علم النفس بین ارسطو و ابن سینا نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

علم النفس بین ارسطو و ابن سینا - نسخه متنی

علی الشیروانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





علم النفس بين ارسطو و ابن سينا


علي الشيرواني



من بين التآليف المهمة التي خلفها ارسطو و التي ما برحت موضع اهتمام اصحاب الفكر و تأملهم هو كتابه القيّم «فيالنفس». يقوم ارسطو في هذاالكتاب، لأول مرة، ببحث مسائل النفس بحثا مفصلاً. و بعد دراسة آراءالسابقين و نقدها، يبدأ بطرح نظرياته الرائعة و يعني باثباتها.



ولقد قام اسحاق بن حنين بترجمة هذاالكتاب الي اللغة العربية1، كما قام افضل الدين الكاشاني بتلخيص احدشروحه الي اللغة الفارسية.2 و الكتاب مترجم الي مختلف اللغات الأوروبية، و بقي منذ ذلك الحين حتي القرون المتأخرة من أهم المراجع في علم النفس. كذلك كان موضع العناية في العالم الاسلامي، والكتب المهمة التي ألفها الفلاسفة المسلمون في النفس كلها متأثرة بهذاالكتاب العظيم.



أما فيلسوف عالم الاسلام الكبير، ابن سينا، فقد خلّف لنا كتابات عديدة في النفس. و يمكن القول بكل ثقة إن أحدا من الفلاسفة المتقدمين لم يكتب في النفس بمقدار ما كتب ابن سينا. 3



يتبين من تاريخ حياته، الذي كتب قسما منه هو بنفسه، و كتب القسم الآخر تلميذه ابوعبيد الجوزجاني، أنه في صباه قد أولي عناية خاصة بالنفس و العقل، فهو في هذايقول:



«و كان أبي ممن اجاب داعي المصريين، و يعد من الاسماعيلية، و قد سمع منهم ذكرالنفس و العقل علي الوجه الذي يقولونه و يعرفونه هم. و كذلك اخي، و كان ربما تذاكرا فيما بينهما و انا اسمعهما و ادرك ما يقولانه و لا تقبله نفسي، و ابتدءا يدعوانني ايضاإليه.»4



أهم كتب ابن سينا التي جاء فيها ذكر علم النفس هي الشفاء، النجاة، الإشارات، رسالة النفس و القانون. ويري بعض الباحثين أن كتب ابن سينا في النفس يمكن أن تقسم الي قسمين. القسم الأول يضم مؤلفاته الأولي التي تناول فيها النفس حسبما اوردها ارسطو نقلاً من دون تصرف ولا إبداء رأي. القسم الثاني يشمل مؤلفاته التالية، الشفاء و الاشارات و رسالة النفس، و فيها يطرح وجهات نظره الخاصة.5



كاتب هذه المقالة سوف يقوم بمقارنة اجمالية بين آراء ارسطو و آراء ابن سينا، ليضع امام القراء المحترمين بعضاً من أهم قضايا الخلاف بين هذين الفيلسوفين المشائين الكبيرين في علم النفس.6



1. علاقة النفس بالجسم


من بين المواضع التي يختلف فيها ارسطو عن ابن سينا اختلافاً أساساً هو كيفية ارتباط النفس بالجسم. يري ارسطو ان تركيب النفس مع الجسم هو من نوع تركيب المادة بالصورة، و لذلك فلا يمكن أبداً اعتبار النفس و الجسم شيئين مستقلين بعض عن بعض، بل يجب اعتبارهما وجهين لكائن واحد. و من هنا يتضح ان انفصال النفس عن الجسم أمر غير ممكن، و ذلك لأن كل صورة تؤلف مع المادة القريبة منها شيئاً واحداً. فالمادة تمثل جانب القوة و الصورة تمثل الحيثية الفعلية لذلك الشيء. و علي هذا الأساس لايري ارسطو أي معني في البحث في كيفية اتحاد النفس مع الجسم، بمثلما أنه لامعني للكلام في الشمع والرسم المنقوش فوقه. وعلي العموم، لاكلام في مادة شيء معيّن و ما تعودإليه هذه المادة.7



الأمر الآخرالذي يجب الالتفات إليه هنا هو انه عند طرح السؤال التالي: هل للنفس صفات و أفعال خاصة بها، أم ان جميع حالات النفس تخص كائناً حيّاً مركباً من النفس و الجسم؟ يختار ارسطو الشق الثاني من السؤال، لأن النفس: في نظره، ليست مستقلة عن الجسم. ان مجرد طرح هذا البحث ضمن العلوم الطبيعيّة يعني ان هذا الكائن المركب من النفس و الجسم إنما هو نوع من انواع الجسم الطبيعي.



و تأسيساً علي ذلك، يري ارسطو أن النفس و الجسم كلاهما يولدان معاً و كلاهما يفنيان معاً.



و لكن النفس، عند ابن سينا، جوهر مجرد من المادة ذاتياً، و لكنها مرتبطة بالجسم في الوقت نفسه، و تؤثر فيه و تتأثر به. العلاقة بين النفس و الجسم عند ابن سينا اشبه بالعلاقة بين الرّبان و السفينة، فهو في الوقت الذي يكون فيه مستقلاً عنها يعد كمالاً لها من حيث انه ملزم بادارتها و قيادتها و صيانتها. و هكذا فان النفس و إن كان حدوثها و ظهورها يتوقفان، في نظر ابن سينا، علي استعداد خاص موجود في مادة خاصة تسمي الجسم، إلّا أنها في بقائها ليست مرتبطة به.8



ولكن ابن سينا، بعد أن يؤيد تعريف ارسطو المعروف عن النفس القائل بأن النفس هي الكمال الأول للجسم الطبيعي... الي قوله إن فيها حياة بالقوة9، يقول ان هذا التعريف لايبين ماهية النفس، و انما هو اضافة النفس الي الجسم و بيان لقيام النفس بتدبير امور الجسم: «مهما يكن تفسيرنا للكمال فاننا لا نعرف النفس و لاالماهية، و انما نحن نعرفها من حيث كونها نفساً، إلّا أن اسم النفس لايطلق عليها من حيث الجوهر والذات، بل من حيث كونها تقوم بتدبير شؤون الجسم وتقاس به.



