تفسیر نشأته و تطوره و اتجاهاته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

تفسیر نشأته و تطوره و اتجاهاته - نسخه متنی

محمد بلال حسین

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

التفسير: نشأته و تطوره واتجاهاته

الدكتور محمد بلال حسين

استاذ مساعد قسم الدراسات الإسلامية

جامعة الدراسات الإسلامية جامعة راجشاهي بنغلاديش

التفسير نشأته و تطوره اتجاهاته :

التفسير من أعظم العلوم وأفضلها وله أهمية بالغة في الدراسات الشرعيّة فلفظ التفسير في اللغة الكشف و البيان و في الإصطلاح هو علم يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم واظهار معانيه و مفاهيمه والتأويل مرادف له في اشهر معانيه.

نشأ التفسير مبكراً في حياة الرسول ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ) و لكنَّهُ لم يرقم في السطور آنذاك، ثم دون التفسير في آواخر حُكُومَةِ بني أُميّة وأوائلِ بني العباس كجزء مهم لكتب الحديث ثم انفصل حتي قام بنفسه كعلم مستقل فاشتغل علماء ذلك العصر بتأليف التفسير بالأسانيد ثم جاءت عصابة منهم فاختصروا الأسانيد و تركوا نسبة الأقوال الي قائلها، ثم بدأ التباس الأمر في التفسير حتي اختلط الصحيح بالسقيم من دخول الاتجاهات المتنوعة فيه كالإِتّجاه الرأييّ والبياني والفقهي واللغوي والمذهبي والموضوعي والاشاري والأدبي والإجتماعي و العلمي.

معني التفسير

التفسيرُ تفعيلٌ مِنَ الْفَسْرِ معناهُ الكشفُ والإبانةُ وإظهارُ المعني المعقولِ 1 قالَ ابنُ منظور (ت: 711هـ) و هو كشف المراد عن اللفظ المشكل ويطلق علي الايضاح والتفصيل2 و منه قوله تعالي «وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلَّا جِئْنكَ بالْحَقِّ وَأَحْسَن تَفْسِيْراً»3 أي بياناً وايضاحاً و تفصيلاً و قيل إِنَّ التفسيرَ مقلوبٌ من السَّفْرِ4 فَالسَّفْرُ وَالْفَسْرُ متقاربانِ في المعاجم العربية يطلق السَّفْرُ علي إيضاح الأعيان للأبصار وَالَسَّفْرُ علي ابراز المعني المعقول واظهاره كما يقال أَسْفَرَتِ المرأةُ عَنْ وَجْهِهَا إِذا كَشَفَتْهُ5و معني السَّفْرُ كشطَ الشَّيء عن الشَّيء و كشفُ المغطي كما في تنزيل العزيز «وَالصُّبْحِ اِذَا أَسْفَرَ»6 وفي السُّنَّةِ العاطرةِ. «أَسْفِرُوْا بِالْفَجْرِ فَإنَّهُ أَعْظَمُ لِلأجْرِ»7.

و قيلَ هو مأخوذٌ من الْفَسَرِ أو التَّفْسِرةِ8 و هي اسم لما يعرف به الطبيب المريض. لذلك قال ابنُ فارس (ت: 309هـ) هو مشتق من «فَسَّرَ الطَّبِيْبُ لِلْمَاءِ اِذَا نَظَرَ إلَيْهِ» ووجه اشتقاقه من هذا اللفظ أن الطبيب يكشف غطاءً عن المرضِ بعدَ الفحصِ الطّبيِّ كذلك المفسر يكشف المغطي و يُزيل اللبس عن ظاهر أحكام الآيات ببيان أسباب نزولها وإيضاح مفاهيمها ومقاصدها وإيراد الواقعات المتعلقة بها9. قال ابو حيان (ت 745هـ):

«يُطلق التفسير أيضاً علي التعرية للإنطلاق كما يقال فَسَّرْتُ الفرسَ معناهُ عريتُهُ لينطلقَ في حصره وهو راجع لمعني الكشف كأنه كشف ظهره لهذا الذي يريدُ منه من الجري»10 .

فظهر منه أن التفسير يستعمل في معنيين أساسيين الأول الكشف الحسّي والثاني الكشف عن المعاني المعقولة. و قد استعمل كثيراً في الكشف الحسّي دون المعاني المعقولة. وفي الإصطلاح هو عبارة عن معرفة أحوال ألفاظ القرآن الكريم و معانيه من حيث الدلالة علي مراد اللّه تعالي حسب القدرة الإنسانية11. قال الزركشي:

و قيل هو علم يفهم به كتاب اللّه المنزل علي نبيه محمد ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) و بيان معانيه واستخراج أحكامه و حكمه 12. و قيل «هو علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الافرادية والتركيبية و معانيها التي تحمل عليها حالة التركيب و غير ذلك كمعرفة النسخ و سبب النزول وما به توضيح المقام كالقصة والمثل»13.

قال الزرقاني هذا أوسط التعاريف14. و عرفه بعضهم بأنه علم باحث عن معني نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية و بحسب ما تقتضيه القواعد العربية علي طريق الكشف الواضح من حيث دلالته علي مراد اللّه تعالي و قد ناقد العلامة الفناري علي هذه التعريفات و دقق فيها لم يرض بها فأوجز تعريفه بأفصح العبارة فقال :

«هو معرفة أحوال كلام اللّه تعالي من حيث المعاني القرآنية ومن حيث دلالته علي ما لم يعلم أو يظن أنه مراد اللّه تعالي بقدر الطاقة البشرية»15.

