المعركة بين الاستكبار و الاستضعاف فى القرآن الكريم - معرکة بین الاستکبار و الاستضعاف فی القرآن الکریم (القسم الثانی) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

معرکة بین الاستکبار و الاستضعاف فی القرآن الکریم (القسم الثانی) - نسخه متنی

رضیه طهمازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

المعركة بين الاستكبار و الاستضعاف فى القرآن الكريم

رضيه طهمازى - مدرس

القسم الثاني

ثاني معركة تاريخية - بداية المعارك التاريخية في العالم السفلي

و ينتقل الصراع من العالم العلوي الى العالم السفلي، ...

حيث‏يخبرنا القران الكريم عن اول حصيلة لاحتدام جبهة الحق مع الباطل، و ذلك من خلال قصة ابني آدم‏«عليه السلام‏»، اول خليفة الله في الارض، و الذي يعرفها كل قارى‏ء للقرآن الكريم. واتل عليهم بنا ابني ادم بالحق اذقربا قربانا فتقبل من احدهما و لم يتقبل من الاخر، قال لاقتلنك، قال انما يتقبل الله من المتقين. لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك اني اخاف الله رب العالمين. اني اريد ان تبوء باثمي و اثمك فتكون من اصاحب النار و ذلك جزاؤ الظالمين. فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من الخاسرين (1) فالمعنى واضح، و لايحتاج الى تبيين، و لكن حصيلة تلك المعركه كانت ان وجدت سنة الله في الارض، في عباده، فوجدت هذه المعادلة:

من اجل ذلك كتبنا على بنى‏اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس اوفساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا و من احياها فكانما احيا الناس جميعا و لقد جاءتهم رسلنا بالبينت ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك‏في الارض لمسرفون (2) سنة الله في الذين خلوا من قبل و لن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا.

و قد جرت تلك السنة - سنة العباد في الارض - و سنة الله فيها، و لاتزال تجري مادام الشيطان موجود و الانسان موجود ايضا، فتوالت تلك الحالات و تكررت على مر العصور و الازمان، و في كل عصر و مصر، ... فمن استكبار قوم نوح‏«عليه السلام‏» على نبيهم، و من استكبار الفراعنه و منهم نمرود على النبي خليل الله ابراهيم‏«عليه السلام‏»، و فرعون الفراعنة على النبي موسى‏«عليه السلام‏»، و جميع الانبياء و الاولياء الصالحين و الصديقين من عباده، و لحديومنا هذا، و سيبقى الى ان يمن الله على عباده المستضعفين، كلهم تعرضوا لمواجهة الاستكبار و المستكبرين و الطغاة من عباده المستكبرين الذين يمثلون جبهة الباطل و الضلال... و كلهم (المستكبرين) اخذهم الله، بعد انذارهم، اخذ عزيز مقتدر ...فاستكبروا في الارض و ماكانوا سبقين. فكلا اخذنا بذنبه فمنهم من ارسلنا عليه حاصبا و منهم من اخذته الصيحة و منهم من خسفنا به الارض و منهم من اغرقنا و ما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون (3) ،حيث ان الكبر و العلو و الجبروت و الكبرياء و جميع صفات القوة و الاقتدار و الملك و ... هي لله وحده:

هو الله لا اله الا هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (4)

معركة الخلافة و الشهاده، و انتصار الشهاده دائما

انه حصيلة اباء و استكبار ابليس، و اخذ العهد من ربه على نفسه لاغواء بني ادم، الا عباد الله المخلصين، الذين استثناهم ربهم، ان ظهرت جبهتان في بنى‏ادم، جبهة اتبعت الشيطان و اولياءه - حزب الشيطان - وجبهة جعل الله لهم قيادة رشيدة تمثلت في الانبياء و المرسلين و الاولياء الصالحين - الائمة الاطهار عليهم السلام - (حزب الله)،...

وجود خط الشهادة من نعم الله على عباده لتكاملهم:

و من هنا علم الله تعالى ادم الاسماء كلها، و اثبت للملائكه من خلال المقارنه بينه و بينهم، ان هذا الكائن الحر الذي اجتباه الله للخلافه، قابل للتعليم و التنمية الربانيه، و ان الله تعالى قد وضع له قانون تكامله من خلال خط اخر يجب ان يسير الى جانب خط الخلافه، و هو خط الشهادة الذي يمثل القياده الربانيه و التوجيه الرباني على الارض... .

ان الملائكه لاحظوا خط الخلافة بصورة منفصلة عن الخط المكمل له بالضرورة ، فثارت مخاوفهم، و اما الخطه الربانية فكانت قد وضعت‏خطين جنبا الى جنب: احدهما خط الخلافه و الاخر خط الشهاده الذي يجسده شهيد رباني يحمل الى الناس هدى الله و يعمل من اجل تحصينهم من الانحراف، و هو الخط الذي اشار اليه القرآن الكريم في قوله تعالى:

قلنا اهبطوا منها جميعا فاما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلاخوف عليهم و لا هم يحزنون ) (5) (6)

هدى الله: خط الشهادة - النبوة - لحفظ فطرة خليفته من الانحراف، و لمو

اجهة و دحر الاستكبار:

كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و انزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه... (7) و قد جاء في التفسير عن الامام الباقر«عليه السلام‏»: ان الناس كانوا امة واحدة على فطرة الله فبعث الله النبيين.

اقول: كان الناس، النوع البشري، امة واحدة فطريا، و كما اخذ الله شهادتهم - في عالم الذر -، قال : الست‏بربكم؟ قالوا: بلى، شهدنا... و لكن بعد اباء ابليس و استكباره، و اخذه العهد على نفسه لاغواء بني ءادم، كان من لطف الله و ذاته الالهيه ان يجعل لخليفته شهيدا ربانيا يحفظه من الاغواء و الانحراف عن الصراط المستقيم، و بذلك كانت ضرورة النبوة.

يعرف في ضوء النصوص، ان الجماعة البشريه بدات خلافتها على الارض بوصفها امة، و انشات المجتمع الموحد، مجتمع التوحيد، بركائزه المتقدمه، و كان الاساس الاولي لتلك الوحدة و لهذه الركائز الفطرة، لان الركائز التي يقوم عليها مجتمع التوحيد و تمثل اساس الخلافه على‏الارض كلها ذات جذور في فطرة الانسان.