ولذلك فان الجسم يؤخذ ضمن حدود النفس بمثلما يؤخذ البناء ضمن حدود الباني،و إن لم يؤخذالبناء ضمن حدود الباني من حيث انسانيته.10



2.الحالات النفسية


يري ارسطو ان حالات مثل الغضب و الحزن و الفرح و الخوف و امثالها تكون من حالات الكائن المركب من النفس و الجسم، و هي حالات لايمكن نسبتها ابتداءً و ذاتياً الي النفس، و لا اعتبار نسبتها الي الجسم ثانوياً و تابعاً. و لذلك عند بيان هذه الحالات لا بد من الأخذ بنظر الاعتبار حالات جسمية خاصة تظهر مواكبة لها و ايرادها عند تعريف تلك الكيفية. فمثلا عند تعريف حالة الغضب لا يمكن أن نكتفي بالقول بأن «الغضب حالة تظهر في النفس استعداداً للهجوم و الانتقام» بل لابد من الاشارة الي التغيير الذي يقترن بهذه الحالة في القلب و ارتفاع حرارة الجسم، و اعتبار ذلك متمماً للوصف،11 و لهذا يقول: «اذا ظهرت حالات جسمية مما تقترن مع بعض العواطف، مثل الغضب و الخوف، فان تلك العواطف نفسها تظهر ايضاً، حتي اذا كانت العلل الروحية لظهورها ضعيفة جداً او عديمة الوجود.12



علي كل حال، يعتقد ارسطو ان ظهور اي حالة في النفس يستلزم اشتراك النفس و الجسم، بحيث انه عند بيان احدي الحالات النفسية لابد من ملاحظة الحالة التي تظهر علي الجسم في الوقت نفسه. كما ان ارسطو يخطّئ نسبة الحِرَف و الصنائع الي النفس ويري ان هذه الافعال و امثالها يجب ان تنسب الي المجموعة التي تتركب منها النفس و الجسم.13



إلا أن ابن سينا يري ان حالات مثل الغضب و الحزن، و كذلك الحرف و الصناعات، كالحياكة و البناء، من الافعال النفسية الخالصة، و ليست مشتركة بين النفس و الجسم، اي إنها تخص النفس ابتداءً و ذاتياً، ثم تقترن ثانياً بالتبعية بالا نفعالات الجسمية. يعتقد ابن سينا انه علي الرغم من ارتباط النفس بالجسم، و انه عند حصول حالات مثل الحزن و الفرح تحدث تغييرات في احوال المزاج، كحدوث اختلالات في عملية الهضم بسبب الحزن، و تقوي هذه العملية علي أثر الفرح، او ينتصب شعر الجسم علي أثرالخوف، و امثال ذلك،14 ينبغي أن لا نتصور أن هذا الارتباط يعني اشتراك النفس و الجسم في هذه الحالات علي نحو متساو و من دون أصالة او تقدم لأحدهما علي الآخر، بل إن هذه الحالات و الافعال تتعلق بالنفس أصالة، و لذلك فان حصول هذه الحالات في النفس لا يقترن دائماً بآثار جسمية. و من جهة اخري ان بامكان العقل ان يحول دون الحالات النفسية الخاصة، كالحزن و الفرح، و لكنه لا يستطيع ان يمنع حدوث الحالات الجسمية الخالصة كاللذة و الألم15.



3. النفس صورة للجسم


النفس عند ارسطو جوهر، و لكنها جوهر ذو أنواع مختلفة، فلابد أن نعرف النفس من أي انواع الجوهر هي عند ارسطو. إن قسما من اقسام الجوهر هو المادة، و هي مالا تكون بذاتها شيئا معينا،و انما لها قوة تقبّل الأشياء فحسب. و قسم آخر من الجوهر هو الصورة التي تعطي للمادة فعليتها و تجعلها شيئا معينا. و القسم الثالث من الجوهر هو تركيب يجمع بين المادة و الصورة، و هذا ما يطلق عليه ارسطو اسم الجوهر الأول، و يري انه أجدر بحمل اسم الجوهر، و هذا الجوهر هو الجسم نفسه.



والنفس، عند ارسطو، هي النوع الثاني من أنواع الجوهر. بناء علي ذلك، فالنفس صورة تتحقق في المادة و تمنحه الفعلية، و تخلق نوعا خاصا من انواع الجسم. و هذا ما يصرح به ارسطو في موضعين اثنين:



1ـ «النفس جوهر بالضرورة، أي انها صورة للجسم الطبيعي الآلي الحي بالقوة.»16



2ـ «النفس جوهر بمعني الصورة، أي انها ماهية جسم ذي كيفية معينة.»17



و عليه، عند ما يقول ارسطو في تعريف النفس: «الكمال الأول للجسم الطبيعي الآلي» فانه يقصد بالكمال الفعلية ذاتها، اي الصورة، و قوله الصريح يدل علي ان النفس صورة كمال. و هو يضيف الي ما سبق: «اماالجوهر الصوري فكمال، و عليه فان النفس كمال للجسم الذي له مثل هذه الطبيعة.»18 عند ما يقول ارسطو في تعريفه المشهور ان النفس كمال الجسم الطبيعي الآلي، يعتبرالكمال مرادفا للفعلية، التي هي بدورها تعني الصورة.



أما الشيخ الرئيس فانه علي الرغم من اعتباره النفس كمالاً للجسم، و لكنه لايراها صورته، إلا اذا اصطلحناعلي الصورة انها تعنيالكمال.علي كل حال، الكمال في هذه الحالة هو المعني الذي يعطي كل معني غير محدود و لا معين، حدوده و تعينه، و بعبارة اخري، يصبح الجنس، بانضمامه اليه نوعاً، أي ان الكمال أعم من الصورة، اذ ان شرط الصورة هو ان تكون منطبعة في المادة،بينما الكمال قد يكون منطبعاً في المادة و قد لا يكون. و لكن بمجرد تسببه في تحقق المعني الجنسي المبهم و تعينه في صورة النوع، يثبت كماله.



