ولاء و البراءة فی القرآن الکریم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ولاء و البراءة فی القرآن الکریم - نسخه متنی

محمد مهدی‌ الاصفی‌

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الولاء والبـراءة‌ في‌ القرا´ن‌ الكريم‌

الشيخ‌ محمد مهدي‌ الا´صفي‌

المقدمة‌:

ليس‌ الصراع‌ من‌ اجل‌ استقطاب‌ ولاء الناس‌ بامر طاري‌ او جديد في‌حياة‌ البشرية‌ وتاريخها الطويل‌، واءنّما هو من‌ اقدم‌ انماط‌ الصراع‌ اءذ يتقابل‌فيه‌ محوران‌:

الاوّل‌: المحور الرباني‌ وما له‌ من‌ امتدادات‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌.

الثاني‌: محور الطاغوت‌؛ حيث‌ يحاول‌ ان‌ يستقطب‌ ولاء الناس‌لنفسه‌، ويعمل‌ علي‌ انتزاعه‌ منهم‌ بأساليب‌ متعددة‌.

ولكل‌ّ طاغوت‌ محوره‌ الخاص‌ به‌، ولكن‌ّ هذه‌ المحاور جميعها تقع‌في‌ قبال‌ المحور الرباني‌ للولاية‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌.

ومما يلفت‌ النظر بقوّة‌ في‌ زيارة‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) المعروفة‌ بـ«زيارة‌ وارث‌» هي‌ حالة‌ الارتباط‌ بالمحور الرباني‌ للولاية‌، والانفصال‌عن‌ كل‌ّ المحاور التي‌ يصطنعها الطاغوت‌ من‌ اجل‌ استقطاب‌ ولاء الناس‌لنفسه‌.

والولاء من‌ مقولة‌ التوحيد دائماً، فلا يقبل‌ معه‌ الشرك‌ مطلقاً،وتوحيد الولاء من‌ اهم‌ّ مقولات‌ التوحيد.

فليس‌ للاءنسان‌ ان‌ يحتفظ‌ بولاء آخر اءلي‌ جانب‌ ولاء الله تعالي‌، مهماكان‌ نوع‌ ذلك‌ الولاء الا´خر - غير ولاء الله - لابدّ وان‌ يقع‌ في‌ مقابل‌ ولاءالله لا محالة‌، وان‌ّ اكثر مصاديق‌ الشرك‌ الذي‌ كان‌ يحاربه‌ الانبياء:والذي‌ ينقله‌ القرآن‌ الكريم‌ هي‌ من‌ شرك‌ الولاء، وليست‌ من‌ الشرك‌ في‌الخالق‌.

فقليل‌ من‌ الناس‌ مَن‌ يشرك‌ بالله، ويعتقد بوجود اءله‌ خالق‌ غيره‌ لهذاالكون‌، ولكن‌ّ الكثير منهم‌ مَن‌ يشرك‌ بالله في‌ الولاء فيشرك‌ «غير الله» و«لغير الله» في‌ ولائه‌، ويوزّع‌ ولاءه‌ وطاعته‌ «لله» و «لغير الله» معاً، فيعطي‌للطاغوت‌ حظّاً من‌ ولائه‌ ونصيباً من‌ طاعته‌، وفي‌ الوقت‌ الذي‌ يجب‌ ان‌لايكون‌ للطاغوت‌ أي‌ّ شي‌ء منها، ويجب‌ ان‌ يكون‌ الولاء والطاعة‌خالصَيْن‌ لله تعالي‌ وحده‌.

ومن‌ هنا، فاءن‌ّ الطاغوت‌ عندما يعمل‌ علي‌ تثبيت‌ حالة‌ محوريته‌ في‌حياة‌ الناس‌، فاءنّه‌ اءنّما يعلن‌ - بذلك‌ - الحرب‌ علي‌ الله سبحانه‌ وتعالي‌، لانّه‌يكون‌ حينئذ قد تجاوز حدوده‌ سبحانه‌، وتعدّي‌ علي‌ حق‌ّ الله وولايته‌ علي‌جميع‌ الموجودات‌ بما فيها الاءنسان‌.. محاولاً انتزاع‌ البشرية‌ من‌ دائرة‌الولاء لله تعالي‌ وقطع‌ صلتها به‌ سبحانه‌.

وقد كان‌ صراع‌ «التوحيد» و «الشرك‌» في‌ حياة‌ الانبياء: في‌ هذاالامر بالذات‌ هو من‌ اغلب‌ الحالات‌، فقد كان‌ الانبياء: يعملون‌ علي‌توحيد الولاء، وتوحيد محور الولاية‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌.. حيث‌ كانوا:يدعون‌ البشرية‌ اءلي‌ «ولاء الله وطاعته‌» ويأمرونهم‌ برفض‌ كل‌ّ ولاء آخرغير الولاء له‌ سبحانه‌.

ويشكّل‌ صراع‌ «الحق‌ّ» و «الباطل‌» في‌ تاريخ‌ الاءنسان‌ صوراًمختلفة‌ لمعركة‌ الولاء التي‌ هي‌ اعمق‌ بكثير من‌ كونها صراعاً سياسياً اوعسكرياً، لانّها معركة‌ عقائدية‌ وحضارية‌ في‌ حقيقة‌ الحال‌، وحتّي‌ اءذاسمّينا هذا الصراع‌ ب «الصراع‌ السياسي‌» فهو نمط‌ خاص‌ من‌ انماط‌ الصراع‌السياسي‌، وليس‌ من‌ قبيل‌ ما الفه‌ الناس‌ من‌ الحروب‌ السياسية‌.

فالمعركة‌ هنا حول‌ مسألة‌ واحدة‌، وهي‌: حق‌ّ الحاكمية‌ في‌ حياة‌الاءنسان‌.

وحق‌ّ الحاكمية‌ حق‌ّ واحد لا يتجزّأ ولا يتعدد، فامّا ان‌ يكون‌ «للهتعالي‌» فلا يقبل‌ شريكاً ولا ندّاً، وامّا ان‌ يكون‌ «لغير الله» فيكون‌ من‌الشرك‌ بالله سبحانه‌.

وتنشطر البشرية‌ حول‌ هذه‌ المسألة‌ اءلي‌ شطرين‌:

احدهما: يوحّد الله تعالي‌ بالولاء والطاعة‌، ولا يقبل‌ لله سبحانه‌ أي‌ّشريك‌ في‌ الولاية‌ والحاكمية‌.

والا´خر: يقبل‌ في‌ الحياة‌ محاور اُخري‌ للولاية‌ وينقاد لها؛ فقد يكون‌الولاء للهوي‌، وقد يكون‌ للطاغوت‌.

ويُشكّل‌ الصراع‌ بين‌ هذين‌ الشطرين‌ من‌ البشرية‌ كبري‌ قضاياالاءنسان‌، واهم‌ّ احداث‌ تاريخ‌ حياة‌ الاءنسان‌ علي‌ وجه‌ الارض‌.

واءذا جاز للاءنسان‌ ان‌ يقف‌ موقف‌ اللاّمبالاة‌ والمتفرج‌ من‌ كثير من‌القضايا، فلا يجوز له‌ ان‌ يقف‌ موقف‌ المتفرج‌ من‌ قضية‌ الولاء، فهي‌مسألة‌ جدّية‌ وحقيقية‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌، تتطلب‌ منه‌ موقفاً محدّداًوصريحاً، وتتطلب‌ منه‌ ثباتاً علي‌ الموقف‌ مهما كلّفه‌ ذلك‌ من‌ جهد وعمل‌ومهما احتاج‌ اءلي‌ ضرائب‌ وتضحيات‌.

فليست‌ مسألة‌ الولاء في‌ حياة‌ الاءنسان‌ مسألة‌ مساومة‌ ولا مجاملة‌،واءنّما هي‌ عنوان‌ شخصية‌ الاءنسان‌ وقيمته‌؛ حيث‌ اءن‌ّ الاءنسان‌ الذي‌ ليس‌ له‌ولاء معيّن‌ ومحور ثابت‌ يرتبط‌ به‌ في‌ حياته‌، فاءنّه‌ لا يزيد علي‌ ان‌ يكون‌ريشة‌ في‌ مهب‌ّ الرياح‌ السياسية‌ والاهواء الذاتية‌ والمتغيرات‌ الاجتماعية‌.

والولاء لله هو الولاء الوحيد الذي‌ يحدّد للاءنسان‌ معالم‌ شخصيته‌ومسار تحرّكه‌، وهو الذي‌ يعطي‌ للاءنسان‌ قيمته‌ الحقيقية‌ التي‌ تتمثل‌ في‌خلافته‌ لله تعالي‌ علي‌ وجه‌ الارض‌، وهو الذي‌ يحدّد له‌ الموقف‌ والمنطلق‌والمسار والغاية‌.

والمسألة‌ التي‌ تكون‌ بهذه‌ الدرجة‌ من‌ الاهمية‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌لايجوز للاءنسان‌ ان‌ يتناولها بضعف‌، ويتعامل‌ معها بتسامح‌ وتساهل‌ومرونة‌؛ بل‌ عليه‌ ان‌ يأخذها بقوّة‌، ويكون‌ من‌ امرها واضحاً وصريحاًوجادّاً وقويّاً!

كيف‌ يكون‌ الولاء؟

ويتجسّد الولاء لله سبحانه‌ وتعالي‌ عبر الارتباط‌ به‌ سبحانه‌ من‌ خلال‌:

1 - الطاعة‌ والانقياد والتسليم‌:

فقال‌ تعالي‌:

أ - (اءنّما كان‌ قول‌َ المؤمنين‌ اءذا دعوا اءلي‌ الله ورسوله‌ ليحكم‌ بينهم‌ ان‌ يقولواسمعنا واطعنا واُولئك‌ هم‌ المفلحون‌)

ب‌ - (.. واءن‌ تطيعوا الله ورسوله‌ لا يلتكم‌ من‌ اعمالكم‌ شيئاً)

ج - (ومن‌ يطع‌ الله ورسوله‌ يدخله‌ جنّات‌ تجري‌ من‌ تحتها الانّهار خالدين‌فيها)

د - (قل‌ اطيعوا الله والرسول‌...)

ه - (واطيعوا الله والرسول‌ لعلّكم‌ تُرحمون‌)

و - (يا ايّها الذين‌ آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول‌ واُولي‌ الامر منكم‌...)

ز - (قل‌ اطيعوا الله واطيعوا الرسول‌...)

وكما ان‌ّ الولاء لله يتطلّب‌ الطاعة‌ لله وللرسول‌ والانقياد والتسليم‌، فاءنّه‌يتطلّب‌ كذلك‌ رفض‌ الطاعة‌ لغير الله.

قال‌ تعالي‌: (فاتقوا الله واطيعون‌، ولا تطيعوا امر المسرفين‌).

2 - الحب‌ والاءخلاص‌ لله سبحانه‌ وتعالي‌:

فقال‌ تعالي‌:

أ - (قل‌ اءن‌ كان‌ آباؤكم‌ وابناؤكم‌ واءخوانكم‌ وازواجكم‌ وعشيرتكم‌ واموال‌اقترفتموها وتجارة‌ تخشون‌ كسادها ومساكن‌ ترضونها احب‌ّ اءليكم‌ من‌ الله ورسوله‌وجهاد في‌ سبيله‌ فتربّصوا حتّي‌ يأتي‌ الله بأمره‌ والله لا يهدي‌ القوم‌ الفاسقين‌).

ب‌ - (ومن‌ الناس‌ مَن‌ يتّخذ من‌ دون‌ الله انداداً يحبّونهم‌ كحب‌ّ الله والذين‌ آمنوااشدّ حُبّاً لله...).

3 - النصرة‌ لله ولرسوله‌ وللمؤمنين‌:

فقال‌ تعالي‌:

أ - (يا ايّها الذين‌ آمنوا اءن‌ تنصروا الله ينصرْكم‌ ويثبّت‌ اقدامكم‌).