فاقم وجهك للدين حنيفا فطرة‏الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لايعلمون. منيبين اليه و اتقوه و اقيموا الصلاة و لاتكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون (8) فالايمان بالله الواحد، و رفض كل الوان الشرك و الطاغوت، و وحدة الهدف و المصلحة و المسير معالم الفطرة الانسانية، و اي شرك و جبروت، و اي تناقض و تفرق، فهو انحراف عن الفطرة.

و هكذا شكلت الفطرة في البدايه اساسا لاقامة مجتمع التوحيد، و كان الانسان - ممثلا في الجماعة الانسانية كلها - يمارس خلافة الله على الارض و فقا لذلك، و كان خط الشهادة قائما الى جانب خط الخلافه ممثلا في الانبياء، و كان دور الانبياء في تلك المرحله، ممارسة مهمة الشهيد الربانى، مهمة الهادي و الموجه و الرقيب، كما يفهم من النص القرآني الثاني، اذ اعتبر بعثة الانبياء الذين يحكمون بين الناس في فتره تالية للمرحله التي كان الناس فيها امة واحدة، ففي هذه المرحله اذن كانت الخلافه و الحكم للجماعه البشريه نفسها و كان خط الشهادة للاشراف و التوجه و التدخل اذا تطلب الامر.

ظهور طبقات المجتمع

و بعد ان مرت على البشرية فترة من الزمن و هي تمارس خلافتها من خلال مجتمع موحد، تحققت نبوءة الملائكه و بدا الاستقلال و التناقض في المصالح و التنافس على السيطرة و التملك، و ظهر الفساد و سفك الدماء، و ذلك لان التجربة الاجتماعيه نفسها و ممارسة العمل على الارض نمت‏خبرات الافراد و وسعت امكاناتهم، فبرزت الوان التفاوت بين مواهبهم و قابلياتهم و نجم عن هذا التفاوت اختلاف مواقعهم على الساحة الاجتماعية، و اتاح ذلك فرص الاستغلال لمن حظي بالموقع الاقوى، و انقسم المجتمع بسبب ذلك الى اقوياء و ضعفاء و متوسطين، و بالتالي الى: مستغلين و مستضعفين، و فقدت الجماعة البشرية بذلك وحدتها الفطرية، و صدق قول الله تعالى في آية تحمل الانسان للامانة التي اشفقت السماوات و الارض من حملها، اذ قال جل وعلا:

... و حملها الانسان، انه كان ظلوما جهولا (9) و على هذا الاساس، لم يعد في المنطق الرباني للاقوياء المستغلين موقع في الخلافة العامة للجماعة البشريه، لان هذه الخلافة امانة - كما تقدم - و من خان الامانة لم يعد امينا، و اما المستضعفون فمن يواكب منهم الظلم و يسير في اتجاهه و يخضع للاستغلال يعتبر في المفهوم القرآني ظالما لنفسه، و بالتالي خائنا لامانته، فلايكون جديرا بالخلافة،...

المستضعف الحقيقي

و يظل في موقعه من الخلافة اولئك المستضعفون الذين لم يظلموا انفسهم و لم يستسلموا للظلم، فهؤلاء هم الورثة الشرعيون للجماعة البشرية في خلافتها كما قال الله سبحانه و تعالى:

و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين (10)

مجتمع اليوم، كيف يبرر الانحراف؟!

و لكن المجتمع قد غرق في هذه اللحظه في الوان الاستغلال، و سيطرت عليه علاقات اجتماعيه تجسد هذه الالوان، و مشاعر نفسيه تبرر الانحراف عن الفطرة ، و اساطير فكرية و وثنية تمزق المجتمع شيعا و احزابا، و لم يبق مستضعف غير ظالم لنفسه الا عدد قليل، مغلوب على امره (11)

الكبر و الكبرياء لله المتعال وحده، و اللعنة على من نازعه و ينازعه في

ه.

ان خير من وصف صفات الله تعالى، بعده سبحانه في القرآن الكريم، و على لسان رسوله الكريم،... هو امام المتقين مولى الموحدين و وصي رسول رب العالمين،... الامام علي‏بن‏ابى‏طالب‏«عليه السلام‏»، حيث جاء في خطبته ال 190 :

الحمد لله الذي لبس العز و الكبرياء و اختارهما لنفسه دون خلقه، و جعلهما حمى و حرما على غيره، و اصطفاهما لجلاله، و جعل اللعنة على من نازعه فيهما من عباده. ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المستكبرين، فقال سبحانه، و هو العالم بمضمرات القلوب، و محجوبات الغيوب: (اني خالق بشرا من طين فاذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم اجمعون الا ابليس) اعترضته الحمية فافتخر على ادم بخلقه، و تعصب عليه لاصله. فعدو الله امام المتعصبين، و سلف المستكبرين الذي وضع اساس العصبية، و نازع الله رداء الجبرية، و ادرع لباس التعزز، و خلع قناع التذلل، الا ترون كيف صغره الله بتكبره، و وضعه بترفعه، فجعله في الدنيا مدحورا، و اعد له في الاخرة سعيرا،..؟ (12) ... فاعتبروا بما اصاب الامم المستكبرين من قبلكم من باس الله وصولاته، و وقائعه و مثلاته... و استعيذوا بالله من لواقح الكبر كما تستعيذونه من طوارق الدهر) (13)

الاستكبار مذموم دائما، و لكن التكبر مذموم في غيرالله تعالى فقط

قوله تعالى: و لله يسجد ما في السموات و ما في الارض من دابة و الملائكه و هم لا يستكبرون (14)

1- الفرق بين الاستكبار و التكبر:

(الاستكبار و التكبر من الانسان ان يعد نفسه كبيرا و يضعه موضع الكبر، و ليس به، و لذلك يعد في الرذائل ... لكن التكبر ربما يطلق على ما لله سبحانه من الكبرياء بالحق، و هو الكبير المتعال، فهو تعالى كبير متكبر و ليس يقال: مستكبر، و لعل ذلك كذلك اعتبارا باللفظ،...

فان الاستكبار بحسب اصل هيئته طلب الكبر، و لازمه ان لايكون ذلك حاصلا للطالب من نفسه، و انما يطلب الكبر و العلو على غيره دعوى فكان مذموما،..

و اما التكبر فهو الظهور بالكبرياء، سواء كانت له في نفسه كما لله سبحانه و هو التكبر الحق، او لم يكن‏له الا دعوى و غرورا كما في غيره.