بناء علي ذلك، لا يري ابن سينا معني النفس منطبقاً علي معني الصورة، و هذا ما يراه بعض الباحثين أهم ما في آراء ابن سينا فيالنفس، اذ ان هذا الرأي هو الذي يؤكد ثبوت تجرد النفس و خلودها. و عندها يعتبر ابن سينا النفس، في حالة ما، صورة، فانه يسرع الي تحديد قوله و تقييده، لكيلا يختلط ذلك بالصورة المنطبعة في المادة و الملازمة لها. فهو يقول ان الصورة نفسها إما ان تكون بمنزلة الصورة و إما ان تكون بمنزلة الكمال،19 او يقول ان النفس صورة و لكن بمعني كونها كمالاً، لأن هوية الشيء تكمل20 بها. و هو يشرح في بعض مؤلفاته الفرق بين الكمال و الصورة شرحاً مفصلاً، سوف نعرض خلاصة له:



اذا اعتبرنا النفس صورة، فلابدان نقارنها بالمادة التي تحل فيها النفس بحيث يحصل من اجتماعهما نبات او حيوان. أما اذا اعتبرنا النفس من حيث كونها وسيلة لحصول الجنس الذي يخرج في صورة نوع، فلابدان نطلق عليها اسم الكمال. و ذلك لأنه مادامت طبيعة الجنس لم يضف اليها فصل ما، تعتبر غير محدودة و لا متعينة، و لذلك فهي ناقصة، و باضافة الفصل تصبح محدودة و متعينة و كاملة. والفرق بين المادة و الجنس هو انه يشترط في المادة ان يمتنع امكان تصور اي مفهوم لها غير معني المادة نفسها، إلا اذا كان فيها زيادة. أما تصور الجنس فلا يستلزم مثل هذا الشرط، بل يجوز ان يقترن بمعني آخر و ان يتصور بمفرده. و لذلك فان المادة مغايرة للصورة التي تحل فيها، و يتكون من هذين الشيئين ماهية واحدة بحيث يكون كل واحد منهما جزءاً من هذه الماهية، و لا يمكن حمل اي منهما علي هذه الماهية. أما الجنس، فانه بالفصل الذي يضاف اليه، يمكن ان يكون مغايراً و ان يكون متحداً، اي بالنظر الي ان الجنس ليس له معني محصّل او محدود، فلا يشترط فيه ان يمتنع عن الاقتران بمعني آخر، بل قد يمكن ضمه الي معاني متعددة، من دون ان تصبح هذه المعاني زائدة علي ماهيته. و بما انه فد تحصّل بالفصل الذي اضيف اليه، و ظهر في صورة معني محدد و كامل، فانه يمكن حمله علي هذا المعني الكامل. و بعبارة اخري، في تصور معني الجنس يكفي الالتفات الي نقص ذلك المعني و عدم تعيّنه و لزوم رفع النقص بضمه الي معني آخر. أما معني المادة، ففضلا عن كونه، مثل معني الجنس، يتطلب الاقتران بمعني آخر ليتحصل و يتعيّن، فانه مشروط فيه ان يكون هذا المعني الآخر مغايراً للمعني المحدود الخاص بالمادة، بحيث يتكون من اقترانهما، او من حلول احدهما في الآخر، ماهية يؤلف كلاهما جزءاً من هذه الماهية.21 و علي هذا يكون الجنس أعم من المادة، و الكمال أعم من الصورة، اي ان كل صورة كمال و ليس كل كمال صورة.22



وبأخذ المقدمة المذكورة بنظر الاعتبار نقول: النفس عند ابن سينا كمال، لاصورة، و اذا ما سميناها صورة ايضاً وجب ان نعني بها معاني الكمال. أي علينا ان ندرك ان المعني غير المحدد و غير المتعين يصبح بها محدداً و متعيناً و يظهر في صورة نوع معيّن هي مبدأ الآثار و الافعال. ان هذا المعني غير المتعين هو جسم الكائن الحي، و النفس مبدأ تعطي الفعلية للحياة بالقوة الكامنة فيه، و هذه الفعلية تسبب حصول المعني المبهم للحياة في صورة نبات او حيوان او بصورة نوع معين منهما أو كليهما.و عليه فلا يمكن اعتبار العلاقة بين النفس و الجسم هي علاقة الصورة بالمادة، إلاّ اذا اعتبرنا الصورة كمالاً، اي شيئاً يزول به النقص من معني الجنس و حصوله في صورة نوع، و يجعل ما كان بالقوة ذاتاً بسيطة قائمة بالفعل.23 وعليه فان الكمال الذي يمكن تصوره بالقياس الي النوع يعني الجملة التي تظهر من انضمام مبدأ بالفعل الي مبدأ بالقوة كمصدر للآثار و الأفعال24. أما الصورة فيمكن فهمها بالقياس الي المادة، يعني بالنسبة للقوة و القابلية. و هكذا فان الكمال فضلا عن كونه أعم من الصورة، فانه أتم منها ايضاً.25 و اذا قارنا النفس من هذه الناحية بالجسم، فليس ثمة ما يلزمنا ان نجعلها مقترنة بالجسم و ملازمة له، و ذلك لأن كثيراً من مبادي الكمال خارجة من الأشياء نفسها، و بديهي ان هذه الكمالات لايمكن ان تكون بمثابة صور تلك الأشياء كأن نصف الملك بأنه كمال للبلد، او ان الرّبان كمال للسفينة، و ذلك لأن الغاية الاصلية من البلد والسفينة بدون ملك و ربان غير حاصلة، و في الواقع ان البلد بدون ملك و السفينة بدون ربان انما هما يشتركان بالاسم فقط مع البلد و السفينة. مع ذلك يمكن ان ندرك بكل وضوح ان الملك مفارق للبلد و ان الربان مفارق للسفينة، اي ان كلا مبدأي الكمال هذين خارجان عن شيئين ناقصين يكملان بذينك المبدأين.26 أما اذا اعتبرنا النفس صورة للجسم من دون تقييد معني الصورة بمعني الكمال، فلابد من ان نعتبرها منطبعة في الجسم و قائمة بالشيء الحاصل من تركيبها مع المجسم، و علي ذلك نخرج النفوس المفارقة من المعني الذي قلنا به للنفس. أما اذا اصطلحنا علي الصورة ان تقوم مقام الكمال، بخلاف الحرف المألوف، عندئذ لامناقشة في المصطلحات27.