ب‌ - (ولينصرن‌ّ اللهُ مَن‌ ينصره‌ اءن‌ّ الله لقوّي‌ عزيز).

ج (... والذين‌ آووا ونصروا اُولئك‌ بعضهم‌ اولياءُ بعض‌..).

د - (..والذين‌ آووا ونصروا اُولئك‌ هم‌ المؤمنون‌ حقّاً...)

ه - (...فالذين‌ آمنوا به‌ وعزّروه‌ ونصروه‌ واتّبعوا النور الذي‌ اُنزل‌ معه‌ اُولئك‌هم‌ المفلحون‌).

والولاء بهذا المعني‌ الشامل‌ يقوم‌ باستقطاب‌ كل‌ّ قدرات‌ الاءنسان‌واءمكاناته‌ ومواهبه‌ وميوله‌ حول‌ محور واحد، ويؤدّي‌ اءلي‌ توجيه‌ كافّة‌افعال‌ الاءنسان‌ وتحرّكاته‌ ورغباته‌ في‌ خدمة‌ ذلك‌ المحور... وبالتالي‌ فاءنّه‌ -اي‌ّ الولاء - يفرض‌ هيمنة‌ شاملة‌ لهذا المحور علي‌ كل‌ّ الكينونة‌ الاءنسانية‌،فينقذ الاءنسان‌ من‌ التشتّت‌ والتمزّق‌ والضياع‌ الذي‌ يعاني‌ منه‌ كثير من‌الناس‌ حيث‌ تتوزّعهم‌ اُمور متباينة‌ وعوامل‌ مختلفة‌ وجهات‌ شتّي‌.

فاوّل‌ ما يصنع‌ توحيد الولاء في‌ كيان‌ الاءنسان‌ هو انّه‌ يجمع‌ كل‌ّ كيانه‌الداخلي‌ والخارجي‌ حول‌ نقطة‌ واحدة‌.

ثم‌ يوجّه‌ - ثانياً - هذه‌ المجموعة‌ المنسجمة‌ من‌ الاءمكانات‌والطاقات‌ من‌ ميول‌ ورغبات‌ وافعال‌ باءتجاه‌ واحد، وهو الصراط‌ المستقيم‌الذي‌ يأمر به‌ الله تعالي‌، فيتحوّل‌ الاءنسان‌ حينئذ - من‌ كائن‌ ضعيف‌ متشتّت‌البال‌ والاحوال‌ ومتوزّع‌ القوي‌ والقدرات‌ اءلي‌ كائن‌ قوي‌ّ فاعل‌ في‌ الاتجاه‌الذي‌ يسير فيه‌، لا تتنازعه‌ العوامل‌ المختلفة‌ ولا يصيبه‌ الضعف‌ او التردّداو الوهن‌، ولا يعاني‌ من‌ الحيرة‌ في‌ العمل‌ ولا يلابسه‌ لبس‌ او غموض‌ اوشك‌ في‌ التحرك‌.

فيحرّره‌ - ثالثاً - من‌ جميع‌ المحاور المختلفة‌ والعوامل‌ المتباينة‌ التي‌تهدّد باحتواء حياة‌ الاءنسان‌ وجهده‌ وحركته‌، كالاهواء والانا والطاغوت‌والمال‌ والمتاع‌.

ويمنحه‌ - رابعاً - الانسجام‌ التام‌ بين‌ الجوارح‌ والجوانح‌، بين‌ الظاهروالباطن‌، بين‌ الخارج‌ والداخل‌، اءذ ان‌ّ الولاء لا يفرض‌ هيمنة‌ قسرية‌ علي‌جوارح‌ الاءنسان‌ وعمله‌ وتحرّكه‌، واءنّما يمنح‌ الاءنسان‌ الانسجام‌ النفسي‌ مع‌الطاعة‌ والاءقبال‌ والحب‌ّ والرغبة‌؛ وذلك‌ لانّه‌ يشكّل‌ هيمنة‌ كاملة‌ علي‌ كل‌ّالكينونة‌ الاءنسانية‌، ويشكّل‌ محوراً ثابتاً لكل‌ّ اهتمامات‌ الاءنسان‌وتحرّكاته‌ وجميع‌ ميوله‌ النفسية‌ ورغباته‌.

ومن‌ اهم‌ّ خصائص‌ هذه‌ «الهيمنة‌» و «المحورية‌» هي‌ انّها لا تأتي‌عن‌ حشر واءرغام‌ وقسر، واءنّما تصدر عن‌ انسجام‌ نفسي‌ كامل‌ للاءنسان‌ مع‌هذا المحور، وانجذاب‌ شامل‌ نحوه‌، حيث‌ اءن‌ّ حركة‌ الجوارح‌ يمكن‌ ان‌تخضع‌ للحشر والضغط‌، ولكن‌ّ الميول‌ والرغبات‌ والحب‌ّ والبغض‌ لايمكن‌ ان‌ تخضع‌ للعوامل‌ الخارجية‌ القاهرة‌.

ولذلك‌، فاءن‌ّ حب‌ّ الله والحب‌ في‌ الله هي‌ من‌ اهم‌ّ عناصر الولاءومقوّماته‌، حيث‌ اءنّه‌ هو الذي‌ يمنح‌ الاءنسان‌ هذا الانسجام‌ مابين‌ عمل‌جوارحه‌ وتوّجه‌ جوانحه‌، وهو الذي‌ يجعل‌ طاعة‌ الاءنسان‌ لله وانقياده‌ له‌:وعبادته‌ اءياه‌ تعالي‌ تصدر عن‌ رغبة‌ وحب‌ّ وشوق‌.

ضرورة‌ الممارسة‌ الفعلية‌ للحاكمية‌:

وهناك‌ مسألة‌ اساسية‌ في‌ الولاء لابدّ ان‌ نشير اءليها لكي‌ نفهم‌ معني‌الولاء، وندرك‌ دوره‌ وقيمته‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌ المسلم‌.

فيجب‌ ان‌ نعرف‌ بان‌ّ الممارسة‌ الفعلية‌ للحاكمية‌ ضرورة‌ لابدّ من‌وجودها في‌ حياة‌ الاُمة‌ المسلمة‌، وان‌ حياة‌ الاُمة‌ وحركتها لا تنتظم‌ من‌دون‌ هذه‌ الحاكمية‌ والممارسة‌ القيادية‌.

اءذ ان‌ّ الاءسلام‌ شريعة‌ قائدة‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌، تتولي‌ تنظيم‌ المجتمع‌واءدارة‌ شؤونه‌ وتوجيه‌ الناس‌ باتّجاه‌ تحقيق‌ اهداف‌ الدعوة‌ وغاياتها، ولايمكن‌ ان‌ يتحقق‌ شي‌ء من‌ ذلك‌ من‌ دون‌ وجود ممارسة‌ فعلية‌ للقيادة‌والحاكمية‌ في‌ المجتمع‌ المسلم‌، وهذه‌ القيادة‌ والحاكمية‌ هي‌ التي‌ يسميهاالقرآن‌ الكريم‌ ب «الاءمامة‌» او «الخلافة‌»، وهي‌ ليست‌ نفس‌ الجانب‌التشريعي‌ من‌ هذا الدين‌، واءنّما هي‌ شي‌ء آخر يختلف‌ عنه‌، حيث‌ اءن‌ّالطاعة‌ فيما يبلغ‌ الناس‌ من‌ احكام‌ الله وتشريعاته‌، اءنّما هي‌ طاعة‌ لله تعالي‌،وامّا الانبياء: فهم‌ مبلِّغون‌ لتلك‌ الاحكام‌، ولا تمثل‌ طاعة‌ تلك‌ الاحكام‌والتكاليف‌ طاعة‌ لهم‌: في‌ حين‌ انّنا نري‌ بان‌ّ القرآن‌ الكريم‌ يصرّح‌بوجوب‌ اءطاعة‌ الرسول‌(ص) واءطاعة‌ اُولي‌ الامر من‌ بعد الرسول‌(ص) كامتدادلطاعة‌ الله، حيث‌ قال‌ تعالي‌:

(اطيعوا الله واطيعوا الرسول‌ واُولي‌ الامر منكم‌).

فهذه‌ الطاعة‌ ليست‌ هي‌ طاعة‌ الله في‌ امتثال‌ احكامه‌ والالتزام‌بالحلال‌ والحرام‌، واءلاّ لما امر الله بها وجعلها شيئاً مستقلاّ يختلف‌ عن‌طاعته‌ تعالي‌، ولما كان‌ هناك‌ معني‌ لطاعة‌ الرسول‌ واُولي‌ الامر.

فطاعة‌ الرسول‌(ص) واُولي‌ الامر - اءذن‌ - هي‌ غير طاعة‌ الله - واءن‌ كانت‌من‌ امتدادها، وانّها تكون‌ في‌ دائرة‌ الفراغ‌ التي‌ تتركه‌ الشريعة‌ السمحاءلاولياء اُمور المسلمين‌ فيما تتطلبه‌ مصلحة‌ الاءسلام‌ والاُمة‌ المسلمة‌، ممالايمكن‌ ضبطها في‌ الشريعة‌ باحكام‌ ثابتة‌.

ومن‌ اجل‌ ان‌ يمارس‌ هذا الدين‌ دوره‌ القيادي‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌، فاءنّه‌لابدّ من‌ وجود ممارسة‌ فعلية‌ للقيادة‌ والحاكمية‌ في‌ حياة‌ الناس‌.

ولكي‌ يؤدّي‌ الحاكم‌ مهماته‌ الصعبة‌ ويتمكن‌ من‌ مواجهة‌ التحديات‌واءزالة‌ العقبات‌ والاستمرار بالاُمة‌ في‌ المسيرة‌ الصعبة‌ - مسيرة‌ ذات‌الشوكة‌ - فاءنه‌:

1 - لابدّ وان‌ يكون‌ موضع‌ نصرة‌ المؤمنين‌.

2 - لابدّ وان‌ يكون‌ موضع‌ حب‌ّ المؤمنين‌ وتقديرهم‌ واحترامهم‌.

حيث‌ اءن‌ّ المهمات‌ الكبيرة‌ التي‌ يجب‌ علي‌ الحاكم‌ الاءسلامي‌ ان‌ّيحقّقها تتطلب‌ انسجاماً كاملاً وتفاهماً تاماً بين‌ الاُمة‌ والاءمام‌، فمن‌ دون‌ان‌ تسود المحبّة‌ والمودّة‌ والانسجام‌ النفسي‌ بين‌ الرعية‌ والحاكم‌، فاءن‌الحاكم‌ لا يستطيع‌ ان‌ يوجّه‌ المسيرة‌ ويواجه‌ العقبات‌.

معني‌ البراءة‌:

وليس‌ ثمة‌ شك‌ّ في‌ ان‌ّ الطاغوت‌ سوف‌ يعمل‌ بكل‌ّ جهده‌ لعرقلة‌مسيرة‌ هذا الدين‌ وتطويقه‌ وتلغيم‌ دربه‌، وسوف‌ يستنفذ كل‌ّ اءمكاناته‌ في‌الدس‌ في‌ هذا الدين‌ والدس‌ في‌ هذه‌ الاُمة‌، لكي‌ تفقد الاُمة‌ اصالتهاوصلابتها ومناعتها الفكرية‌ وتتحوّل‌ من‌ اُمة‌ رسالية‌ تريد ان‌ تؤدي‌رسالتها، اءلي‌ اُمّة‌ تريد ان‌ تعيش‌ حياة‌ هادئة‌ وديعة‌ بعيدة‌ عن‌ هموم‌ الرسالة‌ومتاعب‌ الدعوة‌ اءليها.

ولكي‌ تستطيع‌ الاُمّة‌ ان‌ تحفظ‌ مناعتها واصالتها في‌ مواجهة‌المحاولات‌ التي‌ يبذلها اعداؤها لتمييع‌ اصالتها وحرفها عن‌ مسيرتهاالقويمة‌ ومصادرة‌ اهدافها ورسالاتها؛ لابدّ وان‌ تتمتع‌ بمناعة‌ قويّة‌ ضدّاي‌ عنصر دخيل‌ او فكر غير اصيل‌.