2- الغفلة و الذهول سبب استكبار العبد

و اما استكبار المخلوق على الخالق فلايتم الا مع دعوى المخلوق الاستقلال و الغنى لنفسه، و ذهوله عن مقام ربه، فان النسبة بين العبد و ربه نسبة الذلة و العزة، و الفقر و الغنى، فمالم يغفل العبد عن هذه النسبة و لم يذهل عن مشاهدة مقام ربه، لم‏يعقل استكباره على ربه، فان الصغير الوضيع القائم امام الكبير المتعالي و هو يشاهد صغار نفسه و ذلته و كبرياء من هو امامه و عزته لايتيسر له ان يرى لنفسه كبرياء و عز الا ان ياخذه غفلة و ذهول.

3- الكبرياء و العلو كله لله

و اذا كان الكبرياء و العلو لله جميعا، فدعواه الكبرياء و العلو تغلب منه على ربه و غصب منه لمقامه و استكبار و استعلاء عليه دعوى، و هذا هو الاستكبار بحسب الذات و يتبعه الاستكبار بحسب الفعل، و هو ان لاياتمر بامره و لاينتهي عن نهيه، فانه مالم ير لنفسه ارادة مستقلة قبال الارادة الالهية مغايره لها، لم ير لنفسه ان يخالفه في امره و نهيه

و على هذا فقوله تعالى: وهم لايستكبرون في تعريف الملائكه، و الكلام في سياق العبودية، دليل على انهم لايستكبرون على ربهم، فلايغفلون عنه تعالى و لا يذهلون عن‏الشعور بمقامه و مشاهدته:

و قد اطلق نفي الاستكبار من غير ان يقيده بما بحسب الذات او بحسب الفعل، فافاد انهم لايستكبرون عليه في ذات و لافعل، اي لا يغفلون عنه سبحانه و لايستنكفون عن عبادته و لا يخالفون عن امره، و لبيان هذا الاطلاق و الشمول عقبه بيانا بقوله: يخافون ربهم من فوقهم و يفعلون ما يؤمرون و اشار بذلك الى نفي الاستكبار عنهم ذاتا و فعلا) (15)

مآل و عاقبة امر المستكبرين في‏الدنيا:

قال الله تعالى: اخرج فما يكون لك - يعني ما ينبغي لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين - و الصغار هو الذل (16) (ان الله يعلم ما يسرون و ما يعلنون، و هو كناية و تهديد بالجزاء السي‏ء، اي انه يعلم ما يخفون من اعمالم و ما يظهرونه، فسيجزيهم بما عملوا و يؤاخذهم على ما انكروا و استكبروا، انه لايحب المستكبرين) (17) اولم يسيروا هؤلاء - المستكبرين الذين ارسلناك اليهم في‏الارض فينظروا نظر تفكر و اعتبار كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم من الامم الدارجه المكذبين لرسلهم كانوا اشد منهم قوة اي قدرة و تمكنا و سلطه و آثارا كالمدائن الحصينه و القلاع المنيعه و القصور العاليه المشيدة في الارض فاخذهم الله بذنوبهم و اهلكهم باعمالهم و ما كان لهم من الله من واق يقيهم و حافظ يحفظهم) (18) ... فلما جاءهم نذير مازادهم الا نفورا و استكبارا في الارض و مكرالسي‏ء و لايحيق المكرالسي‏ء الا باهله، فهل ينظرون الا سنت الاولين فلن تجد لسنت الله تبديلا و لن تجد لسنت الله تحويل (19)

الكبر بدء الذبوب، و لا يدخل الجنه من كان في قلبه مثقال حبة من خردل ك

بر:

(قال قتادة، فى قوله تعالى فسجدوا الا ابليس ابى و استكبر... : حسد عدو الله ابليس آدم‏«عليه السلام‏» على ما اعطاه من‏الكرامة، و قال : انا ناري و هذا طيني، و كان بدء الذنوب الكبر، استكبر عدو الله ان يسجد لادم عليه السلام، قلت: و قد ثبت في الصحيح: لايدخل الجنه من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر و قد كان في قلب ابليس من الكبر - و الكفر - و العناد ما اقتضى طرده و ابعاده عن جناب الرحمة و حضرة القدس. قال بعض المعربين: و كان من الكافرين، اي : و صار من الكافرين بسبب امتناعه، كما قال فكان من المغرقين ، و قال: فتكونا من الظالمين) (20)

مآل المستكبرين فى‏الاخرة:

ان الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء و لا يدخلون الجنه حتى يلج الجمل في سم الخياط ... (21) (تصور الوقوف مدهش امام هذا المشهد العجيب .. مشهد الجمل تجاه ثقب الابرة، فحين يفتح ذلك الثقب الصغير لمرور الجمل الكبير، فانتظر حينئذ - و حينئذ فقط - ان تفتح ابواب السماء لهؤلاء المكذبين، فتقبل دعاءهم اوتوبتهم - و قد فات الاوان - و ان يدخلوا الى جنات النعيم! .. اما الان، و الى ان يلج الجمل في سم الخياط، فهم هنا في النار، التي تداركوها جميعا و تلاحقوا، و تلاوموافيها و تلاعنوا، و طلب بعضهم لبعض سوء الجزاء، و نالوا جميعا ما طلبه الاولياء! و كذلك نجزي المجرمين

ثم تصور الآية هيئتهم في النار: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش، و كذلك نجزي الظلمين (22) ) (23) الاستضعاف و المستضعف (من خلال القرآن الكريم)

ان الذين توفهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض ، قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم و ساءت مصيرا (24) الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيلة و لايهتدون سبيلا (25) و نريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض و نجعلهم ائمة و نجعلهم الوارثين (26) واذكروا اذ انتم مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس فآواكم و ايدكم بنصره و رزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون (27) قبل ان ندخل في تفصيل الموضوع، من خلال تفسير الايات، يجب ان نعرف معنى الاستضعاف، و من هو المستضعف الذي يذكره القرآن الكريم في آياته الشريفه...، فمن خلال تفحصنا لهذه الايات الثلاث اعلاه ، و تدقيقنالها، نرى ان للمستضعف اوصاف و معان مختلفه...، حيث ان المستضعف الذي يكون مورد رضى الله سبحانه، هو المستضعف الحقيقي الذي يذكره الله سبحانه فى سورة القصص / 5، اما المستضعف الذى يكون ضعفه و استكانته سببا لتجرؤ المستكبر و تطاوله عليه، فيكون هو الذي اعان الظالم على ظلمه، (ان ظلم الظالم ليس باسوا عند الله من صبر المظلوم على الظلم، .. ان قتل المظلوم في سبيل حقه شهادة ، و الشهداء احياء عند ربهم يرزقون، .. و هل جرا الظالم على الظلم الا سكوت المظلوم عنه؟، و لو علم الظالم ان بين جوانح المظلوم نفسا حسينية لتحاماه) (28)

ما الهدف من: اعتبار المستضعف ظالم لنفسه، و تعذيبه؟

(ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم ... قالوا: كنا مستضعفين ... (29) ان القرآن يعالج نفوسا بشرية، و يهدف الى استجاشة عناصر الخير و المروءه، و العزة فيها، و الى مطاردة عوامل الضعف و الشح و الحرص و الثقلة... لذلك يرسم هذا المشهد ، ... ان يصور حقيقة، و لكنه يستخدم هذه الحقيقه في موضعها احسن استخدام في علاج النفس البشرية...

