الشيخ صفاء الدين الخزرجي - من فقهائنا نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من فقهائنا - نسخه متنی

صفاء الدین الخزرجی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




من فقهائنا 8 زرارة بن أعين رحمه الله


الشيخ صفاء الدين الخزرجي


القسم الثاني


تعرّض المقال في القسم الأوّل منه إلي السيرة الشخصية من حياة زرارة ، وفي هذا القسم يسلّط الضوء علي الأبعاد العلميّة من شخصيّته .


أوّلاً : البُعد الفقهي


إنّ تفوّق زرارة في البعد الفقهي من بين كبار صحابة الأئمة عليهم السلام كان أمرا ظاهرا للعيان ؛ نظرا لطول المدة التي أخذ فيها عن الأئمة المعصومين عليهم السلام في مسائل الفقه ورواية الحديث ، حتي عُدّ أفقه الستة الذين انقادت لهم العصابة بالفقه كما وصفه الكشّي ، بل هو أفقه أصحابهم عليهم السلام علي الإطلاق ؛ لأنّ هؤلاء الستة هم أفقه الجميع ، وهو أفقههم .


وقد أشاد الإمام الصادق عليه السلام بفقاهته في مواضع عديدة :


1 ـ قوله عليه السلام فيه إنّه : « من أعلام الدين » ( 1 ) ، وإنّه « من حفّاظ الدين واُمنائه علي الحلال والحرام » ( 2 ) ، وإنّه « من ذوي الاستنباط » ( 3 ) .


2 ـ نيابته عن الإمام الصادق عليه السلام في مناظرته الفقهية للرجل الشامي ، مما يدلل علي اعتماد الإمام عليه وتضلّعه في الفقه .


3 ـ شهادة الإمام الصادق عليه السلام له بالفقاهة والفضل ـ فيما رواه الكافي في حديث مظاهرته من أمته ـ حيث قال عليه السلام له : « هكذا يفعل الرجل الفقيه » ( 4 ) .


كما أنّ لزرارة نفسه من العبارات ما يدلّ علي رسوخ قدمه وتقدّمه في الفقه ، يقول رحمه الله ـ في حديث له في باب الإرث ـ : « وكنت رجلاً عالما بالفرائض والوصايا ، بصيرا بها ، حاسبا لها » ( 5 ) .


وأمّا العوامل التي ساهمت في نضجه واجتهاده فهي عبارة عن عدّة اُمور ، نشير إليها فيما يلي :


الأوّل : طول صحبته وتتلمذه علي الإمامين الصادقين عليهما السلام ، حيث دامت أكثر من أربعة عقود ، استمدّ فيها منهم أنواع المسائل الفقهية وقضايا الحلال والحرام في مختلف أبواب الفقه من العبادات والمعاملات ، مما زوّده بثروة فقهية غزيرة وواسعة .


وأمّا مسائله وقضاياه مع الأئمة عليهم السلام فهي كثيرة أيضا ، حاول من خلالها استيعاب أكبر عدد ممكن من الأبواب ، مركّزا علي البعض منها لأهمّيتها وتشعّب مسائلها ، كمسائل باب الحجّ التي سأل فيها الإمام الصادق عليه السلام أربعين عاما ، وكذا باب الإرث والفرائض .


وثمّة خصوصيات ونقاط تستدعي التوقّف في بعض أسئلته واستفتاءاته من الأئمة عليهم السلام نشير إليها :


أ ـ إنّه لم يكن يكتفِ بالجواب مجرّدا عن الدليل والتعليل ، بل كان يسأل عن وجهه إذا خفي عليه ؛ فقد روي علي بن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لا ينبغي نكاح أهل الكتاب . قلت : جعلت فداك ! وأين تحريمه ؟ قال : قوله : « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ » »( 6 ) ( 7 ) .


وربما نجد روح التتبّع والبحث لديه يحمله إلي أن يفرض للمسألة فروضا عديدة لتلقّي الجواب فيها ، ثمّ يبدأ في تمحيص تلك الأجوبة والموازنة بينها ، فلربما تراءي له التنافي والتعارض فيها ، فيعود إلي السؤال والبحث كرّة اُخري ، ورائده في ذلك التفقّه في الدّين ، والتعمّق في أحكامه .


ففي خبره عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلّقها :


1 ـ هل عليها عدّة مثل عدّة المسلمة ؟


فقال : لا ؛ لأنّ أهل الكتاب مماليك للإمام . . .


2 ـ ما عدّتها إن أراد المسلم أن يتزوّجها ؟


قال : عدّتها عدّة الأمة ؛ حيضتان أو خمسة وأربعون يوما قبل أن تسلم .


3 ـ فإن أسلمت بعدما طلّقها ؟


قال : عدّتها عدّة المسلمة .


4 ـ فإن مات عنها وهي نصرانية وهو نصراني ، فأراد رجل من المسلمين أن يتزوّجها ؟


قال : لا يتزوّجها المسلم حتي تعتدّ من النصراني أربعة أشهر وعشرا ؛ عدّة المسلمة المتوفّي عنها زوجها .


5 ـ كيف جعلت عدّتها إذا طلّقت عدّة الأمة ، وجعلت عدّتها إذا مات عنها زوجها عدّة الحرّة المسلمة ، وأنت تذكر أنّهم مماليك للإمام ؟ !


قال : ليس عدّتها في الطلاق كعدّتها إذا توفّي عنها زوجها ؛ إنّ الأمة والحرّة كلتيهما ـ إذا مات عنهما زوجهما ـ سواء في العدّة ، إلاّ أنّ الحرّة تحدّ والأمة لا تحدّ » ( 8 ) .


ب ـ يجد المتتبّع لمسائله أنّه قد يسأل عن أشياء لم يسبقه أحد في السؤال عنها ، مما يعكس شدّة تطلّبه للعلم وسعة اُفقه ؛ ففي حديث له قال : « قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك ! الشحمة التي تخرج مثلها من الداء أيّ شحمة هي ؟ قال : هي شحمة البقر . وما سألني عنها يا زرارة أحد قبلك ! » ( 9 ) .


الثاني : رعاية الأئمة عليهم السلام له :


إنّ زرارة بن أعين ـ بما كان يتمتّع به من قابليات عقليّة وروحيّة كبيرة ـ كان ومنذ البدء محلاًّ لاهتمام ورعاية الإمام الباقر وولده الصادق عليهما السلام ، فقد حرصا علي إعداده وإنشائه فقيها عارفا ، ومحدّثا ضليعا .


ومما زاد في عنايتهم واهتمامهم به هو تسليمه وانقياده لهم ، وانقطاعه عمّن سواهم ، فكان لا يأخذ علمه إلاّ من معينهم ، ولا يقفو غير أثرهم ، ولا يحط إلاّ بفنائهم ، فصار بذلك أهلاً للانتساب إلي مدرستهم وتحمّل رسالتهم .


ولربما استشعر مترجَمنا تلك العناية وتجلّت له وهو يتلمّذ علي يدي الصادقين عليهما السلام ، فكان يعبّر عن تلك الحالة فيقول : « أسمع واللّه بالحرف من جعفر بن محمّد عليه السلام من الفتيا ، فأزداد به إيمانا » ( 10 ) .


وقد تجسّدت تلك العناية وتبلور ذلك الاهتمام بشخصية زرارة في عدّة قضايا ، نشير إليها :


1 ـ إنّهم عليهم السلام كانوا يولون لمسائله عناية ملحوظة ، ويجيبون عن جميع ما يسأل بلا استثناء ، إلاّ ما ندر ، وذلك إمّا لضرورة أو تقيّة أو حرج عليه أو عليهم ، وحتي في مثل هذه الحالات فإنّهم عليهم السلام كانوا يبعثون إليه بالجواب بعد رجوعه إلي الكوفة ، مما يعكس فرط عنايتهم به .


قال زرارة : « سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني ، فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال : إنّ زرارة سألني عن وقت الظهر في القيظ فلم اُخبره ، فحرجت من ذلك ، فأقرِئه منّي السلام ، وقل له : إذا كان ظلّك مثلك فصلِّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلِّ العصر » ( 11 ) .


وفي رواية اُخري أنّه سأله عليه السلام عن الإبراد بالصلاة في الصيف فلم يُجبه ، وخرج ، فدخل عليه أبو بصير ، فقال له عليه السلام : « إنّ زرارة سألني عن شيء فلم اُجبه ، وقد ضقت من ذلك ، فاذهب أنت رسولي إليه ، فقل . . . » الحديث ( 12 ) .