4. أمثلة الارتباط بين النفس و الجسم


يتبين مما سبق قوله، أي اختلاف معني الكمال عن معني الصورة عند ابن سينا، ان «لماذا» و «كيف» في امثلة هذا الارتباط في كلام ابن سينا قد اختيرت بحيث يتضح تباينها و تصريف احدها في الآخر، جسما جاء بان نسبة النفس الي الجسم كنسبة العامل إلي أدوات عمله، او نسبة الملك الي البلد، او نسبة الربان الي السفينة، او الطير الي العش. إلاان ارسطو يقول بكل صراحة:28



«ليس معلوماً ان تكون النفس كمالاً للجسم بالترتيب نفسه الذي يكون فيه الملاح كمالاً للسفينة.»29



يقول ابن سينا في «الاشارات»: «انظر الي حكمة الخالق الذي خلق الاصول في بداية الخلق، ثم خلق من تلك الاصول الأ مزجة المختلفة، و جعل لكل نوع مزاجاً، و جعل المزاج الأبعد عن الاعتدال مختصاً بالنوع الأ بعد عن الكمال، و جعل المزاج الأقرب الي الاعتدال الممكن مختصاً بالانسان لتستوكره النفس.»30



و في تفسير عبارة «لتستوكره النفس» يقول الخواجه نصيرالدين الطوسي: «في هذاالتعبير اشارة لطيفة تدل علي تجرد النفس، لأنه جعل نسبتها الي المزاج كنسبة الطير الي و كره.»



كذلك يقول في «الشفاء» و «احوال النفس»: «و يكون البدن الحارث لها مملكتها»31 «اذ احدث مادة بدن يصلح ان يكون... مملكة لها...»32 «ويكون البدن الحارث... آلتها»33، «اذ احدث مادة بدن يصلح ان تكون آلة النفس...»34 «و ليس تلك العلاقة كتعلق الشيء بمحله، بل كتعلق مستعمل الآلة بالآلة.»35



5. النفس و الحياة


يري ارسطو ان الحياة بالقوة في الجسم الطبيعي اذا ما انتقلت الي الفعلية، اي عند ما تصل الي مرحلة الكمال الأولية، تتحقق نفس ذلك الجسم، و علي ذلك لا يكون ثمة اختلاف بين الحياة بالفعل و النفس المشهودة، و في الواقع تكون نسبة النفس الي الكائن الحي الحالّة فيه مثل نسبة القطع الي الفأس،او نسبة الرؤية الي العين. من الطبيعي ان لاتكون قوي النفس في هذه المرحلة من الفعلية قدباشرت فعلها، بل هي باقية في حالة السكون. و عند بدء هذه القوي بالفعلية تبدأ المرحلة الثانية من الحياة بالفعل، او الكمال الثاني للكائن الحي.



يري ارسطو ان النفس هي الكمال الأول للجسم الطبيعي الآلي الحي بالقوة.36 و هو يقصد بالكمال تحقق الظروف المادية التي تقتضيها حياة الجسم الآلي، و يمنح تحققها الفعلية للحياة بالقوة. و عند وصول الجسم الي هذه المرحلة، اي عند ما تتحول الحياة فيه من بالقوة الي بالفعل، نقول انه قد اصبحت له نفس. و في الواقع ان الجسم الآلي يكون حائزاً علي جميع الصفات اللازم توافرها لحلول الحياة فيه، و هذه الاوصاف لا تشمل كذلك الاوصاف الخاصة بوظائف الاعضاء، و جسم هذا شأنه يكون بمثابة الآلة المعدّة للعمل، إنما هو لا يفتقر إلّا الي حالة اعلي تمنحها القابلية علي العمل. و هذه القابلية الثانية هي التي يطلق عليها ارسطو صفة كمال الجسم الأول، و يسميها النفس. فاذا اعتبر ابن سينا النفس الكمال الأول للجسم الحي، فذلك يعني انه يري الحياة من آثار النفس، و ان النفس هي مبدأ هذا الأثر، بيد ان هذا المبدأ ليس هو الحياة ذاتها، بمثلما هو أمر الربان، الذي هو مبدأ حركة السفينة، بالنسبة للسفينة، إذ لو لم يكن منفصلا عن الحياة لما امكن ان يكون مانعاً ليتقدم عليه مبدأ آخر. في هذه الحالة يكون هذا المبدأ هو الكمال الأول اوالمبدأ الأول، لأن الكمال الأول هو الكمال المقدم علي جميع الكمالات الاخري التي تطرأ علي الشيء.37



و عليه يتضح من فحوي كلام ابن سينا انه يري ان الجسم الطبيعي الآلي بالقوة يمتلك خصيصة تسمي الحياة، و يقوم الكمال الأول نفسه بمنح الفعلية لهذه القوه. و من هنا نجد مرة أخري ان بينونة النفس عن الجسم الحي في فلسفة ابن سينا تثبت بخلاف رأي ارسطو.



6. جوهرية النفس


ليس من شك في ان النفس، عند ارسطو، جوهر، لأنه يقول: «النفس جوهر بالضرورة». 38



و يقول ايضاً: «النفس جوهر بمعني الصورة، اي هي ماهية جسم ذي كيفية معينة.»39 غير ان ابن سينا يري انه اذا كانت النفس قائمة في الموضوع، أي ان تعتبر جزءاً من شيء مركب من موضوع النفس و النفس ذاتها،فلا تكون جوهراً. و بعبارة اخري، النفس عند ارسطو جوهر بمعني الشيء الذي تستند اليه فعلية المحل (الصورة). ولكن ابن سينا لايري النفس جوهر الجسم بمعني صورة الجسم، بل ان اعتبار النفس كمالاً، عند ابن سينا، لا يستوجب ان تكون جوهراً، لأن الكمال أعم من ذلك لكي يكون واقعاً في الموضوع او خارجاً عنه.