و مشهد الاحتضار بذاته مشهد ترتجف له النفس البشريه، و تتحفز لتصور ما فيه . و اظهار الملائكه في المشهد يزيد النفس ارتجافا و تحفزا و حساسية .

و هم - القاعدون - ظالمو انفسهم. اذيكفي ان يتصور المرء نفسه و الملائكة تتوفاه و هو ظالم لنفسه; و ليس امامه من فرصة اخرى لانصاف نفسه، فهذه هي اللحظه الاخيرة..

و لكن الملائكه لا يتوفونهم - ظالمي انفسهم - في صمت، بل يقلبون ما ضيهم، و يستنكرون امرهم! و يسالونهم: فيم اضاعوا ايامهم و لياليهم ؟ و ما ذا كان شغلهم و همهم في الدنيا؟ قالوا : فيم كنتم؟ ...

فان ما كانوا فيه ضياع في ضياع، كان لم يكن لهم شغل الا هذا الضياع!

و يجيب هؤلاء المحتضرون، في لحظه الاحتضار، على هذا الاستنكار جوابا كله مذلة، و يحسبونه معذرة على ما فيه من مذلة. قالوا: كنا مستضعفين في‏الارض) (30)

الاستضغاف

ان الذين يتمكنون من الهجره و الخروج من مجال الاستضعاف ، لا يمكنهم ان يجعلوا الاستضعاف عذرا لعدم تدينهم:

قوله تعالى: قالوا كنا مستضعفين في الارض... كان سؤال الملائكة (فيم كنتم) سؤالا عن الحال الذي كانوا يعيشون فيه من الدين، و لم يكن هؤلاء المسؤولون على حال يعتد به من جهة الدين ، فاجابوا بوضع السبب موضع المسبب، و هو انهم كانوا يعيشون في ارض لا يتمكنون فيها من التلبس بالدين لكون اهل الارض مشركين اقوياء، فاستضعفوهم، فحالوا بينهم وبين الاخذ بشرايع الدين و العمل بها.

...كذبتهم الملائكه في دعوى الاستضعاف بان الارض، ارض الله، كانت اوسع مما وقعوا فيه و لزموه، و كان يمكنهم ان يخرجوا من حومة الاستضعاف بالمهاجره، فهم لم يكونوا بمستضعفين حقيقه لوجود قدرتهم على الخروج من قيد الاستضعاف، و انما اختاروا هذا الحال بسوء اختيارهم.

فقوله تعالى: الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها اي تهاجروا من بعضها الى بعضها، و لولا فرض السعة لكان يقال: فتهاجروا منها.

ثم حكم الله في حقهم بعد ايراد المسالة بقوله فاولئك ماواهم جهنم و ساءت مصيرا .

ثم عذر الله اهل الصدق فقال: الا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الاستثناء منقطع، و في تفصيل بيانهم بالرجال و النساء و الولدان ايضاح للحكم الالهي و رفع للبس. لو خرجوا لهلكوا فاولئك عسى الله ان يعفو عنهم.) (31) (ان الجهل بمعارف الدين - اذا كان عن قصور و ضعف ليس فيه صنع للانسان - الجاهل، كان عذرا عند الله سبحانه; حيث ان الله سبحانه يعد الجهل بالدين و كل ممنوعية عن‏اقامة شعائر الدين ظلما لايناله العفو الالهي، ثم يستثني من ذلك المستضعفين، و يقبل منهم معذرتهم بالاستضعاف ثم يعرفهم بما يعمهم و غيرهم من الوصف، و هو عدم تمكنهم مما يدفعون به المحذور عن انفسهم، و هذا المعنى كما يتحقق فيمن احيط به في‏الارض لا سبيل فيها الى تلقي معارف الدين لعدم وجود عالم بها، خبير بتفاصيلها، او لاسبيل الى العمل بمقتضى تلك المعارف للتشديد فيه بما لا يطاق من العذاب مع عدم الاستطاعة من الخروج و الهجره الى دار الاسلام و الالتحاق بالمسلمين لضعف في الفكر او لمرض او نقص فى‏البدن او لفقر مالي و نحو ذلك، كذلك يتحقق فيمن لم ينتقل ذهنه الى حق ثابت في المعارف الدينيه، و لم يهتد فكره اليه مع كونه ممن لايعاند الحق و لا يستكبر عنه اصلا، بل لو ظهر عنده حق اتبعه، لكن خفي عنه الحق لشي‏ء من العوامل المختلفه الموجبه لذلك.

فهذا مستضعف لا يستطيع حيلة و لا يهتدي سبيلا، لا لانه اعيت‏به المذاهب لكونه احيط به من جهه اعداء الحق و الدين بالسيف و السوط، بل انما استضعفته عوامل اخرى سلطت عليه الغفله، و لا قدرة مع الغفلة، و لا سبيل مع هذا الجهل.

و اذا كان جهله غير مستند الى تقصيره فيه او في شي من مقدماته، بل الى عوامل خارجه عن اختياره اوجبت له الجهل او الغفلة او ترك العمل لم يستند الترك الى اختياره، و لم يعد فاعلا للمعصية متعمدا في المخالفه، مستكبرا عن الحق، جاحدا له، فله ما كسب و عليه ما اكتسب، و اذا لم يكسب فلا له و لا عليه.