2 ـ كانوا عليهم السلام يُطلعونه علي بعض كتبهم الخاصّة التي يتداولونها بينهم وتُعدّ من كتب الإمامة ، كصحيفة الفرائض التي هي من إملاء رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم وخطّ علي عليه السلام بيده ( 13 ) ؛ وثوقا به ؛ لأمانته ومحلّه عندهم ، وحرصا علي تفقيهه وتعليمه .


3 ـ إطلاعه علي بعض الأحكام الخاصّة به وببعض الشيعة ، ففي حديث ابن بكير السابق ـ عندما سأله عن وقت الظهر في الصيف ولم يجبه ـ علّق أبو بصير في ذيل الحديث فقال :


« وكان زرارة هكذا يصلّي في الصيف ، ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير » ( 14 ) .


وفيه دلالة صريحة علي أنّ الإمام الصادق عليه السلام لم يكن يرغب في إجابة زرارة عن سؤاله بحضور غيره ، ولعلّه يشير إلي اختصاص العلم بمثل هذا الحكم ببعض خواصّ الإمام عليه السلام ، كما يعضده كلام أبي بصير في ذيل الحديث .


4 ـ إنّهم عليهم السلام كانوا يبتدئونه بالتعليم والسؤال إذا سكت ، سيما في المسائل الهامّة التي يكثر فيها البحث وتتطلّب دقّة وإحاطة بموضوعها ، كمسائل باب الإرث ؛ فعن زرارة قال : « قال لي ( أبو عبد اللّه عليه السلام ) : يا زرارة ، ما تقول في رجل مات وترك أخويه من اُمّه وأبويه ؟ قال : قلت : السدس لاُمّه ، وما بقي فللأب . فقال : من أين هذا ؟ قلت : سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه العزيز : « فَإنْ كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلاُمِّهِ السُّدُسُ . . . »( 15 ) . . . » الحديث ( 16 ) .


وقد نلاحظ في بعض النصوص أنّ الإمام عليه السلام يبتدره فيطرح عليه مسألة ما ـ في مناسبة خاصة ـ ويجري الحديث فيها ، فيغتنم زرارة فرصة السؤال عن خصوصياتها وما يتعلق بها من فروع ؛ ففي حديث له قال : « مات ابنٌ لأبي جعفر عليه السلام ، فاُخبر بموته ، فأمر به فغُسّل وكُفّن ومشي معه وصلّي عليه ، وطُرحت خمرة فقام عليها ، ثمّ قام علي قبره حتي فرغ منه ، ثمّ انصرف وانصرفت معه ، حتي أنّي لأمشي معه ، فقال : أما إنّه لم يكن يصلّي علي مثل هذا ـ وكان ابن ثلاث سنين ـ كان علي عليه السلام يأمر به فيُدفن ولا يصلّي عليه ، ولكن الناس صنعوا شيئا فنحن نصنع مثله » ( 17 ) .


وهنا عندما يلاحظ زرارة مبادرة الإمام عليه السلام بالحديث وفتحه باب البحث ، يطرح عليه سؤالين : الأوّل فيما يتعلق بوقت وجوب الصلاة علي الصبي ، فأجابه عليه السلام قائلاً : « إذا عقل الصلاة وكان ابن ست سنين » ( 18 ) . والثاني عن حكم الولدان ، فقال عليه السلام : « سُئل رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم عنهم فقال : اللّه أعلم بما كانوا عاملين » ( 19 ) .


5 ـ إنّه كان له مدخل ووقت خاص يدخل فيه علي الإمام الباقر عليه السلام ليختلي بالسؤال منه ؛ خشية أن يجيبه تقيّة ممّن يحضر في المجلس . وقد كان وقت دخوله عليه بعد الظهر .


ملامح من دوره الفقهي :


لا شك في أنّ مدرسة الكوفة كانت تمثّل امتدادا لإشعاع مدرسة أهل البيت عليهم السلام في المدينة المنورة . وقد تألّقت في هذه المدرسة شخصيات عرفت في العالم الإسلامي بمكانتها العلميّة والفقهيّة ، فكانت تمثّل ـ بحقّ ـ دور المرجعية الدينية ، والوسائط التي تربط بين الأئمة عليهم السلام وقواعدهم .


وقد نالت تلك الشخصيات ـ من أضراب محمّد بن مسلم وأبان بن تغلب وزرارة بن أعين ـ تأييد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، الأمر الذي عزّز مكانتها الاجتماعية ، ومهّد لتصدّيها للمرجعية في الفتيا والحديث .


وأمّا الدور الذي نهض به فقيهنا المترجم ، فيمكن استيحاء أبعاده من خلال الكلمات العديدة الصادرة في حقّه من قبل الأئمة المعصومين عليهم السلام ، والتي لم تصدر لصرف التشريف والإطراء حسب ، بل لتحديد دوره العلمي والتعريف به .


فقد ورد في بعضها عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « لولا زرارة لظننت أنّ أحاديث أبي عليه السلام ستذهب » ( 20 ) .


وعدّه عليه السلام في حديث آخر من حفّاظ الدين ، وأهل الاستنباط والأمانة علي الحلال والحرام ( 21 ) .


وفي خبر آخر أشاد عليه السلام بدوره في إبطال البدع ، والرد علي الشبهات ، والدفاع عن الحق ( 22 ) .


ومما تجدر إليه الإشارة ـ فيما يتصل بدوره الفقهي ـ روايته لجملة من الأحاديث التي تتضمن قواعد علميّة هامّة ، كقاعدة « لا ضرر » ، والاستصحاب ، وغيرهما .


وأمّا منهجه في الفقه فهو منهج الفقهاء الرواة في اعتماد الخبر لبيان الرأي الفقهي ، وربما كان يفتي بمضامين الأخبار أيضا . كما أنّه قد نجد له فتاوي تستند إلي استنباطه واجتهاده الخاصّ ؛ كما يشهد له ما رواه ابن مسكان قال : « تدارأنا ( أي تناظرنا ) عند زرارة في شيء من اُمور الحلال والحرام ، فقال قولاً برأيه ، فقلت : أبرأيك هذا أم برواية ؟ فقال : إنّي أعرف ، أوَليس رُبّ رأي خيرٌ من أثر ؟ ! » ( 23 ) . وكان إلي جانب ذلك ملمّا بأقوال العامّة ، مطّلعا علي آرائهم ، مناقشا لها ، رادّا عليها بالحجة والدليل ( 24 ) .


زرارة والعمل بالرأي :


قد توحي رواية ابن مسكان ـ السابقة ـ إلي الذهن أنّ زرارة كان ممن يري العمل بالرأي ويجيزه ، الأمر الذي كانت ترفضه مدرسة أهل البيت عليهم السلام وتحظر العمل به علي أتباعها ، بل يُعدّ رفضه من البديهات الفقهية والمعالم الواضحة في تلك المدرسة .


والصواب هو أنّ زرارة لم يكن عاملاً بالرأي الذي لا يستند إلي حجة ودليل قاطع كما تقول به بعض المذاهب الفقهية ، بل لعلّه كان يري الاجتهاد المصطلح الذي يستند إلي حجة شرعية مصحّحة . يقول السيد ابن طاووس في ذيل الحديث المذكور : « إنّ قوله : ربّ رأي خيرٌ من أثر ، ليس قادحا ؛ لأنّ من الآثار ما ليس معتبر الطريق ، أو معتبر الطريق وهو ظني ، وقد يكون من الرأي ما هو مبني علي طريق علمي وليس قياسا ، فذلك أرجح من الأثر الظني » ( 25 ) .


وعلّق عليه المحقق الداماد بأنّ « قوله : أوَليس ربّ رأي خيرٌ من أثر ؟ ! حق لا معدي عنه ؛ وذلك لأ نّه ربما كان رأيٌ نتيجةَ برهانٍ عقلي يقيني والأثر ظني ، فاليقين خير من الظن . وربما كان أثرٌ بصريح منطوقه مدافعا للاُصول العقلية والقوانين اليقينية ، وإن كان سليم الإسناد صحيح الطريق فيجب تأويله ، وان لم يكن محتملاً للتأويل وجب طرحه » ( 26 ) .


