عليٌّ أميرُالمؤمنينَ في تفاسيرِ علماءِ أهلِ‏السُّنَّةِ - علی أمیرالمؤمنین فی تفاسیرِ علماء أهل‏السنة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علی أمیرالمؤمنین فی تفاسیرِ علماء أهل‏السنة - نسخه متنی

محمد ابراهیم خلیفة التستری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید











عليٌّ أميرُالمؤمنينَ في تفاسيرِ علماءِ أهلِ‏السُّنَّةِ


محمد ابراهيم خليفة التستري (شوشتري)



الإنسانية في جامعة‏الشهيد بهشتي بطهران


الحمدُلِلّهِ رَبِ‏العالَمِينَ و صَلّياللّهُ علي خيرِ خلقِهِ أجمعين محمدٍ النَّبِيِالعظيمِ و أهل بيته‏الطيبين‏الطاهرينَ‏المعصومينَ و سلَّمَ تسليماً كثيراً.


(رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري. و يَسِّرْ لِيْ أَمْرِيْ. وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِيْ) (طه / 25-28).


إنه لاَفتخارٌ عظيمٌ حقاً أنْ يُوَفَّقَ‏الباحثُ لإلقاءِالضَّوءِ علي جزء من بُعْدٍ من‏الأبعادِالكثيرة‏المتنوعةِ لشخصيةِ أميرالمؤمنينَ عليِبنِ أبيطالبٍ عليه‏السلامُ. تلك‏الشخصيةُ‏الفَذَّةُ‏العظيمةُ‏التي تسابقَ ذَوُوالحكمةِ إلي إدراكها والإلمامِ بها. لكنَّ العَجْزَ والقُصُورَ قعدابهِمْ فأقَرُّوا و تصاغروا؛ لأنه‏القرآنُ‏الناطقُ قولاً و فعلاً، فهوالمعجزةُ‏الخالدةُ دنياً و آخرة. إذ إنه بعدَ أنْ أَمَرَالناسَ بما أمرَهُمُ‏اللّهُ بهِ و نَهاهُمْ عمّانَها هُمُ‏اللّهُ عنه قال: «أَيُّهاالنّاسُ، إنّي ـ واللّهِ ـ ما أَحُثُّكُمْ علي طائَةٍ إلاّ و أسْبِقُكُمْ إليها، ولا أَنْهاكُمْ عن مَعصِيةٍ إلاّ و أَتَناهي قَبلَكُمْ عنها.» (نهج‏البلاغه: الخطبة 175).


و إنَّ هذه‏المقالة سَعْيٌ مُتَواضعٌ للإشارة إلي بعض الآيات‏القرآنية‏الكريمة‏التي صرَّحَ في تفسيرِها علماءُالتفسيرِ من‏السُّنَّةِ بأنَّها نزلَتْ في حَقِ‏النّبيِّ و أَهلِ بيتهِ ( عليٍ و فاطمةَ والحسنِ والحسين) صلّي‏اللّه عليه و عليهم و سلّم. و كذاالتي صَرَّحُوا بنزولها في حَقِّ عليٍ أميرالمؤمنين ـ عليه‏السلامُ ـوحدَهُ و كذلك‏التي صَرَّحُوا بنزولها في حَقِّ عليٍ و أهلِ بيتهِ (فاطمةَ والحسنِ والحسينِ).


و لقد اقتَصَرْتُ في هذه‏المقالةِ‏المختصرةِ علي عشرِ آياتٍ من ثماني سُوَرٍ. علماً بأنَّ سورةَ (الإنسان) قد نزلت كُلُّها في حَقِّ أهلِ‏البيت عليهم‏السلام. و قد وجَدْتُ أنَّ تفاسيرَالعلماءِ لهذه‏الآياتِ‏الكريمات نوعان هما:


الأول: التفاسيرالتي جزم فيهاالعلماء كُلُّهُمْ أو بعضهم بنزول تلك‏الآيات في أهل‏البيت عليهم‏السلامُ سواءٌ أكانَتْ نازلةً في حَقِّ عليّ ـ عليه‏السلامُ ـ وَحْدَهُ مثل آيةِ‏الولايةِ أم كانت نازلة في أهلِ‏البيت(ع) كآية‏التطهير.


الثاني: التفاسيرالتي ذكر فيهاالعلماءُ روايات نزول‏الآيات في عليّ(ع) مع روايات أخري تذكر نزولها في غيره مثلُ‏الآيةِ‏السابعةِ والسِّتِّينَ من سورة‏المائدة.


و إنَّ منهجي في هذه المقالة أنني أذكر أولاً الآيةَ الكريمةَ، و أكتبُ تحتها عنواناً مستفاداً و منتزعاً من نصوص‏المفسرين. و بعد ذلك أنقلُ نصوصَ‏المفسرين من علماء السنة‏البارزين. ثم أذكر ما فهمته و استنبطته من تلك‏النصوصِ. علي أنني قد ناقشتُ بعضَ‏المفسرينَ لأنني وجدتُ ذلك لازماً.


و قد اعتمدت‏المصادرالتالية أذكرها. بحسب‏التّرتيب‏الزّمنيّ:


1. معانيالقرآن لأبي زكريا الفراء (المتوفي سنة 207 ه·· ق)


2. معانيالقرآن و إعرابه لأبي اسحق ابراهيم‏الزجاج (المتوفي سنة 311 ه·· ق)


3. إعراب‏القرآن لأبي جعفرالنحاس (المتوفي سنة 338 ه·· ق)


4. أسباب‏النزول لأبيالحسن عليبن أحمدالواحديّ (المتوفي سنة468 ه·· ق)


5. الكَشّاف لأبيالقاسم محمودبن عمرالزمخشريّ (المتوفي سنة 538 ه·· ق)


6. الُمحَرَّرُالوجيزُ في تفسيرالكتاب‏العزيز لابن عطيّةَ‏الغِرناطيّ (المتوفي سنة 541 ه·· ق)


7. التفسيرالكبير لفخرالدين الرازيّ (المتوفي سنة 606 ه·· ق)


8. مسائل‏الرازيّ من غرائب آيالتنزيل لمحمدبن أبيبكربن عبدالقادرالرازي (المتوفي سنة 666 ه·· ق)


9. البحرالمحيط لأبي حيان‏الأندلسيّ (المتوفي سنة 754 ه·· ق)


10. لبابُ‏النُّقُولِ لجلال‏الدين السيوطيّ (المتوفي سنة 911 ه·· ق)


* و سأذكرالآيات‏الكريمة بحسب ترتيب‏السورالقرآنية.


و من‏اللّه تعالي أَستَمِدُّالعَوْنَ والتَّسديدَ إنَّه نِعمَ‏المولي و نعمَ‏النَّصيرُ.


قال‏الزمخشريّ: «و عن رسولِ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّم ـ :


(سُبّاقُ‏الأُمَمِ ثِلاثَةٌ لَمْ يَكْفُرُوا باللّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ: عليُّ بنُ أبي طالبٍ، و صاحبُ يس، و مُؤمِنُ آلِ فرعَونَ)» (الزمخشري: ج 4، ص 10).


و هذا يعني أنَّ علياً(ع) هوالمؤمنُ‏الوحيدُالذي كانَ أفضلَ‏المؤمنينَ بعدالنّبيّ(ص)؛ لأنه سَبّاقُ‏الأمَّةِ‏الاسلاميةِ.


الآية الأولي


قالَ‏اللّهُ تعالي:


الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُن مِّنَ‏المُمْتَرِيْنَ. فَمَنْ حَآجَّكَ فِيْهِ مِنْ بَعْدِ ما جَاءَكَ مِنَ‏الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَاْلَوْا نَدْعُ أَبْنَاْءَنا و أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ‏اللّهِ علي‏الكاذِبِيْنَ (آل‏عمران/60و61).


1. عَلِيٌّ هو نَفْسُ محمدٍ رسولِ‏اللّهِ(ص)


قال‏الواحدي (أسباب‏النزول: ص 68) و هو يُفسِّرُ و يذكر سبب‏النزول:


فغدا رسولُ‏اللّهِ صلّي‏اللّهُ عليه و سلّمَ، فأخذ بيدِ عليٍّ و فاطمةَ، و بيدِالحسن والحسين. ثم أرسلَ إليهما(1) فأبيا أنْ يُجيبا، فأقَرّا له بالخراج... قال جابرُبنُ عبداللّه: فنزلَتْ فيهم(2) هذه‏الآيةُ: (فقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبناءَنا و أبناءَكُمْ و نساءَنا و نساءَكُمْ و أَنْفُسَنا و أَنْفُسَكُم.) قال‏الشِّعبِيّ: أبناءنا: الحسن والحسين، و نساءنا: فاطمة، و أنفسنا: عليُّبنُ أبي طالبٍ رضياللّهُ عنهم.


فالواحدي روي سببَ‏النزولِ بطريقين: الأول، الحسن‏البصريّ؛ والثاني جابربن عبداللّه الأنصاريّ.


و قال‏الزمخشري (الكشّاف: ج 1، ص‏ص 368-369) و هو يُفسّرُ و يذكر سبب النزول:


فأتي رسولُ‏اللّهِ صلّي‏اللّه عليه و سلّمَ و قدغدا محتضناًالحسين آخذاً بيدِالحسن. و فاطمةُ تمشي خَلفَهُ، و عليٌ خَلفَها، و هو يقول: (إذا أنا دَعَوْتُ فأَمِّنُوا)، فقالَ أُسقُفُ نجران: يا معشرَالنصاري، إني لأري وجوهاً لوشاءَاللّهُ أنْ يُزيلَ جبلاً من مكانهِ لأزاله بها، فلا تُباهِلُوا فتهلكُوا، ولايبقي علي وجهِ‏الأرضِ نصرانيٌ إلي يومِ‏القيامَةِ.


