منهاج الکرامة فی معرفة الإمامة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهاج الکرامة فی معرفة الإمامة - نسخه متنی

الحسن بن یوسف بن المطهر المعروف بالعلامه الحلی؛ تحقیق: عبدالرحیم مبارک

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




منهاج الكرامة في معرفة الإمامة


مقدمة الناشر



بسم اللَّه الرحمن الرحيم


الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على محمّد خير النبيّين وآله الطيّبين الطاهرين الأئمّة الهُداة المعصومين، الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، واللعنة الدائمة على أعدائهم ومُنكري فضائلهم وجاحدي حقوقهم من الأوّلين والآخرين.


وبعد: يسرّ المكتبة المتخصّصة بأميرالمؤمنين علي عليه السلام التي جرى تأسيسها في مدينة مشهد المقدّسة بعد جهود مُضنية لتسع سنوات كاملة استغرقها إعداد المقدّمات لمثل هذا المشروع الهامّ، وبعد افتتاحها في شهر ذي الحجّة لسنة 1420 ه "1379 ه. ش"، ومساهمتها الفاعلة في مجال التخصّص العلميّ في البحث والتحقيق وفي الجهود والنشاطات المبذولة في مجال التعرّف الأعمق على الشخصيّة الفذّة التي صاغتها يد الخالق المنّان، وهي شخصيّة خاتم الأوصياء أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام؛ وبعد تقديمها أفضل الخدمات للسادة الباحثين والمحقّقين والمطالعين في مختلف جوانب حياة هذا الإمام الهُمام؛ يسرّها أن تخطو خطوات هامّة أخرى في مجال نشر المؤلّفات النافعة في هذا الاتّجاه، فتقدّم لعشّاق أميرالمؤمنين عليه السلام جوهرة فريدة صاغتها يد أحد أبرز العلماء المسلمين، وتُتحفهم بتحفة قيّمة تُعدّ من أروح ما دُوّن في مجال إثبات إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام، وهذه الجوهرة الفريدة هي كتاب منهاج الكرامة في معرفة الإمامة تأليف العلّامة الحلّي قدس سره، خاصّة وقد حُقّق تحقيقاً قيّماً يليق بشأنه على يد المحقّق القدير الأستاذ عبدالرحيم مبارك. وقد ترسّم المحقّق خُطى المؤلّف، فخرّج مطالب الكتاب من كتب العامّة بعد أن ضبط المتن وقابله على عدّة نسخ معتبرة، وزاد في الهامش تعليقات نافعة زادت في قيمة الكتاب العلميّة.


ونحن إذ نتمنّى لهذا المحقّق المزيد من التوفيق في إحياء ونشر الثقافة العلوية المباركة، نأمل من الإخوة المحقّقين أن يفيدوا من الخدمات التي تقدّمها هذه المكتبة القيّمة، وأن يُغنونا بمساهماتهم واقتراحاتهم البنّاءة في تطوير عمل المكتبة.


ويلزمنا في الخاتمة أن ندعو العليّ القدير ليشمل برضاه ورحمته جميع الإخوة الذين ساهموا في تأسيس ورفد هذه المكتبة ويُبارك في جهودهم.


ونأمل ممّن يستنير بهَدي مولى الموحّدين المساهمة في رفد وإغناء هذه المكتبة من خلال مشاركاتهم الفاعلة ليشملهم الدعاء المستجاب للرسول الأكرم: اللهمّ والِ مَن والاه... وانصُرْ مَن نَصَرَه .


نسأل اللَّه عزّوجلّ أن يُعيننا ويُسدّد خطانا ويوفّقنا لخدمة دينه ويمنّ علينا برضاه، إنّه نِعم المولى ونِعم النصير.


المكتبة المتخصّصة بأميرالمؤمنين عليّ عليه السلام


مشهد المقدّسة


عيد الغدير 1424 ه


مقدمة الطبعة الثانية



الحمد للَّه كما هو أهله أن يُحمَد، وصلّى اللَّه على عبده المنتجب ورسوله المصطفى الذي غمسه في بحر الفضيلة، واستأمنه على رسالته الخاتمة، وبعثه إلى آخر الاُمم نبيّاً ومبشّراً ونذيراً وداعياً إلى اللَّه بإذنه وسراجاً منيراً؛ فبالغ في النصيحة وبذل غاية المجهود ليستنقذ العباد من غياهب الضلالة، ويسستخرجهم من ظلمات الغيّ والجهالة: محمّد خاتم النبيّين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين الميامين، الذين اختارهم اللَّه أئمّة لعباده وأركاناً في بلاده وأبواباً لرحمته وهُداةً لبريّته، وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.


مرّت على اُمّتنا الإسلاميّة موجات من الفتن كالليل المظلم، أخبر عنها اُمّته الصادقُ المصدَّقُ


[
الروايات المنقولة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المجال من الكثرة بمكان، وقد تناقلتها كتب الفريقَين، وعقد لها كثير من مؤلّفي الفريقَين أبواباً خاصّة في موسوعاتهم الحديثيّة.]

، ودلّها على المأمن الذي تلوذ به من هذه الفتن المهولة، وأشار لها إلى السفينة التي يأمن مَن ركبها ويهلك مَن تخلّف عنها؛ بل دل صلى الله عليه وآله جميع الأجيال البشريّة التي أتت وتأتي بعده صلى الله عليه وآله على المفزع الذي إذا آبت إليه كانت في درع حصينة. ومَن يُنكر - إلّا متجانف لإثم - أنّة صلى الله عليه وآله صرّح بما لا مزيد عليه بأنّه مخلّف فيهم الثقلَين: كتاب اللَّه وعترته، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه صلى الله عليه وآله الحوض؛ فدلّ صلى الله عليه وآله اُمّته على قدوتها في الحياة، وعلى ملاذها في المحن، وعلى مرجعها في العِلم، يُضاف إلى ذلك أنّه دعم هذا الحديث الشريف بمئات من الأحاديث الاُخرى التي تبيّن أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام - ومن بعده وُلده الأئمّة المعصومين عليهم السلام - باب مدينة العلم والحكمة، وأنّ هؤلاء النفر الهداة مبرّؤون معصومون مطهّرون من الرجس والدنس وهوى الأنفس، ثمّ أخبر صلى الله عليه وآله اُمّته بأنّه لا يطلب منها أجراً على تبليغ الرسالة إلّا أن يودّوا قُرباه بعده


[
انظر تفسير قوله تعالى: قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى |الشورى: 23| في تفاسير العامّة والخاصّة، فقد رووا أنّه لمّا نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول اللَّه، مَن قرابتك الذين وجَبَت علينا مودّتُهم؟ قال: عليٌّ وفاطمة وابناهما.]

، ثمّ سمّى قُرباه بالإسم لئلّا يُخلط معهم من ليس منهم. بل أخبر صلى الله عليه وآله بأنّ هذا الأجر الذي طلبه من الاُمّة إنّما يعود إلى نفس الاُمّة في واقع الحال مَا سَأَلْتُكُم مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ .


[
سبأ: 47.]

وأغمض سيّد البشر عينَيه وفي قلبه الكبير جبال من الأسى، فقد حاول أن يكتب لاُمّته في لحظاته الأخيرة كتاباً لا يضلّون بعده أبداً، فقام بعضهم "الثاني" وقابل الصادق المصدَّق الذي شهد القرآن بأنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلّا وحيٌ يوحى، بل شهد له حتّى مشركو قريش وعُتاتهم بأنّه الصادق الأمين، قابله بألفاظ ندر أن يُقابَل بها رجلٌ يوصي بنيه في لحظاته الأخيرة ويُحاول درء الأخطار التي يراها ستكتنفهم بعد رحيله، فاتّهمه بأنّه يهجر، وأنّه لا يعي ما يقول!!!


وهاك التواريخ وهي تسرد عليك من قصص القوم ما يشيب لها الولدان! فقد تجاهلوا أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في التوجّه في جيش اُسامة، مع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أكّد عليهم في ذلك المرّة تلو المرّة، حتّى بلغ به الغيظ منهم أنّه لعن من تخلّف عن جيش اُسامة


[
انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 52:6، وأسد الغابة 64:1.]

! ثمّ ترك هؤلاء الجنود العصاة رسولهم الحبيب مسجّى لم يُدفن بعد وسارعوا إلى سقيفة بني ساعدة ليقرّروا أمر الخلافة، تداركوا منهم - بزعمهم - لفتنة؛ وتنازعوا فيها خلافةٍ سمّاها قائلهم سلطان محمّد !!


[
انظر: الاحتجاج 92:1؛ السقيفة وفدك للجوهري: 60.]

ثمّ توطّأوا مَن خالفهم وقالوا: اُقتلوا سعداً قتله اللَّه! ثمّ اقتحموا على أميرالمؤمنين عليه السلام بيته الذي أذِن اللَّه له أن يُرفع ويُذكر فيه اسمُه، فجرّوه مخشوشاً للبيعة، وهدّدوه بالقتل إن هو أبى عليهم ما يريدون!


تنكّرت الاُمّة لرسولها صلى الله عليه وآله وتشتّتت وتمزّقت، وها هي فرقها لا تعدّ، وخلافاتها لا تُحصى. وإذا صرنا نسمع في يومنا هذا نغمة نشاز تقول حسبُنا كتاب اللَّه وسُنّة نبيّه ، في تجاهل صريح لوصيّة نبيّ الرحمة صلى الله عليه وآله الذي أوصى هذه الاُمّة بالثقلَين: كتاب اللَّه وعِترته أهل بيته عليهم السلام، وأكّد أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه صلى الله عليه وآله الحوض، ثمّ قال في تأكيد: فانظُروا كيف تخلفوني فيهما


[
انظر على سبيل المثال: المعجم الكبير للطبرانيّ 67:3/ ح 2683؛ المستدرك على الصحيحَين 118:3.]

؛ وفي إعراض من هؤلاء - لا أشدّ منه - عن أهل البيت عليهم السلام الذين وصفهم رسول الهُدى صلى الله عليه وآله بأنّهم كسفينة نوح التي يأمنُ من ركبها، ويهلك ويغرق من تخلّف عنها؛ وما أشبه اليوم بالبارحة! فقد تغنّى أسلاف هؤلاء من قبلُ بقولهم حسبُنا كتاب اللَّه ، ثمّ تاهوا عن عترة الهدى فتخطّفتهم شياطين الإنس والجنّ، وقعدت بهم الأهواء في الحضيض، فلم يتسنَّ لهم - وأنّى ذلك بغير الاستعانة بأئمّة الهُدى وقادة الاُمم - الارتفاع إلى الذُرى الرفيعة التي رسم لهم نبيُّهم سُبُل الارتفاع إلى قِممها من خلال مقولته العجيبة ما إن تمسّكتم بهما - أي بالثقلَين - لن تضلّوا بعدي


[
انظر على سبيل المثال: مسند أحمد 26:3/ ح11227؛ و59:3/ ح11578؛ سنن الترمذيّ 663:5/ ح3788؛ المعجم الكبير للطبرانيّ 65:3/ ح2678 و66:3/ ح2681.]

، وكانت عاقبة تمرّدهم أن مزّقتهم الاتّجاهات كلَّ مُمزَّق، فنعقوا مع كلّ ناعق، واتّبعوا الاسرائيليّات التي أتحفهم بها من أسلم - في الظاهر - من اليهود، وتركوا باب مدينة عِلم الرسول: أميرالمؤمنين ينادي فيهم سَلوني قبلَ أن تفقدوني ، سلوني عن طُرُق السماء فإنّي أعرف بها من طُرُق الأرض ؛ مع أنّ نبيّهم أوضح بما لا مزيد عليه أنّ عليّاً عليه السلام مع الحقّ والحقُّ معه


[
مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازليّ 118 - 112/ ح155؛ ربيع الأبرار للزمخشريّ 237:2.]

، وأنّ عليّاً عليه السلام مع القرآن والقرآن معه


[
المستدرك على الصحيحَين 134:3، وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرجاه.]

، ومع أنّ أميرالمؤمنين هو المتمسّك الحقيقيّ بسنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله التي يدّعي هؤلاء التمسّك بها - دون العِترة -


[
انظر الفصل الخامس من كتاب خير البريّة والألطاف الإلهيّة، فقد تحدّث في هذا الشأن مفصّلاً.]

؛ ومع أنّ نبيّ الهُدى حذّرهم من الذَهاب يميناً وشمالاً، وقال لهم بأنّ صراط الحقّ واحد، وأنّ سبيل الهُدى فردٌ، وأنّ الطريقة الوسطى هي الجادّة.


وفات هؤلاء المتعامين عن الثقل الأصغر "أئمّة أهل البيت عليهم السلام" أنّ أهل البيت أدرى بما فيه، وأنّ المفسّر الواقعيّ لكتاب اللَّه تبارك وتعالى هم - وحدُهم - الذين نزل القرآن في بيوتهم ووطأت الملائكة فُرُشهم، وأنّ محاولة الفصم الفاشلة بين الثقل الأكبر "القرآن" والثقل الأكبر "أهل البيت عليهم السلام" محاولة فاشلة أنبأ بفشلها وعُمقها الصادق المصدَّق بقوله وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض .


وبالنظر إلى أنّ كتاب منهاج الكرامة قد اُعيدت طباعته مرّتَين حتّى الآن، ونظراً لكون الطبعة الاُولى ذات أغلاط طباعيّة غير قليلة وفهارس لم يُرتّب بعضها ترتيباً كافياً، وشعوراً بالحاجة الملحّة للردّ على بعض الشبهات التي اُثيرت مؤخّراً حول بعض أحاديث فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام، فقد ارتأيتُ إعادة النظر في تحقيق الكتاب، فصحّحت الأغلاط الموجودة فيه، وتوسّعت في تخريج أحاديثه والتعليق على بعضها "استوعبت التخريجات والتعليقات الجديدة ما يقرب من خمسين صفحة" وأعدتُ تنظيم الفهارس وزدتُ فيها فهرسَين يتضمّن أحدهما أسماء المصادر التي اعتمدها العلّامة قدس سره في كتابه، ويتضمّن الثاني أسماء العلماء الذين نقل عنهم العلّامة؛ آمل أن يكون الكتاب الماثل قد تجاوز النواقص التي قد تتحطّ به - في رأيي - عن جدارة الانتساب لمثل العلّامة الحلّيّ ذي المقام الرفيع، نسأل اللَّه عزّ وجلّ أن يمنّ علينا بتعجيل فَرَجَ إمامنا المهديّ عليه السلام، وأن يجعلنا من المنتظرين لظهوره والمُستشهَدين بين يديه، وأن يمنّ على اُمّتنا الإسلاميّة - بظهوره عليه السلام - بالرفعة والسؤدد، وأن يقمع أعداء الإسلام والمسلمين، الذين استشرى شرّهم وتكالبوا على إطفاء نور اللَّه الذي وعدنا بحفظه وحراسته، فقال عزّ مِن قائل: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ


[
التوبة: 32.]

، إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد للَّهِ ربّ العالَمين.


مقدمة الطبعة الاُولى



الحمد للَّه ربّ العالمين، وصلّى اللَّه على سيّدنا ونبيّنا محمّد المصطفى خاتم النبيّين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.


يمتاز الحديث في مناقب أهل البيت عليهم السلام بنكهة خاصّة، إذ يدور حول اُناسٍ طهّرهم ربّ العزّة، وخدمتهم الملائكة، وأشاد بذكرهم نبيُّ الرحمة في كلّ موقف تسنّى له فيه ذلك، وكان صلى الله عليه وآله - كما هو المنتظر من نبيّ الرحمة - يؤكّد على اُمّته باقتفاء آثار أهل البيت وتولّيهم، والتبرّي من أعدائهم؛ فوصفهم تارةً بسفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومَن تخلّف عنها هلك، وبباب حِطّة مَن دخله كان آمناً، ومن خرج عنه كان كافراً، وقال بأنّهم الثقل الأصغر الذي خلّفه في اُمّته مع الثقل الأكبر: القرآن؛ وأخبر بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض؛ ووصفهم بأنّهم حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض.


وكان من دأبه صلوات اللَّه عليه وآله - وهو نبيّ الهدى - أن يُنبّه اُمّته إلى هذا الأمر الخطير، وأن يدلّها على الصراط الذي يضمن نجاتها وفوزها في الدنيا والآخرة. وكان في هذا المجال يُصْدِر جُملة من الوصايا العامّة تنصبّ في هذا المسار، وجملة من الوصايا الخاصّة، بضرورة اتّباع عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام وتولّيه وتولّي ولده من بعده.


ومن جُملة الأحاديث التي يمكن عدّها من الصنف الأوّل حديث جابر بن سمرة المشهور إثنا عشر قيّماً من قريش لا يضرّهم عداوة من عاداهم


[
انظر: المعجم الكبير للطبرانيّ: 2/ الأحاديث 36 "2073 و 2071 و 2070 و 2069 و 2068 و 2067 و 2063 و 2062 و 2061 و 2060 و 2059 و 2007 و 1964 و 1926 و 1923 و 1896 و 1883 و 1876 و 1875 و 1852 و 1851 و 1850 و 1849 و 1809 و 1808 و 1801 و 1800 و 1799 و 1798 و 1797 و 1796 و 1795 و 1794 و 1793 و 1792 و 1791 حديثاً" ومجمع الزوائد للهيثمي191:5.]

، وفي لفظ: خليفة ، وفي لفظ آخر أميراً ، وحديث ابن مسعود إثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل


[
رواه أحمد في مسنده 398:1، وأبو يعلى الموصليّ في مسنده 222:9/ح5322، والطبرانيّ في معجمه الكبير 10310:10، وابن كثير في تفسيره 32:2 في تفسير الآية 12 من سورة المائدة، وقال: والظاهر أنّ منهم المهديّ المبشّر به في الأحاديث الواردة بذكره؛ كما رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 501:4، والهيثميّ في مجمع الزوائد 190:5.]

وحديث من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة


[
ورد هذاالحديث في مصادر العامّة بألفاظ مختلفة، ففي مسند أحمد 96:4 بإسناده عن معاوية ورد بلفظ من مات بغير إمام، مات ميتةُ جاهليّة . ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الحديد في شرح النهج 147:9.


وجاء في طبقات ابن سعد 144:5 بإسناده عن ابن عمر - ضمن حديث - بلفظ من مات ولا بيعة عليه مات ميتة جاهليّة ، ورواه بهذا اللفظ الطبرانيّ في معجمه الأوسط 175:1/ح227، والمتقي الهنديّ في كنز العمّال: 1/ ح463.


ورواه ابن أبي شيبة في مصنّفه 38:15 عن عبداللَّه بن عامر بلفظ من مات ولا طاعة عليه، مات ميتة جاهليّة . ورواه البخاريّ في تاريخه الكبير 445:6/ح2943 بلفظ من مات وليست عليه طاعة، مات ميتة جاهليّة . ورواه بلفظ قريب من هذا كلّ من أحمد في مسنده 446:3، والهيثميّ في كشف الأستار 1636/252:2.]



فقد بيّن بأنّ الأئمّة إثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون، لا تضرّهم عداوة من عاداهم، ثمّ حذّر اُمّته بأنّ من يموت منهم ولم يعرف إمام زمانه، فميتتُه جاهليّة.


وأمّا الوصايا الخاصّة في أهل بيته عليهم السلام، وعلى الأخصّ في شأن أخيه ووصيّه وخليفته من بعده: أميرالمؤمنين عليه السلام، فقد ورد بعضها في هذا الكتاب الشريف.


وكان من نهجه صلى الله عليه وآله التزام الحكمة في دعوته لاُمّته، مقتفياً في ذلك السبيل الذي أرشده إليه الربّ الجليل، وكان يلاحظ من بعض النفوس بوادر تمرّد لاتُحمد عقباها، وكان يصرّح لبعض أزواجه لولا أنّ قومك حديثو عهدٍ بالجاهليّة وأخاف أن ينكر قلوبهم، لأمرتُ بالبيت فهُدم فأدخلتُ فيه ما اُخرج منه... وفي حديث لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لهدمتُ الكعبة فإنّهم تركوا منها سبعة أذرع في الحجر ضاقت بهم النفقة...


[
انظر صحيح البخاريّ 574:2/ح1508؛ صحيح مسلم 969:2/ح1333؛ الفردوس للديلميّ 358:3-359/ ح5081؛ مسند أحمد 57:6/ ح23776؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ 139:7/ ح6247؛ و184:8/ ح7275 و177:10/ ح9382.]



لكنّ البعض - مع ذلك كلّه - كان يضيق ذرعاً بتعاليم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، ويُعلنُ تمرّده، بل يكذّب النبيّ صراحة ويُطالبه بدليل من السماء على أنّ توليته عليّاً هي من عند اللَّه لا من عند نفسه، وأيّ دليل كان يريدُ هذا البائس؟! أن يُرمى بحجارة من السماء!!


[
انظر تفسير آية سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ |المعارج: 1| النازلة في حقّ الحارث بن النعمان الفهريّ.]



وعلى الرغم من أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يعيّن مصداق الإمام الذي يموت من لا يعرفه ميتةً جاهليّة؛ ويُعلن أنّ عليّاً مع الحقّ، والحقّ مع عليّ؛ وأنّه مع القرآن، والقرآن معه، ويعهد إليه أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يُبغضك إلّا منافق ، ويؤاخيه في قضيّة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ويجعله منه بمنزلة هارون من موسى، وبمنزلة الرأس من الجسد؛ إلّا أنّ البعض كان يلوم النبيّ على سيرته هذه، ربّما لأنّهم فسّروا ذلك على أساس أنّ النبيّ كان يتحيّز لعليّ عليه السلام، وأنّه كان في ذلك متّبعاً هوى نفسه؛ فقالوا عنه أنّه غوى في حبّ ابن عمّه، حتّى تصدّى للردّ عليهم في قوله جلّ من قائل: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى


[
النجم: 2.]

، ولامه البعضُ على مناجاته عليّاً دونهم، فقال لهم: ما أنا انتجيتُه ولكنّ اللَّه انتجاه! ؛ ولاموه على سدّه أبوابهم الشارعة إلى مسجده وتركه باب عليٍّ مشرعاً، فبيّن لهم أنّ اللَّه قد فعل ذلك.


وجاءه بعضهم من إحدى الغزوات فشكى عليّاً، فأعرض عنه النبيّ؛ ثمّ جاءه آخر وآخر حتّى بانَ الغضب في وجهه صلى الله عليه وآله، فقال: ما بال أقوام يُبغضون عليّاً؟! مَن أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن فارق عليّاً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه... الحديث؛ وقال: أنا وعليّ من شجرة واحدة، والناس من شجر شتّى . وكان النبيّ صلى الله عليه وآله يستعين على القوم أحياناً ببعض الاُمور الغيبيّة، كما في قصّة الطائر الذي اُهدي إليه، فدعا ربَّه أن يأتيه بأحبّ خلقه إليه يأكل معه من ذلك الطائر - وأنس خادمه يسمع - ثمّ طُرِقَ الباب، ففتحه أنس، فرأى أنّ القادم عليّ عليه السلام، فردّه وقال له بأنّ النبيّ مشغول بأمرٍ ما، فانصرف عليّ، ثمّ عاد فردّه أنس، ثمّ عاد ثالثةً فسمع النبيّ كلامه ودعاه، واعتذر أنس عن فِعله بأنّه أحبّ أن يكون ذلك الرجل أحد الأنصار!!


وكما في قصّة النجم الذي هوى فجأةً من السماء، حيث كان النبيّ قد قال لأصحابه بأنّ من هوى النجم في داره فهو وصيّه؛ فهرع القوم يفتّشون البيوت، فوجدوا النجم قد هوى في بيت عليّ.


ويُخبرهم - وقد بعثَ فلاناً وفلاناً بالراية فرجَعَا فارَّين يُجبّن كلّ منهما أصحابه وهم يُجبّنونه - بأنّه سيبعث غداً بالراية رجلاً كرّاراً غير فرّار، يحبّ اللَّهَ ورسولَه، ويُحبّه اللَّهُ ورسولُه، لا يرجع حتّى يفتح اللَّه على يديه. ثمّ يأتي الغد وتمتدّ الأعناق، ويتطلّع مَن يتطلّع، ويُصرّح أحدُهم بأنّه لم يحبّ الإمارة كما أحبّها ذلك اليوم؛ ثمّ يفوه النبيّ صلى الله عليه وآله بالقول الفصل: أين عليّ؟ فيُقال: إنّه أرمد يشتكي عينه، فيمسح النبيّ على عينيه بريقه ويُعطيه الراية، فيذهب ويقتل بطل خيبر مرحب الفارس الأشوس الذي طالما انخلعت أفئدةُ الفرسان من سماع إسمه، ويقتلع باب خيبر فيجعلها جسراً تعبر عليه الفُرسان، ويعود بالنصر المؤزّر كما وَعَدَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله.


ويبعثه مرّة في إحدى الغزوات، فيهبط جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه وآله ويخبره بنصر أميرالمؤمنين عليه السلام، ويصف له المعركة التي دارت بينه وبين أعدائه في آيات سورة العاديات ، فيُخبر النبيّ صلى الله عليه وآله أصحابه بذلك، ثمّ يعود الجيش فيتّضح لمَن في قلبه مرض أنّ السماء هي التي بشّرت بنصر عليّ، ونقلت تفاصيل وقعته الظافرة.


وينزل جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه وآله تارةً فيقرأ عليه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ


[
المائدة: 55.]

، فيدخل النبيّ صلى الله عليه وآله المسجد فيصادف السائل عند الباب، فيسأله عمّن أعطاه، فيجيب أنّه سأل فلم يُعطه أحدٌ شيئاً، وأنّ أميرَالمؤمنين عليه السلام أشار له وهو راكع فتصدّق بخاتمه.


ويُشاهد القوم أنّ السماء قد أضافت إلى أوسمة عليّ وساماً جديداً، وأنّها قدأخبرت بفِعل عليّ فَوْرَ تحقّقه. ثمّ يأتي آخر فيتصدّق بمائة وخمسين خاتماً في مناسبات مختلفة رجاءَ أن تنزل فيه آية، إلّا أنّ هذا البعض لا يفهم اُصول التعامل مع السماء، وأنّ اللَّه تعالى ينظر إلى نيّة المرء لا إلى عمله فقط، فيُثيب من يعمل عملاً للَّه تعالى وفي اللَّه دون أن ينتظر شيئاً؛ تماماً كفِعلهم صلوات اللَّه عليهم الذي حكته السماء في قصّة النذر، وقولهم: لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً، إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً .


[
الإنسان: 10 - 9.]

والحديث في هذا المجال طويل وطويل.


لقد عاش النبيّ صلى الله عليه وآله وهو يوصي بالعترة الطاهرة، ورقد على فراش الموت وطلب من صحبه كتفاً ودواة كي يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا من بعده أبداً، فاتّهمه بعضهم بأنّه قد هجر، وقال آخر: حسبُنا كتاب اللَّه!


ونتساءل: ما معنى هذا القول؟ ألا يعني أنّ هذ القائل خاف أن يكتب النبيّ صلى الله عليه وآله في وصيّته للاُمّة بالتمسّك بكتاب اللَّه والعترة، اللَّذَيْن لو تمسّك القوم بهما لم يضلّوا أبداً، وفطن هذا القائل إلى الفقرة الأخيرة من كلام النبيّ لن تضلّوا من بعده أبداً فأدرك أنّ النبيّ موصٍ بالعترة بلا ريب، فجهر بما في صدره: حسبنا كتاب اللَّه!


ونتساءل من جديد: لماذا تنكّر هؤلاء للعترة؟ وكيف تجاسروا على بيت بضعة الرسول، وقادوا عليّاً كالجمل المخشوش؟! أفيشكّ أحد أنّ فاطمة عليها السلام ماتت وهي غاضبة عليهما؟! وأنّها أوصت بدفنها ليلاً، وأن لا يحضرها أحد من القوم؟! أفيشكّ أحد أنّها مطهّرة حسب آية التطهير، وأنّها المصداق الواضح لهذه الآية الكريمة؟!


أيشكّ امرؤ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال بأنّها بضعة منه، وأنّ اللَّه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها؟!


ونتساءل والقلوب حرّى: أكان النبيّ صلى الله عليه وآله يهجر - والعياذ باللَّه - حين أمر اُمّته بالتمسّك بالثقلَين؟! وحين أخبر اُمّته أنّ أهل بيته كسفينة نوح ينبغي أن يفزعوا إليها لينجوا من عواصف الاختلاف وأمواج الفتن المتلاطمة؟!


أكان كذلك يوم المباهلة حين جعل عليّاً كنفسه، وجعل الحسن والحسين أبناءه، وفاطمة نساءه؟!


أكان كذلك حين رفع يد عليّ عليه السلام بمرأى ومسمع من الاُلوف الغفيرة القافلة من مكّة، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وقال: مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه! أكان كذلك حين كان يقف عند باب فاطمة وعليّ عليهما السلام تسعة أشهر فيناديهم أن يقوموا للصلاة، ويقرأ آية التطهير النازلة في حقّهم؟!


أكان كذلك حين آخى بين المهاجرين والأنصار، فاستبقى عليّاً لنفسه، وآخاه دونهم؟!


ونسأل: أبرهن هذا القائل حسبُنا كتاب اللَّه ومَن سبقه وتلاه في الخلافة أنّهم عالمون بما في كتاب اللَّه، مُستغنون عن العترة؟ أم أنّ هذا القائل لمّا رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مسجّى قد فارق الحياة، قال: مَن قال أنّ محمّداً مات قتلتهُ بسيفي هذا؛ وإنّما رُفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم.


أعكف هذا القائل على كتاب اللَّه يتلوه ليله ونهاره، أم ألهاه عنه وعن سُنّةِ النبيّ وحديثِه الصفقُ في الأسواق كما يقول.


[
الملل والنحل 15:1، وسيرة ابن هشام 655:4-656.]



لقد أجهد هذا القائل نفسه حتّى حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلمّا ختمها نحر جزوراً


[
تفسير القرطبيّ 126:14.]



وكان كثيراً ما يُبتلى زمن خلافته بمسائل يحكم فيه بعلمه، ثمّ يسأل أميرالمؤمنين عليه السلام عنها، فيدلّه على طريق الصواب، حتّى قال المرّة تلو المرّة لولا عليّ لهلك عمر


[
الاستيعاب: 39:3، وفيه أيضاً أنّ عمر كان يتعوّذ من مُعضلة ليس لها أبوالحسن؛ وانظر كذلك: تذكرة الخواصّ: 144؛ الفائق للزمخشريّ 163:2 عضل .]



أمّا عن سُنّة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله التي وصفها صلى الله عليه وآله بقوله: ألا إنّي اُوتيتُ القرآن ومثله معه...


[
مسند أحمد 131:4/ ح16722.]

، فقد منع هذا القائلُ الناس من التحديث بأحاديث السنّة النبويّة مطلقاً


[
تذكرة الحفّاظ 7:1-8.]

، وأصدرَ أمره بحبس ابن مسعود وأبي الدرداء وأبي مسعود الأنصاريّ، فقال: قد أكثرتم الحديث عن رسول اللَّه


[
تذكرة الحفّاظ 7:1.]



ومنع الناس من نقل الحديث، بحجّة اختلاطه بالقرآن


[
طبقات ابن سعد 286:3-287.]



وهكذا كانت سيرة صاحبَيه؛ حتّى وصل الأمر إلى معاوية ففتح باب تزوير الأحاديث على مصراعيه، وأعرض عن أحاديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله


[
أخرج البيهقيّ عن عطاء بن يسار، أنّ معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نهى عن هذا إلّا مثلاً بمثل، فقال له معاوية: ما أرى بهذا بأساً. فقال أبوالدرداء: من يعذرني من معاوية؟ اُخبره عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ويُخبرني عن رأيه، لا اُساكنك بأرضٍ أنت فيها. "مفتاح الجنّة للسيوطيّ: 19".]

، ومنع من التحديث بمناقب أميرالمؤمنين عليه السلام، وبعث إلى عمّاله في البلدان آمِراً بلعنه على المنابر.


وخلال هذه المسيرة الطويلة، كان هناك رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللَّه عليه، رجال حملوا الأرواح على الأكفّ وباعوها رخيصةً لأجل المبدأ، رجالٌ وصفهم النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله في خطابه لأميرهم أميرالمؤمنين عليه السلام: يا عليّ أنت وشيعتُك خيرُ البريّة


[
ينابيع المودّة للقندوزيّ 452:2.]

، وقال: يا عليّ إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحُجزة اللَّه عزّ وجلّ، وأخذتَ أنتَ بحُجزتي، وأخذ ولدُك بحجزتك، وأخذوا شيعة ولدك بحُجَزِهم، فترى أين يؤمَرُ بنا!


[
الفردوس للديلميّ 324:5/ ح8324.]



ومن هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم لخدمة الدين وإعلاء كلمة الحقّ، العلّامة الحلّيّ قدّس اللَّه نفسه الزكيّة، فسلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم مات، ويوم يُبعث حيّاً.


أسأل اللَّه - وهو أكرم مسؤول - أن يصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن يغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأن يغفر لي ولوالديّ، ويتغمّدهما بكرمه وعفوه ومنّه، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين.


التعريف بالمؤلّف



الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّيّ، المعروف بالعلّامة الحلّيّ قدّس اللَّه نفسه الزكيّة، انتهت إليه رئاسة الإماميّة في المعقول والمنقول.


قال عنه صاحب الروضات : لم تكتحل حدقة الزمان له بمثلٍ ولا نظير، ولمّا تصل أجنحةُ الإمكان إلى ساحة بيان فضله الغزير، كيف ولم يُدانِه في الفضائل سابقٌ عليه ولا لاحق


[
روضات الجنّات 270:2-271.]



وجاء في أمل الآمل : فاضل عالم، علّامة العلماء، محقّق مدقّق، ثقة فقيه، محدّث متكلّم ماهر، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، لا نظير له في الفنون والعلوم والعقليّات والنقليّات


[
أمل الآمل 396:5.]



ولد في مدينة الحلّة، وهي مدينة كبيرة تقع بين الكوفة وبغداد، وقد نوّه أميرالمؤمنين عليه السلام بفضل أهلها قبل بنائها.


وكانت ولادته في شهر رمضان من عام 648 ه، وقد حدّد بنفسه تاريخ ولادته في ليلة الجمعة في الثلث الأخير من الليل، سابع وعشرين رمضان، من سنة ثمان وأربعين وستمائة.


وكان أبوه سديد الدين يوسف بن عليّ بن المطهّر فقيهاً محقّقاً مدرّساً من أعظم العلماء في عصره.


وقد حاز العلّامة منزلةً علميّة مرموقة ومكانةً اجتماعيّة استثنائيّة، خاصّة بعد مناظرته المعروفة مع علماء العامّة في مجلس السلطان محمّد خدابنده، وقد أهّله ذكاؤه المفرط وقابليّاته العلميّة وبراعته في الفنون المختلفة لترويج المذهب الشيعيّ، وسيأتي ذِكر تشيّع السلطان المغوليّ المذكور ببركة جهود العلّامة قدس سره.


وصفه علماء العامّة - مع نعتهم له بالرافضيّ الخبيث - بأنّه كان رضيّ الخُلق حليماً


[
النجوم الزاهرة 266:9.]

؛ وأنّه عالم الشيعة وفقيههم، صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته


[
الوافي بالوفيات 85:13، لسان الميزان 317:2.]

؛ وأنّه كان مشتهر الذِكر وحسن الأخلاق، ولمّا بلغه كتاب ابن تيميّة "وهو كتاب ردّ فيه على كتاب منهاج الكرامة" قال: لو كان يفهم ما أقول أجبتُه


[
لسان الميزان 317:2.]

.. وكان يصنّف وهو راكب


[
الوافي بالوفيات 85:13.]



وقد امتازت تصنيفاته بكثرتها وتنوّعها، فقد ألّف في الفقه الموسوعات الكبيرة مثل منتهى المطلب في تحقيق المذهب ، مختلَف الشيعة ، تذكرة الفقهاء ، إرشاد الأذهان في أحكام الإيمان ، تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة ، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام وغيرها.


كما ألّف المختصرات في الفقه، ك تبصرة المتعلّمين ، و تلخيص المرام في معرفة الأحكام .


وألّف في علم الكلام، وفي اُصول الفقه، وفي الحديث، وفي المنطق، وفي علم الرجال، وفي فنون الحكمة والفلسفة والنحو والعربيّة وغيرها.


قصّة تأليف منهاج الكرامة



نقل السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة عن التقيّ المجلسيّ في شرح الفقيه أنّ السلطان اُلجايتو محمّد المغوليّ الملقّب ب شاه خدابنده غضب على إحدى زوجاته، فقال لها: أنت طالق ثلاثاً! ثمّ ندم، فسأل العلماء، فقالوا: لابدّ من المُحلّل، فقال: لكم في كلّ مسألة أقوال، فهل يوجد هنا اختلاف؟


فقالوا: لا.


فقال احد وزرائه: في الحلّة عالم يفتي ببُطلان هذا الطلاق.


فقال العلماء: إنّ مذهبه باطل، ولا عقل له ولا لأصحابه، ولا يليق بالملك أن يبعث إلى مثله.


فقال الملك: أمهلوا حتّى يحضر ونرى كلامه.


فبعث فاُحضر العلّامة الحلّيّ، فلمّا حضر جمع له الملكُ جميعَ عُلماء المذاهب، فلمّا دخل على الملك أخذ نَعله بيده، ودخل وسلّم وجلس إلى جانب الملك.


فقالوا للملك: ألم نقل لك أنّهم ضعفاء العقول؟!


فقال: إسألوه عن كلّ ما فعل.


فقالوا: لماذا لم تخضع للملك بهيئة الركوع؟!


فقال: لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم يكن يركع له أحد، وكان يُسلَّم عليه، وقال اللَّهُ تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً


[
النور: 61.]

ولايجوز الركوع والسجود لغير اللَّه.


قالوا: فلِمَ جلستَ بجنب الملك؟


قال: لأنّه لم يكن مكان خالٍ غيره.


قالوا: فلمَ أخذتَ نعلَيك بيدك وهو مُنافٍ للأدب؟


قال: خفتُ أن يسرقه أهلُ المذاهب كما سرقوا نعلَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.


فقالوا: إنّ أهل المذاهب لم يكونوا في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، بل ولدوا بعد المائة فما فوق من وفاته. كلُّ هذا والترجمان يترجم للملك كلّ ما يقوله العلّامة.


فقال للملك: قد سمعتَ اعترافهم هذا، فمن أين حصروا الاجتهاد فيهم ولم يجوّزوا الأخذ من غيرهم ولو فُرض أنّه أعلم؟!


فقال الملك: ألم يكن أحد من أصحاب المذاهب في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله ولا الصحابة؟


قالوا: لا.


قال العلّامة: ونحنُ نأخذ مذهبنا عن عليّ بن أبي طالب: نفس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأخيه وابن عمّه ووصيّه، وعن أولاده من بعده.


فسأله عن الطلاق، فقال: باطلٌ لعدم وجود الشهود العدول.


وجرى البحث بينه وبين العلماء حتّى ألزمهم جميعاً، فتشيّع الملك وخطب بأسماء الأئمّة الإثني عشر، وأمر فضُربت السكّة بأسمائهم، وأمر بكتابتها على المساجد والمشاهد


[
أعيان الشيعة 399:5.]



عمره الشريف



اخترمته المنيّة يوم السبت الحادي والعشرين من محرّم الحرام سنة 736ه.ق. فيكون قد عاش ثماني وسبعين سنة أمضاها في التدريس والتصنيف والمباحثات العلميّة، ونُقل جثمانه المقدّس إلى النجف الأشرف، فدُفن في حُجرة عن يمين الداخل إلى الحضرة الشريفة من جهة الشمال.


النسخ الخطّيّة المعتمدة في تحقيق الكتاب



1. النسخة المحفوظة في خزانة المكتبة الرضويّة في مدينة مشهد المقدّسة تحت رقم 13754.


عدد الأوراق: 36.


أبعاد النسخة: 17/5 * 24/5 سم


عدد الأسطر في كلّ صفحة: 19


وكتب في آخرها: هذه صورة خطّ المصنّف، وكتب العبد الفقير إلى رحمة ربّه محمّد بن عليّ بن حسن الجباعيّ غفر اللَّه له ولجميع إخوانه المؤمنين، وذلك لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر رمضان المعظّم قدّره اللَّه برحمته، حامداً للَّه تعالى ومصلّياً على خيرته من بريّته محمّد النبيّ والأصفياء من عترته.


فرغتُ من كتابة هذا الكتاب الشريف: العبد الأقلّ المنيف محمّد باقر بن حاجي محمّد الشريف في أواخر شهر جمادي الثاني سنة أربع وسبعين وتسعمائة، غفر ذنوبي ولوالديّ ولجميع المؤمنيين بحقّ محمّد وآله الطاهرين.


ورمزتُ لهذه النسخة بحرف ر .


2. النسخة المحفوظة في خزانة مكتبة آية اللَّه السيّد المرعشيّ النجفيّ العامّة في قم المقدّسة ضمن المجموعة 49 تحت رقم "20 پ - 74 پ"، تمّ نسخها بخطّ مسعود بن جار اللَّه المطلبيّ في الخامس من ربيع الأوّل سنة إحدى وأربعين وتسعمائة.


ورمزتُ لها ب ش .


3. نسخة اُخرى محفوظة في المكتبة المذكورة ضمن المجموعة 2523 تحت رقم 1 پ - 67 ر تمّ نسخها في آخر جمادى الثاني سنة إحدى وخمسين وتسعمائة.


ورمزتُ لها ب ش2 .


وقد اعتمدت طريقة التلفيق بين النسخ الثلاثة المذكورة، مع ذكر الاختلافات الواردة في كلّ منها، وراجعت كذلك النسخة الحجريّة للكتاب وذكرت لفظها في الهامش في بعض الموارد القليلة اللازمة. وقد واجهتنا في النسخ الثلاث أخطاء إملائيّة ولغويّة وإعرابيّة غير قليلة، فقمنا بتصحيحها وأعدنا الكتابة برسم الخطّ الحديث.


لكتاب وعملنا فيه



كتاب منهاج الكرامة هو كتاب ألّفه العلّامة قدس سره - كما سلفت الإشارة - لإثبات حقّانيّة مذهب التشيّع عقلاً ونقلاً، وقد تناول فيه المذاهب المختلفة فناقش ما فيها من السلبيّات، ثمّ تناول مذهب أهل البيت عليهم السلام فذكر الأدلّة على وجوب اتّباعه، وذكر نُبذة مختصرة عن الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام وخصائصهم، وعرّج على ذِكر مطاعن الذين نازعوا أهل البيت حقَّهم ودفعوهم عن مراتبهم التي رتّبهم اللَّه فيها، ثمّ توسّع في ذِكر مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام والآيات النازلة في حقّه، وقد ردّ عليه ابن تيميّة الحرّانيّ بكتاب سمّاه منهاج السنّة حاول فيه إثارة الشبهات حول الأدلّة المتقنة التي جاء بها العلّامة الحلّيّ قدس سره. وقد سعينا بعد إكمال تصحيح الكتاب في مجاراة المصنّف قدس سره في منهجه في هذا الكتاب، فقصرنا تخريجاتنا على مصادر العامّة، ولم ننقل عن مصادر الخاصّة إلّا القليل، كما أشرنا - حيثما تيسّر - إلى بعض الشبهات التي أثارها ابن تيميّة وبيّنّا بطلانها.