معني التأويل :

التأويل من الأول وهو الرجوع والعود، كما يقال آلَ اليه رجع 16و يطلق أيضاً علي معني الارتداد كما يقال ألئت عن الشيء أي ارتدت. قال الراغب الاصفهاني (ت 502 هـ) التأويل هو الرجوع الي الأصل و منه المؤول للموضع الذي يرجع اليه و ذلك هو ردّ الشيء الي الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاً17 كما في قوله تعالي «هَلْ يَنْظُرُوْنَ اِلاَّ تَأْوِيْلَهُ يَوْمَ تَأْتِيْ تَأْوِيْلهُ»18 و قيل من الأيالة وهي السياسة كما قال الفيروزابادي (ت: 817 هـ): آلَ الملِكُ رَعِيَّتَهُ ايالاً أي ساسهم19 وقد يكون في معني تعبير الرؤيا كما في قوله تعالي «وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيْلِ الأحْلاَمِ بِعَالِميْنَ»20.

و يطلق لفظ التأويل أيضاً علي معني التبيين والكشف21 ومنه قوله تعالي «فَاَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ زَيْغٌ فَيتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَاءَ تَأْوِيْلهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيْلَهُ اِلاَّ اللَّهُ»22 و يستعمل بمعني العاقبة23 كما قوله تعالي «فَاِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيي‏ءٍفَرُدُّوْهُ اِلَياللّهِ وَالرَّسُوْلِ اِنْ كنْتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيْلاً»24 و في قول الشعر:




  • علي اَنَّها كَانَتْ تُأَوِّلُ حُبَّهَا
    تَأَوّلَ ربعي لسّقَبٍ فَأَصْبَحَا



  • تَأَوّلَ ربعي لسّقَبٍ فَأَصْبَحَا
    تَأَوّلَ ربعي لسّقَبٍ فَأَصْبَحَا



و قال أبو عبيدة و هو من «آلَ يَؤُولُ إِلي كذا أَيْ صَارَ إِليهِ» و هو بمعني المرجع والمصير25 و ذهب بعض اللغويين كالجوهريّ و أبي إسحاق و غيرهما الي أَنَّ معناهُ «تفسيرُ ما يؤولُ إِليه الشيء»26 و في اصطلاح المفسرين التأويل هو عبارة عمّا استنبطه العارفون من المعاني الخفيّة والأسرار الربانية اللطيفة الّتي تحملها الآية الكريمة27. وقد وقع الإختلاف بين العلماء قديماً و حديثاً في المعني الإصطلاحي للتأويل. عَرَّفَهُ قدماءُ المفسرينَ بأنَّهُ مرادفٌ للتفسير وهما بمعني واحد28 و علي هذا المعني نجد الإمام ابن جرير الطبري (ت: 224هـ) يقول في تفسيره «القول في هذه الآية «يريد بذلك أهل التفسير»29 و كذلك ما عَنَاهُ مجاهد من قوله «إِنَّ العلماءَ يعلمونَ تأويلَهُ» يعني القرآن يريد بذلك تفسير معناه30.

و َعَرَّفَهُ العلماءُ المعاصرونَ بأنَّهُ صرف اللفظ عن المعني الراجح الي المرجوح بدليل يدل علي أن المراد منه هو المعني الّذي عَدَلَ إليه 31. قال الدكتور محمد حسين الذهبي في هذا الصدد: «هذا هو التأويل الذي يتكلمونَ عليه في أصول الفقه و مسائل الخلاف. فإذا قال أَحدهم هذا الحديث أو هذا النص مؤول أو محمول علي كذا و كذا قال الآخر هذا نوع من التأويل و التأويل يحتاج إِلي دليل». و قد تناول المتكلمون معني التأويل الّذي اصطلح عليه العلماء ثم استخدموا هذا الإصطلاح في صرف الآيات الّتي تتضمن صفات اللّه سبحانه تعالي عند ظاهر معانيها الراجحة الي معانٍ مرجوحة كما تأولوا في قوله تعالي «وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً»32 قالوا «وَجَاءَ رَبُّكَ» اي أَمرَ ربُّكَ ولو أثبت ظاهر المعني من هذه الآية لَلَزمَ للّه خلو المكان والحدوث واللّه منزه عن ذلك فصرفوا الكلام الراجح الي معناه المرجوح لتنزية اللّه تعالي 33. هكذا جاء تعريف التأويل متعدداً فتباينت فيه الألفاظ وتقاربت المعاني و ذلك يدل علي مفهوم واحد34.

الفرقُ بينَ التفسيرِ والتأويلِ:

تختلف الآراء بين العلماء في بيان الفرق و تحديد النسبة بين التفسير و التأويل لأن اظهار الفرق بينهما أمر معضل و صعب جداً قال ابن حبيب النيسابوري :

«نبغ في زماننا المفسرون و لو سئلوا عن الفرق بينهما ما اهتدوا إِليه»35.