و قال فخرالدين‏الرازي (التفسيرالكبير: ج 8، ص 80) و هو يُفَسِّرُ و يذكر سبب‏النزول:


و كانَ رسولُ‏اللّهِ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّمَ خرج و عليه مرطٌ من شعرٍ أسود، و كان قد احتضن‏الحسين، و أخذ بيدالحسن، و فاطمة تمشي خلفه، و عليٌّ رضياللّه عنه خلفها، و هو يقول: (إذا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا)، فقال أُسقُفُ نَجرانَ... .


و قال أبوحيان الأندلسيّ(3) (البحر المحيط: ج 2، ص 479) و هو يفسرالآية و يذكر سبب نزولها:


(ندعُ أبناءَنا و أبناءَكُمْ و نساءَنا و نساءَكُمْ و أنفسَنا و أنفسَكُمْ)، أي: يدع كُلٌّ مِنِّي و منكم أبناءَهُ و نساءَهُ و نفسه إلي‏المباهلة. و ظاهر هذا أَنَ‏الدعاء والمباهلة بين‏المخاطب بـ (قُلْ) و بين مَن حاجّه. و فُسِّرَ علي هذاالوجه الأبناء بالحسن والحسين، والنساء بفاطمة، والأنفس بعليّ. قال الشّعبيّ: و يدل علي أنَّ ذلك مختص بالنّبيّ صلّي‏اللّه عليه و سلم مع مَن حاجّه ما ثبت في صحيح مسلم من حديث سعدبن أبي وَقّاص قال: لمّا نزلت هذه‏الآية: (تعالَوا نَدعُ أبناءَنا و أبناءَكُمْ) دعا رسولُ‏اللّهِ صلّي‏اللّه عليه و سلَّمَ فاطمةَ و حسناً و حسيناً، فقال: (اللهُمَّ هؤلاءِ أَهْلِي).


إنَ‏النصوص‏المتقدمة أجمعت علي أنها فسّرتِ‏الأبناء بالحسن والحسين، والنساء بفاطمة، والأنفس بعليّبن أبيطالب، عليهم‏السلام. و قد وجدت الزمخشري روي حديثاً شريفاً صرّح فيه‏النّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلّم ـ بأنَّ عليَّبنَ أبيطالب كنفسه؛ والحديث هوالآتي:


و قال‏الزمخشريّ (الكشّاف: ج 4، ص 360):


... فَغَضِبَ رسولُ‏اللّهِ صلّي‏اللّه عليه و سلَّمَ، وهَمَّ أنْ يغزوهم فبلغ‏القوم، فَوَرَدُوا، و قالوا: نَعُوذُ باللّهِ من غَضَبِهِ و غَضَبِ رسوله، فاتهمهم، فقال: (لَتَنْتَهُنَّ أو لاَءَبْعَثَنَّ إليكُمْ رجلاً هو عندي كنفِسي، يُقاتلُ مقاتلتكُمْ و يَسبِي ذَرارِيكُمْ)، ثم ضربَ بيدهِ علي كتفِ عليٍّ رضياللّه عنه.


فهذاالحديث‏الشريف شاهدٌ علي صِدْقِ ذلك‏التفسيرالذي أجمع فيه المفسرون علي أنَّ علياً أميرَالمؤمنينَ هو نفسُ النّبيِّ محمدٍ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سَلَّمَ.


الآية‏الثانية


و قالَ اللّهُ تعالي:


إنَّما وَ لِيُّكُمُ‏اللّهُ و رَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقيِمُونَ‏الصَّلاةَ وَ يُوْتُوْنَ‏الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ (المآئدة/55)


2. عليٌّ(ع) صاحبُ الولايةِ بعدَ رسول‏االلّه(ص)


قال‏الواحدي (أسباب‏النزول: ص‏ص 133-134) مفسراً و مبيناً سبب‏النزول:


قوله تعالي: (إنَّما وَلِيُّكُمُ‏اللّهُ و رسولُهُ والذينَ آمَنُوا)،


قال جابربن عبداللّه:


جاء عبداللّه‏بن سلام إلي النّبيّ... و نحو هذا قال‏الكلبيّ و زاد: أنَّ آخرالآية في عليبن أبي طالب رضوان‏اللّه عليه؛ لأنه أعطي خاتمه سائلاً و هو راكع فيالصلاة.


أخبرنا أبوبكرالتميمي... عن ابن‏عباس قال: أقبل عبداللّه‏بن سلام و معه نفرمن قومه قد آمنوا، فقالوا: يا رسول‏اللّه... ثم إنَ‏النّبيّ صلّي‏اللّه عليه و سلّم خرج إلي‏المسجد والناس بين قائم و راكع، فنظر سائلاً، فقال: (هَلْ أعطاك أحدٌ شيئاً؟) قال: نعم، خاتم من ذهب، قال: (مَنْ أَعْطاكَهُ؟)، قال: ذلك‏القائمُ، وَ أَوْمَأَ بيدِهِ إلي عليّبن أبيطالب رضياللّه عنه، فقال: (علي أيِّ حالٍ أعطاكَ؟)، قال: أعطاني و هو راكع. فكَبَّرَالنَّبيّ صلّي‏اللّه عليه و سلَّم، ثم قرأ: (و مَنْ يَتَوَلَ‏اللّهَ و رسولَهُ والذينَ آمَنُا فإنَّ حِزْبَ‏اللّهِ هُمْ‏الغالِبُونَ).


فالواحدي روي سبب‏النزول بطريقين: الأول، رواه عن‏الكلبيّ؛ و الثاني، عن‏ابن عباس.


و إنَ‏الذي فهمته من‏الخبرالذي نقله‏الواحديّ في نصه‏المتقدم عن‏ابن عباس الأمران‏التاليان:


الأول: أنَّ تكبيرَالنَّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّم ـ دليلٌ علي أنَ‏المقصود بالمؤمنين في الآية‏الكريمة المتقدمة إنما هو عليٌ أميرُالمؤمنين ـ عليه‏السلامُ ـ ، و أنَ‏النّبيَّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّم ـ قد سُرَّ و فرح بذلك و استبشرالخيرَ. كُلَ‏الخيرِ


الثاني: أنَّ تِلاوةَ النَّبيِ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ ـ لقوله تعالي: (وَ مَنْ يَتَوَلَ‏اللّهَ و رسولَهُ والذينَ آمَنُوا فإنَّ حِزْبَ‏اللّهِ هُمُ‏الغالِبُونَ) (المآئدة/56) في هذاالمورد خاصةً دليلٌ قاطعٌ علي أنَ‏المقصودَ بالمؤمنينَ إنما هو عليٌّ أميرُالمؤمنينَ ـ عليه‏السلامُ ـ ، و أنَّ هذه‏الآيةَ قد نزلَتْ فيه(ع) أيضاً. و تجدرُالإشارةُ إلي أنَ‏الزمخشري في نصهِ‏التالي قد بَيَّنَ صِحَّةَ إطلاقِ لَفْظِ‏الجمع علي‏الواحدِ. و هذا يعني أنَ‏الذينَ يَتَوَلَّوْنَ‏اللّهَ و رسولَهُ و وَلِيَّهُ علياً هُمْ حِزبُ‏اللّهِ، و أنَّهُمْ هُمُ‏المُتَّقُوْنَ؛ لأنهم هُمُ‏الغالبونَ. و أنَ‏العاقبةَ للمتقين.


و قال‏الزمخشري (الكشّاف: ج 1، ص 649) مُفَسِّراً و مبيناً سببَ‏النزولِ:


و إنها نزلَتْ في عليٍ كرَّمَ‏اللّهُ وَجْهَهُ، حِينَ سألَهُ سائِلٌ و هو راكِعٌ في صلاته فَطَرَحَ له خاتمَهُ، كأنه كانَ مَرِجاً في خِنصِرهِ، فلم يَتَكلَّفْ لِخَلْعِهِ كثيرَ عملٍ تَفْسُدُ بمثلِهِ صلاتُهُ. فانْ قُلتَ: كيفَ صَحَّ أنْ يكونَ لِعَليٍّ رضياللّه عنه، واللفظ لَفْظُ جماعةٍ؟. قلتُ: جي‏ء بهِ علي لفظ‏الجمعِ، و إنْ كانَ‏السببُ فيه رجلاً واحداً، لِيَرْغَبَ‏الناسُ في مثلِ فِعْلِهِ، فينالُوا مِثل ثَوابهِ، و لِيُنَبِّهَ علي أَنَّ سَجِيّةَ‏المؤمنين يجبُ أنْ تكونَ علي هذه‏الغايةِ من‏الحرصِ علي‏البِرِّ والإحسانِ، و تَفَقُّدِالفقراء، حتي إنْ لَزِمَهُمْ أَمْرٌ لا يَقْبَلُ التأخيرَ و هم في الصَّلاةِ، لم يُؤَخِّرُوْهُ إلي‏الفراغِ منها.