وقد ارتأينا أن نتوسّع في بعض المواضيع التي أحسسنا بضرورتها في الوقت الحاضر بالقدر الذي لا يخرج بالكتاب عن اختصاره، ثمّ ألحقنا بالكتاب فهارس فنّيّة تُعين الباحث في العثور على ما يبغي مراجعته، وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربّ العالمين.


مشهد المقدّسة


عبدالرحيم مبارك نجل العلّامة الشيخ حسين مبارك 1419 ه.


مقدمة المؤلّف



الحمد للَّه القديم الواحد، الكريم الماجد، المقدَّس بكماله عن الشريك والضدّ والمعاند، المتنزّه بوجوب وجوده عن الوالدة والصاحبة والولد والوالد؛ أَحمَدُهُ حمدَ معترفٍ بآلائه غير شاكٍّ ولا جاحد، وأشكره على إِنعامه المتضاعف المتزايد، شكراً يعجز عنه الراكع والساجد؛ والصلاة على سيّد كلّ زاهد وأشرف كلّ عابد: محمّد المصطفى وعِترته الأكارم والأماجد، صلاةً تدوم بدوام الأعصار والأوابد.


أمّا بعد، فهذه رسالة شريفة ومقالة لطيفة اشتملت على أهمّ المطالب في أحكام الدين، وأشرف مسائل المسلمين، وهي مسألة الإمامة، التي يحصل بسبب إدراكها نيل درجة الكرامة، وهي أحد أركان الإيمان، المستحقّ بسببه الخلود في الجِنان، والتخلّص من غضب الرحمن؛ فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: مَن مَاتَ ولم يَعرِف إِمامَ زَمَانِه، مَات مِيتَةً جَاهِلِيَّةً


[
وهو حديث متّفق عليه بين علماء المسلمين، وقد تناقله علماء الخاصّة والعامّة بأسانيد وألفاظ مختلفة تتّفق بأجمعها في مضمون واحد. وعلى سبيل المثال لا للحصر فقد أورده الكلينيّ في الكافي 376:1، باب من مات وليس له إمام من أئمّة الهدى بإسناده عن الفضيل بن يسار، قال: ابتدأنا أبو عبداللَّه يوماً وقال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من مات وليس عليه إمام فميتتُه ميتة جاهليّة. فقلتُ: قال ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟ قال: إي واللَّهِ قد قال. قلتُ: فكلُّ من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة؟ قال: نعم.


ثمّ أورد ثلاثة أحاديث اُخرى في هذا الباب.


وروى في 378:1-380، باب ما يجب على الناس عند مضيّ الإمام بإسناده عن حمّاد بن عبدالأعلى، قال: سألتُ أبا عبداللَّه عن قول العامّة أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: من ماتَ وليس له إمام مات ميتة جاهليّة، فقال: الحقّ واللَّه... الحديث بطوله.


وروى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا 58:2 بإسناده عن عليّ عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَن مات وليس له إمام من ولدي، مات ميتةَ جاهليّة.


وروى البرقيّ في المحاسن 154 - 153 عن الصادق عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهليّة... الحديث.


وروى في ص154 عن الصادق عليه السلام، قال: إنّ الأرض لا تصلح إلّا بالإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهليّة... الحديث. وروى في هذا الباب أربعة أحاديث اُخرى.


وعقد العلّامة المجلسيّ باباً في كتابه البحار في وجوب معرفة الإمام، وأنّه لا يُعذَر الناس بترك الولاية، وأنّ من مات لا يعرف إمامه أو شكّ فيه، مات ميتة جاهليّة وكفر ونفاق. انظُر بحار الأنوار 76:23-95.


أمّا العامّة فقد روى أحمد في مسنده 96:4/ ح16434 بإسناده عن معاوية، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من مات بغير إمام، مات ميتة جاهليّة.


وفي 446:3/ ح15269 بإسناده عن عبداللَّه بن عامر، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَن مات وليست عليه طاعة، مات ميتة جاهليّة؛ فإن خلعها من بعد عقدها في عُنقه، لقى اللَّه تبارك وتعالى وليست له حجّة.


ورواه البخاريّ في تاريخه 445:6 بإسناده عن عبداللَّه بن عامر بلفظ من مات ولا طاعة عليه، مات ميتةَ جاهليّة .


وروى الطبرانيّ في معجمه الكبير: 10/ ح10687 بإسناده عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من فارق جماعة المسلمين قيدَ شبر فقد خلع رِبقة الإسلام من عنقه، ومن مات ليس عليه إمام، فميتته جاهليّة... الحديث.


ورواه في معجمه الأوسط 243:4/ ح3429 عن ابن عبّاس بلفظ قريب.


وروى الديلميّ في الفردوس 528:5/ ح8982 عن عليّ عليه السلام مرفوعاً في قوله تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ |الإسراء: 71|: بإمام زمانهم وكتاب ربّهم وبسنّة نبيّهم.


وروى ابن سعد في طبقاته 144:5 بإسناده عن اُميّة بن محمّد بن عبداللَّه بن مطيع، أنّ عبداللَّه بن مطيع أراد أن يفرّ من المدينة ليالي فتنة يزيد بن معاوية، فسمع بذلك عبداللَّه بن عمر، فخرج إليه حتّى جاءه، قال: أين تريد يابن عمّ؟ فقال: لا اُعطيهم طاعة أبداً. فقال: يابن عمّ، لا تفعل، فإنّي أشهد أنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: من مات ولا بيعة عليه، مات ميتةَ جاهليّة.


ونلاحظ كيف يحاول عبداللَّه بن عمر تأويل حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ليتماشى مع مهادنة الظَلَمة، فإنّ من الجليَّ لكلّ ذي بصيرة أنّ الإمام الذي يموتُ مَن جَهِلَهُ ميتة جاهليّة هو مُحيي سنّة رسول اللَّه لا هادمها، وهو ناصر الدين لا قوّضه، وهو حامي المسلمين لا مُستبيح دمائهم وأعراضهم.


أفلا يسأل المسلم نفسه: من هو إمامي في هذا العصر؟ وبمَن سيدعوني ربّي يوم القيامة يوم يدعو كلَّ اُناسٍ بإمامهم؟ وبَيعة مَن أعقد في عنقي لأموتَ - حين أموت - على سنّة الإسلام، لا ميتة جاهليّة؟


تلك أسئلةٌ حريّ بالمسلم أن يفكّر فيها، وأن يسعى للإجابة عليها. وقد رسم المصنّف قدس سره في هذا الكتاب منهاج الكرامة في معرفة الإمامة الخطوط العريضة للمنهج الأكمل، فجزاه اللَّه خير جزاء المحسنين والمجاهدين.


ونذكّر في الخاتمة بأنّ ما أوردناه عن علماء العامّة كان على سبيل المثال لا الحصر، ونُحيل الراغب على المصادر الحديثة للعامّة والخاصّة.


انظر: معجم أحاديث المهديّ 247:2-254؛ ملحقات إحقاق الحقّ ج13؛ جامع الأحاديث للسيوطيّ "الجامع الصغير وزوائده، والجامع الكبير"؛ ينابيع المودّة.]

؛ خدمتُ بها خزانة السلطان الأعظم، مالك رقاب الاُمم، ملك ملوك طوائف العرب والعجم، مُولي النعم، ومُسدي الخير والكرم، شاهنشاه المعظّم، غياث الحقّ والملّة والدين، اُولجايتو خدابنده محمّد خلّد اللَّه سلطانه، وثبّت قواعد مُلكه وشيّد أركانه، وأمدّه بعنايته وألطافه، وأيّده بجميل إسعافه، وقرن دولته بالدوام إلى يوم القيامة؛ قد لخّصتُ فيها خلاصة الدلائل، وأشرتُ إلى رؤوس المسائل، من غير تطويل مُمِلّ، ولا إيجاز مخلّ، وسمّيتها منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ، واللَّه الموفّق للصواب، وإليه المرجع والمآب. ورتّبتها على فصول:


في نقل المذاهب في مسألة الإمامة



ذهبت الإماميّة إلى أنّ اللَّه تعالى عَدْلٌ حكيم، لا يفعل قبيحاً ولا يُخلّ بواجب، وأنّ أفعاله إنّما تقع لغرضٍ صحيح وحكمة، وأنّه لا يفعل الظلم ولا العَبَث، وأنّه رحيم رؤوف بالعباد، يفعل بهم ما هو الأصلح لهم والأنفع، وأنّه تعالى كلّفهم تخييراً لا إجباراً، ووعدهم بالثواب


[
في ر : الثواب.]

وتوعّدهم بالعقاب على لسان أنبيائه ورُسُله المعصومين، بحيث لا يجوز عليهم الخطاء ولا النسيان ولا المعاصي، وإلّا لم يبق وثوق بأقوالهم، فتنتفي فائدة البعثة.


ثمّ أردف الرسالة بعد موت الرسول بالإمامة، فنصب أولياء معصومين، ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم، فينقادون إلى أوامرهم، لئلّا يُخلي اللَّه تعالى العالَم من لطفه ورحمته.


وأنّه تعالى لمّا بعث رسوله محمّداً صلى الله عليه وآله، قام بنقل الرسالة، ونصّ على أنّ الخليفة بعده عليّ بن أبي طالب، ثمّ من بعده ولده الحسن الزكيّ، ثمّ على الحسين الشهيد، ثمّ على عليّ بن الحسين زين العابدين، ثمّ على محمّد بن عليّ الباقر، ثمّ على جعفر بن محمّد الصادق، ثمّ على موسى بن جعفر الكاظم، ثمّ على عليّ بن موسى الرضا، ثمّ على محمّد بن عليّ الجواد، ثمّ على عليّ بن محمّد الهادي، ثمّ على الحسن بن عليّ العسكريّ، ثمّ على الخلف الحجّة محمّد بن الحسن عليهم السلام؛ وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يمُت إلّا عن وصيّةٍ بالإمامة


[
انظر: الاعتقادات للشيخ الصدوق 70 - 66، و أوائل المقالات للشيخ المفيد 49 - 48.]



وذهب أهل السنّة إلى خلاف ذلك كلّه، فلم يُثبتوا العدل والحكمة في أفعاله تعالى، وجوّزوا عليه فِعل القبيح والإخلال بالواجب، وأنّه تعالى لا يفعل لغرض، بل كلّ أفعاله لا لغرضٍ من الأغراض، ولا لحكمة البتَّةَ.


وأنّه تعالى يفعل الظلم والعَبَث، وأنّه لا يفعل ما هو الأصلح للعباد، بل ما هو الفساد في الحقيقة؛ لأنّ فِعل المعاصي وأنواع الكفر والظلم وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مستندة إليه، تعالى اللَّهُ عن ذلك.


وأنّ المطيع لا يستحقّ ثواباً، والعاصي لا يستحقّ عقاباً، بل قد يُعذِّب المطيعَ طولَ عمره، المبالغَ في امتثال أوامره تعالى، كالنبيّ صلى الله عليه وآله، ويُثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها، كإبليس وفِرعون.


وأنّ الأنبياء غير معصومين، بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو، وغير ذلك


[
قال الشيخ المفيد في أوائل المقالات في عصمة الأنبياء:


أقول: إنّ جميع الأنبياء صلّى اللَّه عليهم معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها، وممّا يُستخفّ فاعلُه من الصغائر كلّها. وأمّا ما كان من صغيرِ لا يستخفّ فاعله، فجائز وقوعه منهم قبلَ النبوّة وعلى غير تعمُّد، وممتنع منهم بعدها على كلّ حال؛ وهذا مذهب جمهور الإماميّة.


ثمّ قال في عِصمة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله خاصّة: أقول: إنّ نبيّنا محمّداً صلى الله عليه وآله ممّن لم يعصِ اللَّه عزّ وجلّ منذ خَلَقه اللَّه عزّ وجلّ إلى أن قبضه، ولا تعمّد له خِلافاً، ولا أذنب ذنباً على التعمُّد ولا النسيان، وبذلك نَطَق القرآنُ وتواتر الخبرُ عن آل محمّد صلى الله عليه وآله، وهو مذهب جمهور الإماميّة؛ والمعتزلة بأسرها على خِلافه.


وأمّا ما يتعلّق به أهلُ الخِلاف من قول اللَّه تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ |الفتح: 2| وأشباه ذلك في القرآن، وما في الحجّة على خلاف ما ذكرناه، فإنّه تأويل بضدّ ما توهّموه، والبرهان يعضده على البيان، وقد نطق القرآن بما قد وصفناه، فقال جلّ اسمُه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى |النجم: 1 و2| فنفى بذلك عنه كلَّ معصيةٍ ونسيان...


وانظر أيضاً: كلام الشيخ المظفّر في كتابه دلائل الصدق 184:1-202.]



وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم ينصّ على إمام بينهم، وأنّه مات من غير وصيّة


[
اعتمد العامّة في قولهم بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله مات من غير وصيّة على ما رووه عن عائشة، ادّعت فيه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله توفّي في حجرتها، وأنّه انخنث في حِجرها فمات؛ فمتى أوصى إلى عليّ؟! وكلام عائشة لا يمكن القبول به لعدّة قرائن هامّة:


1 - أنّ حديث عائشة - المعروفة بمواقفها من أميرالمؤمنين عليه السلام التي بلغت حدّ محاربته في حرب الجمل الطاحنة - مُعارَض بروايات عديدة عن أمّ سلمة تصرّح فيها بأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله توفّي في حجرتها هي، وأنّه صلى الله عليه وآله دعا بأميرالمؤمنين عليه السلام فالتزمه يسارّه ويوصي إليه حتّى قُبض صلى الله عليه وآله.


2 - أنّ نفس حديث عائشة وتساؤلها فمتى أوصى إليه؟! يؤكّدان اشتهار أمر وصيّة النبي صلى الله عليه وآله لأميرالمؤمنين عليه السلام إلى الحدّ الذي دفع بعائشة إلى التصدّي له بحديثها المذكور، الذي سنرى مدى انسجامه مع القرائن المستندة إلى الكتاب والسنّة.


3 - أنّ اللَّه تعالى أمر بالوصيّة في قرآنه الكريم، فقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ |البقرة: 180|، وأنّ المحقّقين قالوا بأنّ الآية لم تُنسَخ بآية المواريث، لعدم تنافي العمل بموجبهما؛ وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لاَِزْوَاجِهِمْ |البقرة: 240|؛ وغير ذلك من الآيات.


4 - أنّ النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله قد أمر اُمّته بالوصيّة وحثّهم عليها، حتّى قال صلى الله عليه وآله: ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت إلّا ووصيّتُه تحت رأسه؛ وقال صلى الله عليه وآله: ما من امرئ له مال يريد أن يوصي فيه، إلّا ووصيّته مكتوبة عنده؛ حتّى روي أنّ ابن عمر قال: لم أبِتْ ليلة منذ سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول ذلك إلّا ووصيّتي عندي |فتح الباري 385:5|. فهل يُعقل أن يأمر النبيّ صلى الله عليه وآله اُمّته بشي ء، ثمّ يُهمله ولا يعمل به، مع أنّ اللَّه تبارك وتعالى يقول في كتابه الذي أنزله على نبيّه الكريم: أَتَأْمُرُونَ الْنَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ |البقرة: 44|، ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ |الصفّ: 3 - 2|.


5 - ولذلك تراجع البعض عن هذا الادّعاء، خاصّة وأنّه يروي عن طلحة بن مُصرّف، قال: سألتُ ابن أبي أوفى: هل أوصى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟ قال: لا؛ قلتُ: فكيف كتب على الناس الوصيّة وأمرَ بها ولم يُوصِ؟ قال: أوصى بكتاب اللَّه!! |صحيح مسلم 451:3 كتاب الوصيّة؛ سنن الترمذيّ 432:4/ ح2119|.


6 - وهل يُتصوَّر من قائد حكيم يعلم عِلم اليقين أنّ الفتن ستهبّ على اُمّته، وتهدّد البناء الذي عانى طوال حياته الكريمة من أجل تشييده وتثبيت قواعده، دون أن يوصي اُمّته بما يقيها شرّ هذه الفتن، ويدلّها على مأمنٍ تعتصم به وتلوذ إليه؟!


7 - أنّ علماء الفريقَين يروون أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد طلب عند احتضاره كتفاً ودواة ليكتب لاُمّته كتاباً لا تضلّ بعده أبداً، وأنّ البعض "الخليفة الثاني" منعه من ذلك، وقال مقولته الشهيرة كفانا كتاب اللَّه ، وقال بأنّ النبيّ يهجر، فهل يشكّ مسلم أنّ الخوف على مستقبل الاُمّة كان الهاجس الذي لم يفارق النبيّ الرؤوف صلى الله عليه وآله حتّى في ساعات نزعه؟! وأنّه شاء أن يكتب لهم - علاوة على الوصايا غير المكتوبة التي سنتطرّق إليها في هذا الفصل كتاباً لا يختلف عليه اثنان؟


8 - أنّ علماء الفريقَين رووا الحشد الكبير من الروايات، نقلاً عن جمع كبير من الصحابة، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قد أوصى إلى أميرالمؤمنين عليه السلام في مناسبات كثيرة، فقد أوصى إليه في حديث العشيرة في بدء الدعوة الإسلاميّة، وأوصى إليه في مناسبات كثيرة اُخرى، وختمها بأن أوصاه أن يغسّله ويدفنه ويقضي دَينه، ولا يماري أحد في أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام قد غسل النبيّ صلى الله عليه وآله وأنزله قبره وقضى دَينه؛ ولولا أنّه أوصاه ما تركوه يقضي عنه؛ بل أكّد صلى الله عليه وآله أنّه لا يقضي عنه غير عليّ عليه السلام؛ كما لا يشكّ أحد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أوصى عليّاً عليه السلام بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وأنّه عليه السلام قد قاتلهم؛ وأوصاه أن يُقاتل على تأويل القرآن فقاتل على ذلك؛ وأخبره صلى الله عليه وآله أنّه لا ينبغي أن يذهب إلّا وعليّ عليه السلام خليفته. ولقد سأل سلمانُ النبيّ صلى الله عليه وآله - نيابةً عن المهاجرين والأنصار - عن وصيّه فدلّه صلى الله عليه وآله على أميرالمؤمنين عليه السلام، وسألته صفيّة زوجته عن وصيّه الذي ستلوذ به إذا قُدّر للنبيّ صلى الله عليه وآله شي ء، فأشار لها إلى عليّ عليه السلام؛ ولقد اشتهر أمر الوصيّة بين الصحابة، حتّى ذكرها شعراؤهم في أشعارهم. وقد فصّلنا الكلام في هذا الشأن في فصل الوصيّة من كتاب خير البريّة والألطاف الإلهيّة .]

، وأنّ الإمام بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أبوبكر بن أبي قُحافة، لمبايعة


[
في ر : لمتابعة.]

عمر بن الخطّاب


[
انظر: سنن البيهقيّ الكبرى 142:8.]

له برضا أربعةٍ


[
قال العضد الإيجيّ في المواقف "المطبوع مع شرح الجرجانيّ 353 - 352": وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة، فاعلَم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، إذ لم يقُم عليه دليلً من العقل أو السمع؛ بل الواحد والإثنان من أهل الحَلّ والعقد كافٍ، لعِلمنا أنّ الصحابة - مع صلابتهم في الدين - اكتفوا بذلك، كعقد عُمر لأبي بكر، وعقد عبدالرحمن بن عوف لعثمان.]

: أبي عبيدة


[
أبو عُبيدة عامر بن الجرّاح القرشيّ الفهريّ ممّن شهد بدراً مع النبيّ صلى الله عليه وآله، قال أبوبكر يوم السقيفة: رضيتُ لكم أحد هذين الرجلَين - يعني عمر وأبا عبيدة -؛ توفّي في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة بالاُردن وهو ابن ثمان وخمسين سنة. انظر: الاستيعاب لابن عبدالبرّ 121:4-122 باب العين.]

، وسالم مولى حذيفة


[
سالم بن معقل مولى حذيفة بن عتبة، كان من أهل فارس من اصطخر. كان عمر بن الخطّاب يفرط في الثناء عليه، وقد روي عن عمر أنّه قال: لو كان سالم حيّاً ما جعلتُها شورى. قُتل يوم اليمامة هو ومولاه حذيفة سنة اثنتى عشرة من الهجرة. انظر: الاستيعاب 70:2-72.]

، وأسيد بن حضير


[
أسيد بن حضير بن سماك الأنصاريّ الأشهليّ، من النقباء ليلة العقبة، توفّي سنة عشرين، وحمله عمر بن الخطّاب بين العمودَين من بني عبد الأشهل حتّى وضعه بالبقيع وصلّى عليه، وأوصى أسيد إلى عمر، فقضى عمر ما كان عليه. انظر: الاستيعاب 53:1-55.]

، وبشير بن سعد


[
بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاريّ الخزرجيّ، هو أوّل من بايع أبابكر يوم السقيفة من الأنصارقُتل بعين التمر في خلافة أبي بكر. انظر: الاستيعاب 149:1-150.]

؛ ثمّ من بعده عمر بن الخطّاب بنصّ أبي بكر عليه


[
روى ابن قتيبة في عيون الأخبار أنّ أبابكر لمّا حضرته الوفاة كتب عهداً فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبوبكر خليفة رسول اللَّه عند آخر عهده بالدنيا وأوّل عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتّقي فيها ا لفاجر: أنّي استعملتُ عمر بن الخطّاب، فإنْ برّ وعدل فذلك عِلمي به، وإن جار وبدّل فلا عِلم لي بالغيب، والخير أردتُ، ولكلّ امرئٍ ما اكتسب؛ وسيعلم الذين ظَلَموا أيّ منقلب ينقلبون. |عيون الأخبار 14:1-15|


وقد روى المؤرّخون أنّ الصحابة طعنوا في استخلاف أبي بكر عمرَ بن الخطّاب وأنّهم قالوا لأبي بكر: ولّيتَ علينا فظّاً غليظاً |الملل والنحل 28:1|؛ وأنّهم قالوا لأبي بكر: ما أنتَ قائلٌ لربّكَ إذا سألكَ عن استخلافك عمر علينا وقد ترى غِلظته؟! |الطبقات الكبرى 199:3|؛ وأنّ بعضهم قال لأبي بكر: أتستخلف علينا عمر وقد عتى علينا ولا سُلطان له، ولو مَلَكَنا كان أعتى وأعتى، فكيف تقول للَّه إذا لقيتَه؟! |الفائق للزمخشريّ 81:1|.]

؛ ثمّ عثمان بن عفّان بنصّ عمر على ستّة


[
وهم: عليّ عليه السلام، وعثمان بن أبي عفّان بن أبي العاص الأُمويّ، وطلحة بن عُبيداللَّه، والزبير بن العوّام، وسعد بن أبي وقّاص، وعبدالرحمن بن عوف. وقد ذكر المؤرّخون وأصحاب السير أنّ عمر نصّ على هؤلاء الستّة وأمر أن يجتمعوا في بيت فيختارون أحدهم، فإن اختلفوا كان القول للفئة التي فيها عبدالرحمن بن عوف.]

هو أحدهم، فاختاره بعضُهم


[
قال الطبريّ في تاريخه |294:3|: وقال "عمر" لصُهيب: صلِّ بالناس ثلاثاً، وأدخِل عليّاً وعثمان والزبير وسعداً وعبدالرحمن بن عوف وطلحة - إن قدم - وأحضِر عبداللَّه بن عمر - ولا شي ء له من الأمر - وقُم على رؤوسهم، فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدَخ رأسه - أو: اضرِب رأسه بالسيف - وإن اتّفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم، وثلاثة رجلاً منهم فحكِّموا عبداللَّه بن عمر، فأيّ الفريقَين حكم له فليختاروا رجلاً منهم، فإن لم يرضوا بحكم عبداللَّه بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، واقتُلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس.


فخرجوا، فقال عليّ لقومٍ كانوا معه من بني هاشم: إن أُطيع فيكم قومُكم لم تؤمّروا أبداً؛ وتلقّاه العبّاس فقال: عُدِلت عنّا، فقال: وما عِلمُك؟ قال: قَرَن بي عثمان، وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف فسعد لا يخالف ابن عمّه عبدالرحمن، وعبدالرحمن صهر عثمان لا يختلفون، فيولّيها عبدُالرحمن عثمانَ، أو يولّيها عثمانُ عبدَالرحمن، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني.]

، ثمّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمبايعة


[
في ر : لمتابعة.]

الخلق له.


ثمّ اختلفوا، فقال بعضهم: إنّ الإمام بعده ابنه الحسن، وبعضهم قال: إنّه معاوية ابن أبي سفيان، ثمّ ساقوا الإمامة في بني اُميّة، إلى أن ظهر السفّاح من بني العبّاس، فساقوا الإمامة إليه، ثمّ انتقلت الإمامة منه إلى أخيه المنصور، ثمّ ساقوا الإمامة في بني العبّاس إلى المعتصم


[
في ر : المستعصم.]

"إلى أربعين"


[
مابين الأقواس ليس في ر .]


[
حار علماء السنّة في تفسير الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله، التي تذكر أنّ الأئمّة اثنا عشر كلّهم من قريش - وفي بعض الأحاديث بلفظ اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل - وتذكر أنّه لايزال الدين قائماً حتّى تكون الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش . |صحيح مسلم 4: 6 كتاب الإمارة - باب الناس تبع لقريش|


وقد تخبّط علماء السنّة في بيان مصاديق هؤلاء الأئمّة الدين أخبر عنهم الصادق المصدَّق صلى الله عليه وآله أيّما تخبّط. والتفسير الذي قدّمه علماء السنّة لهؤلاء الأئمّة الاثني عشر لا يتلائم مطلقاً مع ما رووه عن النبيّ صلى الله عليه وآله من أنّ: مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّة، كما لا ينسجم مع مقارنة هؤلاء الأئمّة بنقباء بني إسرائيل الذين يقول اللَّه تعالى فيهم: وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً |المائدة: 12|، ويقول: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا |السجدة: 24|، فإذا أضفنا إلى هذا كلّه حصر عددهم باثنا عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون، وأنّ إمامتهم تستمرّ إلى يوم القيامة، فإنّنا سندرك بوضوح أنّ المصداق الوحيد لهؤلاء الأئمّة الاثني عشر هو الأئمّة من أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله الذين يدين الشيعة الاثني عشريّة بولايتهم ومودّتهم؛ وسنعرف بوضوح أنّ ما رواه الشيعة عن أئمّتهم أئمّة أهل البيت عليهم السلام من أنّ الأرض لا تخلو من حجّة للَّه مستمدّ من إخبار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله باستمرار إمامتهم عليهم السلام إلى يوم القيامة.]



في أنّ مذهب الإماميّة واجب الاتّباع



لأنّه لمّا عمّت البليّة على كافة المسلمين بموت النبيّ صلى الله عليه وآله واختلف الناس بعده، وتعدّدت آراؤهم بحسب تعدّد أهوائهم، فبعضهم طلب الأمر لنفسه بغير حقّ، وبايعه


[
في ر : وتابعه.]

أكثرُ الناس طلباً للدنيا


[
يتساءل البعض: أيُعقل للصحابة الأجلّاء الذين نزل القرآن الكريم بمدحهم والثناء عليهم أن يطلبوا الدنيا، أو أن يبايعوا من ليس له في الخلافة حقّ؟ ولماذا لم يعترض أميرالمؤمنين عليه السلام على القوم ويطالب بحقّه المغتصَب؟!


ونقول: ولماذا الاستبعاد والقرآن يصرّح بما لا مزيد بعده بأنّ هؤلاء الصحابة بشر يخطئون ويعصون اللَّه ما أمرهم، فهم تارةً تطرق أسماعهم أصواتُ قافلة تجاريّة وصلت المدينة توّاً، فلا يملكون أنفسهم حبّاً للمال والتجارة، فيهرعون إلى القافلة مُسرعين يتزاحمون على الخروج من مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله، لا يردعهم منظره صلى الله عليه وآله واقفاً على المنبر يخطبهم ويعظهم ويأمرهم بتقوى اللَّه ويحذّرهم الدنيا وزُخرفها وزِبرجها؛ حتّى وبّخهم اللَّه تعالى وأنزل في ذلك قرآناً فقال عزّ من قائل: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ |الجمعة: 11|.


وهم تارة يؤمرون بالتصدّق - ولو باليسير - كلّما ناجوا الرسول صلى الله عليه وآله، فبخلوا وضنّوا وأشفقوا أن يُقدّموا بين يدَي نجواهم صدقات، فلم يُناجِ النبيّ صلى الله عليه وآله أحدٌ منهم إلّا أميرالمؤمنين عليه السلام، ثمّ نسخ اللَّه تعالى هذه الآية التي لم يعمل بها إلّا عليّ عليه السلام. |صحيح ابن حبّان 390:14/ ح6941؛ أسباب النزول للواحديّ 276|.


وهم تارة تهولهم الحربُ يوم اُحد ويزيّن لهم الشيطان الحياةَ ولو بقيمة سخط الربّ، فيولّون الدُّبُر ويتركون نبيّهم صلى الله عليه وآله الذي عاهدوه على نُصرته، والعبّاس بن عبدالمطّلب يناديهم: يا أهل بيعة الشجرة! يا أصحاب سورة البقرة! فلنطالع التواريخ ونرى كم من هؤلاء الصحابة وفى لرسول اللَّه يومئذٍ ولم تهمّه نفسه فرجّح سلامته على سلامة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وانتصار الدين الحنيف!


ألم يحدّثنا التاريخ أنّ عدداً من الصحابة لاكوا في حديث الإفك واتّهموا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في عِرضه في قصّة الإفك المشهورة؟


ألم يتواطأ عدد منهم على اغتيال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عند منصرفه من غزوة تبوك، واتّفقوا على أن ينفّروا ناقته صلى الله عليه وآله في العقبة، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وأخبره بمكيدتهم؟ |انظر: مغازي الواقديّ 1044:3-1045؛ تفسير الكشّاف للزمخشريّ، ذيل آية لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ "التوبة: 48" وآية وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا "التوبة: 74"|.


ألم يقل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: في أصحابي اثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنّة ولا يجدون ريحها حتّى يلج الجملُ في سمّ الخياط؟ |صحيح مسلم 2143:4؛ مصابيح السنّة للبغويّ 114:4/ ح4632|.


ألم يحدّثنا التاريخ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أمّر عليهم اُسامة بن زيد فطعنوا فيه كما طعنوا في أبيه من قبل؟ أوَلم يأمرهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بإنفاذ جيش اُسامة كراراً؟ ألم يلعن من تخلّف عن جيش اُسامة؟ |الطبقات الكبرى 248:2؛ و67:4|؛ ثمّ تخلّف عن جيش اُسامة من تخلّف - ومن الشيخَان - واعتذروا عن تخلّفهم بشتّى الأعذار!!


ألم يحدّثنا التاريخ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله طلب من القوم قلماً وقرطاساً في آخر لحظات حياته ليكتب لهم ما لن يضلّوا بعده أبداً، فقام قائمهم وقال بأنّ النبيّ يهجر!! ثمّ كثر اللغط بينهم حتّى أمرهم النبيّ صلى الله عليه وآله أن يقوموا من عنده، إذ لا ينبغي عند نبيّ نزاع؛ فكان ابن عبّاس يبكي كلّما ذكر ذلك حتّى يبلّ دمعه الحصى! |انظر: صحيح البخاريّ؛ مصنّف عبدالرزّاق 57:6/ ح9992|


ولماذا نذهب بعيداً! فلنعُد إلى واقعة وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله ونستقرئ ردّ فِعل الصحابة! وستطالعنا مواقف يحار في تفسيرها المفسّرون الذين يضعون الصحابة في غير منزلتهم الحقيقيّة الواقعيّة، وسنرى الخليفة الثاني يقف في وجه الباكين على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيقول بأنّ محمّداً لم يمت!! ثمّ يهدّد بسيفه من يقول بأنّ النبيّ قد مات! ثمّ يبعث إلى أبي بكر - وكان في السنح خارج المدينة - فيحضر ويتلو عليه: وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ |آل عمران: 144|، فيقتنع عمر فجأة ويقول بأنّه كأنّه لم يسمع هذه الآية من قَبلُ! وسنرى هؤلاء الصحابة الذين فُجعوا بما يهدّ الجبال الرواسي، وهم يتركون رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مسجّى لا يغسلونه ولا يدفنونه، ويهرعون إلى سقيفة بني ساعدة ليستبقوا الأحداث، فينادي مناديهم ببيعة سعد بن عبادة، فيأبى عليهم الجماعة الذين حضروا من المهاجرين، فيقولون: منّا أمير ومنكم أمير، فيحتجّ عليهم أبوبكر برواية الأئمّة من قريش ، فيبايعون على مضض، خاصّة وأنّ المنافسة بين الأوس والخزرج كانت جذورها لا تزال حيّة فيهم، لكنّ هؤلاء المحتجّين احتجّوا بالشجرة - على حدّ تعبير أميرالمؤمنين عليه السلام - وأضاعوا الثمرة، احتجّوا بالصحابة وتركوا من هو صحابة وقرابة. ألم يصف عمر بن الخطّاب بيعتهم تلك بأنّها كانت فلتة، وأمر بقتل مَن يعود إلى مثلها؟ |صحيح البخاريّ 2505:6/ ح6442؛ المصنّف لابن أبي شيبة 452:6-453/ ح32868|.


أمّا عن اعتراض أميرالمؤمنين عليه السلام على القوم مطالبته بحقّه، فقد ثبت أنّه لم يبايع القوم إلى ستّة أشهر، وأنّ الجماعة أرسلوا إليه نفراً فيهم عمر بن الخطّاب، فهجموا على بيته وأخرجوه ملبّباً بحمائل سيفه وهدّدوه بالقتل إن لم يُبايع، فبايع مُرغماً |تاريخ الطبريّ 198:3؛ العقد الفريد 259:4|. وقد نقل لنا التاريخ أنّه احتجّ على القوم مراراً، وذكّرهم بأحقّيّته في الخلافة، فلم يُجدِ معهم ذلك شيئاً.


وروى لنا التاريخ أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام التي شهد لها اللَّه تعالى بالطهارة في آية التطهير، وقال عنها نبيّه الكريم فاطمة بضعة منّي، فمن آذاها فقد آذاني ، روى لنا أنّها عليها السلام ماتت وهي اجدة على الشيخَين ساخطة عليهما، وأنّها خاطبتهما وأشهدت اللَّهَ على كلامها فقالت أشهد لقد أسخطتماني ، مع أنّ الذي يؤذي فاطمة عليها السلام إنّما يؤذي نبيّ اللَّه صلى الله عليه وآله، وأنّ مَن يؤذي النبيّ صلى الله عليه وآله قد وعده اللَّه عزّ وجلّ بالعذاب الأليم، فقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ! |التوبة: 61|.]

، كما اختار عمر بن سعد مُلك الريّ أيّاماً يسيرة


[
في هامش النسخة الحجريّة، طبع تبريز 1256 ه: مُلك الريّ عشر سنين؛ والمراد بقوله أيّاماً يسيرة هذه المدّة؛ وقيل: سبع سنين.]

لمّا خُيّر بينه وبين قتل الحسين عليه السلام، مع علمه بأنّ في قتله النار وإخباره بذلك في شعره، حيث قال:





  • فواللَّهِ ما أدري وإنّي لصادقٌ
    أأتركُ مُلك الريّ، والريّ مُنيتي
    وفي قتله النارُ التي ليس دونها
    حجابٌ، ولي في الريّ قُرّة عين



  • اُفكّر في أمري على خطرَينِ
    أم اصبِحُ مأثوماً بقتل حُسين
    حجابٌ، ولي في الريّ قُرّة عين
    حجابٌ، ولي في الريّ قُرّة عين



[
اللهوف لابن طاووس 193.]



وبعضهم اشتبه


[
في ش2 : أشبه.]

الأمر عليه، ورأى طالبَ الدنيا مبَايعاً


[
في ر : متابعاً.]

له، فقلّده وبَايعه


[
في ر : تابعه.]

، وقصّر في نظره فخفي عليه الحقّ، واستحقّ المؤاخذة من اللَّه تعالى بإعطاء الحقّ لغير مستحقّه، بسبب إهمال النظر.


وبعضهم قلّد لقصور فطنته، ورأى الجمّ الغفير فبَايعهم


[
في ر : فتابعهم.]

، وتوهّم أنّ الكثرةَ تستلزم الصواب، وغفل عن قوله تعالى وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ


[
ص: 6.]

، وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ


[
سبأ: 13.]



وبعضهم طلب الأمر لنفسه بحقّ، وتابعه


[
في ش1 : وبايعه.]

الأقلّون الّذين أعرضوا عن الدنيا وزينتها، ولم تأخذهم في اللَّه تعالى لومةُ لائم، بل أخلص


[
في ش1 و ش2 : أخلصوا للَّه تعالى واتّبعوا ما اُمِروا به.]

للَّه تعالى واتّبع ما أمر به من طاعةِ من يستحقُّ التقديمَ.


وحيث حَصَلَت


[
في ر : حصل.]

للمسلمين هذه البليّة، وجب على كلّ واحد


[
في ر : أحد.]

النظرُ في الحقّ، واعتماد الإنصاف، وأن يقرّ الحقّ مقرّه، ولا يظلم مستحقّه؛ فقد قال اللَّه تعالى: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ


[
هود: 18.]



وإنّما كان مذهب الإماميّة واجب الاتباع لوجوهٍ:


مذهب الإمامية أحق المذاهب و أخلصها عن شوائب الباطل



لمّا نظرنا في المذاهب وجدنا أحقَّها وأصدَقَها وأخلصَها عن شوائب الباطل، وأعظمَها تنزيهاً للَّه تعالى ولرُسله ولأوصيائه، وأحْسَنَ-ها فيالمسائل الاُصوليّة والفروعيّة، مذهب الإماميّة.


لأنّهم اعتقدوا أنّ اللَّه تعالى هو المخصوص بالأزليّة والقِدم، وأنّ كلّ ما سواه مُحدَث؛ لأنّه واحد.


وأنّه ليس بجسم، ولا في مكان، وإلّا لكان مُحدَثاً، بل نزّهوه عن مُشابهة المخلوقات، وأنّه تعالى قادر على جميع المقدورات.


وأنّه عدلٌ حكيم لا يظلم أحداً، ولا يفعل القبيح - وإلّا لزم الجهل والحاجة، تعالى اللَّه عنهما - ويُثيب المُطيع - لئلّا يكون ظالماً - ويعفو عن العاصي أو يعذّبه بجرمه من غير ظلم له.


وأنّ أفعاله محكمة واقعة لغرضٍ ومصلحة، وإلّا لكان عابثاً، وقد قال: وَمَا خَلَقْنَا السَّماءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ


[
الأنبياء: 16.]

؛ وأنّه أرسل الأنبياء لإرشاد العالَم.


وأنّه تعالى غير مرئيّ، ولا مُدرَك بشي ء من الحواسّ؛ لقوله تعالى: لَاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ


[
الأنعام: 103.]

؛ وأنّه


[
في ش1 : لأنّه.]

ليس في جهة.


وأنّ أمره ونهيه وإخباره حادثُ؛ لاستحالة أمر المعدوم ونهيه وإخبارِهِ.


وأنّ الأنبياء معصومونَ عن الخطاء والسهو والمعصية، صغيرها وكبيرها، من أوّل العمر إلى آخره


[
انظر كتاب تنزيه الأنبياء للسيّد المرتضى قدس سره. وقد فاضل الشيخ المفيد قدس سره في كتاب أوائل المقالات بين الأنبياء والملائكة، فقال: اتّفقت الإماميّة على أنّ أنبياء اللَّه تعالى ورُسله من البشر أفضل من الملائكة، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث؛ وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك. |أوائل المقالات 55|.]

، وإلّا لم يبق وثوق بما يبلّغونه، فانتفت فائدة البعثة، ولزم التنفير عنهم.


وأنّ الأئمّة معصومون كالأنبياء في ذلك؛ لِما تقدّم.


و|لأنّ الشيعة| أخذوا أحكامهم الفروعيّة عن الأئمّة المعصومين، الناقلين عن جدّهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، الآخذِ ذلك من اللَّه تعالى بوحي جبرئيل عليه السلام إليه، يتناقلون ذلك عن الثقات خَلَفاً عن سَلَف، إلى أن تتّصل الرواية بأَحد المعصومين، ولم يلتفتوا إلى القول بالرأي والاجتهاد، وحَرّموا الأخذ بالقياس والاستحسان.


أمّا باقي المسلمين، فقد ذهبوا كلّ مذهب:


فقال بعضهم - وهم جماعة الأشاعرة - أنّ القدماء كثيرون مع اللَّه تعالى، وهي المعاني التي يُثبتونها موجودة في الخارج، كالقدرة والعلم وغير ذلك. فجعلوه تعالى مُفتقراً في كَونه عالماً إلى ثبوت معنىً هو العِلم، وفي كَونه قادراً إلى ثبوت معنىً هو القدرة، وغير ذلك. ولم يجعلوه قادراً لذاته، ولا عالماً لذاته، ولا رحيماً لذاته، ولا مُدركاً لذاته، بل لمعانٍ قديمة يفتقر في هذه الصفات إليها، فجعلوه محتاجاً، ناقصاً في ذاته، كاملاً بغيره، تعالى اللَّهُ عن ذلك عُلوّاً كبيراً.


واعترض شيخُهم فخرالدين الرازيّ عليهم بأن قال: إنّ النصارى كَفروا لأنّهم قالوا أنّ القدماء ثلاثة، والأشاعرةُ أثبتوا قدماء


[
في ر : أنّ القدماء.]

تسعة. وقال جماعة الحشويّة والمُشبّهة: إنّ اللَّه تعالى جسم له طول وعُرض وعُمق، وإنّه يجوز عليه المُصافحة، وإنّ المُخلَصين من المسلمين يُعانقونه


[
في ر : يعاينونه.]

في الدّنيا


[
الملل والنحل 148:1؛ والاعتراض موجود في تفسير الفخر الرازيّ 131:1.]



وحكى الكعبيّ عن بعضهم أنّه كان يجوّز رؤْيتَه في الدنيا، وأن يزورهم ويزورونه


[
الملل والنحل 136:1؛ قال: ومِن مذهب الأشعريّ أنّ كلّ موجود يصحّ أن يُرى، فإنّ المُصَحِّحَ للرؤية إنّما هو الوجود؛ والباري تعالى موجود، فيصحّ أن يُرى .]



وحُكي عن داود الظاهريّ أنّه قال: أعفوني عن اللحية والفَرْج، واسأَلوني عَمّا وراء ذلك؛ وقال أنّ معبوده جسم ولحم ودم، وله جوارح وأعضاء، كَيَدٍ ورِجلٍ ولسانٍ وعينَين


[
في ش1 و ش2 : وعين.]

واُذُنَين. وحُكي أنّه قال: هو مُجوَّف


[
في ر : أجوف.]

من أعلاه إلى صدره، مُصْمَتٌ ما سوى ذلك، وله شَعر قَطط، حتّى قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكةُ، وبكى على طوفان نوح حتّى رمدت عيناه، وأنّه يفضل من العرش عنه من كلّ جانب أربعُ أصابع


[
الملل والنحل 149:1.]



وذهب بعضُهم إلى أنّه تعالى ينزل في كلّ ليلة جمعة


[
في ش1 و ش2 : الجمعة.]

على شكل أمرد حسن الوجه راكباً على حمار، حتّى إنّ بعضهم ببغداد وضعَ على سطح داره معلفاً، يضع كلّ ليلة جمعة فيه شعيراً وتِبناً؛ لتجويز أن ينزل اللَّه تعالى على حماره على ذلك السطح، فيشتغل الحمار بالأكل، ويشتغل الربّ بالنداء هل مِن تائب؟ هل من مستغفر؟


[
الملل والنحل 153:1-154.]