وهذه‌ المناعة‌ هي‌ الضمان‌ الوحيد الذي‌ يحمي‌ الاُمّة‌ من‌ الانصهاروالميوعة‌ والانحراف‌.

ولا تتحقّق‌ هذه‌ المناعة‌ ابداً، ما لم‌ تكن‌ المفاصلة‌ بين‌ المسلمين‌والكفار كاملة‌، وما لم‌ يكن‌ الابتعاد عن‌ ائمة‌ الشرك‌ ومنطقة‌ نفوذه‌ وتأثيره‌ابتعاداً تاماً.

اءذ ان‌ هذه‌ المفاصلة‌ كفيلة‌ بمصادرة‌ كل‌ّ فرص‌ التأثير السلبي‌ علي‌هذه‌ الاُمّة‌، وتجعل‌ الاُمة‌ في‌ حصانة‌ كاملة‌ من‌ كل‌ّ التأثيرات‌ الانحرافية‌التي‌ يريدها اعداء الاءسلام‌ بها، وتحمي‌ اصالة‌ الاُمة‌ وعقيدتها من‌ الانهيار،وتمنع‌ رشدها الفكري‌ ورسالتها المتينة‌ من‌ الانصهار والذوبان‌.

وهذه‌ المفاصلة‌ بين‌ المسلمين‌ وبين‌ المشركين‌ وائمة‌ الكفر هي‌ التي‌يصطلح‌ عليها القرآن‌ الكريم‌ بـ «البراءة‌».

(براءة‌ٌ من‌ الله ورسوله‌ اءلي‌ الذين‌ عاهدتم‌ من‌ المشركين‌).

(واذان‌ من‌ الله ورسوله‌ اءلي‌ الناس‌ يوم‌ الحج‌ الاكبر ان‌ّ الله بري‌ من‌ المشركين‌ورسولُه‌).

ومن‌ الطبيعي‌ ان‌ البراءة‌ تجب‌ في‌ حالة‌ مواجهة‌ نوايا عدوانية‌ من‌الطرف‌ الا´خر، وفي‌ حالة‌ تحصين‌ الاُمّة‌ ضد التأثيرات‌ السلبية‌.

ولكي‌ تستطيع‌ الاُمة‌ ان‌ تواجه‌ العدوان‌ والتحديات‌ من‌ قبل‌ اعدائها،وتتمكّن‌ من‌ اجتياز العقبات‌، لابدّ لها من‌ التماسك‌ والترابط‌، ولابدّ لها من‌ان‌ تكون‌ كتلة‌ متراصّة‌ وصفّاً مرصوصاً كما يقول‌ القرآن‌ الكريم‌.

الولي‌ والاءمام‌:

لمّا كانت‌ رسالة‌ هذا الدين‌ (الاءسلام‌) رسالة‌ عالمية‌، وكانت‌ مهمّة‌الاُمّة‌ هي‌ اءبلاغ‌ هذه‌ الرسالة‌ اءلي‌ البشرية‌ جميعاً، وتحرير الاءنسان‌ من‌الطاغوت‌ وتعبيده‌ لله الواحد الاحد، فاءنّه‌ - اءذن‌ - دين‌ ذو طبيعة‌ حركية‌وجهادية‌، وهذا يتطلب‌ من‌ الاُمة‌ حالتين‌ اساسيتين‌ في‌ الداخل‌ والخارج‌،وهما:

1 - التماسك‌ والترابط‌ من‌ الداخل‌:

فقال‌ تعالي‌:

أ - (... والذين‌ آووا ونصروا اُولئك‌ بعضهم‌ اولياء بعض‌...).

ب‌ - (والمؤمنون‌ والمؤمنات‌ بعضهم‌ اولياء بعض‌...).

وفي‌ الحديث‌:

أ - «مثل‌ المؤمنين‌ في‌ توادّهم‌ وتراحمهم‌ وتعاطفهم‌ كمثل‌ الجسد اءذا اشتكي‌ منه‌عضو تداعي‌ له‌ سائر الجسد بالسهر والحمّي‌»

ب‌ - (المؤمن‌ للمؤمن‌ كالبنيان‌ يشدّ بعضه‌ بعضاً)

ج - (تواصلوا وتبارّوا وتراحموا وكونوا اءخوة‌بررة‌ كما امركم‌ الله)

فهذا كلّه‌ من‌ اجل‌ ان‌ تكون‌ الاُمة‌ جسماً متضامن‌ الاعضاء والاطراف‌.

2 - المفاصلة‌ الكاملة‌ مع‌ اعداء الله ورسوله‌ الذين‌ يتربّصون‌ بهذاالدين‌ سوءاً وينتظرون‌ لهذه‌ الاُمة‌ اءبادة‌.

فقال‌ تعالي‌:

أ - (لا يتّخذ المؤمنون‌ الكافرين‌ اولياء من‌ دون‌ المؤمنين‌...)

ب‌ - (يا ايّها الذين‌ آمنوا لا تتخذوا الكافرين‌ اولياء من‌ دون‌ المؤمنين‌...)

ج - (يا ايّها الذين‌ آمنوا لا تتّخذوا اليهود والنصاري‌ اولياء. بعضهم‌ اولياء بعض‌ومن‌ يتولّهم‌ منكم‌ فاءنّه‌ منهم‌...)

د - (يا ايّها الذين‌ آمنوا لا تتّخذوا آباءكم‌ واءخوانكم‌ اولياء اءن‌ استحبّوا الكفرعلي‌ الاءيمان‌...)

وهذه‌ هي‌ حالة‌ البراءة‌ من‌ اعداء الله تعالي‌ واعداء الرسول‌(ص) واعداءالاءسلام‌، وحالة‌ تحريم‌ مولاتهم‌ ومودتهم‌ والتحبب‌ اليهم‌.

ويتطلّب‌ ذلك‌ الترابط‌ القوي‌ّ من‌ الداخل‌، وهذه‌ المفاصلة‌ التامة‌ من‌الخارج‌، وجود قيادة‌ مركزية‌، تتولي‌ قيادة‌ مسيرة‌ الاُمّة‌ لمواجهة‌التحديات‌ واجتياز العقبات‌، فتعمل‌ علي‌ ربط‌ هذه‌ الاُمة‌ بعضها ببعض‌ في‌كتلة‌ مرصوصة‌ واحدة‌ من‌ الداخل‌، وفصلها عن‌ اعدائها الذين‌ يريدون‌ بهاسوءاً من‌ الخارج‌ ثم‌ تقوم‌ بتوجيه‌ هذه‌ الكتلة‌ المجتمعة‌ باتجاه‌ تحقيق‌الاهداف‌ الكبري‌ لهذه‌ الدعوة‌ علي‌ وجه‌ الارض‌ كلّها.

وهذه‌ القيادة‌ التي‌ لابدّ من‌ وجودها في‌ كيان‌ هذه‌ الاُمة‌، وهذا الحاكم‌الذي‌ يمتلك‌ من‌ الاُمة‌ الطاعة‌ والنصرة‌ والحب‌ّ (العناصر الثلاثة‌ للولاء)،هو الذي‌ يصطلح‌ عليه‌ القرآن‌ الكريم‌ اسم‌ الاءمام‌ او الخليفة‌ او الولي‌؛ حيث‌اءنّه‌ يتولّي‌ اُمور المسلمين‌ ويوجّههم‌ اءلي‌ حيث‌ يريد الله تعالي‌ ويرضي‌.

الولي‌ امتداد للمحور الاءلهي‌:

اءلاّ ان‌ هذا المحور (الولي‌) الذي‌ يستقطب‌ الطاعة‌ والتأييد والنصروالحب‌ّ من‌ الاُمة‌ لا يشكل‌ محوراً آخر في‌ قبال‌ المحور الربّاني‌ للولاية‌ في‌هذا الكون‌، ولن‌ يكون‌ محوراً جديداً غير هذا المحور الاءلهي‌؛ اءذ ان‌ اي‌ّمحور آخر لولاية‌ في‌ قبال‌ المحور الاءلهي‌ هو طاغوت‌، تجب‌ مكافحته‌ومحاربته‌.

فيكون‌ الولي‌ - اءذن‌ - امتداداً لهذا المحور الرباني‌ ليس‌ اءلاّ، وتجب‌طاعته‌ ونصره‌ وحبه‌ امتداداً لوجوب‌ طاعة‌ الله ونصره‌ وحبه‌.

فلن‌ يكون‌ الولي‌ - اءذن‌ - محوراً جديداً، واءنّما هو امتداد للمحورالرباني‌ للولاية‌ علي‌ العباد، وذلك‌ لان‌ّ الولاية‌ من‌ اهم‌ّ مقولات‌ التوحيد، فلايمكن‌ ان‌ تتعدد محاور الولاء ابداً.

والولاء امّا ان‌ يكون‌ او لا يكون‌.

فاءذا كان‌ الولاء لله فلابدّ وان‌ يكون‌ بوجهه‌ الاءيجابي‌ والسلبي‌ (الذي‌هو رفض‌ الولاء لغير الله) ولا تقل‌ّ قيمة‌ الوجه‌ السلبي‌ عن‌ قيمة‌ الوجه‌الاءيجابي‌.

فلا يتم‌ّ الولاء لله تعالي‌ الاّ برفض‌ اي‌ّ ولاء آخر مع‌ ولاء الله فضلاً عن‌ان‌ يكون‌ من‌ دونه‌، وان‌ّ قبول‌ اي‌ّ ولاء آخر مع‌ ولاء الله سبحانه‌ - او من‌دونه‌ - يعني‌ الشرك‌ بالله تعالي‌.

ضرورة‌ توحيد الولاء:

وبناءً علي‌ ما تقدم‌ فاءن‌ّ مسألة‌ توحيد الولاء - اءذن‌ - من‌ اهم‌ّ خصائص‌الولاء، وقد سبق‌ وان‌ اشرنا اءلي‌ ان‌ اكثر مصاديق‌ الشرك‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌هي‌ شرك‌ في‌ الولاء وليست‌ شركاً في‌ الخالق‌.

قال‌ تعالي‌: (ضرب‌ الله مثلاً رجلاً فيه‌ شركاء متشاكسون‌ ورجلاً سلماً لرجل‌هل‌ يستويان‌ مثلاً...).

حيث‌ يضرب‌ الله سبحانه‌ لنا مثلاً في‌ «التوحيد» و «الشرك‌»،برجلين‌:

احدهما: يتنازعه‌ شركاء متشاكسون‌، لكل‌ّ واحد منهم‌ ولاية‌ عليه‌وسلطان‌، فهؤلاء الشركاء مختلفون‌ فيما بينهم‌، وهو موزّع‌ بينهم‌.

والا´خر: قد اسلم‌ امره‌ اءلي‌ رجل‌ واحد فقط‌ «ورجلاً سلماً لرجل‌»يطيعه‌ في‌ كل‌ّ شي‌ء وينقاد له‌ في‌ كل‌ّ أمر ويتقبّل‌ ولايته‌ وحاكميته‌ في‌ كل‌ّشأن‌.

وهكذا الامر بالنسبة‌ للتوحيد والشرك‌.

فالموحّدون‌ من‌ الناس‌ كالرجل‌ الثاني‌ الذي‌ اسلم‌ امره‌ لرجل‌ واحد،فهو في‌ راحة‌ من‌ امره‌.

والمشركون‌ من‌ الناس‌ كالرجل‌ الاوّل‌ الذي‌ يتنازعه‌ شركاءمتشاكسون‌.

وواضح‌ من‌ هذا المثال‌ ان‌ّ المقصود بالشرك‌ والتوحيد هو: الشرك‌ في‌الولاء والتوحيد في‌ الولاء.