ومما يدعم هذا الرأي أنّه قد ورد عن زرارة ما يؤيّد رفضه وإنكاره للرأي ؛ ففي خبر عمر بن اُذينة ـ الذي روي فيه مناقشة زرارة لبعض آراء العامّة في باب الإرث ـ سأله ابن اُذينة عن آرائه التي ناقشهم فيها قائلاً : « تقول هذا برأيك ؟ فقال : أنا أقول هذا برأيي ؟ ! إنّي إذا لفاجر ، أشهد أنّه الحق من اللّه ومن رسوله صلي الله عليه و آله وسلم » ( 27 ) .


وأيضا قد روي عن أبي جعفر عليه السلام وصيّته له التي يحذّره فيها من القياس والعمل به ، قال عليه السلام : « يا زرارة ، إيّاك وأصحاب القياس في الدين ! فإنّهم تركوا علم ما وُكّلوا به ، وتكلّفوا ما قد كُفوه ، يتأوّلون الأخبار ، ويكذبون علي اللّه عزّ وجلّ . وكأنّي بالرجل منهم ينادي من بين يديه فيجيب من خلفه ، وينادي من خلفه فيجيب من بين يديه ! قد تاهوا وتحيّروا في الأرض والدين » ( 28 ) .


المجموع من فقهه وفتاواه :


ليس فيما بأيدينا من المعلومات المتوفرة عن حياة زرارة ما يدلّ علي وجود أثر فقهي له ، ولأجل هذا واستكمالاً للكلام عن البعد الفقهي فقد قمنا بمراجعة كاملة ومستوعبة لجميع رواياته لضبط وتبويب شتات فقهه وآرائه المتناثرة في أبواب الحديث . فكان حصاد ذلك وحصيلته طائفة من الفتاوي في أبواب الحج والخلع والمباراة والظهار والإرث ، وهي كما يلي :


مسائل من الحج :


1 ـ عن اسماعيل الجعفي قال : « خرجت أنا وميسّر واُناس من أصحابنا ، فقال لنا زرارة : لبّوا بالحجّ . فدخلنا علي أبي جعفر عليه السلام فقلنا له : أصلحك اللّه ! إنّا نريد الحجّ ونحن قوم صرورة ـ أو كلّنا صرورة ـ فكيف نصنع ؟ فقال : لبّوا بالعمرة .


فلمّا خرجنا قدم عبد الملك بن أعين ، فقلت له : ألا تعجب من زرارة قال لنا : لبّوا ؛ إنّ أبا جعفر عليه السلام قال لنا : لبّوا بالعمرة ؟ ! فدخل عليه عبد الملك بن أعين فقال له : إنّ اُناسا من مواليك أمرهم زرارة أن يلبّوا بالحجّ عنك ، وإنّهم دخلوا عليك فأمرتهم أن يلبّوا بالعمرة !


فقال أبو جعفر عليه السلام : يريد كل إنسان منهم أن يسمع علي حدة ، أعِدْهم عليَّ .


فدخلنا ، فقال : لبّوا بالحجّ ؛ فإنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم لبّي بالحج » ( 29 ) .


مسائل من الخلع والمباراة :


1 ـ عن علي بن حديد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وعن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « المباراة تطليقة بائنة ، وليس في شيء من ذلك رجعة » .


وقال زرارة : لا يكون إلاّ علي مثل موضع الطلاق إمّا طاهرا وإمّا حاملاً بشهود ( 30 ) .


2 ـ عن علي بن حديد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وعن زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : « الخلع تطليقة بائنة ، وليس لها رجعة » . قال زرارة : لا يكون إلاّ علي مثل موضع الطلاق إمّا طاهرا وإمّا حاملاً بشهود ( 31 ) .


مسائل من الظهار :


1 ـ عن صفوان قال : حدّثنا أبو عيينة عن زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّي ظاهرت من اُمّ ولدي ، ثمّ واقعت عليها ، ثمّ كفّرت . فقال : هكذا يصنع الرجل الفقيه ؛ إذا واقع كفّر » ( 32 ) .


2 ـ عن زرارة قال : « قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : رجل ظاهَرَ ثمّ واقع قبل أن يكفّر ؟ فقال لي : أوليس هكذا يفعل الفقيه ؟ ! » ( 33 ) .


قال الشيخ الطوسي في التهذيب : معني هذا الحديث : أنّه إذا كان الظهار مشروطا بالمواقعة فإنّ الكفّارة لا تجب إلاّ بعد الوط ء ، فلو أنّه كفّر قبل الوط ء لما كان مجزيا عمّايجب عليه بعد الوط ء ، ولكان يلزمه كفّارة اُخري إذا وطئ فنبّه عليه السلام أنّ المواقعة لمن كان هذا حكمه من أفعال الفقيه الذي يطلب الخلاص من وجوب كفّارة اُخري عليه ، وليس ذلك إلاّ بالمواقعة . والذي يدلّ أيضا علي أنّ من كان ظهاره مطلقا غير مشروط وجامع قبل الكفّارة كان عليه كفّارتان ( 34 ) .


مسائل من الإرث :


1 ـ عن ابن اُذينة قال : قال زرارة إذا أردت أن تلقي العول فإنّما يدخل النقصان علي الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب ، وأمّا الزوج والإخوة من الاُم فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّي لهم شيئا ( 35 ) .


2 ـ إذا ترك الرجل اُمّه أو أباه أو ابنه أو ابنته ، فاذا ترك واحدا من الأربعة فليس بالذي عني اللّه عزّ وجلّ في كتابه : « قُلِ اللّه يُفْتيكُم في الكَلالَةِ »ولا يرث مع الاُم ولا مع الأب ولا مع الابن ولا مع الابنة أحد خلقه اللّه عزّ وجلّ غير زوج أو زوجة ( 36 ) .


3 ـ عن عمر بن اُذينة قال : قلت لزرارة : إنّي سمعت محمّد بن مسلم وبكيرا يرويان عن أبي جعفر عليه السلام في زوج وأبوين وابنة ؛ فللزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما ، وللأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهما ، وبقي خمسة أسهم فهو للابنة ؛ لأنّها لو كانت ذكرا لم يكن لها غير خمسة من اثني عشر سهما ، وإن كانت اثنتين فلهما خمسة من اثني عشر سهما ؛ لأنّهما لو كانا ذكرين لم يكن لهما غير ما بقي ؛ خمسة من اثني عشر .


قال زرارة : هذا هو الحق ؛ إذا أردت أن تلقي العول فتجعل الفريضة لا تعول فإنّما يدخل النقصان علي الذين لهم الزيادة من الولد والأخوات من الأب والاُمّ ، فأمّا الزوج والإخوة للاُمّ فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّي اللّه لهم شيئا ( 37 ) .


4 ـ قال زرارة : الناس والعامّة في أحكامهم وفرائضهم يقولون قولاً قد أجمعوا عليه ، وهو الحجّة عليهم ، يقولون ـ في رجل توفّي وترك ابنته أو ابنتيه وترك أخاه لأبيه واُمّه أو اُخته لأبيه واُمّه أو اُخته لأبيه أو أخاه لأبيه ـ : إنّهم يعطون الابنة النصف أو ابنتيه الثلثين ، ويعطون بقيّة المال أخاه لأبيه واُمّه أو اُخته لأبيه أو اُخته لأبيه واُمّه ، دون عصبة بني عمّه وبني أخيه ، ولا يعطون الإخوة للاُمّ شيئا .


قال : فقلت لهم : فهذه الحجّة عليكم ! إنّما سمّي اللّه للإخوة للاُمّ أنّه يورث كلالة ، فلم تعطوهم مع الابنة شيئا ، وأعطيتم الاُخت للأب والاُمّ والاُخت للأب بقيّة المال دون العمّ والعصبة ، وإنّما سمّاهم اللّه عزّ وجل كلالة كما سمّي الإخوة للاُمّ كلالة ، فقال عزّ وجل من قائل : « يَستفتونَكَ قُلِ اللّه يُفتيكم في الكلالة » ، فلِمَ فرّقتم بينهما ؟ فقالوا : السنّة وإجماع الجماعة . قلنا : سنّة اللّه وسنّة رسوله أو سنّة الشيطان وأوليائه ؟ فقالوا : سنّة فلان وفلان .