اذن، فمن هو المستضعف من خلال هذه الاية؟

و من هنا يظهر ان المستضعف صفر الكف، لاشي‏ء له و لا عليه لعدم كسبه امرا، بل امره الى ربه، كما هو ظاهر قوله تعالى بعد آيه المستضعفين فاولئك عسى الله ان يعفو عنهم، و كان الله عفوا غفورا و قوله تعالى و آخرون مرجون لامر الله اما يعذبهم و اما يتوب عليهم و الله عليم حكيم ، و رحمته سبقت غضبه...) (32)

خير عباد الله المستضعفون

(- ا لا اخبركم عن ملوك اهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف . (د) كنز، خ 5943، 5945)

- ا لا اخبركم بشر عبادالله؟ الفظ المتكبر، الا اخبركم بخير عبادالله؟ الضعيف المستضعف... (د) كنز، خ‏5944

- (في صفة الانبياء) : كانوا قوما مستضعفين قد اختبرهم الله بالمخمصة، و ابتلاهم بالمجهدة، و امتحنهم بالمخاوف، و مخضهم بالمكاره، فلا تعتبروا الرضى و السخط بالمال و الولد جهلا بمواقع الفتنه، و الاختبار في موضع الغنى و الاقتدار، فقد قال سبحانه و تعالى: «ايحسبون انما نمدهم به من مال و بنين نسارع لهم في الخيرات، بل لا يشعرون » فان الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في انفسهم باوليائه المستضعفين في اعينهم.

(ع) النهج، الخطبه 192/ شر، ج‏13 ص 151

انما ترزقون و تنصرون بالضعفاء

- ابغوني في الضعفاء، فانما ترزقون و تنصرون بضعفائكم. (ر) كنز، خ 6019 / خ 6048

- انما ينصر الله هذه الامة بضعيفها، بدعوتهم و صلاتهم و اخلاصهم. (ر) منثو، ج 1 ص 237

على المستضعف ان لا يستكين و يستسلم للمستكبر الظالم

معركة المستضعفين مع المستكبرين:

...- الذين يقولون ربنا اخرجنامن هذه القرية الظالم اهلها... (33)

الا المستضعفين من الرجال و النساء و الوالدان ... (34)

- ان هؤلاء المستضعفين فقدوا النصير و المعين و تقطعت‏بهم اسباب الرجاء، فاستغاثوا بربهم، و دعوه ليفرج كربهم و يخرجهم من تلك القريه (مكه) لظلم اهلها لهم، و يسخرلهم بعنايته من يتولى امرهم و ينصرهم على من ظلمهم، فيتمكنوا بذلك من الهجره اليكم و يرتبطوا بكم باقوى الروابط ، و هي رابطة الايمان، فهي اقوى من رابطة الانساب و الاوطان، و ما كل احد من المسلمين قدر على الهجره، فقد كانوا يصدونهم عنها و يعذبون مريديها عذابا شديدا، و ما شرع القتال الا لعدم حرية الدين، و ظلم المشركين للمسلمين، فالقتال قبيح و لا يجيزه العقل السليم الا لازالة قبيح اشد منه ضررا، و الامور بمقاصدها و غاياتها كما قال تعالى: الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله، و الذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت ... ، فلو ترك المؤمنون القتال لغلب الطغيان و عم الفساد و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض (35) ...

من سنن الله: الحق يعلو و لايعلى عليه

(و قد جرت سنة الله ان الحق يعلو و الباطل يسفل، و ان الذي يبقى هو الاصلح و الامثل. فالذين يقاتلون في سبيل الله يطلبون ما تقتضيه سنة العمران، و الذين يقاتلون في سبيل الشيطان يطلبون الانتقام و الاستعلاء في الارض بغير الحق، و تسخير الناس لاغراضهم و شهواتهم، و سنن العمران تابى ذلك فلا يكون لذلك قوة و لا بقاء الا لنومة اهل الحق عن حقهم، فاذا هم افاقوا من غفوتهم تغلب الحق على الباطل و رده خاسئا محسورا) (36)

المستضعف الفكري:

... الا المستضعفون من الرجال و النساء ... (37) - في قوله تعالى (الا المستضعفين ...) هو الذي لا يستطيع الكفر فيكفر، و لا يهتدي سبيل الايمان فيؤمن، و من كان من الرجال و النساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم (38)

- ان المستضعفين ضروب يخالف بعضعم بعضا، و من لم يكن من اهل القبله ناصبا فهو مستضعف - (39)

ليسوا هولاء بمستضعفين

- من عرف الاختلاف فليس بمستضعف . (40)

- لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه و وعاها قلبه. (41)

- عن سليمان بن خالد، عن ابي جعفر«عليه السلام‏»، قال: سالته عن المستضعفين، فقال : البلهاء في خدرها، و الخادم تقول لها، صلي فتصلي لا تدري الا ما قلت لها، و الجليب الذي لا يدري الا ما قلت له، و الكبير الفانى، و الصبي الصغير، هولاء المستضعفون، فاما رجل شديد العنق جدل خصم يتولى الشراء و البيع، لا تستطيع ان تغبنه في شى، تقول: هذا مستضعف؟ لا ، و لا كرامة .... (42)

عاقبة المستضعف في الله، المستضعف الحقيقي

قوله تعالى و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمة و .... (43) (المن - من كلام الراغب - : هو الثقل، و من تسمية ما يوزن به منا، و المنة: النعمة الثقيله ، و من عليه منا: اي اثقله بالنعمة.

قال : و يقال ذلك على وجهين: احدهما بالفعل كقوله: «و نريد ان نمن على الذين استضعفوا» اي نعطيهم من النعمة ما يثقلهم. و الثاني بالقول كقوله تعالى : «يمنون عليك ان اسلموا ...» و هو مستقبح الا عند كفران النعمة.

و تمكينهم في الارض اعطاؤهم فيها مكانا يملكونه و يستقرون فيه.

المستضعفون في الارض هم الذين يضطهدهم الاقوياء، و يتسلطون على اقواتهم و مقدراتهم ظلما و عدونا ، و الله سبحانه يمن عليهم بالحريه و الخلاص من الاضطهاد اذا جاهدوا و ثابروا و استماتوا من اجل حياتهم و كرامتهم تماما كما يمن سبحانه على المريض بالشفاء اذا استعمل العلاج الصحيح، و على الفلاح بالثمر اذا عمل و اتقن.

ان لله سنة في خلقه، و هي ان تجري الامور على اسبابها، و الغايات على وسائلها، و لن تجد لسنة الله تبديلا ... فمن ركع للظالم خذله الله و او كله الى من ظلمه، حتى و لو صلى وصام و حج الى بيت الله الحرام، لانه خذل الحق، و نصر الباطل، و ماله في الاخرة من خلاق.