يري بعضُ العلماءِ أنَّ التأويلَ مرادف للتفسير في معظم معانيه اللغوية وهما متساويان ومنه دعاء النبي ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) لابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) «أَلَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيْلَ» يعني التفسير. و قيل إِنَّ التفسير والتأويل بينهما معنيان مختلفان وبينهما من التباين فالتفسير هو القطع بأنَّ مراد اللّه كذا و التأويل ترجيحُ إِحدي الاحتمالين بدون قطع. واختار هذا القول الإمام ابو منصور الماتريدي (ت: 333هـ) وقال أيضاً في ايضاح الفرق بينهما إِنَّ التفسيرَ للصحابةِ والتأويلَ للفقهاءِ 36 و قيل التفسير ما وقع مُبيَّناً ظاهراً في كتاب اللّه عزَّ وجلَّ و معيّناً في السُنة النبويّة لأن معناه ظهر ووضح و ليس فيه مجال للإجتهاد والرأي. والتأويل ما استنبطه العلماء الماهرون من المعاني الخفية والأسرار الربانية الّتي تحملها الآيات فيرجحون منها ما كان أَقوي من طريق القياس والإستدلال و لا يكون هذا الترجيح قطعياً بل يكون للاظهار والايضاح. و ذكر بعضهم أَنَّ التفسيرَ ما يتعلق بالرواية والتأويل وما يتعلق بالدراية و بينهما نسبة التضاد فيبدو منه أَنَّ التفسيرَ هو البيان عن طريق النصّ القاطع والتأويل هو البيان عن طريق الإجتهاد فعلي هذا أشار اليه الزرقاني بقوله «التفسير هو بيان المعاني الّتي تستفاد من وضع العبارة والتأويل هو البيان للمعاني الّتي تستفاد بطريق الاشارة37».

و ذهب اكثر اللغوين كأَبي عبيدة و الثعلب و ابن منظور و الفيروزآبادي و الأزهري و غيرهم الي أَنَّ التفسير والتأويل بمعني واحد ولا فرق بينهما. و فيهما نسبة التساوي ولكن يري الراغب الاصفهاني فيه عكساً فانَّهُ يقول

إِنَّ التفسير أعم من التأويل فالتفسير يستعمل كثيراً في الألفاظ والتأويل في المعاني كتأويل الرؤيا. وأكثر ما يستعمل في الكتب الالهيّة و في التفسير يستعمل أيضاً فيها و في غيرها والتأويل يستعمل في الجمل والتفسير في مفردات الالفاظ و غيرها كَالْبَحِيْرَةِ والسَّائِبَةِ والْوَصِيْلَةِ38.

(وَمَاجَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيْرَةٍ ولاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيْلَةٍ 39 والراجح أنّ التفسيرَ يتعلقُ بشرحِ الفاظِ القرآنِ وبيانِ معانيها من حيثِ اللغةِ، و التأويلَ يتعلقُ باستنباطِ الأحكامِ من الآياتِ وترجيحِ أحدي المحتملاتِ.

و برغم اختلاف العلماء في هذا الموضوع يمكن التطبيق بين التفسير والتأويل باعتراف نسبة العموم والخصوص من وجهةٍ بينهما. كالايمان والإسلام فاذا اجتمعا افترقا واذا افترقا اجتمعا اذا استعملنا كلمة التفسير والتأويل مفردة فتعمُّ التأويل كذلك واذا استعملنا كلمة التأويل مفردة فتعم التفسير. واذا جمعنا بين الكلمتين فقلنا التفسير والتأويل معاً. فينصرف التفسير الي شرح الفاظ القرآن وبيان معانيها و ينصرف التأويل الي استنباط الأحكام وترجيح أحد المحتملات40.

التفسيرُ والمراحلُ الّتي مرَّ بها عبرَ العُصْورِ:

نزل القرآن الكريم بلغة العرب وعلي أساليب بلاغتهم و فصاحتهم كما قال سبحانه وتعالي: (إنَّا اَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)41و كان الصحابة (رضوان اللّه تعالي عليهم) يعاصرون نزوله و يفهمون معانيه بمقتضي سليقتهم العربية برغم ذلك يشكلُ عليهم فهم آيات منه في بعض الأحيان. فكانوا يرجعون الي رسول اللّه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله )فكان يبين لهم ذلك و يوضح لهم ومن هنا نشأ التفسير بكراً علي لسان النبوة42 و لكنه لم يدون آنذاك في بطون الاوراق ولم يُرقم في السطور بل مرَّ بعدَّة مراحل وخطا خطوات عديدة حتي اتَّخَذَ هذه الصورة الّتي نجدها اليوم .

و قد ضمت هذه المراحل والأطوار فترة طويلة من الزمان تمتد من زمان رسول اللّه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) الي يومنا هذا.

المرحلة الاولي:

بدأت هذه المرحلة من زمن النبي ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) وانتهت بانتهاء عصر الصحابة رضي اللّه تعالي عنهم.

جاء التفسير في هذه المرحلة عن رسول اللّه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) و ذلك عن طريق ايضاح معاني القرآن و بيان أحكامه للصحابة لأنه أول شارح لكتاب اللّه عزَّ وجلَّ واكثر الخلق فهماً لهُ و كان من أهم وظائفه أَنْ يُبيّنَ القرآنَ لَهُمْ ويعرِّ فَهِم ْ المرادَ منه. كما قالَ تعالي (وأَنْزَلْنَا الذِكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزِلَ اِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكرَّوْنَ)43.

و لمْ يفسّرِ النبي( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) جميع القرآن للصحابة بل فَسَّرَ بعض المغيبات الّتي أخفاها اللّه تعالي عنهم كبيان المجمل و تخصيص العام وايضاح كل ما التبس به المراد، كما اشارت اليه السيدة عائشة بقولها:

«إِنَّ النبي( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) لم يفسر شيئاً من القرآن إِلا آيات معدودة علمهن إياه جبريل عليه الصلاة والسلام»44هذا التفسير منقول عنه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) علي سوق الرواية في أبواب خاصة في كُتب السُنة وذلك قليل بالنسبة الي الرواية الأُخري. و قد وقع الإختلاف بين المفسرين في أَنَّ النبي ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) فَسَّرَ القرآنَ كلَّهُ أَم لا؟ فقال جماعة منهم إِنَّهُ ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله )فَسَّرَ القرآنَ‏كلَّهُ لأنَّهُ كان مأموراً بتبليغ ما يُوحي اليه للناس جميعاً كما قال تعالي:

(يَا اَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ إِلَيْكَ)45 و كما روي أَنَّ الصحابةَ تعلموا القرآن عن النبي ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله )والعلم والعمل جميعاً بطول ملازمتهم لهُ ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ). رأي جماعة أَنَّهُ ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) لم يُفَسِّرْ القرآن كلّهُ بَلْ فَسَّرَ ما خفي علي الصحابة من ألآيات و هذا بالنسبة الي جميع القرآن نسبة ضئيلة و قالوا ولو فسر القرآن كله لما كان خصَّصَ ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) بالدعاء له بقوله

«اَللّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّيْنِ وَعَلِّمْهُ التَّأوِيْلَ». هذا هو المختار عند الجمهور46.