قلنا : قد تابعتمونا في خصلتين وخالفتمونا في خصلتين : قلنا : إذا ترك واحدا من أربعة فليس الميّت يورث كلالة إذا ترك أبا أو ابنا ، قلتم : صدقتم . فقلنا : أو اُمّا أو ابنة ، فأبيتم علينا . ثمّ تابعتمونا في الابنة فلم تعطوا الإخوة من الاُم معها شيئا ، وخالفتمونا في الاُمّ ، فكيف تعطون الإخوة للاُم الثلث مع الاُمّ وهي حيّة وإنّما يرثون بحقّها ورحمها ؟ ! وكما أنّ الإخوة والأخوات للأب والاُمّ والإخوة والأخوات للأب لا يرثون مع الأب شيئا لأنّهم يرثون بحقّ الأب ، كذلك الإخوة والأخوات للاُمّ لا يرثون معها شيئا .


وأعجب من ذلك أنّكم تقولون : إنّ الإخوة من الاُمّ لا يرثون الثلث ويحجبون الاُمّ عن الثلث فلا يكون لها إلاّ السدس ؛ كذبا وجهلاً وباطلاً قد أجمعتم عليه .


فقلت لزرارة : تقول هذا برأيك ؟ فقال : أنا أقول هذا برأيي ؟ ! إنّي إذا لفاجر ، أشهد أنّه الحقّ من اللّه ومن رسوله صلي الله عليه و آله وسلم ( 38 ) .


5 ـ عن علي بن سعيد قال : قال لي زرارة : ما تقول في رجل ترك أبويه وإخوته لاُمّه ؟ فقلت : لاُمّه السدس وللأب ما بقي ، فإن كان له إخوة فلاُمّه السدس .


فقال : إنّما اُولئك الإخوة للأب والإخوة للأب والاُمّ ، وهو أكثر لنصيبها إن أعطوا الإخوة للاُمّ الثلث وأعطوها السدس ، وإنّما صار لها السدس وحجبها الإخوة للأب والإخوة من الأب والاُمّ ؛ لأنّ الأب ينفق عليهم فوفّر نصيبه ، وانتقصت الاُمّ من أجل ذلك . فأمّا الإخوة من الاُمّ فليسوا من هذه في شيء ولا يحجبون اُمّهم عن الثلث .


قلت : فهل يرث الإخوة من الاُمّ شيئا ؟


قال : ليس في هذا شكّ ، إنّه كما أقول لك ( 39 ) .


6 ـ عن موسي بن بكر قال : قلت لزرارة : إنّ بكيرا حدّثني عن أبي جعفر عليه السلام أنّ الإخوة للأب والأخوات للأب والاُمّ يزادون وينقصون ؛ لأنّهنّ لا يكنّ أكثر نصيبا من الإخوة والأخوات للأب والاُمّ لو كانوا مكانهنّ ؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : « إن امرؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ولَهُ اُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وهوَ يَرِثُها إن لَمْ يَكُن لَها وَلَدٌ » ؛ يقول : يرث جميع مالها إن لم يكن لها ولد ، فأعطوا من سمّي اللّه له النصف كمّلاً ، وعمدوا فأعطوا الذي سمّي اللّه له النصف كمّلاً ، وعمدوا فأعطوا الذي سمّي اللّه له المال كلّه أقلّ من النصف ، والمرأة لا تكون ـ أبدا ـ أكثر نصيبا من رجل لو كان مكانها .


قال : فقال زرارة : وهذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه ( 40 ) .


7 ـ عن زرارة قال : « قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : يا زرارة ، ما تقول في رجل ترك أبويه وإخوته من اُمّه ؟


قال : قلت : السدس لاُمّه ، وما بقي فللأب .


فقال : من أين قلت هذا ؟


قلت : سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه : « فإن كانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلاُمّه السُّدُسُ » .


فقال : ويحك يا زرارة ! اُولئك الإخوة من الأب ، فإذا كان الإخوة من الاُمّ لم يحجبوا الاُمّ عن الثلث » ( 41 ) .


8 ـ عن عمر بن اُذينة قال : قلت لزرارة : إنّ اُناسا حدّثوني عنه ـ يعني أبا عبد اللّه عليه السلام ـ وعن أبيه عليه السلام بأشياء في الفرائض ، فأعرضها عليك ، فما كان منها باطلاً فقل : هذا باطل ، وما كان منها حقّا فقل : هذا حق ولا تروِه واسكت .


وقلت له : حدّثني رجل عن أحدهما عليهما السلام في أبوين وإخوة لاُمّ أنّهم يحجبون ولا يرثون ، فقال : هذا واللّه هو الباطل ، ولكنّي ساُخبرك ولا أروي لك شيئا ، والذي أقول لك هو واللّه الحق ، إنّ الرجل إذا ترك أبويه فللاُمّ الثلث وللأب الثلثان في كتاب اللّه ، فإن كان له إخوة ـ يعني للميّت ؛ يعني إخوة لأب واُمّ أو إخوة لأب ـ فلاُمّه السدس وللأب خمسة أسداس ، وإنّما وفّر للأب من أجل عياله ، وأمّا إخوة لاُمّ ليسوا للأب فإنّهم لا يحجبون الاُمّ عن الثلث ولا يرثون ، وإن مات رجل وترك اُمّه وإخوة وأخوات لاُمّ وأب وإخوة وأخوات لأب وإخوة وأخوات لاُمّ وليس الأب حيّا فإنّهم لا يرثون ولا يحجبونها ؛ لأ نّه لم يورث كلالة ( 42 ) .


ثانيا : البُعد الروائي


اشتهر آل أعين بالحديث وروايته ، حتي قال أبو غالب فيهم : « وآل أعين أكثر أهل بيت في الشيعة ، وأكثرهم حديثا وفقها ، وذلك موجود في كتب الحديث ومعروف عند رواته » ( 43 ) .


ولعل من نافلة القول الخوض في هذا المجال في شخصية زرارة ، فهو من أئمة الحديث وأكابر المحدّثين في عصر الإمامين الصادقين عليهما السلام . ولا شك فإنّ طول صحبته لهما تؤهّله للظفر بأكبر عدد ممكن من الحديث . ونحن وإن لم يصلنا تحديد دقيق لمقدار ذلك كما ورد في نظرائه ـ من أضراب محمد بن مسلم الذي كان يحفظ ثلاثين ألف حديث من أحاديث أهل البيت عليهم السلام ـ إلاّ أنّ طبيعة صلته وصحبته الطويلة لهم عليهم السلام ـ والتي تجاوزت الأربعة عقود ـ تقتضي بذاتها حفظه وتحمّله عنهم عددا كبيرا من الأخبار .


وقد أفصح زرارة عمّا لديه من حديثهم عندما سأله الإمام الباقر عليه السلام فأجابه بأنّه يحفظ الشيء الكثير منها . هذا قبل اختصاصه بالإمام الصادق عليه السلام .


وأيّا كان ، فالواصل إلينا من حديثه ـ الذي أمكن ضبطه في مصادرنا الروائية ـ يتجاوز الألفي رواية ( 44 ) .


والثابت أنّه روي عن الإمامين الصادقين عليهما السلام . وعدّه الشيخ في أصحاب الكاظم عليه السلام أيضا ( 45 ) . ونقل بعض الأجلاّء أنّه روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام ( 46 ) .


فلا وقع حينئذٍ لما ادّعاه الذهبي من أنّ زرارة قلّما كان يروي ، وكذا ما نقله عن سفيان من أنّه ما رأي أبا جعفر عليه السلام ( 47 ) ؛ فإنّ منشأ كلّ ذلك هو عدم الإلمام والإحاطة بأحوال هذا المحدّث الكبير ، إن لم نقل إنّ منشأه التحامل عليه ، أو الازدراء لشخصه والحطّ من شأنه .


وثاقته ومرجعيته في الحديث :


إنّ جلالة زرارة ووثاقته أمر ثابت لا يعتريه الريب ، فقد أشار الأئمة عليهم السلام في أكثر من نصّ إلي مكانته في الحديث ، وكلماتهم في هذا الشأن كثيرة ، وهي أوسمة كبيرة في حق هذه الشخصية الفذّة . ومن تلك الكلمات الرائعة التي يُغنينا ذكرها عن توثيقات أئمة الحديث والرجال قول الإمام الصادق عليه السلام ـ عندما عُرضت عليه رواية لزرارة يرويها عن أبيه الباقر عليه السلام ـ : « إنّه لا يجوز ردّ حديثه » ( 48 ) ، وقول الإمام الرضا عليه السلام لسائله في رواية زرارة : « أوَتري أحدا كان أصدع بالحق منه ؟ ! » ( 49 ) .