و من ثار على الظلم و اهله، استمات من اجل كرامته نصره‏الله سبحانه على‏الظالمين و الطغاة، و ان كان كافرا، لانه التقى مع ارادة الله و امره بهذا الجهاد و النضال...) (44) فان صمود الشعوب العزل امام العتات من قوى الشر و الفساد لدليل قاطع على ان الله مع المظلومين المجاهدين الصابرين كائنا من كانوا... حيث ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم (45)

احتجاج الضعفاء مع المستكبرين يوم القيامه:

قوله تعالى : و اذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار و قال الذين استكبروا انا كل فيها و ان الله قدحكم بين العباد (46) و حاق بآل فرعون سوء العذاب ، اذ يتحاجون في النار، فيقول الضعفاء منهم للذين استكبروا انا كنا لكم تبعا، و كان لازم ذلك ان تكفونا في الحوائج و تنصرونا في الشدائد، و لا شده اشد مما نحن فيه، فهل انتم مغنون عنا نصيبا من النار، و ان لم يكن جميع عذابها، فقد قنعنا بالبعض و هذا ظهور مما رسخ في نفوسهم في الدنيا من الالتجاء بكبريائهم و متبوعيهم من دون الله، يظهر من ذلك يوم القيامة، و هم يعلمون انهم في يوم لا تغني فيه نفس عن نفس شيئا و الامر يومئذ لله، و له نظائر محكية عنهم في كلامه تعالى من كذبهم يومئذ و خلفهم و انكارهم اعمالهم و تكذيب بعضهم لبعض و غير ذلك.

و قوله تعالى: قال الذين استكبروا انا كل فيها ان الله قد حكم بين العباد (47) . جواب من مستكبريهم عن قوله و محصله: ان اليوم يوم جزاء، لا يوم عمل، فالاسباب ساقطه عن التاثير، و قد طاحت منا ما كنا نتوهمه لانفسنا في الدنيا من القوة و القدرة فما لنا و حالكم - و نحن جميعا في النار - واحده؟) (48)

من هو المستضعف (من خلال الروايات)؟

(في الدر المنثور اخرج ابي شيبه و ابن المنذر و ابن حاتم عن علي بن ابي طالب(رض) في قوله تعالى: «و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض‏» قال : يوسف و ولده.

و في معاني الاخبار باسناده عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر قال : سمعت ابا عبدالله‏«عليه السلام‏» يقول : ان رسول‏الله‏«صلى الله عليه وآله‏» نظر الى علي و الحسن و الحسين‏«عليهم السلام‏» فبكى و قال: انتم المستضعفون بعدي، ان الله عزوجل يقول: و نريد ان نمن على الذين استضعفوا فهذه الآيه جاريه فينا الى يوم القيامة‏اقول: و الروايات من طرق الشيعه في كون الاية في ائمه اهل البيت‏«عليهم السلام‏» كثيره، و بهذه الروايه يظهر انها جميعا من قبيل الجري و الانطباق.

و في نهج البلاغه، عن الامام علي‏«عليه السلام‏»: لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها.... و تلا عقيب ذلك: و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمه و نجعلهم الوارثين .

و في النهج ، قال‏«عليه السلام‏»: و لا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه و وعاها قلبه.) (49)

اثر الاستكبار و التكبر على تصرفات المجتمع، و دور الانبياء في م

واجهته:

السنن الالهية ثابتة، و متكررة على مر الزمان سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا (50) ... فكما ذكرنا سابقا، ان جميع الانبياء و المرسلين و الاوصياء و الاولياء الصالحين و اجهوا الاستكبار بعد ان تعرض لهم، و لم ينته ذلك، فهو قائم مادام الخطان قائمين (الخلافه و الشهاده)، و تكون النتيجه النهائيه ، على اساس وعد الله، هى: و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض و نجعلهم ائمه و نجعلهم الوارثين ...

و قد تركت، و تترك هذه الحالة (الاستكبار و التكبر) على المجتمع آثارا سيئه، و عواقب اسوا، ... لناخذ خير ثلاث نماذج من هذه الحالات التي مرت على المجتمعات و الامم الماضيه، من القرآن الكريم:

1- تعرض نمرود و مواجهته لخليل الله النبي ابراهيم‏«عليه السلام‏» و نتيجه ذلك:

(و في كمال الدين: ابي و ابن الوليد معا عن ابن بريد عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم عن ابي بصير عن ابي عبدالله‏«عليه السلام‏» قال: كان ابو ابراهيم منجما لنمرود بن كنعان، و كان نمرود لايصدر الا عن رايه، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فاصبح فقال: لقد رايت في ليلتي هذه عجبا، فقال له نمرود: ما هو؟ فقال رايت مولودا في ارضنا هذه، يكون هلاكنا على يديه، و لا يلبث الا قليلا حتى يحمل به، فعجب من ذلك نمرود و قال: هل حمل به النساء؟ فقالا، لا، و كان فيما اوتي من العلم انه سيحرق بالنار، و لم يكن اوتي ان الله سينجيه ...) (51) (فلما وضعت ام ابراهيم، اراد ابوه ان يذهب به الى نمرود، و بواسطه تدبير امه، تمكنت من حفظه و جعلته في الغار، و شب بسرعة كثيره (فلم يزل ابراهيم في الغيبة مخفيا بشخصه، كاتما لامره، حتى ظهر، فصدع بامر الله تعالى ذكره، و اظهر الله قدرته فيه) (52) . (ثم خرج عنه بعد حين، فحآج اباه و قومه في امر الاصنام و الكوكب و القمر و الشمس و حآج الملك في دعواه الربوبيه - الايات 74 - 81 من سوره الانعام -

قالوا حر قوه و انصروا آلهتكم، فبنوا له بنيانا و اسعروا فيه جحيما من النار، و قد شارك في امره الناس جميعا و القوه في الجحيم، فجعله الله بردا و سلاما عليه، و ابطل كيدهم (الانبياء: 57-70، الصافات: 88-98)، و قد ادخل في خلال هذه‏الاحوال على الملك، و كان يعبده القوم و يتخذونه ربا، فحآج ابراهيم في ربه، فقال ابراهيم: ربي الذي يحيي و يميت، فغالطه الملك و قال: انا احيي و اميت، كقتل الاسير و اطلاقه، فحاجه ابراهيم باصرح ما يقطع مغالطته فقال: ان الله ياتي بالشمس من المشرق فآت بها من المغرب فبهت الذي كفر(البقره: 258)، ...