وقال‌ تعالي‌ عن‌ لسان‌ يوسف‌(ع):

(يا صاحبي‌ السجن‌ ءأرباب‌ متفرّقون‌ خير ام‌ الله الواحد القهّار).

اءن‌ّ صاحبي‌ يوسف‌(ع) في‌ السجن‌ لم‌ يكونا ينكران‌ الله الواحد القهّار،واءنّما كانا يشركان‌ ارباباً متفرقين‌ مع‌ الله في‌ الولاية‌ والحاكمية‌ علي‌ حياتهم‌فانكر يوسف‌(ع) عدم‌ تسليم‌ اُمورهما كلّها لله الواحد القهّار.

ويقول‌ امير المؤمنين‌(ع) في‌ اسباب‌ البعثة‌:

«بعث‌ الله محمّداً(ص) ليُخرج‌ عباده‌ من‌ عبادة‌ عباده‌ اءلي‌ عبادته‌، ومن‌ عهود عباده‌اءلي‌ عهوده‌، ومن‌ طاعة‌ عباده‌ اءلي‌ طاعته‌، ومن‌ ولاية‌ عباده‌ اءلي‌ ولايته‌».

اللهتعالي‌ وحده‌ هو مصدر الولاية‌ والحاكمية‌ والسلطان‌:

فالولاية‌ - اءذن‌ - محور ثابت‌ لا يتعدّد ولا يتجزّأ ولا يتغيّر.. وهي‌ للهسبحانه‌ وتعالي‌، ولكن‌ّ الله سبحانه‌ وتعالي‌ يمنح‌ هذه‌ الولاية‌ اءلي‌ مَن‌ يشاءمن‌ عباده‌، واءلي‌ مَن‌ يرتضي‌ من‌ الناس‌.

فلن‌ تكون‌ ثمة‌ ولاية‌ - اءذن‌ - في‌ قبال‌ ولاية‌ الله.

ولن‌ تكون‌ هناك‌ اي‌ّ ولاية‌ - ابداً - بغير اءذن‌ الله، ولا حاكمية‌ من‌دون‌ امره‌.

حيث‌ اءن‌ّ الولاية‌ المشروعة‌ في‌ حياة‌ الاُمّة‌، لمّا كانت‌ امتداداً لولاية‌الله، فاءنّها لابدّ وان‌ تكون‌ باءذن‌ الله وامره‌.

وما لم‌ يأذن‌ الله لاحد من‌ الناس‌ بان‌ يلي‌ امر عباده‌ لن‌ يكون‌ له‌ الحق‌ّفي‌ ان‌ يتولّي‌ شيئاً من‌ اُمور الاُمة‌.

وبمراجعة‌ القرآن‌ الكريم‌ نجد هذه‌ الحقيقة‌ واضحة‌ فيما يحكي‌ اللهتعالي‌ لنا من‌ تنصيب‌ عباد له‌ اولياء وائمة‌ وخلفاء علي‌ الناس‌، وانّه‌ لم‌ تتم‌ّلهم‌ اءمامة‌ ولا ولاية‌ علي‌ الاُمّة‌ لولا ان‌ّ الله تعالي‌ قد خصّهم‌ بذلك‌ واناط‌اءليهم‌ هذا الامر.

ففي‌ قصّة‌ اءبراهيم‌(ع)، يقول‌ تعالي‌:

(قال‌ اءنّي‌ جاعلك‌ للناس‌ اءماماً قال‌ ومن‌ ذريتي‌ قال‌ لا ينال‌ عهدي‌ الظالمين‌)

والاءمامة‌ - هنا - بمعني‌ الولاية‌.. فقد جعله‌ الله تعالي‌ اءماماً بعد ان‌ كان‌نبيّاً.

وفي‌ قصّة‌ داود(ع)، يقول‌ تعالي‌:

(يا داود اءنا جعلناك‌ خليفة‌ في‌ الارض‌ فاحكم‌ بين‌ الناس‌ بالحق‌..)

والخلافة‌ هنا بقرينة‌ قوله‌ تعالي‌: (فاحكم‌ بين‌ الناس‌ بالحق‌) تعني‌الولاية‌ والحاكمية‌.

ويقول‌ تعالي‌ عن‌ ذرية‌ اءبراهيم‌(ع) لمّا نجّاه‌ الله تعالي‌ من‌ القوم‌الظالمين‌:

(ووهبنا له‌ اءسحق‌ ويعقوب‌ نافلة‌ وكلاّ جعلنا صالحين‌ وجعلناهم‌ ائمة‌ يهدون‌بامرنا واوحينا اءليهم‌ فعل‌ الخيرات‌ واءقام‌ الصلاة‌ واءيتاء الزكاة‌ وكانوا لنا عابدين‌)

ولا نريد - هنا - ان‌ نسهب‌ في‌ هذا القول‌، فله‌ مجاله‌ الخاص‌ في‌البحث‌، واءنّما نريد - فقط‌ - ان‌ نشير اءشارة‌ سريعة‌ اءلي‌ ان‌ّ مصدر الحاكمية‌والسلطان‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌ هو الله تعالي‌ وليس‌ الاُمّة‌ - كما تذهب‌الاتجاهات‌ الديمقراطية‌ اءلي‌ ذلك‌ - وليس‌ لاحد من‌ دون‌ اءذن‌ الله تعالي‌ ان‌يتولّي‌ امراً من‌ اُمور المسلمين‌، كما ان‌ الله تعالي‌ لم‌ يفوّض‌ الاُمّة‌ بهذه‌الصلاحية‌ في‌ اختيار مَن‌ تراه‌ هي‌ اهلاً للولاية‌ والاُمة‌ الاءمامة‌.

فالاصل‌ في‌ الامر هو ان‌ّ الله سبحانه‌ وتعالي‌ هو مصدر السلطة‌والحاكمية‌ في‌ حياة‌ الناس‌، وليس‌ هناك‌ في‌ النصوص‌ الشرعية‌ ما يشير اءلي‌ان‌ّ الله عزّ وجل‌ّ قد فوّض‌ الاُمة‌ بهذا الامر.

فولاية‌ الله تعالي‌ - في‌ حياة‌ الناس‌ لا يقتصر امرها - اءذن‌ - علي‌ نفوذالاحكام‌ الشرعية‌ المحدّدة‌ من‌ قبل‌ الله تعالي‌ في‌ حق‌ّ عباده‌، واءنّما تعني‌الممارسة‌ الفعلية‌ للحاكمية‌ والامر والنهي‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌ من‌ خلال‌اُولئك‌ الذين‌ اتّخذهم‌ الله اولياء له‌، وجعلهم‌ ائمة‌ للبشر وخلفاء علي‌ الناس‌.

دور الولاية‌ واهميتها في‌ حياة‌ الاُمّة‌:

هناك‌ بعض‌ النصوص‌ الاءسلامية‌ التي‌ وردت‌ في‌ اهميّة‌ الولاية‌وقيمتها في‌ حياة‌ الاُمة‌، وموقعها في‌ هذا الدين‌ الحنيف‌، ومنها:

عن‌ ابي‌ جعفر(ع) انّه‌ قال‌: «بُنِي‌ الاءسلام‌ علي‌ خمس‌: علي‌ الصلاة‌ والزكاة‌والصوم‌ والحج‌ّ والولاية‌، ولم‌ يناد بشي‌ء كما نودي‌ بالولاية‌».

وعن‌ مجلان‌ بن‌ صالح‌ قال‌: قلت‌ لابي‌ عبدالله(ع) اوقفني‌ علي‌ حدودالاءيمان‌، فقال‌(ع): شهادة‌ ان‌ لا اءله‌ اءلاّ الله وان‌ّ محمّداً رسول‌ الله والاءقرار بماجاء من‌ عند الله وصلاة‌ الخمس‌ واداء الزكاة‌ وصوم‌ شهر رمضان‌ وحج‌ّالبيت‌ وولاية‌ وليّنا وعداوة‌ عدوّنا والدخول‌ مع‌ الصادقين‌.

وعن‌ ابي‌ جعفر(ع) انّه‌ قال‌: بُنِي‌ الاءسلام‌ علي‌ خمسة‌ اشياء: علي‌الصلاة‌ والزكاة‌ والصوم‌ والحج‌ّ والولاية‌، قال‌ زرارة‌ (راوي‌ الحديث‌)فقلت‌، واي‌ّ شي‌ء من‌ ذلك‌ افضل‌؟ قال‌(ع): الولاية‌ افضل‌ لانّها مفتاحهن‌،والوالي‌ هو الدليل‌ عليهن‌ّ... ثم‌ قال‌(ع): ذروة‌ الامر وسنامه‌ ومفتاحه‌ وباب‌الاشياء، ورضي‌ الرحمن‌ الطاعة‌ للاءمام‌ بعد معرفته‌ ان‌ّ الله عزّ وجل‌ّ يقول‌:(مَن‌ يُطع‌ الرسول‌ فقد اطاع‌ الله ومَن‌ تولي‌ فما ارسلناك‌ عليهم‌ حفيظاً)، امّا لو ان‌ّرجلاً قام‌ ليله‌ وصام‌ نهاره‌ وتصدّق‌ بجميع‌ ماله‌ وحج‌ّ جميع‌ دهره‌ ولم‌يعرف‌ ولاية‌ ولي‌ّ الله فيواليه‌، وتكون‌ جميع‌ اعماله‌ بدلالته‌ اليه‌ ما كان‌ له‌علي‌ الله حق‌ّ في‌ ثوابه‌، ولا كان‌ من‌ اهل‌ الاءيمان‌. ثم‌ قال‌(ع): اُولئك‌المحسن‌ منهم‌ يدخله‌ الله الجنة‌ بفضل‌ رحمته‌)

وهذا الحديث‌ يتوقّف‌ الاءنسان‌ للتأمّل‌ فيه‌ طويلاً، فمن‌ قام‌ ليله‌ وصام‌نهاره‌، ولم‌ يعرف‌ ولاية‌ الله ماكان‌ له‌ علي‌ الله حق‌ّ في‌ ثوابه‌، ولا كان‌ من‌اهل‌ الاءيمان‌، وذلك‌ لان‌ّ جوهر الدين‌ ليس‌ عبارة‌ عن‌ مجموعة‌ تعليمات‌من‌ العبادات‌ والمعاملات‌ والعقود والاءيقاعات‌، واءنّما هو الارتباط‌ باللهورسوله‌ واوليائه‌.

وعن‌ طريق‌ هذا الارتباط‌ يتم‌ّ للاءنسان‌ المؤمن‌ تحديد معالم‌ دينه‌.

وقد امر الرسول‌(ص) اُمته‌ من‌ بعده‌ بالارتباط‌ باهل‌ بيته‌: بعد كتاب‌الله لتحديد معالم‌ دينهم‌.

يقول‌ رسول‌ الله(ص): «الا ايّها الناس‌، فاءنّما انا بشر يوشك‌ ان‌ يأتي‌ رسول‌ ربي‌فاجيب‌، وانا تارك‌ فيكم‌ ثقلين‌؛ اولهما: كتاب‌ الله، فيه‌ الهدي‌ والنور فخذوا بكتاب‌ اللهواستمسكوا به‌، فحث‌ّ علي‌ كتاب‌ الله ورغّب‌ فيه‌. ثم‌ قال‌(ص): واهل‌ بيتي‌، اُذكركّم‌ اللهفي‌ اهل‌ بيتي‌، اُذكّركم‌ الله في‌ اهل‌ بيتي‌، اُذكّركم‌ الله في‌ اهل‌ بيتي‌»

وعن‌ طريق‌ هذا الارتباط‌ يتم‌ّ تنظيم‌ المجتمع‌ وتحريك‌ الاُمّة‌وتوجيهها وقيادتها باتجاه‌ تحرير الاءنسان‌ من‌ عبودية‌ الهوي‌ والطاغوت‌،وتعبيده‌ لله الواحد الاحد وترسيخ‌ الدعوة‌ اءلي‌ الله علي‌ وجه‌ الارض‌.

