 )

بالظاهر دون الباطن ، اليست هذه دعوى
كاذبة يدّعيها هذا الكاتب على غير هدى
وبصيرة ؟

انّ ما عبّر عنه بترويج مذهب الشيعة انّما
هو بيان للحق والحقيقة وتعريف الناس
بالواقع الذي خفي عليهم نتيجة التشويه
الاعلامي المتعمّد الذي يمارسه امثال هذا
الكاتب ومن يقتدي به ضدّ شيعة اهل البيت
عليهم السلام وإن الكاتب يكشف عن حقيقة
نفسه وما تنطوي عليه من حقد وعداء.

قال الكاتب : إنّ الذي يحمل الاسلام ويعمل
بحقيقته لابدّ وان يكون مع النبي صلى الله
عليه وآله اولاً لا القيام بالدعوة الى
الاخوّة المفتعلة المشوهّة.

ونقول : انّ الشيعة لم تفارق النبي صلى
الله عليه وآله وتعاليمه بل سارت على هديه
واقتفت اثره واتّبعت اوامره ونواهيه ، كما
امر القرآن الكريم بذلك قال تعالى : (ما
آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
فانتهوا) 1 وقد امر النبي صلى الله عليه
وآله الامة باتّباع اهل البيت ومحبتهم
ومودّتهم وقد فعل الشيعة ذلك ولم يتخلّوا
عن هذا الامر مهما حاول اعداؤهم تشويه
صورتهم ونسبة الاباطيل اليهم وهم ابرياء
من ذلك الزور والبهتان.



1) سورة الحشر ، الآية 7.

( 134 )

وإذا كان للشيعة دعوة للاخوة ، فهي دعوة
صادقة على اساس الحق والدليل والبرهان
والدعوة الى الله والجدال بالتي هي احسن ،
وليس كما يدّعيه هذا الكاتب العجيب الذي
لا يتورّع عن الافتراء ولا يدري ماذا يقول.

قال الكاتب : إن هذا المشروع لا يرتدي به
الاّ كطابع سياسي ليس الاّ ، بينما يحاول
هؤلاء ان يتخذوا المغريات المادية وسيلة
وذريعة لكسب الودّ والإخفاء هنا وهناك.

ونقول : ان المذهب الشيعي لم يكن مذهباً
سياسياً في يوم من الايام قط ، بل هو منهج
ديني رسمه النبي صلى الله عليه وآله وسار
عليه الشيعة ، وقد ذكرنا فيما سبق متى نشأ
التشيّع ، وقلنا انّه اسبق المذاهب في
الظهور ؛ لأنه بدأ منذ زمن النبي صلى الله
عليه وآله بينما بقيّة المذاهب نشأت في
القرن الثاني الهجري وبتأييد من الحكّام
العباسييّن ، ولذا نستيطع ان نجزم بهذه
الحقيقة وهي ان المذاهب الاربعة هي التي
نشأت في ظروف سياسية معينة ، وانّ الحكّام
هم الذين يقررون ذلك وارجع الى تاريخ
المذاهب لتقف على هذه الحقيقة بينما
المذهب الشيعي لم يكن على ارتباط بالسلطة
مطلقاً ، وإنّما كان منشأه من زمن النبي
صلى الله عليه وآله وعلى يدي النبي صلى
الله عليه وآله ورعايته وقد ذكرنا النصوص
الدالّة على ذلك.

( 135 )

وامّا ما ذكره عن المغريات المادية ، فهذه
فرية اخرى يضيفها هذا الكاتب الى رصيده فما
هذه المغريات المادية التي يتحدث عنها ومن
اين وكيف ؟ ( إن هذا الا اختلاق ).

قال الكاتب : إذا تعمّقنا في مبادئ الشيعة
سوف نجد انّها كانت لا ترتبط بالايمان.

ونقول : ان هذا الكاتب لم يتعمّق ولا يعرف
كيفية التعمّق ، وانما الذي يعرفه هو
الافتراء وقول الزور ، والاّ فهل الشيعة
يعبدون غير الله ؟ وهل يصلون الى غير قبلة
المسلمين وهي الكعبة ؟ وهل يقرأون غير
القرآن ؟ وهل يحجون الى غير مكة ؟ وإذا كان
ثمّة اختلاف بين الشيعة في بعض المسائل
الاجتهادية مع غيرهم ، فهل ان جميع
المذاهب متّفقة في كلّ مسألة ام انّ بينهم
اختلافاً كبيراً كما هو معلوم من فقههم
ولو كانت المذاهب متّفقة ، فلماذا صارت
اربعة مذاهب او اكثر ؟ ولماذا لا تكون كلها
مذهباً واحداً ، ان هذا الكاتب يبرهن على
جهله في كل سطر يكتبه وانه لا يحسن الا
كيفية السب والاتهام.

قال : فما عليه الشيعة ليس من الشريعة
الاسلامية في شيء.

ونقول : ان الشيعة ـ بحمد الله ـ قادرة على
اثبات جميع ما تعتقد به من مصادر السنة
انفسهم ، فإنّ علماء السنة دوّنوا ذلك

( 136 )

في كتبهم ورواياتهم ونقله الشيعة من كتب
السنة ، وهذا الكاتب لم يطلع على ما كتبه
علماء مذهبه ليعرف ما ورد في هذه الكتب.
والذي يبدو انّ هذا الكاتب يحوم حول قضية
واحدة وقد ذكرنا انها المنشأ للخلاف وهي
قضية الخلافة وقد مرّ الحديث عنّا وسيأتي
ايضاً بعض ما يتعلّق بها.

قال الكاتب : من خلال تتبعنا هذا ، تظهر
الخطورة الموجودة عند الشيعة وانه لا يمكن
التصالح والتوافق معهم الاّ اذا استتيبوا
ورجعوا الى الدين الاسلامي واعتنقوه.

ونقول : اولاً : انه لم يتتّبع شيئاً قطّ
وانما يزداد في تكرار الاتهامات بلا مبرر
ولا دليل ويعيد ما قاله بلا روية مما
يضطّرنا الى التكرار في جوابه.

وثانياً : انّ الخطورة التي يتشدق بها
انّما هي من الحق ، فإنّه لو نظر او ناظر
الشيعة واطّلع على افكارهم وكان متجرّداً
عن حقده وعصبيته لاعترف بانّ الشيعة على
الحق وانّهم هم الذين يجسدون تعاليم
الاسلام ، فهذا التهويل والاغراق يكشف عن
خوفه من ظهور الحقيقة للناس.

وثالثاً : ماذا يريد هذا الكاتب من
التوافق والتصالح والاستتابة واعتناق
الدين هل يقصد من ذلك ان نصبح على

( 137 )

مذهبه ونعتنق افكاره ؟ وكان من اللائق به
ان يدعو الشيعة للمناظرة والحوار العلمي
الهادف لبيان ما هو الحق واظهار الحقيقة ،
فإنّ الشيعة على استعداد لذلك وليس من
اللائق به ان يبادر الى التكفير
والافتراء.

قال الكاتب : تّتسم خطورة الشيعة بدرجة
عالية الى حدّ يحملنا على الاعتقاد بكونهم
اعدائنا ؛ لأنّهم اعداء الرسول بينما
يحسبون اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله
حطب من حطب نيران جهنّم.

ونقول : ان خطورة الشيعة في شيء واحد وهو
انهم صريحون في اظهار الحقيقة ويملكون
الادلّة العقليّة والنقليّة على جميع
معتقداتهم ولا يتلاعبون بالدين واحكامه ،
بل يتبعون الدليل والبرهان . وامّا قوله عن
الشيعة بانّهم اعداء الرسول صلى الله عليه
وآله فهذا محض افتراء فإنّ الشيعة هم
الذين عظموا حرمة الرسول صلى الله عليه
وآله ونزهوه عما لا يليق بمقامه وشأنه
واتبعوا اوامره ونواهيه.

واما عن اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله
فقد تقدّم الكلام في ذلك ، ولا حاجة الى
التكرار ، وسيأتي بعض ما يتعلق به ايضاً.

قال الكاتب : فعلى جميع المسلمين ان
يعلموا جيداً ان تأييد الشيعة ونصرتهم عمل
محرّم .. الخ.

ونقول : إن مذهب الشيعة مذهب قائم بذات في
افكاره

( 138 )

وعقائده ، وليس بحاجة الى اصدار الفتاوى
المظللة في حرمة تأييدهم لأنّهم في غنى عن
هذا التأييد ، وليعلم هذا الكاتب وامثاله
ان من يؤيد الشيعة إنما يؤيدهم لأنه رأى
احقّية مذهبهم وصحّة اعتقادهم وافكارهم ،
وهذه الدعاوى الفارغة والدعوات الزائفة
التي لا محصّل لها الاّ إثارة الفتنة بين
الناس.

قال الكاتب : يجب ان توضع هذه الحقيقة على
بساط معرفة الجميع ليتسنّى لهم شنّ الحملة
المضادة لهذه الدعايات الفاسدة التي تأتي
وترد من مصادرها المختلفة .

ونقول : انظر الى هذه الاساليب الغوغائية
لاثارة الفتن بين الناس ، فهذا الكاتب قرر
ودعا وافتى وحكم ، ولكن على غير هدى وبصيرة
، اليس من الافضل ان يدعو للحوار العلمي
الموضوعي ويناقش مختلف الامور المرتبطة
بالشيعة والسنة ؟ اليس من الافضل ان يقوم
بزيارة الى مراكز الشيعة العلميّة
ليتعرّف على الشيعة من قرب ويطلع على
آرائهم من خلال علمائهم وكتبهم ؟ وليعلم
هذا الكاتب اننّا لسنا خائفين ، فإنّ من
كان مع الله فالله معه وغرضنا اثبات حماقة
هذا الكاتب وسطحيّة تفكيره ، فما هكذا
تعالج الامور ولا هكذا يكون التفكير
السليم.

قال الكاتب : من المؤسف حقّاً ومن بواعث
القلق والضعف

( 139 )

ان نجد اهل السنة قد ربطوا عرى التضامن
والاخاء مع الشيعة بظنّ انّهم مسلمون
حقيقة.

ونقول : قد ذكرنا سبب تاسف هذا الكاتب
وقلقه ونكرر هنا ان الحقّ نور يضيء القلوب
المهيئة والنفوس المستعدّة لتلقي الحقائق
، وامّا تلك القلوب السوداء والنفوس
المظلمة الحاقدة ، فهي تتأسف وتقلق على
ظهور الحقيقة وانتشارها ويبدو ان هذا
الكاتب قد فشل في محاولاته اليائسة لصدّ
الناس عن معرفة الحق. ويقيناً انّ هؤلاء
الذين ربطوا عرى التضامن والاخاء مع
الشيعة وجدوا ان جميع ما قيل عنهم
واتّهموا به انما هو افتراء محض ودعوى
زائفة ، ولذلك لم يستمعوا الى اقوال هذا
الكاتب وامثاله لأنهم عرفوا وتيقّنوا انّ
الدعايات ضدّ الشيعة لا حقيقة لها وانما
هي ناشئة عن حقد وبغضاء وعصبيّة.

قال الكاتب : لا يوجد شكّ انه لا يجوز
اطلاق الكفر على من نطق بالشهادتين ، وهذا
ما كان يحتاط فيه علماء الاسلام.

ونقول : عجباً لهذا الكاتب انّه يتناقض في
كلّ ما يكتب فتارة تجده يقول لا يجوز اطلاق
الكفر على من نطق بالشهادتين وانه لا يوجد
شك في ذلك وتارة تجده ينسب الشيعة الى
الكفر ويرميهم بأقبح الالفاظ ، وهو يخالف
في ذلك علماء مذهبه ، فإذا

( 140 )

كان علماء الاسلام يحتاطون كما يدّع ،
فكيف ينسب اليهم انّهم يقولون بكفر الشيعة
في الوقت الذي يشهد الشيعة بالشهادتين ،
ويصلّون الصلوات الخمس ، ويحجون البيت
الحرام من استطاع اليه سبيلاً ، ويؤدّون
الزّكاة ، ويصومون شهر رمضان ويعملون على
طبق تعاليم الاسلام.

وإذا كان ابو حنيفة ـ كما قال الكاتب ـ
يذهب الى التحذير من اطلاق الكفر على كلّ
من اتجّه الى قبلة الاسلام ، فكيف لا يقتدي
به هذا الكاتب وامثاله في التورّع والخوف
من الله تعالى من اتّهام فئة من الناس ـ
تتّجه الى القبلة وتصلّي وتصوم وتحجّ ـ
بالكفر والخروج عن الدين.

إنّ الذي يظهر انّ هذا الكاتب لا يدري
ماذا يقول ، وانه مجرّد كاتب تملى عليه
الافكار الخاطئة ويكتبها وهو لا يعلم
مضمونها وهذه هي احدى الطامات التي ابتلت
الشيعة بهم حيث ينبري مجموعة من الجهال لا
يفقهون شيئاً وينسبون الى الشيعة كلّ زور
وبهتان على غير هدى وبصيرة.

قال الكاتب : فلا خلاف بين جميع العلماء في
كفرهم ؛ لأنّ كلّ من يؤمن بالتحريف في
القرآن يحكم عليه بالكفر عند جميع علماء
اهل السنة.

( 141 )

ونقول : ليت هذا الكاتب يقرأ كتب مذهبه
وكتب المذاهب الاخرى ، ويطّلع على من يقول
بتحريف القرآن ، وقد ذكرنا ذلك مفصلاً في
ما تقدم فلا حاجة الى الاعادة.

قال الكاتب : وقد ورد ايضاً في الفاظ ابن
حزم الحنبلي ما نصّه : إنّ الشيعة والرافضة
لا يعدّون مسلمين حقيقة.

ونقول : إن كان مراده من الشيعة هم الاثنا
عشرية ، فهذه الدعوى باطلة وهذه الفتوى
ظالمة ؛ لأن المقياس في كون الانسان
مسلماً هو أن يتشهّد الشهادتين ، كما
اعترف به هذا الكاتب ونقله عن علماء
الاسلام ، والشيعة يتشهدون الشهادتين ،
ويؤمنون بالله وبالرسول وباليوم الآخر ،
ويعملون على طبق تعاليم الاسلام ،
والاختلاف بين الشيعة وغيرهم في المسائل
الاخرى لا يسوّغ رميهم بالكفر وعدم
الاسلام ، والا فإنّ بين المذاهب الأربعة
من الاختلاف ما هو كثير وعظيم . وإن كان
مراد ابن حزم من الشيعة غير الاثني عشريّة
، فهذا لا يعنينا وعلى هؤلاء ان يتصدّوا
للردّ على هذه الفتوى.

قال الكاتب : ما ذكره من ارتداد الشيعة
وكفرهم هو نفس الفتوى الثابتة عند العلماء
اجمع ومن خلاله اتّضح عند مسلمي السنة
حقيقة الشيعة وهويّتهم.

( 142 )

ونقول : إن تناقضات هذا الكاتب لا تنتهي
فهو تارة يقول : إن الشيعة لم يؤمنوا بالله
أصلاً ، وتارة يقول : إنّهم ارتدّوا ، وهذا
يعني انّهم كانوا مسلمين فأي القولين نأخذ
به . ثمّ إنّه هل يمكن معرفة حقيقة الشيعة
وهويتهم من خلال فتوى ظالمة وكيف استطاع
هذا الكاتب من معرفة حقيقة الشيعة وهويتهم
من كلام ابن حزم وكيف استطاع مسلمو السنة
ان يدركوا هذه الحقيقة ؟ وكيف توصّلوا الى
المعرفة التامة بعد مراجعتهم للفتوى
المذكورة ـ كما يدعي هذا الكاتب ـ الى عدم
مشروعية الدخول في اية معاملة مع الشيعة
والحكم باجتناب ذبائحهم والصلاة على
امواتهم ؟

هل المقياس في ذلك هو كلام ابن حزم
واضرابه او ان المقياس هو التحاكم الى
القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وآله
وما يرشد اليه العقل والفهم الصحيح.

ان هذا التهويل وهذه الدعاوي الفارغة لا
تغيّر الحقيقة ولا تبدل الواقع مهما حاول
الحاقدون ان ينفثوا سموم حقدهم بين الناس
لتفريق الكلمة وتشتيت الشمل ، وسيعلم
الذين ظلموا ايّ منقلب ينقلبون.

قال الكاتب : ولمعرفة حقيقة الشيعة اكثر
فأكثر راجع الكاتب المسمى : هل الشيعة هم
اهل السنة ؟ تاليف احسان الهي ظهير هذا
الكتاب يوزع مجاناً ولا يباع.

( 143 )

ونقول : نحن وكثيرون يعرفون من هو احسان
الهي ظهير وعلى من يعتمد ومن يامره
بالكتابة ضد الشيعة ، ونعلم من الذي يوزّع
كتبه مجاناً ، واين تنشر ؟ ولكن لماذا هذه
المغالطات المكشوفة ؟ كيف لا يطلب قراءة
كتب الشيعة التي كتبها علماء الشيعة
انفسهم ولماذا يأمر هذا الكاتب بقراءة كتب
شخص حاقد مأجور ليتعرف على حقيقة الشيعة ؟
هل يمكن التعرّف على حقيقة الشيعة من كتب
اعداء الشيعة ؟ ولكن هكذا تدلس الحقيقة ،
وهكذا يخدع الناس انهم يفترون على الشيعة
الاباطيل ، ثمّ يقولون للناس هذه حقيقة
الشيعة ، والا فما قيمة احسان الهي ظهير
الذي كتب الاكاذيب ونسبها الى الشيعة في
كتبه وكان من ورائه من يدفعه ويدفع له
الثمن بسخاء ويشجّعه على اثارة الفتن بين
المسلمين.

وإذا اراد التعريف بحقيقة الشيعة ،
فليرجع الى كتب الشيعة ما ألّفه علماء
الشيعة ، فإنّ الشيء لا يؤخذ الاّ من مصدره
لا من مصادر اعدائه ، وقد ذكرنا جملة من كتب
الشيعة ومصادرها فيراجعها من شاء لمعرفة
حقيقة الشيعة وأفكارهم وآراءهم 1 .

ثمّ إن هذا لا يختصّ بما كتبه احسان الهي
ظهير بل يجري



1) راجع كتب الشيعة المذكورة في اول
الكتاب.

( 144 )

في كل قضيّة يراد الوقوف على حقيقتها ،
فإن اصول البحث ومقتضى الانصاف الرجوع الى
المصادر الاوّليّة لنفس صاحب الفكرة او
الرأي لا انّها تؤخذ من المخالف والعدو
لها فإن ذلك خلاف العدل الانصاف.

قال الكاتب : اعدّ العلماء من اكثر الدّول
الاسلامية في مؤتمرهم الذي عقدوه اعدوا له
جدولاً على ان يكتبوا كتاباً بخصوص الشيعة
حتى يتمكّنوا من الوقوف على معرفة اصل
الشيعة وتعاليمهم وعقائدهم والفرق
الموجود بينهم وبين مسلمي اهل السنة.

ونقول : اولاً : هل دعوا احداً من علماء
الشيعة لحضور هذا المؤتمر.

وثانياً : ان كلامه هذا يفيد انهم الى قبل
عقد المؤتمر لم يكونوا يعرفون اصل الشيعة
وتعاليمهم ، وهذا يناقض ما ذكره من ان
حقيقة الشيعة معلومة ومعروفة كما ذكر عن
مراجعة العلماء الى فتوى ابن حزم ، فكيف
ينسجم هذا مع ذاك ؟

وثالثاً : لماذا يتعبوا انفسهم ويكتبوا
كتاباً ليتعرفوا على اصل الشيعة
وتعاليمهم وهذه كتب الشيعة منتشرة
وآراؤهم في العقائد والفقه والتفسير
والحديث والاخلاق والفلسفة ، وهل انّ
علماء

( 145 )

السنة اعرف بمذهب الشيعة من علماء الشيعة
انفسهم.

ورابعاً : انّ التعبير الصحيح عن هذا
المؤتمر هو انّه مؤامرة على نشر الفتن
والتفريق بين المسلمين في الوقت الذي
لدينا من القضايا المشتركة ما يشغلنا عن
التفكير في هذا السفاسف والاباطيل.

وخامساً : انّ هذا الكاتب يدّعي ان
معتقدات الشيعة واعمالهم من الامور التي
ابتدعها اليهود (الاسرائيليون) وادخلوها
في الاسلام ، ونحن لا نريد ان ننبش الماضي
ونكشف الحقائق ، فإن هذا الكاتب لا يحتمل
سماع الحقيقة ، ولكن نطلب منه ان يرجع الى
المصادر الاوليّة لعلماء السنة ليتطلع
بنفسه على من هم اولئك الذين كانوا يدسون
في الروايات الاباطيل الاسرائيلية
وينسبونها الى النبي صلى الله عليه وآله
ان هذا الكاتب ينطبق عليه المثل العربي
(رمتني بدائها وانسلّت) .

قال الكاتب : ان مشروع الاتحاد والوحدة
انّما نشأ من قبل انصار الشيعة وبعض
مشايخهم .. الخ.

ونقول : هذه عودة الى النغمة التي كان
يرددها هذا الكاتب ليدلل على افلاسه
ويبرهن على جهله ولسنا بحاجة الى اعادة
الجواب بعد ما ذكرناه مراراً وتكراراً .