ثم لما انجاه الله من النار، اخذ يدعو الى الدين الحنيف، دين التوحيد، فآمن له شرذمة قليلة، قد سمى الله تعالى منهم لوطا، و منهم زوجته التي هاجر بها، و قد كان تزوج بها قبل الخروج من الارض الى الارض المقدسه) (53)

2- تعرض فرعون مصر و هامان و قارون للنبي موسى‏«عليه السلام‏» - و مواجهته‏«عليه السلام‏» لهم :

(قوله تعالى: الى فرعون و هامان و قارون ، فقالوا ساحر كذاب‏» (54) ،فرعون جبار القبط و مليكهم، و هامان وزيره، و قارون من طغاة بني اسرائيل ذو الخزائن المليئه؟ و انما اختص الثلاثه من بين الامتين بالذكر لكونهم اصولا ينتهي اليهم كل فساد و فتنة فيهما) (55)

عاقبة المتكبرين:

(لقد بغى فرعون على بني اسرائيل، و استطال بجبروت الحكم و سلطانه; و لقد بغى قارون عليهم و استطال بجبروت العلم و المال. و كانت النهايه واحدة، هذا خسف به و بداره، و ذلك اخذه اليم هو و جنوده. و لم تكن هنالك قوه تعارضها من قوى الارض الظاهرة، انما تدخلت‏يد القدرة سافرة فوضعت‏حدا للبغي و الفساد، حينما عجز الناس عن الوقوف للبغي و الفساد) (56)

مواجهه النبي موسى‏«عليه السلام‏» لفرعون:

و قد طلب البني موسى‏«عليه السلام‏» من فرعون ان يترك بني اسرائيل لحالهم، و يرجعون لعبادة الله خالقهم بدلا عنه انا ربكم الاعلى حيث قال: و تلك نعمة تمنها علي ان عبدت بني اسرائيل (57) (حيث‏يقف الايمان القوي في وجه الطغيان الباغي، ثم ينتصر الايمان و ينخذل الطغيان في النهايه، فاما هنا فليس هذا المعنى هو المقصود; انما المقصود: ان الشر حين يتمخض يحمل سبب هلاكه في ذاته، و البغي حين يتمرد لا يحتاج الى من يدفعه من البشر، بل تتدخل يد القدرة و تاخذ بيد المستضعفين المعتدى عليهم، فتنقذهم و تستنفذ عناصر الخير فيهم، و تربيهم و تجعلهم ائمة و تجعلهم الوارثين) (58)

3-تعرض المشركين - مشركي مكة - للنبي محمد«صلى الله عليه وآله‏»، و مواجهته‏«صلى الله عليه وآله‏» لهم :

(بعد ان وبخ الله من ارتد عن دينه من المؤمنين خوف الفتنة، عطف الكلام على بقية المؤمنين ممن استضعفه المشركون بمكة و كانوا يهددونهم بالفتنة و العذاب، فامرهم ان يصبروا و يتوكلوا على ربهم، و ان يهاجروا منها، ان اشكل عليهم امر الدين و اقامة فرائضه، و ان لا يخافوا امر الرزق، فان الرزق على الله سبحانه، و هو يرزقهم ان ارتحلوا و هاجروا كما كان يرزقهم في مقامهم...

قوله تعالى: يا عبادي الذين ءامنوا ان ارضي واسعة فاياي فاعبدون (59) ،توجيه الخطاب الى المومنين الذين و قعوا في ارض الكفر لا يقدرون على التظاهر بالدين الحق و الاستنان بسنته، و يدل على ذلك ذيل الاية: (ان ارضي واسعة): كناية عن انه ان امتنع في ناحية من نواحيها اخذ الدين الحق و العمل به، فهناك نواح غيرها لا يمتنع فيها ذلك، فعبادته تعالى وحده ليست‏بممتنعة على اي حال، ....

و قوله تعالى: فاياي فاعبدون : لاتعبدوا غيري، بل اعبدوني‏و في الايات: الذين امنوا و على ربهم يتوكلون. و كاين من دابة لا تحمل رزقها... (60) تطييب لنفس المؤمنين، و تقوية لقلوبهم انهم لو هاجروا في الله اتاهم رزقهم اينما كانوا، و لا يموتون جوعا، فرازقهم ربهم دون اوطانهم.

و في تذليل القصة بهذه الايات الاربع: و لقد نجينا بني اسرائيل... الى قوله تعالى بلاء مبين (61) نوع تطييب لنفس النبى‏«صلى الله عليه وآله‏» و ايماء الى ان الله سبحانه و تعالى سينجيه و المؤمنين به من فراعنة مكة و يختارهم و يمكنهم في الارض فينظر كيف يعملون

في تفسير القمي، و في روايه ابي الجارود عن ابي جعفر«عليه السلام‏» في قوله تعالى: يا عبادي الذين امنوا ان ارضي واسعة... يقول: لا تطيعوا اهل الفسق من الملوك، فان خفتموهم ان يفتنوكم عن دينكم فان ارضي واسعة، و هو يقول: فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض فقال: الم تكن ارض الله واسعة فتها جروا فيها ...

و في المجمع: قال ابو عبدالله‏«عليه السلام‏»: معناه اذا عصي الله في ارض انت‏بها فاخرج منها الى غيرها) (62)

عاقبة من تمنعه امواله و مصالحه من الهجرة، و قاعدة الاستثناء منهم:

(كنا مستضعفين، يستضعفنا الاقوياء، كنا اذلاء في‏الارض، لانملك من امرنا شيئا...

.... و تنفر كل نفس ان يكون هذا موقفها في لحظة الاحتضار، بعد ان يكون هذا موقفها طوال الحياة ... فان الملائكة لايتركون هولاء المستضعفين الظالمي انفسهم، بل يجيبونهم بالحقيقة الواقعة; و يؤنبونهم على عدم المحاولة، و الفرصة قائمة: قالوا: الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها؟!)