فيالحقيقة ان ما يجعل النفس جوهراً، علي رأي ابن سينا، هو قيامها بالجسم، أي ان ماهية الجسم الآلي و نوعيته، لا تتحققان من دون تعلق بالنفس بحيث يمكن اعتبار الجسم بمثابة موضوع للنفس، و بهذا يكون قد نفي ان تكون النفس جوهراً. اذن، فالنفس ليست جوهراً بمعني الصورة ليلزمها الانطباع في البدن، و الأفضل ان نعتبرالنفس قسماً خاصاً و مستقلاً عن الجوهر بحيث انها حتي عند مفارقتها الجسم يبقي ارتباطها به من قبيل التصرف و التحريك.



و بناء علي ذلك، يري ابن سينا ان النفس ذاتها نوعاً خاصاً من الجوهر الي جانب الصورة، أي انها ليست الصورة المنطبعة في المادة، و المكوّنة مع المادة نوعاً خاصاًمن الجسم. يري ابن سينا ان النفس اذا كانت قائمة في الموضوع، اي جزءاً من شيء مركب من موضوع النفس و النفس ذاتها، فانها في هذه الحالة لاتكون جوهراً. كما ان كمالية النفس لاتتطلب ان تكون جوهراً،بالنظر لأن الكمال أعم منها ليكون واقعاً في الموضوع او خارجاً منه.



يقول ابن سينا في الالهيات في «الشفاء»: «كل جوهر إما ان يكون جسماً و إما ان لا يكون. فاذا لم يكن جسما، فإما ان يكون جزءاً من جسم و إما ان لا يكون، و انما هو مفارق للجسم. فاذا كان جزءاً من جسم، فهو إما ان يكون صورته و إما ان يكون مادته، و في حالة مفارقته الجسم، إما ان يكون متصرفاً في الجسم بالتحريك مثلا، و إما ان لا يكون. الأول هو النفس، و الثاني هو العقل.»40



7. النفس و الأنا


بالنظر لأن ارسطو يعتقد باتحاد النفس و الجسم، بل ويراهما فيالواقع شيئاً واحداً، فان النفس الانسانية ليست هي التي تشكل «الأنا» لتلك النفس بحيث يكون للجسم الانساني، مثل سائر الاشياء المحسّه، جانبه الخارجي بالنسبة اليه. و بناء علي ذلك فان ارسطو لا يؤيد صحة رأي مثل رأي (ديكارت) القائل بأن النفس اول أمر يقيني للانسان، بل و يري الجسم شيئاً يأتي بعد ذلك، و تعقّله يكون مشروطاً بتعقل النفس.



أما ابن سينا فيقصد بالنفس ذلك الذي يعبر المرء به عن نفسه، و انه عند قوله «انا» انما يشير الي «نفسه» من دون ان يعني أياً من اعضاء جسمه، كما انه ينس ب افعاله و آثاره الي «الأنا» نفسها، و يقول «انت» للتعبير عن ذلك عند الآخرين.



ان رأي ابن سينا هذا واضح في البراهين التي يقدمها لاثبات النفس، و من ذلك البرهان المعروف عن الانسان المعلق في الفضاء، و هو من ابداعاته. و قداورده في النمط الثالث من «الاشارات» كمايلي:



لنفرض ان الانسان الآن في بدء خلقه، و ان عينيه معصوبتان بحيث لايستطيع ان يري شيئاً مما حوله، و لايكون قد مضي عليه زمان حتّي يتذكر شيئاً من الماضي، كما انه لا يري اعضاء بدنه و لا يصطدم بعضها ببعض ليحس بها عن طريق اللمس، و يكون في جو او خلأ (مطلق) بحيث لا يشعر ببرد و لا حر و لا غير ذلك و يكون معلقاً اي أن يكون في وضع لايدرك فيه اي شيء من الخارج و لا من جسمه، و يكون غافلاً عن كل شيء. في مثل هذه الظروف، و بشرط ان يكون سليم العقل و الهيئة، و لايكون معلوماً لديه سوي شيء واحد، و هو وجوده. هو بذاته، بحيث انه حتي اذا استطاع ان يتخيل فجأة عضواً من اعضاء جسمه، كبده مثلا فانه يعتبرها خارج ذاته، ولايراها جزءاً من جسمه ولا لازمة من لوازمه، فاذا اراد ان يشيرالي هذا العضو أو جميع اعضاء جسمه الاخري، فانه يشير اليه بلفظ «هو» مع انه اذااشار الي نفسه قال «انا» و بذلك فانه يتحدث عن ذلك العضو بصيغة «الغائب» لابصيغة المتكلم41.



8. اقسام العقل او درجاته


يري ارسطو ان كل معرفة تبدأ بالاحساس، و المقصود بهذا الاحساس هو مايحصل في مكان و زمان معينين. وبعدان تبدأ المعرفة بالاحساس تقع في مجراها التحولي في تدرج متوال، و في هذا التحول تخرج كل درجة من درجات المعرفة من المعرفة السابقة عليها. أي ان الدرجة العليا من المعرفة كامنة فيالدرجة الأسفل منها، و لكن بالقوه. فيالواقع ان مسألة المعرفة و مسأله الوجود، مثل كثير من المسائل الأخري، يمكن حلها باللجوء الي «بالقوه» و «بالفعل». ما من معرفة كان لها وجود بالفعل من قبل، و لاهي خارجة من العدم المطلق. فالمعرفة التي هي الآن معرفة بالفعل، قد نشأت من معرفة «بالقوة» متقدمه عليها. اي ان الانسان قد بدأ معرفتة بالاحساس الجزئي، ثم اسبغ الفعلية بالتدريج علي المفهوم الكلي الموجود بالقوه في ذلك الإحساس. و لكن في الوقت نفسه لابدان نعرف ان المفهوم الكلي، فينظر ارسطو، ليس و ليد الاحساس و التخيل، بل لتقدم «بالفعل» علي «بالقوة». لضرورة بيان المراحل السفلي و المرحلة الأعلي ـ و هي من مبادئ فلسفة ارسطو ـ يجب ان نعتبر التعقل العلة الغائية للإحساس، و ان العقل هو موجد المفاهيم الكلية، او انه هو المفاهيم بعينها.