( 146 )

الشيعة والصحابة مرة ثالثة

قال الكاتب : ان الاساس لتعاليم الشيعة
ودعاياتهم يبتني على القول بأنّ اصحاب
الرسول صلى الله عليه وآله الذين بلغ
عددهم مائة الف في حجّة الوداع خرجوا
كلّهم عن الاسلام بل ارتدّوا جلّهم وكفروا
بعد وفاة النبي الاّ اربعة انفار منهم فقط
حسب مدعاهم.

ونقول : انّ الصحبة للنبي صلى الله عليه
وآله في حدّ ذاتهم ليست مقياساً للعدالة
والاستقامة ما لم يعضدها ايمان بالله
وتقوى وعمل صالح (إنّ اكرمكم عند الله
اتقاكم) 1 ودليلنا على ذلك ان القرآن
الكريم تحدث في العديد من الآيات عن احوال
الناس الذين كانوا في زمان النبي صلى الله
عليه وآله ، فوصف بعضهم بالايمان والصّلاح
، ووصف اخرين بالنفاق ، وذكر ان قسماً منهم
كان يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وذكر
المفسّرون والمؤرّخون من القضايا
والاحداث ما يدلّ على ان الصحابة لم
يكونوا كلّهم على المستوى المطلوب من
العدالة والاستقامة وشأنهم شأن سائر
الناس.

ونحن وان اشرنا ـ فيما تقدم ـ الى ما كان
عليه الصّحابة من الاختلاف وانّ حالهم لا
يختلف عن احوال الناس الاّ انّنا ـ وفي



1) سورة الحجرات ، الآية 13.

( 147 )

خاتمة الحديث عن هذا الموضوع ـ نعرض صوراً
ونماذج من تاريخهم كما اثبته الرواة
والمؤرخون ، معتمدين في ذلك على المصادر
السنّية فحسب ، ليقف الكاتب واضرابه على
حقيقة الحال ، وليس فيما سنذكره فضيحة على
الصحابة كما يتوهم الكاتب ، وإنّما هو
التاريخ الذي كتب بأقلام سنيّة وذكرت
الاحداث وصانعيها ، واذا كان ثمّت فضيحة
فليست الشيعة هي المسؤولة عنها ، إذ لا دور
لها في صنع هذه الاحداث ، وإنّما جاء
الشيعة الى كتب التأريخ فوجدوا ـ من خلال
ما اودع فيها ـ أنّ الصحابة مثلهم كمثل
سائر النّاس في كلّ شيء ، فقد يصدر عنهم
الخطأ ، والاشتباه ، وسوء الفهم ،
والتّعدي ، وتجاوز الحدود الشرعية ،
وإيذاء الرّسول صلى الله عليه وآله وعترته
وما الى ذلك ، وقد يكون بعضهم مستقيماً في
جميع احواله ، فقال الشيعة بعد ذلك عن
المسئ انّه اساء ، وعن المحسن انّه احسن ،
هذه هي الحقيقة في نظر الشيعة ، وامّا انّ
الصّحابة كلهم مسيئون او انّهم كلّهم
محسنون فهو هراء يكذّبه الواقع التأريخي.

وينبغي لهذا الكاتب ومن هم على شاكلته ان
يتحرّوا قليلاً عن الموروثات والمرتكزات
، وينظروا للأحداث واشخاصها بعين البصيرة
والعدل والانصاف ، وان يحكموا على الاشخاص
اولهم

( 148 )

على ضوء ما حفظته لنا كتب التاريخ
والرّوايات من الوقائع والاحداث.

وفيما يلي نعرض جملة من حوادث الخلاف
والاختلاف بين الصحابة ابتداء من زمان
النبي صلى الله عليه وآله فاستمع لما يتلى
عليك.

في زمان النبي صلى الله عليه وآله

قال الله تعالى : (وما كان لكم ان تؤذوا
رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده
ابداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً) 1 .

وهذه الآية الشريفة نزلت تخاطب صحابة
النبي صلى الله عليه وآله وتنهاهم نهياً
مؤكداً عن ايذاء رسول الله صلى الله عليه
وآله وتعيّن الامر الذي كان يؤذي الرسول
صلى الله عليه وآله وهو نكاح ازواجه بعد
وفاته صلى الله عليه وآله .

وقد ذكر المفسرون انّ هذه الآية نزلت في
بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، وكان
يحدّث نفسه بالزواج من بعض نساء النبي صلى
الله عليه وآله بعد موته .

روى ابو جعفر محمد بن جرير الطبري في
تفسيره قال : اخبرنا ابن وهب قال : قال ابن
زيد في قوله : (ما كان لكم ان تؤذوا رسول
الله ...) قال : ربّما بلغ النبي صلى الله
عليه وآله انّ الرجل يقول :



1) سورة الاحزاب ، الآية 53.

( 149 )

لو أنّ النبي توفي تزوجت فلانة من بعده ،
قال : فكان ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه
وآله فنزل القرآن : وما كان لكم ان تؤذوا
رسول الله 1 الآية .

وقال السيوطي : واخرج البيهقي في السنن عن
ابن عباس قال رجل من اصحاب النبي : لو مات
رسول الله تزوجت عائشة او امّ سلمة 2 .

وذكر عدة روايات بهذا المضمون 3 .

ونصّت بعض التفاسير على اسم هذا الرجل قال
السيوطي : واخرج ابن ابي حاتم عن السدي
بلغنا انّ طلحة بن عبيد الله قال : ايحجبنا
محمّد عن بنات عمّنا ويتزوّج نساءنا من
بعدنا ، لئن حدث به حدث لنتزوّجنّ نساءه من
بعده 4 .

وذكر ذلك ايضاً غيره من المفسّرين 5 .



1) جامع البيان في تفسير القرآن : ج 10 ص 29
دار المعرفة للطباعة والنشر.

2) الدر المنثور : ج 6 ص 643 الطبعة الاولى 1403
هـ ـ 1983) دار الفكر للطباعة والنشر
والتوزيع.

3) نفس المصدر : ص 642.

4) نفس المصدر : ص 644.

5) تفسير البحر المحيط : ج 7 ص 247 الطبعة
الثانية دار الفكر ، وراجع زاد المسير في
علم التفسير : ج 6 ص 416 ، الطبعة الاولى.

( 150 )

وقال الله تعالى : (إنّ الّذين جاؤا بالإفك
عصبة منكم ...) 1 .

وتسمّى هذه الآية بآية الإفك وهو ـ كما
عرّفه الفخر الرازي ـ : ابلغ ما يكون من
الكذب والافتراء ، وقيل : هو البهتان ، وهو
الأمر الذي لا تشعر به حتى يفجؤك ، واصله
الافك وهو القلب ، لأنّه قول مأفوك عن وجهه
2 .

ثم قال : وامّا قوله منكم فالمعنى ان الذين
اتوا بالكذب في امر عائشة جماعة منكم 3 .

فالخطاب في الآية الكريمة موجّه للصّحابة
وانّ بعضهم جاء بالكذب والافتراء .

واما كون المقصود بالافك هو عائشة او
غيرها فسيأتي الحديث عن ذلك في محلّه من
هذا الكتاب.

وقد ذكر المفسّرون والرواة تفاصيل هذه
القضيّة ونصّ بعضهم على اسماء العصبة التي
جاءت بالإفك وهم : عبد الله بن ابيّ ، وزيد
بن رفاعة ، وحسّان بن ثابت ، ومسطح بن
أثاثة،



1) سورة النور ، الآية 11.

2) التفسير الكبير : ج 23 ص 172 ، الطبعة
الثالثة.

3) نفس المصدر : ص 173.

وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم 1 .

ونقل السيوطي القضية بتفاصيلها ومما جاء
فيها : فقام رسول الله صلى الله عليه وآله
فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبيّ ، فقال
وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من
يعذرني من رجل بلغني أذاه على اهل بيتي ،
فوالله ما علمت على اهلي الاّ خيراً ، ولقد
ذكروا رجلاً ما علمت عليه الاّ خيراً ، وما
كان يعرض على اهلي الاّ معي ، فقام سعد بن
معاذ الانصاري فقال : يا رسول الله انا
اعذرك منه ، ان كان من الاوس ضربت عنقه ،
وان كان من اخواننا من الخزرج امرتنا
ففعلنا امرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيّد
الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ، ولكن
احتملته الحميّة فقال لسعد : كذبت لعمر
الله ، ما تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام
اسيد بن حضير وهو ابن عم سعد ، فقال لسعد بن
عبادة : كذبت لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل
عن المنافقين ، فتثاور الحيّان الاوس
والخزرج حتى همّوا ان يقتتلوا ورسول الله
قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى
الله عليه وآله يخفضهم حتى سكتوا وسكت 2 .



1) تفسير البحر المحيط : ج 6 ص 436 وذكرهم في
تفسير زاد المسير ـ عدا زيد بن رفاعة ـ عن
مقاتل ، راجع ج 6 ص 18.

2) الدر المنثور : ج 6 ص 142 ، الطبعة الاولى
1403 هـ ـ 1983 م ، دار الفكر.

( 152 )

وغرضنا من ايراد هذه القضيّة هو بيان حال
الصحابة في حضور النبي صلى الله عليه وآله
، وما كان يجري بينهم على مسمع ومرأى منه
كما رواها اعلام السنة في كتبهم ، وليس
الغرض تصحيح القضية فإنّ فيها بحثاً سيأتي
.

3 ـ ومن الوقائع في زمان النبي صلى الله
عليه وآله القضية المشهورة والمعروفة
برزيّة يوم الخميس او حديث الدواة والكتف.
وقد رواها المحدّثون واودعوها صحاحهم
بطرقهم المتعددة كصحيح البخاري 1 وصحيح
مسلم 2 ومسند احمد 3 وذكرها المؤرخون
كالطبري 4 وابن ابي الحديد 5 والشهرستاني 6
وغيرهم 7 .

روي البخاري بسنده الى عبيد الله بن عبد
الله عن ابن عباس



1) صحيح البخار : ج 7 ص 156 ـ كتاب المرضى ـ دار
إحياء التراث العربي.

2) صحيح مسلم : ج 3 ص 1257 الحديث 1637 الطبعة
الثانية 1398 هـ ـ 1978 دار الفكر.

3) مسند الإمام احمد : ج 1 ص 332 ، دار الفكر.

4) تاريخ الامم والملوك ( تاريخ الطبري ) ج 3
احداث سنة 11 ص 193 ، دار سويدان بيروت.

5) شرح نهج البلاغة : ج 6 ص 51 ، دار احياء
الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي
وشركاه.

6) الملل والنحل : ج 1 ص 29 ، الطبعة الثانية.

7) طبقات ابن سعد : ج 2 ص 242 ، دار صادر ـ
بيروت ـ لبنان.

( 153 )

قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه
وآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ،
قال النبي صلى الله عليه وآله : هلمّ اكتب
لكم كتاباً لا تضلوا بعده.

فقال عمر : انّ النبي قد تغلب عليه الوجع ،
وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف
اهل البيت ، فاختصموا منهم من يقول :
قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا
بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا
اكثروا اللّغوا والاختلاف عند النبي صلى
الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله
عليه وآله : قوموا ، قال عبيد الله : فكان
ابن عباس يقول : انّ الرزيّة كل الرزيّة ما
حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك
الكتاب من اختلافهم ولغطهم 1 .

وهناك حوادث جمة وفي ما ذكرنا كفاية.

في زمان ابي بكر

واوّل حوادث الخلاف والاختلاف في زمانه
حادثة اجتماع السّقيفة ، وما جرى فيه من
الشقاق والنّزاع بين الصحابة على الخلافة
( والجرح لمّا يندمل والرسول لما يقبر )
وكانت هذه الحادثة قاصمة الظهر التي تمخّض
عنها الجرح الذي لا يندمل والكسر الذي لا
ينجبر.



1) صحيح البخاري : ج 7 ص 156 ـ كتاب المرضى ـ
دار احياء التراث العربي.

( 154 )

ولو قلدوا الموصى اليه زمامها * لزمّت
بمأمون عـن العثـرات

وكلّما تقادم العهد ازدادت رقعة الخلاف
بين المسلمين واتسعت ، واصبحوا شيعاً
واحزاباً كلّ حزب بما لديهم فرحون.

وخلاصة هذه الحادثة انّ الانصار اجتمعوا
في سقيفة بني ساعدة وخطب فيهم سعد بن عبادة
واتفقوا على توليته ، فبلغ الخبر الى ابي
بكر ففزع اشدّ الفزع وقام معه عمر ،
ولقيهما ابو عبيدة بن الجرّاح ، فانطلقوا
حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة وفيها رجال من
الاشراف ، وخطب فيهم ابو بكر ، وحمل الحسد
بعض الخزرجيّين لمّا رأى ما اتفق عليه
قومه من تأمير سعد بن عبادة ، فسعى في نقض
الامر على سعد ، واوشك القتال ان يقع بينهم
حتى بادر بعضهم الى السيف ، وكادوا يطأون
سعداً ، فقال سعد : قتلتموني ، فقيل :
اقتلوه ، قتله الله ، وانفضّ الاجتماع
بمبايعة ابي بكر ، واعتزل سعد القوم ، فكان
لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يحضر جماعتهم ، ولا
يفيض بإفاضتهم ، ولو كان يجد عليهم اعوانا
لصال بهم ، ولم يزل كذلك حتى قتل بالشام.

وقد رواها الطبري في تاريخه 1 وذكر ابن
قتيبة تفاصيلها في



1) تاريخ الامم والملوك ( تاريخ الطبري ) ج 3
ص 203 ـ 211 دار سويدان ـ بيروت لبنان.

( 155 )

كتابه الامامة والسياسة 1 .

هذا وقد تخلّف بنو هاشم وآخرون عن البيعة
، منهم سلمان الفارسي ، وابو ذر ، والمقداد
، وعمار ، والزبير ، وخزيمة بن ثابت ، وابي
بن كعب ، وخالد بن سعد بن العاص ، وغيرهم من
المهاجرين والانصار.

يقول الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود : لو
انصف الناس حق الإنصاف لأرجأوا البيعة حتى
يتم لهم مواراة جثمان الرسول كان هذا ادنى
الى الصواب ، ان لم يكن هو الصواب ان
يتريّث القوم من المهاجرين والانصار لا
يتنازعون سلطان محمد بينهم ، ومحمد ما زال
مسجّى على فراشه لم يغيّبه عن عيونهم
مثواه 2 .

ويقول الاستاذ عبد الكريم الخطيب : ومع
هذا فقد كان يوم السّقيفة فلتة من فلتات
الايام ، كما قال بذلك كثير ممن شهده ، او
علم بما جرى فيه من كبار الصحابة
والتابعين ، امّا بعد ابي بكر وقد بعد
العهد شيئاً بزمن النبوّة وتدافعت في صدور
الناس



1) الإمامة والسياسة : ج 1 ص 4 ـ 13 الطبعة
الاخيرة 1388 هـ ـ 1969 م مطبعة البابي الحلبي
ـ مصر.

2) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد
الرحمن البكري : ص 78 عن كتاب الامام علي بن
ابي طالب لعبد الفتاح عبد المقصود : ج 1 ص 207.

( 156 )

نزعات من العصبيات الجاهلية.

فإنّ الخلاف في شأن الخلافة لن يأخذ صورة
يوم السّقيفة ، ولن يقف عند حدود هذا اليوم
، بل سيكون خلافاً عاصفاً متسع الجوانب ،
مختلف الوجوه ، ان سلّم بها الانصار
للمهاجرين فبحسب الخلاف شناعة وسوء عاقبة
ان يقع بين المهاجرين انفسهم ، وان
يتنازعوا " الخلافة " فيما بينهم ، بيتاً
بيتاً ، وبطناً بطناً ، وقبيلة قبيلة ،
إنّهم لن يلتقوا ابداً الاّ في ساحة الحرب
وميدان القتال 1 .

واعقب ذلك حدث آخر ـ يضاف الى حوادث
الاختلاف ـ وهو ما جرى بين القوم وبين بني
هاشم ، وخصوصاً الصدّيقة الزهراء عليها
السلام.

يقول ابن قتيبة في كتابه الامامة
والسياسة : فجاء (عمر) فناداهم وهم في دار
عليّ ، فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطب ، وقال
: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ او لأحرقنّها
على من فيها ، فقيل له : يا ابا حفص انّ فيها
فاطمة ؟! فقال : وإن 2 .



1) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد
الرحمن البكري : ص 84 عن كتاب عمر بن الخطاب
لعبد الكريم الخطيب : ص 72.

2) الامامة والسياسة : ج 1 ص 12 الطعبة
الاخيرة 1388 هـ ـ 1969 م مطبعة البابي الحلبي
بمصر.

( 157 )

وتلا ذلك حوادث اخرى كقضية فدك والميراث
وغيرهما ممّا دفع سيّدة النساء الزهراء
عليها السلام الى الوقوف في مسجد ابيها ـ
بعد ان ضرب بينها وبين القوم ملاءة ـ لتعلن
ضلامتها امام المسلمين. وكان ما كان مما
حفظه التاريخ الى ان ماتت بضعة النبي صلى
الله عليه وآله وهي ساخطة 1 .

ومن الحوادث التي رصدها التاريخ في زمان
ابي بكر حادثة يوم البطاح وكان بطله خالد
بن الوليد ، إذ قتل مالك بن نويرة التميمي
، ونكح زوجته ـ وكانت من اجمل النساء ـ
ورجع الى المدينة رجوع الفاتحين ، وقد غرز
في عمامته اسهماً ، فقام اليه عمر فنزعها
وحطّمها ، وقال له : قتلت امرءاً مسلماً ثم
نزوت على امرأته ، والله لأرجمنّك بأحجارك
، ثم قال لأبي بكر : إنّ خالداً قد زنى
فارجمه ، قال : ما كنت لأرجمه فإنّه تأوّل
فأخطأ.

قال : إنّه قتل مسلماً فاقتله به ، قال : ما
كنت لأقتله به إنّه تاوّل فأخطأ ، فلما
اكثر عليه قال : ما كنت لأشيم سيفاً سلّه
الله تعالى ، وودى مالكاً من بيت المال
وفكّ الاسرى والسبايا.

وهذا الحدث مما اطبق على روايته المؤرخون
، فقد ذكره



1) نفس المصدر : ص 14.

( 158 )

الطبري 1 في تاريخه ، وابن الاثير 2 في
كامله ، والاندلسي 3 في عقده الفريد
وغيرهم.

في زمان عمر

وحوادث الاختلاف بين الصّحابة في زمان
عمر كثيرة ونكتفي بذكر حادثتين.

الاولى : ذكر المؤرخون في حوادث سنة احدى
وعشرين : انّ عمر بعث ابا هريرة والياً على
البحرين ، وبقى فيها سنتين ثم عزله ، وولّى
عثمان بن العاص الثقفي ، ولم يكتف بعزله
حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم
انه سرقها من مال الله . قال ابن عبد البر
في العقد الفريد : ثم دعا ابا هريرة فقال له
علمت انّي استعملتك على البحرين وانت بلا
نعلين ، ثم بلغني انّك ابتعت افراساً بألف
دينار وستمائة دينار ؟ قال : كانت لنا
افراس



1) تاريخ الامم والملوك ( تاريخ الطبري ) ج 3
ص 276 ـ 280 دار سويدان ـ بيروت لبنان .

2) الكامل في التاريخ : ج 2 ص 357 ـ 360 دار صادر
ـ دار بيروت .

3) العقد الفريد : ج 4 ص 258 ـ 263 الطبعة
الثانية ، دار الكتاب العربي ـ بيروت
لبنان .

( 159 )

تناتجت وعطايا تلاحقت ، قال : حسبت لك رزقك
ومؤنتك ، وهذا فضل فأدّه قال : ليس لك ذلك ،
قال : بلى والله ، واوجع ظهرك ، ثم قام اليه
بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثم قال ائت بها
، قال : احتسبها عند الله ، قال : ذلك لو
اخذتها من حلال وادّيتها طائعاً ، اجئت من
اقصى حجر البحرين يجبي الناس لك ، لا لله
ولا للمسلمين ما رجّعت بك اميمة الاّ
لرعية الحمر واميمة امّ ابي هريرة 1 .

الثانية : اخرج الحاكم في مستدركه : انّ
رجلاً من المهاجرين الاوّلين جيء به وقد
شرب الخمر ، فأمر به عمر ان يجلد ، فقال : لم
تجلدني ؟ بيني وبينك كتاب الله عزّوجلّ ،
فقال عمر : في ايّ كتاب الله انّي لا اجلدك
؟ فقال : إنّ الله تعالى يقول في كتابه :
(ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصالحات
جناح فيما طعموا) الآية ، فأنا من الذين
آمنوا وعلموا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا
، ثم اتقوا واحسنوا ، شهدت مع رسول الله
بدراً ، والحديبية ، والخندق ، والمشاهد ،
فقال عمر : الا تردّون عليه ما يقول ؟ فقال
ابن عباس : إنّ هذه الآيات نزلت عذراً
للماضين وحجة على الباقين ، لأنّ الله
عزّوجلّ يقول : (يا ايها الذين آمنوا إنّما
الخمر



1) نفس المصدر : ج 1 ص 45 ـ و 46.

