آية اللّه السيّد محسن الخرازي - زراعة الأعضاء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زراعة الأعضاء - نسخه متنی

محسن خرازي

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




زراعة الأعضاء


آية اللّه السيّد محسن الخرازي


تناول الباحث في العدد التاسع عشر ـ وبعد بيان أدلّة المانعين والمجوّزين ـ عدّة فروع تترتّب علي مسألة زراعة الأعضاء تقدّم أربعة منها ، وإليك تتمّة البحث . . .


القسم الثاني


الخامس : ربّما يفصّل في جواز إعطاء العضو بين ما إذا لزم منه محذور اختلاط المياه والأنساب ـ كما إذا كان العضو رحما أو بيضة امرأة أو مشيمة أو خصية ـ فلا يجوز ذلك ؛ إذ اختلاط الأنساب أمر مرغوب عنه في الشريعة ، وبين ما لم يلزم منه ذلك المحذور فيجوز .


ويمكن الجواب عنه : بأنّ المرغوب عنه في الشرع هو اختلاط المياه ، كما تشهد له أخبار العدّة ، وهو لا يحصل بمجرّد انتقال هذه الأعضاء إلي الغير ؛ لصيرورة هذه الأجزاء أجزاء لمن تنتقل إليه ، فبعد صدق كونها أجزاء للغير فكلّ ما تولّده هذه الأجزاء إنّما هو من بدن المنقول إليه لا بدن المنقول منه ، فلا مجال لتوهّم لزوم اختلاط المياه والأنساب .


نعم ، ربّما يقال : إنّ الأطباء يرون أنّ بيضة المرأة بالفعل حاملة لجميع ما يتولّد منها في الآتي ، وإنّما يصدر عنها ما يصدر بالتدريج مع عروض الموجبات الخاصّة ، وعليه فيلزم اختلاط مياه صاحب هذه الأجزاء مع غيره ولو صارت أجزاء للثاني .


ولكن يمكن أن يقال أوّلاً : إنّه مع معلوميّة صاحب البيضة لا يلزم اختلاط المياه . وثانياً : مع الجهل بصاحبها لا يلزم ذلك المحذور بعد حكم العرف بكونها من أجزاء الثاني ؛ إذ الأحكام تابعة للموضوعات العرفية لا العرف الخاصّ كعرف الأطباء . نعم ، ما لم تصر جزءا للثاني فهي محكومة بجزئيتها للأوّل ، وحينئذٍ يلزم المحذور من اختلاط المياه .


لا يقال : إنّه في صورة حكم الأطباء ببقاء بيضة المرأة علي ما عليها لا يحكم العرف بكونها من الثاني ، والعرف متّبع في صورة ما إذا جزم وخطّأ العرف الخاصّ كالثوب المتنجّس بالدم فإنّ عرف الفلاسفة يحكم ببقاء الدم ما دام اللون باقيا ، والعرف يجزم بعدمه ولا يقبل حكم الفلاسفة .


لأنّا نقول : وفيما نحن فيه أيضاً كذلك ؛ فإنّ بيضة المرأة بعد صيرورتها جزءاً للثاني يجزم العرف بكون الولد من الثاني ولا يقبل قول الأطباء بأنّه من الأوّل .


لا يقال : إنّ دعوي الجزئية منظور فيها ؛ لأنّ الأعضاء المبانة من الحيّ محكومة بكونها كالميتة ، وهذه الأعضاء مع اتّصالها ببدن الغير لا تنقلب عمّا هي عليه من كونها من أعضاء الشخص الفلاني ، بل هي باقية علي ما هي عليه من جزئيتها للبدن المنقول منه ، وإلحاقها بالثاني مسامحي ، كما أنّ البساط المنخرق إذا اُصلح موضعه المنخرق بشيء من الريش والصوف لا تعدّ الأشياء المزيدة أجزاء للبساط إلاّ بالعرض والمجاز ، بل هي باقية علي كونها من الأجزاء المزيدة .


لأنّا نقول : إنّ قياس الأجزاء المتّصلة بالبدن بوصلة البساط قياس مع الفارق ، لعدم الفعل والانفعال والتبديل والتبدّل في مثل البساط ، بل الأولي قياس المقام بترقيع الأشجار والأزهار بلحاء من غيرها ، فإنّه بعد الترقيع والامتصاص يصير اللحاء المذكور جزءاً للشجر الذي رقّع به . وهكذا إذا رقّعت أجزاء الغير ببدن إنسان وتقبّلها البدن وتكيّفت فيه بحيث يسري فيها الدم وينبت اللحم ويشتدّ العظم ويدرك الألم بإدخال الإبرة ونحوها ، فهي تعدّ من أجزاء بدن المنقول إليه عرفاً .


ومع حكم العرف بأنّ الأجزاء المزيدة من أجزاء المنقول إليه لا مجال لاستصحاب بقائها علي جزئيّتها من بدن المنقول منه ؛ لأنّ الأصل لا يجري مع حكمِ العرف بجزئيّتها من المنقول إليه وجريانِ الأدلّة الدالّة علي أحكام أجزاء بدن الثاني ، وكونها أجزاء للأوّل في السابق لا ينافي جزئيّتها للثاني بالفعل .


نعم ، يمكن أن يقال : إنّ تقبّل البدن للأعضاء يحتاج إلي مرور مدّة حتي يجري فيها الدم من بدن المنقول إليه ويوجب نبات اللحم واشتداد العظم ، فما لم يحصل ذلك لا تترتّب عليها آثار بدن المنقول إليه ، بل يلزم أن تترتّب عليها أحكام الأجزاء المبانة من الحي من النجاسة إن انفصلت من الحيّ أو انفصلت من الميّت قبل الغسل ، وأمّا إذا انفصلت بعد الغسل فهي محكومة بالطهارة وإن لم تصر أجزاء للبدن الحيّ ، ولكن لا يجوز الصلاة فيها إن كانت ممّا تحلّه الحياة كاللحم ، دون ما لا تحلّه الحياة كالسنّ ، كما هو مقتضي الجمع بين الأخبار ؛ كصحيحة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه عليه السلام في الميتة أنّه قال : « لا تصلّ في شيء منه ولا في شسع » ( 1 ) ، ورواية الحسين بن زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : . . . سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنّه ، فيأخذ سنّ إنسان ميّت فيضعه مكانه . قال : « لا بأس » ( 2 ) وبقيّة الكلام في محلّه .


ومما ذكر يظهر حكم الترقيع فيما إذا كان ذلك من جنس مخالف ؛ فانّه بعد صيرورته عضوا لمن رقع به تترتب عليه أحكامه من جواز النظر وعدمه ، وما لم يصر عضوا له بقي علي حكمه السابق .


وهكذا يظهر حكم الترقيع فيما إذا كان ذلك من مسلم لكافر أو بالعكس ، فلا تغفل .


السادس : إذا لم يوصِ الميّت بإعطاء عضوه ، فهل يجوز لأوليائه الإذن في ذلك أو لا يجوز ؟


ربّما يقال : لا يجوز ذلك ؛ لعموم أدلّة ثبوت حرمة الميّت كما إذا كان حيّاً ؛ لقولهم عليهم السلام : « حرمة الميّت كحرمة الحيّ » ، فكما لا يجوز لأحد أن يتعرّض لشيء من أعضاء الحيّ كذلك لا يجوز لأحد أن يتعرّض لشيء من أعضائه في حال مماته ، من دون فرق بين أوليائه والأجانب .


وربّما يستدلّ للجواز بإطلاق لفظ « الولي » في النصوص علي متصدّي اُمور الميّت من الأقرباء ، كقوله عليه السلام : « يغسِّل الميّت أولي الناس به ، أو من يأمره الولي بذلك » ( 3 ) .


وكمرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « يصلّي علي الجنازة أولي الناس بها ، أو يأمر من يحب » ( 4 ) .


وكمرسلة جميل عن أحدهما عليهما السلام قال : « إذا مات ولي المقتول قام ولده من بعده مقامه » ( 5 ) .


وكقوله تعالي : « ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنّه كان منصوراً »( 6 ) .


وعن عليّ عليه السلام أنّه كان يقول : « ولي الدم يفعل ما يشاء ؛ إن شاء قتل وإن شاء صالح » ( 7 ) .


بدعوي أنّ مقتضي مفاد كلمة « الولي » هو جواز التصدّي لاُمور الميّت بما يراه مصلحة له ، فإذا رأي ولي الميّت مصلحة في إعطاء أعضاء الميّت للترقيع فيجوز له ذلك ؛ أخذاً بإطلاق لفظ « الولي » .


وفيه : أنّ هذه النصوص مختصّة بموارد تجهيز الميّت وباب القصاص والديات ، ولا إطلاق فيها حتي يشمل سائر الموارد بإطلاقه ؛ لأنّها في مقام بيان وجوب الاُمور المذكورة علي الولي ، أو أحقيّته من غيره فيها ، كقوله : « الزوج أحقّ بها من الأب والولد والأخ » ( 8 ) ، أو في مقام بيان قائم مقام الولي بعد موته ، لا في مقام جعل الولاية للولي في مطلق الاُمور . نعم لو سلّمنا الإطلاق فهو قائم مقام الميّت فيما جاز له ، فإذا جاز للميّت إعطاء عضوه للغير حفظاً لحياته كذلك يجوز للولي ذلك ، ولكنه محدود بما جاز للميّت ، فلا يجوز التخطّي عنه .


لا يقال : إنّ الإطلاق لو سُلّم معارض بما يدلّ علي أنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ .


لأنّا نقول : فكما أنّ الميّت في حال حياته جاز له ذلك ولا يتنافي مع حرمته فكذلك الولي ، فتأمّل ، ولا أقلّ من الشكّ ، فلا يجوز التعدّي عن تلك الموارد ورفع اليد عن عموم لزوم مراعاة حرمة الميّت .


السابع : يجوز أخذ الأعضاء من الحربي حيّاً كان أو ميّتاً ، أذن أو لم يأذن ؛ إذ لا حرمة للحربي حيّاً وميّتاً ، واختصاص أدلّة حرمة الميّت بالمسلم .


وعليه ، فيجوز أخذ بعض أعضائهم عند معالجتهم في حال الحياة أو بعد موتهم ما لم تعرض الطوارئ والعناوين الموهنة للإسلام والمسلمين .


وأمّا أخذ الأعضاء من المعاهد والذمّي مع الإذن فلا إشكال ، وأمّا بدونه فإن كان حيّاً فلا يجوز ؛ لرعاية حرمتهم بعقد الذمّة ، وإن مات جاز أخذ الأعضاء منه ؛ لانقضاء مدّة عقد الذمّة بالموت ، إلاّ أن يكون المشروط في عقد الذمّة هو رعاية أبدانهم بعد الموت أيضاً فلا يجوز ؛ لأنّ ذلك نقض لعهد الذمّة والمعاهدة ، بل الأمر كذلك لو كان عقد الذمّة مبتنياً علي الشرط المذكور .


وربّما استدلّ لحرمة أخذ الأعضاء من جسد الذمّي ولو لم يشترط ذلك بإطلاق قول الصادق عليه السلام في صحيحة جميل : « قطع رأس الميّت أشدّ من قطع رأس الحيّ » ( 9 ) .


واُجيب عنه : بمنع الإطلاق والانصراف بعد كون الأصل في الكفّار هو عدم الحرمة ، وعروض حرمة الذمّي ما دام عقد الذمّة باقياً ، فإذا ارتفع عقد الذمّة بالموت عادوا إلي ما كانوا عليه من عدم الحرمة . هذا مضافاً إلي أنّه لو سلّمنا الإطلاق وعدم انصرافه عن الذمّي فإنّه يقيّد بالإيمان والإسلام ؛ بقرينة سائر الأخبار المتقيّدة بالإيمان والإسلام ، كقوله صلي الله عليه و آله وسلم : « حرمة المسلم ميّتاً كحرمته وهو حيّ سواء » ( 10 ) ؛ وقوله عليه السلام : « إنّ اللّه حرّم من الموءمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياءً » ( 11 ) ، وقوله عليه السلام : « أبي اللّه أن يظنّ بالموءمن إلاّ خيراً ، وكسرُك عظامه حيّاً وميّتاً سواء » ( 12 ) ، فإنّ الظاهر من هذه الأخبار أنّ الاحترام من خصائص الإيمان والإسلام .