وبعدُ ، فزرارة الشخصية التي طالما أشاد الإمام الصادق عليه السلام بدورها ؛ حيث كان لها قصب السبق في إحياء أمرهم ، ونشر تعاليمهم ، وتركيز معالم مدرستهم عليهم السلام . وفي هذا المضمار يقول عليه السلام : « ما أجد أحدا أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام إلاّ زرارة وأبا بصير . . . » الحديث ( 50 ) .


وخصّه عليه السلام بقوله : « لولا زرارة لظننت أنّ أحاديث أبي عليه السلام ستذهب » ( 51 ) .


وقد كان لدوره هذا وما صدر فيه من توثيق وتصديق من جهة الأئمة عليهم السلام أثر كبير في تركيز مرجعيته في نفوس أتباع أهل البيت عليهم السلام علي الصعيد المذكور ، فكان يرجع إليه الرواة في تلقّي الحديث ، وكان ذلك أيضا بإشارة من الإمام الصادق عليه السلام ؛ فإنّه لمّا أخبره الفيض بن المختار باختلاف شيعتهم في الكوفة فيما يرووه عنهم ، أرشده عليه السلام إلي زرارة وقال : « إذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس ـ وأومأ بيده إلي رجل من أصحابه ، فسألت عنه ، فقالوا : زرارة ـ » ( 52 ) .


وهكذا فقد كان زرارة مرجعا في معرفة الحديث ، ورأيه ميزانا لتشخيص الصحيح من السقيم ، يرجع إليه الرواة ويستمدّون منه فيما يعرض لهم .


ففي خبر عمر بن اُذينة ـ وهو من المكثرين في الرواية عنه ـ أنّه كان يرجع إليه ويلوذ به في رفع ما يشك فيه ويلتبس عليه ، قال : « قلت لزرارة : إنّ اُناسا حدّثوني عنه ـ يعني أبا عبد اللّه عليه السلام ـ وعن أبيه عليه السلام بأشياء ، فأعرضُها عليك ، فما كان منها باطلاً فقل : هذا باطل ، وما كان منها حقا فقل : هذا حق ولا تروِه واسكت » ( 53 ) .


وقد كانت طريقته في تحمّل الحديث وسماعه التقيّد بكتابته وضبطه ؛ عملاً بوصيّة الإمام الصادق عليه السلام في ذلك ؛ خشية ضياع النصّ أو تغيّره .


كما أنّه رضي الله عنه كان في غاية الأدب في تعامله مع الإمام الصادق عليه السلام ؛ لا يلحّ عليه في السؤال ، ولا يثقل عليه في المجلس ، بل يكتفي بالسؤال يطرحه بين يديه ، فإن أجابه بادر إلي فتح ألواحه وتدوين ما سمع من فيض الإمام وعلمه ، وإن هو أمسك عن جوابه لم يعد إلي السؤال وفوّض الأمر إليه .


ففي ذات مرّة ، دخل علي الإمام الصادق عليه السلام وتوجّه إليه بمسألة حول وقت صلاة الظهرين والإبراد بها في الصيف ، وفتح ألواحه ليكتب ، فلم يجبه الإمام عليه السلام بشيء ، فأطبقها ، ثمّ قال : « إنّما علينا أن نسألكم ، وأنتم أعلم بما عليكم » ، وخرج ( 54 ) .


وقد أخذ زرارة بذلك الأدب الرفيع وتعلّمه من الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام حينما سأله في قوله تعالي : « فَاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُم لا تَعْلَمُونَ »( 55 ) : مَن المُعنَون بذلك ؟ فقال عليه السلام : نحن . فسأله ثانية : فأنتم المسؤولون ؟ فأجابه : نعم . قال زرارة : ونحن السائلون ؟ فقال الإمام : نعم . فقال له : فعلينا أن نسألكم ؟ فأجابه : نعم . فتابع السؤال : وعليكم أن تجيبونا ؟ فقال : لا ؛ ذاك إلينا ، وإن شئنا فعلنا ، وإن شئنا تركنا . ثمّ قال عليه السلام ـ كالمستدل ـ : « هذا عَطاؤُنا فَامْنُن أو أمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »( 56 ) ( 57 ) .


وأمّا امتناع الإمام الصادق عليه السلام عن جواب زرارة في مسألته فقد تقدّم وجهه ؛ حيث كان الإمام عليه السلام يتحرّج من إجابته في ذلك المجلس ، وقد بعث إليه بالجواب مع أبي بصير .


ثالثا : البُعد الكلامي


شهدت الفترة التي عاصرها الإمام الصادق عليه السلام ومدرسته المباركة جدلاً عقائديا حادّا بين المسلمين ، تمخّض عنه نشوء تيّارات ومذاهب كلامية شتّي .


وقد كان لمدرسة أهل البيت عليهم السلام دور عظيم في تبيين وتركيز العقائد الإسلاميّة الحقّة علي ضوء القرآن الكريم وحديث النبي الأعظم صلي الله عليه و آله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام .


وكان قد مثّل هذه المدرسة في الميدان الكلامي علماء كبار ، نبغوا فكانوا وجها مشرقا ولسانا صادقا لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، ومن اُولئك الأفذاذ هشام ابن الحكم ، وهشام بن سالم ، ومؤمن الطاق .


وقد عُدّ هؤلاء أقطاب البحث الكلامي وأركانه ، وممّن تدور عليهم رحي هذا العلم ، ومحلاًّ لوثوق واعتماد الإمام الصادق عليه السلام .


وكان من جملة متكلّمي الطائفة أيضا في تلك البرهة فقيهنا المترجم زرارة ابن أعين ، كما تشهد له مؤلّفاته في هذا الخصوص ، ككتاب الاستطاعة وكتاب الجبر . وقد بقي هذان الأثران إلي القرن الرابع ، ووصلا إلي الشيخ الصدوق رحمه الله ( المتوفي 381 ه ) ( 58 ) .


ووصفه الزراري في رسالته بما يدل علي أنّ له سابقة وشأنا رفيعا في هذا المضمار معتبرا متكلّمي الشيعة من تلامذته ، وأشار إلي تفوّقه في الجدل والاستدلال ، وشدة تضلّعه في علم الكلام . قال رحمه الله : « كان خَصِما جَدِلاً ، لا يقوم أحد لحجّته ، إلاّ أنّ العبادة أشغلته . والمتكلّمون من الشيعة تلاميذه » ( 59 ) .


وتقدّم عن ابن النديم أيضا وصفه إيّاه بأنّه أكبر رجال الشيعة معرفة بالكلام والتشيّع .


وقد كشفت عبارة الزراري عن أحد معالم شخصيته التي أغفلتها مصادر الترجمة ، وهو الجانب العبادي الذي كان سببا في انصرافه عن الكلام والخصومة .


ومما يؤيّد ذلك ما روي عنه أنّه قال : « جئت إلي حلقة بالمدينة فيها عبد اللّه ابن محمّد وربيعة الرأي ، فقال عبد اللّه : يا زرارة ، سل ربيعة عن شيء مما اختلفتم . فقلت : إنّ الكلام يورث الضغائن . فقال لي ربيعة الرأي : سل يا زرارة . فقلت : بِمَ كان رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم يضرب في الخمر ؟ قال : بالجريد والنعل . فقلت : لو أنّ رجلاً اُخذ اليوم شاربَ خمرٍ وقُدِّم إلي الحاكم ما كان عليه ؟ قال : يضربه بالسوط ؛ لأنّ عمر ضرب بالسوط . فقال عبد اللّه بن محمّد : يا سبحان اللّه ! يضرب رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم بالجريد ويضرب عمر بالسوط ، فيترك ما فعل رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم ويأخذ ما فعل عمر ! ! » ( 60 ) .


ومما يشهد لقوّة حجّته قول الإمام الصادق عليه السلام له ـ بعد أن دعاه زيد ابن علي رضي الله عنه للخروج معه قائلاً له : ما تقول يا فتي في رجل من آل محمّد استنصرك ؟ فأجابه زرارة : إن كان مفروض الطاعة نصرته ، وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي ألاّ أفعل ـ : « أخذتَه واللّه من بين يديه ومن خلفه ، وما تركت له مخرجا ! » ( 61 ) .