( 160 )

والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل
الشيطان ...) ثم قرأ حتى انفذ الآية الاخرى
ومن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا
واحسنوا فإنّ الله عزّوجلّ قد نهى عن ان
يشرب الخمر ، فقال عمر : صدقت ، فماذا ترون
؟ فقال علي : نرى انّه إذا شرب سكر ، واذا
سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري
ثمانون جلدة ، فأمر عمر (رض) فجلد ثمانين.

هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه 1.

في زمان عثمان

وامّا اختلاف الصحابة في زمان عثمان فبلغ
الى حدّ ادّى الى قتله بينهم ، واشترك
بعضهم في التأليب عليه ـ كما مر ـ وتحريك
الناس ضدّه ، قال ابن ابي الحديد في شرح
نهج البلاغة : إنّ عائشة كانت من اشدّ
الناس على عثمان ، حتى انّها اخرجت ثوباً
من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله
فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للدّاخلين
اليها : هذا ثوب رسول الله لم يبل ، وعثمان
قد ابلى سنته.



1) مستدرك الحاكم على الصحيحين : ج 4 كتاب
الحدود : ص 376 ، دار الفكر بيروت.

( 161 )

قالوا : إنّ اوّل من سمّى عثمان نعثلاً
عائشة ، والنّعثل : الكثير شعر اللحية
والجسد ، وكانت تقول : اقتلوا نعثلاً قتل
الله نعثلاً ورووا ان الزبير كان يقول :
اقتلوه فقد بدّل دينكم ، وكان طلحة
والزبير من اشدّ المحرّضين عليه ،
واشدّهما كان طلحة.

وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من
اثبات السير قالوا : لما قتل عثمان كانت
عائشة بمكّة ، وحين بلغها قتله لم تكن تشكّ
في انّ طلحة هو صاحب الامر.

فقالت : بعداً لنعثل وسحقاً ، ايه ذا
الاصبع! ايه ابا شبل! ايه يا ابن عم! لكأنّي
انظر الى اصبعه وهو يبايع ، قال : وكان طلحة
حين قتل عثمان اخذ مفاتيح بيت المال ، واخذ
نجائب كانت لعثمان في داره ، ثم فسد امره
فدفعها الى علي بن ابي طالب 1 .

ولسنا بحاجة بعد هذا الى ذكر حوادث اخرى
وحسبنا ان نشير الى انّ في عهده نفي ابوذر
الى الربذة 2 وضرب عمار 3 وكسرت اضلاع ابن
مسعود 4 وحوادث اخرى غيرها.



1) شرح نهج البلاغة : ج 6 ص 215 و ج 9 ص 35 و 36 ،
دار احياء الكتب العربية ـ عيسى البابي
الحلبي وشركاه.

2) نفس المصدر : ج 3 ص 52.

3) نفس المصدر : ج 3 ص 47 .

4) نفس المصدر : ج 3 ص 40.

( 162 )

في زمان الامام علي عليه السلام

وقد اتّسع الخرق على الراقع فأدّى الخلاف
والاختلاف الى المواجهة والقتال ، وشهروا
السيوف في وجوه بعضهم بعضاً ، وسفكت فيها
الدماء . فكانت الحروب الثلاث الضارية ،
وهي النتيجة الطبيعية للإختلاف فيما
بينهم وكان ذلك من اعلام النبوة فقد امر
رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن ابي
طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين
1 .

فكان كما اخبر صلى الله عليه وآله ، فقد
قادت عائشة جيشاً جرّاراً لحرب علي ، وكان
معها طلحة والزبير ، فكانت حرب الجمل ،
وإنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّ عائشة كانت
تركب جملاً وهي تقود أبناءها

وقاد معاوية جيشاً آخر ، فكانت حرب صّفين .

وخدع بعض من كان مع علي (عليه السلام) ،
فكانت حرب النّهروان.

ولا تسأل عمّا حدث بعد ذلك وإلى ماذا آلت
اليه الامور فكم حرمة هتكت وكم دماء سفكت.

ونكتفي بعرض هذه الصّور والنّماذج
القليلة من تاريخ الصّحابة في النّصف
الاوّل من القرن الاوّل ، وإنّما عرضناها



1) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ـ كتاب معرفة
الصحابة ـ ص 139 ، دار الفكر ـ بيروت.

( 163 )

للدلالة على انّ الصحابة إن هم الاّ بشر
كسائر الناس قد يصدر عنهم الخطأ والذنب
والإختلاف.

ونقول : إذا كان هذا حال الصحابة في زمان
النبي صلى الله عليه وآله وما بعده فياترى
ما هو الموقف الصحيح حيال ذلك ؟ هل نغالط
انفسنا ونلغي افهامنا ونصحّح كلّ فعل صدر
عن بعض الصحابة ، وإن كان خلاف الشّرع
والعقل ؟ او نتغافل عمّا جرى في التاريخ
ونوصد الباب لئلا تخدش كرامة بعض من كان في
زمان النبي صلى الله عليه وآله ؟

او ان الاستفادة من التاريخ تقتضي النّظر
الى الاحداث وصانعيها بعين البصيرة
والانصاف وتقييمها على ضوء المعايير
الشرعيّة والعقليّة وإن استلزم ذلك اسقاط
البعض عن الاعتبار ؟

امّا نحن الشّيعة الإماميّة ـ بحمد الله ـ
حيث اعتصمنا بحبل الله ، وركبنا سفينة
النجاة ، ودخلنا باب حطة ، فالأمر جليّ
عندنا لا ريب فيه ولا ارتياب.

روى المتقي الهندي في كنز العمال انّ رسول
الله صلى الله عليه وآله قال : سيكون بعدي
فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن ابي
طالب ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل 1 .

على انّ القرآن الكريم صرّح بما سيقع بعد
رحيل النبي صلى الله عليه وآله



1) كنز العمال : ج 11 ص 612 ، الحديث 32964 الطبعة
الخامسة 1403 هـ ـ 1983 م مؤسسة الرسالة.

( 164 )

من الانقلاب على الاعقاب (أفائن مات او
قتل انقلبتم على اعقابكم) 1 والآية الكريمة
تضمّنت خطاباً للصحابة لا لغيرهم ، فهل
يمكن الاعراض عن القرآن وآياته الصريحة
ونقول إنّهم جميعاً كانوا فوق مستوى
الشبهة ان العقل والعدل والانصاف والنظر
الصحيح كلها تدعوا الى القول بأنّ الصحابة
مثلهم مثل سائر الناس في ايّ عصر او ايّ
زمان نعم هم قد نالوا شرف لقاء النبي صلى
الله عليه وآله وحظوا برؤيته وخدمته ،
ولكن هذا لا يعني تعديلهم وتنزيههم عن
الاخطاء والوقوع في الشبهات.

واما ما ذكره هذا الكاتب عن حجّة الوداع
فالشيعة تعتقد ـ كما هو الواقع التاريخي ـ
انّ النبي صلى الله عليه وآله بعد منصرف من
حجة الوداع نزل عليه الوحي في مكان بين
مكّة والمدينة يقال له غدير خم وأمره عن
الله تعالى ان يجعل علياً خليفة على
المسلمين من بعده ، وامتثل النبي صلى الله
عليه وآله امر ربّه وقد بويع امير
المؤمنين علي عليه السلام بذلك وفي مقدمة
من سلّم على علي عليه السلام بالإمرة عمر
بن الخطّاب والرواية في ذلك بلغت حد
التواتر ورواتها السنّة اكثر من الشيعة 2
وقد ذكرت في كتبهم مفصّلة ولو ان هذا
الكاتب قرأ



1) سورة آل عمران ، الآية 144.

2) راجع كتاب الغدير في الكتاب والسنة
للشيخ عبد الحسين الاميني : ج 1 ص 272 تحت
عنوان حديث تهنئة عمر بن الخطاب لأمير
المؤمنين.

( 165 )

بعض الكتب التاريخية او الروايات التي
تناولت هذه القضية لا نكشف له الواقع وقد
بحث احد علماء الشيعة هذه المسألة وألّف
كتاباً ضخماً طبع منه احد عشر مجلداً
تناول فيه واقعة الغدير ـ سمّاه الغدير في
الكتاب والسنة والادب ـ واعتمد في اثباتها
واثبات خلافة امير المؤمنين عليه السلام
بعد النبي مباشرة على كتب السنّة ،
فليطالع هذا الكاتب ذلك الكتاب ويرى
الحقائق جلّية واضحة ليعلم ان الشيعة تملك
اقوى الحجج والبراهين في كلّ ما تدّعيه
وتستطيع اثباته من كتب السنّة انفسهم.

واما ما ذكره الكاتب عن ارتداد جل الصحابة
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله الاّ
اربعة نفر منهم فقط ، فجوابه ظهر ممّا
ذكرنا ونريد ان نسأل هذا الكاتب وامثاله
ان يفسّر لنا قوله تعالى : (افائن مات او
قتل انقلبتم على اعقابكم) 1 فما معنى
الانقلاب على الاعقاب ؟ ولمن كان هذا
الخطاب ؟ ثم ما معنى عدم امتثال امر النبي
صلى الله عليه وآله في خلافة علي عليه
السلام ؟ وما معنى الهجوم على بيت الزهراء
عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه
وآله وتهديد من كان فيه بإضرام النار
عليهم وقد كان في البيت آنذاك علي
والزهراء والحسنان ، وهذا بعض ما كان من
الصحابة الذين جعلهم هذا الكاتب فوق
العدالة والاستقامة .



1) سورة آل عمران ، الآية 114.

( 166 )

تكرار واعادة

قال الكاتب : انّهم يعتقدون كما ذكرنا
سابقاً بتحريف القرآن بينما لديهم نفاق
متعمّد يصطلحون عليه بالتّقيّة وعلى انها
ايّ التقية احد الاركان المهمّة والطريق
الاساسي للتقرّب الى الله تعالى .

ونقول : هكذا يفعل الافلاس العلمي
والاخلاقي بالحاقدين ، فهذا الكاتب يجترّ
ويعيد ويكرر ما قاله مراراً ليدلّل على
ضحالة فكره وسوء نواياه وما انطوت عليه
نفسه العدائيّة لتضليل الناس وتشويه
الحقائق ، ونحن نعتقد انّ هذا الكاتب يرمي
عن غير قوسه ويتحدّث بغير لسانه ، وإنّما
يملى عليه إملاء وقد اجبنا عن دعوى تحريف
القرآن وانّ السنّة هم القائلون بذلك
واجبنا عن مسألة التقيّة وهو بقوله إنّها
نفاق متعمّد يرد على القرآن صراحة لثبوت
التقيّة في القرآن في قضيّة عمار بن ياسر
وغيرها.

وامّا قوله إنّ التقية احد الاركان
المهمّة والطريق الاساسي للتقرب الى الله
تعالى فهو محض افتراء وزور وبهتان ،
وإنّما التقيّة هي حالة علاجية مؤقتة يدفع
بها الخطر عن النفس والعرض والمال مع
اطمئنان القلب بالايمان ، وليست هي ركناً
من اركان الدين كما

( 167 )

ذكر هذا الكاتب وقد قلنا ان هذا الكاتب لا
يعي ما يقول.

قال الكاتب : إنّهم يعتقدون بأنّ سيدنا
علي رضي الله عنه واولاده اختيروا وعيّنوا
من قبل الله تعالى بينما كانوا كثيري
العبادة حتى من الانبياء ومن المؤسف حقّاً
ان الشيعة ذووا الافكار الدنيئة يخدعون
انفسهم بكونهم من احبّاء اهل بيت رسول
الله صلى الله عليه وآله.

ونقول : انّ الشيعة تعتقد ـ وبشهادة علماء
السنة ـ انّ النبي صلى الله عليه وآله جعل
علياً واولاده ـ وهم الائمة الاثنا عشر ـ
ائمّة على الامة من بعده ، وان النبي صلى
الله عليه وآله انما فعل ذلك بأمر الله (إن
هو الاّ وحي يوحى) 1 وإن شئت ايّها الكاتب
ان تقف على اقوال علماء السنة ورواياتهم
في ذلك فارجع الى كتاب ينابيع المودّة وهو
من علماء السنة فقد ذكر في كتابه الروايات
الدالة على ان الائمة اثنا عشر كلّهم من
قريش 2 ، بل ليرجع الى ايّ كتاب من الكتب
المعتمدة عند السنّة التي تتناول مسألة
الولاية والامامة بعد النبي ، فإذا قام
الدليل على ذلك فأيّ ضرر فيه على الشيعة ،
وهل على المسلمين الاّ الإتباع وان يسلموا
الامر لله وللرسول . هذا كلّه بغضّ النظر عن
الادلة الخاصة التي اقامها الشيعة من
العقل والنقل



1) سورة النجم ، الآية 4.

2) ينابيع المودة : ج 3 ص 160 ، ط / بيروت.

( 168 )

على إمامة الائمة الاثني عشر عليهم
السلام وقد ذكرنا في مطلع الحديث شيئاً
ممّا يتعلق بهذا الموضوع .

وامّا قوله انّهم اكثر عبادة من الانبياء
فما هو الاشكال في ذلك اليس علماء السنة
يروون عن النبي انه قال : علماء امّتي افضل
من انبياء بني اسرائيل , فإذا كان العالم
العادي هو أفضل من أنبياء بني إسرائيل
فكيف بآل بيت النبوة الذين اذهب الله عنهم
الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وكانوا ملاذاً
للناس في العلم والعمل . وقد تقدّم الكلام
منّا مفصلاً حول هذا الموضوع .

وامّا قوله إنّ الشيعة ذووا الافكار
الدنيئة يخدعون انفسهم ...

فجوابه انه قد تبين من هو دنيء الفكر
والنفس ومن هو الذي يخدع نفسه ويغالط نفسه
عن اتّباع الحق والحقيقة ، إنّ الشيعة هم
الذين اقتدوا بأئمة اهل البيت عليهم
السلام في افعالهم واقوالهم ومعتقداتهم ،
وهم الذين امتثلوا امر الله تعالى الوارد
على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وهو قوله
تعالى : (قل لا أسألكم عليه اجراً الاّ
المودة في القربى) 1 والشيعة هم الذين
حفظوا تراث اهل البيت عليهم السلام عبر
التاريخ ، والشيعة إنّما سمّوا بالشيعة
لمشايعتهم



1) سورة الشورى ، الآية 22.

( 169 )

واتباعهم علياً واولاده امتثالاً لأمر
الله ورسوله هؤلاء هم الشيعة وهم الامامية
الاثنا عشرية الذين يملكون اقوى الحجج
والبراهين واوضح الادلة على اثبات ان
طريقتهم ومسلكهم في العقيدة والفقه
والاخلاق هي طريقة الائمة عليهم السلام .

إنّ الشيعة الامامية لا تحتاج الى
الدعاية ، فمذهبهم قائم بذاته وبأدلّته في
كلّ ما يعتقدون او يعملون الا انّهم ابتلوا
بمثل هذا الكاتب ممّن امتلأت قلوبهم
بالحقد وعقولهم بالجهل لاحداث الفتنة بين
المسلمين الامر الذي اضطرّ الشيعة الى
الدفاع عن انفسهم بالحجّة والدليل
والبرهان .

ثمّ إنّ هذا الكاتب يذكر تحت عنوان فتاوى
العلماء واتّفاقهم على ارتداد الشيعة
وكفرهم .

ويقول : اتّفق الفقهاء على كفر الشيعة
وارتدادهم عن الدين .

ونقول : إنّا قد اجبنا عن ذلك وقلنا اذا
كان المناط والمقياس في الحكم على اي
انسان بانه مسلم هو النطق بالشهادتين فإنّ
الشيعة تاتي بجميع الفروض الدينية
والمستحبّات الشرعيّة ، وذكرنا ان
مساجدهم عامرة بالصلاة في اوقاتها ،
فالحكم عليهم بالكفر والارتداد حكم جائر
وهو على خلاف مبادئ الاسلام التي

( 170 )

اعترف بها هذا الكاتب واضرابه ممّن افتى
بكفر الشيعة وارتدادهم . وسيأتي الحديث عن
ذلك ايضاً .

الشيعة وتحريف القرآن مرّة اخرى

ثمّ ذكر هذا الكاتب سؤالاً حول التعامل مع
الشيعة والزواج منهم وتناول ذبائحهم
والصلاة على امواتهم ، او قبول صدقاتهم ،
ويجيب عن ذلك بجواب سخيف هو اعادة لما ذكره
مراراً من امر التقيّة ، والقول بتحريف
القرآن ، وإنّ حقيقة الشيعة لم تكون
معروفة اذ لا وجود لكتبهم ، ولذلك لم
يكفّرهم العلماء والمحقّقون السابقون ،
وفي زماننا انتشرت كتب الشيعة ، واتفق
المحقّقون في الاديان على كفرهم ؛ لانّ
جميع اعتقاداتهم تستبطن الكفر ؛ لانّهم
يقولون بتحريف القرآن ، وفي كتب الشيعة ما
لا يقل عن الفين مورد تدل على القول بتحريف
القرآن ويذكر موارد خمسة عن التحريف ذكرت
في كتب الشيعة وهي تحريف المعنى وتغيير
الالفاظ وتغيير الحروف عن مواقعها
والتغيير في الترتيب وعدم استقامة ترتيب
السور والآيات والحروف ، ثم يقول : إنّ هذا
هو ما ذكره علماء الشيعة والمعتمد عليه
عندهم ويؤمنون به بكلّ قوّة.

ونقول : إنما ذكرنا ذلك ليرى القارئ كيف
يفتري هذا

( 171 )

الكاتب ولا يستحيي من نسبة الزور
والبهتان الى الأبرياء وليته ذكر مصدراً
من مصادر الشيعة ذكر ذلك ، ونحن قد اجبنا
عن هذه الاتهامات وقلنا في مواضع متعدّدة
انّ الشيعة نشأت في زمان النبي صلى الله
عليه وآله وهو واضع بذرة التشيع ، وإنّ
بلادهم وتاريخهم وكتبهم موجودة ، ولم تكن
خفية او مخفية على احد 1 ثمّ من هم هؤلاء
المحقّقون في الاديان الذين اتّفقوا على
كفر الشيعة ؟ وما هي العقائد التي تستبطن
الكفر كما يدّعي هذا الكاتب ؟ وليته ذكر
مورداً واحداً من الموارد التي قال الشيعة
فيها بتحريف القرآن ، ولا نريد منه مئة او
الفاً فضلاً عن الفين وقد مرّ الجواب عن
هذه الفرية وليرجع الى اقوال علماء السنة
ليعلم من هو القائل بالتحريف.

إن هذا الكاتب يحكم على نفسه وعلى اتباعه
وعلى مذهبه وعلى علمائه بالكفر والخروج عن
الاسلام من حيث لا يشعر.

قال الكاتب : إنّ مؤسسي مذهب الشيعة قد
مرّوا بثلاث مراحل منذ ان بدأوا بتأسيسه.

ونقول : إنّ مؤسّس مذهب الشيعة وغارس
بذرته هو



1) راجع كتاب الامامية واسلافهم من الشيعة
تأليف الدكتور عبد الله فيّاض : ص 19
منشورات مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ لبنان.

( 172 )

الرسول صلى الله عليه وآله كما ذكرنا ذلك
، وانتشر المذهب في زمان الامام جعفر
الصادق عليه السلام استاذ ائمة المذاهب
الاربعة ، كما هو محقق في التاريخ وارجع
الى كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة
لتقف على حقيقة الحال .

قال الكاتب : المرحلة الاولى : لا احد من
الشيعة يؤمن بتماميّة القرآن وكماله ، ولا
احد منهم لا يعتقد بعدم تحريفه .

ونقول : متى كان هذا ؟ ومن هم هؤلاء الذين
لا يعتقدون بتمامية القرآن ؟ وفي اي زمان
كانوا ؟ (ان هذا الاّ اختلاق) .

قال الكاتب : المرحلة الثانية : يؤمن
الشيعة بوثاقة اربعة اشخاص فقط معتمدين
عندهم وهؤلاء الاربعة رووا في احاديثهم
بعدم وجود التحريف في القرآن تقيّة.

ونقول : اولاً : انّ هذا الكاتب يخلّط
ويغالط في ما يقول هل الشيعة لا تؤمن الاّ
بوثاقة اربعة اشخاص فقط ، وهذه المعاجم
الرجالية واسماء الرواة عندهم تعد بآلاف ،
ثمّ كيف يروي هؤلاء الاربعة في احاديثهم
عدم وجود التحريف في القرآن ثم عمّن روى
هؤلاء الاربعة عدم التحريف في القرآن ؟

وثانياً : يدّعي هذا الكاتب انّ هؤلاء
رووا عدم التحريف تقية فمن من كانوا
يتّقون ؟ هل يتّقي هؤلاء الاربعة من
الشيعة ام

( 173 )

من السنّة ؟ فإن كانوا يتقون من الشيعة
فهم علماء الشيعة وان كانوا يتقون من
السنة فهذا خلاف غرض الكاتب . وعلى كلّ
فهذا الكاتب لا يدري ماذا يقول.

قال الكاتب : الاول ابو جعفر محمد بن حسين
بن موسى الصدوق توفي سنة 381 هـ 1003 م.

الثاني الشريف المرتضى ابو القاسم علي بن
حسين بن موسى البغدادي صاحب الكتاب المسمى
( علم الهدى ) توفي 426 هـ ـ 1085 م.