ويزيد علي ذلك دلالة بعض الأخبار علي مقدار دية قطع الرأس بما يظهر منه أنّ المراد من الميّت هو المسلم ؛ فإنّ المئة دينار التي عيّنت لقطع الرأس في صحيحة حسين بن خالد ( 13 ) هي دية جنين المسلم قبل ولوج الروح ، ودية الكافر الذمي ليست بهذا المقدار ؛ لأنّ ديته في حال الحياة ثمانمئة درهم ، كما نصّ عليه في الأخبار ، كصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال : « دية الذمّي ثمانمئة درهم » ( 14 ) . ولا يمكن أن تزيد ديته في حال الممات عن حال حياته ، فذكر مئة دينار لدية قطع الرأس شاهد علي أنّ المراد من الميّت هو الميّت المسلم الذي يكون في حكم الجنين المسلم قبل ولوج الروح في مقدار الدية .


فتحصّل : أنّه يجوز أخذ الأعضاء من جسد الذمّي بعد موته لو لم يشترط عدمه في عقد الذمّة ، لا سيّما إذا أذن وليّه بذلك .


الثامن : لا يجوز العفو عن المجرم المسلم في قبال إعطاء بعض أعضائه للترقيع ؛ قضاءً لإطلاق أدلّة حرمة الإضرار .


كما لا يجوز تغريره بأخذ بعض أعضائه ؛ لعدم الدليل علي مشروعيّة التغرير بذلك ، فمقتضي إطلاق أدلّة حرمة الإضرار عدم الجواز .


وهكذا لا يجوز تخليصه من الحبس بأخذ عضو من أعضائه .


التاسع : لا إشكال في جواز ترقيع بدن الكافر بأعضاء الميّت الكافر ، كما لا إشكال في ترقيع بدن المسلم بأعضاء الميّت الكافر .


وأمّا ترقيع بدن الكافر بأعضاء الميّت المسلم فيما يجوز له البذل فربّما يقال بجوازه ؛ لعدم دليل علي المنع ما لم يوجب إذلالاً للمسلمين ، وإلاّ فلا يجوز .


ويشكل ذلك : بأنّه ينافيه النبوي الشريف : « الإسلام يعلو ولا يعلي عليه » ( 15 ) الذي يستدلّ به لعدم جواز تعلية بناء الكفّار علي بناء المسلمين ، كما في المبسوط حيث قال : « ليس له [ = الذمّي ] أن يعلو علي بناء المسلمين ؛ لقوله عليه السلام : الإسلام يعلو ولا يعلي عليه » ( 16 ) .


وكما في الجواهر حيث استدلّ له بأنّه موضع وفاق بين المسلمين علي ما في المسالك والرياض ، وادُّعي عليه الإجماع كما في المنتهي والتذكرة ، وهو الحجّة بعد إمكان استفادته من قوله عليه السلام : « الإسلام يعلو ولا يعلي عليه » ، ومن قوله تعالي : «العزّة للّه ولرسوله وللموءمنين »وغير ذلك ممّا دلّ علي رجحان رفعة الموءمن وضعة الكافر في جميع الأحوال ( 17 ) .


ولا يخفي عليك ما في الاستدلال بالنبوي المذكور لحرمة التعلية والرفعة للكافر ؛ لأنّ الظاهر منه هو بيان علو الإسلام في الدليل والحجّة بحيث لا يغلبه شيء من الأدلّة والبراهين ، ولا ربط له بعلو المسلمين علي الكفّار .


اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ لازم علو الإسلام في الدليل والمنطق هو علو المسلمين علي غيرهم ، ولكنّه علي فرض كونه لازماً بيّناً بالمعني الأخصّ مخصوص بالاعتلاء الدليلي والبرهاني ، ولا يرتبط بعلوّ الدار ونحوه .


نعم لا بأس بالاستدلال بإطلاق دليل حرمة الميّت المسلم كحرمة الحيّ في المقام ؛ إذ مقتضاه عدم جواز ترقيع أعضاء بدن المسلم ببدن الكافر ؛ لأنّه خلاف احترامه ؛ إذ ذلك يضاهي إلقاءه في النجاسة والبالوعة ، فتدبّر .


العاشـر : إنّ المرتدّين في حكم الكفّار ؛ ولا حرمة لهم ، بخلاف المحاربين من المسلمين أو المقتولين بالحدود الشرعية ، فإنّهم من المسلمين ولهم ما لهم ، فلا يجوز التعرّض لأجسادهم بعد موتهم كما لا يجوز التعرّض لهم في حياتهم ، إلاّ فيما رخّص فيه ؛ وذلك لإطلاق أدلّة حرمة الميّت المسلم .


ودعوي الملازمة بين مهدورية دمائهم وعدم حرمتهم ، مردودة بأنّه لا دليل لها ، ولا يمكن الالتزام بها بعد ما نراه من وجوب الصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك . ففي صحيحة هشام عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : قلت له : شارب الخمر والزاني والسارق يصلّي عليهم إذا ماتوا ؟ فقال : « نعم » ( 18 ) . وفي خبر السكوني عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : « قال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : صلّوا علي المرجوم من اُمّتي ، وعلي القاتل نفسَه من اُمّتي ، لا تدَعوا أحداً من اُمّتي بلا صلاة » ( 19 ) .


الحادي عشر : لا بأس بتقطيع أعضاء الحيوانات بعد تذكيتها وترقيعها ، وإنّما الإشكال من ناحية الصلاة فيها لو كانت ممّا لا يوءكل ، ولعلّه يرتفع بالاضطرار وضرورة المعالجة .


وأمّا إذا اُخذت الأعضاء من الحيوانات من دون تذكية أو اُخذت من نجس العين أو اُخذت من الحيوانات قبل موتها ، فهذه الأعضاء محكومة بالنجاسة ، ولا إشكال في الترقيع بها إلاّ من ناحية نجاستها ، ولكنّه يرتفع أيضاً بالضرورة والاضطرار إلي خصوصها للمعالجة .


نعم ، هنا إشكال لا يختصّ بالحيوانات بل يجري في الأعضاء المأخوذة من الإنسان أيضاً ، وهو أنّ أعضاء الميتة أو الأجزاء المبانة المحكومة بحكم الميتة لا يجوز الانتفاع بها ولو بمثل الترقيع بها ؛ للمنع من مطلق الانتفاع بها .


واُجيب عن ذلك : بأنّ مطلق الانتفاع ليس ممنوعاً ، وإنّما الممنوع هو الاستعمالات المتعارفة الموقوفة علي الطهارة والتذكية كالأكل . قال في جامع المدارك : « من جملة المحرّمات الميتات القابلة للذكاة من ذي النفس وغيره ، ولا شبهة في حرمتها والانتفاع بها في الجملة . وأمّا حرمة جميع الانتفاعات ؛ مثل تسميد الأرض أو تغذية الكلب ، فتشكل استفادتها من الأدلّة . وبعبارة اُخري : مثل اللحم الانتفاع المتعارف منه أكله ، كما أنّ المسكر الانتفاع المتعارف منه شربه ؛ لا إشكال في شمول دليل الحرمة للانتفاع المتعارف ، وأمّا الانتفاع الغير المتعارف فشمول الأدلّة له محل إشكال ، وإن كان يتراءي من رواية تحف العقول المذكورة في المكاسب لكن الظاهر الانصراف ، فلا يخطر بالبال حرمة تعجين التراب بالخمر لسدّ الثقبة في الدار ، أو دفن الميتة تحت الأشجار المثمرة .


بل يشكل شمولها للانتفاع المتعارف في الأعصار المتأخرة الغير المتعارف في الأعصار السابقة ؛ كالانتفاع ببعض المسكرات في عمل الجرّاحين لتخدير العضو أو لمنع خروج الدم في التزريقات » ( 20 ) .


وتحقيق المسألة يتوقّف علي المراجعة إلي مداركها .


وقد ورد المنع من الانتفاع بالميتة في عدّة روايات :


منهـا : موثّقة علي بن أبي المغيرة المروية عن الكافي : عن محمّد بن يحيي وغيره ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عاصم بن حميد ، عن عليّ بن أبي المغيرة ، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ، الميتة ينتفع منها بشيء ؟ فقال : « لا » . قلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم مرّ بشاة ميّتة فقال : ما كان علي أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ( بجلدها ) ؟ ! قال : « تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبيّ صلي الله عليه و آله وسلم وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها ، فتركوها حتي ماتت ، فقال رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم : ما كان علي أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ؟ ! أي تذكّي » ( 21 ) .


ومنهـا : موثّقة سماعة المروية عن التهذيب بإسناده عن الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن جلود السباع أينتفع بها ؟ فقال : « إذا رميت وسمّيت فانتفِع بجلده ، وأمّا الميتة فلا » ( 22 ) .


والمراد من الحسن هو الحسن بن سعيد ، وهو أخو الحسين بن سعيد ، وهو ثقة ، كما أنّ زرعة ثقة ، وكان ممّن صحب سماعة ، ثمّ إنّ إسناد الشيخ إلي الحسن بن سعيد صحيح كما في المشيخة .


وغير ذلك من الأخبار الدالّة علي المنع عن الانتفاع بالميتة ( 23 ) .


ومقتضي هذه الأخبار هو المنع عن الانتفاع بالميتة ويمكن دعوي دلالتها علي التعميم لا سيّما مع تعميم السوءال في موثّقة علي بن أبي المغيرة ، ولعلّ هذا منشأ معروفية حرمة مطلق الانتفاع عند الأصحاب .


نعم لا إطلاق في الرواية الثانية حيث إنّ السوءال عن الانتفاع بجلود السباع ، والجواب ناظر إليه ، وكيف كان فلا يعمّ الانتفاعات الغير المتعارفة وإن صارت متعارفة بعد صدور الرواية ، ولو سلّم شمولها لمطلق الانتفاع ولا أقلّ من الشكّ فلا يعمّ . هو يعارضها ما رواه ابن إدريس نقلاً عن جامع البزنطي صاحب مولانا الرضا عليه السلام قال : سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من أَلَيَاتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع ؟ قال : « نعم ، يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ولا يبيعها » ( 24 ) ، وغيره من الروايات الواردة في جواز الاستفادة من أجزاء الميتة بناءً علي عدم إعراض الأصحاب عن هذه الروايات الدالّة علي جواز الانتفاع . ومن المعلوم أنّ الذوب والاسراج لا خصوصية له ، وإنّما المراد هو عدم الاستفادة منه في الأكل وأمّا غيره ممّا لا يشترط فيه الطهارة والتذكية فلا مانع فيه . وعليه فيدور الأمر بين التصرّف في هيئة الأخبار المانعة وحملها علي الكراهة وبين تقييد الأخبار المانعة بما يشترط فيه الطهارة والتذكية كالأكل ونحوه ، وأمّا غيره وإن كان متعارفاً فلا يحرم .


ولا يمكن الالتزام بالأوّل لأنّه خلاف الظاهر مضافاً إلي أنّه لم يقل أحد بكراهة أكل الميتة أو لبسها فيما يشترط فيه الطهارة ، وإن أمكن القول بكراهة الإسراج بها جمعاً بين ما رواه عن جامع البزنطي وصحيحة الوشّاء ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت : جعلت فداك ، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم إليات الغنم فيقطعونها قال : هي حرام ، قلت : جعلت فداك ، فنصطبح بها ؟ فقال : أما علمت أنّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ( 25 ) .


ومن المعلوم أنّ المراد من الحرام في الذيل هو المكروه لأنّه من الضروري عدم تحريم تنجيس اليد والثوب في الشريعة .