تعالى اللَّهُ عن مِثل هذه العقائد الرديّة


[
في ش1 : الدنيّة.]

في حقّ اللَّه تعالى.


وحُكي عن بعض المنقطعين التاركين "الدنيا"


[
وردت في ش1 فقط.]

من شيوخ الحشويّة، أنّه اجتاز عليه في بعض الأيّام نفّاط ومعه أمردُ حسنُ الصورة، قَطط الشعر - على الصفات التي يصفون ربّهم بها - فألحّ الشيخ في النظر إليه وكرّره، وأكثر تصويبه إليه، فتوهّم فيه النفّاط، فجاء إليه ليلاً، وقال: أيُّها الشيخ، رأيتُك تلحّ بالنظر إلى هذا الغلام، وقد أتيتُ به إليك، فإن كان لك فيه نيّة


[
في ش2 : حاجة أو نيّة.]

فأنت الحاكم، فَحَرِدَ


[
أي غَضِبَ.]

عليه، وقال: إنّما كرّرتُ النظر إليه لأنّ مذهبي أنّ اللَّه تعالى ينزل على صورة هذا الغلام، فتوهّمتُ أنّه اللَّه، فقال له النفّاط: ما أنا عليه من النفاطة أجود ممّا أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة


[
نقل ذلك أيضاً الشيخ محمّد طاهر القمّيّ الشيرازيّ في الأربعين 660.]



وقال الكراميّة: إنّ اللَّه تعالى في جهة فوق؛ ولم يعلموا أنّ كلّ ما هو في جهةٍ فهو محدَث، ومحتاج إلى تلك الجهة


[
الملل والنحل 159:1. وانظر أيضاً: دلائل الصدق 135:1. والكراميّة هم أصحاب أبي عبداللَّه محمّد بن كرام.]



وذهب آخرون إلى أنّ اللَّه تعالى لا يقدر على مِثل مقدور العبد، وآخرون إلى أنّه لا يقدر على عين مقدور العبد.


وذهب الأكثرُ منهم إلى أنّ اللَّه تعالى يفعل القبائح، وأنّ جميع أنواع المعاصي والكفر وأنواع الفساد واقعة بقضاء اللَّه تعالى وقدره، وأنّ العبد لا تأثير له في ذلك، وأنّهُ لا غرض للَّهِ تعالى في أفعاله، ولا يفعل لمصلحة العباد شيئاً، وأنّهُ تعالى يريد المعاصي من الكافر ولا يريد منه الطاعة


[
يعتقد الإماميّة - ومعهم المعتزلة - بأنّ اللَّه عزّ وجلّ لا يُخلّ بالواجب ولا يفعل القبيح، خلافاً للأشاعرة الذين لا يؤمنون بالحُسن والقُبح العقليّين، ويقولون بأنّ كلّ ما فعله اللَّه تعالى فهو حَسَن، ولذلك فهم يجوّزون على اللَّه تعالى فِعل القبائح والإخلال بالواجب.]

، وهذا يستلزم أشياء شنيعةً:


منها: أن يكون اللَّه تعالى أظلم من كلّ ظالم؛ لأنّهُ يعاقب الكافر على كُفره وهو قَدّرَهُ عليه ولم يخلق فيه قدرة على الإيمان؛ فكما أنّه يلزم الظلم لو عذّبه على لونه وطوله وقصره - لأنّه لا قُدرة له فيها - كذا يكون ظالماً لو عذّبه على المعصية الّتي فعلها فيه.


ومنها: إفحام الأنبياء وانقطاع حجّتهم؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله إذا قال للكافر: آمِن بي وصدِّقني ، يقول له: قُل للذي بَعَثَك يخلق فِيَّ الإيمان أو القدرة المؤثّرة فيه، حتّى أتمكّن من الإيمان فأؤمن، وإلّا فكيف تكلّفني الإيمان ولا قُدرةَ لي عليه، بل خلَقَ فِيَّ الكفر، وأنا لا أتمكّن من مقاهرة اللَّه تعالى ، فينقطع النبيّ ولا يتمكّن من جوابه.


ومنها: تجويز أن يُعذّب اللَّهُ تعالى سيّدَ المرسلين على طاعته، ويُثيب إبليس على معصيته، لأنّه يفعل الأشياء


[
في ش2 يفعل أشياء.]

لا لغرض، فيكون فاعل الطاعة سفيهاً؛ لأنّه يتعجّل بالتعب من الاجتهاد في العبادة، وإخراج ماله في عمارة المساجد والرُّبُط


[
العرب تسمّي الخَيل إذا رُبطت بالأفنية وعُلفت: رُبُطاً؛ ويُجمع الرُّبُط رباطاً، قال تعالى: وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ |الأنفال: 60|؛ لسان العرب 112:5 ربط .]

والصّدقات من غير نفع يحصل له؛ لأنّه قد يعاقبه على ذلك، ولو فعل - عوض ذلك - ما يلتذّ به ويشتهيه من أنواع المعاصي قد يُثيبه. فاختيار الأوّل يكون سَفَهاً عند كلّ عاقل، والمصير إلى هذا المذهب يؤدّي إلى خراب العالم واضطراب أمر الشريعة المحمّديّة.


ومنها: أنّه يلزم أن لا يتمكّن أحد من تصديق أحد من الأنبياء عليهم السلام؛ لأنّ التوصّل إلى ذلك والدليل عليه إنّما يتمّ بمقدّمتَين:


إحداهما: أنّ اللَّه تعالى فَعِل المُعجِز على يد النبيّ لأجل التصديق.


والثانية: أنّ كلّ ما صدّقه اللَّه تعالى فهو صادق.


وكلتا المقدِّمَتين لا تتمّ على قولهم؛ لأنّه إذا استحال أن يفعل لغرضٍ، استحال أن يُظهر المعجز لأجل التصديق، وإذا كان فاعلاً للقبيح ولأنواع الإضلال والمعاصي والكذب وغير ذلك، جاز أن يُصَدِّقَ الكذّاب، فلا يصحّ الاستدلال على صِدق أحد من الأنبياء، ولا التديّن بشي ء من الشرائع والأديان.


ومنها: أنّه لا يصحّ أن يُوصف اللَّه تعالى بأنّه غفور رحيم حليم عفوٌّ


[
في ش2 : غفور حليم.]

، لأنّ الوصف بهذه إنّما يثبت لو كان أللَّه تعالى مُسقطاً للعقاب في حقّ الفسّاق، بحيث إذا أسقطه عنهم كان غفوراً عفوّاً رحيماً


[
في ش1 : غفوراً رحيماً.]

، وإنّما يستحقّ العقاب لو كان العصيان من العبد لا من اللَّه تعالى.


ومنها: أنّه يلزم منه


[
ليس في ش2 .]

تكليف ما لا يطاق؛ لأنّه يكلّف الكافرَ بالإيمان "ولا قدرةَ له عليه، وهو قبيح عقلاً، والسمع قد مَنع منه، فقال"


[
في ش1 : ولم يخلق قدرة الإيمان عليه، فكيف يؤمن عليه تعالى، وذلك أمر بلا طاقة قبيح عقلاً وشرعاً، مع أنّه تعالى قال.]

: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا


[
البقرة: 286.]



ومنها: أنّه يلزم أن يكون أفعالنا الاختياريّة الواقعة بحسب قصودنا ودواعينا، مثل حركتنا يمنة ويسرة، وحركة البطش باليد والرجل في الصنائع المطلوبة لنا، كالأفعال الاضطراريّة، مثل حركة النبض وحركة الواقع من شاهق بإِيقاع غيره، لكنِّ الضرورة قاضية بالفرق بينهما؛ لأنّ كلّ عاقل يحكم بأنّا قادرون على الحركات الاختياريّة، وغير قادرين على الحركة إلى السماء.


قال أبوالهذيل العلّاف


[
محمّد بن الهذيل بن عبداللَّه بن مكحول البصريّ شيخ البصريّين في الاعتزال ومن أكبر علمائهم، وصاحب المقالات في مذهبهم. كان معاصراً لأبي الحسن الميثميّ المتكلّم الإمامي نقل المحدّث القمّيّ في الكُنى والألقاب |170:1| أنّه سأل أبوالحسن أباالهذيل، فقال: ألستَ تعلم أنّ إبليس ينهى عن الخير كلّه، ويأمر بالشرّ كلّه؟


قال: بلى.


قال: فيجوز أن يأمر بالشرّ كلّه وهو لا يعرفه، وينهى عن الخير كلّه وهو لا يعرفه؟


قال: لا.


فقال له أبوالحسن: قد ثبت أنّ إبليس يعلم الشرّ كلّه والخير كلّه؟


قال أبوالهذيل: أجل.


قال: فأخبِرني عن إمامك الذي تأتمّ به بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، هل يعلم الخير كلّه والشرّ كلّه؟


قال: لا.


قال له: فإبليس أعلمُ من إمامك إذاً!


فانقطع أبوالهذيل.]

: حمارُ بِشر


[
يعني: بشر بن المعتمر البغداديّ.]

أعقل من بشر، لأنّ حمار بِشر لو أتيتَ به إلى جدول صغير وضربته للعبور فإنّه يطفره، ولو أتيت به


[
في ش1 : ولو بلغ.]

إلى جدول كبير لم يطفره، لأنّه فرّق بين ما يقدر على طفره، وما لا يقدر عليه


[
في ش2 : ما يقدر عليه وما لا يقدر.]

؛ وبشر لا يفرّق بين المقدور له وغير المقدور .


ومنها: أنّه يلزم أن لا يبقى عندنا فرق بين مَن أحسن إلينا غايةَ الإحسان طول عمره، وبين من أساء إلينا غاية الإساءة طول عمره، ولم يحسن منّا شُكر الأوّل وذمّ الثاني؛ لأنّ الفعلَين صادران من اللَّه تعالى عندهم.


ومنها: التقسيم الّذي ذكره مولانا وسيّدنا موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام وقد سأله أبو حنيفة


[
هو النعمان بن ثابت "ت 150 ه"، ومذهبه في القَدَر والقياس مشهور؛ وكان قد تتلمذ على الإمام الصادق عليه السلام سنتَين، وله العبارة المشهورة المنقولة عنه: لولا السنتان لهلك النعمان.]

وهو صبيّ، فقال: المعصية مِمّن؟


فقال الكاظم عليه السلام: المعصية إمّا من العبد، أو من ربّه، أو منهما؛ فإن كانت من اللَّه تعالى فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإن كانت المعصية منهما فهو شريكه


[
في ش2 : فهو شريكه فقط.]

، والقويُّ أولى بإنصاف عبده الضعيف، وإن كانت المعصية من العبد وحده فعليه وقع الأمرُ، وإليه توجّه المدحُ والذمّ، وهو أحقّ بالثواب والعقاب، وجبت


[
في ش2 : فوجبت.]

له الجنّة أوالنار. فقال أبو حنيفة: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ


[
آل عمران: 34.]


[
انظر هذه المحادثة في الاحتجاج للطبرسيّ 387:2-388، وبحار الأنوار 106:48.]



ومنها: أنّه يلزم أن يكون الكافر مطيعاً بكفره؛ لأنّه قد فعل ما هو مُراد اللَّه تعالى؛ لأنّه أراد منه الكفر، وقد فَعَله، ولم يفعل الإيمان الذي كرهه اللَّه تعالى منه، فيكون قد أطاعه لأنّه فعلَ مُرادَهُ ولم يفعل ما كرهه


[
في ش2 بزيادة: ويكون النبيّ صلى الله عليه وآله عاصياً، لأنّه يأمره بالإيمان الذي لا يريده اللَّه تعالى منه، وينهاه عن الكفر الذي يُريده منه .]



ومنها: أنّه يلزم نسبة السَّفَه


[
في ش1 : السفه والحمق.]

إلى اللَّه تعالى؛ لأنّه أمر الكافر بالإيمان ولا يريده منه، وينهاه عن المعصية وقد أرادها


[
في ش2 : وقد أرادها منه.]

، وكلّ عاقل ينسب مَن يأمر بما لا يريد وينهى عمّا يريد إلى السَّفَه، تعالى اللَّه عن ذلك.


ومنها: أنّه يلزم عدم الرضا بقضاء اللَّه تعالى وقَدَره؛ لأنّ الرضا بالكفر حرام بالإجماع، والرضا بقضاء اللَّه تعالى وقدره واجب. فلو كان الكفر "إنّما هو بقضاء اللَّه تعالى وقدرهِ، وجَبَ علينا الرضا به، لكن لا يجوز الرضا بالكفر.


ومنها: أنّه يلزم أن نستعيذ بإبليس من اللَّه تعالى، ولا يحسن قوله تعالى فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ


[
النحل: 98.]

؛ لأنّهم نزّهوا إبليس والكافر من المعاصي، وأضافوها إلى اللَّه تعالى، فيكون على المكلّفين شرّاً من إبليس عليهم، تعالى اللَّهُ عن ذلك.


ومنها: أنّه لا يبقى وثوقٌ بوعد اللَّه تعالى ووعيده؛ لأنّهم إذا جوّزوا استناد


[
في ش1 : إسناد.]

الكذب في العالم إليه، جاز أن يكذب في إخباراته كلّها، فتنتفي فائدة بعثة الأنبياء، بل وجاز منه إرسال الكذّابين، فلا يبقى لنا طريق إلى تميّز الصادق من الأنبياء والكاذب


[
في ش2 : من الكاذب.]



ومنها: أنّه يلزم منه تعطيل الحدود والزواجر عن المعاصي؛ فإنّ الزنا إذا كان واقعاً بإرادة اللَّه تعالى، والسرقة


[
في ش1 : والكذب والسرقة.]

إذا صدرت من اللَّه تعالى، وإرادته هي المؤثّرة، لم يجز للسلطان المؤاخذة عليها؛ لأنّه يصدّ السارق عن مراد اللَّه تعالى ويبعثه على ما يكرهه اللَّه تعالى، ولو صَدّ الواحدُ منّا غيرَهُ عن مراده، وحمله على ما يكرهه، استحقّ منه اللوم.


ويلزم أن يكون اللَّه مريداً للنقيضَين؛ لأنّ المعصيةَ مرادة


[
في ش1 : مراد.]

اللَّه تعالى، والزجرَ عنها مراد له أيضاً.


ومنها: أنّه يلزم منه مخالفة المعقول والمنقول؛ أمّا المعقول فلِما تقدّم من العلم الضروريّ بإسناد


[
في ش1 و ش2 : باستناد.]

أفعالنا الاختياريّة إلينا، ووقوعها بحسب إرادتنا؛ فإذا أردنا الحركة يمنةً لم يقع يسرة، وبالعكس، والشكُّ في ذلك عين السفسطة.


وأمّا المنقول، فالقرآن مملوء من إسناد


[
في ش2 بإسناد.]

أفعال البشر إليهم، كقوله تعالى: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى


[
النجم: 37.]

، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا


[
مريم: 37، ص: 27، الذاريات: 60.]

، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْملُونَ


[
النحل: 32.]

، الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ


[
غافر: 17.]

، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ


[
الجاثية: 28.]

، لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى


[
طه: 15.]

، هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ


[
النحل: 90.]

، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجَزَى إِلَّا مِثْلَهَا


[
الأنعام: 160.]

، لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ


[
فاطر: 30.]

، لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ


[
البقرة: 286.]

، فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ


[
النساء: 160.]

، كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ


[
الطور: 21.]

، مَنْ يعمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ


[
النساء: 123. وفي ش2 بزيادة: مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ، مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ . والآيات المذكورة هي على التوالي: فصّلت: 46؛ الحجّ: 10؛ الشورى: 30.]

، وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي


[
إبراهيم: 22. وفي ش1 بزيادة: فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ .]

، إِنَّ اللَّهً لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ


[
النساء: 40.]

، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ


[
فصّلت: 46.]

، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ


[
النحل: 118.]

، وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً


[
الإسراء: 71؛ النساء: 49.]

، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ


[
غافر: 31.]

؛ وأيّ ظُلمٍ أعظم من تعذيب الغير على فعلٍ لم يصدر منه، بل ممّن يعذّبه؟


قال الخصم: القادر يمتنع أن يرجّح مقدروه من غير مرجِّح، ومع المرجّح يجب الفعل، فلا قدرةَ، ولأنّه أن يكون الإنسان شريكاً للَّه تعالى، ولقوله تعالى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ


[
الصافات: 96.]



والجواب عن الأوّل: المعارضة باللَّه تعالى، فإنّه تعالى قادر، فإن افتقرت القدرة إلى المرجّح - وكان المرجّح موجِباً للأثر - لزم أن يكون اللَّه تعالى موجباً لا مختاراً، فيلزم الكفر.


وعن الثاني: أيّ شركةٍ هنا؟! واللَّه تعالى هو القادر على قهر العبد وإعدامه، ومثال هذا أنّ السلطان إذا ولّى شخصاً بعض البلاد، فنهب وظلم وقَهَر، فإنّ السلطان يتمكّن من قتله والانتقام منه واستعادة ما أخذه، وليس يكون شريكاً للسلطان.


وعن الثالث: أنّه إشارة إلى الأصنام التي كانوا ينحتونها ويعبدونها، فأنكر عليهم وقال: أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ


[
الصافات: 95 و96.]



وذهبت الأشاعرة إلى أنّ اللَّه تعالى مرئيّ بالعين، مع أنّه مجرّد عن الجهات، وقد قال تعالى: لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ


[
الأنعام: 103.]

، وخالفوا الضرورَة في


[
في ش2 : من.]

أنّ المدرَك بالعين يكون مقابلاً أو في حُكْمِهِ، وخالفوا جميعَ العقلاء في ذلك. وذهبوا إلى تجويز أن يكون بين أيدينا جبال شاهقة من الأرض إلى السماء، مختلفة الألوان لانشاهدها، وأصوات هائلة لا نسمعها، وعساكر مختلفة متحاربة بأنواع الأسلحة، بحيث يماسُّ أَجسامُنا أجسامهم


[
في ش2 : أجسامنا وأجسامهم.]

، لا نشاهد صورهم ولا حركاتهم، ولا نسمع أصواتهم الهائلة، وأن نشاهد جسماً أَصغر الأجسام، كالذرّة في المشرق ونحن في المغرب مع كثرة الحائل بيننا وبينها، وهذا عين السفسطة


[
انظر دلائل الصدق 89:1-92.]



وذهبوا إلى أنّه تعالى آمرٌ وناهٍ


[
في ش2 : أمَرَنا ونهانا.]

في الأزل، ولا مخلوقَ عندَهُ


[
الملل والنحل 129:1.]

، قائلاً يَا أَيُّهَا النبيّ اتَّقِ اللَّهَ


[
الأحزاب: 1.]

، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ


[
البقرة: 278؛ المائدة: 35؛ التوبة: 119؛ الأحزاب: 70؛ الحديد: 28؛ الحشر: 18.]

، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ...


[
النساء: 1؛ الحج: 1؛ لقمان: 33.]

ولو جلس شخص في منزله ولا غلامَ عنده، فقال: يا سالِمُ قُمْ، يا غانِمُ كُلْ، يا نجاحُ ادخُلْ، قيل


[
في ش1 : فقيل.]

: لمن تنادي؟ فيقول


[
في ش1 : فقيل.]

: لعبيدٍ أشتريهم بعد عشرين سنة، نَسَبهُ كلُّ عاقل إلى السَّفَه والحُمق، فكيف يحسن منهم أن ينسبوا اللَّه تعالى إليه في الأزل.


وذهب جميع مَن عدا الإماميّة والإسماعيليّة إلى أنّ الأنبياء والأئمّة غير معصومين، فجوّزوا بعثَهُ من يجوز عليه الكذب والسهو والخطاء والسرقة؛ فأيّ وثوق يبقى للعامّة في أقاويلهم؟ وكيف يحصل الانقياد إليهم؟ وكيف يجب اتّباعهم مع تجويز أن يكون ما يأمرون به خطاءً؟ ولم يجعلوا الأئمّة محصورين في عدد معيّن، بل كلّ مَن تابع


[
في ش1 و ش2 : بايع.]

قرشيّاً انعقدت إمامتُه عندهم، ووجبتْ طاعتُه على جميع الخلق إذا كان مستور الحال، وإن كان على غاية من الفسوق


[
في ش1 و ش2 : الفسق.]

والكفر والنفاق.


وذهب الجميع منهم إلى القول بالقياس والأخذ بالرأي، فأدخلوا في دين اللَّه ما ليس منه، وحرّفوا أحكام الشريعة، وأحدثوا مذاهب أربعة لم تكن في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله، ولا في زمن


[
في ش 1 : وفي زمن.]

صحابته، وأهملوا أقاويل الصحابة، مع أنّهم نصّوا على ترك القياس، وقالوا: أوّل من قاس إبليس


[
تفسير الطبريّ 131:8؛ تفسير ابن كثير 204:2؛ تفسير القرطبيّ 171:7.]



وذهبوا بسبب ذلك إلى اُمور شنيعة، كإباحة البنت المخلوقة من الزنا، وسقوط الحدّ عمَّن نَكح اُمّه واُخته وبنته، مع عِلمه بالتحريم والنسب، بواسطةٍ عقدٍ يعقده وهو يعلم بُطلانه


[
يقول أبو حنيفة: إنّ اسم الزنا غير اسم النكاح، فوجب أن يكون له غير حكمه. فإذا قلتم زنا باُمّه فعليه ما على الزاني؛ وإذا قلتم تزوّج اُمَّه فالزواج غير الزنا، فلا حدّ في ذلك، وإنّما هو نكاحٌ فاسد، فحُكمُه حُكم النكاح الفاسد من سقوط الحدّ ولحاق الولَد ووجوب المهر. |انظر: المحلّى لابن حزم 254:11|.


ويقول مالك فيمن مَلَك بنت أخيه أو بنت اُخته وعمّته وخالته وامرأة أبيه وامرأة ابنه بالولادة واُمّ نفسه من الرضاعة وابنته من الرضاعة واُخته من الرضاعة وهو عارفٌ بتحريمهنّ وعارفٌ بقرابتهنّ منه، ثمّ وطئهنّ كلّهنّ عالماً بما عليه في ذلك، فإنّ الولد لاحقٌ به ولا حدّ عليه، لكن يُعاقَب. وقال أبو حنيفة: لاحدّ عليه في ذلك كلّه، ولا حدّ على من تزوّج اُمّه التي ولَدَتْه وابنتَه واُختَه وعمّتَه وخالتَه وبنتَ أخيه وبنتَ اُخته، عالماً بقرابتهنّ منه، عالماً بتحريمهنّ عليه، ووطئهنّ كلّهنّ، فالولد لاحقٌ به والمهر واجبٌ لهنّ عليه، وليس عليه إلّا التعزير دون الأربعين فقط؛ وهو قول سفيان الثوريّ؛ قالا: فإنْ وطئهنّ بغير عقد نكاح فهو زنا، عليه ما على الزاني من الحدّ. |المحلى لابن حزم 253:11-254|.]

، وعمّن لفّ على ذَكره خرقة وزناباُمّه أو بنته


[
في ش1 و ش2 : وبنته.]

، وعن اللائط مع أنّه أفحش من الزنا وأقبح


[
قال الحكم وأبو حنيفة في حكم اللوطيّ: لا حدّ عليه، لأنّه ليس بمحلّ الوطء، أشبه غير الفرج. |المغني 58:9|.]



وإلحاق نسب المشرقيّة بالمغربيّ


[
في ش1 : بالمغربيّ مَثَلاً.]

، فإذا زوّج الرجل ابنته


[
في ش1 : بنته.]

وهي في المشرق، برجل هو وإيّاه في المغرب، ولم


[
في ش2 : فلم.]

يفترقا ليلاً ونهاراً، حتّى مضت مدّة ستّة أشهر، فولدت البنتُ في المشرق، التحق نسبُ الولدِ بالرجل، وهو وأبوها في المغرب


[
في ش1 : التحق نسب الولد بالرجل الذي في المغرب.]

، مع أنّه لا يمكنه الوصول إليها إلّا بعد سنين متعدّدة، بل لو حَبَسه السلطانُ من حين العقد وقيّده، وجعل عليه حَفَظةً مدّة خمسين سنة، ثمّ وصل إلى بلد المرأة، فرأى جماعة كثيرة من أولادها وأولاد أولادهم


[
في ش2 : أولادها وأولادهم.]

إلى عدّة بطون، التحقوا كلّهم بالرجل الذي لم يَقرب هذه المرأة ولا غيرها البتّة.


وإباحة النبيذ مع مشاركته للخمر في الإسكار، والوضوء


[
في ش1 : والوضوء به.]

والصلاة في جلد الكلب، وعلى العذرة اليابسة.


وحكى بعضُ الفقهاء لبعض الملوك - وعنده بعض فقهاء الحنفيّة - صفةَ صلاة الحنفيّ، فدخل داراً مغصوبة، وتوضّأ بالنبيذ، وكبّر


[
في ش2 : وقرأ.]

بالفارسيّة من غير نيّة


[
في ش2 : عربيّة.]

، وقرأ مُدْهَامَّتَانِ


[
الرحمن: 64.]

لا غير بالفارسيّة، ثمّ طأطأ رأسه من غير طمأنينة، وسجد كذلك، ورفع رأسه بقدر حدّ السيف، ثمّ سجد وقام ففعل كذلك ثانية، ثمّ أحدث، فتبرّأ الملك - وكان حنفيّاً - من هذا المذهب


[
نقل الذهبيّ |سير أعلام النبلاء 486:17| عن إمام الحرمَين قوله أنّ محمود بن سبكتكين كان حنفيّاً يحبّ الحديث، فوجد كثيراً منه يُخالف مذهبه، فجمع الفقهاء ب مرو وأمر بالبحث في أيّما أقوى: مذهب أبي حنيفة أو الشافعيّ؟ قال: فوقع الاتّفاق على أن يصلّوا ركعتَين بين يدَيه على المذهبَين، فصلّى أبوبكر القفّال على ما يجوّزه الشافعيّ، ثمّ صلّى صلاة على ما يجوّزه أبوحنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغ قد لطخ رُبعه بنجاسته، وتوضّأ بنبيذ، فاجتمع عليه الذبّان، وكان وضوءُهُ منكّساً، ثمّ كبّر بالفارسيّة، وقرأ بالفارسيّة دو برگ سبز - وهو ترجمة قوله تعالى مُدْهَامَّتَانِ - ونقر ولم يطمئنّ ولا رفع رأسه من الركوع، ثمّ تشهّد وخرج من صلاته من غير سلام بأن أحدث، فقال له: إنْ لم تكن هذه الصلاة يُجيزها الإمام "أبو حنيفة" قتلتُك! فأنكرت الحنفيّة الصلاة، فأمر القفّال بإحضار كتبهم، فوُجدت الصلاة كذلك، فتحوّل محمود بن سبكتكين شافعيّاً.]



وأباحوا المغصوبَ لو غيّر الغاصبُ الصفةَ، فقالوا: لو أنّ سارقاً دخل بدار شخص له فيه دوابٌّ ورحىً وطعام، فطحن السارقُ طعامَ صاحب الدار بدوابّه وأرحيته، مَلَكَ الطحين بذلك، فلو جاء المالكُ ونازعه، كان المالك ظالماً والسارقُ مظلوماً، فلو تقاتلا؛ فإن قُتل المالكُ كان ظالماً


[
في ش1 : كان هدراً.]

، وإن


[
في ش2 : ولو.]

قُتل السارق كان شهيداً.


وأوجبوا الحدَّ على الزاني إذا كذّب الشهودَ، "وأسقطوه إذا صدّقهم"


[
مابين القوسين ساقط من ش1 .]

، فأُسقِط


[
في الطبعة الحجريّة: فأسقطوا.]

الحدّ مع اجتماع الإقرار والبيّنة، وهذا ذريعة إلى إسقاط حدود اللَّه تعالى؛ فإنّ كلّ من شُهِدَ عليه بالزنا يصدّقُ الشهودَ ويُسقِطُ عنه الحدّ.


وإباحة أكل الكلب


[
في ش1 : وإباحة أكل الكلب واللواط بالعبيد. وفي ش2 : وإباحة أكل الكلب، واللواط مع العبيد لمواليهم.]

، وإباحة الملاهي؛ كالشطرنج والغِناء وغير ذلك من المسائل التي لا يحتملها هذا المختصر.


في الدلالة على وجوب اتّباع مذهب الإماميّة



ما قاله شيخنا الإمام الأعظم خواجة نصير الملّة والحقّ والدين محمّد بن الحسن الطوسيّ قدّس اللَّه روحه - وقد سألتُهُ عن المذاهب - فقال: بحثنا عنها وعن قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ستفترق اُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، فرقةٌ منها ناجية والباقي في النار


[
سنن أبي داود 197:4-198/ ح4596 بزيادة؛ المناقب للخوارزميّ: 237؛ كنز العمّال 115:11 عن الترمذيّ؛ و210:1 عن الطبرانيّ. وقد ورد المتن في ش1 بزيادة: وقد عيّن صلى الله عليه وآله الفرقة الناجية والهالكة في حديثٍ آخر صحيح مُتّفق عليه، بقوله صلى الله عليه وآله: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق .]

، فوجدنا الفرقة الناجية "هي فرقة"


[
مابين القوسين في ر فقط.]

الإماميّة؛ لأنّهم باينوا جميع المذاهب، وجميع المذاهب قد اشتركت في اُصول العقائد.


اتباع مذهب الإمامية أولي عقلا



إنّ الإماميّة جازمون بحصول النجاة لهم ولأئمّتهم، قاطعون على ذلك، وبحصول ضدّها لغيرهم


[
استناداً إلى الأحاديث المتكاثرة المرويّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله، كقوله: يا عليّ أنت وشيعتُك خير البريّة . |الصواعق المحرقة 161 ب 11؛ شواهد التنزيل 461:2/ ح1126.|


وقوله صلى الله عليه وآله لمّا نزل قوله تعالى أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ |البيّنة: 7|: أنت يا عليّ وشيعتُك . |تفسير الطبريّ 264: 30؛ تفسير الدرّ المنثور 379:6|


وقوله: يا عليّ أنت وشيعتك في الجنّة . |المناقب للخوارزميّ 113/ ح123؛ فرائد السمطين 184:1/ ح147|


وقوله: يا عليّ أنت وشيعتك تردون عليّ الحوض . |مجمع الزوائد 131:9؛ الصواعق المحرقة 161 ب 11|


وقوله: يا عليّ أنت وأتباعك في الجنّة . |المناقب للخوارزميّ 317/ ح318؛ ينابيع المودّة 327:1-328/ ح2|


وقوله: يا عليّ إنّك ستقدم على اللَّه وشيعتك راضين مرضيّين، ويقدم على اللَّه أعداؤك غضاباً مُقمَحين . |الصواعق المحرقة 154 ب11؛ ينابيع المودّة 445:2/ ح226|


وقوله: يا عليّ بشّر شيعتك أنا الشفيع لهم يوم القيامة . |مودّة القُربى 28؛ ينابيع المودّة 312:2/ ح892|.]

؛ وأهل السنّة لا يجزمون بذلك لا لهم ولا لغيرهم، فيكون اتّباع أُولئك أَولى؛ لأنّا لو


[
لو ساقطة من ش1 و ش2 .]

فرضنا - مثلاً - خروج شخصَيْن من بغداد يريدان الكوفة، فوجدا طريقَيْن سلك كلّ منهما طريقاً، فخرج ثالث يطلب الكوفة، فسأل أحدَهما: إلى أين تريد؟


[
في ش1 و ش2 : إلى أين تذهب.]

فقال: إلى الكوفة، فقال له: هذا طريقك يوصلك إليها؟ وهل طريقك آمن أم مخوف؟


[
في ش2 : هذا طريقك آمن أم مخوف؟ وهل طريقك يوصلك إليها؟.]

وهل طريق صاحبك "يؤدّيه إلى الكوفة؟ وهل هو آمن أم مَخوف؟"


[
في ش2 : آمن أم مخوف؟ وهل هو يوصله إلى الكوفة؟.]

فقال: لا أعلم شيئاً من ذلك.


ثمّ سأل صاحبه عن ذلك، فقال: أعلمُ أنّ طريقي يوصلني إلى الكوفة، وأنّه آمن، وأعلم أنّ طريق صاحبي لا يؤدّيه إلى الكوفة وليس بآمن؛ فإنّ الثالث إنْ تابعَ الأوّل عدّه العقلاء سفيهاً، وإنْ تابع الثاني "نُسب"


[
سقط من ش1 .]

إلى الأخذ بالحزم.


ائمة الإمامية معصومون منزهون مشهورون بالعلم و الفضل



إنّ الإماميّة أخذوا مذهبهم عن الأئمّة المعصومين المشهورين بالفضل والعلم والزهد والورع والاشتغال في كلّ وقت بالعبادة والدعاء وتلاوة القرآن والمداومة على ذلك من زمن الطفوليّة إلى آخر العمر، ومنهم تعلّم الناس العلوم


[
روى العامّة والخاصّة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال: أنا مدينةُ العلم، وعليٌّ بابها، فمَن أراد المدينة فليأتِ الباب . انظر: المستدرك 126:3 و127 بإسناده عن ابن عبّاس؛ و127:3 بإسناده عن جابر ابن عبداللَّه، وفيه: فمن أراد العلم فليأتِ الباب ؛ المناقب للخوارزميّ 83 - 82 بإسناده عن ابن عبّاس؛ مناقب ابن المغازليّ 85 - 80؛ حيث روى سبع روايات عن جابر وابن عبّاس وعليّ عليه السلام، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله باختلاف يسير في الألفاظ.


وقد عقد العلّامة الأمينيّ قدس سره فصلاً في رواة حديث أنا مدينة العلم ، فراجع الغدير 61:6-77. وأورد في ص78 و79 قائمة بأسماء من صرّح بصحّة سنده من أعلام العامّة.


وقد ذكر ابن أبي الحديد المعتزليّ في مقدّمة شرح نهج البلاغة أسبقيّة عليّ عليه السلام في العلوم، وذكر ذلك ابن شهرآشوب في مناقبه 57 - 28: 2، وقال في ص34: وقال النبيّ صلى الله عليه وآله بالإجماع: أنا مدينة العلم، وعليّ بابها، فمن أراد العلم فليأتِ الباب ، رواه أحمد من ثمانية طرق؛ وإبراهيم الثقفيّ من سبعة طرق؛ وابن بطّة من ستّة طرق؛ والقاضي الجعابيّ من خمسة طرق؛ وابن شاهين من أربعة طرق؛ والخطيب التاريخيّ "صاحب تاريخ بغداد" من ثلاثة طرق؛ ويحيى بن معين من طريقَين. وقد رواه السمعانيّ والقاضي الماورديّ وأبو منصور السكريّ وأبوالصلت الهرويّ وعبدالرزّاق وشريك، عن ابن عبّاس ومجاهد وجابر، وهذا يقتضي وجوب الرجوع إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، لأنّه صلى الله عليه وآله كنّى عنه بالمدينة، وأخبر أنّ الوصول إلى عِلمه من جهة عليّ خاصّةً، لأنّه جعله كباب المدينة الذي لا يُدخل إليها إلّا منه، ثمّ أوجب ذلك الأمر بقوله فليأتِ الباب ، وفيه دليلٌ على عصمته عليه السلام، لأنّ مَن ليس بمعصوم يصحّ منه وقوع القبيح، فإذا وقع كان الاقتداء به قبيحاً، فيؤدّي إلى أن يكون صلى الله عليه وآله قد أمر بالقبيح، وذلك لا يجوز؛ انتهى.]

؛ ونزل في حقّهم هل أتى


[
انظر: أسباب النزول للنيسابوريّ: 331؛ وشواهد التنزيل 298:2؛ والتفسير الكبير للرازيّ 244:30؛ والدرّ المنثور للسيوطيّ 299: 6؛ ومناقب ابن المغازليّ: 273 - 272.]

، وآية الطهارة


[
صحيح مسلم 1183:4/ ح2424 باب فضائل أهل بيت النبيّ، بإسناده عن عائشة؛ المستدرك 147:3؛ مجمع الزوائد 167:9؛ تفسير الطبريّ 5: 22.]

، وإيجاب المودّة لهم


[
ابن المغازليّ: 309 - 307 بإسناده عن ابن عبّاس؛ مجمع الزوائد 168:9؛ ذخائر العقبى: 25.]

، وآية الابتهال


[
صحيح مسلم 1871:4/ ح 2403 باب فضائل عليّ بن أبي طالب، بإسناده عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه؛ مسند أحمد 185:1/ ح1611 عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه؛ المستدرك 150:3؛ تفسير الطبريّ 213:3.]

وغير ذلك. وكان عليّ عليه السلام يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة، ويتلو القرآن مع شدّة ابتلائه بالحروب


[
في ش2 : بالحرب.]

والجهاد؛ فأوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام، كان أفضل الخلق بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وجعله اللَّه تعالى نفسَ رسول اللَّه؛ حيث قال: وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ


[
آل عمران: 61.]

، وآخاه الرسول صلى الله عليه وآله وزوّجه ابنته، وفضلُهُ لايُحصى


[
في ش1 و ش2 : لا يخفى.]

، وظهرت عنه معجزات كثيرة حتّى ادّعى قوم فيه الربوبيّة


[
في ش2 : الألوهيّة.]

وقتلهم، وصار إلى مقالتهم آخرون إلى هذه الغاية، كالنصيريّة والغُلاة. وكان ولداه سبطا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سيّدا شباب أهل الجنّة إمامَيْن بنصّ النبيّ صلى الله عليه وآله، وكانا أزهد الناس وأعلمهم في زمانهم، وجاهدا في سبيل اللَّه حتّى قُتلا، ولبس الحسن


[
في ش2 : الحسين.]

الصوف تحت ثيابه الفاخرة من غير أن يُشْعِر أحداً بذلك.


وأخذ النبيّ صلى الله عليه وآله يوماً الحسين على فخذه الأيمن، وولده إبراهيم على فخذه الأيسر، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: إنّ اللَّه لم يكن ليجمع لك بينهما، فاختَرْ مَن شئتَ منهما، فقال صلى الله عليه وآله: إذا مات الحسين بكيتُ عليه أنا وعليّ وفاطمة، وإذا مات إبراهيم بكيتُ أنا عليه؛ فاختار موت إبراهيم، فمات بعد ثلاثة أيّام، فكان


[
في ش1 و ش2 : وكان.]

إذا جاء الحسين بعد ذلك يقبّله ويقول: أهلاً ومرحباً بِمَنْ فديتُه بابني إبراهيم


[
مناقب ابن شهرآشوب 81:4، عن تفسير النقّاش، بإسناده عن سفيان الثوريّ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاس؛ وفيه أنّه صلى الله عليه وآله كان يقول له: فديتُ مَنْ فديتُه بابني إبراهيم . ورواه عنه المجلسيّ في بحار الأنوار 153:22.]



وكان عليّ بن الحسين زَين العابدين يصوم نهاره ويقوم ليله، ويتلو الكتاب العزيز، ويصلّي كلّ يوم وليلة ألف ركعة


[
في حلية الأولياء 141:3: قال سعيد بن المسيِّب: ما رأيتُ أحداً أورع من عليّ بن الحسين.


وفي الجرح والتعديل 179:6: قال يحيى بن سعيد: حدّثنا عليّ بن الحسين أفضل هاشميّ رأيتُه بالمدينة.


وقال الزهريّ: لم أُدرك من أهل البيت رجلاً كان أفضل من عليّ بن الحسين.]

، ويدعو بعد كلّ ركعتَيْن بالأدعية المنقولة عنه وعن آبائه عليهم السلام، ثمّ يرمي الصحيفة كالمتضجّر، ويقول: أنّى لي بعبادة


[
في ش2 : عبادة.]

عليّ! وكان يبكي كثيراً حتّى أخذت الدموع من لحم خدَّيه، وسجد حتّى سُمّي ذا الثفنات، وسمّاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سيّد العابدين.


وكان قد حجّ هشام بن عبدالملك فاجتهد أن يستلم الحجر فلم يمكنه من الزحام


[
في ش2 : فلم يمكّنه الزحام.]

، فجاء زين العابدين عليه السلام فوقف الناس له وتنحّوا عن الحجر حتّى استلمه، ولم يبقَ عند الحجر سواه، فقال هشام: مَن هذا؟ فقال الفرزدق الشاعر:





  • هذا الذي تعرف البطحاءُ وطأته
    هذا ابن خير عباد اللَّه كلّهمُ
    يكادُ يُمْسِكُهُ عِرفانَ راحتِه
    إذا رَأتْهُ قريشٌ قال قائلُها
    إن عُدّ أهلُ التُّقى كانوا أئمّتَهم
    هذا ابن فاطمة إنْ كنتَ جاهله
    يُغضي حَياءً ويُغضى من مَهابته
    ينشقُّ نورُ الهُدى عن صُبح غُرَّتِهِ
    مشتقّةٌ من رسول اللَّه نَبْعَتُهُ
    طابَتْ عَناصِرُهُ والخِيمُ



  • والبيتُ يعرفه والحِلُّ والحَرَمُ
    هذا التقيُّ النَّقيُّ الطاهرُ العَلَمُ
    رُكنُ الحطيمِ إِذا ما جاء يَستلمُ
    إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرمُ
    أو قِيلَ مَن خير خلق اللَّه قيل هُمُ
    بجَدِّه أنبياءُ اللَّهِ قد خُتموا
    فما يُكلَّمُ إلّا حينَ يبتسمُ
    كالشمس تَنجاب عن إشراقها الظُلمُ
    طابَتْ عَناصِرُهُ والخِيمُ
    طابَتْ عَناصِرُهُ والخِيمُ



[
الخِيم، بالكسر: الطبيعة والشيمة.]

والشِّيَمُ





  • اللَّهُ شرّفه قِدْماً وفضّله
    مِنْ مَعشَرٍ حُبّهم دِينٌ وبُغضُهُم
    لا يَستطيع جَوادٌ بُعْدَ غايتهم
    ولا يُدانيهِمُ قومٌ وإن كَرمُوا



  • جرى بذاكَ له في لَوحةِ القلمُ
    كُفْرٌ وقُربُهُم مَلْجاً ومُعْتَصَمُ
    ولا يُدانيهِمُ قومٌ وإن كَرمُوا
    ولا يُدانيهِمُ قومٌ وإن كَرمُوا




ْ


[
في ش2 : روضة عرضت.]






  • والأُسْدُ أُسْدُ الشَّرى والرأيُ مُحْتَدِمُ
    سَيّانَ ذلك إِن أثْرَوا وإن عَدِموا
    لولا التشهّدُ كانت لاؤُهُ نَعمُ
    ويُستَرَقُّ به الإحسانُ والنِّعَمُ
    مقدّمٌ بعد ذِكر اللَّه ذِكرُهُمُ



  • لا ينقصُ العُسرُ بَسْطاً من أكفّهِمُ
    ما قال لا قطُّ إلّا في تشهّده
    يُستَدْفَعُ السوءُ والبلوى بحبّهمُ
    مقدّمٌ بعد ذِكر اللَّه ذِكرُهُمُ
    مقدّمٌ بعد ذِكر اللَّه ذِكرُهُمُ




[
في ش2 : في كلّ يومٍ.]

، ومختومٌ به الكلمُ





  • مَن يعرفِ اللَّهَ يعرفْ أولويّةَ ذا
    وليس قولُكَ: مَنْ هذا بضائرهِ
    العُرْبُ تعرفُ مَن أنكَرْتَ والعَجَمُ



  • الدينُ مِنْ بيتِ هذا نالَهُ الأُمم
    العُرْبُ تعرفُ مَن أنكَرْتَ والعَجَمُ
    العُرْبُ تعرفُ مَن أنكَرْتَ والعَجَمُ



[
البيت الأخير ساقط من ر . وانظر القصيدة في ديوان الفرزدق 353:3-356؛ ومعارج الوصول للزرنديّ 91 - 90.]