و لَمَّا توفي رسول اللّه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) كان الصحابةُ ويُسْئَلُونَ عن شرائع الإسلام و تدبر القرآن من قبل اصحابهم. كذلك يرجع إِليهم ابناؤهم واقوام من العجم الذين اعتنقوا الإسلام جديداً لأن الصحابة شاهدوا الاحداث والوقائع الّتي نزل في شأنها القرآن الكريم فنفر منهم شغفوا بابزار معاني التنزيل وهموا الي تفسير القرآن ولكنهم لم يفسروا كلَّ ما يسئلون عنه 47 و هم اختاروا في تفسير القرآن منهجاً جديداً وهو تبادل السؤال فيما بينهم عن ألآيات لإِيجاد معني آيةٍ في آيةٍ أُخري فان لم يجدوا فيها شيئاً عادوا الي أَقوال رسول اللّه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله )فإِنْ لمْ يجدوا فيها فَسَّرُوا بالاجتهاد والفهم وبالرجوع الي الأَدَبِ الجاهليّ والعادات الّتي كانت شائعة في الجاهلية و عصر صدر الإسلام. قال الدكتور حسين الذهبي :

«وهم كانوا يعتمدون في ذلك علي أربعة أساليب وهي قوة الفهم و وسعة الإدراك، و معرفة عادات العرب والرجوع الي ديوانهم، و معرفة أوضاع اللغة العربية ولهجاتها، ومعرفة أحوال أهل الكتاب في جزيرة العرب عند نزول القرآن»48.

و قد حرص الصحابة رضوان اللّه تعالي عليهم أجمعين في هذه الحقبة علي تدريس القرآن للعوام والخواص فاتخذوا المساجدَ دوراً للعلمِ وبدأوا يعلمون الحاضرين في حلقات وقد نشأت حلقات كثيرة في زمانهم في معظم الامصار كمكة والمدينة ومصر والشام والعراق كما انَّنا نلاحظ حذيفة بن اليمان يغازي مع جنود العراق والشام وارمينا واذربيجان في آسيا الوسطي فكان هناك مرجع المجاهدين في فتاواهم وماتثور في أذهانهم من تساؤلات حول كتاب اللّه عزَّو جلَّ. كذلك أرسل الصحابة الي أقطار أخري أمثال سعد بن أبي وقاص الي العراق و معاذ بن جبل الي الشام فحمل كُلُّ واحدٍ منهم معه علماً وفقهاً لكتاب اللّه عز وجلَّ فبدأوا ينشرون أمر الشرائع بين أهلها ويحللون المشاكل الّتي ظهرت في اذهانهم حول كتاب اللّه عز و جل49.

و قامَ كثير من الصحابة بالمحاولات الجادَّة في تفسير القرآن في زمانهم. فأشتهر منهم عشرة50، أوسعهم اشتغالاً عبد اللّه ابن عبّاس ( رضي‏الله‏عنه ).

إبنْ عباسٍ ( رضي‏الله‏عنه ) و موقفُهُ من تفسيرِ القُرآن

كان ابنُ عباس ( رضي‏الله‏عنه ) حبر هذه الأمة. و بحرها وترجمان القرآن ورئيس المفسرين و قد شهد له رسول اللّه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) بقوله: «اللّهُمَّ فَقْهِهُ في الدّينِ وَعَلْمِهُ التأويلَ»51 و كان أعلم الصحابة بالتفسير وأفقههم في كتاب اللّه فكان الصحابة يرجعون اليه ويجلسون في مجلسه و يدنون منه لياخذوا عنه علوم القرآن. كما أَنَّ عُمْرَ بن الخطّاب قد شهد لهُ بقولِهِ:

«ذاكم فتي الكهول انَّ لهُ لساناً سهولاً و قلباً عقولاً»

و قالَ عمرُ أيضاً «إنَّكَ لأصبحُ فتياننا وجهاً وأحسنُهُمْ خُلقاً وأفقهُهُمْ في كتابِ اللّهِ عزَّ وجلَّ» و كان عمر يوثّق علي تفسيره و يعتمد عليه و كان أيضاً يدخله في مجلس الشوري مع كبار الصحابة ويرجّح قوله لغزارة علمه وكثرة لبه في دقائق أسرار القرآن 52.

كان لابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) نبوغ واسع و كفاءَة فائقة في معاني القرآن ولم يكن أحد أعلم منه بين الصحابة فإنه نال رتبة سامية ومنزلة رفيعة في استنباط ارشادات القرآن وغوامض معانيه ببركة دعاء النبي( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله ) لهُ، كما روي أنَّ رجلاً جاء الي عبد اللّه بن عمر يسأله عن قوله تعالي (اِنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)53 فقال إِذهبْ الي ابنِ عباسٍ فَسلْهُ ثم ارجعْ فأخبرني فذهب فسأله فقال:

كانت السموات رتقاً لا تمطر و كانت الأرض رتقاً لاتنبت ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات فرجع الي ابن عمر فأخبره فقال:

قد كنت أقول ما أَعْجَبَ جُرْأَةَ ابن عباس علي تفسير القرآن الكريم فالآن قد علمت انه أوتي علماً54.