فلا محيص عن اختيار الثاني ؛ لأنّه أنسب بالصناعة الفقهية لأنّ الجمع بين المطلق والمقيّد أمر عرفي لا يكون منافياً للأخذ بالظواهر فيحمل الأخبار المانعة بعد التقييد علي إرادة الانتفاع بالميّتة كما ينتفع من المذكّي باستعمالها في الأكل وغيره ممّا يشترط فيه الطهارة دون ما لا يشترط فيه الطهارة والتذكية جمعاً بين الأخبار .


هذا مضافاً إلي إمكان دعوي أنّ الظاهر من قول السائل ينتفع بها أي هل ينتفع بها كالانتفاع بالمذكّي .


ولذلك اختار السيّد الخوئي قدس سره هذا الجمع في التنقيح ( 26 ) ، ثمّ إنّه لا يخفي عليك أنّه لا يصحّ الاستدلال لجواز الترقيع بالأجزاء المبانة بأنّ الترقيع بها الذي يوجب خروج العضو المبان عن كونه ميتة لصيرورته جزءاً وعضواً من موجود حيّ يشمله لا محالة الأدلّة المبنية لحكم أعضائه وأجزائه فلا تعمّه أدلّة المنع ويكون باقياً علي أصل الجواز .


لأنّ ملاك الجواز هو عدم عموم الأدلّة المانعة ؛ لاختصاصها بالمتعارف من الانتفاعات ممّا يشترط فيه الطهارة .


ومع قطع النظر عن ذلك ، يشكل ذلك بأنّه قبل صيرورتها عضواً أو جزءاً من الحيّ تكون الأجزاء المبانة باقية علي كونها ميتة ، فنفس الترقيع بها انتفاع ، فلو كان مطلق الانتفاع محرّماً كان الترقيع أيضاً محرّماً ، وصيرورتها عضوا وجزءاً بعد ذلك لا ينفع في رفع الحرمة عن الانتفاع بها قبل ذلك ؛ لأنّها في طول الترقيع كما لا يخفي .


ولو أبيت عمّا ذكر من عدم حرمة الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة والتذكية ، فيجوز الترقيع بها في المقام لضرورة المعالجة ، كما سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالي .


الثاني عشر : لا إشكال في جواز الترقيع أو وجوبه علي الطبيب عند توقّف حفظ الحياة علي ذلك ، ولو كان ذلك ملازماً لترك واجب كوجوب دفن العضو ؛ لأهمّية حفظ الحياة .


وأمّا في غير هذا المورد ممّا لا يتوقّف حفظ الحياة عليه فهل يجوز له ذلك مع مخالفة خطاب التكفين والدفن أم لا ؟ يمكن أن يقال : إنّ ذلك ممنوع لكونه موجباً لترك تكفين العضو ودفنه ، وهما واجبان ؛ فإنّ العضو ما دام يصدق عليه أنّه من الأجزاء المبانة من الحيّ أو من أجزاء الميّت ، يجب تكفينه ودفنه .


نعم ، بعد صيرورته جزءا للحيّ لا يبقي موضوع للدفن والتكفين كما لا يخفي . اللّهمّ إلاّ أن يقال : لو سُلّم وجوب التكفين والدفن في مثل المقام فالاضطرار إلي المعالجة يرفعهما ، كما يرفع حرمة النظر واللمس عند المعالجة لو توقّفت علي النظر . ولذا استدل المحقق الحائري قدس سره لرفع حرمة النظر واللمس عند الاضطرار إلي المعالجة ( 27 ) بعموم رفع ما اضطرّوا إليه ، وعموم الضرورات تبيح المحظورات ، وصحيحة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسر وإمّا جراح في مكان لا يصلح النظر إليه ، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له أن ينظر إليها ؟ قال : « إذا اضطرّت إليه فيعالجها إن شاءت » ( 28 ) ، فإنّها تدلّ علي جواز رفع اليد عن الحرام باضطرار المريض إليه ، وبذلك ترفع اليد عن إطلاق ما دلّ علي عدم الجواز ، كموثّقة السكوني عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سئل أمير الموءمنين عليه السلام عن الصبي يحجم المرأة ، قال : « إن كان يحسن يصف فلا » ( 29 ) ، من دون فرق بين كون الضرورة المسوّغة للنظر ممّا يلزم رفعها شرعاً ، كما إذا كان مرض المرأة موءدّياً إلي الهلاك أو المضرّة ، وبين كونها ممّا لا يلزم رفعها شرعاً ، كما إذا لم يكن كذلك بل كان تحمّله شاقّاً عليها ؛ لصدق الاضطرار وترك الاستفصال في الصحيحة ، فكما أنّ الاضطرار إلي المعالجة يوجب رفع اليد عن الحرام كذلك يوجب رفع اليد عن الواجب وهو التغسيل والتكفين ؛ لضرورة العلاج .


وكخبر عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسي بن جعفر عليهما السلام ، قال : سألته عن المرأة تكون بها الجروح في فخذها أو بطنها أو عضدها ، هل يصلح للرجل أن ينظر إليه يعالجه ؟ قال : « لا » ( 30 ) . فأدلّة رفع الاضطرار وصحيحة الثمالي تدلّ علي رفع الحرمة . وتوهّم أنّ الاضطرار إنّما يوجب رفع الحكم عن المضطرّ دون غيره ، فكيف يجوز للطبيب رفع اليد عن الواجب مع أنّ المضطرّ هو المريض لا الطبيب ؟ !


مدفوع : بما أفاده المحقّق الحائري قدس سره من أنّ الاضطرار إنّما يوجب رفع الحكم عن خصوص المضطرّ فيما إذا لم يكن رفعه عنه متوقّفاً عقلاً علي رفعه عن غيره كما في المقام ، وإلاّ فيكون دليل رفعه عن المضطرّ دالاًّ بدلالة الاقتضاء علي رفعه عن ذلك الغير أيضاً ؛ صوناً عن اللغوية ( 31 ) .


هذا مضافاً إلي إمكان دعوي أنّ الترقيع بالأعضاء لا ينافي وجوب التكفين والدفن في أكثر الموارد ؛ لعدم احتياج الترقيع إلي مضي زمان ينافي الفورية العرفية .


علي أنّ لقائل أن يقول : دليل التكفين والدفن لبّي ، فيقتصر فيه علي القدر المتيقّن ، وهو ليس مثل المقام .


ولكن يرد عليه : أنّ الدليل الاجتهادي موجود في المقام وهو مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : « لا يمسّ من الميّت شعر ولا ظفر وإن سقط منه شيء فاجعله في كفنه » ( 32 ) . وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ، قال : سألت أباعبداللّه عليه السلام عن الميّت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلّم ( ظفره ) ، قال : « لا يمسّ منه شيء ؛ اغسله وادفنه » ( 33 ) . فيجب التكفين والدفن بناءً علي أنّ مرسلات ابن أبي عمير في حكم المسانيد ، كما هو الظاهر .


اللّهمّ إلاّ أن يقال : بأنّ الروايات المذكورة تدلّ علي لزوم تكفين الأعضاء ودفنها ؛ حتّي لا تصير منتنة ومندرسة بحيث تنافي احترام الميت ، فتكون تلك الروايات منصرفة عمّا إذا كانت الأعضاء مورد الاستفادة كزماننا هذا . ويشهد لذلك ما رواه في التهذيب عن محمّد بن يعقوب ، عن صفوان بن يحيي ، عن الحسين بن زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : . . . سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنّه ، فيأخذ سنّ إنسان ميّت فيضعه مكانه قال : « لا بأس » ( 34 ) .


وهو يدلّ علي جواز أخذ السنّ الذي هو عضو من الميّت لعلاج الأسنان ، مع أنّ لازمه هو عدم الدفن .


فتحصل : أنّ الترقيع للترميم الذي اضطرّ إليه المريض جائز لضرورة المعالجة ، إلاّ أنّ ذلك فيما إذا كان أخذ الأعضاء جائزا بمثل الوصية ، فلا تغفل .


الثالث عشر : هل يجوز أخذ شيء في قبال إعطاء العضو أم لا ؟


ذهب بعض الفقهاء إلي صحّة بيعه وتمليكه ، مستدلاًّ بأنّ الإنسان وإن لم يكن مالكاً لأعضائه ومتعلّقات نفسه وبدنه ملكيةً اعتبارية عقلائية ـ ضرورة أنّ أمرها وإن كان بيده بحكم الضرورة عند العقلاء أيضاً كما مرّ الكلام فيه ـ إلاّ أنّها لا تعتبر من أملاكه كما يعتبر لباسه ونقوده وداره وفرشه ملكاً له ، لكنّه ليس قوام البيع الذي هو تمليك مال بعوض إلاّ بأن يكون اختيار المبيع بيد البائع .


كما يظهر ذلك لمن تدبّر أمر الزكاة ؛ فإنّ الظاهر أنّ الزكاة زكاة لا غير ، فهي مال وليست ملكاً لأحد ، والموارد الثمانية المذكورة في الكتاب العزيز إنّما هي مصارف معيّنة لها شرعاً لا أنّها أو بعضاً منها مالكة لها ، ومع ذلك فلا ينبغي الشكّ في أنّه إذا باع ولي الأمر الزكاة التي أخذها ـ بما أنّه ولي أمر المسلمين ـ فالبيع بيع حقيقة ، بل وصحيح عرفاً وشرعاً .


فهكذا الأمر في مسألة أعضاء الإنسان ومتعلّقاته ، فإنّها مال يُبذل مالٌ آخر بإزائه ، ويكون أمرها بيد صاحبه ؛ فله أن ينقلها إلي الغير مجّاناً ، كما أنّ له نقلها إليه في مقابل عوض ، وحقيقة مثل هذا النقل هو البيع ، ومقتضي إطلاق مثل قوله : «أحلّ اللّه البيع »وسائر أدلّة صحّة البيع صحّته ، فيصير العضو المذكور ملكاً للمشتري .


ثمّ قال :


إن قلت : إنّ أمر عدم ملكية الإنسان لأعضائه ملكية اعتبارية وإن كان كما ذكرت ، إلاّ أنّ هنا أدلّة خاصّة دلّت علي اعتبار الملكية في المبيع ، ومقتضاها بطلان بيع الإنسان لأعضاء نفسه ، وكفي في ذلك النبوي المشهور : « لا بيع إلاّ في ملك » .


قلت : لم نقف علي النبوي المعروف بهذه العبارة بعد فحص أكيد ، ولا علي رواية اُخري عن النبيّ أو الأئمّة المعصومين عليهم السلام تفيد هذا المعني .


ثمّ نقل أخباراً متعدّدة من طرق العامّة تدلّ علي أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله وسلم قال : « لا بيع إلاّ فيما تملك » أو أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله وسلم قال : « ليس علي رجل طلاق فيما لا يملك ، ولا عتاق فيما لا يملك ، ولا بيع فيما لا يملك » ، قائلاً بأنّ المراد بها أن يعمد الإنسان إلي بيع الشيء قبل أن يصير ملكاً له ويدخل في ملكه . واستشهد عليه بأمرين :


أحدهما : قوله صلي الله عليه و آله وسلم : « ليس علي الرجل . . . » ، فإنّ التعبير به إنّما يناسب لو كان وقوع البيع يوجب عليه تكليفاً يوءخذ به ، وهو لا يكون إلاّ إذا كان بيعه عن نفسه ، وإلاّ فبيع ما ليس ملكاً له إذا كان بيع مال الغير ومن قبيل الفضولي فوقوع البيع إنّما يوجب وقوع التكليف علي مالك المبيع ، والبائع الفضولي أجنبي عن البيع لا يوقعه في تكلّف أصلاً ، بخلاف ما لو باع عن نفسه .


وقد وردت عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام في باب بيع العينة بألفاظ اُخر ما تدلّ علي بطلان بيع العين قبل أن يملكها .