ونقول : اولاً : ان ابا جعفر هو محمد بن علي
بن الحسين بن موسى وليس محمد بن حسين كما
ذكره الكاتب.

وثانياً : ان لفظ علم الهدى لقب للشريف
المرتضى لا انه اسم لكتابه وهو صاحب الكتب
والمؤلّفات الكثيرة ، ومنها كتاب الشافي
في الامامة ، وكتاب الانتصار ، وكتاب
الامالي ، وكتاب تنزيه الانبياء ، وكتاب
الذريعة ، وغيرها من الكتب.

قال : الثالث : شيخ الطائفة ابو جعفر محمد
بن الحسن بن علي الطوسي (المفسر) توفي سنة
460 هـ.

الرابع ابو علي الطبرسي امين الدين الفضل
بن حسين بن شهر آشوب صاحب كتاب مجمع البيان
المتوفى سنة 548.

( 174 )

ونقول : ان صاحب تفسير مجمع البيان هو ابو
علي الفضل ابن الحسن الطبرسي وابن شهر
آشوب هو اسم لعالم آخر من علماء الشيعة وهو
ابو جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهر
آشوب صاحب كتاب المناقب الى آل ابي طالب.

قال الكاتب : ونظراً الى ما ذهب اليه هؤلاء
الاربعة من الشجب والانكار كان يناقض
ويعارض المبدأ المسلّم عليه عند جميع
الطائفة الشيعية ، فقد تعرضوا في المقابل
للنقد ووضعت آراؤهم على بساط البحث
والمناقشة .

ونقول : قد ينخدع البعض بانّ هذا الكاتب
على اطّلاع ومعرفة بكتب الشيعة وآراء
علمائهم ، ولكن ذلك خلاف الحقيقة ، فهو لا
يعلم شيء من ذلك اصلاً ، وشاهده انه يخطئ
في نقل الاسماء ويخلّط بين اللقب واسم
الكتاب ، ويجعل اللقب اسماً لكتاب ، ويمزج
بين اسمين لمسمّى واحد ، وإذا كان هذا حاله
فكيف يكون على اطّلاع ومعرفة بآراء الشيعة
واقوال علمائها ، وليته ذكر لنا مصدراً
واحداً تعرّض فيه واحد من هؤلاء العلماء
للمناقشة في هذه المسألة المزعومة الأمر
الذي يؤكّد ان هذا الكاتب يرمي القول على
عواهنه من دون معرفة ودراية.

قال الكاتب : ان العلامة ... كان قد اصدر
فتوى صرّح فيها ان الفرقة الشيعية منتسبة
الى كيان الاسلام حقيقة ولكنّه

( 175 )

اسعده الحظّ لمطالعة كتاب تفسير مجمع
البيان الذي وجد فيه انّهم يؤمنون
بالتحريف في اعتقادهم تراجع عن موقفه
السابق ، فأصدر فتوى ثانية لابطال الاولى
جاء فيها : إن كان من يستبطن اعتقاده وفكره
بتحريف القرآن فهو كافر بلا اشكال .

ونقول : ان هذا المفتي لو تمعن في ما جاء في
تفسير مجمع البيان من الدفاع عن القرآن
والردّ على القائل بنقصان القرآن وتغييره
وما اورده من كلام السيّد المرتضى في ذلك
لما تغيّر موقفه من الشيعة.

قال الطبرسي في مقدمة الكتاب تحت عنوان
الفن الخامس ... :

ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ،
فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة
فيه فمجمع على بطلانه ، وامّا النقصان منه
فقد روى جماعة من اصحابنا وقوم من حشويّة
العامّة انّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ،
والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه ، ثم ذكر
كلام السيد المرتضى وجاء فيه : ( ان القرآن
كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن )
وذكر الدليل على ذلك الى ان قال : ( وذكر ان
من خالف في ذلك من الامامية والحشوية 1 لا
يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف الى



1) الحشوية وهم العامة المنتسبون الى اهل
الحديث ويلقبون بالحشوية لقبولهم
الاحاديث المحشوة بالاباطيل وقيل هم
الذين يحشون الاحاديث التي لا اصل لهما في
الاحاديث المروية عن رسول الله صلى الله
عليه وآله ، او يدخلون فيها ما ليس منها.

قوم من اصحاب الحديث نقلوا اخباراً ضعيفة
ظنوا صحّتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم
المقطوع على صحته 1 .

فهل يفهم من هذه العبارات وغيرها ممّا لم
نذكره انّ الشيعة تقول بتحريف القرآن
وبنقصانه وقد ذكرنا في اوائل الكتاب ان
وجود الروايات لا يعني الاعتماد عليها
والاخذ بها ، فقد تكون ضعيفة لا يعتمد
عليها كما في ما نحن فيه ، فهل تلزم الشيعة
بأنّها تقول بتحريف القرآن بعد ان ردّ ذلك
علماء الشيعة انفسهم ونحيل الكاتب
وامثاله الى كتب السنّة ليرى فيها ما هو
اعجب واغرب كما نرجوا قراءة مقدّمة تفسير
مجمع البيان ليتبيّن انّ مذهب الشيعة لا
يقول بتحريف القرآن وهو قول علمائهم ،
فكيف ساغ لهذا المفتي ان يحكم على انّ
الشيعة تستبطن الاعتقاد بتحريف القرآن ؟ .

الشيعة والبداء ونساء النبي صلى الله
عليه وآله

قال الكاتب : وخلاصة القول لا يتوقّف
انطباق الكفر على الشيعة على القول
بالتحريف فحسب ، وإنّما تتّسع الدائرة الى



1) مجمع البيان في تفسير القرآن : ج 1 ص 15.

( 177 )

ابعد من ذلك لقولهم بالبداء وقذف نساء
النبي اللواتي هنّ امّهات المؤمنين
جميعاً.

ونقول : لو انّ هذا الكاتب اطّلع على عقائد
الشيعة من كتبهم وسعى لفهمها وتخلّى عن
مرتكزاته لكان خيراً له ، ولكنّه الجهل ،
والناس اعداء ما جهلوا ولذا تراه تارة
يحمل على الشيعة ويرميهم بالكفر والخروج
عن الاسلام لقولهم بالتقيّة وهي واردة في
القرآن وتارة لانّهم يقولون بتحريف
القرآن وعلماء الشيعة يردّون ذلك ، وتارة
لانّهم يقولون بالبداء وهو موجود في
القرآن ، فهل فهم معنى البداء الذي تقول به
الشيعة وتعتقد به ، وتارة باتهامهم بقذف
نساء النبي صلى الله عليه وآله ولا ندري
على ايّ المصادر يعتمد هذا الكاتب ، ومن
الذي يملي عليه هذه الاباطيل ليسطرها من
اجل ايقاع الفتنة بين الناس وسنذكر هنا
خلاصة معنى البداء عند الشيعة إفهاماً
لهذا الكاتب واضرابه ليعلموا انّ عقيدة
الشيعة في هذا الامر لا تتنافى مع مبادئ
الاسلام، ونؤكّد هنا انّ هذا الاتهام ليس
جديداً على الشيعة ، فقد سبق الى ذلك غير
هذا الكاتب ومن الذين لم يتثبّتوا ولم
يتوقّفوا كالفخر الرازي عند تفسيره قوله
تعالى : (يمحو الله ما يشاء ويثبت) 1 قال :
قالت



1) سورة الرعد ، الآية 39.

( 178 )

الرافضة البداء جائز على الله تعالى وهو
ان يعتقد شيئاً ثمّ يظهر له ان الامر بخلاف
ما اعتقده.

وحاشا الشيعة ان تقول بذلك فإنّهم
يعتقدون ان الله تعالى عالم بالاشياء قبل
وقوعها ، وهو الذي قدّرها ، وانّ علمه
تعالى عين ذاته (يعلم ما في السموات وما في
الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم
ولا خمسة الاّ هو سادسهم ولا ادنى من ذلك
ولا اكثر الا هو معهم اين ما كانوا ثمّ
ينبئهم بما عملوا يوم القيامة انّ الله
بكلّ شيء عليم) 1 .

وبعد هذا نقول :

البداء : لغة اسم مصدر من بدا يبدو بدواً
من طلب بمعنى ظهر وقد يطلق على ما ينشأ
للمرء من الرأي في امر ويظهر له من الصواب
، قال تعالى (وبدا لهم سيّئات ما كسبوا) 2
ولا يستعمل الفعل منه مفصولاً عن اللام
الجارّه كما في الآية الشريفة ، ويستعمل
كثيراً في معاني تستلزم الظهور والبروز ،
والجامع لهذه الاستعمالات هو الظّهور لا
ظهور الرأي فقط ، لصحة استعماله في ظهور
شيء آخر غير الرأي ، ثم إنّ في موارد
استعمال البداء



1) سورة المجادلة ، الآية 7.

2) سورة الزمر ، الآية 48.

( 179 )

وإرادة ظهور الرأي لا يتكفل اللفظ
بمدلوله اللغوي لاثبات سبب هذا الظهور من
كونه الجهل بما هو الصحيح من الرأي او كونه
من النّدامة من الرأي السابق او امر آخر ؛
إذ سبب الظهور لا يفهم من لفظ وضع لنفس
الظهور بل لابدّ من وجود قرينة عليه. فإذا
قلنا بدا لله كذا فهو بمعنى برز الى عالم
الوجود شيء لم يكن موجوداً وكان له الربط
بالله تعالى وإنما يكون ذلك من جهة دلالته
على قدرة الله التامّة ومشيئته الدائمة
على قلب الحوادث المحتملة اذا كانت
مقتضيات حدوثها موجودة ، وذلك بجعل موانع
حدوث تلك الحوادث ، او إزالة المقتضيات
لها عن صفحة الوجود قبل تحقّق تأثيرها ،
نظير ما ورد في الاخبار بأن الشيعة قبل موت
اسماعيل كانوا يعتقدون بانّه الامام بعد
ابيه الصادق ، كما كانوا يعتقدون بان ابا
جعفر محمداً هو الامام بعد ابيه الهادي ،
فارتفعت تلك المزعمة بموتهما في حياة
ابويهما ، وهذا إنّما يكون اعلاماً بأن كل
شيء بيد الله تعالى وتحت سلطانه وهو دليل
على دوام سلطان الله تعالى وبسط قدرته في
كل زمان بالنسبة الى كل شيء. فهل في هذا
منافاة للعلم الالهي او فيه مخالفة لمبادئ
الاسلام.

( 180 )

ثمّ إنّ البداء الذي تقول به الشيعة
الامامية انّما يقع في القضاء غير المحتوم
، فإنّ القضاء الالهي على اقسام ثلاثة.

الاوّل : قضاء الله الذي لم يطلع عليه احد
من خلقه والعلم المخزون الذي استأثر به
تعالى.

الثاني : قضاء الله الذي اخبر نبيه
وملائكته بأنّه سيقع حتماً.

الثالث : قضاء الله الذي اخبر نبيّه
وملائكته بوقوعه في الخارج الاّ انّه
موقوف على ان لا تتعلّق مشيئة الله بخلافه
وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء (يمحو
الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) 1 (لله
الامر من قبل ومن بعد) 2 وقد وردت الروايات
عن اهل البيت عليهم السلام تشير الى كلّ من
هذه الاقسام ، فالبداء في حقيقته كالنسخ
الاّ انّ الاوّل في التكوين والثاني في
التشريع ، وكلاهما لا يستلزمان الجهل او
نسبته الى الله تعالى.

وممّا يترتب على الاعتقاد بالبداء.

اولاً : الاعتراف الصريح بانّ العالم تحت
سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه ، وانّ
ارادة الله نافذة في الاشياء ازلاً
وابداً.

وثانياً : انّ في القول بالبداء ايضاح
للفرق بين العلم الالهي



1) سورة الرعد ، الآية 39.

2) سورة الروم ، الآية 4.

( 181 )

وبين علم المخلوق ، فعلم المخلوقين ـ وان
كانوا انبياء او اوصياء ـ لا يحيط بما احاط
به علمه تعالى.

وثالثاً : انّ الاعتقاد بالبداء يوجب
انقطاع العبد الى الله وطلبه اجابة الدعاء
منه وكفاية مهماته وتوفيقه للطاعة وابعاده
عن المعصية.

ورابعاً : انّ في ذلك الردّ على اليهود
الذين قالوا ان قلم التقدير والقضاء حينما
جرى على الاشياء في الازل استحال ان تتعلق
المشيئة بخلافه ، ولذلك حكى القرآن قولهم
وردّ عليهم (يد الله مغلولة غلّت ايديهم
ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان) 1.

وخامساً : انّ انكار البداء والالتزام
بأنّ ما جرى به قلم التقدير كائن لا محاله
دون استثناء يوقع العبد في اليأس عن اجابة
الدعاء وحينئذ فلا ينفع دعاء او تضرّع الى
الله تعالى.

وسادساً : انّ انكار البداء يشترك
بالنتيجة مع القول بأن الله غير قادر على
ان يغيّر ما جرى عليه قلم التقدير.

هذه خلاصة ما قرره علمان من أعلام الشيعة
ـ وهما السيد علي الفاني الاصفهاني في
كتابه البداء عند الشيعة والسيد ابو
القاسم الخوئي في كتابه البيان في تفسير
القرآن ـ حول موضوع



1) سورة المائدة ، الآية 64.

( 182 )

البداء ، وفيه ابحاث عميقة ودقيقة تركنا
التعرض لها رغبة في الاختصار ، وبعد فهل في
الاعتقاد بالبداء بهذا المعنى منافاة
للدين ؟ وهل فيه ما يستلزم الكفر ؟ حتى
يقول هذا الكاتب وانما تتسع الدائرة الى
ابعد ذلك لقولهم (الشيعة) بالبداء.

واما بالنسبة الى الدعوى الثانية حول قذف
نساء رسول الله صلى الله عليه وآله فإن
الشيعة تعتقد ـ وهذه كتبهم في متناول
الجميع ـ ان نساء النبي صلى الله عليه وآله
بل نساء الانبياء قاطبة منزهات عن الفواحش
التي تمس الشرف والعرض ، فإنّ ذلك يخدش
بمقام النبوّة ، ولكن لا يعني ذلك ان نساء
النبي معصومات عن سائر الاخطاء بل جاء في
القرآن ما يدلّ على ان امرأتين من نساء بعض
الانبياء مصيرهما النار وهما امرأة نوح
وامرأة لوط ، كما قال الله تعالى : (ضرب
الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة
لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين
فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً
وقيل ادخلا النار مع الداخلين) 1 وامّا
نساء النبي فهنّ وان كنّ لسن كسائر النساء
كما تحدّث القرآن عنهن لكن لا يعني ذلك
العصمة لهنّ وانما اختلافهن عن سائر
النساء في الثواب والعقاب فيضاعف لهنّ
الثواب إذا جئن بالحسنة كما يضاعف لهنّ
العقاب إذا جئن بالسيّئة



1) سورة التحريم ، الآية 10.

( 183 )

قال تعالى : (يا نساء النبي من يأت منكن
بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان
ذلك على الله يسيراً * ومن يقنت منكنّ لله
ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها اجرها مرّتين
واعتدنا لها رزقاً كريماً) 1 وذلك لمكان
قربهن من رسول الله صلى الله عليه وآله
وجسامة مسؤليتهنّ عند الله وعند الرسول
صلى الله عليه وآله ولعلّ الكاتب يشير
بقوله : ( وقذف نساء النبي ) الى قضية الافك
التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله
تعالى : (ان الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم لا
تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ
منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره
منهم له عذاب عظيم) 2 و 3 .

وقد ذكرت القصّة مفصلة في صحيح البخاري
وغيره والمراد بالافك هو الكذب العظيم او
البهتان على عائشة او غيرها من ازواج
النبي صلى الله عليه وآله كما سيأتي بيان
ذلك.

وجوابنا عن ذلك.

اولاً : ان هذه القضية وقعت في زمان النبي
صلى الله عليه وآله وتحدّث عنها القرآن
الكريم ، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعد
كما يدّعي هذا



1) سورة الاحزاب ، الآيتان 30 و 31.

2) سورة النور ، الآية 11.

3) صحيح البخاري بحاشية السندي : ج 3 ص 38 ،
دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان.

( 184 )

الكاتب فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين
الشيعة.

ثانياً : انّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه
القضيّة ومنهم حسّان بن ثابت ذكر ذلك
البخاري 1 وابن داود وغيرهما وكان لحسّان
في ذلك شعر يعرض فيه بابن المعطّل المتهم
في هذه القضية وبمن اسلم من مضر ، فإذا كان
الامر كذلك ، فكيف نحكم على انّ جميع
الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة
الامر الذي يثبت ويؤكّد انّ الصحابة حالهم
كحال سائر الناس.

ثالثاً : انّ هذه القضيّة محلّ خلاف بين
المؤرّخين ، فذهب بعض السنّة الى انّ
عائشة هي المتّهمة ، كما ذكر ذلك البخاري
في صحيحه والترمذي والبيهقي واحمد بن حنبل
وغيرهم ، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من
علماء السنة ان المتّهم في هذه القضيّة هي
مارية القبطيّة جارية رسول الله صلى الله
عليه وآله ام ابراهيم ، ويستدلّ الشيعة
بروايات وردت عن ائمّتهم عليهم السلام وقد
ذكر علي بن ابراهيم القمي تلك الروايات في
تفسيره لآية الشريفة 2 واما من



1) صحيح البخاري : ج 3 ص 39.

2) انظر تفسير القمي ، لعلي بن ابراهيم
القمي : ج 2 ص 99 ، مؤسسة دار الكتاب ، ـ قم ـ
ايران.

( 185 )

قال بهذه المقالة من علماء السنة كمسلم في
صحيحه 1 ، والحاكم في مستدركه 2 ، وابن
الاثير في كامله 3 ، وابن سعد في طبقاته 4 ،
والطبراني في اوسطه 5 ، والسيوطي في دره
المنثور 6 ، وغيرهم ، فقد ذكروا روايات
ايضاً تدل على انّ مارية القبطية هي
المتّهمة في قضية الافك.

ورابعاً : انّ من العجيب حقاً والملفت
للنظر ان نجد في الروايات السنّية ان ممّن
اتّهم مارية القبطيّة عائشة نفسها وانّها
قد اصابتها الغيرة الشديدة حتى ان ابن سعد
في طبقاته يروي عن عائشة قولها : ( ما غرت
على امرأة الاّ دون ما غرت على مارية... ) 7
وهي التي نفت الشبه بين ابراهيم وبين
الرسول صلى الله عليه وآله كما ذكر ذلك
السيوطي في الدر المنثور ويقول ابن ابي
الحديد



1) صحيح مسلم : ج 8 ص 119 النسخة المشكولة.

2) مستدرك الحاكم : ج 4 ص 39 و 40.

3) الكامل في التاريخ لابن الاثير : ج 2 ص 313.

4) الطبقات الكبرى لابن سعد : ج 8 ص 154 و 155

5) مجمع الزوائد : ج 9 ص 161 عن الطبراني في
الاوسط.

6) الدر المنثور ، لجلال الدين السيوطي : ج 6
ص 140 ـ 157.

7) الطبقات الكبرى لابن سعد : ج 8 ص 212 راجع
ايضاً انساب الاشراف : ج 1 ص 449.

( 186 )

المعتزلي عن موقف عائشة حين مات ابراهيم
عليه السلام : ( ... ثم مات ابراهيم فأبطنت
شماتة وإن اظهرت كآبة... ) 1 .

هذا ما يذكره بعض علماء السنة حول القضيّة
وانّ لعائشة دوراً كبيراً في اثارة التهمة
ضد مارية ، كما ذكرت ذلك المصادر السنية ،
فقل بربك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم
يقذفون نساء رسول الاسلام ؟ الا يقتضي
التثبت والتروي ان يبحث الانسان في كتب
الروايات والتاريخ عن هذا الامر ليقف على
الحقيقة بنفسه بدلاً من بثّ الدعايات
المغرضة التي لاطائل من ورائها غير ايقاع
الفتنة بين الناس.

وخامساً : انّ احد علماء الشيعة ومن
المحقّقين في قضايا التاريخ الاسلام قد
ألّف كتاباً حول هذه القضية واستعرض فيه
جميع النصوص الشيعية والسنّية الواردة في
هذه الحادثة وناقشها نقاشاً موضوعيّاً
توصل من خلاله الى نتائج مهمّة ونطلب من
هذا الكاتب ان يقرأ الكتاب ليرى الحقائق
بامّ عينه واسم الكتاب (حديث الافك) تاليف
جعفر مرتضى طبع عام 1400 هـ ـ 1980 م على مطابع
مؤسسة البيادر للطباعة ـ مزرعة ـ الضهر ـ
الشوف ونشرته دار التعارف للمطبوعات ـ
بيروت ـ لبنان ـ .



1) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد
المعتزلي : ج 9 ص 195.

( 187 )

الاحكام والفتاوي الجائرة

ثمّ ذكر الكاتب جملة من الاحكام قد ذكرها
سابقاً وهي : لا يجوز تزوّجهم منّا او نحن
التزوج منهم ، لا يباح لحومهم وذبائحهم
للمسلمين على الاطلاق ، لا ينبغي قبول
صدقاتهم المقدمة للمساجد ، لا يجوز الصلاة
على امواتهم ، او دعوتهم للقيام في صلوات
امواتنا ، لا يجوز كلّ ما ذكرناه بل إنّ
صلاة الشيعي على اموات اتباع اهل السنّة
تكون سبباً للعنة الله وتعذيبه للميّت في
قبره.