فغضب هشام وأمر بحبس الفرزدق بين مكّة والمدينة، فبعث إليه الإمام زينُ العابدين عليه السلام بألف دينار، فردّها وقال: إنّما قُلت هذا غضباً


[
في ش2 : رضاً.]

للَّه ولرسوله، فما آخذ عليه أجراً.


فقال عليّ بن الحسين عليه السلام: نحن أهلُ بيتٍ لايعود إلينا ما خرج منّا؛ فقبلها الفرزدق.


وكان بالمدينة


[
في ش2 : في المدينة.]

قومٌ يأتيهم رزقهم ليلاً ولا يعرفون ممّن هو


[
في ش2 : مَن هو الآتي به.]

، فلمّا مات مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام


[
في ش1 : فلمّا مات زين العابدين عليه السلام.]

انقطع ذلك عنهم، وعرفوا به أنّه كانَ منه عليه السلام


[
حلية الأولياء لأبي نعيم 136:3؛ تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 327؛ معارج الوصول للزرنديّ 84؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: 202 ف 4.]



وكان ابنه محمّد الباقر عليه السلام أعظم الناس زُهداً وعبادة، بَقر السجودُ جبهَتَه، وكان أعلم أهل وقته


[
في ش2 : وكان أعلم وقته.]

، سمّاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الباقر.


وجاء جابر بن عبداللَّه الأنصاريّ إليه وهو صغير في الكتّاب، فقال له: جدّك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يسلّم عليك، فقال: وعلى جدّي السلام، فقيل لجابر: كيف هذا؟ قال: كنتُ جالساً عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، والحسين في حِجره وهو يلاعبه


[
في ش1 : الحسين في حجره يُداعبه.]

، فقال: يا جابر! يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيّد العابدين! فيقوم ولده، ثمّ يولد له مولود اسمه محمّد الباقر، إنّه يبقر العلم بقراً، فإذا أدركتَه فأَقْرِئْهُ مِنّي السلامَ


[
تذكرة الخواصّ: 337 عن المدائنيّ؛ معارج الوصول للزرنديّ: 93؛ الفصول المهمّة: 211 عن جابر بالمضمون؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 69:3؛ مناقب ابن شهرآشوب 197:4.]



روى عنه أبوحنيفة وغيره.


وكان ابنه الصادق عليه السلام أفضل أهل زمانه وأعبدهم


[
قال عنه مالك بن أنس - كما في تهذيب التهذيب 104:2 - ما رأت عين ولا سمعت اُذُن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق عِلماً وعبادة وورعاً .


وقال عنه أبو حنيفة - كما في جامع أسانيد أبي حنيفة 222:2 -: ما رُئي أعلم من جعفر بن محمّد، وإنّه أعلم الاُمّة .


وقال عنه ابن حجر في صواعقه: 120 جعفر الصادق، نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الرُّكبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر، كيحيى بن سعيد، وابن جريح، ومالك، والسفيانين، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيّوب السختيانيّ .


وقال أبو نعيم في حلية الأولياء 192:3: الإمام الناطق، ذوالزمام السابق، أبو عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق، أقبل على العبادة والخضوع، وآثَرَ العزلة والخشوع، ونهى عن الرئاسة والجموع .


وقال القندوزيّ في ينابيع المودّة 160:3: قال عنه الشيخ أبو عبدالرحمن السلميّ في طبقات مشايخ الصوفيّة: جعفر الصادق، فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو عِلم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تامّ عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة .


وقال كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعيّ في مطالب السؤول55:2: جعفر بن محمّد هو من علماء أهل البيت وساداتهم، ذو علوم جمّة، وعبادةٍ موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بيّنة، وتلاوةٍ كثيرة، يتتبّع معاني القرآن، ويستخرج من بحره جواهرَه، ويستنتج عجائبه، ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات... استفاد منه جماعة من أعيان الاُمّة وأعلامهم، مثل يحيى بن سعيد الأنصاريّ، وابن جريح، ومالك بن أنس، والثوريّ، وابن عُيينة، وأيّوب السختيانيّ، وغيرهم، وعدُّوا أخذهم منه منقبة شُرّفوا بها، وفضيلة اكتسبوها .]



قال علماء السيرة:


[
في ش2 : السِّيَر.]

إنّه انشغل


[
في ش1 : إنّه اشتغل. وفي ش2 : إنّه قد اشتغل.]

بالعبادة عن طلب الرياسة.


قال عمرو بن أبي المقدام:


[
في ش1 : عمرو بن المقدام.]

كنتُ إذا نظرتُ إلى جعفر بن محمّد علمتُ أنّه من سلالة النبيّين


[
حلية الأولياء 193:3؛ تذكرة الخواصّ: 342؛ تهذيب التهذيب 104:2.]



وهو الذي نُشِرَ منه فقه الإماميّة والمعارف الحقيقيّة والعقائد اليقينيّة، وكان لا يُخبر بأمرٍ إلّا وقع، وبه سمّوه الصادق الأمين.


وكان عبداللَّه بن الحسن جمعَ أكابرَ العلويّين للبيعة لولده


[
في ش1 و ش2 : لولديه محمّد وإبراهيم.]

، فقال له الصادق عليه السلام: إنّ هذا الأمر لا يتمّ! فاغتاظ من ذلك، فقال:


[
في ش2 : وقال.]

إنّه لصاحب القباء الأصفر؛ وأشار بذلك إلى المنصور، فلمّا سمع المنصور بذلك فرح لعلمه بوقوع ما يُخبِرُ به، وعلم أنّ الأمر يصل إليه؛ ولمّا هرب


[
في ش2 : ولمّا هرب المنصور.]

كان يقول: أين قول صادقهم؟! وبعد ذلك انتهى الأمر إليه


[
مقاتل الطالبيّين: 142 - 140 و173 - 171؛ وانظر كلام أبي جعفر المنصور في: 185 - 184.]



وكان ابنُه موسى الكاظم عليه السلام يُدعى بالعبد الصالح، كان أعبد أهل وقته، يقوم


[
في ش1 و ش2 : ويقوم.]

الليل ويصوم النهار، سُمّي


[
في ر : وسُمّي.]

الكاظم لأنّه كان إذا بلغه عن أحد شي ء بعث إليه بمالٍ، ونقل فضلَه المخالفُ والمؤالف.


قال ابن الجوزيّ من الحنابلة عن شقيق البلخيّ، قال: خرجتُ حاجّاً في سنة تسع وأربعين ومائة، فنزلت القادسيّة ، فإذا شابّ حسن الوجه، شديد السمرة، عليه ثوب صوف، مشتمل بشملة، في رجليه نعلان، وقد جلس منفرداً عن الناس، فقلتُ في نفسي: هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كَلّاً على الناس، واللَّهِ لأمضينّ إليه وأُوبّخه


[
في ش2 : أُوبِّخنّه.]

، فدنوتُ منه، فلمّا رآني مقبلاً، قال: يا شقيق! اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ !


[
الحجرات: 12.]


[
في ش1 : يا شقيق! إنّ بعض الظنّ إثم!.]

فقلتُ في نفسي: هذا عبدٌ صالح قد نطق على ما


[
في ش2 : بما.]

في خاطري، لأَلحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني


[
في ش1 و ش3 : يحالّني.]

، فغاب عن عيني.


فلمّا نزلنا واقصة ، "إذا به يصلّي"


[
في ش1 : رأيته يصلّي.]

وأعضاؤه تضطرب، ودموعه تتحادر، فقلت: أمضي إليه وأعتذر؛ فأوجز في صلاته، ثمّ قال: يا شقيق، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى


[
طه: 82.]

، فقلت: هذا من الأبدال قد تكلّم على سرّي مرّتين.


فلمّا نزلنا زبالة إذا به قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماءً، فسقطت الركوة في البئر، فرفع طرفه


[
في ش1 : فرفع رأسه.]

إلى السماء، وقال: أنتَ ربّي إذا ظمئتُ إلى الماء، وقُوتي إذا أردتُ الطعام، يا سيّدي ما لي سواها!


قال شقيق: فواللَّه لقد رأيتُ البئر قد ارتفع ماؤها، فأخذ الركوة وملأها وتوضّأ وصلّى أربع ركعات، ثمّ مال إلى كثيب رمل هناك، فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة ويشرب


[
في ش1 : ويشربه.]

، فقلتُ: أطعِمني من فضل ما رزقك اللَّه وأنعم اللَّه عليك!


[
في ش1 : وأنعم عليك.]

فقال: يا شقيق، لم تزل نعم اللَّه علينا ظاهرة وباطنة، فأحسِنْ ظنّك بربّك؛ ثمّ ناولني


[
في ش1 : فناولني.]

الركوة، فشربتُ منها فإذا سويق وسكّر ما شربتُ - واللَّه - ألذّ منه وأطيب ريحاً


[
في ش1 و ش2 : ألذّ منه ولا أطيب ريحاً.]

، فشبعت ورويت وأقمت أيّاماً لا أشتهي طعاماً ولا شراباً، ثمّ لم أره حتّى دخل


[
في ش1 : دخلتُ.]

مكّة، فرأيتُه ليلةً إلى جانب قبّة السراب


[
في ش1 : الميزاب.]

نصف الليل يصلّي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل، فلمّا طلع الفجر جلس في مصلّاه يسبّح، ثمّ قام إلى صلاة الفجر، وطاف بالبيت اُسبوعاً، وخرج فتبعته فإذا


[
في ر : وإذا.]

له حاشية وأموال


[
في ش2 : وموالٍ.]

وغلمان، وهو على خلاف ما رأيتُه في الطريق، ودارَ به الناس يُسلّمون عليه ويتبرّكون به، فقلتُ لبعضهم: مَن هذا؟ فقال: موسى بن جعفر عليهما السلام، فقلتُ: قد عجبتُ أن تكون هذه العجائب


[
في ش1 : أن تكون مثل هذه العجائب.]

إلّا لمثل هذا السيّد. رواه الحنبليّ


[
تذكرة الخواصّ: 349 - 348؛ الفصول المهمّة: 234 - 233؛ الصواعق المحرقة: 203؛ مطالب السؤول: 26؛ ورواه المجلسيّ في بحار الأنوار 78:48 نقلاً عن أمثال الصالحين؛ قال: وقد نظموها:





  • سَلْ شقيقَ البلخيّ عنه بما
    قال: لمّا حججتُ عاينتُ شخصاً
    سائراً وحده وليس له زادٌ
    وتوهّمتُ أنّه يسأل الناسَ
    ثمّ عاينتهُ ونحنُ نزولُ
    يضعُ الرملَ في الإناء ويشرب
    أسقِني شربةً، فلمّا سقاني
    فسألتُ الحجيجَ: مَن يكُ هذا؟
    قِيل: هذا الإمام موسى بن جعفر.]



  • شاهد منه وما الذي كان أبصرْ
    ناحلَ الجسم شاحبَ اللون أسمرْ
    فما زلتُ دائباً أتفكّر
    ولم أدرِ أنّه الحجُّ الأكبر
    دون فيدٍ على الكثيب الأحمر
    -ه فناديتُهُ وعَقلي مُحيَّر
    منه عاينتُه سويقاً وسُكّر
    قِيل: هذا الإمام موسى بن جعفر.]
    قِيل: هذا الإمام موسى بن جعفر.]




وعلى يده عليه السلام تاب بشر الحافيّ


[
هو بشر بن الحارث الحافيّ، أورد أبو نعيم الأصبهانيّ ترجمته في حلية الأولياء 336:8 وقال عنه: ومنهم من حباه الحقّ بجزيل الفواتح، وحماه عن وبيل الفواحد، أبو نصر بشر بن الحارث الحافيّ، المكتفي بكفاية الكافي، اكتفى فاشتفى.


وذكره الخواجة عبداللَّه الأنصاريّ في طبقات الصوفيّة 86 - 85؛ والقاضي نور اللَّه الشوشتريّ في مجالس المؤمنين 12:2-14، ونقل عن ابن خلّكان أنّ جدّه الخامس عبداللَّه أسلم على يد أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام. ثمّ ذكر صاحب المجالس أنّه تاب على يد الإمام الهمام موسى الكاظم عليه السلام، ثمّ نقل قصّة توبته عن منهاج الكرامة ، وذكر أنّ تاريخ وفاته كان يوم عاشوراء من محرّم الحرام سنة سبع وعشرين ومائتين. كما ذكره معصوم علي شاه في طرائق الحقائق 184:2-186 ونقل قصّة توبته عن منهاج الكرامة . وروى ابن قدامة المقدسيّ "ت 620 ه" هذه القصّة في كتابه التوّابين ص211 ورمز للإمام الكاظم عليه السلام ب رجل من الصالحين .]

؛ لأنّه عليه السلام اجتاز على داره ببغداد، فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقَصَب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة البقل فرمت بها


[
في ر : به.]

في الدرب؛ فقال لها: يا جارية! صاحب هذه الدار حرٌّ أم عبد؟ فقالت: بل حرّ؛ فقال: صدقتِ، لو كان عبداً خافَ من مولاه!


فلمّا دخلت قال مولاها وهو على مائدة السُّكر: ما أبطأَك علينا؟ فقالت: حدّثني رجلٌ بكذا وكذا، فخرج حافياً


[
في ش2 : فخرج بشر حافياً.]

حتّى لقي مولانا الكاظم عليه السلام فتاب على يده.


وكان ولده عليّ الرضا


[
في ش1 : وكان ولده الرضا.]

أزهد أهل زمانه وأعلمهم؛ وأخذ عنه فقهاء الجمهور كثيراً، وتولّاه


[
في ش1 و ش2 : ولّاه.]

المأمون لعلمه بما هو عليه من الكمال والفضل


[
في ش1 : والفضائل.]



ووعظ يوماً أخاه زيداً فقال له: يا زيد، ما أنت قائلٌ لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا سفكتَ الدماء وأخفتَ السبيل


[
في ش1 و ش2 : السبل.]

وأخذتَ المال من غير حِلّه؟! غرّك حُمقاءُ أهل الكوفة، وقد قال


[
في ش2 : بما قال.]

رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ فاطمة أحصنت فَرجها فحرّم اللَّه ذرّيّتها على النار ، واللَّهِ ما نالوا ذلك إلّا بطاعة اللَّه؛ فإن أردتَ أن تنال بمعصية اللَّه ما نالوه بطاعته، إنّك إذاً لأكرم على اللَّه منهم


[
ربيع الأبرار 426:4؛ عيون أخبار الرضا 234:2 بزيادة.]



وضرب المأمون اسمه على الدراهم والدنانير، وكتب إلى الآفاق ببيعته، وطرح السواد ولبس الخُضرة.


وقيل لأبي نؤاس: لِمَ لا تمدح الرضا عليه السلام؟ فقال:





  • قيل لي أنتَ أفضلُ النّاس طُرّاً
    في المعاني وفي الكلام البديهِ



  • في المعاني وفي الكلام البديهِ
    في المعاني وفي الكلام البديهِ




[
في ش2 : نظام.]



يُثمر الدرّ في يدَيْ مُجتنيه


[
سقط البيت من ش1 .]






  • فلماذا تركتَ مدحَ ابنِ موسى
    قلت: لا أستطيع مدحَ إمامٍ
    كان جبريلُ خادماً لأبيه



  • والخصالَ الّتي تجمّعن فيه
    كان جبريلُ خادماً لأبيه
    كان جبريلُ خادماً لأبيه



[
تذكرة الخواصّ: 358. ورواه الصدوق في عيون أخبار الرضا 146:2 باختلاف يسير في اللفظ.]



وكان ولده محمّد الجواد عليه السلام على منهاج أبيه في العِلم والتقوى


[
في ش1 و ش2 : التُّقى.]

والجود، ولمّا مات أبوه الرضا عليه السلام شغف به المأمون لكثرة علمه ودينه ووفور عقله مع صغر سنّه، فأراد


[
في ش1 و ش2 : وأراد.]

أن يزوّجه ابنته


[
في ر : بنته.]

اُمّ الفضل، وكان قد زوّج أباه الرضا عليه السلام بابنته اُم حبيب، فغلظ ذلك على العبّاسيين واستكبروه، وخافوا أن يخرج الأمر منهم، وأن يُتابعه كما تابع أباه


[
في ش1 و ش2 : يبايعه كما بايع أباه.]

، فاجتمع الأدنون منه وسألوه تَرْك ذلك، وقالوا: إنّه صغير


[
في ر : وقالوا إنّه صغير السنّ.]

لا عِلم عنده. فقال: أنا أعرف به، فإن شئتم فامتحنوه؛ فرضوا بذلك، وجعلوا ليحيى


[
في ش1 : وجعلوا للقاضي يحيى.]

بن أكثم مالاً كثيراً على امتحانه في مسألة يُعجزه


[
في ش2 : يعجز.]

فيها، فتواعدوا إلى يوم، فأحضَرَهُ المأمون، وحضر القاضي وجماعة العبّاسيين، فقال القاضي أسألُك عن شي ء؟ فقال لَهُ عليه السلام: سل


[
في ش1 : فقال: سَل عمّا بدا لك. وفي ش2 : فقال له: سل عمّا بدا لك.]



فقال: ما تقول في مُحرمٍ قَتَل صيداً؟


فقال له الإمام عليه السلام:


[
في ش2 : فقال الإمام عليه السلام.]

أقَتَله في حِلٍّ أم حَرَم؟ عالِماً كان أو جاهلاً؟ مُبتَدِئاً بقتله أو عائداً؟ مِن صغار الصيد كان أو


[
في ش2 : أم.]

من كبارها؟ عبداً كان المُحرِم أو حُرّاً؟ صغيراً كان أو


[
في ش2 و ر : أم.]

كبيراً؟ مِن ذوات الطير كان الصيد أو


[
في ش2 : أم.]

من غيرها؟


فتحيّر يحيى بن أكثم وبان العجزُ في وجهه، حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون لأهل بيته: عرفتم الآن ما كنتم تُنكرونه؟! ثمّ أقبل على الإمام، فقال: أتخطب؟ فقال: نعم. فقال: إخطِب لنفسك خطبة النكاح! فخطب وعقد على خمسمائة درهم جياداً مهر جدّته فاطمة عليها السلام، ثمّ تزوّج بها


[
الإرشاد للمفيد: 323 - 319 مفصّلاً، بإسناده عن الريّان بن شبيب؛ إثبات الوصيّة للمسعوديّ: 191 - 188؛ إعلام الورى: 354 - 351؛ الاحتجاج 443:2-446؛ الفصول المهمّة: 270 - 267؛ وقال سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 359: والإماميّة تروي خبراً طويلاً فيه أنّ المأمون لمّا زوّجه كان عمر محمّد الجواد سبع سنين وأَشْهُر، وأنّه هو الذي خطب خطبة النكاح، وأنّ العبّاسيين شغبوا على المأمون، ورَشَوا القاضي يحيى بن أكثم حتّى وضع مسائل ليخطّئ بها محمّد الجواد ويمتحنه، وأنّ الجواد خرج عن الجميع.]



وكان ولده عليّ الهادي عليه السلام، ويُقال له: العسكريّ، لأنّ المتوكّل أشخصه من المدينة إلى بغداد، ثمّ منها إلى سرّ مَن رأى ، فأقام "بموضع عندها يُقال له العسكر ، ثمّ انتقل إلى سرّ من رأى فأقام"


[
العبارة بين القوسين ساقطة من ش2 .]

بها عشرين سنة وتسعة أشهر، وإنّما أشخصه المتوكّل لأنّه كان يُبغض عليّاً عليه السلام


[
والمتوكّل هو الذي أمر بهدم قبر الإمام الحسين عليه السلام فقال فيه الشعراء:





  • تاللَّهِ إنْ كانت اُميّةُ قد أتتْ
    فلقد أتته بنو أبيه بمثله
    أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا
    في قتله فتتبّعوه رَميما



  • قَتْلَ ابن بنتِ نبيِّها مظلوما
    هذا لعمرك قبرُه مهدوما
    في قتله فتتبّعوه رَميما
    في قتله فتتبّعوه رَميما




وهو الذي يقف شاعره مروان بن أبي الجنوب فيُنشده شِعراً ينال فيه من آل عليّ عليه السلام ويذمّ شيعتهم، فيأمر المتوكّل أن يُنثر على رأسه ثلاثة آلاف دينار ويعقِد له على إمارة البحرين واليمامة ويخلع عليه أربع خُلَع. |انظر الكامل في التاريخ 38:7|.


وهو الذي لمّا بلغه أنّ نصر بن عليّ حدّث أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما واُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة ، أمر بضربه ألف سوط. |انظر تاريخ بغداد 287:13-288|.


وهو الذي أمر عمرَ بن الفرج الرخّجي عاملَه على المدينة ومكّة بتشديد الوطأة على العلويّين، حتّى كان القميص يكون بين جماعة من العلويّات يصلّين فيه الواحدة بعد الاُخرى، ثمّ يرقّعنه ويجلس على مغازلهنّ عواري حواسر. |انظر مقاتل الطالبيين: 599|


قال جرجي زيدان في تاريخ التمدّن الإسلاميّ 120:5 ضمن كلامه عن السخاء على الشعراء والمغنّين: وفاقهم المتوكّل في ذلك، لأنّه أعطى حسين بن الضحّاك ألف دينار عن كلّ بيت من قصيدة قالها، وهو أوّل من أعطى ذلك .


وقال في ص124 من كتابه المذكور: وكتب التاريخ والأدب مشحونة بأخبار مجالس الشراب، وهي في الغالب مجالس الغناء، ويندر أن يترفّع خليفة أو وزير عنها، ومِن أكثر العبّاسيين رغبةً فيها: الهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكّل.. .


ولولا الخوف من الإطالة، لنقلتُ ما جاء في كتب التواريخ والسيرة والأدب عن ظلمه وإسرافه وخلاعته وفسقه وفجوره، لكنّي أكتفي في هذه العُجالة بما قاله ابن الأثير في الكامل 115:7:


وذُكر أنّ المنتصر كان شاور في قتله أبيه "المتوكّل" جماعة من الفُقهاء، وأعلمهم بمذاهبه، وحكى عنه اُموراً قبيحةً كرهتُ ذكرها، فأشاروا بقتله، فكان كما ذكرنا بعضه انتهى.


أقول: ولا أدري لِمَ كَرِه ابنُ الأثير المؤرّخ ذِكرَ الاُمور القبيحة التي حكاها المنتصر للفُقهاء عن أبيه حتّى أشاروا بقتله، بينما يُفيض في نقل سواها من أخبار المطربات والمغنّيات والمهرّجين؟! قاتل اللَّه العصبيّة! وقد صدق من قال: حُبّك الشي ء يُعمي ويُصمّ! ولعلّ ابن الأثير تعلّم من سلفه الطبريّ هذا الاُسلوب في رعاية الأمانة العلميّة حين أعرض - أعني الطبريّ - عن نقل المكاتبات التي دارت بين محمّد بن أبي بكر ومعاوية |تاريخ الطبريّ 557:4|، وعلّل ذلك بقوله: كرهتُ ذِكرها لِما فيه ممّا لا يحتمل سماعَه العامّة!]

، فبلغه مقام عليّ بالمدينة ومَيل الناس إليه، فخاف منه، فدعا يحيى ابن هرثمة فأمره بإشخاصه، فضجّ أهل المدينة لذلك خوفاً عليه، لأنّه كان مُحسناً إليهم، مُلازماً للعبادة في المسجد، فحلف لهم يحيى أنّه لا مكروه عليه، ثمّ فتّش منزله فلم يجد فيه سوى مصاحف وأدعية وكتب العلم


[
في ش2 : المصاحف وكتب الأدعية والعلم.]

، "فعظم في عينه"


[
مابين القوسين سقط من ش1 .]

وتولّى خدمته بنفسه، فلمّا قدم بغداد بدأ بإسحاق بن إبراهيم الطاهريّ والي بغداد، فقال له: يا يحيى، هذا الرجل قد ولده رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله، والمتوكّل مَنْ تعلم، فإنْ حَرَّضتَه


[
في ش1 : تحرّضه؛ وفي ش2 : حرّضتَ.]

عليه قَتَله وكان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله خصمك.


[
في ش1 و ش2 : خصمك يوم القيامة.]

فقال له يحيى: واللَّهِ ما وقعتُ منه إلّا على خير.


قال: فلمّا دخلتُ على المتوكّل أخبرتُه بحسن سيرته وزُهده وورعه


[
في ش2 : بحسن ورعه وزهده.]

، فأكرمه المتوكّل


[
تذكرة الخواصّ: 360 - 359؛ مروج الذهب 84:4-85؛ الفصول المهمّة: 281 - 279، وقال ابن الصبّاغ: فأقام أبوالحسن "الهادي" مدّة مقامه ب سرّ من رأى مكرّماً معظّماً مبجّلاً في الظاهر، والمتوكّل يبتغي له الغوائل في باطن الأمر، فلم يُقدره اللَّه عليه.]



ثمّ مرض المتوكّل فنذر إن عُوفي تصدّق


[
في ش2 : أن يتصدّق.]

بدراهم كثيرة، فسأل الفقهاء عن ذلك، فلم يجد عندهم جواباً، فبعث إلى عليّ الهادي عليه السلام يسأله


[
في ش1 و ش2 : وسأله.]

، فقال: تصدّق بثلاثة وثمانين درهماً، فسأله المتوكّل عن السبب، فقال: لقوله تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ


[
التوبة: 25.]

؛ وكانت المواطن هذه الجملة، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله غزا سبعاً وعشرين غزاة، وبعث ستّاً وخمسين سريّة


[
تذكرة الخواصّ: 360؛ مناقب ابن شهرآشوب 402:4؛ بحار الأنوار 162:50-163.]



قال المسعوديّ: نُمي إلى المتوكّل بعليّ بن محمّد أنّ في منزله سلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنّه عازم على المُلك؛ فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا على داره ليلاً فلم يجدوا شيئاً


[
في ر : فلم يجدوا فيها شيئاً.]

، ووجوده في بيت مغلق عليه، وهو يقرأ "القرآن"


[
مابين القوسين سقط في ش2 و ر .]

وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصباء


[
في ش1 و ش2 : الحصى.]

، متوجّه إلى اللَّه تعالى يتلو القرآن، فَحُمل على حالته تلك إلى المتوكّل، فأُدخل عليه وهو في مجلس الشراب


[
في ش2 : وهو جالس في الشراب.]

، والكأس في يد المتوكّل، فأعظمه


[
في ش1 و ش2 : فعظّمه.]

وأجلسه إلى جانبه


[
في ش2 : جانب.]

وناوله الكأس، فقال: واللَّهِ ما خامر لحمي ودمي قطّ "فأَعفني!"


[
مابين القوسين سقط في ش1 .]

فأعفاه وقال له: أَسْمِعني صوتاً، فقال عليه السلام: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ...


[
الدخان: 25.]

الآيات؛ فقال: أنشِدني شعراً! فقال: إنّي قليل الرواية للشعر، فقال: لابدّ من ذلك، فأنشده


[
في ش1 : فأنشد.]

:


باتُوا على قُلَلِ الأجبال


[
في ش1 و ش2 : الجبال.]

تحرُسُهُمْ





  • غُلْبُ الرِّجالِ فما أَغْنَتْهُمُ القُلَلُ
    واُسكِنُوا حُفَراً يا بِئسَ ما نَزَلُوا
    أينَ الأساورُ والتّيجانُ والحُللُ
    مِن دُونِها تُضْرَبُ الأَستارُ والكُلَلُ
    فأَفْصَحَ القَبْرُ عنهُم حينَ سائلَهُ



  • واستُنزِلُوا بعدَ عِزٍّ مِن مَعاقِلِهِمْ
    ناداهُمُ صارخٌ من بعدِ دَفْنِهِمُ
    أينَ الوجوهُ الّتي كانَتْ مُنعَّمَةً
    فأَفْصَحَ القَبْرُ عنهُم حينَ سائلَهُ
    فأَفْصَحَ القَبْرُ عنهُم حينَ سائلَهُ



[
في ش1 : سائلهم.]






  • تلكَ الوجوهُ عليها الدُّودُ يَقتتِلُ
    فأَصْبَحُوا بعدَ طُولِ الأكلِ قد أُكِلُوا
    فبكى المتوكّل حتّى بلّت دموعه لحيته



  • قد طالما أَكَلُوا دهراً وقَد شَرِبُوا
    فبكى المتوكّل حتّى بلّت دموعه لحيته
    فبكى المتوكّل حتّى بلّت دموعه لحيته



[
مروج الذهب 111:4؛ تذكرة الخواصّ: 361؛ نور الأبصار للشبلنجيّ: 150.]



وكان ولده الحسن العسكريّ عليه السلام عالماً فاضلاً زاهداً، أفضل أهل زمانه


[
في ش : أفضل زمانه.]

، روت عنه العامّة كثيراً.


وولَدُهُ مولانا الإمام المهديّ محمّد عليه السلام


[
في ر : وولد مولانا الإمام المهدي محمّداً.]

؛ روى ابن الجوزيّ بإسناده إلى ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمُه كاسمي


[
في ش2 : اسمي.]

وكُنيته كُنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، فذلك هو المهديّ


[
تذكرة الخواصّ: 364 - 363.


وقد تواترت الأخبار بظهور المهديّ عليه السلام وخروجه في آخر الزمان، وبأنّه من ولد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومن ولد فاطمة عليها السلام، ومن ولد عليّ عليه السلام، ومن ولد الحسين عليه السلام، وبأنّه التاسع من ولد الحسين عليه السلام. ولم تختصّ هذه الأخبار بالشيعة دون السنّة، فقد رواها أعاظم علماء السنّة فضلاً عن علماء الشيعة، كالبُخاريّ في صحيحه وتاريخه الكبير، ومسلم في صحيحه، وأحمد في مسنده، وابن ماجة في سننه، وأبي داود في سننه، والترمذيّ في جامعه، والطبرانيّ في معاجمه ا لثلاثة: الصغير والأوسط والكبير، والحاكم النيسابوريّ في المستدرك على الصحيحَين، والطيالسيّ في مسنده، وعبدالرزّاق الصنعانيّ في المصنّف، والحميديّ في مسنده، وابن أبي شيبة في المصنّف، وأبي يعلى الموصليّ في مسنده، والبزّار في مسنده، وابن حبّان في صحيحه، والبيهقيّ في البعث والنشور ، والديلميّ في فردوس الأخبار، والبغويّ في مصابيح السنّة، وابن الأثير في جامع الاُصول، والهيثميّ في مجمع الزوائد، والسيوطيّ في الدرّ المنثور والجامع الصغير والعُرف الورديّ، والمتّقي الهنديّ في كنز العمّال، وأبي نعيم الأصبهانيّ في أخبار أصبهان، وكثير غيرهم.


كما صُنّفت في موضوعه كتب كثيرة، منها: الفتن لنعيم بن حمّاد المروزيّ، ومناقب المهديّ لأبي نعيم الأصبهانيّ، والملاحم لأحمد بن جعفر البغداديّ المعروف ب ابن المنادي ، والسُّنن لعثمان بن سعيد الدانيّ، وعِقد الدرر في أخبار المنتظر للشافعيّ السلميّ، والبيان للكنجيّ الشافعيّ، والبرهان للمتّقي الهنديّ، والعُرف الورديّ في أخبار المهديّ للسيوطيّ، والمشرب الورديّ في مذهب المهديّ للهرويّ الحنفيّ القاري، وفرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر لمرعي بن يوسف الحنبليّ، والإشاعة للبرزنجيّ، وغيرها.]



فهؤلاء الأئمّة المعصومون


[
في ش1 : وهؤلاء الأئمّة الفضلاء المعصومون.]

الذين بلغوا الغاية


[
في ش2 : العلية.]

في الكمال، ولم يتّخذوا ما اتّخذ غيرُهم من الأئمّة المشتغلين


[
في ش2 : الأئمّة المتغلّبين المشتغلين.]

بالمُلك وأنواع المعاصي والملاهي وشُرب الخمور، والفُجور حتّى بأقاربهم


[
في ش1 : أتوا ربّهم.]

على ما هو المتواتر من الناس.


قالت الإماميّة: فاللَّه يحكم بيننا وبين هؤلاء وهو خير الحاكمين.


وما أحسن قول بعض الناس:





  • إذا شئتَ أَن ترضَى لنفسِكَ مذهباً
    وتعلَمَ أنّ الناسَ في نَقلِ أخبارِ



  • وتعلَمَ أنّ الناسَ في نَقلِ أخبارِ
    وتعلَمَ أنّ الناسَ في نَقلِ أخبارِ





وأَحْمَدَ


[
في ر : قول الشافعيّ وأحمد - ومالك.]

والمرويَّ عن كَعبِ أَحبارِ


ووالِ اُناساً


[
في ش2 : رجالاً.]






  • روى جدُّنا عن جبرئيلَ عن الباري
    وما أظنُّ أحداً من المحصّلين



  • وما أظنُّ أحداً من المحصّلين
    وما أظنُّ أحداً من المحصّلين



[
في ش1 : المخلصين.]

وقف على هذه المذاهب، فاختار غير مذهب الإماميّة باطناً، وإن كان في الظاهر يصير إلى غيره طلباً للدنيا، حيث وضعت لهم المدارس والربط والأوقاف حتّى تستمرّ لبني العبّاس الدعوة، ويشيّدوا للعامّة اعتقاد إمامتهم.


وكثيراً ما رأينا مَن يدين


[
في ش1 و ش2 : يتديّن.]

في الباطن بمذهب الإماميّة، ويمنعه عن إظهاره حبّ الدنيا وطلب الرياسة، وقد رأيتُ بعض أئمّة الحنابلة


[
في ر : بعض الحنابلة.]

يقول: إنّي على مذهب الإماميّة، فقلتُ له: لِمَ تدرس على مذهب الحنابلة؟ فقال: ليس في مذهبكم البغلات


[
في ش2 : الغلات.]

والمشاهرات.


[
في ر : المسامرات.]

وكان أكبر مدرّسي الشافعيّة في زماننا حيث


[
في ش2 : حين.]

توفّي أوصى بأن يتولّى أمره في غسله وتجهيزه بعض المؤمنين، وأن يُدفن في مشهد الكاظم عليه السلام، وأشهد عليه أنّه على دين الإماميّة.


ان الإمامية لم يذهبوا- كسواهم- إلي التعصب في غير الحق



إنّ الإماميّة لم يذهبوا إلى التعصّب في غير الحقّ


[
في ش1 و ش2 زيادة: بخلاف غيرهم.]

، فقد ذكر الغزاليّ والمتولي-


[
في الصراط المستقيم للبياضيّ: المزنيّ.]

وكانا إمامَيْن للشافعيّة - أنّ تسطيح القبور هو المشروع، لكن لمّا جعلته


[
في ش2 : جعله.]

الرافضة شعاراً لهم، عدلنا عنه


[
في ش1 : عنهم.]

إلى التسنيم


[
ذكره البياضيّ العامليّ في الصراط المستقيم 206:3 نقلاً عن الغزاليّ في الذخيرة والمزنيّ. والتسنيم: رفع القبور، وهو خلاف التسطيح.]



وذكر الزمخشريّ - وكان من أئمّة الحنفيّة - في تفسير قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ
[
الأحزاب: 43.]

أنّه يجوز بمقتضى هذه الآية أن يُصلَّى على آحاد المسلمين، لكن لمّا اتّخذت الرافضة ذلك في أئمّتهم، منعناه


[
انظر تفسير الكشّاف 558:3، في تفسير الآية 56 من سورة الأحزاب.]



وقال مصنّف الهداية من الحنفيّة: المشروع التختّم في اليمين، لكن لمّا اتّخذته الرافضة عادة، جعلنا التختّم في اليسار


[
الصراط المستقيم 206:3؛ وقال:


وقال الكنجيّ في كفاية الطالب : إنّ عليّاً كان يتختّم باليمين. وقال الترمذيّ والسجستانيّ وابن حنبل وابن ماجة وأبو يعلى المحتسب والسلميّ والبيهقيّ، وهو في صحيحي مسلم والبخاريّ: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله والعترة والصحابة تختّموا في أيمانهم. وعدّ الجاحظ في كتاب نقوش الخواتيم أنّ الأنبياء من آدم إلى النبيّ صلى الله عليه وآله تختّموا في أيمانهم. وخَلَعَهُ ابنُ العاص من يمينه ولبسه في شماله وقت التحكيم. وذكر الراغب في المحاضرات أنّ أوّل من تختّم في اليسار معاوية، فلبسُ المخالف في شماله علامة ضلالته باستمراره على خلع عليّ من إمامته انتهى كلامه.


وقال الزمخشريّ في ربيع الأبرار 24:5: ذكر السلاميّ "وهو أبوالحسن محمّد بن عبداللَّه بن محمّدالمخزوميّ" أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان يتختّم في يمينه والخلفاء بعده، فنقله معاوية إلى اليسار، فأخذ المروانيّة بذلك، ثمّ نقله السفّاح إلى اليمين فبقي إلى أيّام الرشيد، فنقله إلى اليسار، فأخذ الناس بذلك. وروي عن عمرو بن العاص أنّه سلّه يوم التحكيم من يده اليمنى وجعله في اليُسرى، وقال: خلعتُ عليّاً من الخلافة كما خلعتُ خاتمي من يميني، وجعلتُها إلى معاوية كما أدخلتُ خاتمي في يساري.


ثمّ روى الزمخشريّ في ربيع الأبرار 24:5 عن عائشة أنّها قالت: كان النبيّ صلى الله عليه وآله يتختّم في يمينه، وقُبض صلى الله عليه وآله والخاتم في يمينه.


وروى في ص28 عن جابر بن عبداللَّه، قال: تختّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في يمينه.]

؛ وأمثالُ ذلك كثير.


فانظر إلى من يغيّر الشريعة ويبدّل الأحكام التي ورد بها


[
في ش1 : أوردها.]

النبيّ صلى الله عليه وآله، ويذهب إلى ضدّ الصواب؛ معاندةً لقومٍ معيّنين، هل يجوز اتّباعه والمصير إلى أقواله؟ مع أنّهم ابتدعوا أشياء اعترفوا بأنّها بدعة


[
روى مالك في الموطّأ |72:1/ ح154| عن مالك؛ وابنُ أبي شيبة في المصنّف |189:1/ ح2162 - 2159| عن هشام بن عروة، عن إسماعيل "واللفظ لمالك"، أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلى عمر بن الخطّاب يؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح.


وروى عبدالرزّاق في المصنّف |472:1/ ح1827| عن ابن جريج، عن ابن مسلم، أنّ رجلاً سأل طاووس فقال: يا أبا عبدالرّحمن، متى قيل الصّلاة خير من النوم ؟ فقال طاووس: أمّا إنّها لم تقل على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.


وروى عبدالرزّاق أيضاً |427:1/ ح1829| عن ابن جريج، قال: أخبرني عمر بن حفص، أنّ سعداً أوّل من قال الصلاة خيرٌ من النوم في خلافة عمر، فقال: بدعة! ثمّ تركه.


وروى عبدالرزّاق في المصنّف أيضاً |427:1/ ح1832| عن مجاهد، قال: كنتُ مع ابن عمر، فسمع رجلاً يثوّب في المسجد "أي يقول: الصلاة خير من النوم"، فقال: اخرُج بنا من عند هذا المبتدع.


وروى ابن أبي شيبة في المصنّف |190:1/ ح2170| عن عبدالرّحمن بن أبي ليلى، قال: ما ابتدعوا بدعة أحبّ إليّ من التثويب في الصلاة.


وروى ابن أبي شيبة أيضاً |189:1/ ح2167| عن الأسود بن يزيد، أنّه سمع مؤذّناً يقول في الفجر الصلاة خير من النوم ، فقال: لا يزيدون في الأذان ما ليس منه.]

، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة فإنّ مصيرها إلى النار


[
بحار الأنوار401:2 عن أمالي الطوسيّ بإسناده عن جابر بن عبداللَّه، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال في خطبة له: إنّ أحسن الحديث كتاب اللَّه، وخير الهدى هدى محمّد، وشرّ الاُمور محدثاتها، وكلّ بدعة محدثة، وكلّ بدعة ضلالة - الحديث.


وفي 309: 2 منه، عن مجالس المفيد بإسناده عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام، قال: صعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله المنبر فتغيّرت وجنتاه، والتمع لونُه، ثمّ أقبل بوجهه فقال: أيّها المسلمين، إنّما بُعثت أنا والساعة كهاتَين - قال: ثمّ ضمّ السبّابتين - ثمّ قال: يا معشر المسلمين، إنّ أفضل الهدى هدى محمّد، وخير الحديث كتاب اللَّه، وشرّ الاُمور محدثاتها، ألا وكلّ بدعة ضلالة، ألا وكلّ ضلالة ففي النار - الحديث.]

؛ وقال صلى الله عليه وآله: مَن أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ عليه


[
المبسوط للسرخسيّ 40:2.]

، ولو رُدّوا عنها كرهته نفوسهم ونفرت قلوبهم، كذكر الخلفاء في خطبتهم، مع أنّه بالإجماع لم يكن في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين، ولا في زمن بني اُميّة، ولا في صدر ولاية العبّاسيّين، بل هو شي ء أحدثه المنصور لِما وقع بينه وبين العلويّة، فقال: واللَّه لأرغمنّ أنفي واُنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي، وذَكَرَ الصحابة في خطبته، واستمرّت هذه البدعة إلى هذا الزمان


[
الصراط المستقيم 204:3.]



وكمسح الرِّجلَين الذي نصّ عليه اللَّه تعالى في كتابه العزيز، فقال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ


[
المائدة: 6.]

، قال ابن عبّاس: عُضوان مغسولان وعضوان ممسوحان


[
الرسالة السعديّة للحلّيّ: 90؛ وانظر: تفسير ابن كثير 25: 2، وكنز العمّال 103:5.]

؛ فغيّروه وأوجبوا الغسل.


وكالمتعتَين اللّتَين ورد بهما القرآن، فقال في متعة الحجّ: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ


[
البقرة: 196.]

وتأسّف النبيّ صلى الله عليه وآله على فواتها لمّا حجّ قارناً، وقال: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ لما سُقْتُ الهديَ


[
تفسير الدرّ المنثور 217:1.]



وقال في متعة النساء: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ


[
النساء: 24.]

، واستمرّ فعلها


[
في ش1 : فعلهما.]

مدّة زمان النبيّ صلى الله عليه وآله، ومدّة خلافة أبي بكر وبعض خلافة عمر، إلى أن صعد المنبر وقال: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما


[
انظر: تفسير القرطبيّ 370:2؛ تفسير الرازيّ 50:10، ذيل الآية؛ كنز العمّال 16/ ح45715 و45722؛ الصراط المستقيم 277:3 عن الطبريّ في كتاب المسترشد.


وقال: لمّا سأل يحيى بن أكثم رجلاً بصريّاً: بمَن اقتديتَ في تحليل المتعة؟ قال: بعمر بن الخطّاب حيث قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه، أنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما ، فقَبِلنا شهادتَه ولم نقبل تحريمه.]