إنَ‏الذي فهمته من نص‏الزمخشريالمتقدم‏الأمران‏التاليان:


الأول: أنَ‏السبب‏الوحيدَالذي ذكره‏الزمخشري لنزول هذه‏الآية إنما هو نزولها في عليّ أميرالمؤمنين عليه‏السلامُ متصدقاً فيالصلاة. و لم يذكر سبباً آخر، و لاروايةً أخري في هذاالمجالِ. و هذا يَدُلُّ دلالةَ واضحةً علي أنَّهُ مُعتَقِدٌ بذلك اعتقادَ جَزْمٍ و قَطْعٍ.


الثاني: أنَ‏الزمخشري دافعَ دفاعاً علمياً عن صحةِ سببِ‏النزولِ هذا، و أكَّدَهُ بالأمورِ الثلاثة‏التالية:


الأول: توجيهه لإطلاقِ لفظِ‏الجَمعِ علي‏الواحدِ.


الثاني: بيانه أنَّ صلاةَ عليٍّ عليه‏السلامُ لم تَبْطُلْ. بهذاالعملِ.


الثالث: استنباطه حكماً شرعياً من‏العملِ‏الذي قام به عليٌّ عليه‏السلامُ. والحكمُ هو أنه إنْ لِزَمَ‏المؤمنينَ أمرٌ لا يَقْبَلُ‏التأخيرَ و هم فيالصلاةِ لم يُؤَخِّرُوا ذلك‏الأمرَ إلي‏الفراغِ منها.


لكنَّ الزمخشريّ لم يذكر صريحاً أنَّ عليّاً أميرَالمؤمنين هوالوَلِيُ بعداللّه تعالي و رسولهِ محمدٍ صلّياللّهُ عليه و آلهِ و سلَّمَ.


أما فخرالدين‏الرازي فقد ذكر الولاية في نصه‏التالي:


قال فخرالدين‏الرازي (التفسيرالكبير: ج 12، ص 26) مُفَسِّراً و مبيناً سبب‏النزول:


روي عطاء عن‏ابن عباس أنها نزلت في عليّبن أبي طالبٍ عليه‏السلامُ؛ روي أنَّ عبداللّه‏بن سلام قال: لمّا نزلت هذه‏الآية قلت: يا رسول‏اللّه، أنا رأيتُ عليّاً تَصَدَّقَ بخاتَمِهِ علي محتاج و هو راكع، فنحن نَتَوَلاّهُ. وروي عن أبي ذَرٍّ رضياللّه عنه أنه قال: صَلَّيتُ مع رسولِ‏اللّهِ صلّي‏اللّه عليه و سلَّمَ يوماً صلاةَ‏الظهر. فسأل سائل فيالمسجد فلم يُعطِهِ أحدٌ، فرفع‏السائلُ يده إلي‏السماءِ، و قال: اللهم اشهَدْ أنّي سألتُ في مسجدالرسولِ صلّي‏اللّه عليه و سلَّم، فما أعطاني أحدٌ شيئاً، و عليٌ عليه‏السلامُ، كانَ راكعاً، فَأَوْمَأَ إليه. بِخِنْصِرِهِ الُيمني، و كان فيها خاتمٌ، فأقبل‏السائلُ حتي أخذالخاتمَ بِمَرأي النّبيِ صلّي‏اللّه عليه و سلَّمَ، فقالَ: (اللهُمَّ إنَّ أخِي موسي سألكَ فقال: (ربِّ اشْرَحْ لي صَدْري) (طه/25)، إلي قوله: (و أَشْرِكْهُ في أَمْرِي) (طه/32)، فأنزلتَ قرآناً ناطقاً: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بأخِيكَ و نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) (القصص/35) اللهُمَّ و أنا محمدٌ نَبِيُّكَ و صَفِيُّكَ فاشْرَحْ لي صدري، و يَسِّرْ لي أمري، و اجْعَلْ لي وزيراً من أهلي علياً اُشْدُدْ بهِ ظهري). قال أبوذَرٍّ: فواللّهِ ما أَتَمَّ رسولُ‏اللّهِ هذه‏الكلمة حتي نزل جبريل، فقال: يا محمدُ اقْرَأْ: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ‏اللّهُ و رسولُهُ...)، إلي آخرها.


فالرازي روي هذالتفسير عن طريقين هما:


الأول: عن ابنِ عباسٍ.


الثاني: عن أبي ذَرٍّ.


و إني فهمت من نَصِ‏الرازي المتقدم الأمورَالتالية:


الأول: أَنَّ علياً عليه‏السلام هوالوَليُ، و هذا ما صَرَّح به عبداللّه‏بن سلام حين قال‏لرسول اللّه صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ: (يا رسولَ‏اللّهِ أنا رأيتُ علياً تصَدّقَ بخاتمِه علي محتاج و هو راكعٌ، فنحن نَتوَلاّهُ). ثم إنَّ سكوتَ النَّبيّ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلّم دليلٌ علي صحةِ ذلك.


الثاني: أنَّ تَصَدُّقَ عليٍّ عليه‏السلامُ بخاتَمهِ فيالصَّلاةِ لم يَحْصَلْ إلاّ بعدَ أن اضطَرَّ الفَقْرُالشديدُ والحاجَةُ الماسَّةُ ذلك‏السائل إلي أنْ أَشْهَدَاللّه تعالي علي أنَّه قد أَعْلَنَ فَقْرَهُ و حاجَتَهُ في مَسجِدِالرّسولِ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سلَّمَ، و لم يُعْطِهِ أحدٌ من‏المسلمينَ شيئاً، و لم يُسْعِفْهُ أحدٌ منهم مما هو فيهِ من‏الفاقةِ. و هذا يعني أنَّ علياً أميرالمؤمنين عليه‏السلامُ هوالشخص‏الوحيدُالذي أنجزَ هذاالعملَ‏الخيرَ، و أَنْقَذَالمَوقفَ بل أنقذالمسؤولين من‏الهلاك؛ لأنه لو صدق‏السائل لهلك‏المسؤول. و حَفِظَ للمسلمينَ ماءَ وُجُوهِهمْ، فانه لا يَليقُ و لا يَصِحُّ أنْ يُعْلِنَ سائِلٌ فَقْرَهُ مُستجيراً بمسجدالرسول صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ، و بِمَنْ فيه من الأصحابِ الكرامِ ثم لم يُسْعِفْهُ أحدٌ منهم. هذا مع تأكيدِالدينِ‏الاسلاميِّالحنيفِ علي مُساعَدَةِ الفقراء و رَحْمِهِمْ والعَطْفِ عليهم.


الثالث: أنَّ النّبِيَ صَرَّحَ أنَّ علياً عليه‏السلامُ من أهلِهِ، و ذلك حينَ قالَ داعياً رَبَّهُ: (و اجْعَلْ لِي وَزيراً من أهلي علياً اُشْدُدْ بهِ ظهري).


و أنه(ص) قد طلب من‏اللّه تعالي في هذاالدعاءِ أنْ يُعَيِّنَ علياً وزيراً دون غيره من‏المؤمنين.


الرابع: أنَ‏النّبِيَ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سَلَّمَ ـ إنما دعا بِدُعاءِ موسي عليه‏السلامُ لِيُبَيِّنَ أنَّ منزلةَ عليٍّ منه كمنزلةِ هرونَ من موسي، والذي يَدعَمُ ذلك حديثٌ مشهورٌ بينَ‏المسلمين جميعاً صَرَّحَ فيه‏النّبيّ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سَلَّمَ بذلك؛ فقد روي‏البخاري(4) (صحيح‏البخاري: ج 3، ص 86) أنَ‏النّبيّ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ حينَ أرادَالخروجَ إلي تبوك استخلفَ علياً، و قال له: (ألاترضي أنْ تكونَ مِنِّي بمنزلةِ هرونَ مِن موسي إلاّ أنّه ليسَ نَبِيٌّ بَعدِي).


الخامس: أنَّ اللّهَ تعالي قد استجابَ دعاء نبيه‏الكريم صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ بإنزال هذه الآية‏الكريمة في عليٍ عليه‏السلامُ، فجعله وزيراً و وليّاً، و شَدَّ بهِ ظَهْرَ نَبِيِّهِ‏العظيمِ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ.


و قال أبوحيان الأندلسِيّ (البحرالمحيط: ج 3، ص 514):


و روي أنَّ علياً رضياللّه عنه تَصَدَّقَ بخاتمه و هو راكع فيالصلاةِ.


و قال‏السيوطيّ (لبابُ‏النقول: ص 93) مفسراً و مبيناً سبب‏النزول:


قوله تعالي: (إنَّما وَلِيُّكُمُ‏اللّهُ) الآية. أخرج‏الطبراني... عن عماربن ياسر، قال: وقف علي عليّبن أبيطالب سائل، و هو راكعٌ في تطوّع، فنزع خاتمَهُ، فأعطاه السائلَ، فنزلت: (إنَّما وَلِيُّكُمُ‏اللّهُ و رسولُهُ) الآية، و له شاهد، و قال عبدالرزاق: حدثنا عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن‏عباس: (إنَّما وليُّكُمُ‏اللّهُ و رسولُه) الآية، قال: نزلت في عليّبن أبيطالب. و روي‏ابن مردويه من وجه آخر عن‏ابن عباس مثله. و أخرج أيضاً عن عليّ مثله. و أخرج ابن جرير عن مجاهد، و ابن أبي حاتم عن سلمة‏بن كهيل مثله. فهذه شواهدُ يُقَوِّي بَعضُها بعضاً.


يبدو أنَ‏السيوطي قدروي سببَ‏النزولِ هذا بستةِ طُرقٍ يُقَوِّي بعضُها بعضاً.