نعم ، يُنسب إليه القول بالاستطاعة ؛ وهو « تفويض الفعل وإسناده إلي قدرة العبد وإرادته علي الاستقلال بالذات ، من غير استناد إلي اللّه وإرادته ـ تعالي سلطانه ـ أصلاً إلاّ بالعرض » وفريق جمّ من العامة يسمّون أصحاب هذا القول بالقَدَريّة ( 62 ) ؛ وهو القول بالتفويض الذي تقول به الأشاعرة ، في مقابل القول بالجبر الذي يعني إسناد أفعال العباد إلي اللّه سبحانه ، ونفي مدخلية قدرة العبد وإرادته .


والطريق الوسط والكلمة السواء هي نفي الجبر والتفويض والقول بالأمر بين الأمرين .


وقد وردت عدّة روايات تنسب الاستطاعة أو ( التفويض ) إلي زرارة ، نذكر منها :


1 ـ عن فضيل الرسان قال : « قيل لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ زرارة يدّعي أنّه أخذ عليك الاستطاعة .


قال : لهم عقرا ! كيف أصنع بهم ، وهذا المرادي بين يديّ ، وقد أريته ـ وهو أعمي ـ بين السماء والأرض فشكّ وأضمر أنّي ساحر ؟ ! فقلت : اللهم لو لم تكن جهنّم إلاّ اسكُرُّجة ( إناء صغير ) لوسعها آل أعين بن سنسن !


قيل : فحمران ؟


قال : حمران ليس منهم » ( 63 ) .


وطعن الكشي ـ بعد نقله هذا الحديث ـ في سنده فقال : « محمّد بن بحر ؛ هذا غالٍ . وفضالة ليس من رجال يعقوب . وهذا الحديث مزاد فيه مغيّر عن وجهه » ( 64 ) .


2 ـ وعن عمران الزعفراني قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول لأبي بصير : « يا أبا بصير ـ وكني اثني عشر رجلاً ـ ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة من البدع ، لعنه اللّه ! هذا قول أبي عبد اللّه » ( 65 ) .


3 ـ عن جبرئيل بن أحمد قال : حدّثني محمّد بن عيسي بن عبيد ، قال حدّثني يونس بن عبد الرحمان ، عن عمر بن أبان ، عن عبد الرحيم القصير قال : « قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : اِيتِ زرارة وبريدا فقل لهما : ما هذه البدعة التي ابتدعتماها ؟ أما علمتما أنّ رسول اللّه صلي الله عليه و آله وسلم قال : كلّ بدعة ضلالة ؟ !


قلت له : إنّي أخاف منهما ، فأرسل معي ليثا المرادي . فأتينا زرارة ، فقلنا له ما قال أبو عبد اللّه عليه السلام ، فقال : واللّه لقد أعطاني الاستطاعة وما شعر ! فأمّا بريد فقال : لا واللّه لا أرجع عنها أبدا » ( 66 ) .


وثمّة روايات اُخري تتفاوت في صراحتها ووضوحها في المعني المذكور .


وعلي أيّة حال ، فانّه يمكن المناقشة في أصل النسبة باُمور :


الأوّل ـ المناقشة السندية :


إذ أكثرها إمّا ضعيفة الإسناد بجملة من الرواة أمثال : جبرائيل بن أحمد ـ الواقع في طريق كثير منها أو أكثرها ـ ويوسف بن السخت ومحمّد بن جمهور وعلي بن محمّد بن قتيبة وغيرهم ، وإمّا مبتلاة بالإرسال .


الثاني ـ المناقشة الدلالية :


حيث ورد في بعض النصوص ما يفسّر الاستطاعة التي قال بها زرارة بتفسير آخر لا يرد عليه محذور القول بالتفويض :


فعن الهيثم بن حفص العطّار قال : « سمعت حمزة بن حمران يقول حين قدم من اليمن : لقيت أبا عبد اللّه عليه السلام فقلت له : بلغني أنّك لعنت زرارة ، قال : فرفع يديه حتي صكّ بها صدره ، ثمّ قال : لا واللّه ما قلت ، ولكنّكم تأتون عنه بأشياء فأقول : من قال هذا فأنا منه بريء .


قال : قلت : فأحكي لك ما يقول ؟ قال : نعم قال : قلت : إنّ اللّه عزّوجل لم يكلّف العباد إلاّ ما يطيقون ، وإنّهم لن يعملوا إلاّ أن يشاء اللّه ويريد ويقضي . قال : هو واللّه الحق .


ودخل علينا صاحب الزطي فقال له : يا ميسر ، ألست علي هذا ؟ قال : علي أيّ شيء أصلحك اللّه ـ أو جعلت فداك ـ ؟ قال : فأعاد هذا القول عليه كما قلت له ، ثمّ قال : هذا واللّه ديني ودين آبائي » ( 67 ) .


وعليه ، فإنّ روايات التفسير الأوّل ـ علي فرض صراحتها فيه ـ معارضة بروايات التفسير الثاني لمعني الاستطاعة . ولذا فإنّ نسبة اللعن إليهم عليهم السلام بحق زرارة ـ كما يدّعي ذلك ـ قد يكون عاريا عن الصحة ومن تصحيف الرواة وتبديلهم تبرّي الإمام عليه السلام باللعن . علي أنّ هذا التبرّي ـ كما ذكر الإمام عليه السلام في رواية حمزة بن حمران ـ هو علي فرض صحة ما يُنسب ويُتقوَّل علي زرارة .


ولو تنزّلنا وسلّمنا اعتقاده بالاستطاعة بمعني التفويض ، فلعلّ ذلك كان لشبهة عرضت له مما لا يخلّ بمنزلته الثابتة بصريح الروايات المستفيضة التي أشادت به وبدوره وفضله .


علي أنّ تسليم هذا الأمر بعيد في نفسه ؛ إذ كيف يمكن أن يعتقد بتلك العقيدة الفاسدة مع كون المسألة من اُمّهات المسائل الخلافية في الكلام بين الأشاعرة والمعتزلة والشيعة ؟ ! سيما مع موقف مدرسة أهل البيت عليهم السلام إزاء هذه المسألة العامة ، حيث أشار اليها الإمام الصادق عليه السلام بقوله الشهير : « لا جبر ولا تفويض ، ولكن أمر بين الأمرين » ، فكيف يخفي مثله علي مثله ؟ !


رابعا : البُعد الأدبي


وهو من الأبعاد الخفيّة التي لم تُعرف بها شخصيّة المترجم بشكل واضح ، إلاّ أنّ كلمات أئمة الرجال قد سجّلت له ذلك ، كما تشهد له أيضا بعض الأبيات التي تروي عنه . قال النجاشي : « وكان قارئا ، فقيها ، متكلّما ، شاعرا ، أديبا » ( 68 ) . وذكر له الجاحظ شعرا في كتاب النساء وبيتا في كتاب العرجان والأشراف ( 69 ) ، كما ذكر له في كتاب الحيوان ـ بعد قصة صبيٍّ تكفّله العنقاء ـ أبياتا في العنقاء ، قال ما لفظه : « وقال زرارة بن أعين مولي بني أسد بن همام ، وهو رئيس الشميطيّة ( 70 ) وذكر هذا الصبي الذي تكفله العنقاء ـ فقال :






  • ولو شاء أحيا ربّها وهو مذنبُ
    وأوّل ما يحيا نعاج وأكبُشٌ



  • وأوّل ما يحيا نعاج وأكبُشٌ
    وأوّل ما يحيا نعاج وأكبُشٌ



وقال سيكفيني الشقيق المقرّبُ وآخر برهاناته قلب يومكم وإلجامه العنقاء في العين أعجبيصيف بساباطٍ ويشتو بآمدٍ وذلك سر لو علمناه معجبُ ( 72 )أماع ( 73 ) له الكبريت والبحر جامد وملّكه الأبراج والشمس تُجنبفيومئذ قامت شماط بقدرها وقام عسيب القفر يثني ويخطبُوقام صبي درْ دَق ( 74 ) في قماطه عليهم بأصناف اللّسانين مُعربُ ( 75 ) ولكنّه ساعي ( 71 ) باُمٍّ وجدّةٍ


وليس في هذه الأشعار ما يشير إلي ما ادّعاه الجاحظ من إثباته العنقاء أو قصّة الصبي الذي تكفلته ، وإنّما تعرض إلي معجزة ذلك الشخص المشار إليه في الأبيات وانّ من براهينه هو أن يقلب اليوم إلي أمس أو يلجم العنقاء علي عظم جثته من بين الطيور . وفي الحديث ـ كما في كتاب الحيوان ـ : « إنّ بعض الاُمم سألوا نبيهم وقالوا : لن نؤمن لك حتي تفعل كذا وتفعل كذا أو تلقي في فم العنقاء اللجام وترد اليوم أمس » ( 76 ) . فهو في الحقيقة قد أشار إلي وقوع هذه المعجزة وليس في صدد إثبات العنقاء أو نفيها .