ومنع أبوبكر فاطمة عليها السلام إرثها


[
انظر: صحيح البخاريّ 1162:3/ ح2926؛ و1481:4/ ح3810؛ و2474:6/ ح6346؛ صحيح مسلم 1380:6/ ح1759؛ مسند أحمد 6:1؛ طبقات ابن سعد 18:8. وانظر: الدرّ المنثور للسيوطيّ، ذيل قوله تعالى وَآتِ ذَاالْقُرْبى حَقَّهُ |الإسراء: 26|؛ قال: وأخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخُدريّ، قال: لمّا اُنزلت هذه الآية وَآتِ ذَاالْقُرْبى حَقَّهُ دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فأعطاها فدكاً.


وقال: أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت وَآتِ ذَاالْقُرْبى حَقَّهُ أقطع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فدكاً.


ونقل ذلك عن أبي سعيد كلٌّ من: الهيثميّ في مجمع الزوائد 49:7؛ والمتّقي في كنز العمّال 158:2 عن الحاكم في تاريخه، وابن النجّار؛ والذهبيّ في ميزان الاعتدال 228:2، وغيرهم من علماء العامّة.]

، فقالت له: يابن أبي قحافة! أترث أباك ولا أرث أبي؟!


والتجأ في ذلك إلى رواية انفرد بها - وكان هو الغريم لها؛ لأنّ الصدقة تحلّ له-


[
يقصد أنّ أبا بكر منع الزهراء عليها السلام من إرث أبيها، وتمسّك برواية تجعل تركة النبيّ صلى الله عليه وآله صدقة للمسلمين - والخليفة منهم - فيكون أبوبكر قد جرّ النفع إلى نفسه.]

أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: نحن معاشر الأنبياء لانورّث ما تركناه صدقة، على ما رووه عنه؛ والقرآن يُخالف ذلك، لأنّ اللَّه تعالى قال: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُم


[
النساء: 11.]

، ولم يجعل اللَّه تعالى ذلك خاصّاً بالاُمّة دونه صلى الله عليه وآله، وكذّب روايتهم، فقال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ


[
النمل: 16.]

، وقال تعالى عن زكريّا: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً، يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ


[
مريم: 6 - 5.]



ولمّا ذكرت فاطمة عليها السلام أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهبها فدكاً، قال لها: هاتِ أسود أو أحمر يشهد لك بذلك! فجاءت باُمّ أيمن فشهدتْ لها بذلك، فقال: امرأة لا يُقبل قولها! وقد رووا جميعاً أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: اُمُّ أيمن "امرأة"


[
ساقطة من ش1 .]

من أهل الجنّة


[
الإصابة 432:2 في ترجمة اُمّ أيمن، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: مَن سرّه أن يتزوّج امرأة من الجنّة، فليتزوّج اُمّ أيمن.]



فجاء أميرالمؤمنين فشهد لها، فقال: هذا بعلُك يجرّهُ إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لك! وقد رووا جميعاً أنْ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: عليّ مع الحقّ، والحقّ مع عليّ


[
في ش1 : والحقّ معه.]

يدور معه حيث


[
في ش1 : حيثما.]

دارد، لن يفترقا حتّى يردا عَليَّ الحوض


[
رواه الخطيب البغداديّ في تاريخ بغداد 321:14 بإسناده عن أبي ثابت مولى أبي ذر، بلفظ: عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة.


ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحَين 124:3 بإسناده عن اُمّ سلمة، بلفظ: عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لن يتفرّقا حتّى يردا علي الحوض؛ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.


ورواه الهيثميّ في مجمع الزوائد 235:7-236 عن سعد بن أبي وقّاص، بلفظ: عليّ مع الحقّ أو الحقّ مع عليّ حيث كان. وفي 134:9 عن اُمّ سلمة بلفظ: عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ.


وروى الديلميّ في الفردوس 64:3/ ح4179؛ والمتّقي الهنديّ في كنز العمّال 11/ ح32910، عن ابن عبّاس مرفوعاً: عليّ بن أبي طالب باب حطّة، مَن دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً .


وروى الخوارزميّ في مناقبه: 105 عن أبي أيّوب الأنصاريّ حديثاً جاء فيه يا عمّار، إذا رأيتَ عليّاً سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره، فاسلُك مع عليٍّ ودَع الناس، إنّه لن يدليك في ردى، ولن يُخرجك من الهدى - الحديث.]

، فغضبت فاطمة عليها السلام عند ذلك وانصرفتْ وحلفتْ لا تكلّمه ولا صاحبه حتّى تلقى أباها وتشكو إليه، فلمّا حضرتها الوفاة أوصتْ عليّاً أن يدفنها ليلاً ولا يدع أحداً منهم يصلّي عليها


[
صحيح البخاريّ 2474:6/ ح6346، وفيه: فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتّى ماتت ؛ ومسند أحمد 6:1/ ح26؛ و9:1-10/ ح56.]



وقد رووا جميعاً أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: يا فاطمة، إنّ اللَّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك


[
رواه الحاكم في المستدرك 154:3 بإسناده عن عليّ عليه السلام؛ ومن المصادر التي روته: الإصابة لابن عبدالبرّ 56: 8؛ المعجم الكبير للطبرانيّ 108:1/ ح182؛ و401:22/ ح1001؛ مجمع الزوائد 203:9.]



ورووا جميعاً أنّه قال: فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللَّه


[
صحيح البخاريّ 1361: 3/ ح3510؛ و1374: 3/ ح3556 ورواه أحمد في مسنده 5:4/ ح15691 عن عبداللَّه بن الزبير، عن النبيّ صلى الله عليه وآله بلفظ: إنّها فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها ؛ وفي 323:4/ ح18428 عن المسوّر بن مخرمة، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بلفظ فاطمة مضغة منّي، يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما بسطها - الحديث. ورواه الهيثميّ في مجمع الزوائد 203:9/ باب مناقب فاطمة عن المسوّر بن مخرمة بلفظ فاطمة شجنة منّي، يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها .]



ولو كان هذا الخبر


[
أي الخبر الذي رواه أبوبكر منفرداً نحن معاشر الأنبياء لا نورّث .]

حقّاً، لما جاز له ترك البغلة التي خلّفها النبيّ صلى الله عليه وآله وسيفه وعمامته عند أميرالمؤمنين عليه السلام، ولما حكم به له لمّا ادّعاها العبّاس.


[
رواه ابن حبّان في صحيحه |578 - 575: 14/ ح6608| بإسناده عن مالك بن أوس بن الحدثان؛ والغريب أنّه روى فيه عن عمر قوله: إنّي سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: لا نورِّث ما تركنا صدقة ، ثمّ بدا لي أن أدفعه إليكما. فكيف بدا لعمر في بغلة رسول اللَّه وسيفه ولم يُبدَ له في فدك؟!! وكيف يشهد أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يصرّح بأنّ تركته صدقة، ثمّ يحكم فيها بخلاف قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟! وانظر أيضاً: مسند أبي عوانة 246:4/ ح6666.]

ولكان أهل البيت الذين طهّرهم اللَّه تعالى في كتابه عن الرجس مرتكبين ما لا يجوز، لأنّ الصدقة عليهم محرّمة.


بعد ذلك جاء مال البحرَين، وعنده جابر بن عبداللَّه الأنصاريّ، فقال له: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لي: إذا أتى مال البحرَيْن حثوتُ لك ثمّ حثوت


[
في ش1 : حبوت لك ثمّ حبوت.]

لك - ثلاثاً -. فقال له: تقدّم فخُذ بعدّتها


[
في ش1 و ش2 : بعددها.]

، فأخذ من مال بيت المسلمين من غير بيّنة، بل لمجرّد الدعوى


[
ذكر ذلك أحمد في مسنده 310:3/ ح3917.]



وقد روت الجماعة كلّهم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال في حقّ أبي ذر: ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر


[
مسند أحمد 163:2/ ح6483.]

، ولم يسمّوه صدّيقاً، وسمّوا أبابكر بذلك


[
في ش2 : صدّيقاً.]

، مع أنّه لم يُروَ


[
في ش1 و ش2 : يرد.]

مثل ذلك في حقّه.


وسمّوه خليفة رسول اللَّه، مع أنّ رسول اللَّه


[
في ش1 : مع أنّ الرسول. وفي ش2 : والرسول.]

صلى الله عليه وآله لم يستخلفه في حياته ولا بعد وفاته عندهم، ولم يسمّوا أميرالمؤمنين عليه السلام خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مع أنّه استخلفه في عدّة مواطن


[
في ش2 : مواضع.]

، منها أنّه استخلفه على المدينة في غزاة تبوك، وقال له: إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك، أما


[
في ش2 : أوما.]

ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟!


[
ويُعرف ب حديث المنزلة ؛ وهو من الأحاديث المشهورة؛ رواه البخاريّ في صحيحه |1359:3/ ح3503 باب مناقب عليّ بن أبي طالب|، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله لعليّ: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ ورواه في 3: 6/ باب غزوة تبوك بلفظ ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟ .


ورواه مسلم في صحيحه 1870:4/ ح2404 بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص؛ ورواه الترمذيّ في صحيحه 640:5/ ح3730 بإسناده عن جابر بن عبداللَّه؛ وفي 638:5/ ح3724 و641:5/ ح3731 بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص؛ ورواه أحمد في مسنده 173:1/ ح1493، و177:1/ ح1535؛ ورواه أيضاً الطبريّ في تاريخه 143:3؛ والحاكم في المستدرك 132:3؛ والهيثميّ في مجمع الزوائد 108:9؛ والسيوطيّ في تاريخ الخلفاء: 114؛ والفخر الرازيّ في تفسيره 636:3؛ وابن عبدالبرّ في الاستيعاب 34:3 وكثيرون غيرهم.


ويجدر بنا أن نذكر أوّلاً بأنّ حديث المنزلة لا ينحصر بغزوة تبوك، بل ورد في مناسبات كثيرة، كحديث العشيرة وحديث المؤاخاة وفي غزوة خيبر، بل ورد حديث المنزلة مطلقاً من دون ذِكر لغزوة تبوك؛ وأن نذكر ثانياً بأنّ عدداً كبيراً من الصحابة قد رووا حديث المنزلة، منهم: أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، واُمّ سلمة، وسعد بن أبي وقّاص، وابن عبّاس، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدريّ، وجابر بن عبداللَّه الأنصاريّ، وجابر بن سمرة، وزيد بن أبي أوفى، وأبو أيّوب الأنصاريّ، وحبشيّ بن جنادة، وأسماء بنت عُميس، وبريدة بن الحصيب، وأنس بن مالك، وزيد بن أرقم، وعبداللَّه بن عمر، ومالك بن الحويرث، وسواهم من الصحابة. انظر: مقتل الإمام الحسين عليه السلام للخوارزميّ 48:1؛ وكفايه الطالب للكنجيّ الشافعيّ: 285، ب 70؛ والغدير 200:3.]



وأمّر اُسامة على الجيش الذين فيهم أبوبكر وعمر، ومات ولم يعزله، ولم يسمّوه خليفة. ولمّا تولّى أبوبكر غضب اُسامة، وقال: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أمَّرني عليك، فمن استخلفك عليَّ؟!


فمشى إليه هو وعمر حتّى استرضياه؛ وكانا يسمّيانه مدّة حياتهما أميراً.


وسمّوا عمر الفاروق، ولم يسمّوا عليّاً عليه السلام بذلك، مع أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال فيه: هذا فاروق اُمّتي يفرق بين الحقّ والباطل


[
رواه الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 187 بإسناده عن ابن عبّاس، قال: ستكون فتنة، فمن أدركها منكم فعليه بخصلة من كتاب اللَّه تعالى وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو يقول: هذا أوّل مَن آمن بي، وأوّل من يصافحني، وهو فاروق هذه الاُمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو بابي الذي أُوتي منه، وهو خليفتي من بعدي.]



وقال ابن عمر: ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا ببغضهم عليّاً


[
روى الترمذيّ في سننه |635:5/ ح3717| بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ، قال: إن كنّا لنعرف المنافقين - نحن معشر الأنصار - ببغضهم عليّ بن أبي طالب؛ وعن اُمّ سلمة، قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: لا يحبّ عليّاً منافق، ولا يبغضه مؤمن. وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن صحيح. وروى هذا الحديث عن اُمّ سلمة: الطبرانيّ في المعجم الكبير |375:23/ ح886|، وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 28 باختلاف يسير؛ ثمّ قال ابن الجوزيّ: وقال الترمذيّ أيضاً: كان أبوالدرداء يقول: ما كنّا نعرف المنافقين - معشر الأنصار - إلّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب.


وروى ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 46:3 عن جابر بن عبداللَّه، قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغض عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه.


وأخرج الطبرانيّ في الأوسط 76:3؛ والهيثميّ في مجمع الزوائد |133:3/ باب فيمن يحبّ عليّاً ومن يبغضه | عن جابر، قال: ما كنّا نعرف منافقينا معشر الأنصار على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا ببغضهم عليّاً.


وفي الفصول المهمّة: 125 عن أبي سعيد الخدريّ، قال: ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا ببغضهم عليّاً. وقال: وروى الترمذيّ والنسائيّ عن يزيد بن خنيس، قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: والذي فلق الحبّة وبَرَأ النَّسَمَة إنّه لعهد النبيّ الاُمّيّ أنّه لا يحبّني إلّا مؤمن، ولا يُبغضني إلّا منافق.


وفي الدرّ المنثور 66: 6 عن ابن مسعود، قال: ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب.


وروى أحمد في فضائل الصحابة |622:2/ ح 1066| عن عبداللَّه بن حنطب، عن أبيه، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله خطبهم، فقال في خطبته: يا أيّها الناس! اُوصيكم بحبّ ذي أقربها: أخي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب، فإنّه لا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يُبغضه إلّا منافق، من أحبّه فقد أحبّني، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني عذّبه اللَّه.]



وعظّموا أمر عائشة على باقي نسوانه، مع أنّه صلى الله عليه وآله كان يُكثر من ذكر خديجة بنت خويلد، وقالت له عائشة: إنّك تُكثِرُ من ذكرها وقد أبدلك اللَّه خيراً منها! فقال لها: واللَّهِ ما بُدِّلت بها مَن هو


[
في ش2 : هي.]

خير منها؛ صدَّقَتْنِي إذ


[
في ش1 : إذا.]

كذّبني الناس، وآوتني إذ


[
في ش1 : إذا.]

طردني الناس، وأسعدتني بمالِها، ورزقني اللَّهُ الولد منها ولم أُرزَق من غيرها


[
صحيح البخاريّ 1389:3/ ح3610 باب تزويج النبيّ صلى الله عليه وآله خديجة وفضلها رضي اللَّه عنها؛ مسند أحمد 117:6-118/ ح24343.]



وأذاعت سرّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله


[
انظر تفسير الكشّاف للزمخشريّ ذيل الآيتين 3 و 4 من سوره التحريم. قال: إِنْ تَتُوبَا خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما. وعن ابن عبّاس: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عنهما، حتّى حجّ وحججتُ معه، فلمّا كان ببعض الطريق عدل وعدلت معه بالأداوة، فسكبتُ الماء على يده فتوضّأ، فقلتُ: مَن هما؟ فقال: عجباً يابن عبّاس - كأنّه كره ما سألتهُ عنه - ثمّ قال: هما حفصة وعائشة. ورواه البخاريّ في صحيحه 196:6/ كتاب التفسير، ومسلم في صحيحه 190:7/ كتاب الطلاق.]

؛ وقال لها النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّك تقاتلين عليّاً وأنتِ ظالمة


[
انظر المستدرك للحاكم 119:3-120؛ تاريخ الطبريّ 170:5.]



ثمّ إنّها خالفت أمر اللَّه تعالى في قوله وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ


[
الأحزاب: 33.]

وخرجت مع ملأ من الناس تقاتل عليّاً عليه السلام على غير ذنب، لأنّ المسلمين أجمعوا على قتل عثمان، وكانت هي كلّ وقت تأمر بقتله


[
في ش2 : هي تأمر كلّ وقتٍ بقتله.]

وتقول: اقتُلوا نعثلاً


[
نعثل: إسم يهوديّ عظيم اللحية في المدينة، فشبّهت عائشةُ عثمانَ به.]

، قتل اللَّه نعثلاً!


[
روى الطبريّ في تاريخه 12:3؛ وابن الأثير في الكامل 206:3، أنّ عائشة لمّا سمعت بمقتل عثمان وعلمِت أنّ الناس بايعوا عليّاً عليه السلام، قالت: واللَّهِ وددتُ أنّ هذه انطبقت على هذه - تعني السماء والأرض - ردّوني ردّوني...، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول: قُتل - واللَّهِ - عثمان مظلوماً، واللَّهِ لاُطالبنّ بدمه؛ فقال لها ابن اُمّ كلاب: ولِمَ؟! فواللَّهِ إنّ أوّل مَن أمال حَرْفَه لأنتِ، ولقد كنتِ تقولين: اقتُلوا نعثلاً فقد كفر. ثمّ أنشأ يقول:





  • فمِنكِ البداءُ ومنكِ الغِيَرْ
    وأنتِ أمرتِ بقتل الإمامِ
    فهَبْنا أطعناكِ في قتلِه
    ولم يسقط السقفُ من فوقنا
    وقد بايع الناسُ ذا تدرءٍ
    ويلبس للحرب أثوابها
    وما مَن وفى مثل مَن قد غدر.]



  • ومِنكِ الرياحُ ومنك المطرْ
    وقلتِ لنا إنّه قد كَفَرْ
    وقاتلُه عندنا مَن أمر
    ولم تنكسف شمسُنا والقمر
    يُزيل الشّبا ويُقيم الصّعر
    وما مَن وفى مثل مَن قد غدر.]
    وما مَن وفى مثل مَن قد غدر.]




فلمّا بلغها قتله فرحت بذلك، ثمّ سألت: من تولّى الخلافة؟ فقالوا: عليّ عليه السلام. فخرجت لقتاله


[
في ش2 : تقاتله.


وروى ابن سعد في الطبقات 40: 3 وأبوالفرج الأصفهانيّ في مقاتل الطالبيّين: 26 و27 أنّ عائشة لمّا بلغها مقتل أميرالمؤمنين عليه السلام سجدت وتمثّلت بالشعر المعروف:




  • فألقت عصاها واستقرّ بها النوى
    كما قرّ عَيناً بالإيابِ المسافرُ



  • كما قرّ عَيناً بالإيابِ المسافرُ
    كما قرّ عَيناً بالإيابِ المسافرُ




وروى ابن عبدالبرّ في الاستيعاب في ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام أنّ عائشة لمّا بلغها قتلُ عليّ قالت: لتصنع العربُ ما شاءت، فليس لها أحدٌ ينهاها!.]

على دم عثمان.


فأيُّ ذنبٍ كان لعليٍّ عليه السلام على ذلك؟ وكيف استجاز طلحة والزبير


[
في ش1 و ش2 بزيادة: وغيرهما.]

مطاوعتها على ذلك؟ وبأيِّ وجهٍ يلقون رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟ مع أنّ الواحد منّا لو تحدّث على امرأة غيره وأخرجها من منزله


[
في ش2 : منزلها.]

وسافر بها، كان أشدّ الناس عداوة؟!


وكيف أطاعها على ذلك عشرات اُلوف من المسلمين، وساعدوها على حرب أميرالمؤمنين عليه السلام، ولم ينصر أحد منهم بنتَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لمّا طلبتْ حقّها من أبي بكر، ولا شخص واحد بكلمة واحدة؟!


وسمّوها اُمّ المؤمنين ولم يسمّوا غيرها بذلك.


ولم يسمّوا أخاها محمّد بن أبي بكر - مع عظم شأنه وقُرب منزلته من أبيه ومن اُخته عائشة اُمّ المؤمنين-


[
في ش2 : من اُخته عائشة.]

خالَ المؤمنين "وسمّوا معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين"


[
مابين القوسين ساقط من ش2 .]

لأنّ اُخته اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان بعض زوجات النبيّ صلى الله عليه وآله، واُختُ محمّد بن أبي بكر وأبوه أعظم من اُخت معاوية ومن أبيها


[
في ش2 : وأبيها.]

، مع أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعن معاوية الطليق


[
الطليق: الذي اُسِر ثُمّ اُطلق. وقد صحّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لمّا دخل مكّة يوم الفتح قال لأهلها: إذهبوا فأنتم الطلقاء!]

ابن الطليق اللّعين، وقال: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتُلوه!


[
انظر طرق الحديث في كتاب الغدير 142:10-145.]



وكان من المؤلّفة قلوبهم، وقاتل عليّاً وهو عندهم رابع الخلفاء إمام حقّ، وكلّ من حارب إمام حقّ فهو باغٍ ظالم


[
قال سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 286: ذكر علماءُ السير عن الحسن البصريّ أنّه قال: قد كانت في معاوية هنات لو لقي أهل الأرض لكفاهم: وُثوبه على هذا الأمر واقتطاعه من غير مشورة من المسلمين، وادّعاؤه زياداً، وقتلُه حجر بن عديّ وأصحابه، وتوليته مِثل يزيد على الناس.]



وسبب ذلك محبّة محمّد بن أبي بكر لعليٍّ عليه السلام ومفارقته لأبيه، وبُغض معاوية لعليّ ومحاربته له.


وسمّوه كاتب الوحي، ولم يكتب له كلمة واحدة من الوحي، بل كان يكتب له رسائل، وقد كان بين يدَي النبيّ صلى الله عليه وآله


[
في ش1 : رسول اللَّه.]

أربعة عشر نفساً يكتبون الوحي، أوّلهم وأخصّهم به وأقربهم إليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام


[
في ش2 : أوّلهم عليّ بن أبي طالب وأخصّهم وأقربهم إليه.]

، مع أنّ معاوية لم يزل مشركاً مدّة


[
في ش1 و ش2 : في مدّة.]

كَون النبيّ صلى الله عليه وآله مبعوثاً


[
روى الطبرانيّ في المعجم الكبير |14: 20/ ح13| عن المسوّر بن مخرمة حديث صُلح الحديبيّة، وقال فيه بأنّه لمّا أنزل اللَّه تعالى وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ |الممتحنة: 10| طلّق عمر يومئذ امرأتَين كانت له في الشِّرك، فتزوّج إحداهنّ معاوية بن أبي سفيان - وكان مُشركاً - والاُخرى صفوان بن اُميّة.]

، يكذّب بالوحي ويهزأ بالشرع، وكان باليمن يوم الفتح


[
في ش2 : يوم الفتح فتح مكّة.]

يطعن على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ويكتب إلى أبيه صخر بن حرب يعيّره بإسلامه، ويقول له: أصبوتَ إلى دين محمّد؟!


[
في ش1 : يا لهم فوتاً وحنظلة. وفي ش2 : يا لهم قوماً وحنظلة. وفي ر سقطت كلمة قوماً ؛ والنصّ المثبت ملفّق من ر و ش2 .]

المُهدي لنا الأَرَقا




  • فالموتُ أهون من قولِ الوشاة لنا
    خلّى ابنُ هندٍ عن العُزَّى كذا فَرَقا



  • خلّى ابنُ هندٍ عن العُزَّى كذا فَرَقا
    خلّى ابنُ هندٍ عن العُزَّى كذا فَرَقا



[
تذكرة الخواصّ: 201؛ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 118 - 117: 1، حيث ذكر الأبيات في رواية طويلة تضمّنت احتجاج الإمام الحسن عليه السلام على معاوية.]



والفتحُ كان في شهر رمضان، لثمان سنين من قدوم النبيّ صلى الله عليه وآله المدينة، ومعاوية حينئذٍ


[
في ش1 : يومئذ.]

مُقيم على الشرك


[
في ش1 و ش2 : على شِركه.]

، هارب من النبيّ صلى الله عليه وآله لأنّه قد هدر دمه؛ فهرب إلى مكّة، فلمّا لم يجد له مأوى صار إلى النبيّ صلى الله عليه وآله مضطرّاً فأظهر الإسلام، وكان إسلامه قبل موت النبيّ صلى الله عليه وآله بخسمة أشهر، وطرح نفسه على العبّاس، فسأله فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فعفا عنه، ثمّ شفع إليه أن يشرّفه ويُضيفه إلى جُملة الكُتّاب، فأجابه وجعله واحداً من أربعة عشر.


فكم كان يخصّه من الكتابة في هذه المدّة - لو سلّمنا أنّه كان كاتب الوحي - حتّى استحقّ أن يُوصف بذلك دون غيره


[
قال ابن قيّم الجوزيّة في المنار المنفيف: 116، وفي نقد المنقول: 106: ومن ذلك ما وضعه بعض جهلة أهل السنّة في فضائل معاوية بن أبي سفيان؛ قال إسحاق بن راهويه: لا يصحّ في فضائل معاوية بن أبي سفيان عن النبيّ صلى الله عليه وآله شي ء.]

؟ مع أنّ الزمخشريّ من مشايخ الحنفيّة ذكر في ربيع الأبرار أنّه ادّعى بُنوّته أربعة نفر


[
ربيع الأبرار 447:4؛ قال: وكان معاوية يُعزى إلى أربعة: إلى مُسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد، وإلى العبّاس بن عبدالمطّلب، وإلى الصباح مغنٍّ أسود كان لعمارة.


قالوا: كان أبو سفيان دميماً قصيراً، وكان الصباح عسيفاً لأبي سفيان شابّاً وسيماً، فدعته هند إلى نفسها، وقالوا: إنّ عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضاً، وأنّها كرهتْ أن تضعه في منزلها، فخرجت به إلى "أجياد" فوضعته هناك، وفي ذلك يقول حسّان:




  • لمن الصبيُّ بجانِبِ البطحاء
    نَجِلَتْ بهِ بيضاءُ آنسةٌ
    مِن عبدِ شَمسٍ صلتة الخَدِّ



  • في التُّرْبِ مُلقىً غيرَ ذِي مَهْدِ
    مِن عبدِ شَمسٍ صلتة الخَدِّ
    مِن عبدِ شَمسٍ صلتة الخَدِّ




وذكره سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 202 عن الأصمعيّ وهشام بن محمّد الكلبيّ في كتابه المسمّى بالمثالب.]



على أنّ من جُملة كَتَبَة الوحي ابن أبي سرح، وارتدّ مشركاً، وفيه نزل وَلكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ


[
النحل: 106.]



وقد روى عبداللَّه بن عمر، قال: أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وآله فسمعته يقول: يطلع عليكم رجل يموت على غير سُنّتي! فطلع معاوية


[
تاريخ الطبريّ 357:11 "نقلاً عن كتاب الغدير"؛ التعجّب للكراجكيّ: 39؛ وانظر إسناد الحديث في الغدير 141:10-142.]



وقام النبيّ صلى الله عليه وآله يوماً يخطب، فأخذ معاوية بيد ابنه يزيد


[
الأصوب: أخذ بيد أخيه يزيد؛ ويؤيّده ما رواه الطبريّ في تاريخه 357:11، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال - وقد رأى أبا سُفيان على حمارٍ ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه يسوق به -: لعن اللَّهُ القائد والراكب والسائق! ومن المعلوم أنّ يزيد لم يُدرك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.]

وخرج ولم يسمع الخطبة، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: لعن اللَّهُ القائد والمَقود! وأيّ يومٍ يكون لهذه الاُمّة من معاوية ذي الإساءة؟


[
انظر تاريخ الطبريّ 357:11؛ تذكرة الخواصّ: 201؛ وانظر الغدير 139:10-140.]



وبالغ في محاربة عليّ عليه السلام، وقتل جمعاً كثيراً من خيار الصحابة


[
في ش2 : من الصحابة.


حيث قتل معاوية شيخ القرّاء حجر بن عديّ الكنديّ وأصحابه بعد أن أعطاهم المواثيق والعهود، قتلهم صبراً بمرج عذراء، وقتل حامل راية النبيّ صلى الله عليه وآله: عمرو بن الحمق الخزاعيّ. انظر: اُسد الغابة 358:1.]

، ولعنَهُ على المنابر، واستمرّ سبّه مدّة ثمانين سنة إلى أن قطعه عمر بن عبدالعزيز؛ وسمَّ الحسن عليه السلام؛ وقتل ابنه يزيدُ مولانا الإمامَ الحسين عليه السلام


[
في ش1 و ش2 : مولانا الحسين بن علي ونهب نساءه وحرمه.]

، وكسر أبوه


[
في ش1 و ش2 : جدّه؛ فيكون الضمير عندئذٍ راجعاً إلى يزيد؛ أمّا عند اختيار لفظ أبوه فيكون الضمير راجعاً إلى معاوية.]

ثنيّة النبيّ صلى الله عليه وآله، وأكلت اُمّه كبد حمزة عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله


[
ذكر العلّامة القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 22:1 في حديثه عن كيفيّة وفاة النسائيّ، فقال: مات ضرباً بالأرجل من أهل الشام حين أجابهم لمّا سألوه عن فضائل معاوية ليرجّحوه بها على عليّ، بقوله: ألا يرضى معاوية رأساً برأس حتّى يفضل؟! وفي رواية: ما أعرف له فضيلة إلّا لا أشبع اللَّه بطنه ، فما زالوا يضربونه بأرجلهم حتّى اُخرج من المسجد، ثمّ حُمل إلى مكّة مقتولاً شهيداً.


ذكرها الذهبيّ في تذكرة الحفّاظ 699:2، ثمّ قال - معتذراً بما يُضحك الثكلى -: لعلّ هذه منقبة لمعاوية، لقول النبيّ صلى الله عليه وآله: اللهمّ مَن لعنتهُ أو شتمتهُ، فاجعل ذلك له زكاةً ورحمة!!


وقال ابن حجر في الصواعق المحرقة: 127: أخرج السلفيّ في الطيوريّات عن عبداللَّه بن أحمد بن حنبل، قال: سألتُ أبي عن عليٍّ ومعاوية، فقال: اعلَمْ أنّ عليّاً كان كثير الأعداء، ففتّش له أعداؤه شيئاً لم يجدوه، فجاءُوا إلى رجلٍ قد حاربه وقاتله فأطروه كَيداً منهم له.]



وسمّوا خالد بن الوليد سيف اللَّه، عناداً لأميرالمؤمنين عليه السلام الذي هو أحقّ بهذا الإسم حيث قتل بسيفه الكفّار، وثبتت


[
في ش2 : ثبت.]

بواسطة جهاده قواعدُ الدين؛ وقال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: عليّ سيف اللَّه وسهم اللَّه.


[
أمالي الطوسيّ 551 - 550/ ح1107 وفيه: عليّ سيف اللَّه يسلّه على الكفّار والمنافقين؛ أمالي الصدوق 19/ ح9، وفيه: عليّ سيف اللَّه على أعدائه، ووارث عِلم أنبيائه.]

وقال عليّ عليه السلام على المنبر: أنا سيفُ اللَّه على أعدائه، ورحمته لأوليائه


[
مائة منقبة، لمحمّد بن أحمد القمّيّ: 59، المنقبة 32.]



وخالد لم يزل عدوّاً لرسول اللَّه مكذّباً له؛ وهو كان السبب في قَتْل المسلمين في يوم اُحد، وفي كسر رباعيّة النبيّ


[
في ش2 : الرسول.]

صلى الله عليه وآله، وفي قتل حمزة "عمّه"


[
ليس في ش2 .]

، ولمّا تظاهر بالإسلام بعثه النبيّ صلى الله عليه وآله إلى بني خُزيمة


[
في سيرة ابن هشام بني جذيمة من كنانة .]

ليأخذ منهم الصدقات، فخانه وخالفه على أمره وقتل المسلمين؛ فقام النبيّ صلى الله عليه وآله في أصحابه


[
في ر : الصحابة.]

خطيباً بالإنكار عليه، رافعاً يديه إلى السماء حتّى شوهد بياض إبطيه، وهو يقول: اللّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد، ثمّ أنفذ إليهم


[
في ش1 و ر : إليه.]

أميرَالمؤمنين عليه السلام لتلافي فارطته


[
في ش1 و ش2 : فارطه.]

، وأمره أن يسترضي القوم، ففعل


[
سيرة ابن هشام 429:4-430.]



ولمّا قُبض النبيّ وأنفذه أبوبكر لقتال أهل اليمامة، قتل منهم ألفاً ومائتي نفس مع تظاهرهم بالإسلام، وقتل مالك بن نويرة صبراً، وهو مسلم، وعرّس بامرأته


[
في ش2 بزيادة: تلك الليلة. وانظر قصّته مفصّلة في الغدير 158:7-161، والصراط المستقيم 279:2-282.]



وسمّوا بني حنيفة أهل الردّة؛ لأنّهم لم يحملوا الزكاة إلى أبي بكر، لأنّهم لم يعتقدوا إمامته، واستحلّ دماءهم وأموالهم "ونساءهم"


[
مابين القوسين غير موجود في ش1 .]

، حتّى أنكر عمر عليه، فسمّوا مانع الزكاة مرتدّاً، ولم يسمّوا مَن استحلّ دماءَ المسلمين ومحاربةَ أميرالمؤمنين عليه السلام مرتدّاً، مع أنّهم سمعوا قول رسول اللَّه


[
في ش1 : النبيّ.]

صلى الله عليه وآله: يا عليّ حربُك حربي، وسِلمك سلمي


[
أمالي الطوسيّ 364/ ح763؛ و485/ ح1063؛ ينابيع المودّة 171:1-172/ ح19 الباب 16.]

ومُحارب رسول اللَّه كافر بالإجماع.


وقد أحسن بعض العقلاء في قوله: شرٌّ من إبليس مَن لم يسبقه في سالف طاعته، وجرى معه في ميدان معصيته! ولا شكّ بين العلماء أنّ إبليس كان أعبدَ الملائكة، وكان يحمل العرش وحده ستّة آلاف سنة. ولمّا خلق اللَّهُ تعالى آدم وجعله خليفة في الأرض، وأمره بالسجود فاستكبر فاستحقّ الطرد واللّعن؛ ومعاوية لم يزل في الإشراك وعبادة الأصنام إلى أن أسلم بعد ظهور النبيّ صلى الله عليه وآله بمدّة طويلة، ثمّ استكبر عن طاعة اللَّه تعالى في نصب أميرالمؤمنين عليه السلام إماماً، وتابعه


[
في ش1 و ش2 : بايعه.]

الكلّ بعد عثمان، وجلس مكانه، فكان شرّاً من إبليس.


وتمادى البعض


[
في ش1 و ش2 : بعضهم.]

في التعصّب، حتّى اعتقد إمامة يزيد بن معاوية مع ما صدر عنه من الأفعال القبيحة، من قَتْل الإمام الحسين عليه السلام، ونَهْب أمواله، وسبي نسائه والدوران بهم في البلاد على الجِمال بغير قتب، ومولانا زين العابدين عليه السلام مغلول اليدَيْن، ولم يقنعوا بقتله حتّى رضّوا أضلاعه وصدره بالخيول، وحملوا رؤوسهم على القنا، مع أنّ مشايخهم رووا أنّ يوم قتل الحسين قطرت


[
في ش2 : أنّ بقتل الحسين مطرت.]

السماء دماً


[
تذكرة الخواصّ: 272 و274؛ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 91:2-289، وقال ابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة: 197: ومكث الناس بعد قتل الحسين عليه السلام شهرين أو ثلاثة كأنّما لطخ الحائط بالدماء ساعة ما تطلع الشمس .]

؛ وقدذكر ذلك الرافعيّ في شرح الوجيز.


وذكر ابن سعد في الطبقات أنّ الحمرة ظهرت في السماء


[
في ش1 : في السماء ظهرت.]

يوم قتل الحسين ولم تُرَ قبل ذلك


[
تذكرة الخواصّ: 273، نقلاً عن طبقات ابن سعد.]

؛ وقال أيضاً: ما رُفع حجر في الدنيا إلّا وتحته الدم


[
في ش1 و ش2 : دم.]

عبيط، ولقد مطرت السماء مطراً بقي أثره في الثياب مدّة حتّى تقطّعت


[
تذكرة الخواصّ: 274، عن طبقات ابن سعد.]



قال الزهريّ: ما بقي أحد من قاتلي الحسين إلّا وعوقب في الدنيا، إمّا بالقتل، أو العمى


[
في ش2 : بالحمّى.]

، أو سواد الوجه، أو زوال المُلك في مدّة يسيرة


[
تذكرة الخواصّ: 280.]



وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يُكثر الوصيّة للمسلمين في ولدَيه الحسن والحسين ويقول لهم: هؤلاء وديعتي عندكم، وأنزل اللَّه تعالى فيهم قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى


[
الشورى: 23.]



وتوقّف جماعة ممّن لا يقول بإمامته في لعنته، مع أنّه عندهم ظالم بقتل الحسين ونهب حريمه


[
في ش2 : حرمه.]

، وقد قال اللَّه تعالى: أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ


[
هود: 18.]



وقال أبوالفَرَج ابن الجوزيّ من شيوخ الحنابلة: عن ابن عبّاس، قال: أوحى اللَّه تعالى إلى محمّد صلى الله عليه وآله: إنّي قتلتُ بيحيى بن زكريّا سبعين ألفاً، وإنّي قاتلٌ بابن بنتك فاطمة سبعين ألفاً وسبعين ألفاً


[
تذكرة الخواصّ: 280.]



وحكى السدّي - وكان من فضلائهم - قال: نزلتُ بكربلاء ومعي طعام للتجارة، فنزلنا على رَجُلٍ فتعشّينا عنده، وتذاكرنا قتْل الحسين عليه السلام، وقلنا: ما شَرَك أحد في قتل الحسين إلّا ومات أقبح موتة! فقال الرجل: ما أكذبكم! أنا شركتُ في دمه وكنتُ فيمن قتله، فما أصابني شي ءٌ.


قال: فلمّا كان في آخر الليل إذا بالصياح


[
في ش1 و ش2 : إذا أنا بصياح.]

، قلنا: ما الخبر؟ قالوا: قام الرجل يُصلح الصباح فاحترقت إصبعه، ثمّ دبّ الحريق في جسده فاحترق. قال السدّي: فأنا - واللَّهِ رأيتُه كأنّه حممة


[
في ش1 : فحمة.]


[
تذكرة الخواصّ: 282؛ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 98:2؛ الصواعق المحرقة: 195.]



وقد سأل مهنّا بن يحيى أحمدَ بن حنبل عن يزيد، فقال: هو الذي فعل ما فعل. قلت: وما فعل؟ قال: نهب المدينة.


وقال له صالح ولده يوماً: إنّ قوماً ينسبوننا إلى توالي يزيد.


فقال: يا بُنيّ، وهل يتوالى


[
في ش2 : يتولّى.]

يزيد أحدٌ يؤمن باللَّه واليوم الآخر؟


فقلت: لم لا تلعنه؟


فقال: وكيف لا ألعن مَن لعنه اللَّهُ في كتابه؟


فقلت: وأين لعن يزيد؟


فقال: في قوله فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ


[
محمّد صلى الله عليه وآله: 22 و23.]


[
تذكرة الخواصّ: 287، قال: حكى جدّي أبوالفرج عن القاضي أبي يعلى بن الفرّاء في كتابه المعتمد في الاُصول بإسناده عن صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قلت لأبي: إنّ قوماً ينسبوننا... الخ. قال: وفي رواية: لمّا سأله صالح، فقال: يا بنيّ، ما أقول في رجل لعنهُ اللَّهُ في كتابه وذكره؟!! |ربيع الأبرار 400:4| وقد ألّف أبوالفرج ابن الجوزيّ كتاباً سمّاه الردّ على المتعصّب العنيد ، ردّ فيه على عبدالمغيث بن زهير الحنبليّ "ت 597 ه" الذي ألّف كتاباً في فضائل يزيد.]



فهل يكون فساد أعظم من القتل ونهب المدينة ثلاثة أيّام وسبي أهلها؟!


[
في ش2 : وسبيها.]



وقتل جمع من وجوه الناس فيها من قريش والأنصار والمهاجرين يبلغ عددهم سبعمائة، وقتل من لم يُعرف من عبد أو حرّ أو امرأة عشرة آلاف، وخاض الناس في الدماء حتّى وصلت الدماء إلى قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وامتلأت الروضة والمسجد؛ ثمّ ضَرَبَ الكعبة بالمناجق وهدمها وأحرقها؟!


[
قال السيوطيّ في تاريخ الخلفاء ص81 في ذِكر واقعة الحرّة: وكانت واقعة الحرّة على باب طيبة، وما أدراك ما واقعة الحرّة؟! ذكرها الحسن مرّة فقال: واللَّهِ ما كان ينجو منهم أحد؛ قُتل فيها خلقٌ من الصحابة - رضي اللَّه عنهم - ومِن غيرهم، ونُهبت المدينة، وافتُضّ فيها ألف عذراء، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون؛ قال صلى الله عليه وآله: مَن أخاف أهلَ المدينة أخافه اللَّه، وعليه لعنةُ اللَّه والملائكة والناس أجمعين.


وروى ابن الجوزيّ |في الردّ على المتعصّب العنيد : 54| عن عبداللَّه بن حنظلة غسيل الملائكة، قال: يا قوم واللَّهِ ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء! إنّه رجلٌ ينكح الاُمّهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويَدَعُ الصلاة؛ واللَّهِ لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليتُ اللَّهَ فيه بلاء حسناً.


وروى ذلك أيضاً السيوطيّ في تاريخ الخلفاء: 81.]



وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ قاتل الحسين في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا


[
في ش1 : النار.]

وقد شُدّت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، مُنكّس


[
في ش2 : منكّساً.]

في النار حتّى يقع في قعر جهنّم، له ريحٌ يتعوّذ أهل النار إلى ربّهم من شدّة نتن ريحه، وهو فيها خالد ذائق للعذاب الأليم، كلّما نضجت جلودهم بدّل اللَّه لهم الجلود حتّى يذوقوا


[
في ش2 : بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا.]

العذاب، لا يفتّر عنهم ساعة ويُسقى من حميم جهنّم. الويل لهم من عذاب اللَّه عزّ وجلّ


[
مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 83:2؛ نور الأبصار: 127؛ مناقب ابن المغازليّ: 66/ ح95؛ إسعاف الراغبين: 186.]



وقال صلى الله عليه وآله: اشتدّ غضبُ اللَّه تعالى وغضبي على مَن أهراق دمي وآذاني في عِترتي


[
مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 84:2؛ مناقب ابن المغازليّ: 42 - 41/ ح64؛ وروى بعضه في 292/ ح334.]



فلينظر العاقل أيّ الفريقَين أحقّ بالأمن: الذي نزّه اللَّه تعالى وملائكته وأنبياءه وأئمّته، ونزّهوا


[
في ش2 : نزّه.]

الشراع عن المسائل الرديّة، ومن يُبطِل الصلاة بإهمال الصلاة على أئمّتهم وبذِكر أئمّة غيرهم، أم الذي فعل ضدّ ذلك واعتقد خلافه؟


فضائل أمير المؤمنين التي نقلها المخالف و المؤالف



إنّ الإماميّة لمّا رأوا فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام وكمالاته لا تُحصى، قد رواها المخالف والمؤالف، ورأوا الجمهور قد نقلوا عن


[
في ش2 : في.]

غيره من الصحابة مطاعن كثيرة، ولم ينقلوا في عليّ عليه السلام طعناً البتّة، اتّبعوا قوله وجعلوه إماماً لهم، حيث نزّهه المخالف والمؤالف، وتركوا غيره حيث روى فيه مَن يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته.


ونحن نذكر هنا شيئاً يسيراً ممّا هو صحيح عندهم ونقلوه في المعتمد


[
في ش1 و ش2 : المعتدّ.]

من كتبهم، ليكون حجّة عليهم يوم القيامة.


فمن ذلك ما رواه أبوالحسن الأندلسيّ في الجمع بين الصحاح الستّة - موطّأ مالك، وصحيحَي مسلم والبخاريّ، وسنن أبي داود، وصحيح الترمذيّ، وصحيح النسائيّ - عن اُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله، أنّ قوله تعالى إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً


[
الأحزاب: 33.]