و المهم أنَّ الواحدي والزمخشري والرازي والسيوطي يَرْوُوْنَ نُزُولَ هذه الآية في عليّبن أبي‏طالب عليه‏السلامُ.


ثم إنَّ الآية‏التالية (المآئدة/67) تؤيد ذلك و تعضده لأنها فيالولاية أيضاً كما ورد في حديث غدير خُمٍّ. و تجدرالاشارة الي أنَّ عبارة‏السيوطي هذه: (و هو راكعٌ في تَطَوُّعٍ) تدل علي أنَّ ركوعَ عليٍ(ع) لم يكن واجباً، لذلك لم يبطل بإعطائه‏الخاتمَ‏السائلَ.


الآية‏الثالثة:


قال‏اللّهُ تعالي:


يا أَيُّهاالرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إليكَ مِنْ رَبِّكَ و إنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رسالتَهُ واللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ‏النّاسِ (المآئدة/67)


3. عليٌ هو مَولي مَنْ كانَ رسولُ‏اللّهِ(ص) مَولاهُ، فَهُوَ الوَلِيُّ مِنْ بَعدِهِ


قال‏الواحدي (أسباب‏النزول: ص 135) مُفَسِّراً و مبيناً سَببَ‏النزولِ:


قوله تعالي: (يا أيهاالرسولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إليكَ مِنْ رَبِّكَ...)... أخبرنا أبوسعيد محمدبن عليالصفار... عن أبي سعيد الخدريّ، قال: نزلت هذه‏الآيةُ: (يا أيُّها الرسولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إليكَ مِنْ رَبِّكَ) يومَ غديرِ خُمٍّ في عليّبنِ أبي طالبٍ اللّه عنه.


و قال فخرالدين‏الرازي (التفسيرالكبير: ج 12، ص‏ص 49-50) مُفَسِّراً و مبيناً سببَ‏النزول:


العاشر: نزلَتْ الآيةُ في فضل عليِّ بن أبي طالبٍ عليه‏السلامُ، و لمّا نزلَتْ هذه‏الآيةُ أخذَ بيدهِ، و قال: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌ مولاهُ، اللهُمَّ و الِ مَنْ والاهُ، و عادِ مَنْ عاداهُ)، فلَقِيَهُ عُمَرُ رضي‏اللّهُ عنه، فقالَ: (هنيئاً لكَ يا ابنَ أبي طالب، أصْحَبْتَ مَولايَ و مَولي كُلِّ مؤمنٍ و مؤمنةٍ)، و هو قول ابن عباس، والبراءبن عازب، و محمدبن عليّ».


فمجموعُ طُرُقِ سببِ‏النزول هذا عندَالواحديّ والرازيّ أربعةٌ هي الآتيةُ: طريق أبي سعيدالخدري. و طريق ابن‏عباس. و طريق‏البراءبن عازب. و طريق محمدبن عليّ.


والمهم أنَ‏الذي فهمته من نصَّيِالواحدي والرازي الأمورُالتاليةُ:


الأول: أنَ‏الذي أُمِرَالنَّبِيُ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سلَّمَ ـ بتبليغه إنّما هو ولايةُ عليّبن أبيطالب(ع)، والوصايةُ له. و هذا هو سَببُ‏النزولِ. فالنّبيّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سلَّمَ ـ بقوله: (مَنْ كُنتُ مولاهُ فعليٌ مَولاهُ) كانَ قد نَقَلَ‏الولايةَ منه إلي عليٍّ(ع)، و يؤيدُ ذلكَ قَولُ عُمرَ(رض) لِعليّ(ع) مُهَنِّئاً و مباركاً له: (أصبحتَ مَولايَ و مَولي كُلِّ مؤمنٍ و مؤمنةٍ)؛ لأنَّ علياً(ع) لم تكن‏الولايةُ قد انتقلَتْ إليه قبلَ ذلك انتقالاً رسمياً. ثم إنَّ تهنئةَ عمرَ(رض) لعليٍّ(ع) بهذه‏المناسبة إنَّما تَدُلُّ علي أنَّ علياً(ع) قد ارتقي واعتلي منصباً جديداً مهماً جداً يستحقُّ عليه التهنئةَ والتبريكَ.


الثاني: أنَّ النَّبيَّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سلَّمَ ـ إنّما أخذَ بيدِ عليٍّ(ع) ـ مع أنه ذكرَ اسمَهُ ـ مبالغةً في تشخيصهِ‏للحاضرينَ، و مَنْعاً لاحتمالِ وقوعِ‏الاشتباه والالتباسِ في تعيينِ هذاالوَليِالمرتضي والمصطفي.


الثالث: أنَ‏النَّبيَ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آلهِ و سلَّمَ ـ بعدَ أنْ بَلَّغَ ما أُمِرَبهِ بنقلِ‏الولايةِ إلي عليٍّ(ع) دعاله قائلاً: (اللهُمَّ و الِ مَنْ ولاهُ، و عادِمَنْ عاداهُ) ـ و أكرِمْ بدعاءِالرسولِ و أَنْعِمْ بهِ فما أَسْرَعَ استجابتَهُ ـ والحَقُّ أنَ‏النّبيَّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آلهِ و سلَّمَ ـ ما كانَ لِيَدعُوَ لعليٍّ(ع) بهذاالدعاء المهم ـ الذي يَدلُ علي عُلُوِّ شأنِ هذاالوليِّ الجديدِ(ع) ـ إلاّ بعد أنْ ثبتَ أنَّ علياً(ع) معَ‏الحَقِّ، و أنَ‏الحَقَّ معَ عليٍّ(ع)؛ لأنَ‏اللّهَ تعالي لا يُوالي إلاّ مَنْ كانَ مع‏الحَقِّ، و كانَ‏الحَقُّ معَهُ، و لا يُعادي إلاّ مَن كانَ مع‏الباطلِ، و كانَ‏الباطلُ معه، لذلك «ذكرَ أبومحمدٍ بنُ حَزمٍ أنَّ بُغضَ عليٍّ من‏الكبائرِ» (الاندلسي: ج 6، ص 221).


الرابع: أنَّ علياً(ع) هو مولي كُلِّ مَنْ كانَ‏الرسولُ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آلهِ و سلَّمَ ـ مولاهُ. و لقد عرف عَمرُ(رض) ذلك معرفةً دقيقةً؛ إذْقالَ لعليٍّ(ع) و هو يُهَنِّوُهُ: (أصبحتَ مولايَ، و مولي كلِّ مؤمنٍ و مؤمنةٍ).


أماالزمخشري فقد ذكر جملة من حديث غدير خُمٍّ عند تفسيره الآية‏التالية: قال‏اللّه تعالي: (إنَ‏اللّهَ يَأمُرُ بالعَدلِ والإحسانِ و إيتاءِ ذِيالقُربي و يَنْهي عَنِ‏الفَحْشاءِ والمُنكَرِ والبَغيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل/90).


قال‏الزمخشري و هو يُبيِّنُ سَببَ انتخابِ هذه‏الآيةِ الكريمةِ لخُطَبِ صَلاةِ‏الجمعة، و يَلْعَنُ‏الذي سَنَّ سَبَّ أميرِالمؤمنينَ عليٍّ عليه‏السلامُ، و يُوضِّحُ أنَّ ذلك‏السَّبَّ كانَ‏الفاحشةَ والمنكرَ والبَغيَ؛ قال‏الزمخشري: (الكشّاف: ج 2، ص‏ص 629-630): العدلُ هوالواجبُ؛ لأنَّ اللّهَ تعالي عَدلَ فيهِ علي عبادهِ، فجعلَ ما فَرَضَهُ عليهم واقعاً تحتَ طاقاتِهم... و حينَ أُسقِطَتْ من‏الخُطَبِ لَعْنَةُ‏المَلاعينِ علي أميرالمؤمنينَ عليٍّ رضياللّهُ عنه، أُقِيمَتْ هذه الآيةُ مقامها. و لَعَمرِي إنها كانَتْ فاحِشَةً و مُنكراً و بَغياً. ضاعَفَ‏اللّهُ لِمَنْ سَنَّها غَضَباً و نَكالاً و خِزْياً، إجابةً لدعوةِ نَبِيِّهِ: (وعادِ مَنْ عاداه)، و كانت سببَ إسلامِ عثمانَ بنِ مَظْعُونٍ.


و إنَ‏الذي فهمته من نص‏الزمخشري هذا ما يلي:


أولاً: أنَ‏الزمخشري روي حديث غدير خُمّ، بدليل ذكره طرفاً منه علي نحوالتأكيد و أنه حديث مُسَلَّمٌ به؛ لأنه ضَمَّ دعاءَهُ بالغضب والنكال والخزي علي مَنْ سَنَّ سَبَّ عليٍّ عليه‏السلامُ، إلي دعاءِالنّبيّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سَلَّمَ ـ الذي قال فيه: (وعادِ مَن عاداه). ثم إنَّ الزمخشري يُريدُ أنْ يقول: إنَّ دعاءَالنَّبِيّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آلهِ و سلَّمَ ـ شاملٌ‏للذي سَنَّ ذلك‏السّبَّ.