ونقول : ـ بغضّ النظر على الخلل الواضح في
هذه الاحكام الجائرة ـ إنّ ما توصّل اليه
من هذه الاحكام لا ينسجم مع ما رتّبه من
المقدّمات فإن كلّ ما ذكره مخدوش فيه صغرى
وكبرى ، فإنّ الشيعة مسلمون موحّدون
يلتزمون بالتعاليم الاسلامية في جميع
شؤونهم من عبادات ومعاملات واحكام ولا
يخالفون الدين في كل قضاياهم ، وإذا كان
هناك اختلاف مع السنة ، فهو يرجع الى فهم
الامور وتشخيصها ، ولا يلزم منه ما ذكره من
تلك الاحكام الجائرة الظالمة ، وإذا اصرّ
هذا الكاتب على مزاعمه فيمكننا القول إنّ
الشيعة ليسوا بحاجة الى ان يتزوّجوا من
اناس

( 188 )

هم على شاكلة هذا الكاتب او تزوّجه منهم
كما انهم ليسوا بحاجة الى ان يأكل من ذبائح
الشيعة ، وقس على ذلك بقية الامور.

ومن الغريب المضحك قوله : ان صلاة الشيعي
على اموات اتباع اهل السنّة تكون سبباً
للعنة الله وتعذيبه للميّت في قبره ، فمن
اين جاء بهذا الحكم وكيف يعذب الميّت بفعل
غيره ؟ وهل اكتسب ذنباً حتى يعذب في قبره
لمجرد صلاة الشيعي عليه ؟ والله تعالى
يقول : (ولا تزر وازرة وزر اخرى) 1 اليس في
هذا القول من هذا الكاتب نسبة الظلم
والجور لله تعالى ؟ تعالى الله عمّا يقول
الظالمون علوّاً كبيراً.

قال الكاتب : انّ العلامة ابن عابدين كتب
ما يلي : لا يوجد شك وريب في كفر من يلصق
التّهم بقذف سيدتنا عائشة (رض) او ينكر
خلافة سيّدنا ابي بكر.

ونقول : امّا قضية اتّهام السيّدة عائشة
فقد مرّ الكلام حولها.

وامّا انكار خلافة ابي بكر ، فقد انكرها
بعض الصحابة الى ان مات ، ولم يعترف بخلافة
ابي بكر وهو سعد بن عبادة



1) سورة فاطر ، الآية 18.

( 189 )

سيّد الخزرج وهو من كبار الصحابة فإنه لم
يبايع ابا بكر الى ان قتل في الشام 1 ، كما
تذكر ذلك المصادر التاريخيّة ، فإذا كان
كلّ من انكر خلافة ابي بكر يحكم عليه
بالكفر ، فيكون سعد بن عبادة كافراً في نظر
ابن عابدين ، فيا هؤلاء كيف تتّهمون الشيعة
بأنّهم يكفرون الصحابة وعلماؤكم ايّها
السنة هم يكفرونهم.

ثمّ لنا ان نتساءل هل انّ خلافة ابي بكر
وحي منزل او انّها وردت في نصّ من نصوص
القرآن او انها كما يقول عمر بن الخطاب :
فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد الى
مثلها فاقتلوه 2



1) الملل والنحل لابي الفتح محمد بن عبد
الكريم الشهرستاني : ج 1 ص 32 ، الطبعة
الرابعة دار المعرفة ـ بيروت.

وراجع ايضاً الكامل في التاريخ لابن
الأثير : ج 2 ص 222.

وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي
كان سيّداً جواداً ، وهو صاحب راية
الانصار في المشاهد كلها ، وكان وجيهاً في
الانصار ذا رياسة وسيادة يعترف قومه له
بها ، وموقفه يوم السقيفة معروف مدون في
كتب الاخبار والسير ، امتنع عن بيعة ابي
بكر وسار الى الشام فأقام بحوران الى ان
قتل.

رماه خالد بن الوليد وآخر بسهام والقياه
في بئر ، وقيل : رماه المغيرة بن شعبة ،
وقيل قتلته الجن.

راجع شرح نهج البلاغة : ج 17 ص 223 دار احياء
الكتب العربية وغيره من الكتب التي تناولت
ترجمته وموقفه من خلافة ابي بكر.

2) شرح نهج البلاغة : ج 2 ص 26 وراجع تلخيص
الشافي : ج 2 ص 104 وج 3 ص 159.

( 190 )

اليس في قول ابن عابدين تعريض بقول عمر 1 .

ونحن وإن ذكرنا فيما تقدم انّ الكاتب ذكر
انّ علماء الاسلام يحتاطون في اطلاق الكفر
على من نطق بالشهادتين ، وان ابا حنيفة
يذهب الى التّحذير من اطلاق الكفر على كل
من اتّجه الى قبلة الاسلام ، الا اننا نضيف
هنا انّ علماء السنة قد اتفقت فتاواهم على
عدم جواز تكفير المسلمين ، حتى ان بعضهم
ذهب الى عدم جواز تكفير الخوارج الذين
يستحلّون دماء المسلمين واموالهم
ويكفّرون الصحابة ، هذا مع انّ النبي صلى
الله عليه وآله نصّ على انّهم يمرقون من
الدّين كما يمرق السّهم من الرميّة ،
وانّهم شرّ الخلق والخليقة ، وانّهم ليسوا
من الله في شيء ، وانّ طوبى لمن قتلهم او
قتلوه 2 .

يقول السيّد شرف الدين رحمه الله معلقاً
على ذلك : وإذا كان هؤلاء مسلمين بالاجماع
، فما ظنّك بمن دخل باب حطّة ، وركب سفينة
النجاة ، واعتصم بحبل الله ، وتمسّك بثقلي
رسول الله ، ودخل مدينة علمه من بابها ،
ولجأ الى امان امّته من اختلافها وعذابها
، وإذا كان الخوارج مسلمين فمن غيرهم من
اهل القبلة



1) سورة الكهف ، الآية 5.

2) الفصول المهمة للسيد شرف الدين : ص 66 ، عن
التاج الجامع.

( 191 )

يكون كافراً ؟

وايّ ذي نحلة من اهل الاسلام ليس له
كشبهتهم ؟ 1 .

وقد عقد السيّد شرف الدّين رحمه الله في
كتابه الفذ ( الفصول المهمّة في تأليف
الامّة ) فصلاً تحت عنوان الفتوى بنجاة اهل
الشّهادتين ذكر فيه لمعة مما افتى به علماء
السنة من ايمان اهل التوحيد مطلقاً ، ونجاة
اصحاب الشهادتين جميعاً فقال : ذكر العارف
الشعراني في البحث 58 من اليواقيت والجواهر
انه رأى بخطّ الشيخ شهاب الدّين الاذرعي
صاحب القوت ، سؤالاً قدّمه الى شيخ
الاسلام تقي الدّين السّبكي وصورته : ما
يقول سيّدنا ومولانا شيخ الاسلام في تكفير
اهل الاهواء والبدع ؟

قال : فكتب اليه اعلم يا اخي انّ الاقدام
على تكفير المؤمنين عسر جداً ، وكل من في
قلبه ايمان يستعظم القول بتكفير اهل
الاهواء والبدع ، مع قولهم " لا اله الاّ
الله محمداً رسول الله " فإنّ التّكفير امر
هائل عظيم الخطر ، الى آخر كلامه ، وقد اطال
في تعظيم التّكفير وتفظيع خطره 2.

ونقل عن ابن العربي في باب الوصايا من
فتوحاته



1) الفصول المهمّة : ص 66 ، الطبعة المحققة.

2) الفصول المهمّة : ص 58 ، الطبعة المحققة.

( 192 )

قوله ايّاكم ومعاداة اهل لا اله الاّ الله
، فإنّ لهم الولاية العامّة فهم اولياء
الله ولو اخطأوا وجاؤوا بقراب الارض من
الخطايا وهم لا يشركون بالله شيئاً فإنّ
الله يتلقى جميعهم بمثلها مغفرة ، ومن
ثبتت ولايته حرمت محاربته 1 .

ونقل عن صاحب المنار قوله : إنّ من اعظم ما
بليت به الفرق الاسلامية رمي بعضهم بعضاً
بالفسق والكفر ، مع ان قصد كل الوصول الى
الحق بما بذلوا جهدهم لتأييده واعتقاده
والدّعوة اليه ، فالمجتهد وإن اخطأ معذور
2.

وقال رحمه الله : ونقل جماعة كثيرون منهم
الشّعراني في المبحث المتقدم ذكره عن ابي
المحاسن الرّوياني وغيره من علماء بغداد
قاطبة ، انهم كانوا يقولون : لا يكفر احد من
المذاهب الاسلامية لأنّ رسول الله صلى
الله عليه وآله قال : من صلّى صلاتنا ،
واستقبل قبلتنا ، واكل ذبيحتنا ، فله
مالنا وعليه ما علينا.

قال : واطال في اثبات الايمان لكل مصدّق
بالشهادتين من اهل الاهواء والبدع
كالمعتزلة ، وانّجارية والرّوافض ،
والخوارج ، والمشبّهة ، ونحوهم ، وحكم
بنجاة الجميع يوم القيامة .



1) الفصول المهمة : ص 59.

2) الفصول المهمة : 60.

( 193 )

ونقل القول بإسلام الجميع عن جمهور
العلماء والخلفاء من ايام الصّحابة الى
زمنه .

قال : وهم من اهل الاجابة بلا شك ، فمن
سمّاهم كفرة فقد ظلم وتعدّى 1.

وقال رحمه الله : واجمع الشّافعيّة على
عدم تكفير الخوارج واعتذروا عنهم ـ كما في
خاتمة الصواعق بأنّهم تأوّلوا ، فلهم شبهة
غير قطعيّة البطلان 2.

وقال رحمه الله ايضاً : ورأيت كلاماً في
هذا المعنى ناجعاً لشيخ السّادة الحنفيّة
محمّد امين المعروف بابن عابدين في باب
المرتدّ من كتاب الجهاد من الجزء الثالث
من ردّ المحتار يحكم فيه قاطعاً بإسلام من
يتأوّل في سبّ الصحابة ، مصرّحاً بأنّ
القول بتكفير المتأوّلين بذلك مخالف
لإجماع الفقهاء مناقضاً لما في متونهم
وشروحهم ، وانّ ما وقع في كلام اهل المذهب
من تكفيرهم ليس من كلام الفقهاء الذين هم
المجتهدون ، بل من غيرهم قال : ولا عبرة
بغير الفقهاء والمنقول عن الفقهاء ما
ذكرناه ... الى آخر كلامه وقد اشتمل على
ادلّة وافية ، وشواهد



1) الفصول المهمة : ص 61 ، الطبعة المحققة.

2) الفصول المهمة : ص 65.

( 194 )

كافية ، فليطلبه من اراده ، وله كلام آخر
في هذا المعنى ابسط ممّا اشرنا اليه نلفت
الطالبين له الى كتابه ( تنبيه الولاة
والحكّام ) على انّ ما في ردّ المختار مقنع
لأولي الابصار 1.

وإنّما أطلنا في النقل عن هذا العالم
العظيم السيّد شرف الدين ( رحمه الله )
لنؤكّد على انّ هذا الكاتب يرمي عن غير
قوسه ، ويتكلّم بغير لسانه ، ويكتب بغير
قلمه ، وهو خالي الوفاض من كل علم ومعرفة .

وقد ذكر السيد شرف الدين في كتابه في فصول
سابقة ولاحقة الكثير ممّا هو جدير
بالمراجعة ، ولا يخفى انّ هذا السيّد
الجليل هو ابرز المنافحين عن حريم التشيّع
، وقد رهن حياته للدفاع عن مذهب اهل البيت
عليهم السلام وقد اشرنا في مطلع الكتاب
الى بعض مؤلفاته ، ويعجبني ان انقل هنا ما
ذكره في كتابه المراجعات عن الشيخ سليم
البشري ـ شيخ الجامع الازهر في زمانه ـ وهو
قوله في المراجعة رقم (111) : قال : ـ مخاطباً
السيّد شرف الدين ـ : اشهد انكم في الفروع
والاصول على ما كان عليه الائمة من آل
الرسول ، وقد اوضحت الامر فجعلته جليّاً
واظهرت من مكنونه ما كان خافيا ، فالشكّ
فيه خبال ، والتشكيك تضليل ، وقد



1) الفصول المهمة : ص 67 ، الطبعة المحققة.

( 195 )

استشففته فراقني الى الغاية ، وتمخرّت
ريحه الطيبة فأنعشني قدسي مهبّها بشذاه
الفيّاح ؛ وكنت ـ قبل ان اتصل بسببك ـ على
لبس فيكم لما كنت اسمع من ارجاف المرجفين
واجحاف المجحفين ، فلما يسرّ الله
اجتماعنا اويت منك الى علم هدى ، ومصباح
دجى ، وانصرفت عنك مفلحاً منجحاً ، فما
اعظم نعمة الله بك علي ، وما احسن عائدتك
لدي ، والحمد لله رب العالمين 1.

ونقول لهذا الكاتب : اذا كان الشيعة
الامامية هكذا في الاصول والفروع بشهادة
شيخ الازهر ، واذا كان الشيعة الامامية
مسلمون موحدون ومن اهل القبلة ويشهدون
الشّهادتين ، وهم ناجون بشهادة علماء
السنة ، فهل يسوغ بعد ذلك رميهم بالكفر
والخروج عن الدّين وهدر دمائهم ؟

(ربّ احكم بالحق وربّنا الرحمن المستعان
على ما تصفون) 2.

قال الكاتب : وكتب ايضاً في مورد آخر : انّ
الشيعة مرتدون بلا اشكال ، وليس لهم حكم
الا الاعدام والقتل .



1) المراجعات : ص 537 ، المراجعة رقم 111.

2) سورة الانبياء ، الآية 112.

( 196 )

ونقول : نحن نطالب ابن عابدين بالدليل على
ارتداد الشيعة ، وعلى ايّ اساس بنى حكمه
الجائر ضدّ الشيعة ، فإنّ الاسلام وضع
الضابطة للحكم على الشخص بانّه مرتدّ ،
فهل تنطبق هذه الضابطة على الشيعة ليحكم
ابن عابدين بارتداد الشيعة ويحكم عليهم
بالقتل والاعدام (كبرت كلمة تخرج من
افواههم) 1 انّ اصدار الاحكام والفتاوى بلا
رادع من دين ولا وازع من ضمير ولا خوف من
الله ولا بينة ودليل في القول انما هو
إثارة للفتن وافساد في الارض ونصرة للظلم
والظالمين . وقد نقلنا جملة من فتاوى علماء
السنة في نجاة الشيعة وانهم على منهاج عترة
الرسول صلى الله عليه وآله.

ثم ذكر الكاتب ما كتبه رضي الدين مفتي دار
العلوم من انّ الشيعة يقولون بتحريف
القرآن وأمرهم كأمر اليهود والنصارى ولا
يجوز التزاوج منّا ومنهم ، او التعامل
والتعاطف معهم في ايّ امر كان ، وختم كلمته
بقوله فإنّ الشيعة الذين عندهم مثل هذه
الافكار والنظريات لا يتصفون بالكفر فقط
بل هم اشد قبحاً وانحرافاً من الكفار.

ونقول : إنّ مشكلة هؤلاء الكتّاب والمفتين
سريعوا المبادرة



1) سورة الكهف ، الآية 5.

( 197 )

الى التكفير من دون ان يذكروا مستنداً ،
او انهم إذا ذكروا مستنداً لحكمهم يغفلون
عمّا ملئت به كتبهم ، ونحن نتعجب كيف يكون
مثل هذا مفتياً والافتاء يقتضي الاحاطة
بالادلّة والمعرفة الدقيقة لأصول الدين
واحكامه ، والوقوف على موارد الاختلاف ،
فهل علم هذا المفتي انّ القول بالتحريف
موجود عند السنة ورواه علماؤهم في كتبهم
كما بينا ذلك مفصلاً ، ثمّ ان مجرد
الاختلاف في النظريّات والافكار هل هو سبب
كاف للحكم بالكفر ؟ أليس من اللائق هو عرض
الادلّة ومناقشتها مناقشة علميّة وبيان
مواضع الخطأ منها ـ على فرض وجود الخطأ
فيها ـ والسعي الى فهم مرادات الشيعة
بدلاً من تكفيرهم ؟ اليس من اللائق بهذا
المفتي ان يتثبت في فتاواه وفي حكمه انّ
الشيعة كاليهود والنصارى ؟ فعلى ايّ اساس
بنى حكمه ؟ وما هو دليله على ذلك ؟ ؟ اليس
من الجدير بهذا المفتي ان يتّقي الله
ويخشاه ويخاف ربّه ولا يكون لمجرمين
ظهيراً

ثمّ ذكر الكاتب ما كتبه محمّد مرتضى الحسن
نازم ـ دار العلوم ـ الهند ـ حيث قال : انّ
الامر الجوهري في المسألة هو كونهم رافضة
ومعنى الرافضة : انّهم منكرون ورافضون
لخلافة ابي بكر وعمر وعثمان انّهم لا
يرتدّون صفة الكفر والارتداد وخروجهم عن
حوزة الاسلام مجردة بل عليها صفات زائدة

( 198 )

تتمثل في عدائهم للاسلام.

ونقول :

اولاً : اذا كان الرفض لخلافة ابي بكر وعمر
وعثمان دليلاً على الكفر ، فهذا لا يختص
بالشيعة بل يشمل بعض الصحابة ، كما ذكرنا
ان سعد بن عبادة قد رفض بيعة ابي بكر
وخلافته الى ان قتل.

وثانياً : انّ الخلافة في نظر علماء السنة
ليست وحياً ولم يرد فيها نصّ قرآني ،
وإنّما هي من اختيار الناس انفسهم وهم غير
معصومين.

وثالثاً : انّ الشيعة تعتقد بانّ الخلافة
بعد النبي لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب
عليه السلام وتملك على ذلك الادلّة
والبراهين والعقليّة والنقلية وبإمكانها
ان تثبت عقيدتها من كتب السنّة انفسهم ،
وإذا قام الدليل عندهم على امر فلا مجال
للعدول عنه الى امر آخر.

واما قوله ان هناك صفات زائدة تتمثل في
عدائهم للاسلام ، فهذا زور وبهتان ، ولنا
ان نتساءل ما هو هذا العداء ؟ وما هي تلك
الصفات الزائدة ؟ وليته بيّنها لنقف على
مقصوده ، اما انّه يأتي بالكلام مجملاً
مبهماً فهذا خلاف العلم والعدل والانصاف.

( 199 )

قال الكاتب : فعلى المسلمين ان يجتنبوا عن
ايّة معاملة اسلامية معهم كالتزاوج معهم
الى ان قال : ولو عاش الزوجان في العلقة
الزوجيّة هذه فانّهما يعتبران زانيان
خارجان عن حدود الله ...

ونقول : عجيب امر هؤلاء انّهم لا يكادون
يفقهون حديثاً ، وانهم ليجرؤن على مخالفة
مذاهبهم واقوال علمائهم الامر الذي يؤكد
ما ذكرناه من انّ هؤلاء الكتّاب ليسوا من
اهل العلم ولا يقرأون ما كتبه علماؤهم
ونريد في الجواب عن هذه السخافة الاكتفاء
بطرح السؤال التالي : لو ان رجلاً وامرأة
متزوّجان وهما كافران ثمّ اسلما ، فهل
نحكم عليهما بأنّهما كانا زانيين ونقيم
الحدّ عليهما لارتكابهما الزنا ايّام
كفرهما ؟ ام انّ الدين الاسلامي يمضي ما
كانا عليه إذ لكلّ امة نكاح كما قرّر ذلك
في الفقه الاسلامي ؟ ؟ ؟

ثمّ نقول : هكذا يكون التلاعب بأحكام الله
إذا كانت الكلمة لهؤلاء الجهّال واضرابهم
ولا حول ولا قوّة الاّ بالله العليّ
العظيم وانا لله وانا اليه راجعون.

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه محمّد فزاز علي
مدرس الادب والفقه حيث قال : توجد فرق
متعددة عند الشيعة ومعتقداتها وإن

( 200 )

لم تتفق في نقطة معينة فهي باطلة بالنسبة
لبعضها وكفرها واضح على كل حال وياتي
الاثنا عشرية في مقدمتها وعلى هذا الاساس
لا يجوز التزاوج منا ومنهم او اجراء
المعاملة الاسلامية معهم.

ونقول : أهذا هو الادب الذي تدرّسه
لطلاّبك ؟ وهذا هو الفقه الذي يتلقّاه
المتعلمون منك ؟ كيف تبني احكامك على اساس
واه لا قرار له ولاثبات ؟ وكيف ساغ لك
الحكم بتكفير المسلمين من دون بيّنة
وبرهان ؟ هلاّ وقفت على اقوالهم وادلّتهم
وناقشتها وحاكمتها على اساس العلم والادب
والفقه ؟ اليس من الادب ان تكون باحثاً
موضوعياً تطرح الدليل الذي يقيمه خصمك
وتبين مواضع الخطأ فيه ؟ أليس من الفقه ان
تطلع على ما يقوله الشيعة في التوحيد
والنبوة والامامة والمعاد والعبادات
والمعاملات وترى كيف يستدلّون على
عقائدهم واحكامهم ؟ .