يعد ابن عباس اول المفسرين ورائد الدراسات اللغوية في علم مفردات القرآن ففسر الآيات بشرح الكلمات الصعبة وبإستعانة الشعر الجاهلي. فوسع هذه الدراسات اللغوية بعض تلامذته كقتادة و مجاهدو سعيد بن جبير و غيرهم. و بلغ عدد التفسير المروي عنه الي المائة كلمة ونيف الّتي قدمها له نافع بن الازرق أحد علماء الخوارج. 55 نقل تفسيره بطرق متعددة ذكرها السيوطي في «الاتقان في علوم القرآن» و تتنوع هذه الطرق الي نوعين. الأول أجود والثاني أضعف .

اولاًـ أجود الطرق:

1. طريق معاوية بن صالح عن ابن ابي طلحة عن مجاهد عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه )، ذكر ابن جرير الطبري (ت 224هـ) ان جملة تفسيره بهذا الطريق الف نصّ و هو موجود بمصر بشكل مصنف أو صحيفة. و قد قدره الإِمام أحمد بن حنبل ( رحمه‏الله ) (ت: 241 هـ) تقديراً فائقاً بقوله: بمصر صحيفة في تفسيرٍ رواها علي بن أبي طلحة. لو رحل رجل لأجله الي مصر قاصداً ما كان كثيراً57.

2. طريق قيس بن مسلم الكوفي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس و قد اعتمد علي هذا الطريق الإمام البخاري ومسلم وأئمة السُنَنِ الأربعةِ.

3. طريق الزهري عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عقبة عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) وان هذا الطريق قد عدَّهُ العلماءُ «سلسلة الذهبِ» .

4. طريق سفيان بن عُيينة عن عمر ابن دينار عن عطاء ابن رباح عن عكرمة عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ).

5. طريق ابن اسحاق عن محمد بن ابي محمد عن عكرمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) قال منّاع القطان: هذا طريق جيد وإسناده حسن .

ثانياً ــ أضعف الطرق: 58

1. هو طريق محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه )لان محمد بن السائب الكلبي هو رجل متهم بالكذب و روي عنه مروان السدي الصغير و هو وضّاع الحديث وما جاء عن تفسير ابن عباس بهذا الطريق إِلاّ شاذّ ونادر جداً.

2. طريق إسماعيل ابن عبد الرحمن السدي عن أبي مالك تارة و عن أبي صالح عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) و إسماعيل السديّ « متكلم فيه» .

3. طريق الضحاك بن مزاحم الهلالي عن ابن عباس وهو طريق غير مقبول .

4. طريق مقاتل بن سليمان الأزدي الخراساني و مقاتل، هو ضعيف عن أهل العلم ولم يوثقه المحدثون.

5. طريق عبد الملك بن جريح عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) هذا الطريق يحتاج الي البحث لكونه محتملاً علي الصحيح والسقيم. لان جريح روي ما ذكر في كلّ آية من الصحيح والسقيم فلم يتميز فيه الصحيح عن غيره.

تفسيرُ ابن عباسِ ( رضي‏الله‏عنه ) المسمي بتنوير المقباس :

هو مجموعة كبيرة من الدراسات جمعها مجدالدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت: 817 هـ) منسوباً الي ابن عباس. طبعت هذه المجموعة عدة مرات في مطبعة بولاق بمصر. و لم يذكر الفيروزآبادي في هذه المجموعة مصادر جمعه الأقوال و لم يذكر الأسانيد و لم يكتفِ ايضا باقوال ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) بل أضاف في عدّة مواضع زيادات من عنده59.

قيل إِنَّ هذه الروايات الّتي جاءت عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه )حول تفسير القرآن الكريم لم تبلغ الي مستوي المجموعة الّتي جمعها الفيروزآبادي فاتضح من ذلك أَنَّ هذه المجموعة لا يجزم بصحتها لأَنَّ أغلب الروايات فيها مروية عن محمد بن مروان السدي الصغير عن محمد بن سائب الكلبي عن أَبي صالح عن ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه )و هذه الرواية من أضعف الطرق لان الكلبي متهم بالكذب و رواية محمد بن مروان السدي الصغير تعرف بسلسلة الكذب لذلك قال العلماء فيه:

«لا نستطيع أَنْ نُجزم بنسبته كلّه الي ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) فقد تكون له روايات واجتهادات في التفسير اجتهد بها الفيروزآبادي»60و قال الإمام الشافعي فيه: لم يثبت عن ابن عباس في التفسير الا شبيه بمائة حديث، إِنْ صحَّ هذا القول اطلع علي مدي وضع الوضاعين من الجرأة علي اختلاق الكثير من التفسير المنسوب الي ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه )61.

المرحلة الثانية:

تبدأ هذه المرحلة من عصر التابعين و تنتهي الي بداية مرحلة التدوين و كان التابعون حريصين علي أخذ علوم القرآن من الصحابة و حفظها فنقلوا روايات التفسير عنهم وزادوا فيها ما استنبطوه بانفسهم فجعل التفسير يتضخم في هذا العهد حتي جمع منه الشيء الكثير.