وثانيهما : ذكر البيع في عِداد طلاق ما لا يملك ؛ فإنّ من الواضح أنّ الملكية المعتبرة في الطلاق ليست ملكية اعتبارية ، بل إنّما هي بمعني كون أمر المطلّقة بيده ؛ بأن تكون زوجة له حين وقوع الطلاق ، ليتصوّر فيه مفهوم الطلاق .


فكما أنّ المراد بالملك فيه هو أن يكون مالكاً لأمرها بالفعل ، في قبال ما ليس أمرها بيده ؛ كطلاق الأجنبية التي هي زوجة الغير ، وكطلاق من يريد تزويجها قبل أن يتزوّجها .


فهكذا الكلام في قوله : « لا بيع فيما يملك » أو « لا بيع إلاّ فيما تملكه » ، فيراد بالملك فيه : أن يكون أمر المبيع بالفعل بيده ليكون له الآن التصرّف فيه بالبيع ونحوه .


وبعبارة اُخري : يراد بالملكية أن يكون تحت اختياره وفي يده وسلطته ، وهذا معني حاصل للإنسان بالنسبة إلي أعضائه ـ إلي أن قال : ـ فهذه الأخبار إنّما هي بصدد النهي عن بيع الشيء قبل أن يدخل تحت يده واختياره ، لا في مقام اشتراط الملكية الاعتبارية في المبيع ( 35 ) .


ويمكن أن يقال أوّلاً : إنّا نمنع بناء العقلاء في عصر الشارع علي بذل الحي لأعضائه من جهة كونه مختارا في أمر أعضائه ، وقد مرّ أنّ الأخذ بمثل قاعدة السلطنة ونحوها غير تام ؛ لأنّها ليست مشرّعة ، بل لو سلّم إطلاق القواعد والأدلة ـ مثل قاعدة السلطنة أو قاعدة تفويض الاُمور إلي المؤمن إلاّ الإذلال كما دلّت عليه موثقة سماعة ( 36 ) ـ فهي محكومة بقاعدة لا ضرر .


وثانيــا : إنّ الأعضاء المبانة محكومة بالنجاسة الذاتية ، وقد دلّ الدليل علي عدم جواز بيع النجاسات الذاتية وإن كانت لها منافع شائعة ، كقوله عليه السلام : « ثمن العذرة من السحت » ( 37 ) . فالعذرة وإن كانت لها منفعة شائعة كالتسميد لكن لا يجوز بيعها وشراؤها ، وحيث لا خصوصية للعذرة فكلّ نجاسة ذاتية تكون كذلك .


وثالثــاً : إنّ الأجزاء المبانة والميّتة ممّا يصرّح بعدم جواز بيعها ؛ لقوله عليه السلام في موثّقة أبي نصر البزنطي عن مولانا الرضا عليه السلام في الأليات المقطوعة : « نعم ، يذيبها ويسرج بها ، ولا يأكلها ، ولا يبيعها » ( 38 ) ، ولقول الإمام الصادق عليه السلام في موثّقة السكوني : « السحت ثمن الميتة » ( 39 ) ، وغير ذلك من الروايات . وفي قبالها خبر محمّد بن عيسي ، عن أبي القاسم الصيقل وولده ؛ كتبوا إلي الرجل : جعلنا اللّه تعالي فداك ، إنّا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ، ونحن مضطرّون إليها ، وإنّما علاجنا (غلافها ـ ظ) جلود الميتة والبغال والحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها ، فيحلّ لنا عملها وشراوءها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلّي في ثيابنا ؟ ونحن محتاجون إلي جوابك في هذه المسألة ، ياسيّدنا ، لضرورتنا . فكتب : « اجعل ثوباً للصلاة » . وكتب إليه : جعلت فداك ، وقوائم السيوف التي تسمّي السفن نتّخذها من جلود السمك ، فهل يجوز لي العمل بها ولسنا نأكل لحومها ؟ فكتب عليه السلام : « لا بأس » ( 40 ) .


ولكن الرواية ضعيفة من جهة جهالة أبي القاسم الصيقل ، والقول بأنّ المخبر هو محمّد بن عيسي لا أبو القاسم الصيقل ، غير سديد بعد رواية محمّد بن عيسي عن أبي القاسم الصيقل ؛ فإنّ الظاهر منه أنّ الراوي للكتابة هو أبو القاسم ، وعليه فأبو القاسم الصيقل روي كتابة أهل صنفه إلي الإمام لا كتابة نفسه وولده إليه ، وإلاّ لقال : « كتبنا » ، هذا مضافاً إلي أنّ الراوي لو كان محمّد بن عيسي للزم أن يقول : « كتبا » لا « كتبوا » . هذا من جهة سند الرواية .


وأمّا من حيث مدلولها فلا تدلّ علي المقصود ؛ لأنّ مورد السوءال ـ كما أفاد شيخنا الأعظم في المكاسب ـ عمل السيوف وبيعها وشراؤها ، لا خصوص الغلاف مستقلاًّ ولا في ضمن السيف علي أن يكون جزءاً من الثمن في مقابل عين الجلد ، فغاية ما يدلّ عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمداً للسيف ، وهو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال ( 41 ) .


والحاصل : أنّ مع احتمال أن يكون المبيع هو السيف والغلافُ تابع له بنحو الشرط ، لا تصلح تلك الرواية للخروج بها عن تلك النصوص ، وبقية الكلام في محلة .


وعليه ، فالأعضاء المبانة ممنوعة البيع بخصوصه شرعاً فلا يجوز أخذ شيء بإزائها .


ورابعــاً : إنّا لا نسلّم عدم دخالة الملكيّة الاعتبارية في حقيقة البيع بعد كونه تمليك عين بعوض لغةً وعرفاً ، ولو سلّمنا ذلك فقد دلّت الروايات علي اعتبارها :


فمنهـا : رواية سليمان بن داود المنقري ، عن جعفر بن غياث ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال له رجل : أرأيت إذا رأيت شيئاً في يدي رجل ، أيجوز لي أن أشهد أنّه له ؟ فقال : « نعم » .


قلت : فلعلّه لغيره ؟


قال : « ومن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكاً لك ثمّ تقول بعد [ ذلك [ الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز لك أن تنسبه إلي من صار ملكه إليك من قِبله ؟ ! ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السلام : لو لم يجز هذا ما قامت للمسلمين سوق » ( 42 ) .


والذي رواه في الفقيه عن سليمان بن داود المنقري فقد رواه عن أبيه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري المعروف بـ « ابن الشاذكوني » علي ما صرّح به في المشيخة . والرواية ضعيفة بسبب جهالة جعفر بن غياث ، وإن قلنا باتّحاد القاسم بن محمّد الأصبهاني مع القاسم بن محمّد الجوهري كما في رجال الأردبيلي . وكيف كان ، فقوله عليه السلام : « ومن أين جاز لك أن تشتريه » يدلّ علي توقّف جواز الشراء علي كون ذي اليد مالكاً وكون الشيء ملكاً له ، ولا يكفي مجرّد كونه تحت يده كما لا يخفي .


ومنهـا : صحيحة محمّد بن الحسن الصفّار المروية في الكافي : عن محمّد بن يحيي ، عن محمّد بن الحسن أنّه كتب إلي أبي محمّد عليه السلام : رجل كان له قطاع أرضين ، فحضره الخروج إلي مكّة ، والقرية علي مراحل من منزله ، ولم يوءت بحدود أرضه ( ولم يكن له من المقام ما يأتي بحدود أرضه ـ خ الفقيه ) وعرف حدود القرية الأربعة ، فقال للشهود : اشهدوا أنّي قد بعت من فلان ( يعني المشتري خ ـ الفقيه ) جميع القرية التي حدّ منها كذا والثاني والثالث والرابع ، وإنّما له في هذه القرية قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك وإنّما له بعض هذه القرية( وإنّما له نصف هذه القرية خ ـ الفقيه ) ، وقد أقرّ له بكلّها ؟


فوقّع عليه السلام : « لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشراء علي البائع علي ما يملك » ( 43 ) .


ورواها في الفقيه عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، عن محمّد بن الحسن الصفّار أنّه كتب إليه في رجل . . . إلخ ، إلاّ أنّ فيه : « فوقّع عليه السلام : لا يجوز بيع ما ليس يملك [ بالباء ] » ( 44 ) .


ورواها في التهذيب أيضاً بسند صحيح عن محمّد بن الحسن الصفّار قال : . . . وكتبت إليه : رجل . . . إلخ ، إلاّ أنّ الجملة الأخيرة فيه جاءت مطابقة لما رواه في الفقيه في قوله : « فوقّع عليه السلام : لا يجوز بيع ما ليس بملك [ بالباء ] » ( 45 ) .


والظاهر أنّ نسخة الفقيه والتهذيب أرجح من نسخة الكافي ؛ إذ دخول الباء شائع في خبر « ليس » ولكن دخول « ليس » علي الفعل ليس بشائع .


ولا يخفي عليك أنّ الرواية تدلّ علي اشتراط صحّة البيع والشراء بالملك ، فإنّ السائل بقوله : « وإنّما له بعض هذه القرية » ذكر أنّ البائع مالك لبعض القرية وأنّه باع جميع القرية مع أنّه ليس له إلاّ بعضها ، فأجاب الإمام عليه السلام بأنّ البيع صحيح فيما ملكه ، لا فيما ليس يملك أو لا يملكه ، ومن الظاهر أنّ المستفاد منه هو اشتراط صحّة البيع بمالكيّة البائع ومملوكية المبيع ، لا صرف كون العين تحت اختياره . هذا مضافاً إلي أنّ النسخة لو كانت « لا يجوز بيع ما ليس بملك ـ بالباء » فالأمر أوضح ؛ فإنّه يفيد اشتراط الجواز بالملك ، كما في النبوي الشريف : « لا بيع إلاّ في ملك » .


ومنهـا : موثّقة إسحاق بن عمّار المروية عن التهذيب ، عن الحسن بن محمّد ابن سماعة ، عن عليّ بن رئاب وعبد اللّه بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن العبد الصالح عليه السلام قال : سألته عن رجل في يده دار ليست له ، ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله ، قد أعلمه من مضي من آبائه أنّها ليست لهم ، ولا يدرون لمن هي ، فيبيعها ويأخذ ثمنها ؟ قال : « ما اُحبّ أن يبيع ما ليس له » .


قلت : فإنّه ليس يعرف صاحبها ، ولا يدري لمن هي ، ولا أظنّه يجيء لها ربّ أبداً . قال : « ما اُحبّ أن يبيع ما ليس له » . قلت : فيبيع سكناها أو مكانها في يده ؛ فيقول لصاحبه : أبيعك سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي ؟ قال : « نعم ، يبيعها علي هذا » ( 46 ) .


إذ الظاهر هو اشتراط مملوكيّة المبيع للبائع في صحّة البيع ، لا كون المبيع تحت يده ؛ وإلاّ فهي تحت أيديهم ويجوز لهم التصرّف فيها ، فتأمّل .


هذا مضافاً إلي ظهور قوله عليه السلام : « ما اُحبّ أن يبيع ما ليس له » في اشتراط الملكية وتعلّق الشيء بالمالك ، لا كونه تحت يده واختياره .


ومنهـا : صحيحة محمّد بن مسلم المروية عن التهذيب ، عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد ، عن حريز ، وصفوان عن العلاء ، جميعاً عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أتاه رجل فقال : ابتع لي متاعاً لعلّي أشتريه منك بنقد أو نسيئة ، فابتاعه الرجل من أجله . قال : « ليس به بأس ، إنّما يشتريه منه بعدما يملكه » ( 47 ) . والمراد بالعلاء هو العلاء بن رزين ؛ بقرينة الراوي والمروي عنه .


والمستفاد من الرواية : هو اشتراط مملوكية المبيع ومالكية البائع في صحّة البيع والشراء ؛ لأنّ الظاهر من قوله : « بعدما يملكه » أنّ الاشتراء يتعلّق بالشيء بعد دخوله في أملاكه وأمواله وصيرورته مالكاً له . وحمله علي أنّ المراد أنّه بعد دخوله تحت اختياره خلاف الظاهر جدا .