يا مدرّس الادب والفقه انت في دار العلوم
في الهند وفيها اكثر من اربعين مليوناً من
الشيعة وفيهم العلماء الا يأمرك ادبك
وفقهك ان تسعى لطلب الحقيقة والنقاش
العلمي الموضوعي مع علمائهم لتقف على
حقيقة الشيعة ومعتقداتها بدلاً من ان
تبادر للتكفير والتهجّم بلا دليل لإثارة
الفتن بين المسلمين ، ولكن ما اصدق قول
القائل فاقد الشيء لا يعطيه وان منح افخم
الألقاب.

ثمّ ذكر الكاتب ما كتبه حسين احمد من دار
العلوم حيث قال : إنّ الاشخاص الذين
يختزنون مثل هذا الاعتقاد الذي ذكرناه
اعلاه ، فهم كفرة وخارجون عن كيان الاسلام.

ونقول : يقصد بالاعتقاد الذي ذكره هو
القول بتحريف القرآن وقد مرّ الجواب عنه
مراراً وتكراراً.

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه المفتي محمّد عبد
العزيز ، حيث قال : إنّ الشيعة الاثنا
عشرية كفرة مرتدّون لانّهم يعتقدون
بتحريف القرآن.

وما كتبه شبير احمد عثمان شيخ التفسير في
دار العلوم حيث قال : كلّ من يخلط فكره
واعتقاده بتحريف القرآن فهو كافر بلا
اشكال.

وهو يريد بذلك الشيعة الاثنا عشريّة.

ونقل ما كتبه مولانا محمّد المدرس أنور
وهو يقصد الشيعة ايضاً حيث قال : إنّ ما ذهب
اليه هذا العالم الكبير المذكور اعلاه صدق
عندما قال بكفر كلّ من يعتقد بتحريف
القرآن وعدم الاشكال في كفره.

ونقل ما كتبه مسعود احمد نرب ، حيث قال :
إنّه بما انّ الشيعة لديهم اعتقادات غامضة
، فهم كفار وخارجون عن

( 202 )

الاسلام وعلى هذا الاساس لا تجري عليهم
احكام الاسلام اطلاقاً ، كمثل اجراء عقود
الزّواج ، التزاوج منّا ومنهم ... الى ان
قال : لا يجوز كل ما سردناه ويجب الاجتناب
والاحتراز عنها على الفور ولابد ان نذكر
هنا انّ كل من لا يتقيّد او لا يلتزم بما
ذكرناه يكون خارجاً عن حريم الاسلام ، ولا
شكّ انّه يكون مشتركاً مع الشيعة في مسلك
واحد.

ونقول : قد كرّرنا الجواب عن تهمة القول
بتحريف القرآن ، فإنّ علماء السنة قائلون
بذلك ، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك ، ولازم
هذه الفتاوى تكفير بعض علماء السنّة الاّ
انّ العجب من المفتي الاخير الذي يقول بما
انّ الشيعة لديهم اعتقادات غامضة فهم كفار
وخارجون عن الاسلام...

اقول : اهكذا يحكم بكفر الناس وخروجهم عن
الاسلام فقط لمجرد انّ عندهم اعتقادات
غامضة وإذا كان فهمك ايّها المفتي قاصراً
عن ادراك ما عند الشيعة يكون مصيرهم الكفر
؟!! هلاّ سألت وتفهّمت بدلاً من ان تكفرهم ؟
وإذا كان الله تعالى قد حجب عنك وعن بصيرتك
نور الحقيقة ، فما ذنب الشيعة حتى يكونوا
كفاراً خارجين عن الاسلام. اليس من اللائق
بك وبأمثالك ان تسعى لكشف هذا الغموض
ومعرفة الحقيقة ؟

( 203 )

ثم تعال الى ما قرره اخيراً من قوله :
ولابد ان نذكر هنا ان كل من لا يتقيد او لا
يلتزم بما ذكرناه يكون خارجاً عن حريم
الاسلام.

اقول : كيف ساغ لهذا المفتي ان يجعل من
نفسه موزعاً لشهادات الكفر والخروج عن
حريم الاسلام ، إنّ هذا المفتي وامثاله
يوزعون الكفر بالمجان ، واين هذا مما ذكر
الكاتب عن احتياط علماء السنّة من اطلاق
الكافر على من نطق بالشهادتين ، او توجّه
الى الكعبة كما نقله عن ابي حنيفة ، ونريد
ان نتساءل هل في تناول ذبائح الشيعة كفر
وخروج عن الاسلام ؟ وهل في قبول صدقاتهم
لبناء المساجد او توزيع زكاة الفطرة او
اقامة الصلاة على موتاهم خروج عن الاسلام
؟ لست ادري ولا المنجّم يدري.

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه محّمد كفتي
اوّلكان مفتي ازام الهند ـ دلهي حيث قال :
ان الشيعة كفرة حقيقة ، وذلك لانّه اذا وضع
القذف والتهم لام المؤمنين جانباً ويجعل
السبّ والشتم لسيّدنا ابي بكر وعثمان (رض)
فإنّ الايمان بتحريف القرآن الكريم من
لوازم هذا المذهب.

ونقول : امّا قضيّة القذف والاتهام فقد
مرّ الكلام حولها ولا حاجة للاعادة ،
وامّا السبّ والشتم فنريد ان نحيل الكاتب

( 204 )

والمفتي وهو ومن هو على شاكلتهما الى كتب
التاريخ التي تناولت تاريخ صدر الاسلام
ليرى كيف كانت حياة الصحابة ؟ وكيف كان
التخاصم والتباغض قائماً بين بعضهم ؟
ونذكر بالخصوص ما كانت تصنعه عائشة في 1
زمان خلافة عثمان وإنّها كانت تخرج قميص
رسول الله صلى الله عليه وآله او حذاءه
وتقول هذا قميص رسول الله لم يبل وقد ابلى
عثمان سنته ، وكانت تؤلب الصحابة على قتله
وكانت تكفّره على مسمع ومرأى من الصحابة ،
ولا ندري كيف غفل او تغافل هذا المفتي عن
هذه الاحداث التاريخيّة التي نص عليها كلّ
من ارّخ تلك الفترة 1.

واما عن مسألة القول بتحريف القرآن ، فقد
اجبنا عنها مراراً ، وسيأتي ما يتعلّق
بذلك.

قال الكاتب : عندما يعلن هذه الفتاوى التي
تكشف عن كفر الشيعة ذهب قائد علماء الهند
مولانا محمّد حسن عمرو فلوو ـ دار
المبلغين الي ما يلي:

يستدلّ على كفر الشيعة الاثنا عشريّة
وخروجهم عن الاسلام بعدّة ادلّة وشهادات
كثيرة:



1) راجع تاريخ اليعقوبي ، لاحمد بن يعقوب :
ج 2 ص 175 ، الطبعة الاولى ، منشورات الشريف
الرضي ـ قم.

( 205 )

الدليل الاوّل : ايمانهم بتحريف القرآن ،
انّ قدماء الشيعة وأئمّتهم الذين عاصروا
القرون الغابرة كانوا متحدين على شيء واحد
ومحور واحد الا وهو القول بتحريف القرآن
ولأجل ذلك فهم كفرة اجماعاً.

ونقول : اذا كان هذا قول قائدهم ، فما بالك
بالمقود والاتباع ( ان هم الاّ كالانعام بل
هم اضلّ سبيلاً )1 وقد ذكرنا انّ الشيعة لا
تقول بتحريف القرآن ، واذا كان هناك بعض
الروايات ، فهي غير معتبرة عندهم ، وقد ذهب
بعض السنّة الى القول بذلك ، وقلنا : إنّه
ليس للشيعة قرآن آخر ، وهذه مساجدهم عامرة
بتلاوة كتاب الله الذي يقرؤه كافة
المسلمين ، ولا اختلاف بين القرآن الذي
عند الشيعة والقرآن الذي عند السنّة ،
وعليه مدار احكامهم وتعاليمهم ، وهو
المستند الاوّل للأحكام والتعاليم
الشرعيّة .

ولا ندري لماذا هذا الاصرار على الزام
الشيعة بالقول بالتحريف في الوقت الذي
يصرح فيه علماؤهم بعدم التحريف ، وهذه
تفاسيرهم ناطقة بهذه الحقيقة ، ويستدل
الشيعة بالآية الكريمة



1) سورة الفرقان ، الآية 44.

( 206 )

(إنا نحن نزّلنا الذكر وانّا له لحافظون) 1
على انّ القرآن الكريم مصون بعناية الهيّة
خاصّة ، فإنّه معجزة الاسلام الخالدة ، ومع
ذلك لا يبقى مجال لهذا التهويل والارجاف
واثارة الفتن بين المسلمين . ثم تعال الى
الدعوى الكاذبة الذي افتراها حيث قال : فهم
كفرة اجماعاً اي اجماع هذا ؟ ومتى تم ؟ وكيف
تم ؟ وقد ذكرنا جملة من فتاوى علماء السنة
بنجاة كل من نطق بالشهادتين.

واذا كان هؤلاء يكذبون على علمائهم فلا
عجب في افترائهم على الشيعة كل زور وبهتان.

ثمّ نقل الكاتب شهادات من علماء قدماء
قالوا بكفر من انكر القرآن ، او يرفض ما
جاء فيه من الاحكام ، ومن هؤلاء العلماء
امام كاز المالك المتوفى سنة 544 هـ ، قال :
لا شك ولا جدال في كفر من ينكر القرآن
الكريم الموجود بأيدينا ، او يرفض ما جاء
فيه من الاحكام فضلاً عن الايمان بكونه
محرفاً .

وكتب العلامة بحر العلوم لكنو المتوفّى
سنة 1235 هـ مقالاً جاء فيه : كلّ من يؤمن
بتحريف القرآن فهو كافر.

وقال امام علي القدري المتوفّى سنة 1014 هـ :
كلّ من ينكر القرآن ايّ كان سورة او آية
حتّى الآية الواحدة فهو كافر.



1 ) سورة الحجر : الآية 9.

( 207 )

ونقول : ان هذه الاقوال والكلمات لا تعني
انّ الشيعة تقول بالتحريف وتعتقد به ،
وذلك لأنّ هذه الاقوال ناظرة الى كبرى
كليّة وهي انّ كلّ من ينكر القرآن فهو كافر
، او كلّ من يرفض ما جاء في القرآن فهو كافر
، وهذا حقّ والشيعة تعتقد بذلك ؛ لأنّ في
انكار القرآن تكذيباً للنبي صلى الله عليه
وآله وفي رفض ما جاء في القرآن ردّاً على
الله وعلى الرسول ، ولا شكّ انّ ذلك يوجب
الكفر ، ولكن اي دلالة في ذلك على انّ
الشيعة تعتقد بالتحريف ويبدو ان هذا
القائد لعلماء الهند اخذ الصغرى مسلّمة
وهي انّ الشيعة تعتقد بتحريف القرآن وطبق
الحكم عليهم وهذ دعوى بلا دليل ، وقد بيّنا
سابقاً وآنفاً انّ الشيعة لا تقول بتحريف
القرآن وقد صرّح علماؤهم بذلك.

ثمّ نقل الكاتب قولاً للشيخ عبد القادر
الجيلاني مفتي عزام البغدادي الذي توفي
سنة 561 هـ وقد سبق ان كفر الشيعة واكّد
القول بأنّهم خرجوا عن الاسلام نتيجة
تسالمهم على تحريف القرآن وان ائمّتهم
الاثني عشر معصومون لا يخطئون ناهيك عن
سبهم الملائكة.

ونقول : امّا قوله وقد سبق انّ كفر الشيعة
، فهذا ليس جديداً على الشيعة وما اكثر من
نسبهم الى الكفر عن جهل

( 208 )

بحالهم وهو شأن من لا يتثبّت في الاحكام
ولا يتّقي الله فيما يقول.

وامّا قوله : واكّد القول بأنّهم خرجوا عن
الاسلام نتيجة تسالمهم على تحريف القرآن ،
فهذا بهتان وزور وافتراء وقد قلنا وكرّرنا
بما فيه الكفاية.

وامّا قوله : وانّ ائمّتهم الاثني عشر
معصومون ، فهذا ما اثبته الدليل والبرهان
وفي آية التطهير وآية المودّة وما تواتر
من الروايات كحديث الثقلين وحديث المنزلة
وحديث السفينة غني وكفاية لمن القى السمع
وهو شهيد ، فضلاً عن عشرات الروايات التي
وردت عن السنّة والشيعة تؤكّد هذه الحقيقة
التي يعتقد بها الشيعة وهي عصمة ائمتهم
عليهم السلام وانّ الله تعالى اختارهم
خلفاء على الناس من بعد الرسول صلى الله
عليه وآله كما شهدت بذلك الادلّة العقليّة
والنقلية ، فتكفير الشيعة لقولهم بعصمة
ائمّتهم عليهم السلام زيغ وضلال وانحراف
عن جادّة الصواب.

وامّا قوله : ناهيك عن سبّهم الملائكة
فهذه فرية تضاف الى مفترياتهم على الشيعة .
( كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الاّ
كذبا ).

( 209 )

الشيعة وتحريف القرآن مرّة ثالثة

ثم قال الكاتب : بناء على مصادر الشيعة
الموثوقة على ما قيل يقولون : يوجد في
حوزتهم عشرون الفاً من الاحاديث تطرّقت
الى الحديث عن تحريف القرآن وعلى انّها
ربّما تحدّثت عن امامتهم ايضاً.

ونقول : وهذه ايضاً إحدى الاكاذيب على
الشيعة وقد ذكرنا الجواب فيما تقدّم ، ثم
ذكر الكاتب المحدث النوري وهو المرحوم
الميرزا حسين النوري الطبرسي وكتابه فصل
الخطاب.

ونقول : اولاً ان المحدث النوري رحمه الله
مّمن نسب اليه القول بتحريف القرآن وهو من
علماء الشيعة وقد توفّي سنة 1320 هـ وكانت
ولادته سنة 1254 هـ فيكون من العلماء
المتأخّرين.

وثانياً : انّ تلميذه الشيخ آغا بزرگ
الطهراني ذكر في كتابه الذريعة ان الشيخ
النوري قد صرّح في رسالة كتبها جواباً على
من الّف كتاباً في الردّ عليه بأنّه ليس
مراده من التحريف هو التغيير والتبديل
وانّ القرآن الموجود بين الدفّتين باق على
الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان
لم يلحقه زيادة ولا نقصان.

( 210 )

ويقول تلميذه الطهراني : وسمعت عنه شفاهاً
يقول : إني اثبت في هذا الكتاب ان هذا
الموجود المجموع بين الدفتين كذلك باق على
ما كان عليه في اوّل جمعه كذلك في عصر عثمان
ولم يطرأ عليه تغيير وتبديل...1 .

وثالثاً : انّ مراده هو اسقاط بعض الوحي
المنزل الالهي لدلالة بعض الروايات لا انّ
هذا القرآن الموجود بين الناس ناقص.

ورابعاً : ولو تنزّلنا وقلنا بأنّ النوري
قال بالتحريف ، فهذا رأيه الخاص به ولا
يعبّر عن رأي المذهب ، ولذا ردّ عليه
كثيراً من العلماء والّفوا كتباً في ذلك ،
فإذا كان الامر كذلك فكيف يحمل القول
بالتحريف على الشيعة قاطبة ؟.

قال الكاتب : يذهب الشيعة الى الاعتقاد
انّ الامام علي عليه السلام جمع كلّ
القرآن وفيه سبعة عشر الف آية ، ولكن
الموجود في متناول ايدينا لا يحتوي الاّ
على ستة آلاف وثلاثمائة وستّة عشر آية
وهذا يكشف النقاب على انّ عشرة آلاف آية لم
يدونها الصحابة في القرآن ، والقرآن
الصحيح هو ما جمعه الامام علي عليه السلام
وهذا القرآن لا يوجد عندهم وذلك لأن
الامام المهدي الثاني عشر غاب معه.



1) الذريعة الى تصانيف الشيعة : ج 16 ص 231 ،
الطبعة الاولى.

( 211 )

ونقول : قد بيّنا مراد المحدّث النوري
آنفاً ، فإنّه يقول : إنّ هذا القرآن
الموجود لا نقص فيه ولا تبديل الاّ ان بعض
الروايات تدلّ على اسقاط بعض الوحي المنزل
، وذلك امر آخر غير التحريف الذي تتّهم
السنّة الشيعة به.

ثمّ إنّ بعض علماء الشيعة يذهبون الى انّ
القرآن كان مجموعاً في زمان النبي صلى
الله عليه وآله على ما هو عليه الآن ، وقد
ذكرنا سابقاً اقوال علماء الشيعة في ذلك.

وقلنا : إنّه على فرض قول المحدث النوري
بذلك فهو تعبير عن رأي شخصي وليس هو راي
المذهب.

واما قوله ان القرآن الصحيح هو ما جمعه
الامام علي عليه السلام وهذا القرآن لا
يوجد عندهم وذلك انّ الامام المهدي الثاني
عشر غاب معه فهو بناء على قول المحدّث
النوري لا اشكال فيه ؛ لأنّ الامام لابدّ
ان يكون اعلم الناس بكتاب الله تعالى ،
واما اختفاؤه فلاقتضاء المصلحة ذلك. وامّا
بناء على قول غيره من علماء الشيعة وهم
الاكثر فهذا القرآن هو الذي كان في زمان
النبي صلى الله عليه وآله وقد صرّحوا بذلك
كما ذكرنا وارجع الى ما قلناه في المواضع
المتفرّقة من هذا الكتاب حول هذا الموضوع
لتتّضح الحقيقة.

قال : الدليل الثاني : إنّهم يجوّزون اسناد
الخطأ الى الله

( 212 )

تعالى (البداء) ونظير ذلك هو القول بتغير
علمه تعالى وعلى انّه قد يغيب عنه معرفة
بعض الحوادث وما ينجم منها ... الى ان قال :
إنّ هذا الكلام لا يخرج عن اطار تنزيل الله
منزلة ما لا يناسب قدسيته ...

ونقول : إنّ مسألة البداء من المسائل التي
قصرت أذهان اعداء الشيعة عن إدراكها ، فما
كان منهم الاّ اتّهام الشيعة بما هم منه
براء ، وقد اجبنا عن هذه المسألة فيما
تقدّم واوضحنا المراد من البداء عند
الشيعة وانّه لا يصطدم مع التوحيد ، بل ان
فيه الدليل على ان سلطان الله وقدرته
مهيمنة على كل شيء حدوثاً وبقاء.

قال : الدليل الثالث : انّهم يقولون بضرورة
جرح الشيخين ( ابي بكر وعمر (رض) وينسبون
اليهما ما هو عار تماماً عن الصحّة فضلاً
عن اتّهامهم السيّدة عائشة (رض) بأنها زنت.

ونقول : إن الشيعة تعتمد في تقييمها
للأشخاص على النصوص التاريخية ، وتعطي كلّ
ذي حقّ حقه ، وقد اشرنا الى كلا الموضعين
المذكورين فيما تقدم ، ونطلب من هذا
الكاتب ومن قائد علماء الهند كما عبّر عنه
الكاتب ان يقرأ التاريخ بروح الانصاف
والتعامل مع الاحداث على اساس من التجرّد
عن المرتكزات ثم يوافينا بما يتوصّل اليه.

( 213 )

ثم يذكر شهادات من مؤلفين حول هذا الموضوع
وردت في كتاب فتاوى المجيري وهي :

أ ـ كل شيعي يسبّ سيدنا ابا بكر وعمر (رض)
ويرفض خلفاء الرسول فهو كافر.

ب ـ ان كل من يتهم سيدتنا عائشة وينكر
صحابة ابيها سيدنا ابي بكر فهو كافر.

ونقول : إنّ في ما ذكرناه من الاجوبة كفاية
ولا حاجة الى الاعادة والتكرار.

ثم يطرح سؤالاً هو هل يجوز وصف الشيعة
بالكفرة ؟ ويجيب عن ذلك بأنّ الشيعة بما
انّها تؤمن بالخرافات فإن وصفهم بصفة
الكفر ممّا لا اشكال فيه.

ونقول : من حقّنا ان نتساءل ما هي تلك
الخرافات التي تؤمن بها الشيعة ؟ وهلا ذكر
واحدة منها لنرى مدى صدق دعوى هذا المدعي ،
وحيث لم يذكر شيئاً من ذلك فإنّنا نجيب عن
ذلك بقوله تعالى : (سبحانك هذا بهتان عظيم) 1
.

قال : إنّ الكثير من الناس بعيدون عن ظلّ
الاسلام بينما وقعوا في شبكة اولئك
الخارجين منه (المرتدّين) فيجب ان يعامل



1) سورة النور ، الآية 16.

( 214 )

هؤلاء معالة الكفر والذي يمتنع عن
تسميتهم ووصفهم بذلك ، فإنّه يعدّ منهم
وليس من المتديّنين في شيء.