ثانياً: أنَ‏المسلمينَ حِينَ رُفِعَ ذلك‏السَّبُّ مِن الخُطَبِ‏انتَخَبُوا مكانَهُ هذه‏الآيةَ‏الكريمةَ لخطبِ صلاةِ‏الجمعةِ. و أنَّهُمْ إنَّما انتخبُوا هذه الآيةَ‏الكريمة‏للسببينِ التاليين:


الأول: أَنَّهُمْ أجمعوا علي أنَّ ذلك‏السَّبَّ هوالفحشاءُ والمنكرُ والبَغْيُ؛ فالنهيُ الموجودُ في هذه‏الآيةِ‏الكريمة شامِلٌ لذلك‏السَّبِّ.


الثاني: أنَّهُمْ أَرادُوا أنْ يَستنكِرُو ذلكَ‏السَّبَّ و يَرُدُّوهُ.


الآية‏الرابعة:


قالَ‏اللّهُ تعالي:


بَراءَةٌ مِنَ‏اللّهِ و رَسُولِهِ إلي‏الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ‏المُشْرِكينَ (التَّوبَة/1)


4. عليٌّ رَسُولُ رَسُولِ‏اللّهِ»: «لا يُبَلِّغُ عَنِ‏النَّبِيِّ إلاّ عليٌّ»


«النَّبِيُ بَلَّغَ عَنِ‏اللّهِ، و عَلِيٌّ بَلَّغَ عَنِ‏النَّبِيِّ»


قال‏الزمخشري: (الكشّاف: ج 2، ص‏ص 242-243) مفسراً و مبيناً سَببَ‏النزولِ:


قد أَذِنَ‏اللّهُ في مُعاهَدةِ‏المشركينَ أولاً... فلمّا نَقَضُوالعَهدَ أوجبَ‏اللّهُ تعالي النَّبذَ إليهم، فخُوطِبَ‏المسلمونَ بما تجدَّدَ من ذلك فقيل لهم: اعلَمُوا أنَ‏اللّهَ و رسوله قدبَرِئا مما عاهَدتم بهِ‏المشركين... فأمَّرَ رسولُ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ ـ أبابكر ـ رضي‏اللّه عنه ـ علي موسم سنة تسع، ثم أتبعَهُ علياً ـ رضياللّهُ عنه ـ راكبَ‏العَضباءِ(5)، ليقرأها علي أهلِ‏المَوسمِ، فقيلَ لَهُ: لو بَعَثْتَ بها إلي أبي بكر ـ رضي‏اللّه عنه.؟ فقال: (لا يُؤَدِّي عَنِّي إلاّ رجلٌ مِنِّي)، فلما دنا عليٌّ سَمِعَ أبوبكرٍالرُّغاءَ، فوقفَ، و قال: هذا رُغاءُ ناقةِ رسول‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّه عليه و سلَّم ـ فلما لِحَقَهُ قالَ: أميرٌ أو مأمورٌ؟. قال: مأمورٌ. و رُوِيَ أنَّ أبابكر لمّا كانَ ببعض‏الطريق هبط جبرئيل عليه‏السلامُ، فقال: (يا محمدُ، لا يُبَلِّغَنَّ رِسالَتَكَ إلاّ رجلٌ منكَ)، فأرسلَ علياً، فرجع أبوبكرٍ ـ رضياللّه عنهما ـ إلي رسولِ‏اللّهِ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سلَّمَ، فقال: يا رسولَ‏اللّهِ، أشي‏ءٌ نزلَ من‏السَّماءِ؟. قال: نَعَمْ سِرْ، و أنت علي‏المَوسم. و عليٌّ يُنادي بالآي. فلمّا كانَ قبل ـ التَّرْوِيَةِ خطبَ أبوبكر ـ رضي‏اللّهُ عنه ـ و حَدَّثَهُمْ عن مناسِكِهِمْ، و قام عليٌّ ـ رضياللّهُ عنه ـ يومَ‏النَّحرِ عندَ جَمْرَةِ‏العَقَبةِ، فقالَ: (يا أيُّهاالناسُ، إنّي رَسُولُ رَسُولِ‏اللّهِ إليكُمْ). فقالوا: بماذا؟ فقرأَ عليهم ثلاثين، أو أربعين آيةً.


و قال أبوحيان الأندلسيّ (البحرالمحيط: ج 5، ص‏ص 6-7):


لمّا كانَ سنةَ تسعٍ أرادَ رسولُ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّمَ ـ أن يحج، فكرِهَ أن يري المشركين يطوفونَ عُراة، فبعَثَ أبابكرٍ أميراً علي‏المَوْسِمِ، ثُمّ أَتبعَهُ علياً لِيَقْرأَ هذه‏الآيات علي أهلِ‏الموسمِ راكباً ناقَتَهُ‏العَضباءَ. فقيل له: لو بعثتَ بها إلي أبي بكر. فقال: (لا يُؤَدِّي عَنِّي إلاّ رَجُلٌ مِنِّي). فلمّا اجْتَمَعا، قال أبوبكر: أميرٌ أو مأمورٌ؟. قال: مأمورٌ. فلمّا كان يومُ‏التَّرْوِيَةِ خطبَ أبوبكر. و قام عليٌّ يومَ‏النَّحرِ بعد جَمْرَةِ‏العقبةِ، فقالَ: (يا أيُّهاالناسُ، إنِّي رَسُولُ رَسُولِ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّمَ ـ إليكُمْ). فقالوا: بماذا؟ فقرأ عليهم ثلاثينَ آيةً أو أربعينَ.


إنَ‏الذي فهمته من نَصَّيِ الزمخشري و أبي حيان‏الأمورُالتاليةُ:


الأول: أنَّ جبرائيل عليه‏السلام قد نَهي النّبِيَ عن أنْ يُسنِدَ أمْرَالتبليغِ إلي رجل ليس منه. و أنَّ النبِيَ امتثل أمرَ رَبِّهِ فأرسَلَ ـ علياً ـ عليه‏السلام ـ و أنه حين اعترض عليه بعض‏الصحابة رَدَّهُ قائلاً: (لا يُؤَدِّي عني إلاّ رجلٌ مِنّي).


كُلُّ ذلك إنما يدل علي أنَ‏التبليغَ منحصرٌ في عليّ عليه‏السلام بأمراللّه تعالي، أو قُلْ: منحصرٌ في أهل بيته عليهم‏السلام.


الثاني: أنَّ أبابكر(رض) حينما علم بإرسال النّبيّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سلَّمَ ـ علياً(ع) رجع إلي‏النّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ ـ ليسأل عن سبب اختصاص عليّ ـ عليه‏السلامُ ـ بالتبليغ عن‏النّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ ـ مع أنّه أرسل أبابكر(رض) قبل ذلك. لذلك فهو(6) ـ بحسب‏الظاهر ـ أولي بهذاالأمر من غيره. لكنَّ أبابكر(رض) سرعانَ ما علم أنَّ ذلك إنما تَمَّ بأمرٍ مِنَ‏اللّهِ تعالي، و انتخابٍ من‏النَّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ ـ و لم يكن أبوبكر(رض) هوالشخص‏الوحيدالذي سأل عن‏السبب. فقد مَرَّ علينا فيما سبق أنَّ بعض‏الأصحاب اعترض علي‏النَّبيّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سَلَّمَ ـ قائلاً: (لَوْ بَعَثْتَ بها إلي أبيبكر). لكنَّ النَّبيَّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آله و سلَّمَ ـ أبي إلاّ امتثالَ أمرِ رَبِّهِ. والمهم أنَّ كُلَّ ذلك إنما يَدُلُّ دلالةً واضحةً علي أهميةِ هذالأمرِ و خطورتهِ. فهو من الأهميةِ بحيثُ استلزمَ نزولَ الوحيِ.


الثالث: أننا إذا قَرَنّا كلامَ جبرائيل عليه‏السلامُ و هو: (يا محمدُ. لا يُبَلِغَنَّ رسالتك إلاّ رجلٌ منك) بكلام النّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّم ـ و هو: (لا يُؤَدِّي ـ أولا يُبَلِّغُ ـ عَنِّي إلاّ رجلٌ مِنِّي) وجدنا أنَّ فيالحديث‏الشريف كلمة (عَنِّي) تفسرلنا كلمة: (رسالتك) في كلام جبرائيل ـ عليه‏السلامُ ـ و تُبَيِّنُ أنَ‏المقصودَ شمولُ جميعِ مواردالتبليغ. و أنَ‏التبليغَ غيرُ منحصرٍ في قصةِ سورةِ (براءَة) فحسب. بل يَستغرقُ‏التبليغَ عن‏النّبيّ بجميع مواردِهِ.


الرابع: أنَّ انتخابَ عليٍّ ـ عليه‏السلامُ ـ لكلمة (رسول) في قوله: (أنا رسولُ رسولِ‏اللّهِ إليكُمْ) والإخبار بها عن نفسه إنما كانَ للإشارة إلي كلام جبرائيل ـ عليه‏السلام ـ والحديث‏الشريف. يعني: لا يُبَلِّغُ عن‏اللّهِ تعالي إلاّ رسولُ‏اللّهِ، و لا يُبلِّغُ عن رسولِ‏اللّهِ إلاّ رسولُهُ عليٌّ.