و علي الرغم من ان ارسطو يري الحس مبدأ المعرفة، فان رأيه بشأن المعرفة لايمكن اقامته علي أصالة الحس، بل إن الاحساس بالأشياء الجزئية و جمعها و تأليفها في صور خيالية يعتبر من الشروط اللازمة لحصول المفهوم الكلي عندالانسان و استعداده لبلوغه، من دون تطابق مع ماهية هذا المفهوم او وجود هذه الماهية.42



المسألة الاخري التي يجب ان تطرح هنا هي ان ارسطو، بخلاف افلاطون، لا يقول بوجود «بالفعل» للمعقولات، بل يراها اموراً يجب ان يتم تجريدها و توليدها من مادة المحسّات و المتخيلات، و ان العقل، من حيث كونه انه هو الذي ينقل المعقولات الي «بالفعل» فانه هو نفسه يتحقق بالفعلية ايضا. اذن لابد هنا من القول بوجود عقلين متميزين، او وجهين متميزين للعقل، يطلق علي احدهما مفسرو فلسفة ارسطو اسم العقل الممكن، او العقل القابل، اوالعقل المنفعل، و يطلقون علي الثاني اسم العقل الفعال.



ولكن بالنظر للابهام الموجود في اصل اقوال ارسطو 43، فقد طرأ سؤال عما اذا كان احد ذينك العقلين خارج النفس الانسانية، او ان كليهما حالّ فيها؟ فاذا فرضنا صحة الشق الثاني من السؤال، فهل هذان العقلان منفصلان احدهما عن الآخر و كل منهما مستقل عن الآخر، أم انهما يوجدان وحدة واحدة بينهما؟ اي ان للانسان عقلا واحداً فيه جانبان متميزان.



يقول ارسطو في كتابه «في النفس» بعد بيان ضرورة التمييزبين المادة و العلة الفاعلة: «إذن يجب ان نقول بوجود هذا التمييز في النفس ايضا، فمن جهة نميز فيها عقلا يكون أشبه بالمادة لأنه يصبح هوالمعقولات كلها، و من جهة اخري نميز عقلاً آخر أشبه بالعلة الفاعلة، لأنه يحدث كل ذلك بصفته ملكة تشبه النور، اذ بمعني من المعاني يقوم النور بتغيير الألوان بالقوة الي الوان بالفعل. و هذا هو العقل الذي لكونه فعلا بالذات، يكون مفارقاً و غير منفعل و خالياً من الاختلاط.»44



ان في اسلوب هذا الكلام المجمل ما يجعل الاحتمالين جائزين بالنسبة للعقل. اما ابن سينا و بعض شارحي فلسفة ارسطو، كالفارابي و ابن رشد، فيضعون العقل الفعال خارج النفس و يقولون انه مستقل استقلالاً جوهريا عن النفس. ولابد من القول ان ابن سينا يشير الي عقول خمسة هي: العقل الهيولائي والعقل الفعال، و العقل بالملكة، و العقل بالفعل، و العقل المستفاد.



و في «الاشارات» يشرح ابن سينا العقل قائلاً:«من قوي الانسان الاخري قوة تحتاجها النفس لإكمال جوهرها حتي تستطيع ان تبلغ مرتبة «العقل بالفعل». اذن، فالمرتبة الأولي هي قوة الاستعداد الي جانب المتلقيات العقلية، و هي مايسميه بعضهم «العقل الهيولائي» و تليها قوة اخري تكون للنفس عندما تحصل لها المعقولات الأولي لكي تتهيأ لاستقبال المعقولات الثانية. ان استقبال المعقولات الثانية إما ان يكون بالتفكير اذا كان ضعفا، مثل شجرة الزيتون، و إما ان يكون بالحدس، مثل زيت الزيتون. و اذا كان اقوي من التفكير يكون اسم النفس في هذه المرتبة «العقل بالملكة» و هو مثل الزجاجة، و نفس الشخصية العظيمة التي تصل في هذه المرتبة الي القوة القدسية يصدق عليها «يكاد زيتها يضي ولو لم تمسسه نار»



ثم بعد هذه المرتبة تحصل للنفس قوة و كمال. والكمال هوان تكون المعقولات بصورة مشاهدات فيالذهن، وهي في تفتحها تكون اشبه بالنور علي نور. اما القوة فهي ان تكون المعقولات الحاصلة و التي انتهي تلقيها مثل المشاهدة، كالمصباح. ويدعي ذلك الكمال العقل المستفاد، و تدعي هذه القوة العقل بالفعل. وما يوصل النفس من العقل بالملكة الي الفعل التام، و من [الهيو لائية] الي بالملكة، هو «العقل الفعال» و هو مثل النار.45



9. علم النفس بذاتها


يري ارسطو ان العقل المنفعل لكي يكون معقولاً بذاته، لايقع، بخلاف المعقولات الاخري، مباشرة أي بعد ان تنتقل المعقولات الاخري الي الفعلية، ثم تتحد مع العقل الممكن، ففياللحظة التي يتم فيها العلم بهذه المعقولات، يتم ايضا العلم بالعقل نفسه بواساطتها و بسبب اتحادها بالعقل. اي ان العقل لايمكن ان يعقل نفسه بنفسه، بل تتعقله المعقولات الأخري، انما الأمر هو ان العقل، خلال تعقله هذه المعقولات، يتحد معها، و بذلك يكون علمه بالمعقول بمثابة حصوله علي العلم بنفسه.46



أما عند ابن سينا، فان العقل، والنفس الناطقة، حتي في مرحلتها الهيولائية التي لاتكون قد تلقت فيها اي ادراك من الخارج، لايمكن ان تخلو من اي شكل من اشكال العلم بذاتها. وحتي اذا فرضنا انها ممنوعة او غافلة عن ادراك كل شيء فانهاعلي علم بذاتها. ويتضح هذا بجلاء في برهان الانسان المعلق فيالفضاء و الذي يشرحه ابن سينا في «الاشارات» و قد مر بيانه.