ونقول : إن هذا الشخص يرى ان التديّن هو
اتّهام الناس بالكفر والاّ كان خارجاً عن
الدين فيكون كافراً ، أهذا هو الدين عندكم
؟ وهل بهذا امر القرآن وبهذا جاء النبي ؟ ؟
إننا لا نستطيع ان نفسر هذا التحجّر وهذه
الغلظة وهذا الافق الضيّق المشحون بالحقد
والعداء ، ولا يخفى انّ هذا اعادة لما ذكره
سابقاً ، وقد اجبنا عنه هناك فراجع .

قال : الدليل الرابع : من مسلمات الشيعة
القول بأن ائمّتهم كانوا معصومين غير
عاجزين عن ايّ شيء كان ، حقاً إن هذه
الصفات هي صفات الانبياء والرسل فقط .

ونقول : إنّ اهل البيت وهم عترة النبي صلى
الله عليه وآله الذين اذهب الله عنهم
الرجس وطهرهم تطهيراً كما نطق القرآن بذلك
في آية التطهير 1 وامر القرآن الناس
بمودّتهم كما في آية المودة 2 واكّد ذلك
النبي صلى الله عليه وآله في اقواله
وقرنهم بالقرآن وشبّههم بسفينة نوح من



1) سورة الاحزاب ، الآية 33.

2) سورة الشورى ، الآية 23.

( 215 )

ركب فيها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى 1 ،
مضافاً الى ما دل عليه العقل والنقل من
انّهم الائمة والخلفاء بعد النبيّ كلّ ذلك
يويّد القول بعصمتهم فأيّ مانع عقلي او
نقلي يمنع من ذلك ؟ وهل فيه منافاة للدين
ومخالفة لحكم العقل ؟ ثم ما المانع ان
يتحلّى هؤلاء بصفات الانبياء والرسل ؟ وما
المحذور في ذلك إذا قام الدليل على ذلك ؟.

قال : فهل هؤلاء افضل من سيّدنا ابي بكر
وعمر ؟.

ونقول : نعم هم افضل بنصّ القرآن الكريم
وبالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله
عليه وآله في شأن اهل بيته عليهم السلام
وبسيرتهم العمليّة وارجع الى التاريخ
لتقف على هذه الحقيقة ، وستجد انّ اهل
البيت عليهم السلام هم افضل الناس بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله في العلم
والعمل والفضائل.

قال : وهل هم اقرب منزلة عند الله من ازواج
النبي صلى الله عليه وآله ؟ .

ونقول : نعم فإن القرآن الكريم عاتب بعض
نساء النبي كما في سورة التحريم 2 ، وثبتت
مخالفة بعض نساء النبي لأوامر



1) راجع مستدرك الحاكم : ج 3 ص 163 ح 4720 عن ابي
ذر وراجع مجمع الزوائد : ج 9 ص 168 ، دار الكتب
العربي ، بيروت.

2) سورة التحريم ، الآية 5.

( 216 )

القرآن ، بينما اثنى القرآن على اهل البيت
وشهد بطهارتهم ونزاهتهم من الرجس وامر
بمودّتهم من دون ان يعاتبهم على شيء ،
والذي يبدو انّ هذا المستدل لا يخلو إمّا
ان يكون جاهلاً او معانداً ، ونحن نشك في
جهله والاّ كيف يكون قائداً لعلماء الهند
ولا يطلع على ما رواه علماء السنّة في
فضائل اهل البيت عليهم السلام وكمالاتهم.

قال : إننّا بدورنا لا نقبل عصمتهم ولذلك
لم يكونوا على احترام او ايّ مقام يذكر في
الاسلام بنظر اهل السنّة.

ونقول : ونحن بدورنا نقول إن إنكارك
لعصمتهم ولمقامهم ردّ على الله وعلى
الرسول ومخالفة صريحة لما جاء في القرآن
ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في
شأن اهل البيت عليهم السلام ثم كيف يجرؤ
هذا المستدلّ على هذا القول وقد قال النبي
صلى الله عليه وآله : مثل اهل بيتي فيكم
كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها
غرق وهوى1 وقال : علي مع الحقّ والحقّ مع
علي2 . وقال : إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب
الله وعترتي اهل بيتي لن تضلوا ما ان
تمسكّتم بهما



1) مستدرك الحاكم : ج 2 ص 151.

2) نفس المصدر السابق : ج 3 ص 130 ح 4629 ، وراجع
ايضاً المناقب للخوارزمي : ص 56.

( 217 )

وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض1 .
وقال : الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة2
. وقال : فاطمة بضعة منّي يرضى الله لرضاها
ويغضب لغضبها3. وغير ذلك من الروايات
المروية في كتب السنة كيف بهذا المستدل ان
يتجاسر بذلك القول وقد روى عن عمر انه قال :
لولا علي لهلك عمر4 . وقال : نتعوّذ بالله من
معضلة ليس لها ابو الحسن5.

ثم من هو استاذ ائمّة المذاهب ؟ وماذا كان
يقصد ابو حنيفة من قوله : لولا السنتان
لهلك النعمان6 الى غير ذلك مما هو معلوم
لدى الجميع وقد نقلته مختلف المصادر ، ثمّ
ارجع الى التاريخ مرّة اخرى لتقف على ان
اهل البيت عليهم السلام كانوا هم الملاذ
عند نزول الشدائد ووضع الحلول العملية ،
وكم من قضيّة استعصى حلّها



1) صحيح الترمذي : ج 5 ص 328.

ومسند احمد بن حنبل : ج 5 ص 181 ، وراجع بحار
الانوار للعلامة المجلسي : ج 23 ص 107.

2) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي : ج 1 ص 193

3) صحيح البخاري : ج 2 ص 302.

4) ينابيع المودّة ، للقندوزي الحنفي : ج 1 ص
227.

5) الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة : ج 3 ص
46.

6) الامام الصادق والمذاهب الاربعة ، لاسد
حيدر : ج 1 ص 70 ، مكتبة الصدر.

( 218 )

على الناس ، فرجعوا الى اهل البيت عليهم
السلام ليأخذوا منهم القول الفصل في
القضاء والفقه وسائر الاحكام ، فكيف لهذا
المدعوّ بقائد علماء الهند يقول بأن اهل
البيت عليهم السلام لم يكونوا على احترام
، او اي مقام يذكر في الاسلام ، وكيف
يتنكّر للحقائق الثابتة التي لا تقبل
الجدال ؟ إنّ في انكار فضل اهل البيت عليهم
السلام ومقامهم وشأنهم خروجاً عن جادة
الصواب وانحرافاً عن الحق وتخبطاً في
الضلام والضلال واذا بلغ الامر الى هذا
الحدّ من انكار البديهيّات ، فأيّ برهان
ينفع بعد ذلك مع اناس ضاقت صدورهم وقصرت
انظارهم وتحجّرت عقولهم ولم تطاوعهم
نفوسهم على الاعتراف بفضل اهل البيت عليهم
السلام مع صراحة الآيات القرآنية وتواتر
الاحاديث النبوية.

وهكذا يكون التدلس والتلبيس والتضليل
للناس وسياسة التجهيل التي تتعمّد اخفاء
الحقائق عن عامّة الناس ولولا امثال هؤلاء
المدلّسين الذين يصطبغون بصبغة العلم وهم
خلو من كلّ علم. والذين يمنحون افخم
الالقاب وهي القاب جوفاء لا واقع لها
وغاية علمهم انّهم يسارعون الى رمي الناس
بالكفر والخروج عن حريم الاسلام.

اقول : لولا ذلك لعرف الناس قدر اهل البيت
عليهم السلام ومقام

( 219 )

عترة النبي صلى الله عليه وآله ولما قدّم
سواهم عليهم ولما كنّا بحاجة الى ايضاح
الواضحات وبيان البديهيات وهذه كارثة
عظمى ومصيبة خطيرة وانا لله وانا اليه
راجعون.

قال : ومع الاسف انّ بعض اهل السنّة يجهلون
الشيعة وواقعهم الذي يتمثل في عدم قبولهم
بخاتمية النبي صلى الله عليه وآله ورسالته
فتجدهم يوجّهون اليهم الدعوات للمشاركة في
مراسيمهم الدينية مع كفرهم بخاتمية رسالة
النبي محمد صلى الله عليه وآله.

ونقول : قال الشاعر العربي :

لي حيــلة في من ينمّ  وليس في الكذّاب
حيلة

من كان يخلق ما يقول فحيــلتي فيه قليلـة

ونريد ان نتساءل ونوجّه السؤال لهذا
المفتري : في أيّ كتاب من كتب الشيعة جاء
فيه ان الشيعة لا يقبلون بخاتمية النبي
صلى الله عليه وآله ؟ وهذه كتبهم مبثوثة في
جميع بقاع الارض وهاهم الشيعة منتشرون في
انحاء العالم ، فهل رأى في كتاب او رأى
شيعياً يقول بذلك (سبحانك هذا بهتان عظيم) 1
واذا كان الشيعة يقولون بعصمة ائمّتهم
عليهم السلام فهل هذا يعني عدم قبول
خاتمية النبي صلى الله عليه وآله ؟ وأي



1) سورة النور ، الآية 16.

( 220 )

ملازمة بين الامرين ؟. ثم إنّه اذا كان
الشيعة يقولون بعصمة الائمة عليهم السلام
وعددهم اثنا عشر اماماً ، فالسنّة يقولون
بعصمة جميع الصحابة والدليل على ذلك حكمهم
بتكفير كل من يعترض على الصحابة مستنداً في
اعتراضه على النصوص المأثورة وقضايا
التاريخ المعلومة ، مع انّ في الصحابة من
هو منافق ، وفيهم من هو ضعيف الايمان ،
وفيهم من هو حديث عهد بالاسلام ، بل قد
وقعت الحروب الضارية بين الصحابة وقتل
الصحابة بعضهم بعضاً ممّا هو معلوم في
التاريخ.

ثمّ إن هذا المفتري هل وقف على ما تقوله
الشيعة في امر النبوة ورأى استدلالهم على
خاتميّة نبوة النبي صلى الله عليه وآله
حيث اعتبر الشيعة انّ خاتمية نبوة النبي
محمد صلى الله عليه وآله من ضروريات الدين
واستدلوا بالآيات والروايات على ذلك.

ان الشيعة الامامية تعتقد بانه لا نبي بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قرّروا
ذلك وبرهنوا عليه في كتبهم الاعتقادية
الاّ انّ هذا المفتري واضرابه ابو الا
الصاق التهمة والا الزور والبهتان (كبرت
كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الاّ كذبا)
1 .



1) سورة الكهف ، الآية 5.

( 221 )

وقد تقدم هذا الموضوع وأجبنا عنه الاّ
انّه لمّا تكرر هنا اضطررنا للاعادة
والتكرار.

ثمّ نقل كلمة صاحب كتاب ( مافهيم إلهية )
حيث قال : في واقع الامر انّ الشيعة لا
يؤمنون بخاتميّة رسالة محمد صلى الله عليه
وآله بل هناك انبياء آخرون جاؤا بعده وان
كانوا يختلفون معه في الاسم هذا ليس
مهمّاً وانما المهم ان يتفقوا معه في
المسؤليّة وتأديتهم الوظيفة الواحدة.

ونقول : قد ظهر الجواب عند هذا القول فيما
تقدم ونحب ان نضيف انّ هذا الكاتب لا يعي
ما يقول والاّ لما تفوّه بذلك والدليل ان
مؤدى كلامه انّه يشك في خلافة ابي بكر وعمر
وعثمان وذلك لاننّا نسأل ما هي وظيفة هؤلاء
الخلفاء وما هي مسؤليّتهم ان قال ان
المسؤليّة تختلف عن مسؤليّة النبي ، فهذا
اعتراف منه بانّ الخلافاء مخالفون للنبي
صلى الله عليه وآله وبالتالي لا يمكن
الاعتماد عليهم واتباعهم وان قال ان
المسؤليّة واحدة والوظيفة واحدة فهذا هو
الذي تقوله الشيعة بالنسبة الى ائمتهم
عليهم السلام ، ولا يخفى ان هذا الجواب
منّا الزامي ، والاّ فإنّ الشيعة تعتقد
انّهم منصوبون من قبل الله تعالى على يد
النبي صلى الله عليه وآله وليسوا بأنبياء
وانما خلفاء وهم الذين ورثوا علم الرسول
صلى الله عليه وآله ووقفوا على اسرار

( 222 )

القرآن ، وقد تقدّم انّ النبي صلى الله
عليه وآله قرنهم بالقرآن في حديث الثقلين
، وانّ القرآن والعترة اما من الضلال ولا
يغني احدهما عن الآخر وذلك لانّ في القرآن
آيات محكمات هنّ ام الكتاب واخر متشابهات
وفيه خاص وعام ومطلق ومقيد وناسخ ومنسوخ ،
وليس الناس كلّهم عالمين باسرار القرآن
ومراداته ، وانما يعلمه الله والراسخون في
العلم وهم اهل البيت عليهم السلام ، واهل
البيت ادرى بما في البيت.

والنتيجة انّ ائمة اهل البيت عليهم
السلام خلفاء للنبي صلى الله عليه وآله لا
انّهم انبياء كما يحلو لهؤلاء الكتاب
الصاق هذه التهمة بالشيعة زوراً وبهتاناً
، واما ما ذكره عن توجيه الدعوة للشيعة
للمشاركة في المراسيم الدينيّة فهذا
اعتراف ضمني بان الشيعة مسلمون متديّنون
واما الادّعاء بان ذلك للجهل بواقع الشيعة
فقد تقدّم الجواب عنه مراراً وتكراراً.

ثمّ الحق الكاتب ثلاثة احاديث نبوية
ذكرها بالمضمون حيث قال : ملحق : ثلاثة
احاديث نبوية :

1 ـ يأتي في آخر الزمان فرقة الرافضة انّهم
ليسوا من الاسلام في شيء مسند احمد : ج 1 ص 103.

2 ـ سيكون من بعدي الرافضة فإن وقعوا في
ايديكم

( 223 )

فاقتلوهم لكونهم من اهل الشرك انهم
يسبّون ابابكر وعمر ومن يفعل ذلك فعليه
لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. (
الدار قطني ) .

3 ـ تولد في اقرب الازمنة فرقة تسبّ اصحابي
وتتبع اخطاءهم فلا تجالسوهم ولا تناكحوهم
ولا تسلموا عليهم عليهم لعنة الله . ( عمدة
الطالبين : ص 179 ).

ونقول : اولاً : امّا بالنسبة الى الحديث
الاول فقد راجعنا مسند احمد ووجدنا الحديث
ونصه ـ بعد ان ذكر السند ـ : قال علي رضي
الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله
يظهر في آخر الزمان قوم يسمّون الرافضة
يرفضون الاسلام.

ومع الغضّ عن سند الحديث يكون البحث
والكلام في دلالته فإن الحديث يدل صراحة
على ان ظهور الرافضة في آخر الزمان والحال
ان الكاتب اعترف بانّ الشيعة قدماء وقد
بيّنا وبرهنا على انّ منشأ الشيعة هو في
زمان النبي صلى الله عليه وآله وان معنى
التشيع هو متابعة امير المؤمنين علي بن
ابي طالب عليه السلام .

فصدر الحديث لا ينطبق على الشيعة اطلاقاً.

وثانياً : انّ الحديث يذكر الرافضة ويصفهم
بانّهم يرفضون الاسلام ، والشيعة تعتنق
الاسلام ولا ترفضه وجميع تعاليمهم

( 224 )

واحكامهم مأخوذة من الاسلام ، ومعنى رفض
الاسلام عدم قبوله وعدم الالتزام
بتعاليمه بينما الشيعة ليست كذلك ، فهم
ينطقون الشهادتين ، ويصلّون الفرائض
الخمس ، ويصومون شهر رمضان ، ويحجّون
البيت الحرام ، ويزكّون ويتعاملون في
اسواقهم وعقودهم على طبق الاسلام ،
ويستندون الى القرآن الكريم وما اثر عن
النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته ، فليس
الشيعة رافضين للاسلام وبناء على ذلك
فالحديث لا ينطبق على الشيعة من هذه
الناحية ايضاً.

وثالثاً : انّ هذا الحديث يناقض الحديثين
الثاني والثالث ، وذلك لانّ الحديث الاول
يقول : يظهر آخر الزمان ، والحديث الثاني
يقول : سيكون بعدي والحديث الثالث يقول :
تولد في اقرب الازمنة . فبأيّ هذه الاحاديث
نأخذ مع انّا بيّنا انّ الشيعة ولدت
وترعرعت في زمان النبي صلى الله عليه وآله
وعلى يديه وتقدّمت الادلّة على ذلك وبناء
على ذلك فالاحاديث الثلاثة على فرض صحتها
لا تنطبق على الشيعة على الاطلاق.

ورابعاً : اننّا ننزّه مقام النبي صلى
الله عليه وآله عن ان يأمر بقتل الناس الاّ
بالحقّ ، ولا شك في ان عبارة " فإن وقعوا في
ايديكم فاقتلوهم " كما وردت في الحديث
الثاني تستوجب وقوع الفتنة بين الناس
وانتشار الفوضى وذلك يودّي الى تحوّل بلاد
المسلمين الى ساحات

( 225 )

حروب داخلية لا تنتهي ، وحاشا رسول الله
صلى الله عليه وآله ان يأمر بذلك ، فإنّه
هو الرحمة للعالمين (وما ارسلناك الاّ
رحمة للعالمين) 1 .

وخامساً : ورد التعليل في الحديث الثاني
للأمر بقتل الرافضة بأمرين الاول : لكونهم
من اهل الشرك ، الثاني : انّهم يسبّون
ابابكر وعمر.

اما بالنسبة للامر الاول ؛ فهذا لا يختصّ
بالرافضة وحدهم ، فانّ المشركين كثيرون ،
وحينما لحق النبي صلى الله عليه وآله
بالرفيق الاعلى لم يكن الناس كلّهم مسلمين
، وانما انتشر الاسلام بعد ذلك ، فالتعليل
المذكور يقتضي تعميم القتل لكلّ المشركين
، وحينئذ لابدّ من الرجوع الى احكام
الجهاد المقرّرة في الفقه الاسلامي لا ان
يكون القتل هكذا عشوائياً فهذه العبارة لا
يمكن الاخذ بمدلولها.

واما بالنسبة الى الامر الثاني وهو
التعليل بانّهم يسبّون ابا بكر وعمر ،
فقبل ان نجيب نريد ان نطرح هذا السؤال هل
كان النبي صلى الله عليه وآله يرى خلافة
ابي بكر وعمر من بعده او لا يرى ذلك ؟ فإن
كان يراها فلماذا لم ينصّ عليهما حتى لا
يقع الاختلاف من بعده وان كان لا يراها
فجعلهما خليفتين انما هو من الناس لا من
الله ولا من الرسول وحينئذ فهما كسائر
الناس لهما ما للناس وعليهما ما



1) سورة الانبياء ، الآية 107.

على الناس .

ثمّ نقول : بناء على انّهما شخصان عاديان
كانت خلافة احدهما فلتة كما قال عمر ومعنى
فلتة وقوع الامر من غير تدبّر ولا روية ،
والفلتة كلّ شيء يفعله الانسان فجأة ، كما
نصّ على ذلك اهل اللغة ، وكانت خلافة الآخر
بتعيين من الاوّل فكيف يكون سبّهما موجباً
للقتل الموجب لوقوع الفتنة بين الناس ؟
فهذه العبارة ايضاً لا يمكن الاخذ
بمدلولها اذ لا نفهم معنى لان يكون سبّ شخص
عادي غير معصوم سبباً لقتله ، فإنّ الدين
قد احتاط في امر الدماء احتياطاً شديداً
كما دلت على ذلك الروايات الواردة في هذا
المجال 1 .

وسادساً : انّ ما ورد في الحديث الثالث من
قوله تسبّ اصحابي وتتبع اخطاءهم ، فيأتي
فيه ما تقدم .

نعم هنا جاء النهي عن المجالسة والمناكحة
والسلام ولم يأت الامر بالقتل كما في
الرواية السابقة ، ثمّ نقول : اننّا قد
ذكرنا ان الصحابة اناس عادّيون وان تشرفوا
بلقاء النبي صلى الله عليه وآله والحياة في
زمانه الاّ ان ذلك لا يخرجهم عن كونهم
بشراً يخطئون ويصيبون



1) راجع كتاب التقية في فقه اهل البيت
عليهم السلام : ج 1 ص 72 ط / الاولى ، وراجع
الدر المنثور للسيوطي : ج 2 ص 16.

( 227 )

ولذا كان فيهم الفاسق والمنافق والمؤمن
والمؤذي لرسول الله صلى الله عليه وآله
كما تحدث القرآن عن ذلك. وقد ثبت وقوع
الاختلاف بينهم حتى قتل الخليفة بينهم
ووقعت حروب طاحنة بين الصحابة ، وهذا لا
تدّعيه الشيعة وحدهم ، بل هو مذكور في كتب
التاريخ التي كتبها المؤرّخون من اهل
السنّة وقد ذكرنا جملة من القضايا
والاحداث وقعت في النصف الاول من القرن
الهجري الاوّل كما ذكرنا مصادر السنّية .
فراجع.