اُنزلت


[
في ش2 : نزلت.]

في بيتها، وأنا جالسة عند الباب، فقلت: يا رسول اللَّه، ألستُ من أهل البيت؟ فقال: إنّكِ على خير، إنّك من أزواج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.


قالتْ: وفي البيت رسول اللَّه وعليّ وفاطمة وحسن وحسين، فجلّلهم بكساء وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأَذْهِبْ عنهم الرِّجس وطهِّرهم تطهيراً


[
رواه مسلم في صحيحه 1883:4/ ح2404؛ والترمذيّ في سننه 351:5/ ح3205 بإسنادهما عن عائشة؛ ورواه الترمذيّ في سننه 352:5/ ح3787 عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وقال: وفي الباب عن اُمّ سلمة ومعقل بن يسار وأبي الحمراء وأنس؛ وانظر أيضاً: أسباب النزول للواحديّ: 134؛ المستدرك على الصحيحَين 481:2؛ تفسير الطبريّ 14: 28؛ خصائص النسائيّ: 39؛ كفاية الطالب: 135، تفسير الدرّ المنثور 185:6.]



ونحوه رواه أحمد بن حنبل.


[
فضائل الصحابة 587:2/ ح994.]

وقال في قوله تعالى: إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً


[
المجادلة: 12.]

: قال أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: ما عمل بهذه الآية غيري، وبي خَفَّف اللَّه تعالى عن هذه الاُمّة أمرَ هذه الآية


[
مصنّف ابن أبي شيبة 376:7/ ح32117؛ تفسير الرازيّ 271: 29؛ تفسير الطبريّ 14: 28؛ أسباب النزول: 234؛ المستدرك على الصحيحين 481:2.]



وعن محمّد بن كعب القرظيّ، قال: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعبّاس بن عبدالمطّلب وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، فقال طلحة بن شيبة: معي مفتاح البيت، ولو أشاء بتُّ فيه! وقال العبّاس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاءُ بتُّ في المسجد.


وقال عليّ عليه السلام: ما أدري ما تقولان! لقد صلّيت إلى القبلة ستّة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد.


فأنزل اللَّه تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَيَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ


[
التوبة: 19.]


[
أسباب النزول: 139؛ تفسير الطبريّ 68:10؛ تفسير ابن كثير 241:2؛ تفسير الدرّ المنثور للسيوطيّ 218:3 ذيل الآية.]



ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك، قال: قُلنا لسلمان: سَل النبيّ عن


[
في ش1 و ش2 : من.]

وصيّه! فقال له سلمان: يا رسول اللَّه، من وَصِيُّكَ؟ فقال: يا سلمان، مَن كان وصيّ موسى؟ فقال: يوشع بن نون.


قال: قال: وصيِّي ووارثي يقضي


[
في ش1 : ومَن يقضي.]

ديني ويُنجز موعدي عليّ بن أبي طالب


[
فضائل الصحابة لأحمد 615:2/ ح1052؛ المعجم الكبير للطبرانيّ 221:6/ ح6063؛ كفاية الطالب: 292، وقال: رواه الطبرانيّ في معجمه الكبير؛ تذكرة الخواصّ: 43 عن أحمد في الفضائل.]



وعن أبي مريم، عن عليٍّ عليه السلام، قال: انطلقتُ أنا والنبيّ صلى الله عليه وآله حتّى أتينا الكعبة، فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اجلسْ! فصعد على منكبي، فذهبتُ لأنهض به، فرأى منّي ضعفاً، فنزل وجلس لي نبيّ اللَّه صلى الله عليه وآله وقال: اصعدْ على منكبي، فصعدتُ على منكبيه. قال: فنهض بي. قال: فإنّه تخيّل لي أنّي لو شئتُ لنلتُ اُفق السماء، حتّى صعدتُ على البيت وعليه تمثال صفر أو نُحاس، فجعلتُ اُزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتّى إذا استحكمتُ


[
في ش1 و ش2 : استمكنت.]

منه، قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اقذِفْ به! فقذفتُ به، فتكسّر كما تتكسّر القوارير، ثمّ نزلتُ وانطلقتُ أنا ورسولُ اللَّه نستبق حتّى تواريْنا بالبيوت خشية أن يلقانا أحدٌ من الناس


[
مسند أحمد 84:1/ ح644؛ المناقب للخوارزميّ: 124 - 123؛ خصائص النسائيّ: 113؛ المستدرك على الصحيحَين 366:2؛ ذخائر العقبى: 86 - 85، وقال: خرّجه أحمد وصاحب الصفوة.]



وعن معقل بن يسار، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لفاطمة: ألا ترضين أنّي زوّجتُك أقدم اُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً؟


[
مسند أحمد 26:5/ ح30322 ورواه أيضاً في فضائل الصحابة 764: 2/ ح1346 عن بريدة.]



عن ابن أبي ليلى، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل يس الذي قال: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ


[
يس: 20.]

وحزبيل مؤمن آل فرعون الذي قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَّقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ


[
غافر: 28.]

، وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم


[
فضائل الصحابة لأحمد 627:2/ ح1072؛ و655:2/ ح1117؛ شواهد التنزيل 224:2/ ح938 و939؛ شرح نهج البلاغة 431:2؛ الفردوس للديلميّ 421:2/ ح3866؛ الصواعق المحرقة: 125؛ مناقب ابن المغازليّ: 246 - 245/ ح293.]



وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال لعليّ: أنت منّي وأنا منك


[
مسند أحمد 98: 1/ ح772؛ و115:1/ ح933 في قصّة كفالة ابنة حمزة؛ صحيح البخاريّ 960:2/ ح2552 مناقب عليّ بن أبي طالب؛ مستدرك الحاكم 120:2؛ تاريخ بغداد 140:4.]



وعن عمرو بن ميمون "الأوديّ"، قال: لعليّ عشر خصال ليست لغيره: قال له النبيّ صلى الله عليه وآله: لأبعثنّ رجلاً لا يُخزيه اللَّه أبداً، يحبّ اللَّهَ ورسوله، فاستشرف لها مَن استشرف؛ قال: أين عليٌّ؟ قالوا: هو في الرحى يطحن. قال: وما كان أحدكم يطحن؟! قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يُبصر، قال: فنفث في عينيه


[
في ر : عينه.]

، ثمّ هزّ الراية ثلاثاً فأعطاها إيّاه، فجاء بصفيّة بنت حُيَي.


قال: ثمّ بعث أبابكر بسورة التوبة، فبعث عليّاً خلفه فأخذها منه، وقال: لايذهب بها إلّا رجل هو منّي وأنا منه.


وقال لبني عمّه: أيّكم يُواليني في الدنيا والآخرة؟ قال: وعليٌّ معهم جالس، فأبوا، فقال عليّ: أنا اُواليك في الدنيا والآخرة؛ قال: فتركه ثمّ أقبل على رجل منهم


[
في المناقب الخوارزميّ: على رجلٍ رجلٍ منهم.]

فقال: أيّكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبوا، فقال عليّ: أنا اُواليك في الدنيا والآخرة؛ فقال: أنت وليّي في الدنيا والآخرة.


قال: وكان عليّ أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة.


قال: وأخذ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله ثوبَه فوضعه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً


[
الأحزاب: 33.]



قال: وشرى عليّ نفسه ولبس ثوب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ثمّ نام مكانه، وكان المشركون يرمونه بالحجارة.


وخرج النبيّ صلى الله عليه وآله في غزاة تبوك، فقال له عليّ: أأخرج معك؟ فقال: لا، فبكى عليّ فقال له: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّك لست بنبيّ، لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي.


قال: وقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أنت وليّي في كلّ مؤمن بعدي.


قال: وسدّ أبواب المسجد غير باب عليّ؛ قال: فيدخل المسجد جُنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.


وقال له: مَن كنتُ مولاه، فإنّ مولاه


[
في ش1 و ش2 : فعليٌّ مولاه.


مناقب الخوارزميّ: 126 - 125/ فصل 12، وخصائص النسائيّ: 62 - 61، ومسند أحمد 330:1/ ح3052.]

عليّ


[
رواه أحمد - باختصار أوّله - في فضائل الصحابة 683:2/ ح1168؛ والمسند 330:1-331/ ح3052؛ وانظر أيضاً: المناقب للخوارزميّ: 127 - 125/ فصل 12؛ خصائص النسائيّ: 62 - 61.]



وعن النبيّ صلى الله عليه وآله مرفوعاً: أنّه بعث أبابكر ببراءة إلى أهل مكّة، فسار بها ثلاثاً، ثمّ قال لعليّ عليه السلام: الحقه فردّه وبلّغها أنت؛ ففعل، فلمّا قدم أبوبكر على النبيّ صلى الله عليه وآله بكى وقال: يا رسول اللَّه حدث فيَّ شي ء؟ قال: لا، ولكن اُمِرْتُ ألّا يبلّغه إلّا أنا أو رجل منّي


[
مسند أحمد 283:3/ ح 14051؛ خصائص النسائيّ: 91؛ مجمع الزوائد 239:3؛ تفسيرالدرّ المنثور 209:3؛ تذكرة الخواصّ: 37.]



ومنها ما رواه أخطب خوارزم عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: يا عليّ، لو أنّ عبداً عبد اللَّه عزّ وجلّ مثل ما قام نوح في قومه؛ وكان له مثل أُحد ذهباً فَأَنْفَقَهُ في سبيل اللَّه، ومُدّ في عمره حتّى حجّ


[
في ش2 : يحجّ.]

ألف عام على قدميه، ثمّ قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثمّ لم يُوالك يا عليّ، لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها


[
المناقب للخوارزميّ: 68 - 67/ ح40.]



وقال رجل لسلمان: ما أشدّ حبّك لعليّ!! قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: مَن أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومَن أبغضَ عليّاً فقد أبغضني


[
المناقب للخوارزميّ: 170 - 169/ ح44؛ ذخائر العقبى: 65، وقال: أخرجه أبو عمر النمريّ؛ الفردوس للديلميّ 329:1-330/ ح1751 في حديث عن عمّار مرفوعاً.]



وعن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: خلق اللَّهُ من نور وجه عليّ بن أبي طالب سبعين ألف مَلَك يستغفرون له ولمُحبِّيه إلى يوم القيامة


[
المناقب للخوارزميّ: 71/ ح47؛ مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 39:1.]



وعن ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَن أحبّ عليّاً قَبِل اللَّهُ عنه صلاته وصيامه وقيامه واستجابَ دعاءه؛ ألا ومن أحبّ عليّاً أعطاه اللَّه بكلّ عرقٍ في بدنه مدينة في الجنّة، ألا ومن أحبّ آل محمّد أمِن من الحساب والميزان والصراط؛ ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فأنا كفيله بالجنّة مع الأنبياء؛ ألا ومن أبغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة اللَّه


[
المناقب للخوارزميّ: 73 - 72/ ح51؛ فرائد السمطين 258: 2.]



وعن عبداللَّه بن مسعود، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: مَن زعم أنّه آمن بي وبما جئتُ به وهو يُبغض عليّاً، فهو كاذب ليس بمؤمن


[
المناقب للخوارزميّ: 57  /76؛ ترجمة الإمام عليّ عليه السلام في تاريخ دمشق لابن عساكر 210:2.]



وعن أبي برزة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ونحن جلوس ذات يوم: والذي نفسي بيده لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله تبارك وتعالى عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسده فيم أبلاه، وعن ماله مِمّ كسبه وفيم أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت. فقال له عمر: فما آية حبّكم من بعدكم؟ فوضع يده على رأس عليّ عليه السلام وهو إلى جانبه، فقال: إنّ حُبّي من بعدي حبّ هذا


[
المناقب للخوارزميّ: 77 - 76/ ح58؛ كفاية الطالب: 324 - 323 بإسناده عن أبي ذرّ، وقال: هكذا رواه ابن عساكر في ترجمة عليّ عليه السلام في تاريخه؛ وروى بعضه ابن المغازليّ في المناقب: 120 - 119/ ح157 بإسناده عن ابن عبّاس.]



وعن عبداللَّه بن عمر: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد سُئِل: بأيّ لغة خاطبك ربُّك ليلة المعراج؟ فقال: خاطبني بلُغة عليّ بن أبي طالب، فأَلهَمَني أن قلتُ: يا ربّ أنت خاطَبتَني أم عليّ


[
في ر : يا ربّ خاطبتني أم عليّ؟ وفي المناقب للخوارزميّ: يا ربّ خاطبتني أنت أم عليّ؟.]

؟ فقال: يا أحمد


[
في ش1 و ش2 : محمّد.]

، أنا شي ء ليس كالأشياء، لا اُقاس بالناس ولا اُوصف بالأشباه


[
في ش1 و ش2 : بالأشياء. وفي المناقب للخوارزميّ: بالشبهات.]

، خلقتُك من نوري، وخلقتُ عليّاً من نورك، فاطّلعتُ على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحبّ من عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فخاطبتُك بلسانه كيما يطمئنّ قلبُك


[
المناقب للخوارزميّ: 78/ ح61؛ ينابيع المودّة 246:1-247/ ح28.]



وعن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لو أنّ الرياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حُسّاب، والإنس كُتّاب، ما أحصوا فضائل عليّ بن أبي طالب


[
المناقب للخوارزميّ: 328/ ح341؛ المستدرك 107:3؛ كفاية الطالب: 252 - 251.]



وبالإسناد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ اللَّه تعالى جعل لأخي عليّ فضائل لا تُحصى كثرة، فمن ذكر فضيلةً من فضائله مقرّاً بها غفر اللَّهُ له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر؛ ومَن كتب فضيلةً من فضائل لم تزل الملائكة تستغفر له مابقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر اللَّه له


[
في ر : غُفِرَ له.]

الذنوب التي اكتسبها بالاستماع؛ ومن نظر إلى كتابٍ من فضائله غفر اللَّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر.


ثمّ قال: النظر إلى وجه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام عبادة، وذِكره عبادة، لا يقبل إيمان عبدٍ إلّا بولايته والبراءة من أعدائه


[
المناقب للخوارزميّ: 33 - 32/ ح2؛ كفاية الطالب: 252؛ ينابيع المودّة 364:1-365/ ح6؛ فرائد السمطَين 18:1.]



وعن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، عن النبيّ صلى الله عليه وآله، "أنّه قال"


[
سقط من ش2 .]

: لَمُبارَزَةُ عليّ بن أبي طالب لعمرو بن ودّ يوم الخندق أفضل من عمل أمّتي إلى يوم القيامة


[
مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 45: 1؛ المناقب للخوارزميّ: 106/ ح112؛ المستدرك على الصحيحَين 32: 3؛ شواهد التنزيل 14:2/ ح636؛ كنز العمّال: 11/ ح33035؛ ما روته العامّة من مناقب أهل البيت للشروانيّ: 145 نقلاً عن روضة الأحباب.]



وعن سعد بن أبي وقّاص، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً بالسبّ فأبى، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: ثلاثٌ قالهنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فلن أسبّه، لئن يكون


[
في ش1 و ش2 : كان.]

لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حُمر النَّعم، سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول لعليّ - وقد خلّفه


[
في ر : وخلّفه.]

في بعض مغازيه - فقال له عليّ: يا رسول اللَّه تخلّفني


[
في ش2 : أتخلّفني.]

مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟


وسمعته يقول يوم خيبر: لاُعطينّ الراية رجلاً يحبّ اللَّهَ ورسوله "ويحبّه اللَّهُ ورسوله"


[
مابين القوسين غير موجود في ر .]

، فتطاولنا، فقال: ادعوا لي عليّاً؛ فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه


[
في ر : عينه.]

فدفع الراية إليه، ففتح اللَّه عليه.


وأُنزلت


[
في ش1 و ش2 : ولمّا نزلت.]

هذه الآية قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ


[
آل عمران: 61.]

، "ف" دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحُسيناً، فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي


[
المناقب للخوارزميّ: 108/ ح114؛ صحيح مسلم 1871:4/ ح2404 كتاب فضائل الصحابة؛ سنن الترمذيّ 638:5/ ح3724 كتاب الفضائل؛ خصائص النسائيّ: 49 - 48؛ المستدرك 116:3؛ كفاية الطالب: 85 - 84، وقال: هكذا رواه مسلم في صحيحه وغيرُه من الحفّاظ.]



وعن عامر بن واثلة، قال: كنتُ مع عليٍّ عليه السلام في البيت يوم الشورى، فسمعتُ عليّاً عليه السلام يقول لهم: لأحتجّنّ عليكم بما لا يستطيع عربيُّكم ولا عجميّكم تغيير


[
في ر : بغير.]

ذلك، ثمّ قال: أنشدكم باللَّه أيّها النفر جميعاً، أفيكم أحد وحَّد اللَّه تعالى قبلي؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ له أخ مثل أخي جعفر الطيّار


[
في ر : طيّار.]

في الجنّة مع الملائكة غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ له عمّ مثل عمّي حمزة أسد اللَّه وأسد رسوله سيّد الشهداء غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمّد سيّدة نساء أهل الجنّة غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه تعالى، هل فيكم أحدٌ له سبطان مثل سِبْطَيّ الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ ناجى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عشر مرّات وقدّم بين يدَي نجواه صدقةً غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ من عاداه، ليبلغ الشاهد الغايب غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اللهمّ ائتِني بأحبّ الخلق إليك وإليّ وأشدّهم لك حبّاً ولي حبّاً، يأكل معي هذا الطائر فأتاه فأكل معه غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لاُعطينّ الرايةَ رجلاً يحبّ اللَّهَ ورسوله، "ويُحبّه اللَّهُ ورسوله"


[
ليس في ش2 .]

، لا يرجع حتّى يفتح اللَّه على يديه إذ رجع غيري منهزماً، غيري؟


[
في ش1 و ش2 : إذا رجع غيري؟.]



قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لبني وليعة لتنتهنّ أو لأبعثنّ إليكم رجلاً نفسه كنفسي، طاعته طاعتي ومعصيته معصيتي، يفصلكم بالسيف غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كذب مَن زعم أنّه يحبّني ويُبغض هذا غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد سلّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملائكة، منهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، حيث جئتُ بالماء إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من القليب، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد نودي به من السماء لا سيف إلّا ذوالفقار، ولا فتى إلّا عليّ غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال له جبرئيل هذه هي المواساة ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إنّه منّي وأنا منه ، فقال جبرئيل عليه السلام وأنا منكما ، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبيّ صلى الله عليه وآله؛ غيري


[
في ر : هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله غيري؟.]



قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّي قاتلتُ على تنزيل القرآن، وتُقاتل على تأويل القرآن غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم


[
في ش1 : أفيكم.]

أحدٌ رُدّت عليه الشمس حتّى صلّى العصر في وقتها غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد أمره رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله أن يأخذ براءة من أبي بكر، فقال له أبوبكر: يا رسول اللَّه، أنزل فيّ شي ء؟ فقال له: إنّه لا يؤدّي عنّي إلّا عليّ، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يُبغضك إلّا مُنافق


[
في ر : كافر.]

غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، أتعلمون أنّه أَمَرَ بسدّ أبوابكم وفتح بابي، فقلتم في ذلك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ما أنا سددتُ أبوابكم ولا أنا فتحتُ بابه، بل اللَّه سدّ أبوابكم وفتح بابه، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، أتعلمون أنّه ناجاني في يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك، فقلتم: ناجاه دوننا!! فقال: ما أنا انتجيتُه، بل اللَّه انتجاه، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ، يدور الحقّ مع عليّ كيفما دار؟


[
في ر : يزول الحقّ مع عليّ كيفما دار.]



قالوا: اللهمّ نعم.


قال: فأنشدكم باللَّه، أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعِترتي، لن تضلّوا ما استمسكتم بهما، ولن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض؟


قالوا: اللهمّ نعم.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحدٌ وَقَى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من المشركين بنفسه واضطجع في مضجعه غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد بارز عمرو بن ودّ العامريّ حيث دعاكم إلى البراز، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد أنزل اللَّه فيه


[
في ش1 و ش2 : نزل فيه.]

آية التطهير، حيث يقول: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً


[
الأحزاب: 33.]

، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه: أنت سيّد العرب


[
في ش1 و ش2 : المؤمنين.]

، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا.


قال: فأنشدكم باللَّه، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ما سألتُ اللَّهَ شيئاً إلّا سألتُ لك مثله، غيري؟


قالوا: اللهمّ لا


[
المناقب للخوارزميّ: 315 - 313/ ح314؛ ورواه بإسناده عن أبي ذر بلفظ قريب "302 - 299/ ح296"؛ وانظر مناقب ابن المغازليّ: 118 - 112/ ح155؛ كفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ: 388 - 386 مختصراً عن الحاكم في كتابه؛ تاريخ دمشق لابن عساكر 91:3/ ح1132.]



ومنها ما رواه أبو عمر الزاهد، عن ابن عبّاس، قال: لعليّ أربع خصال ليس لأحد من الناس غيره: هو أوّل عربيّ وعجميّ صلّى مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف، وهو الذي صبر معه يوم حُنين، وهو الذي غسّله وأدخله قبره صلّى اللَّه عليهما


[
المناقب للخوارزميّ:58/ ح21؛ شواهد التنزيل 117:1-118/ ح128؛ تاريخ دمشق 161:1/ ح202.]



وعن النبيّ صلى الله عليه وآله، قال: مررتُ ليلة المعراج بقوم تشرشر أشداقُهم، فقلتُ: يا جبرئيل مَن هؤلاء؟ قال: "هؤلاء الذين يقطعون الناس بالغيبة؛ قال: مررت بقومٍ ضَأضؤ، فقلت: يا جبرئيل مَن هؤلاء؟، قال"


[
مابين القوسين سقط من ر .]

: هؤلاء الكفّار، قال: ثمّ عدلنا عن ذلك الطريق، فلمّا انتهينا إلى السماء الرابعة رأيتُ عليّاً يصلّي، فقلتُ لجبرئيل: "يا جبرئيل"


[
مابين القوسين في ر فقط.]

أهذا عليّ قد سبقنا؟ قال: لا، ليس هذا عليّاً، قلتُ: فمن هو؟ قال: إنّ الملائكة المقرّبين والملائكة الكرّوبيّين لمّا سمعت فضائل عليّ عليه السلام، وبخاصّة سَمِعَت قولك فيه أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، اشتاقت إلى عليّ، فخلق اللَّه لها مَلَكاً على صورة عليّ، فإذا اشتاقت إلى عليّ نظرت إلى ذلك الملك، فكأنّها قد رأت عليّاً عليه السلام


[
كفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ: 133 - 131/ الباب 26 في شوق الملائكة والجنّة إلى عليّ عليه السلام واستغفاره لمحبّيه ، بإسناده عن أنس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مررتُ ليلة اُسري بي إلى السماء، فإذا أنا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تُحدق به، فقلتُ: يا جبرئيل مَن هذا المَلَك؟ قال: ادنُ منه وسلّم عليه، فدنوت منه وسلّمت عليه، فإذا أنا بأخي وابن عمّي عليّ بن أبي طالب. فقلت: يا جبرئيل سبقني عليّ إلى السماء الرابعة؟! فقال لي: يا محمّد، لا، ولكنّ الملائكة شكت حبّها لعليّ، فخلق اللَّه تعالى هذا المَلَك من نورٍ على صوره عليّ، فالملائكة تزوره في كلّ ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرّة، يسبّحون اللَّه ويقدّسونه ويهدون ثوابه لمحبّ عليّ.


ثمّ قال الحافظ الكنجيّ: هذا حديث حسن عال لم نكتبه إلّا من هذا الوجه، تفرّد به يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس وهو ثقة. ثمّ روى حديثاً مختصراً آخَر عن أنس في شوق الملائكة والجنّة إلى عليّ عليه السلام.]



وعن ابن عبّاس، قال: إنّ المصطفى صلى الله عليه وآله قال ذات يوم وهو نشيط: أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى!


[
معاني الأخبار للصدوق: 119/ ح1؛ بحار الانوار 42:64/ ح6.]



قال: فقوله أنا الفتى يعنى هو فتى العرب بإجماع، أي سيّدها؛ وقوله ابن الفتى يعني إبراهيم الخليل عليه السلام؛ من قوله عزّ وجلّ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمَ


[
الأنبياء: 60.]

، وقوله أخو الفتى يعني عليّاً عليه السلام، وهو قول جبرئيل عليه السلام في يوم بدر، وقد عرج إلى السماء بالفتح وهو فرحٌ، وهو يقول: لا سيف إلّا ذوالفقار، ولا فتى إلّا عليّ


[
روى نداء المنادي ب لا سيف إلّا ذوالفقار، ولا فتى إلّا عليّ كلٌّ من: ابن المغازليّ في مناقبه: 197/ ح234 بإسناده عن أبي رافع؛ والقندوزيّ في ينابيع المودّة 24:1/ الباب 15 عن الحسين عليه السلام؛ و434:1/ الباب 50 عن أبي ذر؛ و166:2/ الباب 56 عن الباقر عليه السلام؛ و291:2/ الباب 56 عن أبي رافع.


والحموينيّ في فرائد السمطين 251:2/ ح194 عن أبي رافع؛ والخوارزميّ في المناقب: 167/ ح200 عن جابر بن عبداللَّه؛ وروى الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 280 - 277/ الباب 69 ثمانية أحاديث عن الباقر عليه السلام وحديثاً عن جابر بن عبداللَّه.]



وعن ابن عبّاس، قال: رأيتُ أباذر وهو متعلّق بأستار الكعبة، وهو يقول: مَن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبوذر، لو صُمتم حتّى تكونوا كالأوتار، وصلّيتم حتّى تكونوا كالحنايا، ما نفعكم ذلك حتّى تحبّوا عليّاً عليه السلام


[
رواه الكراجكيّ في كنز الفوائد: 282؛ ورواه عنه المجلسيّ في بحار الأنوار 310:32.


وروى ابن المغازليّ في المناقب: 297/ ح340 بإسناده عن جابر بن عبداللَّه حديثاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا عليّ لو أنّ اُمّتي صاموا حتّى يكونوا كالحنايا، وصلّوا حتّى يكونوا كالأوتار، وأبغضوك لأكبّهم اللَّه في النار.


ورواه الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 318 - 317/ الباب 87 بلفظ ابن المغازليّ.]



ومنها ما نقله صاحب الفردوس في كتابه: عن معاذ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله، قال: حُبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام حسنة لا تضرّ معها سيّئة؛ وبُغْضه سيّئة لا تنفع معها حسنة


[
الفردوس للديلميّ 142:2/ ح2725؛ والمناقب للخوارزميّ: 75/ ح56.]



وعن ابن مسعود، قال: حبّ آل محمّد خيرٌ من عبادة سنة، ومن مات عليه دخل الجنّة


[
الفردوس 142:2/ ح2721.]



وعن أنس، قال: كنت جالساً مع النبيّ صلى الله عليه وآله إذ أقبل عليّ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: أنا وهذا حجّة اللَّه على خلقه


[
لم أعثر عليه في الفردوس المطبوع؛ وقد أخرجه القندوزيّ في ينابيع المودّة 249:2/ الباب 56، وقال: رواه صاحب الفردوس والإمام أحمد؛ ورواه ابن المغازليّ في المناقب: 45 و167/ ح67 بإسناده عن أنس.


ورواه المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 77 باختلاف في اللفظ، وقال: أخرجه النقّاش.]



وعن النبيّ صلى الله عليه وآله، قال: لو اجتمع الناس على حبّ عليّ، لم يخلق اللَّه النار


[
الفردوس 373:3/ ح5135؛ المناقب للخوارزميّ 67/ ح39.]



ومنها ما رواه أبو عبداللَّه الحافظ الشافعيّ بإسناده عن أبي برزة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ اللَّه عهد إليّ عهداً في عليّ، فقلت: يا ربّ بَيِّنه لي، فقال: اسمع! فقلت: سمعتُ، فقال: إنّ عليّاً راية الهُدى وإمام الأولياء، ونور من أطاعني، وهو الكلمة التي ألزمتُها المتّقين، مَن أحبّه أحبّني، ومن أبغضه أبغضني، فبشِّره بذلك! فجاء عليّ فبشّرتُه، فقال: يا رسول اللَّه! أنا عبد اللَّه في قبضته، فإن يعذّبني فبذنوبي، وإن يتمّ لي الذي بشّرتني به فاللَّه أولى بي.


قال: فقلتُ: اللهمّ اجْلُ قلبه، واجعل ربيعه الإيمان! فقال اللَّه عزّ وجلّ: قد فعلتُ به ذلك. ثمّ إنّه رُفع إليّ أنّه سيخصّه من البلاء بشي ءٍ لم يخصّ به أحد من أصحابي، فقلتُ: ياربّ، أخي وصاحبي، فقال: إنّ هذا شي ءٌ قد سبق، إنّه مُبتلى ومُبتلى به. رواه صاحب كتاب حلية الأولياء


[
حلية الأولياء 66:1؛ مناقب ابن المغازليّ: 47 - 46/ ح69؛ شرح نهج البلاغة 167:9/ الخطبة 154؛ ينابيع المودّة 485:2/ الباب 59.]



وعن عمّار بن ياسر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أُوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السلام، من تولّاه فقد تولّاني، ومن تولّاني فقد تولّى اللَّه عزّوجلّ


[
الفردوس للديلميّ 429:1/ ح1751؛ ينابيع المودّة 246:2/ الباب 56، وقال: رواه صاحب الفردوس؛ المناقب لابن المغازليّ: 230/ ح279 - 277.]



وعن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا عليّ من سبّك فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ اللَّه، ومن سبّ اللَّه أكبّه على منخرَيه في النار


[
مسند أحمد 323:6/ ح26208 بإسناده عن اُمّ سلمة مختصراً؛ وروى الحاكم قريباً منه في المستدرك 121:3 عن أبي عبداللَّه الجدليّ عن اُمّ سلمة؛ وانظر أيضاً: الصواعق المحرقة: 123؛ ذخائر العقبى: 66، وقال: أخرجه أبو عبداللَّه الحلانيّ. وقال: وخرّج الإمام أحمد منه من حديث اُمّ سلمة: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: مَن سبَّ عليّاً فقد سبّني.]



والأخبار الواردة من قِبل المخالفين أكثر من أن تُحصى، لكن اقتصرنا في هذا المختصر على هذا القدر.


المطاعن التي نقلت في حق الجماعة



فقد نقل أتباعهم الجمهور منها شيئاً كثيراً، حتّى صنّف الكلبيّ كتاباً كلّه في مثالب الصحابة، ولم يذكر فيه منقصةً واحدة لأهل البيت عليهم السلام. وقد ذكر غيره منهم أشياء كثيرة، ونحن نذكر شيئاً يسيراً منها.


منها: ما رووه عن أبي بكر أنّه قال على المنبر: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يُعصَم بالوحي، وإنّ لي شيطاناً يعتريني، فإن استقمتُ فأعينوني، وإن زغتُ فقوِّموني


[
تاريخ الطبريّ 440:2؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ 271:9/ ح8592 بإسناده عن زيد بن عطيّة؛ طبقات ابن سعد 129:3؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 6؛ الصواعق المحرقة: 11 - 10؛ مجمع الزوائد 183:5 عن الطبرانيّ في الأوسط.]



وكيف تجوز إمامةُ مَن يستعين بالرعيّة على تقويمه، مع أنّ الرعيّة تحتاج إليه؟!


وقال: أقيلوني فلستُ بخيركم!


[
الطبقات الكبرى لابن سعد 171:3؛ تاريخ بغداد 373:9؛ الصواعق المحرقة: 11؛ مجمع الزوائد 183:5.]

فإن كانت إمامته حقّاً، كانت استقالته منها معصية، وإن كانت باطلة، لزم الطعن.


وقال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى اللَّهُ المسلمين شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتُلوه


[
صحيح البخاريّ 2503:6-2504 / 6442 كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة - باب رجم الحبلى من الزنا إذا اُحصنت؛ الفائق للزمخشريّ: 1393، مادة فلت ؛ النهاية لابن الأثير 467:3، مادة فلت ؛ الصواعق المحرقة: 8 و11 و13 و36؛ فتح الباري 150:12؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 145:2، قال: ثمّ قام أبوبكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إنّ بيعتي كانت فلتة وقى اللَّه شرّها وخشيتُ الفتنة... إلى آخر كلامه.]



ولو كانت إمامتُه صحيحة لم يستحقّ فاعلُها القتل، فيلزم تطرّق الطعن إلى عمر؛ وإن كانت باطلة، لزم الطعن عليهما معاً.


وقال أبوبكر عند موته: ليتني كنتُ سألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هل للأنصار في هذا الأمر حقّ؟


[
تاريخ الطبريّ 52:4.]

وهذا يدلّ على أنّه في شكٍّ من إمامته، ولم تقع صواباً.


وقال عند احتضاره: ليت اُمّي لم تلدني! يا ليتني كنت تبنة في لبنة!!


[
الصراط المستقيم للعلّامة البيّاضيّ 299:2؛ وأخرج نظيره المتّقي الهنديّ في كنز العمّال 619:12/ ح35914 عن عمر بن الخطّاب.]



مع أنّهم نقلوا عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: ما من محتضر يحتضر إلّا ويَرى مقعده من الجنّة أو النار.


وقال أبوبكر: ليتني في ظلّة بني ساعدة ضربتُ يدي على أحد الرجلَين، وكانَ هو الأمير وكنتُ الوزير!


[
تاريخ الطبريّ 52: 4 حوادث سنة 513؛ ميزان الاعتدال 215:2.]

وهو يدلّ على أنّه لم يكن صالحاً يرتضي بنفسه للإمامة.


وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في مرض موته مرّةً بعد اُخرى، مكرّراً لذلك أنفِذوا جيش اُسامة! لعن اللَّه المتخلّف عن جيش اُسامة ! وكان الثلاثة معه، ومنع أبوبكر عمرَ من ذلك


[
طبقات ابن سعد 190:2؛ الصراط المستقيم للبيّاضيّ 296:2-297، نقلاً عن الطبريّ في المسترشد، وعن الواقديّ، وعن البلاذريّ في تاريخه.]



وأيضاً لم يولِّ النبيّ صلى الله عليه وآله أبابكر عملاً البتّةَ في وقته، بل ولّى عليه عمرو بن العاص تارةً، واُسامة اُخرى، ولمّا أنفذه بسورة براءة ردّه بعد ثلاثة أيّام بوحيٍ من اللَّه تعالى. وكيف يرتضي العاقل إمامةَ مَن لا يرتضيه النبيّ صلى الله عليه وآله بوحيٍ من اللَّه تعالى لأداء عشر آيات من براءة؟!


وقطع أبوبكر يسار سارق


[
فتح الباري 100:12.]

، ولم يعلم أنّ القطع لليد اليمنى؛ وأحرق الفجاءةَ السلميّ بالنار وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وآله عن الإحراق بالنار، وقال: لا يُعذّب بالنار إلّا ربّ النار.


[
مسند أحمد 494:3؛ الاستيعاب 609:3 في ترجمة هبّار بن الأسود بن المطّلب الذي عرض لزينب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ونخسها فألقت ذا بطنها، فقال صلى الله عليه وآله: إن وجدتُم هبّاراً فأحرقوه بالنار. ثمّ قال: اقتلوه فإنّه لا يعذّب بالنار إلّا ربّ النار... الخ.


وتجد تأسّف أبي بكر على إحراق الفجاءة السلميّ في تاريخ الطبريّ 52:4؛ والإمامة والسياسة لابن قتيبة: 18؛ ومروج الذهب للمسعوديّ 414:1.]

وخفي عليه أكثر أحكام الشريعة، فلم يعرف حكم الكلالة، وقال: أقول فيها برأيي، فإن كان صواباً فمن اللَّه، وإن كان خطأً فمنّي ومن الشيطان


[
تفسير الطبريّ 30:6؛ تفسير ابن كثير 260: 1.]



وقضى في الجدّ سبعين قضيّة


[
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 165:3 "الطبعة ذات الأربعة مجلّدات"؛ المبسوط للسرخسيّ 180:29؛ وقال القوشجيّ في شرح التجريد: 408 في الردّ على نقد الطوسيّ في هذا الأمر بأنّ ذلك - يقصد الحكم بالأحكام المختلفة الكثيرة في موضوع واحد - ليس ممّا يوجب قدحاً فيه "أي في عمر" فإنّه من مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهاديّة؛ يقصد القوشجيّ أنّ مخالفة عمر ابن الخطّاب لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله في هذه الأحكام هي من باب مخالفة مجتهد - وهو عمر - لمجتهد - وهو رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - ولا قدح فيه عليه. معالم المدرستَين للسيّد العسكريّ 68:2.]

، وهو يدلّ على قصوره في العلم. فأيّ نسبةٍ له إلى مَن قال: سَلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طُرق السماء فإنّي أعرف بها من طرق الأرض!


[
شرح الأخبار للقاضي النعمان 91:1؛ الغارات للثقفيّ 677:2؛ الإرشاد للمفيد 35:1.]



قال أبوالبحتريّ: رأيتُ عليّاً عليه السلام صعد المنبر بالكوفة وعليه مدرعة كانت لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله، متقلّداً بسيف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، متعمّماً بعمامة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، في إصبعه خاتم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فقعد على المنبر وكشف عن بطنه، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّما بين الجوانح منّي عِلم جمّ، هذا سفط العلم، هذا لُعاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، هذا ما زقّني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله زقّاً من غير وحي اُوحي إليّ، فوَاللَّه لو ثُنِيت لي وسادة فجلستُ عليها، لأفتيتُ أهلَ التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، حتّى يُنطق اللَّهُ التوراة والإنجيل فتقول: صدق عليّ، قد أفتاكم بما أنزل اللَّه فيَّ، وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون؟!


[
المناقب للخوارزميّ: 92 - 91/ ح85؛ فرائد السمطين 340:1؛ تذكرة الخواصّ: 27 عن سعيد ابن المسيّب، قال: فلهذا كان عليّ عليه السلام يقول: سَلوني عن طرق السماوات فإنّي أعرف بها من طرق الأرضين، ولو كُشف الغطاء ما ازددتُ يقيناً. وانظر طبقات ابن سعد 338:2؛ كنز العمّال: 4/ ح11322؛ حلية الأولياء 80:1؛ ينابيع المودّة 223:1/ باب 14؛ و208:3/ باب 68.]



وعن البيهقيّ في كتابه بإسناده عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، قال: مَن أراد أن ينظر إلى آدم في عِلمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حِلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام.


[
شرح نهج البلاغة 430:2؛ ذخائر العُقبى: 94 عن ابن عبّاس، وقال: أخرجه الملّا في سيرته؛ المناقب للخوارزميّ: 83/ ح70 بإسناده عن أبي الحمراء؛ ينابيع المودّة 363:1/ الباب 40؛ و183:2/ الباب 56.]

فأثبت له ما تفرّق فيهم.


قال أبو عمر الزاهد: قال أبو العبّاس الثعلب: لا نعلم أحداً قال بعد نبيّه سَلوني من شيث إلى محمّد صلى الله عليه وآله إلّا عليّاً؛ فسأله الأكابر: أبوبكر وعمر وأشباههما حتّى انقطع السؤال، ثمّ قال بعد هذا كلّه: يا كميل بن زياد! إنّ هاهنا لعِلماً جمّاً لَوْ وَجَدْتُ له حَمَلَةً


[
حلية الأولياء 80:1؛ وأخرج المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 83؛ والخوارزميّ في المناقب: 91 - 90/ ح83 عن سعيد بن المسيّب، قال: ما كان في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله أحد يقول سلوني غير عليّ بن أبي طالب عليه السلام.]



وأهمل أبوبكر حدودَ اللَّه، فلم يقتصّ من خالد بن الوليد ولا حدّه حين قتل مالك بن نويرة - وكان مسلماً - وتزوّج امرأته من ليلة قتله وضاجعها. وأشار عليه عمر بقتله فلم يقبل


[
انظر تفصيل ذلك في الغدير 161 - 158: 7.]



وخالف أمر اللَّه تعالى في توريث بنت النبيّ صلى الله عليه وآله ومنعها فدكاً


[
أ - إنّ فدك كانت ممّا أفاءه اللَّه على رسوله، وكانت خالصةً لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله، لم يجلب عليها المسلمون بخيل ولا ركاب. |انظر تاريخ الطبريّ 95:3، وسيرة ابن هشام 368:3|


ب - إنّ إعطاء النبيّ صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فدكاً كان بأمر اللَّه تعالى.


قال السيوطيّ في الدرّ المنثور 177:4 ذيل الآية 26 من سورة الإسراء: وأخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدريّ رضى الله عنه، قال: لمّا نزلت هذه الآية وآتِ ذَاالْقُربَى حَقَّهُ |الإسراء: 26|، دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فاطمة فأعطاها فدك. وقال: وأخرج ابنُ مردويه عن ابن عبّاس رضي اللَّه عنهما، قال: لمّا نزلت وآتِ ذَاالْقُربَى حَقَّهُ أقطع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فاطمة فدكاً.


ت - إنّ فدكاً كانت بيد الزهراء عليها السلام تتصرّف فيها في حياة النبيّ صلى الله عليه وآله، ووَضْعُ اليد علامة الملكيّة، وينبغي لمن يرى مصادرة ملك شخص أن يأتي بدليل يُجيز له ذلك. لكنّنا نرى أنّ فدك تُغتصب من يد الزهراء عليها السلام، وأنّها تُطالب بإيراد بيّنة، فشهد لها أميرالمؤمنين عليّ والحسن والحسين عليهم السلام، فسألها أبوبكر شاهداً آخر، فشهدت لها اُمّ أيمن، فقال: قد علمتِ يا بنت رسول اللَّه أنّه لا تجوز إلّا شهادة رجلَين أو رجل وامرأتَين!! مع علمه بالنصوص الصريحة التي نفت الرجس عن أهل البيت وطهّرتهم تطهيراً، وبأنّ اللَّه يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضبها، وبأنّ عليّاً مع الحقّ والحقُّ مع عليّ و... ثمّ إنّه احتجّ بحديث مختلق عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة. وهو حديث مردود عند أهل البيت عليهم السلام. قال تعالى: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ |مريم: 6|، وقال: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ |النمل: 16|. وانظر: الغدير 190:7-194 و275:2-276.]

؛ وتسمّى بخليفة رسول اللَّه من غير أن يستخلفه


[
روى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة أنّ أبابكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي عليه السلام، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم... "إلى أن قال": فقال أبوبكر لقنفذ - وهو مولى له -: إذهب فادعُ لي عليّاً! قال: فذهب إلى عليّ، فقال: ما حاجتُك؟ فقال: يدعوك خليفةُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فقال عليّ عليه السلام: لَسَريع ما كذبتم على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله! فرجع فأبلغ الرسالة: قال: فبكى أبوبكر طويلاً... الخ.]



ومنها ما رووه عن عمر: روى أبو نعيم الحافظ في كتاب حلية الأولياء أنّه لمّا احتضر قال: يا ليتني كنتُ كبشاً لقومي فسمّنوني ما بدا لهم، ثمّ جاءهم أحبُّ قومهم إليهم فذبحوني فجعلوا نصفي شواءٌ ونصفي قديداً فأكلوني، فأكون عذرة ولا أكون بشراً.


[
حلية الأولياء 52:1؛ كنز العمّال: 12/ ح35912.]

هل هذا إلّا مُساوٍ لقول اللَّه تعالى وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً ؟


[
النبأ: 40.]