و قال‏الزجاج (معاني‏القرآن و... : ج 2، ص‏ص 472-473) مفسراً و مبيناً سبب النزولِ:


و براءة نزلت في سنة تسع من‏الهجرة، و افتتحت مكةُ في سنة ثمان... فلمّا كان في سنة تسع ولّي رسول‏اللّه ـ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّمَ ـ أبابكرالصديق الوقوفَ بالناس، و أَمَرَ بتلاوة براءة، و وَلّي تلاوَتَها علياً، و قال في ذلك: (لَنْ يُبَلِّغَ عَنِّي إلاّ رجلٌ مِنِّي)، و ذلك لأنَ‏العربَ جرَتْ عادَتُّها في عَقْدِ عُقُودِها و نقضها أنْ يتوَلّي ذلك علي‏القبيلة رجلٌ منها. فكان جائزاً أن يقولَ‏العربُ إذا تُلِيَ عليها نَقْضُ‏العَهدِ من‏الرسولِ: هذا خلافُ ما نعرفُ فينا في نقض‏العُهُودِ. فأزاحَ رسولُ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّمَ ـ هذه‏العلةَ. فَتُلِيَتْ بَراءَةُ فيالمَوقفِ.


مناقشة الزجاج: إنَّ قول‏الزجاج:


(و ذلك لأنَّ العربَ جرت عادتها...) إنما هو تعليل بالرأي دُونَ سندٍ من روايةٍ و حديث. و لو تركَ ذلك دونَ تعليل لكانَ خيراً له؛ لأنَ‏التعليلَ‏الصحيحَ قدوردَ فيالأثرِ. و قد سَمِعَهُ أبوبكر مِنَ‏النَّبيِّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آلهِ و سلَّمَ ـ و اقتنعَ به، و عادَ لِيُنْجِزَ ما أُمِرَ بإنجازِه. فالسببُ ليس تَصرُّفاً شخصياً من‏الرسول ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّمَ ـ و إنما هوالوحيالذي نزلَ به‏الروحُ الأمينُ، كما نصَّ عليه‏الزمخشري فيما سبق. و لوكان الأمركما قال‏الزجاج لما اقترحَ بعضُ الأصحاب علي‏النّبيّ(ص) أنْ يبعثَ (براءة) إلي أبيبكر. بل لما تكلف أبوبكر العودةَ الي‏النّبيّ(ص) ليسألَهُ عن‏السببِ. ثم إنَّ هؤلاءالعرب‏المشركين قد فعلوا و قالوا ما هو أعظم مما احتمل‏الزجاج أن يقولوه؛ لاِءنهم قد نقضواالعهد و أنَ‏اللّه تعالي قد أعلنَ‏البراءَةَ منهم و من عهودهم و لم يَعبأ بهم و لا بما جرت به عادتُهم و لا بما يحتمل أن يقولوه فلا موجبَ و لا مجالَ لمسايرتهم و مداهنتهم في ذلك.


الآيةُ‏الخامسةُ:


قال‏اللّه تعالي:


إنَ‏الَّذِينَ آمَنُوا و عَمِلُوالصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ‏الرَّحمنُ وُدّاً (مريم/96)


5.حُبُّ عليٍّ(ع) مِنَ‏الإيمانِ و بُغْضُهُ مِنَ‏الكبائِرِ


قال‏الزمخشري (الكشّاف: ج 3، ص 47) مفسراً و مبيناً سبب‏النزول:


و روي أنَ‏النّبيَّ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّم ـ قال لعليٍّ ـ رضياللّه عنه ـ :(يا عليُّ، قُلِ اللهُمَّ اجْعَلْ لِي عندكَ عَهْداً، واجْعَلَ لي في صدورِالمؤمنينَ مَوَدَّةً)، فأنزلَ‏اللّه هذه‏الآيةَ. و عن ابن‏عباس ـ رضياللّه عنهما ـ : (يعني يُحِبُّهُمُ‏اللّهُ، و يُحَبِّبُهُمْ إلي خَلْقِهِ).


و قال أبوحيان الأندلسيّ (البحرالمحيط: ج 6، ص 221):


و ذكرالنقاش أنها نزلت في عليّ بنِ أبيطالب. و قال محمدبن‏الحنفية: (لا تَجِدُ مؤمناً إلاّ و هو يُحِبُّ علياً و أهْلَ بيتِهِ.) انتهي. و من غريب هذا ما أنشَدَناهُ الإمام‏اللغوي رضيّالدين أبوعبداللّه محمدبن علي‏بن يوسف الأنصاريالشاطبيّ ـ رحمه‏اللّه تعالي ـ لزبينا بن إسحاق النّصرانيّالرّسغيّ:





  • عَدِيٌ و تَيمٌ لا أُحاوِلُ ذِكْرَهُمْ
    و ما تَعْتَرِينِي في عَلِيٍ وَ رَهْطِهِ
    يقولونَ: ما بالُ‏النَّصاري تُحِبُّهُمْ
    فقلتُ لهم: إنِّي لاَءَحْسَبُ حُبَّهُمْ
    سري في قُلُوبِ‏الخَلْقِ حتّيالبَهائِمِ



  • بِسُوءٍ و لكنّي مُحِبٌّ لهاشِمِ
    إذا ذُكِرُوا فياللّهِ لَوْمَةَ لائِمِ
    و أهلُ‏النُّهَي مِنْ أعْرُبٍ و أعاجِمِ
    سري في قُلُوبِ‏الخَلْقِ حتّيالبَهائِمِ
    سري في قُلُوبِ‏الخَلْقِ حتّيالبَهائِمِ



و ذكر أبو محمدبن حزم: أنَّ بُغْضَ عليٍّ مِنَ‏الكبائِرِ.


و إنَ‏الذي استفدته من نصَّيِ الزمخشري و أبي حيّان الأمورالتاليةُ:


الأول: أنَّ الآيةَ‏الكريمةَ نزلت في فضل عليبن أبي طالب(ع).


الثاني: أنَّ اللّه تعالي يُحِبُّ علياً(ع)، و أنه هوالذي حَبَّبَهُ إلي‏الخلقِ.


الثالث: أنَّهُ لا يوجد مؤمنٌ إلاّ و هو يُحِبُّ علياً و أهلَ بيتهِ.


الرابع: أنَّ بُعضَ عليٍّ(ع) من‏الكبائر.


الخامس: أنَ‏النصاري يُحِبُّنَ علياً(ع) أيضاً للصفات‏التي تَفَرَّدَبها.


السادس: أنَ‏اللّه تعالي قد جعلَ لعليٍّ(ع) عنده عهداً. هو عهدُالايمان و عمل‏الخير والمودة.


الآية‏السادسة:


قالَ‏اللّه تعالي:


أَفَمَنْ كانَ مُؤمناً كَمَنْ كانَ فاسقاً لا يَسْتَوُوْنَ (السجدة/18)


6. المؤمنُ هو عليٌّ(ع)


قال‏الواحدي (أسباب‏النزول: ص‏ص 235-236):


قوله تعالي: (أفَمَنْ كانَ مؤمناً كمَنْ كانَ فاسقاً) الآية: نزلت في عليّبن أبي طالب، والوليدُبنُ عقبة.


أخبرنا أبوبكر أحمدبن محمدالأصفهاني قال: أخبرنا عبداللّه‏بن محمدالحافظ، قالَ: أخبرنا إسحاق‏بن بيان الأنماطيّ... عن سعيد ابن جبير، عن ابن‏عباس، قال: قال‏الوليدبن عقبة‏بن أبي معيط لعليّبن أبي طالب ـ رضياللّه عنه ـ : أنا أحَدُّ منكَ سِناناً، و أبْسَطُ منك لِساناً، و أَمْلاَءُ للكتيبةِ منكَ. فقال له عليٌّ (اُسكُتْ، فإنَّما أنتَ فاسِقٌ)، فنزل: (أفَمَنْ كان مؤمناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُوْنَ). قال: يعني بالمؤمن علياً، و بالفاسق الوليدَ بنَ عقبة.


و قال‏الزمخشري (الكشّاف: ج 3، ص‏ص 514-515):


و رُوِيَ في نزولها: أنه شَجَر بين عليّبن أبيطالب ـ رضياللّه عنه ـ والوليدبن عقبة‏بن أبي معيط يوم بدر كلام. فقال له‏الوليد: اُسكُتْ، فانك صبيّ، أنا أشَبُّ منك شباباً، و أجْلَدُ منك جَلَداً، و أذرَبُ منك لساناً، و أشجع منك جناناً، و أملأُ منك حَشواً فيالكتيبة. فقال له عليٌّ ـ رضياللّه عنه: (اُسكُتْ، فانك فاسق)، فنزلت... و عن‏الحسن بن عليّ ـ رضياللّه عنهما ـ : أنه قال‏للوليد: كيفَ تشتُمُ علياً و قد سَمّاهُ‏اللّهُ مؤمناً في عَشْرِ آياتٍ، و سمّاكَ فاسقاً؟.


و قال محمدبن أبيبكرالرازي (مسائل الرازي ... : ص 276):


الفاسق ـ هنا ـ بمعني‏الكافر بدليل قوله تعالي بعده: (وَ قِيْلَ لَهُمْ ذُوقُوْا عَذابَ‏النارِ الذي كُنْتُمْ بهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة/20)، والتقسيم يقتضي كون الفاسقِ‏المذكورِ هنا كافراً، لاكونَ كلِّ فاسقٍ كافراً أماالسيوطي (لباب‏النقول: ص 170) فقد نقل نصَ‏الواحدي ثم أضاف قائلاً: و أخرج ابن جرير عن عطاء ابن يسار مثله، و أخرج ابن عديّ، والخطيب في تاريخه من طريق الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس مثله. و أخرج‏الخطيب و ابن عساكر من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس: أنها نزلت في عليّبن أبيطالب و عقبة‏بن أبي معيط.