ومنهـا : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن العينة ، فقلت : يأتيني الرجل فيقول : اِشتر المتاع واربحْ فيه كذا وكذا ، اُراوضه علي الشيء من الربح فتراضي به ، ثمّ أنطلق فأشتري المتاع من أجله لولا مكانه لم اُرده ، ثمّ آتيه به فأبيعه .


قال : « ما أري بهذا بأساً ، لو هلك منه المتاع قبل أن تبيعه إيّاه كان من مالك ، وهذا عليك بالخيار إن شاء اشتراه منك بعدما تأتيه وإن شاء ردّه ، فلست أري به بأساً » ( 48 ) .


لظهوره في اشتراط صحّة البيع بدخول الشيء في ملك البائع ، فما دام لم يدخل الشيء في حبالة أمواله ولم يصر البائع مالكاً إياه لا يجوز البيع ، فقبل البيع حيث كان من أموال البائع فلا مانع من البيع ؛ لتأخّره عن كونه من أمواله .


ومنهـا : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل أمر رجلاً يشتري له متاعاً ، فيشتريه منه . قال : « لا بأس بذلك ؛ إنّما البيع بعدما يشتريه » ( 49 ) .


فإنّ الظاهر منه أنّ البيع متأخّر عن الاشتراء ، وهو تملّك المبيع بعوض . ومقتضي الحصر هو عدم جواز البيع فيما لم يتملّك شيئاً .


وغير ذلك من الأخبار الدالّة علي اشتراط صحّة البيع بمملوكية المبيع ومالكية البائع .


وحمل الأخبار المذكورة علي أنّ المراد هو اشتراط صحّة البيع بكون المبيع تحت اختياره لا بكونه من أمواله وتحت حبالة ملكيّته ، كما تري بعد ما عرفت من الشواهد الدالّة علي تعليق صحّة الاشتراط بمملوكية المبيع ومالكية البائع .


والاستشهاد بروايات العامّة ـ مع ضعفها ومنافاتها مع ما ورد في روايات الخاصّة ـ علي أنّ المراد هو كونه تحت الاختيار ، بعيد جدّاً .


وخامسـاً : النبوي الشريف : « لا بيع إلاّ في ملك » مشهور ومعمول به كسائر النبويات المروية عن طرق العامّة ، فلا حاجة إلي السند ، اللهم إلاّ أن يقال : استناد الأصحاب إليه غير محرز .


وسادسـاً : إنّ العمدة في المنع هو الأخبار الدالّة علي ممنوعية بيع الأعيان النجسة والأجزاء المبانة ، ومع الغمض عنها فمع كون الأجزاء المبانة ممّا لها فائدة عقلائية يحكم العقلاء بكونها من الأموال لصاحبها ، والمالية الاعتبارية تكفي في صحّة البيع وإن لم يعتبروها قبل الإبانة بالفعل ، فلا حاجة في تصحيح البيع إلي إثبات كفاية كونها تحت اليد ، والأخبار الدالّة علي اعتبار مملوكيّة الشيء قبل البيع لا تدلّ علي أزيد من كونه مالاً للبائع ، وهو متحقّق في الأجزاء المبانة .


وسابعــاً : إنّ القول باشتراط الملكية الاعتبارية في المبيع لا يلزم منه القول ببطلان بيع ولي الأمر لما أخذه زكاةً وخمسا ، بعد إمكان القول بتملّك عنوان الفقراء للزكاة وعنوان السادة للخمس ، وهكذا فإنّ الجهات العامّة التي عبّر عنها بالمصرف في الزكاة أو الخمس تصلح للمالكيّة ، ومع إمكان المالكية بالنسبة إلي الجهات العامّة لا ملازمة بين اشتراط الملكية الاعتبارية والقول ببطلان بيع ولي الأمر ؛ إذ للولي ولاية علي الجهات العامّة ، فله بيعها بعد تحقّق شرط صحّته من المملوكية والملكية الاعتبارية .


وبالجملة ، فبعد دلالة النصوص علي عدم جواز بيع الأعيان النجسة والأجزاء المبانة لا يصحّ بيع الأجزاء المبانة .


وأمّا قبل إبانة الأجزاء ، فإنّها وإن كانت طاهرة ولكن لا يصحّ بيعها ؛ لأنّ شرط صحّة البيع هو الملكية الاعتبارية ، وهي مفقودة ؛ إذ لا اعتبار للمملوكية في أجزاء الحرّ .


فتحصّل : أنّه لا يجوز أخذ شيء في قبال الأجزاء المبانة مطلقاً ، سواء كانت من الحيّ أو الميّت ، أوصي الميّت به أو لم يوصِ ؛ لأنّ الوصية في أمر غير مشروع غير نافذة . وأمّا بذل شيء لباذل العضو فيما جاز له ذلك بعنوان التكريم والهبة من دون قصد المعاوضة فلا مانع منه . كما لا إشكال فيما إذا أعطي أحد لغيره شيئاً بداعي أن يأذن له في الاستفادة من بعض أعضائه فيما إذا جاز له ذلك ولو بالوصية ، ولا يجوز إعطاء شيء لأولياء الميّت بداعي أن يأذنوا في ذلك ، لعدم ولايتهم علي ذلك . نعم لا بأس بإعطاء شيء يرفع يدهم عنه فيما إذا جاز التصرّف في الميّت بجهة من الجهات .


الرابع عشـر : في صورة عدم اطمئنان الطبيب بنجاح عملية الترقيع في بدن المريض ، أو عدم اطمئنانه بسلامة بدنه من المضاعفات الحاصلة بعد ذلك ـ كما في ترقيع الكبد ونحوه ـ ففي مثل هذه الصورة هل يجوز الترقيع أو لا ؟


ولا كلام في جواز أخذ العضو من الميّت فيما إذا أوصي الميّت ببذل عضوه ولو لمثل هذه الموارد ، بناءً علي جواز الوصية ببذل العضو ونفوذها ، وإنّما الكلام في التصرّف في أبدان المرضي عند عدم الاطمئنان بنجاح عملية الترقيع فيها وسلامة البدن ، فإن كان ذلك ـ مع كونه اختباراً ـ معالجةً بالفعل للمريض أمكن القول بالجواز فيما إذا كانت المعالجة راجحة عند العقلاء ، كما عليه بناء العقلاء . فلا وجه لما في جامع المدارك من التمثيل لعدم رجحان المعالجة عند العقلاء بما لو كان المظنون الضرر أو الموت بسبب المعالجة ؛ مستشهداً بأنّ الأطباء المحتاطين لا يقدمون عليها ( 50 ) .


وذلك لأنّ بناء العقلاء علي المعالجة ولو مع احتمالٍ ضعيف كافٍ في الجواز ، ولا يضرّه اجتناب جمع من المحتاطين من الأطباء .


ويؤيد ما ذكر خبر إسماعيل بن الحسن المتطبب قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّي رجل من العرب ، ولي بالطبّ بصر ، وطبّي طبّ عربي ، ولست آخذ عليه صفداً [ = عطاء ] .


قال : « لا بأس » . قلت له : إنّا نبطّ الجرح [ = أي نشقّه ] ونكوي بالنار . قال : « لا بأس » .


قلت : ونسقي هذه السموم الاسمحيقون والغاريقون .


قال : « لا بأس » .


قلت : إنّه ربّما مات ؟


قال : « وإن مات » ( 51 ) .


نعم ، إن كان ذلك لمجرّد الاختبار والارتقاء العلمي ؛ فإن أوجب ضرراً علي الغير فلا يجوز وإن لم يكن مهلكاً ، وإلاّ فمع إذن المريض وعدم الضرر والهلاك لا وجه للمنع ، كما لا يخفي .


الخامس عشـر : ربّما يعرض عند الترقيع ما يؤدّي إلي فساد العضو ، هل يكون الطبيب ضامناً لذلك أو لا ؟


يمكن أن يقال : إنّ الطبيب بالنسبة إلي العضو المذكور ليس بضامن لو لم يفرّط ولم يتعدّ ؛ لأنّه أمانة عنده ، والأمين لا يضمن إلاّ بالتفريط والتعدّي والخيانة والتقصير ، والعوارض والطوارئ لا دخل للطبيب فيها . نعم ، لو فرّط أو تعدّي فهو ضامن . هذا كلّه بالنسبة إلي فساد العضو المرقّع به .


وأمّا بالنسبة إلي ضمان الطبيب حيال نفس المريض ؛ فإن كان قد أخذ البراءة من المريض أو وليّه ولم يقصّر في عمله فلا ضمان ، كما تدلّ عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « قال أمير الموءمنين عليه السلام : من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه ، وإلاّ فهو له ضامن » ( 52 ) ؛ حيث تدلّ الرواية ـ بحسب ظاهرها ـ علي أنّ البراءة موجبة لعدم الضمان ، لا أنّ الضمان المحقّق من جهة الجناية يرتفع بالبراءة كما قيل ؛ إذ مع تحقّق الجناية بدون البراءة يكون تعلّق الضمان واضحا ، ولا يحتاج إلي الحكم بالضمان ، فلا يكون لقوله عليه السلام : « وإلاّ فهو له ضامن » ـ الظاهر في حدوث الضمان ـ وجه بل اللازم أن يقال : إنّ مع عدم أخذ البراءة لا رافع للضمان ، فتدبّر جيّداً .


وأمّا إذا لم يأخذ البراءة وإن لم يقصّر ، بل وإن أذن المريض أو وليّه ، فهو ضامن ؛ لإطلاق دليل الضمان ، واختصاصِ رفعه بصورة البراءة في المعتبرة المذكورة .


هذا مضافاً إلي ما جاء في معتبرة السكوني من أنّ أمير الموءمنين عليه السلام ضمّن ختّاناً قطَع حشفة غلام ( 53 ) ، بناءً علي حملها علي ما إذا لم يأخذ البراءة وإن كان مأذوناً فيه بحسب الغالب .


ثمّ إنّ المراد من الولي هو الذي له تصدّي اُمور المريض ؛ وهو في الإنسان ولي شرعي من الأب والولد وغيرهما من الطبقات إن كانوا ، والحاكم الشرعي مع عدمهم ، وعدول الموءمنين مع عدمه .


السادس عشر : إذا اختطف شخص إنسانا فشقّ بطنه وأخذ بعض أعضائه ؛ فإن أوجب ذلك هلاك المختطَف جري فيه القصاص ، وإن لم يوجب ذلك هلاكه فلا إشكال في حرمة الاختطاف ، واستحقاق التعزير به إن لم يكن ذلك حرفته ، وإلاّ فربّما يقال : إنّه مفسد فتترتّب عليه أحكام المفسد . بل لعلّ الاختطاف المذكور سرقة للحرّ أو الحرّة ، فيشمله خبر الثوري قال : سألت جعفر بن محمّد عليهما السلام عن رجل سرق حرّة فباعها . فقال : « فيها أربعة حدود ، أمّا أوّلها : فسارقٌ تقطع يده . . . » ، وموثقة السكوني أنّ أمير المؤمنين عليه السلام اُتي برجل قد باع حرّا فقطع يده ( 54 ) . اللهم إلاّ أن يقال : بيع الحرّة والحرّ له دخل في الحكم بجريان أحكام السرقة ، فتأمل .


وكيف كان ، فشقّ البطن جناية الجائفة ، وهي موجبة لاستحقاق ثلث الدية إن لم نقل باختصاصها بالرأس والوجه وشمولها للبدن أيضا كما هو المعروف ، وأمّا إن قلنا باختصاصها بالرأس والوجه فيجري حكم القصاص ، إلاّ إذا رضي المجني عليه بالدية .