وقال لابن عبّاس عند احتضاره: لو أنّ لي مِل ء الأرض ذهباً ومثله معه لافتديت به نفسي من هول المطّلع!


[
حلية الأولياء 52:1؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ 344:1-346/ ح583 بإسناده عن ابن عمر في حديث طويل جاء فيه: فخرج بياضُ اللبن من الجُرحَين، فعرف أنّه الموت، فقال: الآن لو أنّ لي الدنيا كلّها لافتديت بها من هول المطّلع. وقال: ويلك وويل اُمّك عمر إن لم يغفر اللَّه لك. وانظر المستدرك للحاكم 92:3.


وجاء في طبقات ابن سعد 360:3: آخر كلمة فاقها عمر حتّى قضى: وَيلي ووَيل اُمّي إن لم يغفر اللَّه لي! وَيلي وويل اُمّي إن لم يغفر اللَّه لي! وَيلي وويل اُمّي إن لم يغفر اللَّه لي، وويلي ووَيل اُمّي إن لم يغفر اللَّه لي.]



وهذا مثل قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ


[
الزمر: 47.]



فلينظر المُنصف العاقل قولَ الرجلَيْن عند احتضارهما، وقول عليّ عليه السلام: متى ألقاها؟ متى يُبعث أشقاها


[
الآحاد والمثانيّ لأحمد بن الضحّاك الشيبانيّ "ت 287 ه" 184: 1/ ح176.]

؟ متى ألقى الأحبّة محمّداً وحِزبه؟ وقوله حين قُتل: فُزْتُ وربِّ الكعبة!


[
الاستيعاب لابن عبدالبرّ 59:3، في ترجمة أميرالمؤمنين علي عليه السلام؛ طبقات ابن سعد 33:3 و34؛ تذكرة الخواصّ: 175 - 172؛ الفصول المهمّة: 131.]



وروى صاحب "الجمع بين الصحاح الستّة" في مسند ابن عبّاس، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: اخرُجوا عنّي لا ينبغي التنازع لديّ. فقال ابن عبّاس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله


[
صحيح البخاريّ 54:1/ ح114؛ و1612:4/ ح4168؛ و2146: 5/ ح5345؛ و2680: 6/ ح6932؛ صحيح مسلم 1259: 2/ ح1636 و1637؛ طبقات ابن سعد 242:2-244.]



وقال عمر: لمّا مات رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: واللَّهِ ما مات محمّد ولا يموت حتّى يقطع أيدي رجالٍ وأرجلهم! فلمّا نبّهه أبوبكر وتلا عليه إِنَّكَ مَيِّتٌ


[
الزمر: 30.]

، وقوله: أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ


[
آل عمران: 144.]

، قال: كأنّي ما سمعتُ بهذه الآية


[
تاريخ الطبريّ 200: 3؛ الكامل لابن الأثير 219: 2؛ شرح نهج البلاغة 40: 2.]



ولمّا وعظت فاطمة عليها السلام أبابكر في فدك، كتب لها كتاباً وردّها عليها، فخرجت من عنده فلقيها عمر، فخرق الكتاب، فدعتْ عليه بما فعله أبولؤلؤة به


[
انظر الصراط المستقيم 21:3.]



وعطّل حدّ اللَّه تعالى، فلم يحدّ المغيرة بن شعبة


[
في قصّة زناه المشهورة باُمّ جميل؛ انظر: تاريخ ابن كثير 81: 7؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 161: 3. وانظر تفصيل ذلك في النصّ والاجتهاد للسيّد شرف الدين؛ والغدير 137:6-144.]

، وكان يُعطي أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله من بيت المال أكثر ممّا ينبغي، فكان يعطي عائشة وحفصة في كلّ سنة عشرة آلاف درهم


[
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 153:3، في ذيل شرح كلامه عليه السلام "للَّه بلاد فُلان".]

، وغيّر حكم اللَّه تعالى في المتعتَين


[
أي متعة الحجّ ومتعة النساء؛ انظر: الغدير 198:6-213.]



وكان قليل المعرفة بالأحكام: أمر برجم حامل، فقال له عليّ عليه السلام: إنْ كان لك عليها سبيل، فلا سبيل لك على ما في بطنها، فأمسك وقال: لولا عليّ لهلك عمر


[
المناقب للخوارزميّ: 81/ ح65؛ ذخائر العقبى: 81؛ تذكرة الخواصّ: 148.]



وأمر برجم مجنونة، فقال له عليّ عليه السلام: إنّ القلم رُفع عن المجنون حتّى يُفيق! فأمسك وقال: لولا عليّ لهلك عمر


[
الاستيعاب لابن عبدالبرّ 1103:3؛ تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة 162:1؛ المناقب للخوارزميّ: 80/ ح64؛ ذخائر العقبى: 80؛ تذكرة الخواصّ: 147، عن أحمد في الفضائل والمسند.]



وقال في خطبة له: مَن غالى في مهر امرأة جعلتُه في بيت المال، فقالت له امرأة: كيف تمنعنا ما أعطانا اللَّه تعالى في كتابه، حيث


[
في ش1 و ش2 : حين.]

قال: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً ؟


[
النساء: 20.]

فقال: كلٌّ أفقه من عمر، حتّى المخدَّرات


[
مجمع الزوائد للهيثميّ 284:4؛ الدرّ المنثور للسيوطيّ 133:2 ذيل الآية 20 من سورة النساء، والقنطار: جلد البقر المملوء من الذهب والفضّة.]



ولم يحدّ قدامة بن مظعون في الخمر، لأنّه تلا عليه لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُناحٌ فِيمَا طَعِمُوا


[
المائدة: 93.]

، فقال له عليّ عليه السلام: ليس قدامة من أهل هذه الآية، وأمره بحدّه، فلم يدرِ كم يحدّه، فقال له أميرُالمؤمنين عليه السلام: حدّه ثمانين؛ إنّ شارب الخمر إذا شربها سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى


[
تفسير الدرّ المنثور 316:2، ذيل الآية؛ المناقب للخوارزميّ: 100 - 99/ ح102؛ مناقب ابن شهرآشوب 366:2. وقد أشار ابن عبد البرّ في الاستيعاب 259:3-262 إلى القصّة في ترجمة قدامة بن مظعون.]



وأرسل إلى حامل يستدعيها، فأجهضت خوفاً، فقال له الصحابة: نراك مؤدّباً ولا شي ء عليك، ثمّ سأل أميرالمؤمنين عليه السلام فأوجب الدية على عاقلته


[
شرح نهج البلاغة 58: 1. والعاقلة هم العُصبة، أي القرابة من قِبَل الأب الذين يعطون دية قتل الخَطَأ.]



وتنازعت امرأتان في طفل، فلم يعلم الحكم، وفزع فيه إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، فاستدعى المرأتَين ووعظهما فلم ترجعا، فقال عليه السلام: ائتوني بمنشار! فقالت المرأتان له: ما تصنع؟ قال: أقدّه نصفَيْن تأخذ كلّ واحدة نصفاً، فرضيت إحداهما وقالت الاُخرى: اللَّهَ اللَّهَ يا أبا الحسن، إنْ كان لابُدّ من ذلك قد سمحتُ به لها، فقال عليه السلام: اللَّه أكبر، هو ابنك دونها، ولو كان ابنها لرقّت عليه، فاعترفت الاُخرى أنّ الحقّ صاحبتها، ففرح عمر ودعا لأميرالمؤمنين عليه السلام


[
الإرشاد للمفيد: 110؛ مناقب ابن شهرآشوب 367:2.]



وأمر برجم امرأة ولدتْ لستّة أشهر، فقال له عليّ عليه السلام: إنْ خاصمَتْكَ بكتاب اللَّه خَصَمَتْك! إنّ اللَّه تعالى يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً


[
الأحقاف: 15.]

، وقال: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ


[
البقرة: 233.]

فخلّى سبيلها


[
المناقب للخوارزميّ: 94 - 65/ ح94؛ تذكرة الخواصّ: 148؛ سنن البيهقيّ 442:7.]



وكان يضطرب في الأحكام، فقضى في الجدّ بمائة


[
في ش1 و ش2 : بثمانين.]

قضيّة، وكان يفضّل في الغنيمة والعطاء


[
من الاُمور التي صادرت صفاء المجتمع الإسلاميّ، وقضت على روح التآخي بين أفراده، وحرّكت الأطماع الدنيويّة الرخيصة التي جهد النبيّ صلى الله عليه وآله في إخمادها، أمرُ التفضيل في العطاء بما لم يحكم به اللَّه ورسولُه، فقد أصدر الخليفة الثاني أمره بالتفضيل في العطاء، ففرّق بين العربيّ وغير العربيّ، وبين القرشيّ وغير القرشيّ، وبين نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسائر النساء، بل فضّل عائشة على سائر أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله، فخالف بذلك حكم اللَّه تعالى وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله، وخالف بذلك حتّى سيرة صاحبه الذي تقدّمه فلم يفضّل أحداً في العطاء.


وبإمكان الباحث أن يعثر على نماذج كثيرة من الآثار الخطيرة التي تمخّض عنها التفضيل في العطاء في المجتمع الإسلامي وأن يلاحظ أنّ بعض أسباب حرب الجمل وصفّين والنهروان ليست إلّا ثماراً مرّة أنتجتها شجرة التفضيل التي زرعها الخليفة الثاني، وسقاها وتعاهدها الخليفة الثالث.]

، وأوجب اللَّهُ تعالى التسوية، وقال بالرأي والحدس والظنّ.


وجعل الأمر شورى من بعده وخالف فيه مَن تَقدّمه؛ فإنّه لم يفوّض الأمر فيه إلى اختيار الناس، ولا نصّ على إمام بعده، بل تأسّف على سالمٍ مولى حذيفة، وقال: لو كان حيّاً لم يختلجني فيه شكّ


[
الاستيعاب لابن عبدالبرّ 70:2-71؛ تاريخ الطبريّ 34:5.]

، وأميرالمؤمنين عليّ عليه السلام حاضر، وجمع في مَن يختار بين المفضول والفاضل، ومِن حقّ الفاضل التقدُّم على المفضول، ثمّ طعن في كلّ واحد ممّن اختاره للشورى، وأظهر أنّه يكره أن يتقلّد أمر المسلمين ميّتاً كما تقلّده حيّاً، ثمّ تقلّده بأن جعل الإمامة في ستّة، ثمّ ناقض فجعلها في أربعة، ثمّ في ثلاثة، ثمّ في واحد، فجعل إلى عبدالرحمن بن عوف الاختيار بعد أن وصفه بالضعف والقصور؛ ثمّ قال: إن اجتمع أميرالمؤمنين وعثمان فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة ثلاثة، فالقولُ للذين فيهم عبدالرحمن، لعلمه أنّ عليّاً وعثمان لا يجتمعان على أمر، وأنّ عبدالرحمن لا يعدل بالأمر عن أخيه


[
أي بالمؤاخاة.]

وهو عثمان وابن عمّه، ثمّ أمر بضرب أعناقهم


[
لا ينقضي العجب من هذا الأمر العجيب الذي أجازه الخليفة لنفسه، فبينما هو يدّعي الحرص على الاُمّة ويحاول تجنيبها صراعات مزعومة، نراه يأمر بقتل أفضل قادتها الذين سيكون أحدهم الخليفة الآتي!! وبأيّ دليل شرعيّ؟! ودونما ذنب جنَوه أو دمٍ أهدروه!! مع أنّه حذّر عن البيعة الفلتة التي حيكت على عجلة، وأمربقتل من عاد إلى مثلها؟!! وماذا لو أخذت الاُمّة بهذا السيرة، فصار قادتها يقتلون - بدعوى حفاظهم على مصالحها - كلَّ من خالف أمراً من أوامرهم، أو حتّى من تأخّر في تنفيذ ما يأمرون به عن موعد معيّن لا يعلم الحكمة في تعيينه إلّا الراسخون في العِلم!!.]

إن تأخّروا عن البيعة ثلاثة أيّام، مع أنّهم عندهم من العشرة المبشّرة بالجنّة، "وأمر بقتل من خالف الأربعة منهم"


[
مابين القوسين سقط من ش1 .]

، وأمر بقتل من خالف الثلاثة الّذين منهم عبدالرحمن، وكلّ ذلك مخالف للدين


[
تاريخ الطبريّ 277:4.]



وقال لعليّ عليه السلام: إن ولّيتها - وليسوا فاعلين - لتُركِبنّهم على المحجّة البيضاء، وفيه إشارة إلى أنّهم لا يولّونه إيّاها.


وقال لعثمان: إن وُلِّيتها لتُركبنّ آل أبي معيط على رقاب الناس، ولئن فعلتَ لتُقتلنّ، وفيه إشارة إلى الأمر بقتله


[
انظر شرح نهج البلاغة 185:1، والغدير 289:8.]



وأمّا عثمان فإنّه وَلّى اُمورَ المسلمين مَن لا يصلح للولاية، حتّى ظهر مِن بعضهم الفسوق، ومن بعضهم الخيانة، وقسّم الولايات بين أقاربه، وعوتب على ذلك مراراً فلم يرجع.


واستعمل الوليد بن عقبة


[
وهو الذي أنزل اللَّه فيه أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً |السجدة: 18| فسمّاه في قرآنه فاسِقاً. اُنظر أسباب النزول للنيسابوريّ: 261، وتفسير الطبريّ 86:21، وتذكرة الخواصّ: 207.]

حتّى ظهر منه شرب الخمر، وصلّى بالناس وهو سكران


[
مسند أحمد 144:1-145/ ح1234؛ الكامل لابن الأثير 42:3؛ تذكرة الخواصّ: 205.]



واستعمل سعيد بن العاص على الكوفة، فظهر منه ما أدّى إلى أن أخرجه أهل الكوفة منها


[
ومن أقواله إنّما السواد بستان لقريش وقد عزله عثمان مجبوراً. اُنظر أنساب الأشراف 39:5-40.]



وولّى عبداللَّه بن أبي سرح مصر حتّى تظلّم منه أهلُها، وكاتبه أن يستمرّ على ولايته سرّاً، خلافَ ما كتب إليه جهراً، وأمره بقتل محمّد بن أبي بكر


[
تاريخ الطبريّ 119:5-120؛ وتاريخ الخلفاء للسيوطيّ: 159 - 158.]



وولّى معاوية الشامَ، فأحدث من الفتن ما أحدث. وولّى عبداللَّه بن عامر العراق ففعل من المناكير ما فعل.


وولّى مروان أمره، وألقى إليه مقاليد اُموره، ودفع إليه خاتمه، فحدث من ذلك قتل عثمان، فحدث من الفتنة بين الاُمّة ما حدث.


وكان يؤثر أهله بالأموال الكثيرة من بيت مال المسلمين، حتّى إنّه دفع إلى أربعة نفر من قريش - زوّجهم بناته - أربع مائة ألف دينار، ودفع إلى مروان ألف ألف دينار


[
طبقات ابن سعد 64:3؛ وتاريخ الخلفاء: 156؛ وتاريخ ابن الأثير 71:3.]



وكان ابن مسعود يطعن عليه ويُكفّره، ولمّا علم ضربه حتّى مات


[
تاريخ ابن كثير 163:27، وشرح النهج لابن أبي الحديد 236:1 و237.]

، وضرب عمّاراً حتّى صار به فتق


[
السيرة الحلبيّة 87:2؛ والاستيعاب لابن عبدالبرّ 477:2 في ترجمة عمّار.]

، وقد قال فيه النبيّ صلى الله عليه وآله: عمّار جلدة بين عيني، تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم اللَّه شفاعتي يوم القيامة


[
مسند أحمد 164:2؛ صحيح البخاريّ 172:1/ ح634؛ و1035:3/ ح2657؛ صحيح مسلم 22236:4/ ح2916.]

، وكان عمّار يطعن عليه.


وطرد رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله الحكمَ بن أبي العاص عمّ عثمان عن المدينة ومعه ابنه مروان، فلم يزل طريداً هو وابنه في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر، فلمّا ولي عثمان آواه وردّه إلى المدينة


[
الاستيعاب لابن عبدالبرّ 317:1؛ والمعارف لابن قتيبة: 84؛ وانظر الغدير 242:8.]

وجعل مروان كاتبه وصاحب تدبيره، مع أنّ اللَّه تعالى قال: لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ - الآية


[
المجادلة: 22.]



ونفى أباذر إلى الربذة، وضربه ضرباً وجيعاً، مع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال في حقّه: ما أقلّت الغبراءُ ولا أظلّت الخضراء على ذي لهجةٍ أصدق من أبي ذر


[
مسند أحمد 163:2/ ح6483 بإسناده عن عبداللَّه بن عمرو، والاستيعاب 64:4-65 في ترجمته، وطبقات ابن سعد 226:4 عن زيد بن وهب.]



وقال: إنّ اللَّه تعالى أوحى إليّ أنّه يحبّ أربعة من أصحابي وأمرني بحبّهم. فقيل له: مَن هم يا رسول اللَّه؟ قال: عليّ سيّدهم، وسلمان والمقداد وأبوذر


[
حلية الأولياء 172:1؛ والاستيعاب 59: 2 في ترجمة سلمان الفارسيّ؛ والمستدرك للحاكم 130:3، وصحّحه.]



وضيّع حدود اللَّه، فلم يُقِد


[
في ش1 و ش2 : يقتل.]

عُبيداللَّه بن عمر حين قَتَلَ الهرمزان مولى أميرالمؤمنين عليه السلام بعد إسلامه


[
انظر ترجمته في الإصابة 618:3-619، وفي آخره: فانطلق عبيداللَّه بن عمر... فأتى الهرمزان فقتله.. فلمّا استُخلف عثمان قال له عمرو بن العاص: إنّ هذا الأمر كان، وليس لك على الناس سلطان! فذهب دم الهرمزان هدراً!! وانظر أيضاً تاريخ الطبريّ 42:5.]

، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام يطلب عُبيداللَّه لإقامة القصاص عليه، فلحق بمعاوية.


وأراد أن يعطّل حدّ الشرب في الوليد بن عقبة، حتّى حدّه أميرُالمؤمنين عليه السلام، وقال: لا يبطل حدُّ اللَّه وأنا حاضر


[
انظر قصّته كاملة في الغدير 120:8-125.]



وزاد الأذان الثاني يوم الجمعة وهي بِدعة، وصار سنّة إلى الآن


[
انظر: صحيح البخاريّ 1612:4/ ح4169 و2146:5/ ح5345؛ صحيح مسلم 1259:3/ ح1637.]

، وخالفه المسلمون كلّهم حتّى قُتِل، وعابوا فعاله وقالوا له: غِبتَ عن بدر، وهربتَ يوم اُحد، ولم تشهد بيعة الرضوان


[
مسند أحمد 68:1/ ح492.]

والأخبار في ذلك أكثر من أن تُحصى.


وقد ذكر الشهرستانيّ - وهو أشدّ المبغضين على الإماميّة - أنّ مثار الفساد بعد شبهة إبليس الاختلافات الواقعة في مرض النبيّ صلى الله عليه وآله؛ فأوّل تنازعٍ وقع في مرضه فيما رواه البخاريّ بإسناده إلى ابن عبّاس، قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي توفّي فيه قال: ائتوني بدواةٍ وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي، فقال عمر: إنّ صاحبَكم ليهجر؛ حسبُنا كتاب اللَّه! وكثر اللّغط، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: قوموا عنّي لاينبغي عندي التنازع.


والخلاف الثاني في مرضه صلى الله عليه وآله: أنّه قال: جهِّزوا جيشَ اُسامة! لعن اللَّه من تخلّف عنه. فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، واُسامة قد برز عن المدينة، وقال قوم: اشتدّ مرضه ولا يسع قلوبنا المفارقة.


والثالث في موته صلى الله عليه وآله: قال عمر: مَن قال أنّ محمّداً قد مات قتلتُه بسيفي هذا، وإنّما رُفع إلى السماء كما رُفع عيسى ابن مريم. وقال أبوبكر: مَن كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن كان يعبد إلهَ محمّد فإنّه حيّ لا يموت.


الرابع: في الإمامة؛ وأعظم خلاف بين الاُمّة خلاف الإمامة؛ إذ ما سُلّ سيفٌ في الإسلام على قاعدةٍ دينيّة مثل ما سُلّ على الإمامة في كلّ زمان، واختلف المهاجرون والأنصار، فقالت الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير، واتّفقوا على رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاريّ، فاستدرك عمر وأبوبكر بأن حضرا سقيفة بني ساعدة ومدّ عمر يده إلى أبي بكر فبايعه، فبايعه الناس. وقال عمر: إنّها كانت فلتةً وقى اللَّه شرَّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، وأميرالمؤمنين عليه السلام مشغول بما أمره النبيّ صلى الله عليه وآله من دفنه وتجهيزه ومُلازمة قبره، وتخلّف هو وجماعة عن البيعة.


الخامس: في فدك والتوارث عن النبيّ صلى الله عليه وآله، ودفعها أبوبكر بروايته عن النبيّ صلى الله عليه وآله: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة.


والسادس: في قتال مانعي الزكاة، فقاتلهم أبوبكر، واجتهد عمر في أيّام خلافته فردّ السبايا والأموال إليهم وأطلق المحبوسين.


السابع: في تنصيص أبي بكر على عمر بالخلافة، فمن الناس من قال: ولّيتَ علينا فظّاً غليظاً.


الثامن: في أمر الشورى، واتّفقوا بعد الاختلاف على إمامة عثمان. ووقعت اختلافات كثيرة، منها ردّه الحَكَم بن اُميّة إلى المدينة بعد أن طرده رسولُ اللَّه، وكان يُسمّى طريدَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وبعد أن تشفّع إلى أبي بكر وعمر أيّام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك، ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخاً.


ومنها نفيُه أبا ذر إلى الربذة، وتزويجه مروان بن الحكم ابنته، وتسليمه خُمس غنائم أفريقيّة له، وقد بلغت مائتي ألف دينار.


ومنها إيواؤه عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح بعد أن أهدر النبيّ صلى الله عليه وآله دمه، وتوليته إيّاه مِصر، وتوليته عبداللَّه بن عامر البصرة حتّى أحدث فيها ما أحدث، وكان اُمراء جنوده


[
في ش1 : اُمراؤه.]

: معاوية بن أبي سفيان عامل الشام، وسعيد بن العاص عامل الكوفة، وبعده عبداللَّه بن عامر، والوليد ابن عقبة عامل البصرة.


التاسع: في زمن أميرالمؤمنين عليه السلام بعد الاتّفاق عليه وعقد البيعة له؛ فأوّلاً خروج طلحة والزبير إلى مكّة، ثمّ حمل عائشة إلى البصرة، ثمّ نصب القتال معه، ويُعرَف ذلك بحرب الجَمَل، والخلاف بينه وبين معاوية وحرب صفّين، ومُغادرة عمرو بن العاص أبا موسى الأشعريّ، وكذا الخلاف بينه وبين الشراة المارقين بالنهروان، وفي الجملة: كان عليّ مع الحقّ والحقّ معه.


وظهر في زمانه الخوارج عليه، مثل الأشعث بن قيس، ومسعود بن مذكي التميميّ، وزيد بن حصين الطائيّ وغيرهم. وظهر في زمانه الغُلاة كعبداللَّه بن سبأ.


ومن الفريقين


[
أي من الخوارج والغُلاة.]

ابتدأت البدعة والضلالة، وصدق فيه قولُ النبيّ صلى الله عليه وآله: يهلك فيك اثنان: محبّ غالٍ ومُبغض قال


[
الملل والنحل 13:1-21.]



فانظر بعين الإنصاف إلى كلام هذا الرجل، هل خرج موجب الفتنة عن المشايخ أو تعدّاهم؟


الفصل الثالث: في الأدلّة على إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله


في الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين



أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله


الأدلّة في ذلك كثيرة لا تُحصى، لكن نذكر المهمّ منها، وننظمه أربعة مناهج:


في الأدلّة العقليّة



انّ الإمام يجب أن يكون معصوماً


إنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً، ومتى كان كذلك، كان الإمام هو عليّ عليه السلام.


أمّا المقدّمة الاُولى؛ فلأنّ الإنسان مدنيّ بالطبع لا يمكن أن يعيش منفرداً، لافتقاره في بقائه إلى مأكل وملبس ومسكن لا يمكن أن يفعلها بنفسه، بل يفتقر إلى مساعدة غيره بحيث يفزع كلّ منهم لما يحتاج إليه صاحبه حتّى يتمّ نظام النوع. ولمّا كان الاجتماع في مظنّة التغالب والتناوش، فإنّ كلّ واحد من الأشخاص قد يحتاج إلى ما في يد غيره، فتدعوه قوّته الشهويّة إلى أخذه وقهره عليه وظلمه فيه، فيؤدّي ذلك إلى وقوع الهرج والمرج وإثارة الفتن، فلابدّ من نصب إمامٍ معصوم يصدّهم عن الظلم والتعدّي، ويمنعهم عن التغلّب والقهر، وينتصف للمظلوم من الظالم، ويوصل الحقّ إلى مستحقّه، لا يجوز عليه الخطاء ولا السهو ولا المعصية، وإلّا لافتقر إلى إمامٍ آخر؛ لأنّ العلّة المُحوجة إلى نصب الإمام هو جواز الخطأ على الاُمّة، فلو جاز الخطأ عليه لاحتاج إلى إمام


[
في ش1 و ش2 : إمام آخر.]

، فإن كان معصوماً كان هو الإمام، وإلّا لزم التسلسل.


وأمّا المقدّمة الثانية فظاهرة؛ لأنّ أبابكر وعمر وعثمان لم يكونوا معصومين اتّفاقاً، وعليّ عليه السلام معصوم؛ فيكون هو الإمام.


ان الإمام يجب أن يكون منصوصا عليه



إنّ الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه؛ لما بيّنّا من بُطلان الاختيار، وأنّه ليس بعض المختارين "لبعض الاُمّة أولى من البعض"


[
مابين القوسين ساقط من ش2 .]

المختار للآخر، ولأدائه إلى التنازع والتناحر


[
في ش1 و ش2 : التشاجر.]

، فيؤدّي نصب الإمام إلى أعظم أنواع الفساد التي لأجل إعدام الأقلّ منها أوجبنا نصبه، وغيرُ عليّ عليه السلام من أئمّتهم لم يكن منصوصاً عليه بالإجماع، فتعيّن أن يكون هو الإمام.


ان الإمام يجب أن يكون حافظا للشرع



إنّ الإمام يجب أن يكون حافظاً للشرع، لانقطاع الوحي بموت النبيّ صلى الله عليه وآله، وقصور الكتاب والسنّة عن تفاصيل أحكام الجزئيّات الواقعة إلى يوم القيامة، فلابدّ من إمام "منصوب"


[
في ش1 و ش2 : منصوص.]

من اللَّه تعالى، معصوم من الزلل والخطأ، لئلّا يترك بعض الأحكام أو يزيد فيها عمداً أو سهواً، وغير عليّ عليه السلام لم يكن كذلك بالإجماع.


الضرورة الداعية لنصب الإمام من قبل الله تعالي



إنّ اللَّه تعالى قادر على نصب إمام معصوم، والحاجة للعالم داعية إليه، ولامفسدة فيه، فيجب نصبه، وغيرُ عليّ عليه السلام لم يكن كذلك إجماعاً، فتعيّن أن يكون الإمام هو عليّ عليه السلام. أمّا القدرة فظاهرة، وأمّا الحاجة فظاهرة أيضاً؛ لما بيّنّا من وقوع التنازع بين العالم، وأمّا انتفاء المفسدة فظاهر أيضاً؛ لأنّ المفسدة لازمة لعدمه. وأمّا وجوب نصبه، فلأنّ عند ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل.


ان الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته



إنّ الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيّته، وعليّ عليه السلام أفضل أهل زمانه على ما يأتي، فيكون هو الإمام؛ لقُح تقديم المفضول على الفاضل عقلاً ونقلاً. قال اللَّه تعالى: أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ


[
يونس: 35.]



في الأدلّة القرآنية علي امامة اميرالمؤمنين



سوره مائده، آيه 55


قوله تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ


[
المائدة: 55.]

، وقد أجمعوا على أنّها نزلت في عليّ عليه السلام.


قال الثعلبيّ بإسناده إلى أبي ذر، قال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بهاتَيْن وإلّا فصُمّتا، ورأيتُه بهاتَيْن وإلّا فعميتا، يقول: عليٌّ قائد البَررَة وقاتل الكَفَرة، منصورٌ مَن نصره، مخذولٌ مَن خَذَله، أما إنّي صلّيتُ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوماً صلاةَ الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يُعطِه أحدٌ شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال: اللهمّ اشهَد أنّي سألتُ في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فلم يُعطِني أحد شيئاً! وكان عليّ عليه السلام راكعاً، فأومأ إليه بخُنصره اليمنى - وكان يتختّم بها - فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خُنصره، وذلك بعين النبيّ


[
في ش1 : رسول اللَّه.]

صلى الله عليه وآله. فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهمّ إنّ موسى سألك فقال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي، وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي


[
طه: 32 - 25.]

فأنزلتَ عليه قرآناً ناطقاً سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا


[
القصص: 35.]

اللهمّ


[
في ش1 : فأنا أسألك ما سأل، اللهمّ...؛ في ش2 : فأنا سألتك ما سأل، اللهمّ....]

وأنا محمّد نبيّك وصفيّك؛ اللهمّ فاشرَحْ لي صدري ويَسِّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً اشدُد به ظهري!


قال أبوذر: فما استتمّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله حتّى نزل عليه جبرئيل عليه السلام من عند اللَّه تعالى فقال: يا محمّد، إقرأ! قال: وما أَقرأُ؟ قال: إقرأ: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: تذكرة الخواصّ: 15؛ والعمدة لابن البطريق: 120 - 119/ ح158. وانظر: شواهد التنزيل 229:1-231/ ح235؛ رواه عن ابن عبّاس، وأنس بن مالك، ومحمّد ابن الحنفيّة، وعطاء بن السائب، وابن جُريج، وعمّار بن ياسر، وجابر بن عبداللَّه، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، والمقداد بن الأسود الكنديّ، ونَقَلَ أشعار حسّان بن ثابت في ذلك. ورواه الواحديّ في أسباب النزول: 134 - 133 بإسناده عن ابن عبّاس.]



ونقل الفقيه ابن المغازليّ الواسطيّ الشافعيّ عن ابن عبّاس، أنّ هذه الآية نزلت في عليّ عليه السلام


[
مناقب ابن المغازليّ: 311/ ح354.]

؛ والوليّ هو المتصرّف، وقد أثبت له الولاية في الآية


[
في ش1 و ش2 : الاُمّة.]

، كما أثبتها اللَّه تعالى لنفسه ولرسوله صلى الله عليه وآله.


سوره مائده، آيه 67



قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ


[
المائدة: 67.]

اتّفقوا على نزولها في عليّ عليه السلام.


روى أبو نعيم الحافظ من الجمهور، بإسناده عن عطيّة، قال: نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في عليّ "بن أبي طالب عليه السلام"


[
في ر فقط. رواه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام ، كما في النور المشتعل 86/ ح16.]



ومن تفسير الثعلبيّ، قال: معناه بلِّغ ما اُنزل إيك من ربّك في فضل عليّ؛ فلمّا نزلت هذه الآية، أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بيد عليّ، وقال: مَن كنت مولاه فعليّ مولاه


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: العمدة لابن البطريق 99/ ح123. وانظر: شواهد التنزيل 239:1/ ح240؛ وتفسير الطبريّ 198:6؛ وتفسير الدرّ المنثور 298:2.]



والنبيّ صلى الله عليه وآله مولى أبي بكر وعمر وباقي


[
في ش1 : سائر.]

الصحابة بالإجماع، فيكون عليّ عليه السلام مولاهم، فيكون هو الإمام.


ومن تفسير الثعلبيّ، قال: لمّا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بغدير خُمّ، نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليّ عليه السلام، فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاهُ، فشاع ذلك وطار في البلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهريّ، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على ناقته، حتّى "أتى الأبطح، فنزل عن ناقته"


[
مابين القوسين سقط من ش2 .]

فأناخها وعقلها، وأتى النبيّ صلى الله عليه وآله وهو في ملأ من أصحابه


[
في ر : الصحابة.]

، فقال: يا محمّد! أمرَتنا عن اللَّه أن نشهد أن لا إله إلّا اللَّه وأنّك رسول اللَّه فقبلناه منك، وأمرتَنا أن نُصلّي خمساً


[
في ش1 : خمس صلوات.]

فقبلناه منك، وأمرتَنا أن نصوم شهراً فقبلناه منك، وأمرتنا أن نُزكّي أموالنا فقبلناه منك، وأمرتنا أن نحجّ البيت فقبلناه، ثمّ لم ترضَ بهذا حتّى رفعتَ بضبْعَي ابن عمّك ففضّلتَه علينا وقلت: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ؛ فهذا شي ءٌ منك أم من اللَّه؟


فقال: والذي لا إله إلّا هو إنّه من أمر اللَّه


[
في ش1 : من اللَّه.]

؛ فولّى الحارثُ بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهمّ إن كان ما يقول محمّد حقّاً فأَمْطِرْ علينا حجارةً من السماء أو ائتِنا بعذابٍ أليم.


فما وصل إليها حتّى رماه اللَّه بحجر


[
في ش1 : رماه بحجر.]

، فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل اللَّه تعالى: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ


[
المعارج: 2 - 1.]


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: تذكرة الخواصّ: 30 و31؛ والعمدة لابن البطريق: 101/ - 100 ح135. وانظر: الفصول المهمّة: 42؛ ينابيع المودّة 369:2-370/ باب 58. وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهده 381:2-385/ ح1034 - 1030 عن عليّ عليه السلام، وعليّ بن الحسين عليه السلام، ومحمّد بن عليّ عليه السلام، وحذيفة بن اليمان، وأبي هريرة.


وقال في الحديث1032: وفي الباب عن حذيفة، وسعد بن أبي وقّاص، وأبي هريرة، وابن عبّاس.]



وقد روى هذه الرواية النقّاش من علماء الجمهور في تفسيره.


سوره مائده، آيه 3



قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً


[
المائدة: 3.]



روى أبو نعيم بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ، قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله دعا الناس إلى عليّ في غدير خمّ، وأمر بما تحت الشجر من الشوك "فقُمّ، ودعا"


[
في ش1 : فكُنس فقام فدعا.]

عليّاً فأخذ بضبعَيه فرفعهما حتّى نظر الناس إلى بياض إِبطَي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً . فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اللَّه أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الربّ برسالتي وبالولاية لعليّ


[
في ش1 : لعليّ بن أبي طالب.]

من بعدي، ثمّ قال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصُرْ من نصره، واخذلْ من خذله!


[
هو من الأحاديث المتواترة بين الخاصّة والعامّة؛ رواه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل: 57 - 56/ ح4؛ ورواه في حلية الأولياء 23:4 بإسناده عن بريدة؛ و27:5 بإسناده عن عمر بن سعد؛ و364:5 بإسناده عن يزيد بن عمر بن مورق. ورواه المحدّثون وعلماء السير في مصنّفاتهم بألفاظ مختلفة؛ انظر: مسند أحمد 84:1/ ح642؛ و281:4/ ح18011؛ و368:4/ ح18793.


ورواه كذلك: ابن ماجة في سننه 55:1؛ والحاكم في المستدرك 109:3 و110؛ والهيثميّ في مجمع الزوائد 104:9-108، حيث روى ما يقرب من اثنين وعشرين حديثاً بأسانيد مختلفة؛ وأخرجه الخوارزميّ في مناقبه: 136 - 135/ ح152، وسبط ابن الجوزويّ في تذكرة الخواصّ: 30 - 29، ثمّ قال: اتّفق علماء السير على أنّ قصّة الغدير كانت بعد رجوع النبيّ صلى الله عليه وآله من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفاً، وقال: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه ... الحديث؛ نصّ صلى الله عليه وآله على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.]



سوره نجم، آيه 1 و 2



قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى


[
النجم: 1 و2.]



روى الفقيه عليّ بن المغازليّ الشافعيّ، بإسناده عن ابن عبّاس، قال: كنتُ جالساً مع فتيةٍ من بني هاشم عند النبيّ صلى الله عليه وآله، إذ انقضّ كوكب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَن انقضّ هذا النجم في منزله فهو الوصيّ من بعدي! فقام فتية من بني هاشم فنظروا، فإذا الكوكب قد انقضّ في منزل عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قالوا


[
في ر : قال.]

: يا رسول اللَّه قد غويتَ في حبّ عليّ! فأنزل اللَّه تعالى: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى


[
مناقب ابن المغازليّ: 266/ ح313 و310/ ح353؛ شواهد التنزيل 275:2-277 / ح910 و911.]



سوره احزاب، آيه 33



قوله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً


[
الأحزاب: 33.]



روى أحمد بن حنبل في "مسنده عن"


[
مابين القوسين سقط من ش1 .]

واثلة بن الأصقع، قال: طلبتُ عليّاً عليه السلام في منزله، فقالت فاطمة: ذهب "يأتي برسول"


[
في ش2 : إلى رسول.]

اللَّه صلى الله عليه وآله، فجاءا جميعاً، فدخلا ودخلتُ معهما، فأجلس عليّاً عن يساره، وفاطمة عن يمينه، والحسن والحسين بين يدَيه، ثمّ التفع عليهم ثوبه


[
في ش1 : ثوباً، وفي ش2 : بثوبه.]

وقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ؛ اللهمّ إنّ هؤلاءِ


[
في ش1 : اللهمّ هؤلاء أهلي.]

أهلي؛ اللهمّ هؤلاء أحقّ


[
مسند أحمد 107:4/ ح 17029.]



وعن اُمّ سلمة، قالت: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان في بيتها فأتته فاطمة ببُرنة


[
في ش1 و ش2 : ببرمة.]

فيها حريرة فدخلت بها عليه، قال: ادعي لي زوجك وابنَيْك. قالت: فجاء عليّ وحسن وحسين عليهم السلام فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة، وهُوَ وَهُمْ على منامٍ له على دكّان تحته كساء خيبريّ، قالت: وأنا في الحجرة اُصلّي، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، قالت: فأخذ فضل الكساء وكساهم به، ثمّ أخرَج يده فألوى بها إلى السماء، وقال: هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، اللهمّ فأَذْهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وكرّر ذلك. قالت: فأدخلتُ رأسي وقلتُ: وأنا معكم يا رسول اللَّه؟ قال: إنّك إلى خير "إنّك إلى خير"


[
مابين القوسين في ر فقط.]


[
مسند أحمد 292:6/ ح26551.]



وفي هذه الآية دلالة على العصمة، مع التأكيد بلفظ إنّما ، وبإدخال اللام في الخبر، والاختصاص في الخطاب بقوله أَهْلَ الْبَيْتِ ، والتكرير بقوله يُطَهِّرَكُمْ والتأكيد بقوله تَطْهِيراً ، وغيرهم ليس بمعصوم، فتكون الإمامة في عليّ عليه السلام.


ولأنّه ادّعاها في عدّة أقواله، كقوله: واللَّهِ لقد تقمّصها ابنُ أبي قحافة "وهو يعلم"


[
في ش1 و ش2 : وإنّه ليعلم.]

أنّ محلّي منها محلّ القُطب من الرحى


[
شرح النهج لابن أبي الحديد 63:1.]

؛ وقد ثبت نفيُ الرجس عنه، فيكون صادقاً، فيكون هو الإمام.


سوره نور، آيه 36



قوله تعالى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ


[
النور: 36.]

الآية.


قال الثعلبيّ بإسناده عن أنس بن مالك وبريدة، قالا: قرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هذه الآية، فقام رجلٌ فقال: أيُّ بيوتٍ هذه يا رسول اللَّه؟


فقال: بيوت الأنبياء.


فقام إليه أبوبكر، فقال: يا رسول اللَّه، هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة.


قال: نعم، من أفاضلها


[
خصائص الوحي المبين: 79/ الفصل 4، والعمدة لابن البطريق: 291/ ح478، عن الثعلبيّ، وانظر ما روته العامّة من مناقب أهل البيت للشروانيّ: 94 - 93.]



وَصَفَ فيها الرجال بما يدلّ على أفضليّتهم، فيكون عليٌّ هو الإمام، وإلّا لزم تقديم المفضول على الفاضل.


سوره شوري، آيه 23



قوله تعالى: قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلّاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى


[
الشورى: 23.]



روى أحمد في مسنده، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزل قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرَاً إِلّاَ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا: يا رسول اللَّه، مَن قرابتك الّذين وجبتْ علينا مودّتُهم؟ قال: عليّ وفاطمة وابناهما عليهم السلام.


[
لم أعثر عليه في المسند. وقد خرّجه في كتاب فضائل الصحابة 669:2/ ح1141، وخرّجه عنه محبّ الدين الطبريّ في ذخائر العقبى: 24، وابن حجر في الصواعق المحرقة: 101، وانظر: شواهد التنزيل 189:2-196/ الأحاديث 828 - 822؛ والفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: 29 عن البغويّ في تفسيره، ومناقب ابن المغازليّ: 309 - 207؛ ومجمع الزوائد 103:7؛ و134:9 و168؛ وتفسير الكشّاف 129:4، ذيل الآية؛ وتفسير الدرّ المنثور 7:6 ذيل الآية عن ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبرانيّ وابن مردوَيه. ثمّ قال: وأخرج البخاريّ عن أبي بكر، قال: ارقبوا محمّداً صلّى اللَّه عليه |وآله| وسلّم في أهل بيته!!.]

وكذا تفسير الثعلبيّ


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: العمدة لابن البطريق 50/ ح43.]

، ونحوه في الصحيحَيْن.


وغير عليّ عليه السلام من الصحابة الثلاثة لا تجب مودّته، فيكون عليّ عليه السلام أفضل، فيكون هو الإمام؛ لأنّ مخالفته تنافي المودّة، وامتثال أوامره يكون مودّة، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى الإمامة.


سوره بقره، آيه 207



قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ


[
البقرة: 207.]



قال الثعلبيّ: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لمّا أراد الهجرة، خلّف عليّ بن أبي طالب عليه السلام لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلةَ خرج إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار، أن ينام على فراشه، فقال له: يا عليّ، اتّشحْ ببُردي الحضرميّ الأخضر ونَمْ على فراشي، فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء اللَّه عزّ وجلّ، ففعل ذلك، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيل: إنّي قد آخيْتُ بينكما وجعلتُ عُمْرَ أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيّكما يُؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيتُ بينه وبين محمّد، فبات على فراشه يفيده بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا، فكان جبرئيل عليه السلام عند رأسه وميكائيل عليه السلام عند رجلَيْه، فقال جبرئيل: بَخّ بَخٍّ! مَن مثلك يا ابن أبي طالب يُباهي اللَّه بك الملائكة! فأنزل اللَّه على رسوله وهو متوجّه إلى المدينة في شأن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ .


وقال ابن عبّاس: إنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام لمّا هرب النبيّ صلى الله عليه وآله من المشركين إلى الغار


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: تذكرة الخواصّ: 35؛ والعمدة لابن البطريق: 240 - 239/ ح367. وانظر: كفاية الطالب: 239/ باب 62؛ ينابيع المودّة 274:1/ باب 21؛ شواهد التنزيل 123:1-131/ الأحاديث 142 - 133؛ مسند أحمد 330:1/ ح 3052؛ تفسير الطبريّ 140؛ مستدرك الحاكم 4:3؛ المناقب للخوارزميّ: 127/ ح141 - فصل 12.]