10. اتحاد العقل و المعقول


إن من نقاط الخلاف بين ارسطو و ابن سينا في علم النفس هي قضية اتحاد العقل و المعقول. ارسطو يعتقد ان العقل، قبل ان يفكر، ليست له أية صورة، ولكن بعد ان يكون قد فكر في احد المعقولات يتخذ صورة ذلك المعقول نفسه. أي ان العقل بعد ان اصبح بالفعل بعملية التعقل هذه، يتحد بالمعقول. غير ان ذلك يتضمن في الوقت نفسه معني ان وحدة العقل و المعقول ناشئة عن التجرد الذي يحصل لهما كليهما خلال علمية التعقل هذه.



و خلاصة رأي ارسطو هي ان العاقل و المعقول، قبل عملية التعقل، متحدان بالقوة، و بعد التعقل يتحدان بالفعل:«العقل بالقوة هو، بشكل ما، المعقولات نفسها، و لكن اي منهما ليس بالفعل قبل عملية التفكر.»47



إلا ان ابن سينا يعتقد انه لما كان شيئان مختلفان في صورتين مختلفين، لايمكن ان يتخذا صورة واحدة، فان العقل الهيولائي، و هو شيء محصل ذو صورة معينة، لايمكن ان يتحد مع المعقول. و عليه فان ما منع ابن سينا من القول ايضا باتحاد العاقل و المعقول، هو نفسه ما حمل ارسطو علي القول بهذا المعني، و ذلك لأن ارسطو الذي يري ان العقل الهيولائي لا صورة له، بل يتخذ صورته بقبول المعقول، كان لابد له ان يقبل باتحاد العقل و المعقول ضمن عملية التعقل، او، فيالأقل، ان يكون قوله محتمل التأويل الي ذلك. ولكن بما ان ابن سينا يقول، في قبال ذلك، بالوجود الجوهري للنفس الناطقة في جميع مراحلها، حتي في مرحلة العقل الهيولائي، فلا شك في انه لايستطيع ان يقبل بحلولها في صورة المعقول.48



يشير ابن سينا في كتاب «الاشارات» الي نظرية ارسطو هذه و ينتقدها و يقبل علي اثبات وجهة نظره هو، فيقول: «ظن فريق من العلماء ان الجوهر العاقل اذا تلقي الصورة العقلية يتحد بالصورة، لنفرض ان الجوهر العاقل قد تعقل (الف) و بناء علي قولهم هذا اصبح العاقل متحداً في الصورة المعقولة من (الف)، فهل بعد هذا التلقي يبقي الجوهر العاقل مالكاً لوجوده باقياً مثلما كان قبل التعقل، أم ان وجوده قبل التعقل يصبح باطلاً؟ اذا كان وجوده باقياً مثلما كان قبل التعقل، اذن فحاله واحد، سواء أتعقل (الف) ام لم يتعقل. و اذا بطل وجوده قبل التعقل (والأمر لايعدو هاتين الحالتين) فهل يبطل حال من احوال الجوهر العاقل، او انه ينعدم وجوده كلياً؟ أما اذا تغير حاله و بقيت ذاته، فذاك يكون مثل سائر التغييرات، و ليس اتحاداً، كما يقولون. و اذا فنيت ذاته، و ظهر مكانها كائن آخر، كذلك لايكون هناك اتحاد بين شيء و شيء. ثم انك اذا تأملت هذاالفرض للاحظت ان حالاّ كهذا يتطلب هيولي مشتركاً، و الظهور يكون مركباً، لابسيطاً (و كلامنا علي البسيط وحده)49.



11. بقاءالنفس


من الامور المبهمة فيفلسفة ارسطو هو بقاءالنفس، اذان ارسطو لم يبين بوضوح ان كانت النفس الانسانية تفني بفناءالجسم او انها تبقي خالدة. و بالنظر الي ان ارسطو يري النفس صورة للجسم، فلابد ان يكون قائلاً بفناءالنفس مع فناءالجسم. أما العقل فان له حكماً آخر عند ارسطو. و لكن علي فرض بقاءالعقل، فهل عقل كل فرد من افرادالبشر يبقي مع الاحتفاظ بشخصيته، أم ان ما يبقي هو مجردالجانب العام من غير شخصية؟ و هل العقل بالقوة باق ايضاً، أم العقل بالفعل هوالذي يبقي؟ و بعبارة اخري، هل للعقل الفعال حظ من الخلود؟ هذه كلها من جملة النقاط الغامضة فيفلسفة ارسطو.



من مقولات ارسطو التي يمكن ان يستشف منها قوله ببقاءالعقل، هيالمقولتان التاليتان:



1. «من المسائل التي مازالت موضع بحث و تأمل هيمسألة: هل بعد انحلال شيء مركب (من المادة والصورة) يبقي جزء منه؟ فيما يتعلق ببعض الأشياء ليس هناك ثمة ما يمنع من ذلك، مثل النفس التيهي من هذاالقبيل، و لكن ليس النفس كلها، بل العقل، اذ ان بقاءالنفس بتمامها أمر يحتمل ان لا يكون ممكناً.»50



2. «عندما يصبح العقل مفارقاً لايكون سوي ماهو بالذات، و انه هو وحده الأزلي الذي لايفني، و مع ذلك فانه لما كان عقلاً غير منفعل، فلايتسني لنا ذكره.»51



بيدان ابن سينا يقول صراحة ببقاء النفس و خلودها، حتي انه يجعل جميع الابحاث فيالنفس مقدمة لاثبات بقائها. و لما كان يري ان العقل الفعال يفارق الانسان، فانه يؤكد خلودالعقل الهيولائي، او بعبارة اخري، يري خلود جوهر النفس الناطقة، و بقاء شخصية العقول او نفوس الاشخاص بعد زوال الجسم، أمراً مسلماً به.