و يمكننا أن نستفيد الأمورالتالية من‏النصوص المتقدمة:


الأول: أنَ‏القرآن‏الكريم قد شهد بإيمان عليّبن أبيطالب(ع)


الثاني: أنَ‏القرآن‏الكريم قد صدّقَ علياً(ع) في نسبته‏الفسق إلي‏الوليد.


الثالث: أنَّ علياً لم يُجِبِ‏الوليدَ إلاّ بقوله: (فاسق)، و هذا الجواب ناشي‏ء عن الثقافة الاسلامية؛ لأنَّ الفضلَ لا يَتحققُ إلاّ بالتقوي لذلك اكتفي عليٌّ(ع) بذكر صفة‏الفسقِ لأنَّها تُنافي التقوي، و لم يُجِبْهُ علي ما ذكر من‏الصفات‏التي افتخربها. فعليٌّ تكلمَ بلغةِ‏الاسلامِ. والوليد تكلم بلغة الجاهلية.


الرابع: أنَّ كلمة (فاسق) في هذه‏الآية بمعني كافر. لذلك فالوليد كافر.


الخامس: أنَّ سببَ‏النزولِ كالُمجمعِ عليه. والواحدي لم يذكر سبياً آخر غيرَ هذا.


الآيةُ السابعةُ:


قالَ‏اللّهُ تعالي:


إنَّما يُريدُاللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهلَ‏البيتِ و يُطَهِّرَكُمْ تَطهِيراً (الأحزاب/33)


7. أهلُ البيتِ هُمْ أصحابُ الكِساءِالخَمسَةُ


قال‏الواحدي (أسباب‏النزول: ص 239):


... أخبرنا أبوبكر الحارثي قال... عن أبي سعيد (إنّما يُرِيدُاللّهُ لِيُذْهِبَ عنكُمُ‏الرِّجْسَ أهلَ‏البيتِ و يُطَهِّرَكُمْ تَطهيراً)، قال: نزلت في خمسة؛ فيالنّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و سلَّمَ ـ و عليّ و فاطمة والحسن والحسين عليهم‏السلام.


و قال أبوجعفر النحاس (إعراب‏القرآن: ج 3، ص 314):


إنَّما يُرِيدُاللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ‏البيتِ)، قال أبو إسحاق: قيل: يُرادُبهِ نساءُالنّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و سلَّمَ ـ. و قيل: يُرادُ به نساؤُهُ و أهلُهُ‏الذين هم أهلُ بيته. قال أبوجعفر: والحديث في هذا مشهور عن أمّ سَلَمة، و أبي سعيدالخدريّ، أنَّ هذا نزل في عليّ و فاطمة والحسن والحسين ـ رضياللّه عنهم ـ ، و كان عليهم كساء.


و قال‏الزمخشري (الكشّاف: ج 1، ص 369):


و عن عائشة ـ رضي‏اللّه عنها ـ أنَّ رسولَ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّه عليه و سلّم ـ خرج و عليه مِرطٌ مرجل من شعرٍ أسودَ، فجاءالحسنُ، فأدخلَهُ، ثم جاءالحسين فأدخلَهُ، ثم فاطمةُ، ثم عليٌّ، ثم قال: (إنَّما يُريدُاللّهُ لِيُذْهِبَ عنكُمُ‏الرِّجْسَ أهلَ‏البيتِ).


و قال فخرالدين الرازيّ (التفسيرالكبير: ج 8، ص 80):


و روي أنه عليه‏السلام لمّا خرج في المرط الأسود. فجاء الحسن ـ رضي اللّه عنه ـ ، فأدخلَهُ، ثم جاءالحسين ـ رضياللّه عنه ـ ، فأدخلَهُ؛ ثم فاطمة، ثم عليٌّ ـ رضياللّهُ عنهما ـ ، ثم قال: (إنَّما يُريدُاللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجسَ أهلَ‏البيتِ و يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). و اعلَمْ أنَّ هذه‏الروايةَ كالمتفق علي صحتها بين أهل‏التفسير والحديث.


و قال أبوحيان الأندلسيّ (البحرالمحيط: ج 7، ص 231):


و قال أبو سعيدالخدريّ: هو خاصٌّ برسول‏اللّه و عليٍّ و فاطمةَ والحسنِ والحسينِ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أنَسٍ و عائشةَ و أُمِّ سَلَمةَ.


و إنَ‏الذي فهمته من‏النصوص السابقة ما يلي:


أنَّ الرواياتِ الصحيحةَ كالُمجْمِعَةِ علي أنَّ المقصودَ بأهل‏البيت في هذه الآيةِ الكريمة إنماهم أصحابُ‏الكساءِالخمسةُ و هُمْ: النّبيّ(ص) و عليٌّ و فاطمةُ والحسنُ والحسينُ عليهم‏السلامُ.


و أنَّ عائشةَ(رض) روَتْ أنَّ أهلَ‏البيتِ هم أصحابُ‏الكساءِ الخمسةُ هؤلاءِ فقط. و لو كانت هي من أهل‏البيت المقصودين بهذهِ الآيةِ الكريمةِ لَما صَحَّتْ عنها هذه الروايةُ التي صَرَّحَتْ فيها أنَّ أهل‏البيت هم أصحابُ الكساءِالخمسة. كما وردَ ذلكَ في نصِ‏الزمخشري المتقدم.


الآيةُ‏الثامنةُ:


قال‏اللّهُ تعالي:


... قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عليه أَجْراً إلاّالمَوَدَّةَ فيالقُرْبي و مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فيها حُسناً إنَ‏اللّهَ غَفُورٌ شَكُوْرٌ (الشّوُري/23)


8. القُربي هُمّ أهلُ‏البيتِ، والأجرُ مَوَدَّتُهُم


قال‏الزمخشري (الكشّاف: ج 4، ص‏ص 219-221):


ورُوِيَ أَنّها لَمّا نزلَتْ قيل: يا رسولَ‏اللّهِ، مَنْ قَرابَتُكَ هؤلاءِالذين وجَبَتْ علينا مَوَدَّتُهُمْ؟ قال: (عليٌّ و فاطمةُ و ابناهما)، و يدل عليه ما روي عن عليّ ـ رضياللّه عنه ـ : (شَكَوْتُ إلي رسولِ‏اللّه ـ صلّي‏اللّهُ عليه و سلَّمَ ـ حَسَدَالناسِ لي. فقالَ: (أما ترضي أن تكونَ رابعَ أربعةٍ: أَوَّلُ مَنْ يَدخُلِ‏الجَنَّةَ أنا و أنتَ والحسنُ والحسينُ. و أزواجنا عن أيماننا و شمائلنا. و ذريتنا خَلْفَ أزواجنا). و عن‏النّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و سَلَّمَ ـ : (حُرِّمَتِ‏الجَنَّةُ علي مَنْ ظَلَمَ أهلَ بيتي، و آذاني في عِتْرَتي...) ... و قال رسول‏اللّه ـ صلّي‏اللّه عليه و سلَّم ـ : (مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ ماتَ شهيداً، ألا و مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ ماتَ مغفوراً لَهُ، ألا و مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ ماتَ تائباً، ألا و مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ ماتَ مؤمناً مُسْتَكْمِلَ‏الإيمانِ، ألا و مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمد بَشَّرَهُ مَلكُ‏الموتِ بالجنّةِ، ثم منكرٌ و نكيرٌ، ألا و مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ يُزَفُّ إلي‏الجنّةِ كما تُزَفُ‏العروسُ إلي بيت زوجها، ألا و مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ فُتِحَ له في قبره بابانِ إلي‏الجنّةِ، ألا و مَن ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ جعلَ‏اللّهُ قَبْرَهُ مَزارَ ملائكةِ‏الرحمةِ، ألا و مَنْ ماتَ علي حُبِّ آلِ محمدٍ ماتَ علي‏السُّنَّةِ والجَماعَةِ، ألا و مَنْ ماتَ علي بُغضِ آلِ محمد جاء يومَ‏القيامةِ مكتوباً بين عينيه: آيسٌ من رحمةِ‏اللّهِ، ألا و مَنْ ماتَ علي بغض آل محمد ماتَ كافراً، ألا و مَن مات علي بغض آل محمد لم يَشُمَّ رائحةَ‏الجنّةِ)... (مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) عن‏السُّدِّيّ أنهاالمودةُ في آلِ رسولِ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّه عليه و سلَّمَ ـ ... والظاهر: العموم في أيِّ حسنة كانت؛ إلاّ أنها لَمّا ذكرت عقيب ذكرالمودة فيالقربي دَلَّ ذلك علي أنها تناولت‏المودةَ تناولاً أولياً، كأنَّ سائرالحسنات لها توابع.


و قال أبوحيان الأندلسيّ (البحرالمحيط: ج 7، ص 516):


فالمعني: لا أسألكُمْ مالاً ولا رياسة، و لكن أسألكُمْ أن ترعَوْا حَقَّ قرابتي، و تُصَدِّقُوني فيما جئتكم به... فنزلت علي معني أن لا تُؤذوني في قرابتي و تحفظوني فيهم. و قال بهذاالمعني عليّبن‏الحسين‏بن عليّبن أبيطالب، و استشهد بالآية حينَ سِيقَ إلي‏الشام أسيراً، و هو قول ابن جبير والسُّدِّيّ و عمروبن شعيب، و علي هذاالتأويل قال ابن عباس: قيل يا رسولَ‏اللّهِ: مَنْ قرابتك‏الذين أُمِرْنا بِمَوَدَّتِهِمْ؟ فقال: (عليٌّ و فاطمةُ و ابناهما)». ... (و مَنْ يقترفْ حسنةً): أي: يكتسب، والظاهر عموم‏الحسنة... فيندرجُ فيهاالمودة فيالقربي و غيرها. و عن ابن عباس والسّدِّيّ: أنهاالمودة في آلِ رسولِ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّهِ ـ عليه و سلم.