ولا تخلو هذه الأبيات من احتمال التحريف ـ كما في الأعيان ( 77 ) ـ أو الاختلال في ترتيبها أو أشطرها تقديما وتأخيرا ، لكنها في الجملة تشير إلي حادثة عجيبة ستقع في المستقبل علي يد شخص يمكّنه اللّه في الأرض وتظهر المعاجز علي يديه ، ولا يمكن تفسير ذلك إلاّ في قضية ظهور الإمام المهدي عجّل اللّه فرجه الشريف . وهذا ما يؤيده مضمون أبيات اُخري تنسب إليه نقلها السيد الأمين رحمه الله محتملاً أن تكون مع سابقتها من قصيدة واحدة ( 78 ) ، يقول فيها :






  • وما لك عمّا قدّر اللّه مذهبُ
    ونعت البدا نعت لمن يتقلّبُ
    وكان كنارٍ حرّها يتلهّبُ
    وباللّه عن ذكر الطبائع مرغبُ ( 79 )
    وكان كنور مشرق في طبيعة



  • فتلك علامات تجيء لوقتها
    ولولا البدا سمّيته غير فائت
    ولولا البدا ما كان ثمّ تصرف
    وكان كنور مشرق في طبيعة
    وكان كنور مشرق في طبيعة




وفاتــه :


توفّي زرارة وهو في سنّ السبعين من عمره ( 80 ) . وكانت وفاته بعد الإمام الصادق عليه السلام بشهرين تقريبا ؛ أي في سنة ( 148 ه ) ( 81 ) ، وذهب النجاشي والشيخ إلي أنّ وفاته كانت سنة مئة وخمسين ( 82 ) ؛ أي بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام بسنتين .


وأيّا كان ، فإنّ من الحوادث الهامّة التي سبقت وفاته هي وفاة الإمام الصادق عليه السلام وما أعقبها من اضطراب وحيرة لدي الوسط الشيعي في أمر تعيين الإمام من بعده ؛ حيث إنّه عليه السلام أجمل وصيّته وجعل الإمامة في ثلاثة أشخاص هم : ولده موسي عليه السلام ، وابنه الأكبر عبد اللّه الأفطح ، والمنصور . وفي نقل آخر أنّه أوصي إلي خمسة بإضافة محمّد بن سليمان وحميدة ( 83 ) .


وقد انعكس هذا الاضطراب والانقسام علي جميع الشيعة ، وكان زرارة يومذاك في الكوفة ، وقد ألمّ به المرض منذ وفاة الإمام الصادق عليه السلام وإلي آخر يوم من حياته ، حيث توفّي بمرضه ذاك . إلاّ أنّه ومن أجل استطلاع حقيقة الأمر استدعي ولده عبيدا وبعثه إلي المدينة ، فلمّا حضرته الوفاة ولم يصله خبر من عبيد أخذ المصحف فأعلاه فوق رأسه وقال : « إنّ الإمام بعد جعفر بن محمّد عليه السلام من اسمه بين الدفّتين في جملة القرآن منصوص عليه ، من الذين أوجب اللّه طاعتهم علي خلقه ، أنا مؤمن به » ( 84 ) .


وقد وردت بهذا المضمون أخبار كثيرة ربما يفهم من بعضها الشكّ في إمامة الإمام الكاظم عليه السلام ـ كخبر أبي منصور الواسطي قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : إنّ زرارة شكّ في إمامتي ، فاستوهبته من ربي تعالي ( 85 ) ـ أو أنّه مات وهو لا يعلم بإمام زمانه ، أو أنّه قال بإمامة عبد اللّه الأفطح أوّلاً ثمّ رجع عن ذلك ـ بعد أن قدم المدينة ووجّه إليه أسئلة واختبره فلم يجده أهلاً فقفل إلي الكوفة ، فسأله أصحابه عن الإمام ، فأشار إلي المصحف وقال لهم : « هذا إمامي لا إمام لي غيره » ـ كما زعم ذلك من العامّة أبو محمّد بن حزم صاحب الجمهرة ، واستنتج ابن حجر من كلامه هذا ـ بعد نقله عنه ـ أنّ زرارة قد رجع عن التشيّع ( 86 ) .


والجواب عن ذلك كلّه : أنّ ما ذُكر غير قادح فيه ؛ لأ نّه كان يعتقد علي وجه الإجمال بوجود الإمام المنصوب واقعا ، ولم يكن متوقّفا أو منكرا للإمام من بعد الصادق عليه السلام .


علي أنّ الصحيح أنّه كان يعرف الإمام من بعده ، إلاّ أنّ التقية كانت تمنعه وتصدّه عن ذلك ، فأرسل ولده ليستعلم أنّه هل ترفع له التقية ويظهر أمره أم لا ؟


وقد ورد بهذا خبر صحيح عن إبراهيم بن محمّد الهمداني رضي الله عنه قال : « قلت للرضا عليه السلام : أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك عليه السلام ؟ فقال : نعم . فقلت له : فلم بعث ابنه عبيدا ؛ ليتعرّف الخبر إلي من أوصي الصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام ؟ فقال عليه السلام : إنّ زرارة كان يعرف أمر أبي عليه السلام ونصّ أبيه عليه السلام ، وإنّما بعث ابنه ليتعرّف من أبي هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونصّ أبيه عليه ، وإنّه لمّا أبطأ عنه طولب بإظهار قوله في أبي عليه السلام ، فلم يحب أن يقدم علي ذلك دون أمره ، فرفع المصحف وقال : إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمّد » ( 87 ) .


وذكر الشيخ الصدوق أنّ الخبر الذي احتجّت به الزيدية ليس فيه أنّ زرارة لم يعرف إمامة موسي بن جعفر عليه السلام ، وإنّما فيه : إنّه بعث ابنه عبيدا يسأل ( 88 ) .


وهذا هو الأليق والأشبه بفضل زرارة وعلمه . كيف ؟ ! وفي الأخبار ما يفيد أنّه لم يشك في إمامة آل محمّد عليهم السلام حتي الإمام المنتظر ، أرواحنا له الفداء ؛ فقد روي زرارة في إمامته وغيبته وانتظار أمره روايات ، وسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن وظيفته إن أدرك أيّامه ( 89 ) .


هذا مضافا إلي أشعاره وأبياته السابقة .


وقد سئل الإمام الكاظم عليه السلام عن زرارة وما فعل في قضية إرسال ابنه إلي المدينة ، فأجاب عليه السلام : « واللّه ، كان زرارة مهاجرا إلي اللّه تعالي ! » ، وفي نصّ آخر قال عليه السلام : « إنّي لأرجو أن يكون زرارة ممن قال اللّه تعالي : « وَمَن يَخْرُج مِن بَيْتِهِ مُهاجِرا إلي اللّه ِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُهُ عَلَي اللّه ِ »( 90 ) » ( 91 ) .


فلا وجه حينئذٍ لما زعمه صاحب الجمهرة ـ ووافقه عليه ابن حجر ـ من قوله بإمامة الأفطح ؛ حيث لم يذكر دليله علي ذلك ، ولا شاهد له من الأخبار الكثيرة التي دلّت علي بقائه في الكوفة ، وأنّه لم يخرج منها منتظرا خبر ولده عبد اللّه ( 92 ) .


نعم ، ورد في خبر واحد رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد أنّه كان بعد وفاة الصادق عليه السلام في المدينة ، فدخل هو وبعض الشيعة علي موسي بن جعفر عليه السلام وعرفوا أنّه الإمام ( 93 ) ، في قضية لا مجال لذكرها هنا .


إلاّ أنّ هذا الخبر انفرد به الشيخ المفيد وحده ، وهو لا يقاوم الأخبار الكثيرة جدّا في بقائه في الكوفة ، علي أنّه قد نقل الكشّي الخبر المذكور وليس فيه ذكر لزرارة ( 94 ) .