ونضيف هنا انّه ورد في الروايات السنّية 1
الواردة في احوال يوم القيامة والوقوف على
الحوض وانّه يؤمر ببعضهم الى النار فيقول
النبي صلى الله عليه وآله : اصحابي فيقال
له : إنّك لا تدري بما احدثوا بعدك. كما ان
في القرآن آية تحدّثت عما سيجري بعد النبي
صلى الله عليه وآله وقد اشرنا اليها من قبل
، وهي قوله تعالى : (وما محمّد الاّ رسول قد
خلت من قبله الرسل افائن مات او قتل
انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه
فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)
2 وهذا الخطاب في قوله تعالى (انقلبتم)
موجّه الى



1) صحيح البخاري : ج 8 ص 149 و 150 و 151 كتاب
الرقائق باب الحوض ، دار احياء التراث
العربي ، بيروت ـ لبنان.

وراجع ايضاً مسند احمد بن حنبل : ج 5 ص 333 و ج
3 ص 28.

2) سورة آل عمران ، الآية 114.

( 228 )

الصحابة لا الى غيرهم وبناء على ذلك فهم
كسائر الناس وانما يمتاز كل شخص بما يكتسب
من الفضائل والكمالات كما قال الله تعالى :
(ان اكرمكم عند الله اتقاكم) 1 .

والنتيجة التي نخرج بها هي انه على فرض
صحّة الروايات المذكورة الاّ انّها لا
تعني الشيعة من قريب او من بعيد وهم مبرؤن
ممّا الصق بهم من التهم وما هذه الدعاوى
الواردة في هذه المقالة والتي اشترك في
تحريرها مجموعة من المفتين والمدرسين
الاّ دعاوى فارغة وباطلة ولا يراد بها
الاّ ايقاع الفتنة بين الناس.

(لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلّبوا لك
الامور حتى جاء الحقّ وظهر امر الله وهم
كارهون) 2.



1) سورة الحجرات ، الآية 113.

2) سورة التوبة ، الآية 48.

( 229 )

خاتمة المطاف

وبعد :

فقد كانت هذه الجولة المؤلمة مع هذا
الكتاب الذي كشف كاتبه عن جهله وحقده
وعصبيّته وبعده كلّ البعد عن روح البحث
العلمي والنقاش الموضوعي والسعي لطلب
الحقيقة ، وكان الاجدر به ان يتعرّف على
واقع الشيعة من نفس علماء الشيعة ولا
يعتمد في ذلك على اقوال امثاله ممّن جهلوا
بالواقع ، فكان نتيجة ذلك التدليس
والتضليل.

لقد كان من اللائق به ان يواجه علماء
الشيعة ويكتب لهم طالباً التعريف بما اشكل
عليه وغمض عليه فهمه بدلاً من ان يسعى لنشر
الفتنة بين الناس عن جهل وضلال.

ثمّ ماذا عسى ان يجني هذا الكاتب وامثاله
من ترويج هذه الدعايات المغرضة التي لا
فائدة من ورائها الاّ قوّة العدوّ المشترك
وتفكّك المسلمين وتعميق الهوة في الاختلاف
، وهكذا بالنسبة الى

( 230 )

تلك الجمعيّات المشبوهة التي ينتمي اليها
هذا الكاتب وامثالها من الجمعيّات الاخرى
التي تسلك هذه المسالك من التجهيل
والتضليل واخفاء الحقائق بدعوى الغيرة
على الاسلام والدفاع عن مقدساته.

اننّا نقول هذا لا عن عجز او خوف او ارتياب
، فإنّ الشيعة الامامية تملك من الادلّة
والبراهين العلميّة العقليّة والنقليّة
ما جعلها ثابتة راسخة على مرّ العصور برغم
الضّربات العنيفة التي كان يوجهها
اعداؤهم اليهم وهم على استعداد تامّ
للمواجهة العلميّة مع ايّ جهة من الجهات
فما دام الشيعة متمسّكين بالقرآن والعترة
فلن يضلّوا ابداً ، وما داموا قد ركبوا
سفينة النجاة فلن يغرقوا ابداً ، وما
داموا مع الحق وفي نصرة الحق فلن يخذلوا
ابداً (ربّنا آمنّا بما انزلت واتبعنا
الرسول فاكتبنا مع الشّاهدين) 1 .

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا
لنتهدي لولا ان هدانا الله ، وله الشكر
والمنّة على هدايته لدينه والتوفيق لما
دعا اليه من سبيله بالسير على منهاج محمّد
وآله الابرار صلوات الله عليهم اجمعين
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين

الجمعة 10 رجب المعظم 1417 هـ

محمد علي المعلّم



1) سورة آل عمران ، الآية 53.

( 231 )

فهرست المصادر

القرآن الكريم

1 ـ الاتقان في علوم القرآن للحافظ جلال
الدين عبد الرحمن السيوطي ، تحقيق محمد
ابو الفضل ابراهيم ، الهيئة المصرية
العامة للمكتبات.

2 ـ احكام القرآن لأبي بكر احمد الرازي
الجصاص ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

3 ـ إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل للقاضي
السيّد نور الله الحسيني المرعشي التستري
مع تعليقات السيّد شهاب الدين النجفي ،
منشورات المكتبة الاسلامية ، طهران .

4 ـ اسباب النّزول لأبي الحسن علي بن احمد
الواحدي النّيسابوري المتوفى سنة 468 هـ
دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان ،
المطبعة الحيدرية .

( 232 )

5 ـ اسد الغابة في معرفة الصّحابة لعزّ
الدين بن الاثير ابي الحسن علي بن محمد
الجزري طبع سنة 1409 هـ 1988 م ، دار الفكر ،
بيروت ـ لنبان.

6 ـ الاصابة في تمييز الصّحابة لشهاب
الدين ابي المفضّل احمد بن علي بن حجر
العسقلاني وبهامشه الاستيعاب في معرفة
اصحاب لأبن عبد البر النّمري القرطبي
الطبعة الاولى ـ سنة 1328 هـ مطبعة السعادة ،
مصر .

7 ـ الاصول العامة للفقه المقارن للسيد
محمد تقي الحكيم ، الطبعة الثانية 1979 م ،
دار الاندلس لطباعة والنشر والتوزيع.

8 ـ الاصول من الكافي لثقة الاسلام ابي
جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني
الرازي ، مطبعة الحيدري ـ طهران ، المكتبة
الاسلامية.

9 ـ الامالي لأبي جعفر محمد بن علي بن
الحسين بن موسى بن بابويه القمي (الشيخ
الصدوق) تحقيق قسم الدراسات الاسلامية
مؤسسة البعثة ، الطبعة الاولى 1417 هـ .

10 ـ الامام الصادق والمذاهب الاربعة لاسد
حيدر ، الطبعة الرابعة ، سنة 1413 هـ منشورات
مكتبة الصدر ـ طهران .

11 ـ الامامة والسياسة لأبي محمد عبد الله
بن مسلم بن قتيبة

( 233 )

للدينوري ، الطبعة الثالثة 1401 هـ ـ 1981 م ،
مؤسسة الوفاء ـ بيروت .

12 ـ انساب الاشراف لاحمد بن يحيى بن جابر
البلاذري ، تحقيق الدكتور احسان عباس ،
المطبعة الكاثولوكية 1400 هـ ـ 1979 م.

13 ـ انوار التنزيل واسرار التأويل لناصر
الدين ابن الخير عبد الله بن عمر البيضاوي
، الطبعة الثانية سنة 1318 هـ 1968 م .

14 ـ بحار الانوار للعلامة الحجة فخر الامة
المولى الشيخ محمّد باقر المجلسي ، الطبعة
الثانية 1403 هـ 1983 م مؤسسة الوفاء ، بيروت.

15 ـ البيان في تفسير القرآن للسيّد ابو
القاسم الموسوي الخوئي الطبعة الثامنة 1401
هـ 1981 م دار الزهراء ـ بيروت.

16 ـ تاريخ الامامية واسلافهم من الشيعة
للدكتور عبد الله فياض ، الطبعة الثالثة ،
منشورات الاعلمي ، بيروت ـ لنبان.

17 ـ تاريخ الخلفاء للحافظ جلال الدين
السيوطي ، الطبعة الاولى 1408 هـ 1988 م ، دار
الكتب العلمية ، بيروت.

18 ـ تاريخ الطبري (تاريخ الامم والملوك)
لابي جعفر محمّد

( 234 )

ابن جرير الطبري ، دار الكتب العلمية ،
الطبعة الثالثة 1408 هـ 1988 م ، بيروت.

19 ـ تاريخ الطبري (تاريخ الامم والملوك)
لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، تحقيق
محمد ابو الفضل ابراهيم ، دار سويدان ـ
بيروت لبنان.

20 ـ تاريخ الشيعة للشيخ محمّد حسين المظفر
، منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم.

21 ـ تاريخ اليعقوبي لاحمد بن ابي اسحاق
يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب
العباسي المعروف باليعقوبي ، الناشر
مؤسسة فرهنگ اهل البيت عليهم السلام قم ،
دار صادر بيروت ـ لبنان.

22 ـ تذكرة الخواص للعلامة سبط ابن الجوزي
المتوفى سنة 654 هـ تاريخ الطبع 1401 هـ 1981 م
مؤسسة اهل البيت عليهم السلام بيروت ـ
لبنان.

23 ـ ترجمة الامام علي بن ابي طالب عليه
السلام من تاريخ دمشق للحافظ ابي القاسم
بن الحسين بن هبة الله الشافعي المعروف
بابن عساكر تحقيق الشيخ محمّد باقر
المحمودي الطبعة الثانية 1398 هـ 1978 م ،
مؤسسة المحمودي ، بيروت ـ لبنان.

( 235 )

24 ـ تفسير البحر المحيط لمحمّد بن يوسف
الشهير بأبي حيّان الاندلسي ، الطبعة
الثانية 1403 هـ 1983 م ، دار الفكر ، بيروت ـ
لبنان.

25 ـ تفسير الثعلبي ، الطبعة الحجرية.

26 _ تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد
الدين ، ابي الفداء اسماعيل بن كثير
القرشي الدمشقي المتوفى سنة 774 هـ ، الطبعة
الاولى 1406 هـ 1986 م دار المعرفة ، بيروت ـ
لبنان.

27 ـ تفسير القمي لابي الحسن علي بن
ابراهيم القمي ، مؤسسة دار الكتاب ، قم ـ
ايران.

28 ـ التفسير الكبير لمحمّد بن عمر الفخر
الرازي ، الطبعة الثالثة.

29 ـ التقية في فقه اهل البيت عليهم السلام
(تقرير بحث سماحة آية الله الشيخ الداوري)
لمحمّد علي المعلم ، الطبعة الاولى 1418 هـ .

30 ـ التّلخيص لمحمّد بن احمد الذهبي ، دار
الفكر ، بيروت ـ لبنان.

31 ـ جامع احكام القرآن محمّد بن احمد
الانصاري القرطبي ، طبعة القاهرة بمصر ،
دار الكاتب العربية والطبعة الميمنيّة.

( 236 )

32 ـ جامع الاخبار لمحمّد بن محمّد
السبزواري ، تحقيق علاء آل جعفر ، نشر
مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ قم ـ
الطبعة الاولى 1414 هـ.

33 ـ جامع الاصول لابن الاثير الطبعة
الاولى ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان.

34 ـ جامع البيان في تفسير القرآن لأبي
جعفر محمّد بن جرير الطبري المتوفّى سنة 310
هـ الطبعة الاولى سنة 1403 هـ 1983 م بيروت ـ
لبنان . والطبعة الميمنيّة بمصر.

35 ـ الجامع الصحيح (وهو سنن الترمذي) لأبي
عيسى محمد بن عيسى بن سورة ، تحقيق وشرح
احمد محمد شاكر ، دار احياء التراث العربي.

36 ـ الجامع الصغير في احاديث البشير
النذير لجلال الدين السيوطي ، الطبعة
الاولى 1401 هـ ـ 1981 م .

37 ـ الدر المنثور لجلال الدين السيوطي
الناشر محمّد امين ، بيروت ـ لبنان.

38 ـ الدر المنثور لعبد الرحمن جلال الدين
السيوطي ، الطبعة الاولى 1403 هـ ـ 1983 م ، دار
الفكر ـ بيروت.

39 ـ دلائل النبوّة للحافظ الكبير ابي نعيم
الاصبهاني ـ

( 237 )

الطبعة الاولى المكتبة العربية ، بيروت.

40 ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة للشيخ آقا
بزرگ الطهراني الطبعة الثانية المطبعة
الاسلامية 1387 هـ 1986 م.

41 ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم
والسبع المثاني لابي الفضل شهاب الدين
السيّد محمود شكري الالوسي البغدادي ، دار
احياء التراث العربي.

42 ـ زاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج
جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد
الجوزي القرشي البغدادي ، الطبعة الاولى
1384 هـ ـ 1964 م ، المكتب الاسلامي ـ دمشق.

43 ـ سنن ابي داود لابي داود سليمان بن
الاشعث السجستاني الاذري ، دار الجيل ،
بيروت ـ لبنان.

44 ـ سنن الدار قطني لشيخ الاسلام علي بن
عمر الدار قطني ـ دار المعرفة ـ بيروت.

45 ـ السنن الكبرى للحافظ ابي بكر احمد بن
الحسين بن علي البيهقي ، الطبعة الاولى 1406
هـ 1986 م دار المعرفة ، بيروت.

46 ـ سلوني قبل ان تفقدوني (من مختصّات
مولانا امير المؤمنين عليه السلام) للخطيب
الشيخ محمّد رضا الحكيمي ، تاريخ الطبع

( 238 )

1415 هـ مكتبة الصدر ، طهران ـ ايران.

47 ـ شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد
المعتزلي منشورات مكتبة آية الله العظمى
المرعشي النجفي ط / 2 1967 م 1387 هـ دار احياء
الكتب العربية ، بيروت.

48 ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل (في
الآيات النازلة في اهل البيت عليهم
السلام) لعبيد الله بن عبد الله بن احمد
المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي
النيسابوري تحقيق وتعليق الشيخ محمّد
باقر المحمودي ، مؤسسة الاعلمي ، بيروت
الطبعة الاولى 1393 ـ 1974 م.

49 ـ شيخ المضيرة ابو هريرة لمحمود ابو
ريّة ، الطبعة الثالثة ، دار المعارف بمصر.

50 ـ الشيعة بين الحقائق والاوهام للسيد
محسن الامين.

51 ـ صحيح البخاري بحاشية السندي لأبي عبد
الله محمد بن اسماعيل البخاري ، دار
المعرفة ، بيروت.

52 ـ صحيح البخاري لأبي عبد الله محمد بن
اسماعيل البخاري ، دار احياء التراث
العربي ، بيروت.

53 ـ صحيح مسلم ، مطبعة محمّد صبح واولاده
بمصر.

54 ـ صحيح مسلم ، بشرح النووي ، دار الفكر
للطباعة

( 239 )

والنشر ، بيروت ـ لبنان.

55 ـ الصواعق المحرقة لاحمد بن حجر الهيتمي
، الطبعة الثانية 1385 هـ ، مكتبة القاهر.

56 ـ الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد بن منيع
الزهري تاريخ الطبع 1405 هـ 1985 م ، دار صادر
بيروت ـ لبنان.

57 ـ العقد الفريد لابي عمر احمد بن محمد بن
عبد ربه الاندلسي ، دار الكتاب العربي ـ
بيروت 1406 هـ ـ 1986 م .

58 ـ عمدة عيون صحاح الاخبار للحافظ ابن
بطريق ، الطبعة الثانية.

59 ـ غاية المرام للبحراني ، الطبعة
الحجرية.

60 ـ الغدير في الكتاب والسنة للشيخ عبد
الرحسين احمد الاميني النجفي ، الطبعة
الخامسة 1371 هـ ش دار الكتب الاسلامية ـ
ايران.

61 ـ العقائد الجعفرية للشيخ جعفر كاشف
الغطاء باهتمام السيّد مهدي شمس الدين ،
الطبعة الاولى 1415 هـ ، مؤسسة انصاريان.

62 ـ فتح الباري بشرح صحيح البخاري للحافظ
ابن حجر العسقلاني ، الطبعة الثانية 1402 هـ
1982 م ، دار احياء التراث

( 240 )

العربي ـ بيروت.

63 ـ فتح القدير لمحمّد بن علي بن محمد
الشوكاني ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان.

64 ـ فرائد السمطين لابراهيم بن محمّد
الجويني الخراساني ، الطبعة الاولى مؤسسة
المحمودي ، بيروت.

65 ـ الفصول المهمة للشيخ علي بن محمد بن
احمد المالكي ابن الصبّاغ ، مطبعة العدل
في النجف الاشرف ، منشورات الاعلمي ،
طهران.

66 ـ الفصول المهمة في تأليف الامة للسيد
عبد الحسين شرف الدين ، تحقيق الدكتور عبد
الجبار شرارة ، طبعة 1417 هـ ـ 1996 م ، نشر
رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية ـ
طهران.

67 ـ القاموس المحيط للفيروز آبادي ،
الطبعة الاولى ، دار احياء التراث العربي
، بيروت.

68 ـ الكامل في التاريخ لابي الحسن علي بن
ابي الكرم بن عبد الواحد الشيباني المعروف
بابن الاثير الجوزي ، الطبعة الخامسة 1405 هـ
1985 م ، دار الكتاب العربي.

69 ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد
لجمال الدين ابي منصور الحسن بن يوسف بن
علي بن مطهر الحلي ، من

( 241 )

منشورات مكتبة المصطفوي ـ قم.

70 ـ الكشّاف في حقائق التنزيل وعيون
الاقاويل في وجوه التأويل لابي القاسم جار
الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ،
دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان.

71 ـ كفاية الطالب للحافظ محمد بن يوسف بن
محمد القرشي الكنجي الشافعي ، مطبعة الغري
ـ النجف الاشرف 1351 هـ .

72 ـ كنز العمّال في سنن الاقوال والافعال
للعلاّمة علاء الدين المتّقي بن حسام
الدين الهندي المتوفى سنة 975 هـ ، الطبعة
الخامسة 1405 هـ 1985 م مؤسسة الرسالة ، بيروت.

73 ـ مجمع الامثال لابي الفضل احمد بن
محمّد بن احمد بن ابراهيم الميداني ، دار
الجيل ـ بيروت.

74 ـ مجمع البيان في تفسير القرآن لأبي علي
الفضل بن الحسن الطبرسي ، المطبعة
الاسلامية 1373 هـ ـ طهران.

75 ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ
نور الدين علي بن ابي بكر الهيثمي ، الطبعة
الثالثة 1402 هـ ـ 1982 م ، دار الكتاب العربي ،
بيروت ـ لبنان.

76 ـ المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين
الموسوي ،

( 242 )

تحقيق وتعليق حسين الراضي ، مؤسسة دار
الكتاب الاسلامي.

77 ـ المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله
محمّد بن عبد الله المعروف بالحاكم
النيسابوري وفي ذيله تلخيص المستدرك
للحافظ شمس الدين ابن عبد الله محمّد بن
احمد الذهبي 1398 ـ 1978 م ، دار الفكر ـ بيروت.

78 ـ مسند الامام احمد بن حنبل لأبي عبد
الله الشيباني ، دار صادر ـ بيروت.

79 ـ معالم التنزيل في التفسير والتأويل
لأبي محمّد الحسين مسعود الفرّاء البغوي ،
الطبعة الثانية 1405 هـ 1985 م ، دار الفكر ـ
بيروت.

80 ـ معجم البلدان لشهاب الدين بن عبد الله
الحمويني الرومي البغدادي ، دار إحياء
التراث العربي.

81 ـ مقدّمة ابن خلدون مطبعة مصطفى محمّد
بمصر.

82 ـ الملل والنحل لأبي الفتح محمد بن عبد
الكريم الشهرستاني ، تخريج محمد بن فتح
الله بدران ، الطبعة الثانية ، مكتبة
الانجلو المصرية.

83 ـ الملل والنحل لأبي الفتح محمّد بن عبد
الكريم بن ابي بكر احمد الشهرستاني ،
الطبعة الرابعة دار المعرفة ،

( 243 )

بيروت ـ لبنان 1995 م 1415 هـ .

84 ـ المناقب للموفّق احمد بن محمّد المكّي
الخوارزمي ، تحقيق الشيخ مالك المحمودي ،
مؤسسة النشر الاسلامي ، الطبعة الثانية 1411
هـ .

85 ـ من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد
الرحمن احمد البكري ، الارشاد ، بيروت ـ
لبنان.

86 ـ الموطّأ للامام مالك بن انس ، دار
احياء الكتب العلميّة 1370 هـ 1951 م.

87 ـ نور الابصار في مناقب اهل بيت النبي
صلى الله عليه وآله المختار للشيخ مؤمن بن
حسن الشبلنجي ، تاريخ الطبع 1398 ـ 1978 م دار
الكتب العلمية ـ بيروت.

88 ـ ينابيع المودّة لذوي القرى للشيخ
سليمان بن ابراهيم القندوزي الحنفي (1220 ـ
1294 هـ) تحقيق سيد جمال اشرف الحسيني ، دار
الاسوة للطباعة ، الطبعة الاولى 1416 هـ ق.

89 ـ ينابيع المودة ، الطبعة الاولى ،
استانبول.

90 ـ ينابيع المودّة ، انتشارات الشريف
الرضي قم ـ ايران ، الطبعة السابعة ،
منشورات المكتبة الحيدريّة في النجف
الاشرف 1384 هـ 1965 م .

/ 232