فمسألة‌ الولاية‌ - اءذن‌ - مسألة‌ اساسية‌ في‌ هذا الدين‌، ولا يستطيع‌هذا الدين‌ ان‌ يؤدّي‌ دوره‌ الاساسي‌ في‌ ربط‌ الاءنسان‌ بالله تعالي‌، وفي‌ قيادة‌الاءنسان‌ اءلي‌ تحقيق‌ اهداف‌ هذا الدين‌ في‌ الحياة‌، وتعبيد الاءنسان‌ لله، واءزالة‌الحواجز التي‌ يزرعها الطاغوت‌ في‌ طريق‌ هذه‌ الدعوة‌. من‌ دون‌«الولاية‌».

وهذه‌ الحقيقة‌ تقرّر حتمية‌ الصراع‌ بين‌ محوري‌ «الولاية‌» و«الطاغوت‌»، بشكل‌ دائم‌ في‌ تاريخ‌ الاءنسان‌.

الاءنسان‌ بين‌ محوري‌ «الولاية‌» و «الطاغوت‌»:

اءن‌ّ هذين‌ المحورين‌ يعملان‌ باتجاهين‌ متعاكسين‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌،وكل‌ّ منهما يعمل‌ لاستقطاب‌ ولاء الاءنسان‌ حول‌ محوره‌، ويحاول‌ فصل‌الاءنسان‌ عن‌ المحور الا´خر.

فرسالة‌ محور الولاية‌ هي‌:

1 - استقطاب‌ ولاء الاُمّة‌ حول‌ محور الولاية‌، واءنقاذ الاُمة‌ من‌ التشتّت‌والضياع‌ والاختلاف‌.

2 - توجيه‌ الاُمّة‌ وتوحيد حركتها باتّجاه‌ اءسقاط‌ محور الطاغوت‌وتحرير الاءنسان‌ من‌ عبودية‌ الطاغوت‌ والهوي‌.

3 - اءسقاط‌ الطاغوت‌ واءزالة‌ العقبات‌ من‌ امام‌ طريق‌ الاءنسان‌ اءلي‌ اللهتعالي‌.

4 - ربط‌ الاءنسان‌ بالله وتعبيده‌ لله تعالي‌.

وفي‌ قبال‌ هذا المحور الرباني‌، يعمل‌ محور الطاغوت‌ علي‌ استقطاب‌ولاء الناس‌، ويحاول‌ وضع‌ الحواجز والعقبات‌ في‌ طريق‌ الناس‌ اءلي‌ اللهتعالي‌، ويحاول‌ استعباد الاءنسان‌ واءخراجه‌ من‌ النور اءلي‌ الظلمات‌.

واءلي‌ هذا الصراع‌ بين‌ محوري‌ «الولاية‌» و «الطاغوت‌» تشير الا´ية‌الكريمة‌: (الله ولي‌ُّ الذين‌ آمنوا يخرجهم‌ من‌ الظلمات‌ اءلي‌ النور والذين‌ كفروااولياؤهم‌ الطاغوت‌ يخرجونهم‌ من‌ النور اءلي‌ الظلمات‌ اُولئك‌ اصحاب‌ النار هم‌ فيهاخالدون‌).

ولمّا كانت‌ هذه‌ المهمّة‌ التي‌ يتولّي‌ امرها الطاغوت‌، لا تتحقق‌ اءلاّ من‌خلال‌ استضعاف‌ الاءنسان‌ واءذلاله‌، فاءن‌ الطاغوت‌ يتّبع‌ اساليب‌ كثيرة‌ في‌استضعاف‌ الاءنسان‌ وسلب‌ ثقته‌ من‌ نفسه‌، وتعميته‌ وتمييع‌ اصالته‌ وقوته‌الفكرية‌. وعند ذلك‌ - فقط‌ - يتيسر للطاغوت‌ ان‌ يكسب‌ ولاء الاءنسان‌وطاعته‌ وانقياده‌.

يقول‌ تعالي‌ عن‌ فرعون‌: (فاستخف‌ّ قومه‌ فأطاعوه‌ اءنّهم‌ كانوا قوماًفاسقين‌).

ومهما يكن‌ من‌ امر فاءن‌ّ الصراع‌ بين‌ هذين‌ المحورين‌: محور الولاية‌ومحور الطاغوت‌، هو من‌ كبريات‌ قضايا التاريخ‌، ومن‌ اهم‌ّ العوامل‌المحرّكة‌ لعجلة‌ التاريخ‌.

ومن‌ خلال‌ فهم‌ هذا الصراع‌ نستطيع‌ ان‌ نفهم‌ الكثير من‌ احداث‌التاريخ‌ وقضاياه‌ الكبري‌ ومنعطفاته‌ وثوابته‌ ومتغيراته‌.

خصائص‌ الصراع‌ بين‌ محوري‌ «الولاية‌» و «الطاغوت‌»:

ومن‌ خصائص‌ هذا الصراع‌ التاريخي‌، والمعركة‌ الممتدّة‌ بين‌محوري‌ الولاية‌ والطاغوت‌ (الحق‌ّ والباطل‌):

1 - اءن‌ّ المعركة‌ بينهما معركة‌ عقائدية‌ في‌ جوهرها، حيث‌ اءن‌ّ جوهرالصراع‌ بينهما يتمثل‌ في‌ صراع‌ عقائدي‌ قوي‌ يدور حول‌ «التوحيد» و«الشرك‌».

وقد وردت‌ اكثر الفاظ‌ «الشرك‌» و «التوحيد» في‌ القرآن‌ الكريم‌،لتدل‌ّ علي‌ الشرك‌ في‌ الولاء، والتوحيد في‌ الولاء.

2 - اءنّها معركة‌ حضارية‌ وليست‌ شخصية‌؛ لانّها تشكّل‌ صداماً بين‌حضارتين‌، لكل‌ منهما خصائصها التي‌ تميّزها عن‌ الاُخري‌، وهما«الحضارة‌ الربانية‌» و «الحضارة‌ الجاهلية‌».

اءذ ان‌ الانتماء اءلي‌ اي‌ّ من‌ المحورين‌ ليس‌ - فقط‌ - انتماءً سياسياً اءلي‌محاور القوّة‌ والسيادة‌، واءنّما هو - ايضاً - انتماء حضاري‌ تستتبعه‌خصائص‌ وميزات‌ حضارية‌ في‌ اُسلوب‌ التفكير والاخلاق‌ والعمل‌والعلاقة‌ مع‌ الله تعالي‌ ومع‌ النفس‌ ومع‌ الا´خرين‌ ومع‌ الاشياء.

فالصراع‌ بين‌ هذين‌ المحورين‌ - اءذن‌ - يعني‌ الصراع‌ بين‌ حضارتين‌بكل‌ّ دقة‌.

3 - اءنّها معركة‌ سياسية‌ علي‌ مراكز القوي‌ من‌ المال‌ والقوة‌ العسكرية‌وثقة‌ الناس‌ ووسائل‌ التوجيه‌ والثقافة‌ والاءعلام‌.

فلا شك‌ في‌ ان‌ كُلاّ من‌ هذين‌ المحورين‌ يعمل‌ للاستيلاء علي‌ مراكزالقوي‌ في‌ المجتمع‌، ويُعْمِل‌ استخدام‌ هذه‌ المراكز في‌ تمكين‌ محوره‌وخطّه‌.

4 - اءنّها معركة‌ حتمية‌ تدخل‌ ضمن‌ حتميات‌ التاريخ‌ الكبري‌، ولايمكن‌ للاءنسان‌ ان‌ يتخلّص‌ منها او يتجنّب‌ آثارها بأي‌ّ حال‌ من‌ الاحوال‌.

حيث‌ اءن‌ّ طبيعة‌ تعاكس‌ تلك‌ المحاور والخطوط‌ تستدعي‌ حتمية‌ هذه‌المعركة‌ في‌ كل‌ّ زمان‌ ومكان‌.

فمحور الهداية‌ والولاية‌ الاءلهية‌ يعمل‌ علي‌ مصادرة‌ كل‌ّ مصالح‌الطاغوت‌ ومراكزه‌ ومواقعه‌ ووجوده‌، ولكن‌ّ الطاغوت‌ لا يتخلّي‌ عن‌دوره‌ في‌ الاءفساد علي‌ وجه‌ الارض‌ دون‌ مقاومة‌، فيخوض‌ هو وجنده‌صراعاً مريراً مع‌ محور الولاية‌ وجنوده‌.

ولذا، فاءن‌ اي‌ّ عصر من‌ العصور لم‌ يخل‌ من‌ هذا الصراع‌؛ فهو قائم‌ بين‌المحورين‌ منذ ان‌ خلق‌ الله تعالي‌ الاءنسان‌ - بهذه‌ التركيبة‌ الخاصة‌ - علي‌وجه‌ الارض‌، وحتّي‌ يومنا الحاضر.

وقد قرّر القرآن‌ الكريم‌ حتمية‌ هذا الصراع‌ بين‌ المحورين‌ بشكل‌جازم‌، حيث‌ قال‌ تعالي‌:

(الذين‌ آمنوا يقاتلون‌ في‌ سبيل‌ الله والذين‌ كفروا يقاتلون‌ في‌ سبيل‌ الطاغوت‌،فقاتلوا اولياء الشيطان‌ اءن‌ّ كيد الشيطان‌ كان‌ ضعيفا).

5 - اءنّها معركة‌ مصيرية‌ قد تطول‌ او تدوم‌؛ حيث‌ اءن‌ّ كل‌ّ محور من‌المحورين‌ يعمل‌ علي‌ استئصال‌ المحور الا´خر من‌ علي‌ وجه‌ الارض‌،واءنهائه‌ وتصفية‌ مراكزه‌ ومواقعه‌ ووجوده‌ بشكل‌ عام‌.

فهي‌ ليست‌ معركة‌ من اجل‌ ارض‌ او مياه‌ وهي‌ ليست‌ معركة‌ من‌

اجل‌ حدود برّية‌ او بحرية‌.. وهي‌ ليست‌ معركة‌ من‌ اجل‌ بئر نفط‌ او منجم‌ذهب‌ او فضة‌.. واءنّما هي‌ معركة‌ من‌ اجل‌ الوجود والكيان‌.. ولا يرضي‌ كل‌ّمن‌ الطرفين‌ اءلاّ بتصفية‌ الطرف‌ الا´خر تصفية‌ كاملة‌.

قال‌ تعالي‌: (وَلَن‌ْ تَرْضَي‌' عَنك‌َ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَـ'رَي‌' حَتَّي‌' تَتَّبِع‌َ مِلَّتَهُم‌ْ).

وقال‌ سبحانه‌: (وَقَاتِلُوهُم‌ْ حَتَّي‌' لاَتَكُون‌َ فِتْنَة‌ٌ وَيَكُون‌َ الدِّين‌ُ كُلُّه‌ُ لِلَّه‌ِ فَاءِن‌ِ انتَهَوْاْفَاءِن‌َّ اللَّه‌َ بِمَا يَعْمَلُون‌َ بَصِيرٌ* وَاءِن‌ تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَن‌َّ اللَّه‌َ مَوْلاكُم‌ْ نِعْم‌َ الْمَوْلَي‌' وَنِعْم‌َالنَّصِيرُ).

فهذه‌ المعركة‌ تستمر حتي‌ الاستئصال‌ الكامل‌ للكفر والجاهلية‌والقضاء المبرم‌ علي‌ الفتنة‌ من‌ علي‌ وجه‌ الارض‌، وانهاء حالة‌ التمرّد علي‌الله ورسوله‌ انهاءً تاماً.

ولذا فان‌ّ هذه‌ المعركة‌ معركة‌ شرسة‌ وحرباً ضارية‌ لا يعرف‌ التاريخ‌نظيراً لها في‌ الشراسة‌ والقسوة‌ والحدّية‌.