نتيجة البحث


يفهم من المقارنة الاجمالية بين علم النفس عند ارسطو و عند ابن سينا انه علي الرغم من ان ابن سينا يعد تابعاً لارسطو فيكثير من المسائل الخاصة بعلم النفس، إلاّ ان هناك نقاط اختلاف مهمة بين هذين الفيلسوفين ا لشهيرين، تحول دون اعتباره مقلداً محضاً لارسطو، او انه لايعدو ان يكون مجرد شارح لفلسفته. والاختلاف بين علم النفس عند ارسطو و ابن سينا لايقتصر، بالطبع، علي ماذكر، اذا ان ابن سينا قدادخل كثيراً من الأمور فيعلم النفس و درسها مما لاذكر لها فيكتب ارسطو، كابحاثه فيالحواس و خصائص الادراك التي بحثها بحثا مفصلا كلا علي حدة فيكتاب «الشفاء»، بينما لم يشر ارسطو فيما كتبه فيعلم النفس الي هذه المسائل إلا اشارات عابرة.




14. «الاشارات والتنبيهات» ج 2 ص 307، طهران، المطبعة الحيدرية، 1378 ه··.



16. «فيالنفس» 412 أ20و21



1. عبدالرحمن بدوي. مكتبة النهضة المصرية. القاهرة، 1954.



10. طبعيات «الشفاء» كتاب النفس، ص 9.



17. المصدر نفسه، 412 ب 9و10



13. المصدر نفسه، 408 ب 5-17



18. المصدر نفسه، أ 21و 22



12. المصدر نفسه، 402 أ 19 ـ 25.



15. طبيعيات «الشفاء» كتاب النفس، الفصل الرابع، من المقالة الرابعة.



19. طبيعيات «الشفاء» ص 10 طبعة براغ.



11. «فيالنفس»، 3و 4 أ 25 و بعدها.



25. المصدر نفسه. «أحوال النفس» ص 51و52.



28. في النفس، 413أ8



2. هذا الكتاب من مجموعة مصنفات افضل الدين الكاشاني، تحقيق مجتبي مينوي و يحيي مهدوي، جامعه طهران، 1347 (1968).



24. طبيعيات «الشفاء» الفن السادس، ص 11. «أحوال النفس» ص 51.



20. مبحث «من القوي النفسانية» الفصل الثاني، ص 153، طبع مصر.



27. المصدر نفسه، الفن السادس، ص 11.



29. «الاشارات والتنبيهات» ج 2 ص 286.



26. المصدر نفسه.



21. انظر إلهيات «الشفاء» الفصل الثالث، المقالة الخامسة.



22. انظر الفن السادس من طبيعيات «الشفاء» ص 11 طبع براغ، «أحوال النفس» ص 51 طبع براغ.



23. «أحوال النفس» ص 50 و 51، طبع مصر.



31. طبيعيات «الشفاء» ص 221. «أحوال النفس» ص 97.



33. المصدر نفسه. «أحوال النفس» ص 97.



39. «دانشنامه علائي » ص 84 ، طهران ، 1315 ه·· ش .



3. انظر «شرح الاشارات والتنبيهات» حسن ملكشاهي، ج 1 ص 153.



38. المصدر نفسه، 412 ب 9 و 10.



32. المصدر نفسه، ص 225.



30. المصدر نفسه، ص 287.



34. المصدر نفسه



36. طبيعيات «الشفاء» الفن السادس، ص 15ـ18.



35. «فيالكلام علي النفس الناطقة» ص 196.



42. المصدر نفسه، في الفصلين 4و5.



48. المصدر نفسه، النمط السابع، الفصل السابع.



40. «الاشارات و التنبيهات» ج 2 ص 292 و مابعدها. طبيعيات «الشفاء» الفن السادس، ص 18.



46. المصدر نفسه 429 ب 21.



4. «عيون الأنباء» لابن ابياصيبعة. بيروت،المطبعة الذهبية، 1299 ه··. ق، ج 2 ص1



49.المصدر نفسه.



45. «في النفس» 429 ب 28 ـ 430، أ9.



43. المصدر نفسه، الفصل 5.



47. «الاشارات و التنبيهات» ج 2 38 ـ 402. طبيعيات «الشفاء» الفن السادس، المقالة 5 الفصل 6، يقول: «النفس» بتصور ذاتها و تصورها ذاتها يجعلها عقلاً و عاقلاً و معقولاً، و أما تصورها لهذه الصور فلا يجعلها كذلك.»



44. «الاشارات و التنبيهات» النمط الثالث، الفصل العاشر.



41. «في النفس» الدفتر الثالث، الفصول 1ـ3.



5. «شرح الاشارات» السابق، ص 154 و 155.



50. «في النفس» 430 أ 24. 51. من المواضع التي يقيم فيها ابن سينا الدليل علي تجرد النفس هو الفصل 16 من النمط الثالث من «الاشارات» حيث بتمسكه ببساطة المعقول و الحالّ، يثبت تجرد محله، اي النفس الناطقة. و حاصل برهانه هو ان الجوهر العقلاني لا يكون جسماً و لاجسمانياً... و ليس وضعاً خاصاً.



6. فيكتابة هذه المقالة استفدت كثيراً من «عقل در حكمت مشاء».



7. «فيالنفس» 412، ب 5-7



8. هذا الكلام يصدق، بالطبع، فيالنفس الانسانية التي بلغت مرحلة التجرد، و لايصدق فيالنفوس الحيوانية والنباتية التي يراها ابن سينا انها مادية.



9. «فيالنفس» 412، أ27. طبيعيات «الشفاء» كتاب النفس، ص 5، طبع مصر.

/ 1