و في نفس العهد كان الناس يحتاجون الي تفسير القرآن و ذلك لبعدهم عن العهد النبوي واختلاطهم بالأعاجم الّذين دخلوا في الإسلام و كثرة المسلمين الموالين الّذين لا يفهمون اللغة العربية فكانوا يلتجئون الي التابعين ليتعلَّموا شرائع الإسلام فهذه العوامل جعلتهم يرون أنفسهم ملزمين بتفسير القرآن حتي أقاموا المدارس التفسيرية في الأمصار المختلفة و كان الصحابة اساتذة لهذه المدارس والتابعون دارسيها و تلاميذها. واشتهرت ثلاثة مدارس للتفسير في هذا العهد كمدرسة التفسير بمكة المكرمة و مدرسة التفسير بالمدينة المنورة و مدرسة التفسير بالعراق.

أَمَّا مدرسة التفسير بمكة فأقامها الصحابي الجليل ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) فكان يلقي دروساً حول تفسير القرآن بدراسات مفرداته أمام الحاضرين من التابعين و كان التابعون يجلسون عنده و يحفظون ما يقول و يبلغون من ورائهم و طلاّب هذه المدرسة كانوا اعلم الناس بالتفسير قال ابن تيمية (ت: 728 هـ):

«أعلم الناس بالتفسير من التابعين أهل مكة لأنهم كانوا أصحاب ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه )62و أشهر رجال هذه المدرسة سعيد بن جبير (ت: 95 هـ) و مجاهد (ت: 104هـ )و عكرمة (ت: 105هـ) و طاوس بن كيسان (ت: 106 هـ) و عطاء بن أبي رباح (ت: 114 هـ)63.

و قال فواد سيزكين: تضم تفاسير هؤلاء العلماء و تفسير شيخهم ابن عباس ( رضي‏الله‏عنه ) شروحاً تاريخيةً وفقهيةً و تصوير عالم الغيب الي جانب توضيحات كثيرة ذات طابع لغوي تدخل في دراسة مفردات اللغة»64.

وأمّا مدرسة التفسير بالمدينة المنورة فأقامها أبي بن كعب ( رضي‏الله‏عنه ) الّذي تَتَلْمَذَ عليه كثير من التابعين فوعُوا عنه الروايات التفسيرية و بلَّغوها الي مَنْ وراءهم حتي تأثَّروا بتعاليمهم واعتمدت هذه المدرسة علي الرواية أكثر من اعتمادها علي الدراية وممن إِشتهر في هذه المدرسة بتفسير القرآن هم أبو العالية (ت: 90هـ) و محمد بن كعب القُرظي (ت: 118 هـ) و زيد بن أسلم (ت: 136 هـ)65.

وأمَّا مدرسة العراق فأَقامها عبد اللّه بن مسعود ( رضي‏الله‏عنه )و هو أول الأساتذة لهذه المدرسة لأنه كان قد أرسل من قبل الخليفة عمر بن الخطاب ( رضي‏الله‏عنه ) الي العراق وزيراً و معلماً فأقام بالكوفة برهة من الزمن و كان العراقيون يفضلون الاستماع اليه علي غيره فكان يلقي عليهم دروس القرآن و أشهر رجال هذه المدرسة هم علقمة بن قيس (ت: 61 هـ) و مرة الهمداني (ت: 76 هـ) و مسروق (ت 63 هـ) و الأسود بن يزيد (ت: 74 هـ)و الحسن البصري (ت: 110 هـ) و قتادة بن دعامة السدوسي (ت: 117 هـ). و غيرهم66.

فهؤلاء مشاهير المفسرين البارزين من التابعين الَّذين صرفوا عقولهم السليمة ومحاولتهم الجادَّة في فهم لقرآن. ثم جاء من بعدهم من اتباعهم الذين أخذوا عنهم فجمعوا أقوال من تقدمهم و صنَّفوا التفسير.

المرحلة الثالثة:

هذه المرحلة هي مرحلة ظهور تدوين التفسير و ذلك في أواخر عهد التابعين وهو أواخر حكومة بني أمية وأوائل العهد العباسي ولم يكن التفسير قبله في بطون المؤلفات و التصانيف بين مطبوع ومخطوط .

و قد عُنِي بتدوين التفسير في هذه لفترة، والسَّببُ هو تدوين الحديث مبوباً و كون التفسير ابواباً من ابوابه، فالمحدثون جمعوا أَحاديثَ الرسولِ ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ) في الابواب المتنوعة، وافردوا للتفسير باباً خاصاً في كتبهم فجمعوا فيه ما رُوِيَ عن الرسول ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم )أو الصحابة أو التابعين في تفسير القرآن الكريم مستندين الي من رواه كسفيان بن عيينة (ت: 198 هـ) و وكيع بن الجراح (ت: 196 هـ) و اسحاق بن راهويه (ت: 238 هـ) الذين كانوا من أئمة الحديث من التابعين فكان جمعهم للتفسير ضمناً لباب من ابواب الحديث. ثم قام العلماء بالارتحال الي الأَقطار الإسلامية ليجمعوا ما قيل في التفسير كما حاول في هذا المجال الإمام البخاري (ت: 206 هـ) والإمام مسلم (ت: 261 هـ) وأصحاب السنن الذين جمعوا التفسير في كتبهم في أبواب خاصة و من البديهيّ أنَّ الحديث كان يجمع العلوم الإسامية والموضوعات الدينية كلها والتفسير من أهم أبوابه67.

المرحلة الرابعة:

انفصل التفسير في هذه المرحلة عن كتب الحديث و قام العلماء بتدوينه في كتب مُستقلَّة فوضعوا تفسير كُلّ آية من القرآن و رتبوه حسب ترتيب المصحف فذكروا أولاً: مَا رُوِيَ في تفسير سورة الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران.. هكذا الي آخر سورة الناس فصارَ التفسيرُ علماً قائماً بنفسه و تم ذلك بايدي العلماء البارزين منهم ابن ماجة القزويني (ت: 275 هـ) و ابن ابي حاتم (ت: 287 هـ) و غيرهما. و كان التفسير في هذه المرحلة متضمناً بالأسانيد68.