وليس هذا هو بيت القصيد في هذه المزعمة ، إنّما المهم الذي عنياه هو ما جاء في ذيل كلامهما من إثبات أنّه مات وليس عليه إمام إلاّ المصحف ، وأنّه رجع عن التشيّع . وقد عرفت بطلان مقدمات هذه النتيجة ، علي أنّه قد ورد في أخبار كثيرة مدح زرارة حتي بعد موته ، وأنّه أحبّ الناس إليهم عليهم السلام حيّا وميّتا ، وترحّمهم عليه ، وغير ذلك ، مما لا يتفق ومزعمة رجوعه عن التشيّع ( 95 ) .


وأمّا وفاته ، فقد ذكرنا أنّه توفّي بعد الإمام الصادق عليه السلام بما يقرب الشهرين ، وهو الصحيح ؛ إذ لا يعقل بقاؤه سنتين ـ كما هو القول الآخر في وفاته ـ غيرَ عالم ولو ظاهرا بإمامة الكاظم عليه السلام وعدم رجوع ولده إليه من المدينة ، علي أنّه لم يحدّث عنه عليه السلام ، وإن كان الشيخ الطوسي قد عدّه في أصحابه ( 96 ) ، ولعل المراد أنّه أدرك أيّامه .


پاورقيها:


( 71 ) في الأعيان : ساعٍ .


( 79 ) المصدر السابق .


( 80 ) رسالة أبي غالب الزراري : 136 .


( 43 ) رسالة أبي غالب الزراري : 114 .


( 62 ) المصدر السابق . ( تعليقة المحقق الداماد ) : 360 .


( 56 ) ص : 39 .


( 60 ) اختيار معرفة الرجال 1 : 369 .


( 82 ) رجال النجاشي 1 : 398 .


( 59 ) رسالة أبي غالب الزراري : 136 .


( 64 ) المصدر السابق : 363 .


( 34 ) تهذيب الأحكام 8 : 20 .


( 27 ) الوسائل 17 : 475 ، ب 1 من أبواب ميراث الإخوة ، ح 2 .


( 33 ) المصدر السابق : 530 ، ب 16 من كتاب الظهار ، ح 5 .


( 67 ) المصدر السابق : 358 .


( 84 ) اختيار معرفة الرجال 1 : 372 .


( 52 ) المصدر السابق : 347 .


( 42 ) تهذيب الأحكام 9 : 28 ، ح 1013 .


( 45 ) رجال الطوسي : 123 ، 201 ، 350 .


( 48 ) اختيار معرفة الرجال 1 : 346 .


( 2 ) المصدر السابق 1 : 348


( 14 ) الوسائل 3 : 109 ، ب 8 من أبواب المواقيت ، ح 33 .


( 18 ) المصدر السابق .


( 22 ) انظر : المصدر السابق : 349 .


( 76 ) المصدر السابق : 120 .


( 78 ) المصدر السابق .


( 46 ) مستدركات رجال الحديث 3 : 425 .


( 5 ) المصدر السابق 7 : 94 ، كتاب المواريث ، باب ميراث الولد مع الأبوين ، ح 3 .


( 83 ) مناقب ابن شهر آشوب 3 : 399 .


( 3 ) المصدر السابق .


( 10 ) اختيار معرفة الرجال 1 : 345 .


( 21 ) انظر : المصدر السابق : 348 .


( 24 ) انظر : ما رواه عمر بن اُذينة عنه ، حيث تضمن خبره مناقشة العامة في بعض أحكام الإرث . الوسائل 17 : 475 ، ب 1 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد ، ح 2 .


( 37 ) المصدر السابق : 465 ، ب 18 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ح 1 .


( 88 ) تاريخ آل زرارة : 83 .


( 91 ) اختيار معرفة الرجال 1 : 373 .


( 19 ) المصدر السابق .


( 28 ) المصدر السابق 18 : 39 ، ب 6 من أبواب صفات القاضي ، ح 43 .


( 31 ) المصدر السابق : 498 ، ب 6 ، من كتاب الخلع والمباراة ، ح 6 .


( 6 ) الممتحنة : 10 .


( 11 ) الوسائل 3 : 105 ، ب 8 من أبواب المواقيت ، ح 13 .


( 26 ) تعليقة المحقق الداماد علي رجال الكشي 1 : 373 .


( 35 ) الوسائل 17 : 425 ، ب 7 من أبواب موجبات الإرث ، ح 1 .


( 13 ) الكافي 7 : 94 ، كتاب المواريث ، باب ميراث الولد مع الأبوين ، ح 3 . الوسائل 17 : 463 ، ب 17 من فرائض الإرث ، ح 2 .


( 16 ) الوسائل 17 : 454 ، ب 10 من ميراث الأبوين ، ح 2 .


( 36 ) المصدر السابق : 428 ، ب 7 من أبواب موجبات الإرث ، ح 8 .


( 39 ) المصدر السابق : 476 ، ب 1 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد ، ح 4 .


( 89 ) المصدر السابق : 81 .


( 96 ) رجال الطوسي : 350 .


( 7 ) الوسائل 14 : 411 ، كتاب النكاح ، ب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر ، ح4 .


( 23 ) المصدر السابق : 373 .


( 63 ) المصدر السابق : 362 .


( 69 ) أعيان الشيعة 7 : 47 .


( 77 ) أعيان الشيعة 7 : 47 .


( 86 ) انظر : لسان الميزان 2 : 586 .


( 90 ) النساء : 100 .


( 49 ) المصدر السابق : 355 .


( 25 ) التحرير الطاووسي : 239 .


( 38 ) المصدر السابق : 475 ، ب 1 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد ، ح 2 .


( 53 ) الكافي 7 : 95 ، كتاب المواريث ، ح 3 .


( 20 ) انظر : اختيار معرفة الرجال 1 : 345 .


( 54 ) الوسائل 3 : 109 ، ب 8 من المواقيت ، ح 33 .


( 70 ) وفي أعيان الشيعة ( 7 : 47 ) بدل الشميطية : ( الشيعة ) . والشميطية : فرقة من الشيعة الإمامية الرافضة ، نسبت إلي أحمر بن شميط ، وكان صاحب المختار ، وقد قتلهما معا مصعب بن الزبير ( انظر : الحيوان 2 : 268 ، الهامش ) .


( 93 ) الإرشاد 2 : 215 .


( 51 ) المصدر السابق : 345 .


( 32 ) المصدر السابق : 529 ، ب 16 من كتاب الظهار ، ح 2 .


( 73 ) في الأعيان : أساغ .


( 4 ) الكافي 6 : 159 ، كتاب الطلاق ، ح 30 .


( 8 ) انظر : المصدر السابق 15 : 477 ، كتاب الطلاق ، ب 45 من أبواب العدد ، ح1 .


( 29 ) المصدر السابق 9 : 29 ، ب 21 ، من أبواب الإحرام ، ح 3 .


( 58 ) رجال النجاشي 1 : 397 .


( 72 ) في الأعيان : وذلك سر ما علمنا مغيب .


( 94 ) اختيار معرفة الرجال 2 : 566 .


( 81 ) أعيان الشيعة 7 : 46 .


( 9 ) المصدر السابق 17 : 29 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، ب 15 من أبواب الأطعمة المباحة ، ح3 .


( 30 ) المصدر السابق 15 : 493 ، ب 3 ، من كتاب الخلع والمباراة ، ح 10 .


( 65 ) المصدر السابق : 365 .


( 66 ) المصدر السابق : 357 .


( 74 ) في الأعيان : وقام صبي موثق في قماطه عليهم بأصناف البساتين يغرب .


( 17 ) المصدر السابق 2 : 788 ، ب 13 من أبواب صلاة الجنازة ، ح 3 .


( 85 ) المصدر السابق .


( 41 ) المصدر السابق : 454 ، ب 10 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ح 2 .


( 47 ) ميزان الاعتدال 2 : 70 .


( 12 ) المصدر السابق : 109 ، ح 33 .


( 61 ) المصدر السابق .


( 68 ) رجال النجاشي 1 : 397 .


( 44 ) معجم رجال الحديث 8 : 254 .


( 55 ) النحل : 43 .


( 57 ) انظر : بحار الأنوار 23 : 174 .


( 75 ) كتاب الحيوان : 122 .


( 92 ) لسان الميزان 2 : 586 .


( 87 ) معجم رجال الحديث 8 : 241 .


( 95 ) لسان الميزان 2 : 586 .


( 50 ) المصدر السابق : 348 .


( 40 ) المصدر السابق : 448 ، ب 6 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، ح 2 .


( 15 ) النساء : 11 .


( 1 ) اختيار معرفة الرجال 2 : 507 .


/ 1