و إنَّ الذي فهمته من نصّي الزمخشري و أبي حيان الأمورالتالية:


الأول: أنَ‏المقصود بالقربي ـ هنا ـ قرابةُ‏النّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّم ـ و هم أصحابُ‏الكساءِ أهل‏البيت و أنَّ الأجرَ مَوَدَّةُ أصحابِ‏الكساءِ عليهم‏السلامُ.


الثاني: أنَّ أصحابَ‏الكساء هم أول مَن يَدخُلِ‏الجنّةَ.


الثالث: أنَ‏الجنّةَ مُحَرَّمَةٌ علي مَن ظلمَ أهلَ‏البيت و آذاهُمْ.


الرابع: أنَّ مَنْ آذي أصحابَ‏الكساء فقد آذي النّبيّ ـ صلّي‏اللّه عليه و آلهِ و سلّم‏ـ


الخامس: أنَّ مَنْ ماتَ علي حُبِّ آل محمد ماتَ شهيداً مغفوراً له، و يُزَفُّ الي‏الجنة. و أنَّ مَنْ ماتَ علي بُغْضِ آلِ محمدٍ مات كافراً آيِساً من رحمة‏اللّه، و لم يَشُمَّ رائحةَ‏الجنةِ.


السادس: أنَّ ابن عباس والسّدِّيّ قد ذكرا أنَ‏الحسنةَ في هذه‏الآيةِ الكريمة إنما هي المودة في آل‏الرسول ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّم ـ ، و أنَ‏الزمخشري قد استدَلَّ ـ علمياً ـ علي أنَّ سائِرَالحسناتِ توابعُ لِمَوَدَّةِ أهل‏البيت عليهم‏السلامُ.


السابع: أنَّ عليَّ بنَ أبيطالب(ع) كان محسوداً.


الثامن: أنَ‏الذين ظلموا أهلَ‏البيتِ(ع) ـ و لم يَقِفْ بِهمْ حَسَدُهُمْ عِندَ عَدَمِ مَوَدَّتِهم فتجاوزوا ذلك إلي‏الظلم ـ هم في عذابِ جهنّمَ خالدونَ.


الآيتان‏التاسعة والعاشرة:


قال‏اللّه تعالي:


و يُطْعِمُونَ‏الطَّعامَ علي حُبِّهِ مِسْكِيناً و يتيماً و أسِيراً. إنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ‏اللّهِ لا نُرِيدُ منكُمْ جَزاءاً و لا شُكُوْراً (الانسان/8 و 9)


9. اللّهُ يُهَنِّي‏ءُ محمداً في أهلِ بيتِهِ


قال‏الواحدي (أسباب‏النزول: ص 296):


(بِسْمِ‏اللّهِ‏الرَّحْمنِ‏الرَّحِيْمِ) قوله تعالي: (و يُطْعِمُوْنَ‏الطَّعامَ علي حُبِّهِ مسكيناً...)؛ قالَ عَطاءٌ عن ابن عباس: و ذلك أنَّ عليّبنَ أبي طالب ـ رضياللّه عنه ـ نوبة أجر نفسَهُ يسقي نخلاً بشي‏ء من شعير ليلةً حتي أصبح، و قبضَ‏الشعيرَ، و طحنَ ثلثه، فجعلوا منه شيئاً ليأكلوا، يقالُ له: الخزيرة، فلمّا تَمَّ إنْضاجُهُ، أتي مسكين فأخرجوا إليه‏الطعامَ، ثم عملَ‏الثلثَ‏الثاني، فلمّا تَمَّ إنْضاجُهُ، أتي يتيمٌ، فسألَ فأطعموهُ، ثم عمل‏الثلثَ‏الباقي، فلمّاتَمَّ إنْضاجُهُ أتي أسيرٌ من‏المشركين، فأطعموهُ، و طَوَوْا يومَهُمْ ذلك، فأُنْزِلَتْ فيه هذه‏الآيةُ.


و قال‏الزمخشري (الكشّاف: ج 4، ص 670):


و عن ابن عباس ـ رضي‏اللّه عنه: أنَ‏الحسن والحسين مَرِضا، فعادهما رسول‏اللّه ـ صلّي‏اللّه عليه و سلَّم ـ في ناسٍ معه، فقالوا: يا أباالحسن، لو نذرتَ علي وُلدِكَ، فنذر عليٌّ و فاطمة و فِضّةُ جارية لهما، إنْ بَرِء اممابهما: أن يصوموا ثلاثة أيام، فشُفِيا، و ما معهم شي‏ء، فاستقرضَ عليٌ... ثلاثَ أَصْوُعٍ من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً، و اختبزت خمسة أقراصٍ علي عددهم، فوضعوها بين أيديهم لِيَفْطُرُوا، فوقف عليهم سائلٌ، فقال: السلامُ عليكم أهلَ بيت محمد، مسكين من مساكين‏المسلمين، أَطْعِمُوني، أَطعَمَكُمُ‏اللّهُ مِن مَوائدِالجنّةِ، فآثروهُ، و باتُوالم يَذوقُوا إلاّ الماءَ، و أصبَحُوا صياماً، فلمّا أَمْسَوا، و وَضَعُوا الطعامَ بين أيديهم، وقف عليهم يتيمٌ، فآثروهُ، و وقف عليهم أسيرٌ فيالثالثة، ففعلوا مثلَ ذلك، فلمّا أصبحوا، أخذ عليٌّ ـ رضياللّه عنه ـ بيدالحسن والحسين، و أقبلوا إلي رسولِ‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّه عليه و سلَّم ـ ، فلمّا أبصرَهُمْ و هم يَرتَعِشُونَ كالفِراخَ مِن شِدَّةِ‏الجوعِ قال: (ما أشَدَّ ما يَسُوءُني ما أري بكم.) و قام فانطلقَ معَهُمْ، فرأي فاطمةَ في محرابها، قدالتصقَ ظهرها. ببطنها، و غارَتْ عيناها، فساءَهُ ذلك، فنزل جبريل: و قالَ: (خُذْها، يا محمدُ، هَنَّأَكَ‏اللّهُ في أهلِ بَيتِكَ)، فأقْرَأهُ‏السُّوْرَةَ.


و قال فخرالدين‏الرازي (التفسيرالكبير: ج 3، ص‏ص 243-244) ذاكراً ما أثبته‏الواحديّ والزمخشري:


والواحديّ من أصحابنا ذكر في كتاب‏البسيط أنها نزلت في حَقِّ عليٍّ عليه‏السلامُ، و صاحب‏الكشاف من‏المعتزلة ذكر هذه‏القصة؛ فروي عن ابن عباس ـ رضياللّه عنهما ـ أنَ‏الحسنَ والحسينَ ـ عليهماالسلام ـ مَرِضا فعادَهُما رسولُ‏اللّهِ... ثم ذكرَالقصةَ‏التي ذكرَهاالزمخشريُّ.


و يمكننا أن نفهمَ الأمورالتالية من‏النصوص‏المتقدمة:


الأول: أنَّ اللّه تعالي قد هَنَّأَ محمداً ـ صلّي‏اللّه عليه و آله و سلَّم ـ في أهل بيته.


الثاني: أنَّ أهلَ‏البيتِ هم: عليٌّ و فاطمةُ والحسنُ والحسينُ ـ عليهم‏السلامُ ـ .


الثالث: أنَّ سورةَ‏الإنسانِ قد نزلَتْ كُلُّها في فَضلِ أهل‏البيت ـ عليهم‏السلام ـ ، و هذا ما صرّح به‏الزمخشري حين قال: «فأقرأَهُ‏السّورةَ».


الرابع: أنَّ سبب تصريح‏الواحدي بأنها نزلت في فضل عليّ(ع) ـ في حين أنها نزلت في حقه و حق أهل بيته ـ أنَّ علياً هو رَبُ‏البيت والآمرُ فيه، و أنَّ أهلَ بيته مشاركون له في هذالإطعام والتحمُّل و مشمولون به.











1. أي: أرسل النّبيّ(ص) إلي‏العاقب والسيد، و هما راهبا نجران.


2. أي: فنزلت في أهلِ‏البيت عليهم‏السلامُ.


3. هو محمدبن يوسف‏بن عليّبن يوسف‏بن حيان أبوعبداللّه الأندلسيّالجيانيّ.


4. هو أبوعبدِاللّهِ محمدبن اسماعيل‏بن إبراهيم بن بردزبه‏الجعفيّ بالولاءِ.


5. هي ناقة رسول‏اللّهِ ـ صلّي‏اللّهُ عليه و آلهِ و سَلَّمَ.


6. أي: فأبوبكر.






السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




النحاس، أبي جعفر. ــ . إعراب‏القرآن.




نهج‏البلاغه




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




الغِرناطيّ، ابن عطيّهَ. ــ . المُحَرَّرُ الوجيزُ في تفسير الكتاب العزيز.




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




الفراء، أبي زكريا. ــ . معاني‏القرآن.




الواحدي النيسابوري، أبو الحسن علي‏بن أحمد. ــ . أسباب‏النزول.




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.




السيوطي، جلال‏الدين. ــ . لبابُ‏النُّقُولِ.

















/ 1