و هناك معترك بينَ الآراء في أول من فسر القرآن بكامله فمن الواضح أنَّهُ يستحيل التعيين بالجزم لأنه أمرٌ شاقّ وقد عرض فيه العلماء الباحثون الاراء المتنوعة كما إِنَّ ابنَ النديمِ جَزَمَ بأنَّ الفراء (ت: 207 هـ) أَول من دون التفسير ورتب ذلك حسب ترتيب المصحف69. و رجحه الدكتور احمد آمين70و قد نص ابن تيمية و ابن خلكان أَنَّ أَوَّلَ مَنْ صنَّفَ في التفسير عبد الملك بن جريح71 و قيل ان أول تفسير وصل الي أيدي الناس هو تفسير سفيان الثوري (ت: 111 هـ) و قيل تفسير سعيد بن جبير (ت: 94 هـ) أو تفسير مجاهد و قيل تفسير بن ابي عبيد (من أعيان المعتزلة)72 والحق فيه اننا لا نستطيع تعيين المفسر الأول بعد جزم ابن النديم وتنصيص ابن خلكان و ابن تيمية مع جود المؤلفات قبل المفسرين المذكورين و يستطيع ذلك من أطلع علي مصنفاتهم ووَجَدَ أَنَّها تدوين لا تصنيف مستقل، شامل، مرتب، ولو انه وقع لنا كلّ ما كتب من التفسير من مبدأ عهد التدوين لَسَهُلَ علينا أَنْ نُحدّدَ المفسرَ الأولَ الّذي دوَّنَ تفسيرَ آيات القرآنِ مرتَّبَةً حسبَ ترتيبِ المصحفِ73.

المرحلة الخامسة:

هذه المرحلة هي منعطف خطير في تاريخ التفسير و ذلك أَنَّ التفسيرَ دُوِّنَ فيها مجرداً عن الأَسنيد حتي نقل الأَقوال المأثورة، حول تفسير الآيات عن السلف دون نسبها الي قائلها فاستغلَّ أعداءُ الإِسلامِ هذه الفرصة فَوَضَعُوا كثيراً من الأحاديث في التفسير ونسبوها الي رسول اللّه ( صلي‏الله‏عليه‏و‏آله‏وسلم ) والي الصحابة ممن كانت لهم منزلة عالية في تفسير القرآن والي التابعين أَيضاً فالتبس الصحيح بالعليل حتي دخلت فيه الاسرائيليّات والأحاديث الموضوعة فصار التفسير ضعيفاً هزيلاً74.

المرحلة السادسة:

في هذه المرحلة اتَّسَعَتِ العلومُ وتنوعتْ فُروعُها كعلمِ النحوِ واللغةِ والفلسفةِ والفقهِ والكلامِ واعتني أرباب هذه العلوم في تفسير الآيات بما يوافق علومهم حتي تأثر التفسيرُ بأثير مؤلفه وتَلونَ بلون ثقافته فأصاب التفسير من هذا الجو غبار وأَصبح المفسرون يعتمدون في تفسيرهم علي الفهم الشخصي و يتجهون اتجاهات متعدّدة وقد إِمتدت هذه الاتجاهات من اوائل العصر العباسي الي يومنا هذا ومن أهم هذه الاتجاهات هي:

الاتجاهُ الأثريّ و هو عبارة عن تفسير القرآن بالقرآن أو السُنَّة75و من أشهر الكتب هذا الاتجاه:

جامعُ البيان في تفسير آيات القرآن للطبري (ت: 210 هـ) و بحر العلوم للفقيه السمرقندي (ت: 313هـ) و معالم التنزيل للبغوي (ت: 317 هـ) و المحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية المالكي (ت: 546هـ) و تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت: 774هـ) و آضواء البيان للشنقيطي (ت: 1393 هـ) و غيرها.

إِتجاهُ الرأي: هو عبارة عن تفسير القرآن بالأِستعانة بالرأي و الفهم الشخصي76و أشهر الكُتب المؤلفة بهذا الاتجاه مفاتيح الغيب لفخر الدين الرازي (ت: 606هـ) و مدارك التنزيل للنسفي (ت: 701 هـ) و أنوار التنزيل للبيضاوي (ت: 685 هـ) و لباب التأويل في معاني التنزيل لابي الحسن علي بن محمد البغدادي (ت: 741هـ) و روح المعاني للسيد محمود الآلوسي (ت: 1270) و غيرها.

الاتجاهُ المذهبيُّ: هو عبارة عن تفسير القرآن علي ضوء المذهب و هذا الاتجّاه من أهمّ الاتجاهات الّتي تأثرت بمرور الزمان حيث قام أَصحابُ بعض المذاهب الدينية بتفسير القرآن لكريم كالشيعة والمعتزلة وأهل السنة و لهم محاولة جادة و موقف عظيم في خدمات تفسير القرآن الكريم77.

ومن اشهر التفاسير للشيعة مجمع البيان لعلوم القرآن للطبرسي ( أبي عليالفضل‏بن الحسن) (ت: 835هـ) و تفسير الميزان محمد بن مسعود بن عياش السُلمي الكوفي و تفسير الميزان للطباطبائي و تفسير القرآن للسيد عبد اللّه العلوي. و من أشهر التفاسير للخوارج تفسير هود بن محكم الهواديو تفسير يعقوب بن ابراهيم الورجلاني و تفسير عبد الرحمن بن رستم. و من اهم التفاسير للمعتزلة جامع التأويل لمحكم التنزيل لابي مسلم محمد بن بحر الاصفهاني (ت: 322 هـ) و غرر الفوائد و درر القلائد لعلي بن طاهر الملقب بالشريف المرتضي (ت: 406 هـ) و تنزية القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار (ت 6 415 هـ) و الكشاف عن حقائق النتزيل للزمخشري (ت: 538 هـ) .