ولذلك‌ فاءن‌ التفكير في‌ اللقاء والتفاهم‌ والحلول‌ النصفية‌ مع‌ الكفروالطاغوت‌، هو تفكير فيه‌ كثير من‌ الفجاجة‌ والضعف‌ والهزيمة‌ النفسية‌التي‌ تؤدي‌ الي‌ الخسران‌، اءذ ان‌ الهزيمة‌ النفسية‌ هي‌ بداية‌ كل‌ هزيمة‌ميدانية‌، وان‌ بداية‌ الهزيمة‌ النفسية‌ هو التفكير في‌ امكان‌ اللقاء والتفاهم‌مع‌ الطاغوت‌ وانهاء الصراع‌ معه‌، والجلوس‌ امامه‌ علي‌ موائد الصلح‌.

اءن‌ّ المعركة‌ مع‌ الطاغوت‌ ـ اءذن‌ ـ معركة‌ وجود وليست‌ معركة‌ حدود،وانها لم‌ تنشا عن‌ اختلاف‌ في‌ الاعتبار حتي‌ يمكن‌ التفاهم‌والتصافي‌والتعايش‌ بسلام‌ وتطبيع‌ العلاقات‌.

6 ـ آنهاتتطلب‌ من‌ الاُمّة‌ المؤمنة‌ ان‌ تقف‌ مواقف‌ واضحة‌ وحدّية‌وحاسمة‌ في‌ مسالة‌ اعلان‌ «الولاء» و «البراءة‌».. اعلان‌ الولاء لله ولرسوله‌ولاولياء اُمور المسلمين‌، واعلان‌ البراءة‌ من‌ اعداء الله ورسوله‌ واوليائه‌..وذلك‌ لما مرّ من‌ انها معركة‌ مصيرية‌ صارمة‌ وحرب‌ دائمة‌ ضارية‌.

فلابد ـ اءذن‌ ـ من‌ موقف‌..

ولابد وان‌ يكون‌ الموقف‌ واضحاً وحدّياً ومعلناً...

فاءن‌ّ المعركة‌ مع‌ ائمة‌ الكفر جدّ لا هزل‌ فيها اومراء..

وانها لقائمة‌ لا انتظار لها او استدعاء...

وانّها لضارية‌ لا تردد فيها او استرخاء...

وانّها شرسة‌ لا هدوء فيها او اطفاء...

فلا يكفي‌ ان‌ يضمر الاءنسان‌ الحب‌ لله ولرسوله‌ ولاوليائه‌ من‌ دون‌ ان‌يكون‌ له‌ موقف‌، ومن‌ دون‌ ان‌ يعرف‌ الناس‌ عنه‌ ذلك‌...

ولا يكفي‌ ان‌ يكون‌ قلب‌ الاءنسان‌ مع‌ الله ورسوله‌ واوليائه‌ ويكون‌سيفه‌ وحرابه‌ عليهم‌.

ولا يكفي‌ ان‌ يعطي‌ المرء لله ورسوله‌ واوليائه‌ بعضاً من‌ نفسه‌ وماله‌،ليعطي‌ البعض‌ الا´خر منها للطاغوت‌.

ولا يكفي‌ ان‌ يعطي‌ نفسه‌ كلّها لله تعالي‌، ولكنّه‌ يجامل‌ الطاغوت‌ اويحتفظ‌ لنفسه‌ ببعض‌ جسور العودة‌.

ذلك‌، لان‌ّ الولاء كل‌ّ لا يتجزأ؛ فامّا ان‌ يكون‌ كلّه‌ لله تعالي‌، وامّا ان‌ لايكون‌ لله منه‌ شي‌ء، فاءن‌ّ الله غني‌ّ عن‌ العالمين‌.

فالولاء - اءذن‌ - يتطلّب‌ الموقف‌ المحدّد الثابت‌، والاءشهار بالموقف‌في‌ مسألة‌ «الانتماء» و «الانفصال‌».. في‌ الحب‌ والبغض‌، في‌ المودة‌والمعاداة‌، في‌ التولّي‌ والتبري‌، في‌ السلام‌ والحرب‌.

7 - اءن‌ّ «الولاء» و «البراءة‌» وجهان‌ لحقيقة‌ واحدة‌ في‌ هذه‌ المعركة‌التاريخية‌ وما تتطلبه‌ من‌ مواقف‌.

فلا ينفع‌ «ولاء» من‌ دون‌ «براءة‌»، ولا يؤدّي‌ الولاء دوره‌ الفاعل‌والمؤثّر في‌ حياة‌ الاُمّة‌ ما لم‌ يقترن‌ بالبراءة‌ من‌ اعداء الله ورسوله‌ واوليائه‌.

فالموقف‌ هذا لا يتكوّن‌ من‌ «الولاء» وحده‌، واءنّما له‌ وجهان‌: وجه‌موجب‌ ووجه‌ سالب‌، سلم‌ وحرب‌، رحمة‌ وقسوة‌، انتماء وانفصال‌،حب‌ّوبغض‌.

وما لم‌ يجتمع‌ هذان‌ الوجهان‌ في‌ موقف‌ الاءنسان‌، فاءن‌ّ الموقف‌ لن‌يكون‌ موقفاً حقيقياً، واءنّما يكون‌ شعبة‌ من‌ شعب‌ النفاق‌ وطوراً من‌ اطوارالمجاملة‌ السياسية‌ واللعب‌ علي‌ الحبال‌.

قال‌ تعالي‌: (.. اشدّاء علي‌ الكفار رحماء بينهم‌)

8 - وكما ان‌ّ محور الولاية‌ هو مركز واحد وخط‌ّ واحد وامتداد واحدعلي‌ طول‌ التاريخ‌، فاءن‌ محور الطاغوت‌ - ايضاً - هو خط‌ واحد وحضارة‌واحدة‌ وامتداد واحد. ونحن‌ لا نفرّق‌ في‌ الولاء بين‌ انبياء الله واوليائه‌القريب‌ منهم‌ من‌ عصرنا والبعيد منهم‌ عن‌ عصرنا، فكلّهم‌ يحملون‌ رسالة‌الله ويبلّغون‌ دين‌ الله، وآتاهم‌ الله من‌ لدنه‌ النبوّة‌ والاءمامة‌ والولاية‌ علي‌عباده‌، فنحن‌ نواليهم‌ جميعاً ونؤمن‌ بما انزل‌ الله معهم‌، ولا نفرّق‌ بين‌ احدمنهم‌.

قال‌ تعالي‌: (قولوا آمنا بالله وما اُنزل‌ اءلينا وما اُنزل‌ اءلي‌ اءبراهيم‌ واءسماعيل‌واءسحاق‌ ويعقوب‌ والاسباط‌ وما اُوتي‌ موسي‌ وعيسي‌ وما اُوتي‌ النبيون‌ من‌ ربّهم‌ لانفرّق‌ بين‌ احد منهم‌ ونحن‌ له‌ مسلمون‌)

وقال‌ سبحانه‌: (آمن‌ الرسول‌ بما انزل‌ اليه‌ من‌ ربّه‌ والمؤمنون‌ كل‌ّ آمن‌ باللهوملائكته‌ وكتبه‌ ورسله‌ لا نفرّق‌ بين‌ احد من‌ رسله‌ وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك‌ ربّناواءليك‌ المصير).

وكما نوالي‌ اولياء الله جميعاً، يجب‌ّ ان‌ نتبرّأ من‌ أعدائهم‌ جميعاً.

وكما ان‌ الولاء امر واحد، فاءن‌ البراءة‌ امر واحد ايضاً.

فيجب‌ّ ان‌ نتبرّأ من‌ فرعون‌ ونمرود كما نتبرّأ من‌ أبي‌ جهل‌ ويزيد،وكما نبرأ من‌ طغاة‌ عصرنا وجلاوزته‌.

وذلك‌، لان‌ّ نفس‌ السبب‌ الذي‌ يدعونا للبراءة‌ من‌ طغاة‌ عصرناويدفعنا للعنهم‌، يدعونا ايضاً للبراءة‌ من‌ فرعون‌ ونمرود وأبي‌ جهل‌ويزيد والحجّاج‌ وقابيل‌، ويدفعنا للعنهم‌.

فلمّا كانت‌ المعركة‌ بين‌ محوري‌ «الحق‌ّ» و «الباطل‌».. «الهدي‌» و«الضلال‌».. «الولاية‌» و «الطاغوت‌»، ليست‌ معركة‌ شخصية‌ واءنّما هي‌معركة‌ حضارية‌، وان‌ّ لكل‌ّ من‌ الجبهتين‌ امتدادها التاريخي‌ وجذورهاالحضارية‌ في‌ اعماق‌ الهدي‌ او الضلال‌، وان‌ّ المعركة‌ في‌ جوهرها هي‌معركة‌ واحدة‌ في‌ كل‌ّ مراحلها التاريخية‌، فاءن‌ّ الولاء يكون‌ ولاءً واحداً،وتكون‌ البراءة‌ براءة‌ واحدة‌، في‌ كل‌ّ مراحل‌ المعركة‌ وازمنة‌ الصراع‌.

واقعة‌ الطف‌ محك‌ّ لمعدني‌ «الولاء» و «البراءة‌»:

تعتبر وقعة‌ كربلاء - منذ القدم‌ - مسرحاً من‌ اهم‌ّ مسارح‌ الولاءوالبراءة‌؛ لانّها وقعة‌ متميزة‌ من‌ بين‌ الكثير من‌ احداث‌ التاريخ‌ الكبري‌،ومشاهد الصراع‌ بين‌ الحق‌ّ والباطل‌.

ولذلك‌، فاءن‌ّ ولاء المؤمنين‌ وبراءتهم‌ يتجلّي‌ علي‌ صعيد قضية‌ كربلاءاكثر من‌ كثير من‌ القضايا التي‌ تستثير الولاء والبراءة‌.

ويتجسّد «الولاء» و «البراءة‌» في‌ هذه‌ الوقعة‌ ضمن‌ مظاهر كثيرة‌:من‌ اءقامة‌ مجالس‌ العزاء، والبكاء، والزيارات‌، والسلام‌ علي‌ الحسين‌(ع)واهل‌ بيته‌ واصحابه‌، واللعن‌ علي‌ اعدائهم‌، ومسيرات‌ العزاء، والوفود اءلي‌كربلاء لزيارة‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع)، والادب‌ والخطابة‌، وغير ذلك‌ من‌المشاهد الكثيرة‌ التي‌ تعبّر عن‌ ولاء المؤمنين‌ للحسين‌(ع) واهل‌ بيته‌واصحابه‌ وبراءتهم‌ من‌ اعدائهم‌.

اءن‌ّ وقعة‌ الطف‌ من‌ المواقع‌ العقائدية‌ والحضارية‌ الكبري‌ المؤثّرة‌في‌ التاريخ‌، والتي‌ تفرض‌ نفسها علي‌ الاءنسان‌، فلا يملك‌ ان‌ يمرّ عليهامروراً عابراً، او يقف‌ عندها وقوف‌ المتفرّج‌ او يقرأ سطورها بلا مبالاة‌وعدم‌ اكتراث‌.

فبالرغم‌ من‌ مرور اكثر من‌ الف‌ وثلثمائة‌ سنة‌ علي‌ هذه‌ الواقعة‌المفجعة‌، فاءنّها لا تزال‌ تملك‌ تأثيراً فوق‌ العادة‌ علي‌ النفوس‌ والقلوب‌والعقول‌، وتفرض‌ نفسها علي‌ كل‌ّ مَن‌ آتاه‌ الله بصيرة‌ ووعياً في‌ دينه‌.

ولا تزال‌ الاجيال‌ تتلقّف‌ قضية‌ كربلاء بحرارة‌ وحماس‌، وتتفاعل‌معها في‌ الاءيجاب‌ والسلب‌، في‌ الولاء والبراءة‌، فما هو السرّ الكامن‌ في‌هذه‌ الحقيقة‌ ؟

وما الذي‌ جعل‌ منها مرآة‌ للولاء والبراءة‌، عبر هذا التاريخ‌ الطويل‌؟

اءن‌ّ وقعة‌ الطف‌ تتميّز بالوضوح‌ الكامل‌ الذي‌ لا يبقي‌ شكّاً لاحد في‌طرفي‌ هذه‌ المعركة‌.