وأمّا أخذ العضو ؛ فإن كان ممّا في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، وإن كان ممّا في الجسد منه واحد فدية كاملة ؛ لقول الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة عبداللّه بن سنان : « ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ؛ مثل اليدين والعينين . . . » ( 55 ) وغيره ، بناءً علي كونه غير مختصّ بالأجزاء الظاهرية وإنّما يعمّ ويشمل الأجزاء الباطنية ، وكون ذكر اليدين والعينين ونحوهما من باب المثال ، كما هو الظاهر .


وأمّا بناءً علي اختصاص الرواية بالأجزاء الظاهرية وعدم تقدير الدية في العضو المأخوذ من الباطن ففيه الأرش والحكومة ، وهو أن يقوّم صحيحاً إن كان مملوكاً ، ويقوّم مع الجناية وينسب إلي القيمة ويوءخذ من الدية بحسابه .


هذا مع قطع النظر عن مالية المأخوذ بعد الإبانة كالكلي ونحوها ، وإلاّ أمكن القول بضمان قيمتها مضافاً إلي الدية ؛ فإنّها بعد الأخذ مال ، والواجب هو ردّه إلي صاحبه ، فمع الإتلاف ولو بترقيعه في بدن آخر فهو له ضامن بالإتلاف ، وضمان الدية من جهة القطع ، ومن المعلوم أنّ تعدّد الأسباب يقتضي تعدّد الضمان .


وإن رقّعه الآخذ في بدنه ، فهل يمكن القول بجواز أخذ عين العضو لبقائه ، أو لا ؛ لصدق الإتلاف بصيرورته جزءاً ؟ وجهان . وبقية الكلام في محلّه .


السابع عشر : إذا قلنا بجواز الوصية بإعطاء الأعضاء فلا دية علي الآخذ ؛ لإقدام الميّت علي ذلك ، ومع الوصية والإذن لا يكون ذلك منافياً لحرمة الميّت .


وأمّا إذا لم يوصِ أو لم نقل بجواز الوصية ، فهل يوجب أخذ عضو من الميّت لغرض الترقيع ديةَ العضو أم لا ؟


ربّما يقال : الظاهر هو وجوب الدية ؛ وذلك لتعليل ثبوت الدية بقطع رأس الميّت بحرمة الميّت في حال مماته بمثل حرمته في حال حياته ؛ فكما أنّ الجناية عليه في حال حياته توجب الدية فكذلك في حال كونه ميّتاً .


وتشهد له صحيحة عبداللّه بن سنان في رجل قطع رأس الميّت ، قال عليه السلام : « عليه الدية ؛ لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حي » ( 56 ) ؛ لتعليل الدية بالضابطة المذكورة .


وهذه العلّة المنصوصة كما تقتضي عموم حكم وجوب الدية في شتّي أفراد الجنايات وأقسامها فهكذا تقتضي ثبوت حكم الدية ، سواء كان ذلك بداعي التمثيل والتنكيل أو بداعي إرادة الانتفاع بعضوه في الترقيع ؛ إذ كلتا الحالتين مشتركتان في أنّ الحرمة المجعولة للميّت تمنع عن جواز إقدام الغير علي قطع عضو منه ، وفي أنّها تقتضي ثبوت الدية علي القاطع لمّا أقدم علي هتك حرمته وقطع عضوه بلا إذن منه ، ولا ما يقوم مقامه ( 57 ) .


ومن المعلوم أنّ مجرّد جواز ذلك عند تزاحم الأهمّ لا يدفع العلّة لتشريع الدية ، بل أخذ العضو عند التزاحم ينافي حرمة الميت المسلم وإن كان الأخذ جائزاً ؛ كما إذا وضع الساقط من فوق رجله علي رأس موءمن ؛ فإنّه مع جوازه ـ لدفع الهلاك ونحوه ـ ينافي احترام الموءمن . هذا مضافاً إلي ما قيل من أنّ التعليل غير ثابت بل لعلّه حكمة الحكم ، ومقتضي إطلاق جعل الدية كافٍ في إثبات الدية ، فتأمّل .


نعم ، إذا توقّف حفظ حياة موءمن علي أخذ عضو من ميّت مسلم أمكن التمسّك بالأخبار الواردة في جواز تقطيع الولد وإخراجه من بطن اُمّه حفظاً لحياة اُمّه ، أو شقّ بطن اُمّه حفظاً لحياة ولدها ؛ بدعوي أنّ مقتضي إطلاقها هو عدم وجوب الدية . اللهمّ إلاّ أن يقال باختصاصها بموردها من صيرورة الميت سببا مقتضيا لموت الحيّ .


لا يقال : إنّ جواز أخذ العضو شرعاً يستلزم عدم الدية .


لأنّا نقول : لا ملازمة بين رفع الحكم التكليفي ورفع الحكم الوضعي ، ألا تري أنّه يجوز عند الاضطرار أكل مال الغير ومع ذلك لا يرفع ضمانه ؟ ! فكلّ مورد يجوز فيه أخذ العضو من باب التزاحم وتقديم جانب الأهمّ ، ولم يرد فيه نصّ خاصّ ، لا وجه لرفع حكم الدية ، وبقية الكلام في محلّه .


الثامن عشـر : هل يجوز ترقيع موضع القصاص بنفس العضو الذي قطع منه أو بغيره ، أم لا يجوز ؟


ربّما يقال : إنّ المستفاد من الآيات والأخبار تساوي الجناية والقصاص ، بل ما دلّ علي التساوي لعلّه آبٍ عن التخصيص ( 58 ) ، وعليه فالقصاص بمثل الجناية الواردة يكفي في تحقّق التساوي ، ومعه لا مانع من ترقيع موضع القصاص بنفس العضو الذي قطع منه أو بغير العضو المذكور .


وإليه مال سيّدنا الإمام المجاهد قدس سره حيث قال : « لو قطع اُذنه فألصقها المجني عليه والتصقت فالظاهر عدم سقوط القصاص . ولو اقتص من الجاني فألصق الجاني اُذنه والتصقت ففي رواية : قطعت ثانية لبقاء الشين ، وقيل : يأمر الحاكم بالإبانة لحمله الميتة والنجس . وفي الرواية ضعف . ولو صارت بالإلصاق حيّة كسائر الأعضاء لم تكن ميتة وتصحّ الصلاة معها ، وليس للحاكم ولا لغيره إبانتها ، بل لو أبانه شخص فعليه القصاص لو كان عن عمد وعلم ، وإلاّ فالدية » ( 59 ) .


واُورد عليه أوّلاً : بأنّ المماثلة في قوله تعالي : «فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم »تقتضي أن يجعل الجاني بلا اُذن ـ مثلاً ـ كما أنّ المجني عليه يكون كذلك .


وفيه : أنّ المماثلة في الاعتداء تعني أنّ الجناية الواردة علي شخص تقتضي إيراد مثلها علي الجاني ، وهو الذي عبّر عنه بالقصاص ، وهذه المماثلة هي التي دلّت عليها الآية الكريمة ولا تدلّ علي أكثر من ذلك ، ولا تأمر بالمماثلة بين الجاني والمجني عليه بعد القصاص .


ولعلّ هذا هو مراد السيّد المحقّق الخوانساري قدس سره من قوله : إنّ المستفاد من الآيات والأخبار تساوي الجناية والقصاص .


وثانياً : بأنّ ذلك وإن كان كذلك بحسب القاعدة الأوّلية ، ولكن اللازم هو رفع اليد عنه بما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن الحسن بن موسي الخشّاب ، عن غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام : « إنّ رجلاً قطع من بعض اُذن رجل شيئاً ، فرفع ذلك إلي عليّ عليه السلام فأقاده ، فأخذ الآخر ما قطع من اُذنه فردّه علي اُذنه بدمه فالتحمت وبرأت ، فعاد الآخر إلي عليّ عليه السلام فاستقاده ، فأمر بها فقطعت ثانية ، وأمر بها فدفنت ، وقال عليه السلام : إنما يكون القصاص من أجل الشين » ( 60 ) .


بدعوي أنّ مقتضاها هو عدم جواز ترقيع موضع القصاص أو موضع الجناية ليبقي الشين ، كما يشهد له عموم قوله عليه السلام : « إنّما يكون القصاص من أجل الشين » ، وهذا البقاء لا يتحقّق إلاّ إذا منع عن الترقيع به وعن إعادته بعد الاستئصال .


وفيه : أنّ الرواية ضعيفة ، ولعلّه من جهة عدم التوثيق الخاصّ للحسن بن موسي الخشّاب . ولكن الضعف ممنوع بعدما صرّح في رجال النجاشي وغيره بأنّه من وجوه أصحابنا ، مشهور ، كثير العلم ( 61 ) .


هذا مضافاً إلي ما عن البهبهاني في التعليقة من أنّه روي عنه محمّد بن أحمد بن يحيي ولم يستثنه ابن الوليد .


علي أنّ أحمد بن محمّد بن عيسي روي عنه ، مع أنّه بعَّد البرقي عن قم لمكان نقله عن الضعفاء .


نعم ، يرد علي الرواية ـ كما أشار في جامع المدارك ـ : أنّ لازم التعليل المستفاد من الخبر هو جواز جرح المجني عليه للجاني ثانياً بل ثالثاً وأزيد مع الاندمال في بدن الجاني وعدم الاندمال في بدن المجني عليه لبقاء الشين ، وهكذا عكس ذلك ؛ فيجوز جرح الجاني لبدن المجني عليه ثانياً بل ثالثاً وأزيد مع الاندمال في بدن المجني عليه وعدم الاندمال في بدن الجاني لبقاء الشين . ولا أظنّ الالتزام به في غير موردها ؛ فلا يوءخذ بعموم التعليل ؛ وذلك لأنّ غايته هو الحكم به في مورد الرواية من منع المجني عليه من إعادة اُذنه فيما إذا لم يتمكّن الجاني منها بناءً علي ظهور قوله : « فأخذ الآخر ما قطع . . . » في المجني عليه ، أو منع الجاني من ذلك بناءً علي أنّ المراد من قوله : « فأخذ الآخر ما قطع . . . » هو الجاني . وكيف كان فلا يتعدّي عن مورد الرواية إلي سائر الموارد .


هذا مضافاً إلي أنّ الرواية ـ بناء علي تسليم الأخذ بعموم التعليل ـ لا تشمل ما إذا تمكّن كلّ واحد من المجني عليه والجاني من الترقيع ، فيجوز لكلّ واحد منهما ترقيع اُذنه .


وربّما يفصّل في ذلك ـ كما في كلمات سديدة ـ فتارة : تكون الجناية علّة تامّة لصيرورة المجني عليه بلا هذا العضو إلي الأبد ؛ كأن قطع اُذنه مثلاً وألقاها إلي كلب أو هرّة فأكلها ، أو أحرقها بالنار ، أو دقّها وسحقها ، أو قطعها في برّ لا يمكن فيه عملية الترقيع . ولعلّه يلحق به ما إذا كانت عملية الترقيع أمراً مغفولاً عنه عند عامّة الناس الذين منهم المجني عليه .


واُخري : لا تكون الجناية علّة تامّة ؛ كأن أقدم علي قطع اُذنه في مستشفي ، وذكر له أنّ طبيب عملية الترقيع موجود وهو نفسه يتحمّل موءونته .


ففي الصورة الاُولي : للمجني عليه ـ بموجب أدلة القصاص ـ أن يفعل ذلك بالجاني حتي تتحقّق المماثلة . فتجويز أن يرقع الجاني بذاك العضو المقطوع عن بدن نفسه خلاف أدلّة القصاص ، وبه يلحق مورد الغفلة العامّة .