انه لم يكن العجز الحقيقي هو الذي يحملهم على قبول الذل و الهوان و الاستضعاف و الفتنة عن الايمان ... انما كان هناك شي آخر... حرصهم على اموالهم و مصالحهم و انفسهم يمسكهم في دارالكفر، و هناك دارالاسلام. و يمسكهم في الضيق و هناك ارض الله الواسعة، و الهجرة اليها مستطاعة; مع احتمال الالام و التضحيات ... و تكون هذه نهايتهم فاولئك ماواهم جهنم و ساءت مصيرا ثم يستثني من لا حيلة لهم في البقاء في دار الكفر; و التعرض للفتنة في الدين، و الحرمان من الحياة في دار الاسلام من الشيوخ الضعاف، و النساء و الاطفال، فيعلقهم بالرجاء في عفو الله و مغفرته و رحمته، بسبب عذرهم البين و عجزهم عن‏الفرار:

الا المستضعفين من الرجال والنساء .... و كان الله عفوا غفورا

حكم‏الله و سنته‏الماضية على مر الزمان

(و يمضي هذا الحكم الى آخر الزمان ، متجاوزا تلك‏الحالة الخاصة التى كان يواجهها النص في تاريخ معين، و في بيئة معينة ... يمضي حكما عاما، يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في اية ارض، و تمسكه امواله و مصالحه او اقربائه و صداقاته، او اشفاقه من آلام الهجرة و متاعبها. متى كان هناك - في الارض في اي مكان - دارللاسلام; يامن فيها على دينه، و يجهر فيها بعقيدته، و يؤدي فيها عباداته، و يحيا حياة اسلامية في ظل شريعة الله، و يستمتع بهذا المستوى الرفيع من الحياة) (63)

و تبقى سنة الله في عباده، و لكن باشكال مختلفه الظواهر

و يبقى العالم البشري بشكل محورين، قطبين، جبهتين: احدهما مقابل الاخر، محور الاستكبار المتمثل اليوم بامريكا، الشيطان الاكبر التي تقول ضمنيا، و من خلال اعمالها: (انا ربكم الاعلى); و محور يمثل الاسلام، و لكن المحمدي، و ليس الامريكى حسب تعبير الامام الخمينى‏«رحمه الله‏» المتمثل اليوم بالجمهوريه الاسلاميه في ايران، (و تبقى المعركه التي شنها اليهود على الاسلام و المسلمين منذ ذلك التاريخ البعيد لم يخب اوارها حتى اللحظه الحاضرة، بنفس الوسائل، و نفس الاساليب، لا يتغير الا شكلها; اما حقيقتها فباقية، و اما طبيعتها فواحدة، و ذلك على الرغم من ان العالم كله كان يطاردهم من جهه الى جهة، و من قرن الى قرن، فلا يجدون لهم صدرا حنونا الا في العالم الاسلامي المفتوح الذي ينكر الاضطهادات الدينية و العنصرية، و يفتح ابوابه لكل مسالم لايؤذي الاسلام و لا يكيد للمسلمين) (64) و تبقى هذه المعركه مستمره حتى يحكم‏الله بيننا و بينهم بالحق و يمن على الذين استضعفوا في الارض و يجعلهم ائمه و يجعلهم الوارثين ، و يظهر صاحب هذه الارض و امامها و وارثها الحجة‏بن الحسن، المهدي القائم المنتظر«عجل‏الله تعالى‏فرجه الشريف‏» - و يحق الله الحق على يده و ينصره على القوم الظالمين، ... و نحن نقول: الحمدلله الذي انجز وعده و نصر عبده و اعز جنده.

اراده الله هى المفعولة و ليس ارادة المستكبر

(ان فرعون علا فى الارض ... انه كان من المفسدين‏» ولكن الله يريد غير ما يريد فرعون; و يقدر غير ما يقدر الطاغيه. و الطغاه البغاة تخدعهم قوتهم و سطوتهم و حيلتهم، فينسون ارادة الله و تقديره، و يحسبون انهم يختارون لانفسهم ما يحبون، و يختارون لاعدائهم ما يشاؤون و يظنون انهم على هذا و ذلك قادرون.

و الله يعلمه هنا ارادته هو، و يكشف عن تقديره هو; و يتحدى فرعون و هامان و جنودهما، بان احتياطهم و حذرهم لن يجديهم فتيلا.) (65)

1) المائده، 27-30

2) المائده ، 30

3) العنكبوت، 39، 40

4) الحشر/23

5) البقره/38

6) خلافة الانسان و شهادة الانبياء - الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر،ص‏12

7) بقره، 213

8) الروم / 30-32

9) الاحزاب /72

10) القصص / 5

11) خلافه الانسان و...، الشهيد الصدر، ص‏23-24

12) في ظلال نهج البلاغه. خطبه 190، ج 3، ص‏107، شرح محمد جواد مغنيه

13) النهج - خطبه 192

14) النحل / 49

15) تفسير الميزان - ج 10 ، ص 216-267

16) تفسير القران العظيم - ابوالفداء ، ج 1، ص 70

17) تفسير الميزان ، ج‏12، ص 228

18) تفسير الميزان ، ج 17، ص 326

19) فاطر / 43

20) الميزان ، ج 1، ص 71-72

21) الاعراف / 40

22) الاعراف / 41

23) تفسير في ظلال القرآن - للسيد قطب : ج 8، ص 516

24) النساء97/

25) النساء/ 98

26) القصص /5

27) الانفال / 26

28) التفسير الكاشف، ج 4، ص 436-437

29) النساء/ 97

30) تفسير في ظلال القرآن - للسيد قطب ، ج 5، ص 499

31) تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي (ره) ، ج 5، ص 49-53

32) تفسير الميزان - الصلامد الطباطبائي (ره) ج ص 51

33) النساء، 75

34) النساء ، 97

35) بقره، 251

36) تفسير المراغى، ج 5، ص 92

37) النساء، 98 - 99

38) قر) ج ، 7 ص 159، مع ص 157 ، فس ، 114 /كا ، ج ، ص 404

39) صا) به ، ج 72 ص 159

40) صا) بح ، ج 7 ص‏162 ، مع

41) ع) خطبه 189

42) بح ، ج 72، ص 162 ، مع ، ش

43) القصص ،5

44) تفسير الميزان - ج 16 ص 6-10

45) الرعد ،11

46) غافر ،47، 48

47) غافر ،47، 48

48) تفسير الميزان - ج 17 ص 336

49) تفسير الميزان - ج 16 ص 10

50) الاحزاب ،63

51) تفسير الميزان ج 7 ص 205-206

52) نفس المصدر ج 7 ص 207

53) نفس المصدر السابق، ج 7، ص 207

54) غافر ،24

55) تفسير الميزان - ج 7 ص 327

56) تفسير في ظلا القران - سيد قطب - ج 10 ص 319

57) الشعراء،22

58) في ظلال القران - ج 20 ص 321

59) العنكبوت ، 56

60) العنكبوت ،144-146

61) الدخان ، 30-33

62) الميزان ج 18 ص 139

63) الميزان ج 5 ص 499

64) تفسير في ظلال القرآن - السيد قطب ج 1 ص 77-78

65) في ظلال القران - ج 20 ص 324

/ 1