التفسير: نشأته و تطوره واتجاهاته
الدكتور محمد بلال حسين استاذ مساعد قسم الدراسات الإسلامية جامعة الدراسات الإسلامية جامعة راجشاهي بنغلاديش التفسير نشأته و تطوره اتجاهاته :
التفسير من أعظم العلوم وأفضلها وله أهمية بالغة في الدراسات الشرعيّة فلفظ التفسير في اللغة الكشف و البيان و في الإصطلاح هو علم يبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم واظهار معانيه و مفاهيمه والتأويل مرادف له في اشهر معانيه. نشأ التفسير مبكراً في حياة الرسول ( صلياللهعليهوآلهوسلم ) و لكنَّهُ لم يرقم في السطور آنذاك، ثم دون التفسير في آواخر حُكُومَةِ بني أُميّة وأوائلِ بني العباس كجزء مهم لكتب الحديث ثم انفصل حتي قام بنفسه كعلم مستقل فاشتغل علماء ذلك العصر بتأليف التفسير بالأسانيد ثم جاءت عصابة منهم فاختصروا الأسانيد و تركوا نسبة الأقوال الي قائلها، ثم بدأ التباس الأمر في التفسير حتي اختلط الصحيح بالسقيم من دخول الاتجاهات المتنوعة فيه كالإِتّجاه الرأييّ والبياني والفقهي واللغوي والمذهبي والموضوعي والاشاري والأدبي والإجتماعي و العلمي.معني التفسير
التفسيرُ تفعيلٌ مِنَ الْفَسْرِ معناهُ الكشفُ والإبانةُ وإظهارُ المعني المعقولِ 1 قالَ ابنُ منظور (ت: 711هـ) و هو كشف المراد عن اللفظ المشكل ويطلق علي الايضاح والتفصيل2 و منه قوله تعالي «وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلَّا جِئْنكَ بالْحَقِّ وَأَحْسَن تَفْسِيْراً»3 أي بياناً وايضاحاً و تفصيلاً و قيل إِنَّ التفسيرَ مقلوبٌ من السَّفْرِ4 فَالسَّفْرُ وَالْفَسْرُ متقاربانِ في المعاجم العربية يطلق السَّفْرُ علي إيضاح الأعيان للأبصار وَالَسَّفْرُ علي ابراز المعني المعقول واظهاره كما يقال أَسْفَرَتِ المرأةُ عَنْ وَجْهِهَا إِذا كَشَفَتْهُ5و معني السَّفْرُ كشطَ الشَّيء عن الشَّيء و كشفُ المغطي كما في تنزيل العزيز «وَالصُّبْحِ اِذَا أَسْفَرَ»6 وفي السُّنَّةِ العاطرةِ. «أَسْفِرُوْا بِالْفَجْرِ فَإنَّهُ أَعْظَمُ لِلأجْرِ»7.و قيلَ هو مأخوذٌ من الْفَسَرِ أو التَّفْسِرةِ8 و هي اسم لما يعرف به الطبيب المريض. لذلك قال ابنُ فارس (ت: 309هـ) هو مشتق من «فَسَّرَ الطَّبِيْبُ لِلْمَاءِ اِذَا نَظَرَ إلَيْهِ» ووجه اشتقاقه من هذا اللفظ أن الطبيب يكشف غطاءً عن المرضِ بعدَ الفحصِ الطّبيِّ كذلك المفسر يكشف المغطي و يُزيل اللبس عن ظاهر أحكام الآيات ببيان أسباب نزولها وإيضاح مفاهيمها ومقاصدها وإيراد الواقعات المتعلقة بها9. قال ابو حيان (ت 745هـ): «يُطلق التفسير أيضاً علي التعرية للإنطلاق كما يقال فَسَّرْتُ الفرسَ معناهُ عريتُهُ لينطلقَ في حصره وهو راجع لمعني الكشف كأنه كشف ظهره لهذا الذي يريدُ منه من الجري»10 .فظهر منه أن التفسير يستعمل في معنيين أساسيين الأول الكشف الحسّي والثاني الكشف عن المعاني المعقولة. و قد استعمل كثيراً في الكشف الحسّي دون المعاني المعقولة. وفي الإصطلاح هو عبارة عن معرفة أحوال ألفاظ القرآن الكريم و معانيه من حيث الدلالة علي مراد اللّه تعالي حسب القدرة الإنسانية11. قال الزركشي: و قيل هو علم يفهم به كتاب اللّه المنزل علي نبيه محمد ( صلياللهعليهوآله ) و بيان معانيه واستخراج أحكامه و حكمه 12. و قيل «هو علم يبحث عن كيفية النطق بألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها الافرادية والتركيبية و معانيها التي تحمل عليها حالة التركيب و غير ذلك كمعرفة النسخ و سبب النزول وما به توضيح المقام كالقصة والمثل»13.قال الزرقاني هذا أوسط التعاريف14. و عرفه بعضهم بأنه علم باحث عن معني نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية و بحسب ما تقتضيه القواعد العربية علي طريق الكشف الواضح من حيث دلالته علي مراد اللّه تعالي و قد ناقد العلامة الفناري علي هذه التعريفات و دقق فيها لم يرض بها فأوجز تعريفه بأفصح العبارة فقال :«هو معرفة أحوال كلام اللّه تعالي من حيث المعاني القرآنية ومن حيث دلالته علي ما لم يعلم أو يظن أنه مراد اللّه تعالي بقدر الطاقة البشرية»15.معني التأويل :
التأويل من الأول وهو الرجوع والعود، كما يقال آلَ اليه رجع 16و يطلق أيضاً علي معني الارتداد كما يقال ألئت عن الشيء أي ارتدت. قال الراغب الاصفهاني (ت 502 هـ) التأويل هو الرجوع الي الأصل و منه المؤول للموضع الذي يرجع اليه و ذلك هو ردّ الشيء الي الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاً17 كما في قوله تعالي «هَلْ يَنْظُرُوْنَ اِلاَّ تَأْوِيْلَهُ يَوْمَ تَأْتِيْ تَأْوِيْلهُ»18 و قيل من الأيالة وهي السياسة كما قال الفيروزابادي (ت: 817 هـ): آلَ الملِكُ رَعِيَّتَهُ ايالاً أي ساسهم19 وقد يكون في معني تعبير الرؤيا كما في قوله تعالي «وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيْلِ الأحْلاَمِ بِعَالِميْنَ»20.و يطلق لفظ التأويل أيضاً علي معني التبيين والكشف21 ومنه قوله تعالي «فَاَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ زَيْغٌ فَيتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَاءَ تَأْوِيْلهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيْلَهُ اِلاَّ اللَّهُ»22 و يستعمل بمعني العاقبة23 كما قوله تعالي «فَاِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَييءٍفَرُدُّوْهُ اِلَياللّهِ وَالرَّسُوْلِ اِنْ كنْتُمْ تُؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيْلاً»24 و في قول الشعر:
علي اَنَّها كَانَتْ تُأَوِّلُ حُبَّهَا
تَأَوّلَ ربعي لسّقَبٍ فَأَصْبَحَا
تَأَوّلَ ربعي لسّقَبٍ فَأَصْبَحَا
تَأَوّلَ ربعي لسّقَبٍ فَأَصْبَحَا