وأمّا إذا كانت الصورة الثانية ، فالحقيقة هي أنّ الجناية لم توجب إلاّ مجرّد قطع عضو المجني عليه ، وإلاّ فصيرورته بلا ذاك العضو إلي الأبد كانت من آثار مسامحة نفسه لا من أعمال الجاني ، فلا تقتضي أدلّة القصاص أن يمنع الجاني عن عملية الترقيع استناداً إلي حصول المماثلة في الاعتداء والقصاص ؛ فإنّ الاعتداء لم يوجب إلاّ حدوث القطع ، وأمّا بقاوءه فهو لا يستند إلي المعتدي بل إلي مسامحة المعتدي عليه ، فلو أراد المجني عليه قطعه ثانية لكان هو اعتداء أزيد ممّا اعتدي عليه ، وهكذا لو أراد أن يمنعه من الترقيع به ـ إلي أن قال ـ : فتحصّل أنّ الحقّ هو التفصيل بين الموارد ، وأنّ للمجني عليه المنع من الترقيع أوّلاً ومطالبة قطعه بعد الترقيع ثانياً ، إلاّ أن تكون أسباب الترقيع معدّة له بلا أي مانع ولم يقدم عليه مسامحة ، وحينئذٍ فلا حقّ له علي الجاني بعد الاختصاص الأوّل أصلاً ( 62 ) .


وأنت خبير بأنّ المماثلة في الاعتداء ليست إلاّ بإيراد مثل الجناية ، كما نصّ عليه في آية كيفيّة القصاص «أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاُذن بالاُذن والسنّ بالسنّ . . . »( 63 ) .


وأمّا سائر الاُمور ؛ فإن كانت راجعة إلي إيراد نقص في البدن ـ كإذهاب استعداده لتقبّل العضو ـ فللمجني عليه ذلك ؛ لعموم جواز الاعتداء بالمثل ، وإن لم تكن راجعة إلي ذلك ـ كأن ألقي المقطوع إلي حيوان فأكله ، أو أحرقه بالنار ، أو منع من إلصاق العضو ، وغير ذلك من المحرّمات ـ فإنّه بعد وجوب دفن الأعضاء المبانة يكون الإلقاء والإحراق وكذلك منع الغير عن الإلصاق من المحرّمات ، فلا تشملها آية المماثلة في الاعتداء ؛ إذ الجنايات والجراحات قابلة للقصاص وليس المحرّمات ، بل هي توجب العقوبة والموءاخذة والتعزير والضمان علي حسب مواردها .


ألا تري أنّه إذا قطع شخص يد غيره ولاط به اقتصّ منه بقطع يده ، ويجري عليه حكم اللواط ، ولا يفعل به اللواط ؟ ! لتحقّق المماثلة مع ما فعله .


هذا مضافاً إلي أنّه في حالة غفلة المجني عليه عن عملية الترقيع لا سببية للجاني حتي يلحق بصورة ممانعته من الإلصاق .


وعليه ، فلا وجه للتفصيل المذكور ، مع أنّ الممانعة فعل محرّم لا يرتبط بالجناية الواردة علي المجني عليه .


فتحصّل : أنّه يجوز ترقيع العضو المقتصّ منه ، كما يجوز للمجني عليه الترقيع ، إلاّ أن يوءخذ بالرواية في خصوص موردها ، كما ادّعي عليه الإجماع في الرياض . ومقتضي الأولوية هو جواز منع الجاني أيضا من الترقيع مع عدم تمكّن المجني عليه منه . نعم لو تمكّنا من ذلك لجاز لكل واحد منهما الترقيع .


لا يقال : إنّ الترقيع للجاني ممكن في مورد الرواية .


لأنّا نقول : الظاهر منه هو عدم تمكّن الجاني منه ، ولعلّ وجهه هو أنّ عضوه المقطوع بأمر مولانا أمير الموءمنين عليه السلام صار مدفوناً . وكيف كان فيقتصر في العمل بالرواية حينئذٍ علي مورد قطع شيء من الاُذن في المجني عليه أو الجاني ، وأمّا التعدّي منه إلي سائر الموارد فمحل إشكال ونظر ، ولا أقلّ من الشكّ ، فمقتضي أصالة عدم جواز التعرّض للغير هو عدم جواز الممانعة ، فتأمّل .


ثمّ إنّه ربّما يقال : إنّ العضو المقطوع ميتة ، وعليه لا تصحّ الصلاة فيها ، فعلي الحاكم الشرعي أن يمنعه من الإلصاق .


لكن فيه أوّلاً : منع صدق الميتة بعد الترقيع وحلول الحياة في العضو وصيرورته كسائر الأعضاء .


ثانيـا : أنّ حمل الميتة في مقام المعالجة جائز ؛ لأنّ الضرورات تبيح المحذورات .


التاسع عشـر : هل يجوز للمحدود ترقيع عضوه المقطوع بالحدّ ، أم لا ؟


فيه وجهان :


وجه الجواز : أنّ مقتضي القاعدة هو الاقتصار علي المتيقّن بعد عموم حرمة التعرّض للغير ، والمتيقّن هو مجرّد قطع العضو ، والزائد عليه الذي هو المنع من الترقيع محرّم ؛ لعموم دليل حرمة التعرّض للغير ، ولا أقلّ من الشكّ ؛ فمقتضي استصحاب حرمة التعرّض له الثابتة قبل السرقة هو عدم جواز المنع من الترقيع .


ووجه المنع : هو قوله تعالي : «السارقُ والسارقةُ فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه »( 64 ) ، بدعوي أنّ المستفاد منه عرفاً بتناسب الحكم والموضوع أنّ المأمور به هو الحصول علي أثر القطع أعني الانفصال ، فكأنّ القطع بمنزلة المقدّمة للتوصّل إلي هذا الأثر ؛ حتي يكون الأثر الباقي جزاءً ونكالاً .


كما لو أوقف عبده مثلاً علي باب الدار ليمنع من دخول كلب في داره ، فإذا هجم كلب ودخل داره لغفلة العبد أو عجزه عن منعه فلا يصغي إلي دعوي أنّ المكلّف به هو ألاّ يدخل الكلب ، وقد دخل بالفرض ، فليس علي العبد الإقدام علي إخراجه من الدار بعد أن دخل ؛ وذلك لأنّ المفهوم من هذا التكليف في العرف وعند العقلاء أنّ المكلّف به إنّما هو أن لا يكون كلب في داره ، والمنع من الدخول إنّما هو بمنزلة مقدّمة له ، فإذا دخلها فعلي العبد التوصّل بأي وسيلة ممكنة إلي إخراجه منها .


ففيما نحن فيه أنّ الحد المأمور به هو أن يكون السارق مقطوع اليد وبلا يد ، والقطع طريق إليه قد أمر اللّه تعالي به ؛ وإلاّ فالغاية منه هو الواجب ، وهو المناسب لأن يكون نكالاً يتّعظ به غيره ( 65 ) .


وفيه : أنّ الغاية من القطع المدلول عليها في الآية المباركة هي الجزاء والنكال ، وهما حاصلان بمجرّد القطع ، ولا دليل علي أنّ المأمور به هو بقاء أثر القطع . ودعوي أنّ العرف يفهم ذلك لا شاهد لها ، وقياس المقام بالمثال المذكور مع الفارق ؛ فإنّ المعلوم في المثال هو عدم وجود الكلب في الدار ، بخلاف المقام فإنّ بقاء الأثر غير معلوم المطلوبية .


وربّما يستدلّ لذلك بروايات :


منهـا : صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قضي أمير الموءمنين عليه السلام في السارق إذا سرق : قُطعت يمينه ، وإذا سرق مرّة اُخري : قُطعت رجله اليسري ، ثمّ إذا سرق مرّة اُخري سجَنه ، وتُركت رجله اليمني يمشي عليها إلي الغائط ، ويده اليسري يأكل بها ويستنجي بها ، فقال : إنّي لأستحيي من اللّه أن أتركه لا ينتفع بشيء ، ولكنّي أسجنه حتي يموت في السجن . . . » ( 66 ) .


بدعوي أنّها ظاهرة الدلالة في أنّ إجراء حدّ السرقة يوءدّي إلي ألاّ يكون للسارق يد يمني في المرّة الاُولي ، وألاّ يكون له رجل يسري في المرّة الثانية ، وأنّه يترك له يده اليسري لأن تكون هي التي يأكل بها ، ورجله اليمني لأن تكون هي التي يمشي عليها ، ولذلك كان هو عليه السلام يستحيي من اللّه بعد ذلك أن يقطع له يداً أو رجلاً فيوءدّي إلي ألاّ ينتفع بشيء .


وبعبارة اُخري : قوله عليه السلام : « تركت رجله اليمني يمشي عليها إلي الغائط ، ويده اليسري يأكل بها ويستنجي بها » واضحة الدلالة علي أنّ قطع الرجل يوجب أن يفوّت عليه المشي عليها ، وقطع اليد يوجب فوت الأكل بها والاستنجاء بها ، وعلي أنّ إجراء حدّ القطع يوجب فيه هيئة أنّه لا يكون له يد أو رجل ( 67 ) .


وفيه : أنّ الرواية ناظرة إلي حدّ السرقة بالحكم الأوّلي ، ولا نظر لها إلي صورة ترميم بعض الأعضاء بالترقيع ، خصوصاً مع عدم تعارفها ، فلا إطلاق لها . وبالجملة : حدّ السرقة يوجب كيفيّة مذكورة بالطبع الأوّلي ، ولا ينافي جواز تغيّر وضع المحدود بالترقيع وإن كثرت الروايات الواردة في ترتيب حدّ السارق والسارقة من قطع اليد أوّلاً ، ثمّ قطع الرجل ثانياً ، ثمّ الحبس الأبدي ثالثاً ( 68 ) ، فتأمّل .


ومنهـا : خبر محمّد بن سنان المروي في العيون بأسانيده عن الرضا عليه السلام ـ فيما كتب إليه من العلل ـ : « وعلّة قطع اليمين من السارق : لأنّه يباشر الأشياء غالباً بيمينه ، وهي أفضل أعضائه وأنفعها له ، فجعل قطعها نكالاً وعبرة للخلق لئلاّ يبتغوا أخذ الأموال من غير حلّها » ( 69 ) .


بدعوي أنّ قوله عليه السلام : « وهي أفضل أعضائه وأنفعها له » ظاهر في أنّ الإقدام علي قطعها إنّما هو لحرمانه من النفع العائد له من هذا العضو الأفضل . كما أنّ قوله : « فجعل قطعها نكالاً وعبرة للخلق » إنّما يتأتّي إذا بقي عليها أثر القطع ؛ وإلاّ لَما كان عبرة للخلق بل لخصوص من شهد مجلس القطع أو نقل له وحكي ، لا لجميع الخلق المعاشرين له .


وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة بمحمّد بن سنان ، فتأمّل .


وثانيـاً : أنّ المذكور فيها حكمة الحكم لا علّته ، ولا مانع من تخلّف الحكمة في بعض الموارد بنحو الترقيع . هذا مضافاً إلي منع كثرة التخلّف ؛ فإنّ آثار القطع لا ترتفع كلّيةً حتي تنتفي العبرة رأساً .


وثالثـاً : أنّ القطع ولو لم يبقَ أثره يكون أيضاً عبرة للخلق بعد رؤية جماعة من المؤمنين ذلك وإخبارهم به ، ولا يلزم في العبرة والنكال بقاء الكيفية المذكورة ، كما أنّ اللّه سبحانه وتعالي جعل جماعة من بني إسرائيل ممّن اعتدوا في السبت قردة عبرةً للموجودين وغيرهم ممّن سيأتي بعدهم من دون بقائهم علي المسخ . قال تعالي : «ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتّقين »( 70 ) ، وأكثر القصص القرآنية بهذا الشكل ؛ فإنّها راجعة إلي الأقوام الماضية ومع ذلك يكون فيها عبرة للباقين كما لا يخفي .


ولكن الإنصاف أنّ الرواية انطبق فيها النكال والعبرة علي حرمان السارق ، في الآتي ، من يده اليمني التي يباشر بها الأشياء ، إلاّ أنّ الحكمة كالعلّة في التوسعة لا في التضييق ، فلا تنفي القطع الذي لا تترتّب عليه الحكمة .