فلم‌ يكن‌ هناك‌ التباس‌ في‌ امر المعركة‌ التي‌ حدثت‌ علي‌ ارض‌ الطف‌،ولم‌ يكن‌ هناك‌ احد من‌ المسلمين‌ يشك‌ّ في‌ ان‌ الحسين‌(ع) كان‌ يدعو اءلي‌الله ورسوله‌، واءلي‌ الاستقامة‌ وسلوك‌ صراط‌ الله القويم‌، ولم‌ يكن‌ هناك‌ من‌احد يشك‌ّ في‌ ان‌ يزيد بن‌ معاوية‌ قد تجاوز حدود الله تعالي‌، واعلن‌الحرب‌ علي‌ الله ورسوله‌ وجاهر في‌ الفسق‌ والفجور، وهو يجلس‌ مجلس‌رسول‌ الله(ص).

فلم‌ يكن‌ بين‌ المسلمين‌ يومئذ من‌ يتردّد لحظة‌ واحدة‌ - وهو يقف‌علي‌ ساحة‌ الصراع‌ بين‌ ابي‌ عبدالله الحسين‌(ع) ويزيد بن‌ معاوية‌ - في‌الحكم‌ بان‌ّ الحسين‌(ع) علي‌ هدي‌ وان‌ّ يزيد علي‌ ضلال‌.

وعليه‌، فلم‌ يكن‌ في‌ امر هذه‌ المعركة‌ خفاء او لبس‌، فمن‌ وقف‌ مع‌الحسين‌(ع) وقف‌ عن‌ بينة‌، ومن‌ وقف‌ مع‌ يزيد وقف‌ عن‌ بينة‌.

وقليل‌ من‌ مشاهد الصراع‌ بين‌ الحق‌ّ والباطل‌، تمتلك‌ كل‌ّ هذا الوضوح‌الذي‌ تمتلكه‌ وقعة‌ الطف‌.

فقد وقف‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) يوم‌ عاشوراء بين‌ الصفّين‌ وقال‌ مخاطباًجيش‌ بني‌ زياد: «ايّها الناس‌، انسبوني‌ من‌ انا ثم‌ ارجعوا اءلي‌ انفسكم‌ وعاتبوها،وانظروا هل‌ يحل‌ّ لكم‌ قتلي‌ وانتهاك‌ حرمتي‌؟.. الست‌ُ ابن‌ بنت‌ نبيكم‌؟ وابن‌ وصيّه‌وابن‌ عمّه‌ واوّل‌ المؤمنين‌ بالله والمصدّق‌ لرسوله‌ بما جاء من‌ عند ربّه‌؟ اوليس‌ حمزة‌سيّد الشهداء عم‌ّ ابي‌؟ اوليس‌ جعفر الطيار عمّي‌؟، او لم‌ يبلغكم‌ قول‌ رسول‌ الله(ص) لي‌ولاخي‌: هذان‌ سيّدا شباب‌ اهل‌ الجنة‌ فاءن‌ صدّقتموني‌ بما اقول‌ وهو الحق‌ّ، والله ماتعمدت‌ الكذب‌ منذ علمت‌ ان‌ّ الله يمقت‌ عليه‌ اهله‌ ويضرّ به‌ من‌ اختلقه‌، واءن‌ كذّبتموني‌فاءن‌ّ فيكم‌ مَن‌ اءن‌ سألتموه‌ اخبركم‌، سلوا جابر بن‌ عبدالله الانصاري‌، وابا سعيدالخدري‌، وسهل‌ بن‌ سعد الساعدي‌، وزيد بن‌ ارقم‌، وانس‌ بن‌ مالك‌، يخبرونكم‌ انّهم‌سمعوا هذه‌ المقالة‌ من‌ رسول‌ الله لاخي‌. اما في‌ هذا حاجز لكم‌ عن‌ سفك‌ دمي‌؟

فقال‌ الشمر: هو يعبد الله علي‌ حرف‌ اءن‌ كان‌ يدري‌ ما تقول‌.

فقال‌ له‌ حبيب‌ بن‌ مظاهر: والله اءنّي‌ اراك‌ تعبد الله علي‌ سبعين‌ حرفاً،وانا اشهد انّك‌ صادق‌ ما تدري‌ ما يقول‌، قد طبع‌ الله علي‌ قلبك‌.

وعندما حاول‌ الوليد - عامل‌ يزيد علي‌ المدينة‌ - ان‌ يجبر الاءمام‌الحسين‌(ع) علي‌ البيعة‌ ليزيد والرضوخ‌ له‌، قال‌ الاءمام‌(ع): «ايّها الامير، اءنّااهل‌ بيت‌ النبوّة‌ ومعدن‌ الرسالة‌ ومختلف‌ الملائكة‌، بنا فتح‌ الله وبنا يختم‌، ويزيد رجل‌شارب‌ الخمور وقاتل‌ النفس‌ المحرّمة‌ معلن‌ بالفسق‌، ومثلي‌ لا يبايع‌ مثله‌».

لقد كانت‌ الجبهتان‌ المتصارعتان‌ في‌ كربلاء متميّزتين‌ في‌ انتمائهمالمحور الولاية‌ الاءلهية‌ والطاغوت‌، ولم‌ يكن‌ الامر يخفي‌ علي‌ احد.

فقد امضي‌ اصحاب‌ الحسين‌(ع) ليلة‌ العاشر ولهم‌ دوي‌ كدوي‌ّ النحل‌بين‌ قائم‌ وقاعد وراكع‌ وساجد..

سمة‌ العبيد من‌ الخشوع‌ عليهم‌لله اءن‌ ضمّتهم‌ الاسحار

واءذا ترجلت‌ الضحي‌ شهدت‌ لهم‌بيض‌ القواضب‌ انّهم‌ احرار

تقول‌ فاطمة‌ بنت‌ الحسين‌(ع): «واما عمّتي‌ زينب‌ فاءنّها لم‌ تزل‌ قائمة‌ في‌تلك‌ الليلة‌ في‌ محرابها تستغيث‌ اءلي‌ ربّها، والله فما هدأت‌ لنا عين‌ ولا سكنت‌ لنارنّة‌»

فهكذا كان‌ الامر في‌ معسكر الحسين‌(ع).. شوقاً اءلي‌ لقاء الله، واءقبالاًعلي‌ الله، واءعراضاً عن‌ الدنيا وزخرفها، وانقطاعاً عن‌ الدنيا اءلي‌ الله تعالي‌،حتّي‌ ان‌ّ بعضهم‌ كان‌ يداعب‌ اصحابه‌ ويمازحهم‌ في‌ ليلة‌ العاشر، فقد هازل‌َبرير عبدالرحمن‌ الانصاري‌ عليهما الرحمة‌، فقال‌ له‌ عبدالرحمن‌: ما هذه‌ساعة‌ باطل‌، فقال‌ برير: لقد علم‌ قومي‌ ما احببت‌ الباطل‌ كهلاً ولا شاباً،ولكن‌ّ مستبشراً بما نحن‌ لاقون‌، والله ما بيننا وبين‌ الحور العين‌ اءلاّ ان‌ يميل‌علينا هؤلاء بأسيافهم‌، ولوددت‌ انّهم‌ مالوا علينا الساعة‌.

وامّا الطرف‌ الا´خر من‌ هذه‌ المعركة‌ (معسكر يزيد) فقد كان‌ همّه‌هو ما يصيبه‌ من‌ الذهب‌ والفضة‌ والامارة‌ والجائزة‌، في‌ قتال‌ ابن‌ بنت‌رسول‌ الله(ص).

فقد تولّي‌ عمر بن‌ سعد امر قتال‌ ابن‌ بنت‌ رسول‌ الله(ص) طمعاً في‌اءمارة‌ الري‌.

يقول‌ اليافعي‌: ووعد الامير المذكور (عمر بن‌ سعد) ان‌ يملّكه‌ مدينة‌الري‌ّ، فباع‌ الفاسق‌ الرشد بالغي‌.

وفيه‌ يقول‌:

أأترك‌ ملك‌ الري‌ّ والري‌ّ بغيتي‌او ارجع‌ مأثوماً بقتل‌ حسين‌

ثم‌ يقول‌:

وحزّ رأس‌ الحسين‌ بعض‌ الفجرة‌ الفاسقين‌ وحمله‌ اءلي‌ ابن‌ زياد،ودخل‌ به‌ عليه‌ وهو يقول‌:

املا ركابي‌ فضّة‌ وذهباًاءني‌ قتلت‌ السيّد المحجّبا

قتلت‌ خير الناس‌ اُماً وأباًوخيرهم‌ اءذ يذكرون‌ النسبا

فغضب‌ ابن‌ زياد من‌ قوله‌ وقال‌: اءذا علمت‌ انّه‌ كذلك‌ فلم‌ قتلته‌؟، واللهلا نلت‌ مني‌ خيراً ابداً ولالحقنّك‌ به‌.

ويتبجح‌ الاخنس‌ بن‌ مرثد الحضرمي‌ّ من‌ رضّهم‌ للاجساد الطاهرة‌بعد استشهادهم‌، وهو يعلم‌ انّه‌ يعصي‌ الله تعالي‌ في‌ طاعة‌ اميره‌، فيقول‌ -كما يروي‌ الخوارزمي‌:

نحن‌ رضضنا الظهر بعد الصدربكل‌ يعبوب‌ شديد الاسر

حتّي‌ عصينا الله رب‌ّ الامربصنعنا مع‌ الحسين‌ الطهر.

ففي‌ الوقت‌ الذي‌ كان‌ فيه‌ هم‌ّ الحسين‌(ع) واصحابه‌ في‌ كربلاء هومرضاة‌ الله تعالي‌، وشوقهم‌ اءلي‌ لقاء الله، فاءن‌ّ هم‌ّ جُند ابن‌ زياد كان‌ ما يدفع‌لهم‌ الامير من‌ جائزة‌ ذهب‌ او فضة‌ او اءمارة‌.

فلم‌ يكن‌ في‌ الامر - بالنسبة‌ لكلا المعسكرين‌ - اي‌ّ خفاء، واءن‌ّ جميع‌الذين‌ عاصروا المعركة‌ او شاهدوها، او وقفوا عليها من‌ قريب‌ او بعيد.كانوا يعرفون‌ الحق‌ّ والباطل‌ فيها، ويميزون‌ دعوة‌ الله عن‌ دعوة‌ الطاغوت‌،ولم‌ يتخلف‌ احد عن‌ نصرة‌ الحسين‌(ع) نتيجة‌ لالتباس‌ الامر عليه‌ وعدم‌قدرته‌ علي‌ تمييز الحق‌ّ عن‌ الباطل‌، واءنّما كان‌ التخلف‌ عنه‌(ع) بسبب‌ اءيثارالعافية‌ والراحة‌ علي‌ القتل‌ في‌ سبيل‌ الله سبحانه‌، ولم‌ يشهر احد فيهاالسيف‌ علي‌ ابن‌ بنت‌ رسول‌ الله عن‌ لبس‌ او جهل‌ او غموض‌، واءنّما شهره‌عن‌ وضوح‌ وعلم‌ ودراية‌ بانّه‌ يحارب‌ الله ورسوله‌ واولياءه‌ بقتال‌الحسين‌(ع).

وهذا الوضوح‌ في‌ ساحة‌ المعركة‌ هو الذي‌ يجعل‌ معركة‌ الطف‌ معركة‌متميّزة‌ من‌ بين‌ سائر المواقع‌ التاريخية‌؛ فهي‌ تعكس‌ صورة‌ صارخة‌ من‌صراع‌ الحق‌ّ والباطل‌، ومجابهة‌ محور الولاية‌ والطاغوت‌؛ ولذلك‌ فاءنّهاكانت‌ رمزاً خالداً للصراع‌ بين‌ الحق‌ّ والباطل‌، ومسرحاً للولاء والبراءة‌ في‌حياة‌ المؤمنين‌.