وأما مذهب أهل السنة فقام أصحابه بتأليف تفسير القرآن علي المنهج الصحيح الثابت بالكتاب والسنة، والمؤلفات بهذا المنهج كثيرة منها تأويلات أهل السنة للإمام أبي المنصور الماتريدي و محاسن التأويل للقاسمي و أنوار التنزيل للبيضاوي و لباب التأويل للنسفي .

الاتجاهُ الفقهيُّ: هو عبارة عن تفسير القرآن علي ضوء الأحكام الفقهية و قد بحث العلماء في هذا الاتجاه عند ظهور المذاهب الفقهية و بدو حركة تدوين الفقه78 و من أشهر الكتب بهذا الاتجاه أحكام القرآن للجصاص (ت: 370 هـ) و الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (ت: 671) و أحكام القرآن لإبن العربي (ت: 543) و أحكام القرآن للكياهراسي (ت: 504) و روائع البيان في تفسير آيات الأحكام (وهو تفسير معاصر) لمحمد علي الصابوني.

الاتجاهُ اللغويُّ: وهذا الاتَّجاهُ يتناول القضايا النحويّة والصرفيّة و يعالجُ إيضاحَ الكلمات الغريبة والمفردات الغامضة في سور القرآن الكريم، لقد بحثها العلماء ووضعوا عليها التفاسير وجعلوها مرجعاً لدراستهم و بحوثهم79 من أشهر الكتب المؤلفة بهذا الإتجاه إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس (ت: 338 هـ) و مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثني (ت: 109 هـ) و البحر المحيط لأبي حيان (ت: 745 هـ) و المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهاني (ت: 502 هـ) و غريب القرآن لابن قتيبة (ت: 276 هـ) و غريب القرآن لبابان بن تغلب البكري (ت: 141 هـ) و غريب القرآن لمحمد بن سلام الجمحي (ت: 231 هـ) .

الاتجاهُ الادبيُّ: هو عبارة عن محاولة للوقوف علي الصورة الفنية في القرآن حيث تناول الأُدباء والبلغاء هذه الناحية في تفسير القرآن وجعلوا النصوص القرآنية موضوع الدراسة الادبية80 و من أَشهر الكتب المؤلفة بهذا الاتجاه كتاب من «منهل الادب الخالد» للأُستاذ محمد المبارك و «التفسير البياني» للدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطيء ) .

الاتجاهُ الاشاريُّ: هو عبارة عن تأويل القرآن بغير ظاهرة لاشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف و يمكن الجمع بينها و بين الظاهر المراد والحق إِنَّ هذا الاتجاه للتفسير يتركز علي رياضة روحية يأخذ بها الصوفي نفسه حتي يصلَ الي درجةٍ تنكشف له فيها من سجف العبارات، هذه الاشارات القدسية، وتنهل علي قلبه من سجف الغيب ما تحمله الآيات من المعارف السبحانية.81 و من اشهر التفاسير بهذا الاتجاه حقائق التفسير للإمام أبي عبد الرحمن السُلمي (ت: 412 هـ) و عرائس البيان لأبي محمد الشيزاي (ت: 666هـ) و تفسير القرآن العظيم لأبي محمد سهل بن عبداللّه التستري( ت: 283 هـ) .

الاتجاهُ العلميُّ : هو عبارة عن التفسير الّذي يُحكّم الاصطلاحات العلمية في عبارات القرآن و يجتهد في إستخراج مختلف الآراء الحديثة و يكشف العلوم التجربية والفلكية والفلسفية82 و من أهم الكتب المؤلفة بهذا الاتجاه جواهر القرآن للطنطاويالمصري و كشف الاسرار النورانية القرآنية فيما يتعلق بالاجرام السماوية والأرضية والحيوانات و النباتات و الجواهر المعدنية للإمام محمد احمد الاسكندراني.

الاتجاهُ الموضوعيُّ: هو يتناول موضوعاً واحداً في القرآن الكريم يعتمد المفسر الي ذكر الايات الّتي تتعلق به 83 و من اهم الكتب المؤلفة بهذا الاتجاه التبيان في أقسام القرآن لابن قيم الجوزية (ت: 751 هـ) و الناسخ و المنسوخ لأبي جعفر النحاس (ت: 338 هـ) و أسباب النزول للواحدي (ت: 427 هـ) و اعجاز القرآن للباقلاني (ت: 403 هـ) و اعجاز القرآن لمصطفي صادق الرافعي و غريب القرآن لابن قتيبة (ت: 276 هـ) .

الإتجاه الاجتماعيُّ: هو عبارة عن الكشف عما تضمنه القرآن الكريم من أسس الحياة الاجتماعية و مباديء التشريع و نظريات العلوم84 كتفسير الجواهر للطنطاي و المنار للشيخ رشيد رضا و في ظلال القرآن للسيد قطب (ت: 1966 م) .

هذه هي أهم الاتجاهات الّتي دخلت في تفسير القرآن الكريم منذ تدوينة حتي الآن فالإتجاه الأثري من بين هذه الاتجاهات هو أجدرها قبولاً وأثبتها حجةً وأصحها طريقاً لتفسيرِ القرن الكريم فله أثر كبير علي سائر الإِتجاهات من حيث أنه تفسير القرآن بالقرآن أو تفسيرهُ بالسنَّةِ.

/ 1