ومنهـا : ما رواه في العلل عن محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن عثمان بن سعيد ، عن سماعة قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « اُتي أمير الموءمنين عليه السلام برجال قد سرقوا ، فقطع أيديهم ، ثمّ قال : إنّ الذي بان من أجسادهم قد يصل إلي النار ، فإن تتوبوا تجرّوها ، وإلاّ تتوبوا تجرّكم » ( 71 ) .


ولعلّ كلمة « قد » هنا للتوقّع ؛ كقولهم : « قد يقدم الغائب اليوم » ، أو للتحقيق ؛ كقوله تعالي : «قدْ نَري تقلّب وجهكَ . . . شطرَ المسجِد الحرام »( 72 ) .


بدعوي أنّ ظاهر قوله : « إنّ الذي بان . . . » هو مفروغية البينونة للدفن ، وتوقّع دخول الأعضاء في النار قبل دخول صاحبها بحيث إذا تاب جرّها وأخرجها من النار ، وإذا لم يتب جرّته هي إليها ، وهذا لا يجتمع مع جواز ترقيعها ؛ إذ في صورة الترقيع لا تتقدّم علي صاحبها في الدخول إلي النار حتي يلحق صاحبها بها أو تتبع الأعضاء صاحبها .


ولكن يحتمل أن يكون المقصود هو تقدّم الأعضاء علي صاحبها في يوم القيامة في الدخول إلي النار ، فمع التوبة تعود إلي صاحبها ، ومع عدمها يلحق صاحبها بها .


ويوءيّد جواز الترقيع ما روي مرفوعاً عن عليّ عليه السلام من أنّه رقّع يد المقرّ بالسرقة بعد قطعها ؛ وذلك بسبب إيمانه بالولاية ( 73 ) ، فتأمّل .


ومثله مرسلة سعدان بن مسلم عن عليّ عليه السلام أنّه قال ـ بعد قطع أيدي جماعة من السرّاق ـ : « إن تتوبوا وتصلحوا فهو خير لكم يلحقكم اللّه بأيديكم في الجنّة ، وإلاّ تفعلوا يلحقكم اللّه بأيديكم في النار » ( 74 ) .


وغير ذلك من الأخبار الدالّة علي أنّه ليس للمحدود الترقيع ، بل اللازم هو إبقاء موضع الحدّ علي ما هو عليه .


لا يقال : إنّه حكم أخلاقي ، فلا يدلّ علي الحكم الشرعي .


لأنّا نقول : إنّ التوبة من الأحكام الشرعية ، مضافاً إلي أنّ الكلام ليس في الحكم الأخلاقي ، بل فيما اُشير إليه من : مفروغية البينونة بين الأعضاء وصاحبها ، وتقدّم الأعضاء علي صاحبها في الدخول إلي النار ، وإلحاق صاحبها بها أو بالعكس في الآخرة ، فإنّ هذه المعاني من التقدّم والإلحاق لا تتناسب مع جواز الترقيع الذي يوجب معيّتهما في الدنيا والآخرة ، فافهم .


هذا مضافاً إلي أنّ تجويز الترقيع ربّما يوجب نقض الغرض فيما كان غرض الشارع من قتلهم هو حسم مادة الفساد ، كاللائط وسابّ النبيّ والأئمّة عليهم السلام ، ولعلّ الحكم بالحبس الأبدي ، فيمن لم يُقتل بضربه ضربةً بالسيف ، من هذا الباب ؛ كمرسلة محمّد بن عبداللّه بن مهران ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن رجل وقع علي اُخته . قال : « يضرب ضربة بالسيف » .


قلت : فإنّه يخلص .


قال : « يُحبس أبداً حتي يموت » ( 75 ) .


وكيف كان ، فلا يترك الاحتياط بترك الترقيع في المحدودين .


العشـرون : هل للسارق اختصاص بأعضائه المقطوعة ، أو لا ؟


فيه وجهان :


وجه العدم : هو أنّ إيجاب القطع يدلّ علي عدم انتساب العضو المقطوع منه إليه بحيث لا تبقي رابطة بينه وبين المقطوع منه ، بل يقطع في اللّه وفي سبيل إجراء أحكامه . ويشهد له عدم استئذان الحكّام الشرعيين من ذوي الأعضاء المقطوعة فيما يرتبط باُمور الدفن وغيره ، مع أنّ الاستئذان لو كان لازما لبان وشاع ، وحيث لم يكن كذلك علم أنّ العضو لم يختصّ بصاحبه بعد إجراء الحدّ .


ووجه ثبوت الاختصاص ـ كما في كلمات سديدة ـ : أنّه لا يُفهم من إيجاب قطعه عدم الاختصاص ، إلاّ أنّ الشارع طلب حصول الفصل بينه وبين صاحبه حتي يحرم النفع العائد منه إليه ، ويكون عبرة لغيره من خلق اللّه ، وهو لا يلازم بوجه انتفاء ذلك الاختصاص .


وقد عرفت أنّ مقتضي القواعد ثبوته وبقاوءه ، وعليه فأمرُ عضوه المقطوع حدّاً إليه ؛ يضعه تحت اختيار من أحبّ كيف أحبّ ، وليس لأحد أن يتعرّض للتصرّف فيه بلا حصول علي إذنه ، كما هو مقتضي العمومات ( 76 ) .


وفيه أوّلاً : أنّ سيرة الحكّام الشرعيين علي عدم استئذان المحدودين في أمر أعضائهم تشهد علي نفي حقّ الاختصاص ؛ وإلاّ لنُقل ذلك وبان وشاع .


لا يقال : إنّ عدم استئذانهم من جهة عدم فائدة الأعضاء المقطوعة بحيث يعلم برضاهم في دفنها .


لأنّا نقول : الفائدة وإن كانت مفقودة في تلك الأعصار إلاّ أنّ الدواعي الاُخري ـ كدفن الأعضاء في مقبرة العائلة وغير ذلك ـ تكفي في الاختصاص ، ومع ذلك لم يُنقل استئذان الحكّام منهم . وهذا شاهد علي نفي الاختصاص مطلقاً بإجراء الحدود .


وثانيـاً : أنّ مقتضي موثّقة سماعة هو مفروغية الفصل بين الأعضاء وذويها للدفن ، كما هو مدلول توقّع دخولها في النار ، وعليه صارت الأعضاء مسلوبة الفائدة والمالية ومحكومة بالدفن ، وهذا لا يجتمع مع حقّ الاختصاص ، فتأمّل .


وكيف كان ، فلا يترك الاحتياط بترك الاستفادة منها ، فضلاً عن المعاملة عليها .


وللّه الحمد أوّلاً وآخراً .



پاورقيها:


( 22 ) المصدر السابق ، ب 49 من النجاسات ، ح 2 .


( 23 ) راجع : الوسائل 16 : 295 .


( 24 ) الوسائل 12 : 67 ، ب 6 من أبواب ما يكتسب به ، ح 6 .


( 47 ) المصدر السابق : 480 .


( 4 ) جامع الأحاديث 3 : 283 .


( 8 ) المصدر السابق 3 : 195 .


( 10 ) المصدر السابق : 251 ، ح 6 .


( 51 ) روضة الكافي : 193 .


( 64 ) المائدة : 38 .


( 5 ) المصدر السابق 26 : 91 .


( 26 ) التنقيح 1 : 561 .


( 27 ) تقريرات النكاح : 71 .


( 28 ) جامع الأحاديث 20 : 285 .


( 34 ) تهذيب الأحكام 9 : 78 ، ح 332 .


( 11 ) المصدر السابق : 250 ، ح 3 .


( 14 ) المصدر السابق : 161 ، ب 13 من ديات الأعضاء ، ح 3 .


( 20 ) جامع المدارك 5 : 160 .


( 42 ) من لا يحضره الفقيه : 328 ، ب18 من كتاب الأحكام .


( 3 ) الوسائل 2 : 718 ، ب 26 من غسل الميت ، ح 2 .


( 25 ) الوسائل 16 : 359 ، ب 30 من الذبائح ، ح 2 .


( 31 ) تقريرات النكاح : 10 .


( 49 ) المصدر السابق : 481 .


( 30 ) المصدر السابق .


( 61 ) رجال النجاشي : 42 .


( 66 ) الوسائل 18 : 492 ، ب5 من حدّ السرقة ، ح 1 .


( 70 ) البقرة : 65 ـ 66 .


( 63 ) المائدة : 45 .


( 6 ) الاسراء : 33 .


( 13 ) المصدر السابق : 247 ، ب 24 من ديات الأعضاء ، ح 2 .


( 15 ) الجامع الصغير 1 : 123 . كنز العمّال 1 : 66 . الوسائل 17 : 376 .


( 58 ) جامع المدارك 7 : 275 .


( 67 ) كلمات سديدة : 191 ـ 192 .


( 73 ) انظر : بحار الأنوار 40 : 281 .


( 69 ) الوسائل 18 : 481 ، ب1 من حدّ السرقة ، ح 2 .


( 12 ) المصدر السابق : 251 ، ح 4 .


( 16 ) المبسوط 2 : 46 .


( 44 ) الفقيه : 375 ، ب15 من كتاب البيع .


( 48 ) المصدر السابق .


( 75 ) جامع الأحاديث 25 : 373 .


( 19 ) المصدر السابق ، ح 3 .


( 21 ) الوسائل 2 : 1080 ، ب 61 من النجاسات ، ح 2 .


( 39 ) الكافي 5 : 126 .


( 43 ) الكافي 7 : 402 .


( 72 ) البقرة : 144 .


( 2 ) تهذيب الأحكام 9 : 78 ، ح 332 .


( 18 ) الوسائل 2 : 814 ، ب 37 من صلاة الجنازة ، ح 1 .


( 36 ) الوسائل 11 : 424 ، ب 12 من الأمر والنهي ، ح 2 .


( 45 ) تهذيب الأحكام 6 : 276 ، ح 758 .


( 53 ) المصدر السابق .


( 41 ) المكاسب للشيخ الأنصاري 1 : 32 .


( 46 ) جامع الأحاديث 17 : 431 .


( 33 ) المصدر السابق : ح 942 .


( 37 ) المصدر السابق 12 : 126 ، ب40 من أبواب ما يكتسب به ، ح 1 .


( 38 ) المصدر السابق : 67 ، ب 6 من أبواب ما يكتسب به ، ح 6 .


( 56 ) المصدر السابق : 248 ، ب4 من ديات الأعضاء ، ح 4 .


( 40 ) تهذيب الأحكام 6 : 376 ، ح 1100 .


( 50 ) انظر : جامع المدارك 5 : 172 .


( 7 ) جامع الأحاديث 26 : 226 .


( 32 ) تهذيب الأحكام 1 : 323 ، ح 940 .


( 60 ) الوسائل 19 : 140 ، ب23 من قصاص الطرف ، ح 1 .


( 65 ) كلمات سديدة : 190 ـ 191 .


( 1 ) الوسائل 3 : 249 ، ب 1 من لباس المصلّي ، ح 2 .


( 35 ) كلمات سديدة : 177 ـ 182 .


( 9 ) الوسائل 19 : 249 ، ب 25 من ديات الأعضاء ، ح 1 .


( 17 ) انظر : جواهر الكلام 21 : 284 .


( 29 ) المصدر السابق : 286 .


( 55 ) الوسائل 19 : 213 ، ب1 من ديات الأعضاء ، ح 1 .


( 71 ) علل الشرائع : 537 .


( 52 ) الوسائل 19 : 195 ، ب24 من موجبات الضمان ، ح 1 .


( 74 ) جامع الأحاديث 25 : 545 .


( 54 ) جامع الأحاديث 25 : 561 .


( 57 ) كلمات سديدة : 183 .


( 62 ) اُنظر : كلمات سديدة : 186 ـ 188 .


( 76 ) كلمات سديدة : 193 ـ 194 .


( 59 ) تحرير الوسيلة : كتاب القصاص ، باب قصاص ما دون النفس ، مسألة 19 .


( 68 ) راجع جامع الأحاديث 25 : 543 .


/ 1