اءن‌ّ وقعة‌ الطف‌ لا تبقي‌ مجالاً لاحد في‌ التردّد والتأمّل‌، فهي‌ المواجهة‌الصارخة‌ بين‌ الحق‌ّ والباطل‌، بين‌ جنبة‌ الله وجنبة‌ الشيطان‌، بين‌ الهدي‌والضلال‌.

فلابدّ من‌ موقف‌ محدّد وواضح‌ في‌ هذه‌ القضية‌.

فاءن‌ّ لم‌ يكن‌ هذا الموقف‌ موقف‌ الولاء لجند الله والبراءة‌ من‌اعدائهم‌، فاءنّه‌ سيكون‌ - لا محالة‌ - موقف‌ الرضي‌ بفعل‌ يزيد وجنده‌، وهوالموقف‌ الذي‌ يستحق‌ّ صاحبه‌ اللعن‌ والطرد من‌ رحمة‌ الله.

«فلعن‌ الله اُمّة‌ قتلتك‌، ولعن‌ الله اُمة‌ ظلمتك‌ ولعن‌ الله اُمة‌ سمعت‌ بذلك‌فرضيت‌ به‌».

حيث‌ اءن‌ّ مجرّد فقدان‌ الموقف‌ في‌ قضية‌ الولاء يشكّل‌ موقف‌ الرضي‌بما لقيه‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) من‌ ظلم‌ وقتل‌.

فمَن‌ خذل‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) ولم‌ يقف‌ معه‌ يوم‌ استنصر المسلمين‌،فلابدّ وان‌ يكون‌ راضياً بفعل‌ يزيد، اءذ لو لم‌ يكن‌ راضياً به‌ لما أبطأ عن‌نصرة‌ الاءمام‌(ع).

فالخذلان‌ والسكوت‌ والتفرج‌ علي‌ ساحة‌ الصراع‌ من‌ دون‌ تكلّف‌معاناة‌ المشاركة‌ تعتبر في‌ مفهوم‌ الولاء موقفاً رافضاً وسلبياً، وهو موقف‌يستحق‌ّ صاحبه‌ اللعن‌ والطرد من‌ رحمة‌ الله الواسعة‌.

ولان‌ّ قضية‌ كربلاء قضية‌ متميّزة‌ من‌ بين‌ الكثير من‌ احداث‌ التاريخ‌الكبري‌، وتتطلب‌ وضوح‌ الموقف‌ والرأي‌ دائماً، نجد ان‌ هذه‌ القضية‌تستثير الولاء والبراءة‌ في‌ نفوس‌ المؤمنين‌ بصورة‌ مستمرة‌ ودائمة‌وقوية‌.

ولهذا، فاءن‌ّ البكاء، واءقامة‌ مجالس‌ العزاء وتنظيم‌ المسيرات‌، والوفوداءلي‌ كربلاء لزيارة‌ مرقد الاءمام‌ الطاهر، وغيرها من‌ المظاهر ليست‌ من‌آثار العاطفة‌، واءنّما هي‌ تجسيد لولاء المؤمنين‌ للحسين‌(ع) واهل‌ بيته‌واصحابه‌، وتجسيد لبراءتهم‌ من‌ اعدائهم‌، واءن‌ انشداد الناس‌ بقضية‌ الطف‌وتفاعلهم‌ معها، واءن‌ كان‌ للعاطفة‌ دور مؤثّر فيه‌، ولكنّه‌ هو ولاء لخط‌الحسين‌(ع) وبراءة‌ من‌ خط‌ يزيد، اكثر من‌ كونه‌ عاطفة‌ مجرّدة‌؛ وذلك‌ لاءن‌ّالعاطفة‌ وحدها لا تملك‌ كل‌ّ هذا التأثير القوي‌ في‌ حياة‌ الناس‌.

واءذا كانت‌ معركة‌ الطف‌ رمزاً للصراع‌ بين‌ الحق‌ّ والباطل‌، ومحوراًللولاية‌ والبراءة‌، فاءن‌ّ الانشداد والتفاعل‌ مع‌ هذه‌ القضية‌ يعني‌ التفاعل‌ مع‌محور الولاية‌ الاءلهية‌ علي‌ وجه‌ الارض‌، والاءعلان‌ عن‌ البراءة‌ عن‌ محورالطاغوت‌، والانفصال‌ عن‌ اعداء المحور الرباني‌.

وكما ان‌ّ التفاعل‌ مع‌ قضية‌ الطف‌ يكشف‌ عن‌ درجة‌ تفاعل‌ الاءنسان‌مع‌ المحور الرباني‌ (محور الولاية‌)، كذلك‌ يصح‌ ايضاً ان‌ نقول‌ بان‌ّ التفاعل‌مع‌ مأساة‌ الطف‌ يعمّق‌ صلة‌ الاءنسان‌ وارتباطه‌ بمحور الولاية‌ الاءلهية‌،ويعمّق‌ حالة‌ الانفصال‌ بينه‌ وبين‌ الطاغوت‌ (حالة‌ البراءة‌)، فاءن‌ّ الولاءللحسين‌(ع) هو ولاء لكل‌ّ اولياء الله تعالي‌ في‌ التاريخ‌، وان‌ّ البراءة‌ من‌اعداء الحسين‌(ع) هي‌ براءة‌ من‌ كل‌ّ اعداء الله واعداء اوليائه‌ في‌ التاريخ‌،وربّما كانت‌ طريقة‌ السلام‌ علي‌ الاءمام‌ الحسين‌(ع) في‌ زيارة‌ وارث‌، تشيراءشارة‌ واضحة‌ اءلي‌ هذه‌ الحقيقة‌، حيث‌ يُسلّم‌ الزائر علي‌ الاءمام‌(ع) بصفته‌وارثاً لا´دم‌ ولنوح‌ ولاءبراهيم‌ ولموسي‌ ولعيسي‌ ولرسول‌ الله صلي‌ الله عليه‌وآله‌ وعليهم‌ جميعاً ولعلي‌(ع)، فيقول‌:

«السلام‌ عليك‌ يا وارث‌ آدم‌ صفوة‌ الله، السلام‌ عليك‌ يا وارث‌ نوح‌ نبي‌الله،السلام‌ عليك‌ يا وارث‌ اءبراهيم‌ خليل‌ الله، السلام‌ عليك‌ يا وارث‌ موسي‌ كليم‌ الله،السلام‌ عليك‌ يا وارث‌ عيسي‌ روح‌ الله، السلام‌ عليك‌ يا وارث‌ محمد حبيب‌ الله، السلام‌عليك‌ يا وارث‌ امير المؤمنين‌ ولي‌ الله».

فاءن‌ّ هذه‌ الصفوة‌ من‌ اولياء الله وعباده‌ الصالحين‌ قد شكّلت‌ امتداداًواحداً لولاية‌ الله سبحانه‌ علي‌ وجه‌ الارض‌ وفي‌ حياة‌ الاءنسان‌، وسارت‌علي‌ خط‌ حضاري‌ واحد، ودعت‌ اءلي‌ الالتفاف‌ حول‌ محور رسالي‌ واحد،وحملت‌ هموم‌ قضية‌ عقائديّة‌ واحدة‌.

كما ان‌ّ أعداءهم‌ الذين‌ قاوموهم‌ واعلنوا عليهم‌ الحرب‌ والعدوان‌،ووقفوا امام‌ المسيرة‌ الاءلهية‌ الكبري‌ في‌ فترات‌ التاريخ‌ المختلفة‌، قدشكّلوا - ايضاً - امتداداً واحداً، وخطّاً حضارياً واحداً، وقضية‌ واحدة‌.

اءن‌ّ الاءحساس‌ بوحدة‌ الولاء ووحدة‌ البراءة‌ يعمّق‌ وحدة‌ المحور في‌حياة‌ الاُمة‌.

واءن‌ّ الشعور بوحدة‌ المحور للاُمة‌ المسلمة‌ يعمّق‌ الشعور بان‌ّ الاُمّة‌المسلمة‌ علي‌ امتداد التاريخ‌ - ومنذ آدم‌(ع) اءلي‌ اليوم‌ الحاضر - هي‌ اُسرة‌واحدة‌، تلتف‌ّ حول‌ محور واحد، وتحارب‌ في‌ جبهة‌ واحدة‌ ومن‌ اجل‌قضية‌ واحدة‌، وتشترك‌ في‌ الحب‌ّ والبغض‌ والسلم‌ والحرب‌، فقضيتهانفس‌ القضية‌، ومهمّتها علي‌ وجه‌ الارض‌ واحدة‌ وخطّها واحد وحضارتهاواحدة‌ واءيمانها واحد.

وعندما يتعمّق‌ الاءحساس‌ بوحدة‌ الولاء ووحدة‌ البراءة‌، ووحدة‌الحب‌ّ ووحدة‌ البغض‌، وحدة‌ الطاعة‌ ووحدة‌ العداء، ووحدة‌ الاءيمان‌ووحدة‌ الرفض‌، فاءنّه‌ سوف‌ يتعمّق‌ الاءحساس‌ بوحدة‌ الاُسرة‌ المؤمنة‌ في‌التاريخ‌ وعلي‌ وجه‌ الارض‌، فيشعر الاءنسان‌ المؤمن‌ بان‌ّ الولاء لله ولرسوله‌ولاوليائه‌ قد طوي‌ به‌ الزمان‌ والمكان‌ ليجعل‌ من‌ هذه‌ الاُمّة‌ المسلمة‌ كلّهاكتلة‌ واحدة‌ تتّحد في‌ مشاعرها واحاسيسها واءيمانها وحربها وسلمهاورسالتها، ويشعر بالتحام‌ قوي‌ يربطه‌ مع‌ اعضاء هذه‌ الاُسرة‌ العظيمة‌ رغم‌الفترات‌ الزمنية‌ المتباينة‌ والمسافات‌ المكانية‌ المتباعدة‌؛ وبذلك‌ فاءن‌ّالشعور بوحدة‌ المصير سوف‌ يقوّي‌ في‌ نفسه‌ ويتعمّق‌، فيمنحه‌ اءحساساًبالقوة‌ والاعتزاز بالله.

فهو ليس‌ وحده‌ في‌ هذه‌ المعركة‌ الضارية‌، واءنّما هو اُمة‌ مؤمنة‌عريقة‌ في‌ التاريخ‌ وممتدّة‌ علي‌ كل‌ّ وجه‌ الارض‌، وتستعين‌ بالله الواحدالقهّار في‌ اءرساء قواعد هذه‌ الدعوة‌، وتعبيد الناس‌ لله تعالي‌، وتحكيم‌ هذاالدين‌ في‌ حياة‌ الناس‌ واءزالة‌ كافّة‌ العقبات‌ والعراقيل‌ من‌ امام‌ طريق‌الدعوة‌هذه‌.

اءن‌ّ هذا الاءحساس‌ بمعيّة‌ الله ومعيّة‌ المؤمنين‌ سيزيل‌ الشعور بالوحشة‌والانفراد عن‌ نفوس‌ الدعاة‌ اءلي‌ الله في‌ خضّم‌ الصراع‌ مع‌ الطاغوت‌ومواجهة‌ شوكته‌ وجبروته‌ وكبريائه‌.

لقد كان‌ اءبراهيم‌(ع) وحدة‌ اُمّة‌، قانتاً لله في‌ مواجهة‌ نمرود.

(اءن‌ّ اءبراهيم‌ كان‌ اُمّة‌ً قانتاً لله حنيفاً ولم‌ يك‌ من‌ المشركين‌).

المجمع‌ العالمي‌ لاهل‌ البيت‌: قم‌ المقدسة‌

/ 1