وهذه فضيلة لم تحصل لغيره تدلّ على أفضليّته على جميع الصحابة، فيكون هو الإمام.


سوره آل عمران، آيه 61



قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ


[
آل عمران: 61.]



نقل الجمهور كافّة أنّ أبْنَاءَنَا إشارة إلى الحسن والحسين، و نِسَاءَنَا إشارة إلى فاطمة عليها السلام، و أَنْفُسَنَا إشارة إلى "عليّ بن أبي طالب"


[
في ش1 : أميرالمؤمنين عليه السلام.]

؛ وهذه الآية أدلّ دليل على ثبوت الإمامة لعليّ عليه السلام؛ لأنّه تعالى قد جعله نَفْسَ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، والاتّحاد محال، فينبغي


[
في ش1 و ش2 : فيبقى.]

المراد المساوي، وله صلى الله عليه وآله الولاية العامّة، فكذا لمُساويه.


وأيضاً لو كان غير هؤلاء مساوياً لهم أو أفضل منهم في استجابة الدعاء، لأمره اللَّه تعالى بأخذهم معه؛ لأنّه في موضع الحاجة، وإذا كانوا هم الأفضل تعيّنت الإمامة فيهم.


وهل تخفى دلالة هذه الآية على المطلوب إلّا على مَن استحوذ


[
في ر : استحكم.]

الشيطان عليه وأخذ بمجامع قلبه، وخيل له حبّ الدنيا التي لا ينالها إلّا بمنع أهل الحقّ عن حقّهم.


سوره بقره، آيه 37



قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ


[
البقرة: 37.]



روى الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ، بإسناده عن ابن عبّاس، قال: سُئل النبيّ صلى الله عليه وآله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال: سأله بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تُبتَ عليّ! فتاب عليه


[
مناقب ابن المغازليّ: 63/ ح89، وعنه: ينابيع المودّة 288:1/ ح4. وانظر تفسير الدرّ المنثور 60:1-61 ذيل الآية عن ابن النجّار.]



وهذه فضيلة لم يلحقه أحد من الصحابة فيها، فيكون هو الإمام لمساواته النبيّ صلى الله عليه وآله في التوسّل به إلى اللَّه تعالى.


سوره بقره، آيه 124



قوله تعالى: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي


[
البقرة: 124.]



روى الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ، عن عبداللَّه بن مسعود، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ، لم يسجد أحدنا لصنم قطّ، فاتّخذني نبيّاً واتّخذ عليّاً وصيّاً.


[
مناقب ابن المغازليّ: 276/ الحديث 322، وعنه في ينابيع المودّة 288:1/ باب 24.]

وهذا نصّ في الباب.


سوره مريم، آيه 96



قوله تعالى: إِنّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً


[
مريم: 96.]



روى الحافظ أبو نعيم بإسناده إلى ابن عبّاس، قال: نزلت في عليّ عليه السلام؛ قال: والودّ محبّته في قلوب المؤمنين


[
ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام؛ وعنه: النور المشتعل: 130 - 129/ ح34؛ ومناقب آل أبي طالب 93:3.


وروى الطبرانيّ في المعجم الكبير 122:12/ ح12655 بإسناده عن ابن عبّاس، في قوله تعالى: سَيَجْعَلُ لَهُم الرَّحْمنِ وُدَّاً ، قال: المحبّة في صدور المؤمنين؛ نزلت في عليّ بن أبي طالب كرّم اللَّه وجهه.]



وعن تفسير الثعلبيّ: عن البراء بن عازب، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا عليّ، قل: اللهمّ اجعَلْ لي عندك عهداً، واجعلْ لي في صدور المؤمنين


[
في ش1 : المسلمين.]

مودّة! فأنزل اللَّه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: تذكرة الخواصّ: 17 - 16. وانظر: الغدير 55:2-56.


وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 327/ ح374 بإسناده عن البَراء، وفي 328/ ح375 بإسناده عن ابن عبّاس؛ وأخرجه محبّ الدين الطبريّ في ذخائر العقبى: 89 عن ابن الحنفيّة، وقال: أخرجه الحافظ السلفيّ.


وأخرجه القندوزيّ في ينابيع المودّة 360:2/ الباب 58 عن جواهر العقدين، و456:2/ الباب 59 عن الصواعق المحرقة.


ورواه الزمخشريّ في الكشّاف 47:3 ذيل الآية؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 287:4 ذيل الآية، وقال: وأخرج ابن مردويه والديلميّ عن البَراء، قال... الحديث. ثمّ قال: وأخرج الطبرانيّ وابن مردويه عن ابن عبّاس، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً ، قال: محبّةً في قلوب المؤمنين.]

؛ ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك، فيكون أفضل منهم، فيكون هو الإمام.


سوره رعد، آيه 7



قوله تعالى: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ


[
الرعد: 7.]



من كتاب الفردوس، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أنا المنذر وعليٌّ الهادي، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون


[
لم أقف عليه في الفردوس المطبوع. وقد أخرجه عن الفردوس: القندوزيّ في ينابيع المودّة: 247 - 246/ الباب 57، والسيوطيّ في الدرّ المنثور 45:4 ذيل الآية، وقال: وأخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة والديلميّ وابن عساكر وابن النجّار، قال... الحديث.


وأخرجه كذلك عن ابن مردويه عن أبي برزة الأسلميّ، وعن ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عبّاس، وعن عبداللَّه بن أحمد في زوائد المسند، وابن أبي حاتم، والطبرانيّ في الأوسط، والحاكم وصحَّحه، وابن مردويه وابن عساكر عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.


ورواه الحاكم في المستدرك 129:3، والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 233 - 232/ الباب 62؛ وابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة: 123/ فصل في ذكر مناقبه الحسنة ، والحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل 381:1-395/ الأحاديث 416 - 398 بأسانيد مختلفة؛ عن ابن عبّاس، وأبي هريرة وأبي برزة الأسلميّ، وعمر بن عبداللَّه بن يعلى بن مرّة، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، والزرقاء الكوفيّة، ومجاهد.]

؛ ونحوه رواه أبو نعيم.


[
ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام؛ وعنه: النور المشتعل: 130 - 129/ ح34؛ ومناقب آل أبي طالب 93:3.]

وهو صريح في ثبوت الولاية والإمامة.


سوره صافات، آيه 24



قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ


[
الصافات: 24.]



من طريق الحافظ أبي نعيم، عن الشعبيّ


[
في ش1 : الثعلبيّ.]

، عن ابن عبّاس، قال: في قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ، قال: عن ولاية عليّ بن أبي طالب.


[
ما نزل من القرآن في عليّ عليه السلام؛ وعنه: النور المشتعل: 196/ ح53؛ وينابيع المودّة 234:1/ الرقم 12. وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل 162:2 و163/ الحديثان 789 و790 عن ابن عبّاس؛ ورواه عن أبي سعيد ومندل العنزيّ وأبي جعفر.


وأخرجه الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 247 عن ابن جرير الطبريّ؛ والخوارزميّ في المناقب: 275/ ح256 في تفسير الآية؛ وابن حجر في الصواعق المحرقة: 149/ الباب 11 - الفصل الأوّل.]

وكذا في كتاب الفردوس عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلى الله عليه وآله


[
الفردوس؛ وعنه: ينابيع المودّة 334:1/ الرقم 11.]



وإذا سُئلوا عن الولاية، وجب أن تكون ثابتةً له؛ ولم يَثبتْ لغيره من الصحابة ذلك، فيكون أفضل، فيكون هو الإمام.


سوره محمد، آيه 30



قوله تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ


[
محمّد صلى الله عليه وآله: 30.]



روى أبو نعيم الحافظ، بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ في قوله تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ؛ قال: ببُغضهم عليّاً


[
حلية الأولياء 295:6؛ وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 315/ ح359؛ والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 235/ الباب 62؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 66:6 عن أبي سعيد الخدريّ.


وقال السيوطيّ: عن ابن مسعود، قال: ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا ببغضهم عليّ بن أبي طالب.


وأخرج الطبرانيّ في معجمه الأوسط 76:3/ ح2147 بإسناده عن جابر بن عبداللَّه، قال: ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغضهم عليّاً رضى الله عنه.


وأخرج في 89:3/ ح2177 عن عمران بن الحصين أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لعليّ: لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يُبغضك إلّا منافق.


وأخرج الديلميّ في الفردوس 319:5-320/ ح8313 عن عليّ مرفوعاً، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا عليّ لا يبغضك من الرجال إلّا مُنافق، ومَن حملته اُمُّه وهي حائض، ولا يُبغضك من النساء إلّا السلقلق.


وأخرج في 316:5/ ح8303 عن معاوية بن حيدة مرفوعاً: يا عليّ، ما كنتُ اُبالي مَن مات من اُمّتي وهو يُبغضك، مات يهوديّاً أو نصرانيّاً.


وفي 330:5/ ح8339 عن بهز بن حكيم مرفوعاً كما في الحديث السابق باختلاف يسير.]



ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك، فيكون أفضل منهم، فيكون هو الإمام.


سوره واقعه، آيه 10 و 11



قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقرَّبُونَ


[
الواقعة: 10 و11.]



روى أبو نعيم الحافظ، عن ابن عبّاس، قال في هذه الآية: سابق هذه الاُمّة عليّ ابن أبي طالب


[
ما نزل من القرآن في عليّ، كما في المنور المشتعل: 242 - 240/ ح65؛ خصائص الوحي المنبين: 72/ ح1 عن أبي نعيم. وانظر: شواهد التنزيل 296:2/ ح929.]



وروى الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ عن مجاهد، عن ابن عبّاس، في قوله: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ؛ قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى


[
في ر بزيادة: "وسبق موسى إلى فرعون". ولم ترد هذه الزيادة في مناقب ابن المغازليّ ولا في باقي النسخ الخطيّة للمنهاج.]

، و "صاحب يس"


[
في ش1 و ش2 : وسبق شمعون.]

إلى عيسى، وسبق عليّ إلى محمّد صلى الله عليه وآله


[
مناقب ابن المغازليّ: 320/ ح365.


وأخرجه الخوارزميّ في المناقب: 55/ ح20، والحاكم الحسكانيّ في شواهده 291:2-294/ الأحاديث 927 - 924، والقندوزيّ في الينابيع 192:1/ الباب 12؛ و346:1/ الباب 38؛ و367:3/ الباب 90.


وأخرجه الديلميّ في الفردوس 421:2/ ح3866 عن عليّ بن داود بن بلال بن أجنحة مرفوعاً: الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعليّ وهو أفضلهم.]



سوره توبه، آيه 20



قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدَوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ ...


[
التوبة: 20.]

الآيات.


روى رزين بن معاوية في الجمع بين الصحاح الستّة أنّها نزلتْ في عليّ عليه السلام لمّا افتخر طلحة بن شيبة والعبّاس


[
الجمع بين الصحاح الستّة للعبدريّ، وعنه: الصراط المستقيم 233:1. ورواه الترمذيّ في سننه 406:5/ ح3300؛ وأخرجه الطبريّ في تفسيره 68:10؛ والواحديّ النيسابوريّ في أسباب النزول: 164؛ والفخر الرازيّ في التفسير الكبير 16:10، وابن الصبّاغ في الفصول المهمّة: 125 - 124/ الفصل الأوّل في ذِكر مناقبه الحسنة .]



وهذه فضيلة لم تحصل لغيره من الصحابة، فيكون أفضل، فيكون هو الإمام.


سوره مجادله، آيه 12



قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ ...


[
المجادلة: 12.]

الآية.


من طريق الحافظ أبي نعيم إلى ابن عبّاس، قال: إنّ اللَّه حرّم كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا بتقديم الصدقة، وبخلوا أن يتصدّقوا قبل كلامه، وتصدّق عليّ عليه السلام، ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره!


[
شواهد التنزيل 322:2/ ح964 بإسناده عن ابن عبّاس. ورواه في 311:2-324/ ح 963 - 949، وح965 و966 عن مجاهد وعليّ عليه السلام وأبي أيّوب الأنصاريّ.


ورواه النيسابوريّ في أسباب النزول: 276، والنسائيّ في الخصائص: 39، والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 135، والترمذيّ في صحيحه 303:5/ ح3810؛ والخوارزميّ في مناقبه: 277/ ح261؛ وابن المغازليّ في مناقبه: 325 و326/ ح372 و373؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 185:6.]



ومن تفسير الثعلبيّ قال ابن عمر: كان لعليّ عليه السلام ثلاثة، لو كانت لي واحدة منهنّ كانت أحبّ إليّ من حُمر النَّعم: تزويجه بفاطمة عليها السلام، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه الصراط المستقيم 181:1؛ ورواه الزمخشريّ في الكشّاف 494:4، ذيل آية المناجاة، والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 137 - 136.]



وروى رزين العبدريّ في الجمع بين الصحاح الستّة ، عن عليّ عليه السلام: ما عمل بهذه الآية غيري، وبي خفّف اللَّهُ تعالى عن هذه الاُمّة


[
العمدة لابن البطريق: 186/ ح287 عن كتاب الجمع بين الصحاح الستّة؛ وقال ابن البطريق: اعلم أنّ في هذه الآية تنويهاً بذكر أميرالمؤمنين عليه السلام، وإثباتاً لكونها منقبة خاصّة له، لأنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد جعل لكلّ مؤمن طريقاً إلى العمل بهذه الآية إلّا الأقلّ، لأنّه سبحانه وتعالى ما جعل للصدقة الّتي تقدّم بين يدي نجوى الرسول صلى الله عليه وآله حدّاً مُقدَّراً، فيقال أنّه يعجز عنه الفقير ويتأتّى ذلك على الموسر، وإنّما جعل ذلك بحسب الإمكان، على الموسع قدره وعلى المُقتِر قدره، بحيث لو أراد أكثر أقارب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأصحابه العمل بذلك لقدروا عليه ولم يكن ذلك عليهم متعذّراً، فترْكُ الكلّ لاستعمال هذه الآية دليلٌ على أنّه سبحانه وتعالى جعلها منقبة لهخاصّة ليتميّز بها عن غيره...


ثمّ قال: ويزيده بياناً وإيضاحاً أنّ النَّسْخ لهذه الآية إنّما حصل عقيب فعل أميرالمؤمنين عليه السلام، فحصوله عقيب فعله يدلّ على أنّها كانت لإظهار منقبته من قِبل اللَّه تعالى.


ويزيد أيضاً بياناً أنّ أحداً لا يدّعيها لغيره عليه السلام من كافّة أهل الإسلام، وحصول الإجماع عليها من أدلّ دليل أيضاً.


وأخرج هذا الحديث كلٌّ من: الترمذيّ في سننه 406:5/ ح3300؛ وأبو يعلى في مسنده 322:1/ ح400؛ والطبريّ في تفسيره 21: 28؛ وابن كثير في تفسيره 328:4.]



وهذا يدلّ على أفضليّته عليهم، فيكون أحقّ بالإمامة.


سوره زخرف، آيه 45



قوله تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُّسُلِنَا


[
الزخرف: 45.]



قال ابن عبد البرّ - وأخرجه أبو نعيم أيضاً - قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله ليلة اُسري به جمع اللَّه تعالى بينه وبين الأنبياء، ثمّ قال له: سَلهم يا محمّد على ماذا بُعثتم؟ فقالوا: بُعثنا على شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وعلى الإقرار بنبوّتك والولاية لعليّ بن أبي طالب


[
أخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهده 222:2-225/ الأحاديث 858 - 855، والخوارزميّ في المناقب: 312/ الفصل 19 - ح312، والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 75/ الباب 5، وقال: رواه الحاكم في النوع الرابع والعشرين من معرفة علوم الحديث.]



وهذا تصريح بثبوت الإمامة لعليّ عليه السلام.


سوره حاقه، آيه 12



قوله تعالى: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ


[
الحاقّة: 12.]



في تفسير الثعلبيّ: قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: سألْتُ اللَّهَ عزّ وجلّ أن يجعلها اُذُنُك يا عليّ


[
أخرجه ابن البطريق في ا لعمدة: 290 - 289/ ح473 عن الثعلبيّ؛ وانظر أيضاً: أهل البيت في تفسير الثعلبيّ: 223/ الرقم 394 و395؛ وأخرج الحديث أيضاً الزمخشريّ في الكشّاف 600:4 ذيل الآية؛ والخوارزميّ في المناقب: 283 - 282/ ح277؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهده 361:2/ ح1007؛ و365:2/ ح1011؛ و368:2-371/ الأحاديث 1019 - 1031؛ و376:2-378/ الأحاديث 1029 - 1026؛ وابن المغازليّ في المناقب: 319 - 318/ ح363؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 260:6 ذيل الآية.]



ومن طريق أبي نعيم، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا عليّ، إنّ اللَّه عزّ وجلّ أمرني أن اُدنيك واُعلّمك لِتَعيَ، واُنزلت هذه الآية أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ، فأنت اُذنٌ واعية للعلم


[
أخرجه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء 67:1وأخرجه الواحديّ النيسابوريّ في أسباب النزول: 294؛ وابن المغازليّ في المناقب: 319/ ح364؛ والخوارزميّ في المناقب: 282/ ح276؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل 263:2-264/ الأحاديث 1010 - 1008؛ و366:2/ ح1012؛ و372:2-375/ الأحاديث 1025 - 1020؛ و377:2/ ح1027؛ والطبريّ في تفسيره 35:29 ذيل الآية؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 260:6 ذيل الآية، أخرجه عن ابن جرير وابن أبي حاتم والواحديّ وابن مردوَيه وابن عساكر وابن النجّار عن بريدة؛ وعن أبي نعيم في الحلية عن عليّ عليه السلام.


وأخرجه الديلميّ في الفردوس 329:5/ ح8338 مرفوعاً: يا عليّ، إنّ اللَّه أمرني أن اُدنيك فاُعلّمك التُّقى، واُنزلت هذه الآية وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ، فأنت اُذن واعيةٌ لعِلمي.]



وهذه الفضيلة لم تحصل لغيره، فيكون هو الإمام.


سوره انسان، آيه 1



في تفسير الثعلبيّ، من طرق مختلفة، قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام، فعادهما جدّهما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعامّة العرب، فقالوا له: يا أباالحسن لو نذرتَ على ولدَيْك! فنذر صومَ ثلاثة أيّام، وكذا نذَرَتْ اُمُّهُما فاطمة عليها السلام وجاريتُهم فضّة، فبرءا وليس عند آل محمّد قليلٌ ولا كثير، فاستقرض عليّ عليه السلام ثلاثة أصوع من شعير، فقامت فاطمة عليها السلام إلى صاع واختبزت منه خمسة أقراص، لكلّ واحدٍ منهم قرصاً، وصلّى عليّ عليه السلام مع النبيّ صلى الله عليه وآله المغرب، ثمّ أتى المنزل، فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكينٌ من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة! فسمعه عليّ عليه السلام فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلّا الماء القراح.


فلمّا أن كان اليوم الثاني، قامت فاطمة عليها السلام فاختبزت


[
في ش2 : فخبزت.]

صاعاً، وصلّى عليّ عليه السلام مع النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ أتى المنزل، فوُضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم فوقف بالباب، وقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة؛ أطعموني أطعمكم اللَّه من موائد الجنّة! فسمعه عليّ عليه السلام فأمر بإعطاه، فأعطوه الطعام، ومكثوا يومَين وليلتَين لم يذوقوا شيئاً إلّا الماء القراح.


فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السلام إلى الصاع فطحنته واختبزته، وصلّى عليّ عليه السلام مع النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ أتى المنزل، فوُضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم أسير فوقف بالباب، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تُطعمونا؟ أطعموني فإنّي أسير محمّد، أطعمكم اللَّه على


[
في ش1 و ش2 : من.]

موائد الجنّة! فسمعه عليّ عليه السلام فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام، ومكثوا ثلاثة أيّام ولياليها لم يذوقوا شيئاً إلّا الماء القراح.


فلمّا كان اليوم الرابع - وقد وَفَوا نذرهم-


[
في ش1 و ش2 : نذورهم.]

أخذ عليّ عليه السلام الحسنَ بيده اليمنى، والحسين بيده اليُسرى وأقبل على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، فلمّا بصر به النبيّ صلى الله عليه وآله قال: يا أباالحسن، ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم، انطلِقْ بنا إلى منزل ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها قد لصق ظهرُها ببطنها من شدّة الجوع، وغارت عيناها، فلمّا رآها النبيّ صلى الله عليه وآله قال: واغوثاه باللَّه، أهل بيت محمّد يموتون جوعاً.


فهبط جبرئيل عليه السلام على محمّد صلى الله عليه وآله، فقال: يا محمّد، خُذ ما هنّاك اللَّه في أهل بيتك. قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ فأَقْرَأَه هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ


[
الإنسان: 1.]


[
رواه عن الثعلبيّ: ابنُ البطريق في العمدة: 348 - 345/ ح668؛ وفي خصائص الوحي المبين: 100 ف12؛ والخوارزميّ في المناقب: 271 - 267/ ح250؛ وانظر أيضاً: أهل البيت في تفسير الثعلبيّ: 236 - 231.]



وهي تدلّ على فضائل جمّة لم "يسبق إليها"


[
في ش1 و ش2 : يسبقه بها.]

أحد ولا يلحقه أحد، فيكون أفضل من غيره، فيكون هو الإمام.


سوره زمر، آيه 33



قوله تعالى: الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ


[
الزمر: 33.]



من طريق أبي نعيم، عن مجاهد، في قوله تعالى: الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ بِهِ : محمّد؛ وَصَدَّقَ بِهِ قال: عليّ بن أبي طالب


[
أخرجه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ ، كما في النور المشتعل : 204/ ح56؛ وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 270 - 269/ ح317؛ والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 233/ الباب 62، وقال: هكذا ذكره ابن عساكر في تاريخه، ورواه عن جماعة من أهل التفسير بطرقه؛ وأخرجه السيوطيّ في الدرّ المنثور 328:5 ذيل الآية بإسناده عن ابن مردوَيه، عن أبي هريرة.]



ومن طريق الفقيه الشافعيّ، عن مجاهد، في قوله تعالى: الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ قال: جاء به محمّد صلى الله عليه وآله، وصدّق به عليّ عليه السلام


[
مناقب ابن المغازليّ: 270 - 269/ ح317.]



وهذه فضيلة اختصّ بها عليه السلام، فيكون هو الإمام.


سوره انفال، آيه 62



قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ


[
الأنفال: 62.]



من طريق أبي نعيم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مكتوبٌ على العرش لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، محمّد عبدي ورسولي، أيّدتُه بعليّ بن أبي طالب ، وذلك قوله تعالى في كتابه: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، يعني عليّ بن أبي طالب


[
رواه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل من كتاب ما نزل من القرآن في عليّ : 89/ ح17.


وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهده 292:1/ ح299 عن أبي هريرة، وفي 294:1/ ح301 عن أنس باختلاف، وفي 295:1-296/ ح302 عن جابر بلفظ قريب، وفي 297:1-298/ ح303 و304 عن أبي الحمراء بلفظ قريب.


وأخرجه الكنجيّ الشافعيّ في الكفاية: 234/ الباب 62 عن أبي هريرة، وقال: ذكره ابن جرير في تفسيره وابن عساكر في تاريخه.


ورواه المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 69 عن أبي الخمسين، وقال: خرّجه الملّا في سيرته.


ورواه السيوطيّ في الدرّ المنثور 199:3 عن ابن عساكر، ورواه القندوزيّ في الينابيع 279:1-280/ ح3 عن أبي نعيم الحافظ بإسناده عن أبي هريرة وابن عبّاس، وفي 282:1/ ح4 عن كتاب الشفاء بإسناده عن أبي الحمراء.]



وهذه من أعظم الفضائل التي لم تحصل لغيره، فيكون هو الإمام.


سوره انفال، آيه 64



قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ


[
الأنفال: 64.]



من طريق أبي نعيم، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب


[
رواه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 7/92 الحديثان 18 و19، ورواه البياضيّ العامليّ في الصراط المستقيم 294:1 عن أبي نعيم الحافظ، وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهده 301:1/ الحديثان 305 و306.]



وهذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غيره، فيكون هو الإمامَ.


سوره مائده، آيه 54



قوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ


[
المائدة: 54.]



قال الثعلبيّ: إنّها نزلت في عليّ عليه السلام


[
تفسير الثعلبيّ، وعنه: تفسير البرهان للبحرانيّ 479:1/ ح7 ذيل الآية، والعمدة لابن البطريق: 158 في حديث الراية بعد نقله روايات كثيرة من الصحاح عن فتح خيبر. ثمّ قال ابن البطريق: اعلم أنّ إعطاء الراية لأميرالمؤمنين عليه السلام في يوم خيبر كان غايةً في التبجيل له، ونهايةً في التعظيم، لأنّه أبان عن أشياء توجب ذلك، والتنزيه عن أشياء توجب ضدّ ذلك، فما يوجب المدح والتعظيم والتبجيل فهو محبّة اللَّه تعالى ومحبّة رسوله صلى الله عليه وآله المذكورَين في لفظ هذه الأخبار الصحاح، ولم يجب له ذلك إلّا من حيث الجدّ في الإقدام، والإخلاص في الجهاد، يدلّ على ذلك قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ |التوبة: 111|.


وما وصفه اللَّه سبحانه وتعالى بالفوز العظيم، فليس بعده ملتمس مطلوب.


ثمّ وكّد سبحانه وتعالى ذلك بقوله: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ |الصفّ: 4|، فأبان محبّته تعالى بماذا تحصل؟


ثمّ أبان سُبحانه وتعالى محبّته لهم ومحبّتهم له بماذا تكون، فقال تعالى مبيّناً لذلك فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرينَ |المائدة: 54|.


ثمّ كشف عن حقيقة حال من يحبّ اللَّه تعالى، ومن يحبّه اللَّه تعالى، بقوله في تمام الآية: يُجَاهِدونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وهذه الآية بعينها في أميرالمؤمنين عليه السلام خاصّة، ذكرها الثعلبيّ في تفسيره كذلك.]



وهذا يدلّ على أنّه أفضل، فيكون هو الإمام.


سوره حديد، آيه 19



قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقونَ


[
الحديد: 19.]



روى أحمد بن حنبل، بإسناده إلى ابن أبي ليلى، عن أبيه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الصّدّيقون ثلاثة: حبيب بن موسى النجّار مؤمن آل يس، الذي قال: يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ


[
يس: 20.]

، وحزقيل مؤمن آل فرعون، الذي قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ


[
غافر: 28.]

، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام الثالث، وهو أفضلهم


[
فضائل الصحابة لأحمد 627:2/ ح1072؛ و655:2/ ح1117؛ وأخرجه محبّ الدين الطبريّ في ذخائر العقبى: 56 عن المناقب لأحمد.]



ونحوه رواه الفقيه ابن المغازليّ الشافعيّ، وصاحب كتاب الفردوس


[
أخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 247 - 245/ ح293 و294؛ والديلميّ في الفردوس 421:2 ح3866 بإسناده عن عليّ بن داود بن بلال بن أجنحة مرفوعاً؛ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 431:2؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل 306:1-307/ ح942 - 939؛ و303:1-304/ ح938 باختصار في اللفظ.


ورواه ابن عساكر في ترجمة الإمام عليّ عليه السلام من تاريخ دمشق 91:1-92/ ح126؛ والخوارزميّ في المناقب: 310/ ح307 كما في رواية الحسكانيّ الأخيرة.


وأخرجه السيوطيّ في الدرّ المنثور 262:5 ذيل الآية 20 من سورة يس، عن أبي داود وأبي نعيم وابن عساكر والديلميّ. كما أخرج قريباً منه عن البخاريّ في تاريخه، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الصدّيقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجّار صاحب آل يس، وعليّ بن أبي طالب.]



وهذه فضيلة تدلّ على إمامته.


سوره بقره، آيه 274



قوله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً


[
البقرة: 274.]



من طريق أبي نعيم الحافظ، بإسناده إلى ابن عبّاس، قال: نزلتْ في عليّ عليه السلام، كان معه أربعة دراهم، فأنفق بالليل درهماً، وبالنهار درهماً وفي السرّ درهماً، وفي العلانية درهماً.


[
رواه أبو نعيم الحافظ في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 44 - 43/ ح2.


وأخرجه الواحديّ النيسابوريّ في أسباب النزول: 58؛ وسبط ابن الجوزيّ في التذكرة: 14 - 13؛ والخوارزميّ في المناقب: 281/ ح275؛ والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 232/ الباب 62؛ وابن المغازليّ في المناقب: 280/ ح325؛ والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 88؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهده 140:1-149/ الأحاديث 163 - 155 عن ابن عبّاس بطرق متعدّدة؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 363:1، ذيل الآية عن عبدالرزّاق وعبد حميد وابن جرير وابن منذر وابن أبي حاتم والطبرانيّ وابن عساكر.]

وكذا رواه الثعلبيّ في تفسيره


[
أخرجه عن الثعلبيّ ابنُ البطريق في العمدة: 349/ ح669؛ وانظر أيضاً: أهل البيت في تفسير الثعلبيّ: 41/ ح71.]



ولم يحصل لغير عليٍّ عليه السلام ذلك، فيكون أفضل، فيكون هو الإمام.


علي هو المصداق الأفضل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا



ما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عبّاس، قال: ليس من آية في القرآن يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلّا وعَليٌّ رأسُها وأميرها وشريفها وسيّدها، ولقد عاتب اللَّهُ عزّوجلّ أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله في القرآن، وما ذكر عليّاً إلّا بخير


[
فضائل الصحابة لأحمد 654:2/ ح1115؛ وأخرجه عنه محبّ الدين الطبريّ في ذخائر العقبى: 89؛ وأخرجه الخوارزميّ في المناقب: 267 - 266/ ح249؛ وأبو نعيم الحافظ في الحلية 64:1؛ والكنجي الشافعيّ في كفاية الطالب: 140 - 139 بطريقَين عن ابن عبّاس، وقال: هكذا رواه النجّاد "البغداديّ"، وقع إلينا عالياً من هذا الطريق بحمد اللَّه.


ورواه الطبرانيّ في معجمه الكبير: 11/ ح11687؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهده 30:1/ ح13 عن عكرمة، عن ابن عبّاس، ثمّ قال: قال عكرمة: إنّي لأعلم أنّ لعليّ منقبة لو حدّثتُ بها لنفدت أقطار السماوات والأرض - أو قال: الأرض -. وأخرجه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ "ص16" بعد نقله أبيات حسّان بن ثابت التي يقول فيها:




  • مَن ذا بخاتمه تصدّق راكعاً
    مَن كان باتَ على فراش محمّدٍ
    مَن كان في القرآن سُمِّيَ مؤمناً
    في تسعِ آيات تُلين غِرارا



  • وأسرّها في نفسه إسرارا
    ومحمّدٌ أسرى يَؤُمُّ الغارا
    في تسعِ آيات تُلين غِرارا
    في تسعِ آيات تُلين غِرارا




وقال: أشار إلى قول ابن عبّاس: ما أنزل اللَّه آية في القرآن إلّا عليّ أميرُها ورأسها. وأخرج الحديث أيضاً: السيوطي في تاريخ الخلفاء: 171 عن الطبرانيّ وابن أبي حاتم؛ وأخرجه في الدرّ المنثور 104:1 عن أبي نعيم في الحلية.]



وهذا يدلّ على أنّه أفضل، فيكون هو الإمام.


سوره احزاب، آيه 56



قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلَّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً


[
الأحزاب: 56.]



من صحيح البخاريّ، عن كعب بن عجرة، قال: سألنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقلنا: يا رسول اللَّه، كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإنّ اللَّه قد علّمنا كيف نُسلِّم؟ قال: قولوا: اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى


[
في ر فقط، وبهذا اللفظ ورد الحديث في صحيح البخاريّ.]

آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد


[
صحيح البخاريّ 1233:3/ ح3190 كتاب التفسير - سورة الأحزاب، بإسناده عن كعب بن عجرة؛ ورواه بلفظ قريب عن أبي سعيد الخُدريّ.]



ومن صحيح مسلم، قلنا: يا رسول اللَّه، أمّا السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيتَ على إبراهيم وآل إبراهيم


[
صحيح مسلم 305:1/ ح405 عن أبي مسعود الأنصاريّ؛ و306:1/ ح407 عن أبي حميد الساعديّ.]



ولا شكّ في أنّ عليّاً أفضل آل محمّد، فيكون أولى بالإمامة.


سوره الرحمن، آيه 19



قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ


[
الرحمن: 19.]



من تفسير الثعلبيّ


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: ينابيع المودّة 354:1/ الرقم 4؛ ومناقب ابن شهرآشوب 318:3، مناقب فاطمة عليها السلام؛ وانظر: أهل البيت في تفسير الثعلبيّ 210/ ح372.]

وطريق أبي نعيم، عن ابن عبّاس، في قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ؛ قال: عليّ وفاطمة؛ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ


[
الرحمن: 20.]

النبيّ صلى الله عليه وآله؛ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤلُؤُ وَالْمَرْجَانُ


[
الرحمن: 22.]

الحسن والحسين عليهما السلام


[
أخرجه أبو نعيم الحافظ؛ وعنه: ينابيع المودّة 354:1/ الرقم 4؛ مناقب ابن شهرآشوب 318:3؛ خصائص الوحي المبين: 123. وأخرجه أيضاً ابن المغازليّ في المناقب: 339/ ح390؛ وابن الصبّاغ في مقدّمة الفصول المهمّة: 28؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 142:6-143 ذيل الآية، عن ابن مردوَيه، عن ابن عبّاس؛ وأخرجه كذلك عن ابن مردويه عن أنس مختصراً.


وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهده 284:2-289/ ح921 و 920 و 919 و 918 و923 بألفاظ مختلفة، عن الضحّاك وسلمان وابن عبّاس وأبي ذر والإمامَين الصادق والرضا عليهما السلام.]



ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة، فيكون أولى بالإمامة.


سوره رعد، آيه 43



قوله تعالى: وَمَنْ عِنْدهُ عِلْمُ الْكِتَابِ


[
الرعد: 43.]



من طريق أبي نعيم، عن ابن الحنفيّة، قال: هو عليّ بن أبي طالب


[
رواه أبو نعيم في ما نزل ممن القرآن في عليّ كما في النور المشتعل من كتاب ما نزل من القرآن في عليّ : 125؛ ورواه الحسكانيّ في شواهده 401:1/ ح424؛ والقندوزيّ في ينابيع المودّة 307:1/ ح8.]



وفي تفسير الثعلبيّ عن عبداللَّه بن سلام، قلتُ: من هذا الذي عنده عِلم الكتاب؟ فقال: إنّما ذلك عليّ بن أبي طالب


[
أخرجه عن الثعلبيّ ابنُ البطريق في العمدة: 290/ ح376؛ والسيّد البحرانيّ في غاية المرام: 357/ ح2؛ والقندوزيّ في ينابيع المودّة 305:1/ ح2؛ وانظر أيضاً: أهل البيت في تفسير الثعلبيّ: 120 - 119/ ح231 و232.


وأخرج الحاكم الحسكانيّ في شواهده 400:1-405/ الأحاديث 422 و423 و425 عن أبي سعيد وابن عبّاس وعبداللَّه بن عطاء.


وأخرجه القندوزيّ في ينابيع المودّة 305:1/ ح1 عن عبداللَّه بن عطاء، وح3 عن الباقر عليه السلام، وح7 عن أبي سعيد الخدريّ، وح12 عن محمّد بن الحنفيّة، وح13 عن قيس بن سعد بن عبادة. وأخرج في أحاديث اُخر أنّ المعنيّ به الأئمّة عليهم السلام.


وأخرج السيوطيّ في الدرّ المنثور 69:4 عن سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحّاس في ناسخه عن سعيد بن جبير أنّه سُئل عن قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ أهو عبداللَّه بن سلام؟ قال: وكيف؟ وهذه السورة مكّيّة؟!! وأخرجه أيضاً القندوزيّ في الينابيع 308:1/ ح10 وفيه: قال: لا، وكيف وهذه السورة مكّيّة، وعبداللَّه بن سلام أسلم في المدينة بعد الهجرة؟!.]



وهذا يدلّ أنّه أفضل، فيكون هو الإمام.


سوره تحريم، آيه 8



قوله تعالى: يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ


[
التحريم: 8.]



روى أبو نعيم مرفوعاً إلى ابن عبّاس، قال: أوّل من يُكسى من حلل الجنّة إبراهيم عليه السلام لخلّته من اللَّه، ومحمّد صلى الله عليه وآله لأنّه صفوة اللَّه، ثمّ عليّ يُزفّ بينهما إلى الجنان. ثمّ قرأ ابن عبّاس: يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، قال: عليّ وأصحابه


[
أخرجه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 263 - 262/ ح72. وأخرجه في: 264/ ح73 بلفظ قريب.


وأخرجه الخوارزميّ في مناقبه: 309/ ح305 عن ابن عبّاس؛ والقندوزيّ في ينابيع المودّة 242:2/ ح678 عن عبداللَّه بن مسعود، وقال: رواه صاحب الفردوس.]



وهذا يدلّ على أنّه أفضل من غيره، فيكون هو الإمام.


سوره بينه، آيه 7



قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ


[
البيّنة: 7.]



روى الحافظ أبو نعيم، بإسناده إلى ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام: هم أنت وشيعتك. تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين، ويأتي عدوّك غِضاباً


[
في ش1 و ش2 : عصاةً.]

مُقمَحين


[
أخرجه الحافظ أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 274 - 273/ ح76؛ وأخرجه في: 276/ ح77 بلفظ مختلف.


وأخرج الحديث كلٌّ من: الخوارزميّ في مناقبه: 266 - 265/ ح247 عن يزيد بن شراحيل الأنصاريّ كاتب عليّ عليه السلام؛ والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 246 - 245 بأسانيد وألفاظ مختلفة؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهده / 459:2-473 ح1148 - 1125 بأسانيده عن يزيد بن شراحيل الأنصاريّ وابن عبّاس وجابر بن عبداللَّه والإمام الباقر عليه السلام وأبي برزة الأسلميّ وبريدة ابن حصيب الأسلميّ وأبي سعيد الخدريّ ومعاذ.


وأخرجه السيوطيّ في الدرّ المنثور 379:6 ذيل الآية عن ابن عساكر، عن جابر؛ وعن ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً؛ وعن ابن عديّ، عن ابن عبّاس، وعن ابن مردويه، عن عليّ عليه السلام.


وأخرجه القندوزيّ في ينابيع المودّة 223:1/ ح48 عن المناقب بإسناده عن عامر بن واثلة ضمن خطبة لأميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، جاء فيها: فقال ابن الكوّا: أخبِرني عن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيِّةِ ، فقال: أولئك نحنُ وأتباعنا - الحديث. وفي 357:2/ ح21، و452:2 ح254 - 252 عن الديلميّ والزرنديّ عن ابن عبّاس. وأخرجه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 18 عن مجاهد، قال: هم عليّ عليه السلام وأهل بيته ومحبّوهم.]



وإذا كان خَير البريّة، وجب أن يكون هو الإمام.


سوره فرقان، آيه 54



قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً


[
الفرقان: 54.]



في تفسير الثعلبيّ عن ابن سيرين، قال: نزلت في النبيّ صلى الله عليه وآله وعليّ بن أبي طالب، زوّج فاطمة عليّاً، وهو الّذي خلق من الماء بشراً فجعله نَسَباً وصِهراً وكان ربّك قديراً


[
تفسير الثعلبيّ؛ وعنه: العمدة لابن البطريق: 288/ الفصل 30/ ح469؛ و ما روته العامّة من مناقب أهل البيت للشروانيّ: 94/ الفصل 3؛ والقندوزيّ في ينابيعه 148:1/ ح13؛ و355:1-356/ ح8؛ وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل 538:1/ ح573 و574 عن السدّي وابن سيرين.


والشبلنجيّ في نور الأبصار: 100، والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 31 - 29 عن أنس بن مالك، وقال: أخرجه أبوالخير القزوينيّ الحاكميّ، وأخرجه ابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة: 28 - المقدّمة 8 عن محمّد بن سيرين.]



ولم يثبت لغيره ذلك، فكان أفضل، فكان هو الإمام.


سوره توبه، آيه 119



قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ


[
التوبة: 119.]



أوجب اللَّه تعالى علينا الكَون "مع المعلوم فيهم"


[
في ش1 و ش2 : مع الصادقين المعلوم منهم.]

الصدق، وليس إلّا المعصوم؛ لتجويز الكذب في غيره، فيكون هو عليّاً عليه السلام؛ إذ لا معصوم من الأربعة سواه.


في حديث أبي نعيم، عن ابن عبّاس: إنّها نزلت في عليّ عليه السلام


[
رواه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 105 - 102/ ح25 - 23، عن ابن عبّاس، وعن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام.


وأخرجه الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 236 - 235 عن ابن عبّاس، وقال: هكذا رواه محدّث الشام في تاريخه في ترجمة عليّ عليه السلام.


وأخرجه الخوارزميّ في المناقب: 280/ ح273 عن ابن عبّاس؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهده 341:1-345/ الأحاديث 357 - 350، عن الصادق عليه السلام وابن عبّاس والباقر عليه السلام وعبداللَّه بن عمر، وفيه: يعني محمّداً وأهل بيته.


وأخرجه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 16، وقال: ومنها في براءة قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ، قال علماء السير: معناه كونوا مع عليّ عليه السلام وأهل بيته، قال ابن عبّاس: عليّ عليه السلام سيّد الصادقين.


وأخرجه السيوطيّ في الدرّ المنثور 290:3 عن ابن مردويه، عن ابن عبّاس، وعن ابن عساكر عن أبي جعفر.


وأخرجه القندوزيّ في ينابيع المودّة 358:1/ ح15 و16، الباب 39 عن ابن عبّاس، والصادق والباقر والرضا عليهم السلام، وفيه: الصادقون هم الأئمّة من أهل البيت.]



سوره بقره، آيه 43



قوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ


[
البقرة: 43.]



من طريق أبي نعيم، عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعليّ عليه السلام خاصّة، وهما أوّل من صلّى وركع


[
رواه أبو نعيم الحافظ بإسناده عن ابن عبّاس في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 40/ ح1. وأخرجه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 13؛ وقال: روى مجاهد عن ابن عبّاس أنّه قال: أوّل من ركع مع النبيّ صلى الله عليه وآله عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فنزلت فيه هذه الآية.


وأخرجه الخوارزميّ في المناقب: 280/ ح274، الفصل 17؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل 111:1/ ح124، ثمّ قال: أخرجه الحبريّ في تفسيره.]



وهو يدلّ على أفضليّته، فيدلّ على إمامته.


سوره طه، آيه 29



قوله تعالى: وَاجْعَل لِّي وَزِيراً


[
طه: 29.]



من طريق أبي نعيم، عن ابن عبّاس، قال: أخذ النبيّ صلى الله عليه وآله بيد عليّ بن أبي طالب وبيدي ونحن بمكّة، وصلّى أربع ركعات، ثمّ رفع يده إلى السماء، فقال: اللهمّ إنّ موسى بن عمران سألك، وأنا محمّد نبيّك أسألك أن تشرح لي صدري، وتحلل


[
في ش1 و ش2 : تَحُلَّ.]

عُقدة من لساني يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّ بن أبي طالب عليه السلام أخي، اشدُد به أزري، وأشرِكه في أمري. قال ابن عبّاس: فسمعتُ مُنادياً يُنادي: يا أحمد، قد اُوتيتَ ما سألتَ


[
رواه أبو نعيم في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 139 - 138/ ح37.


وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهده 478:1-490/ الأحاديث 517 - 510 بأسانيده عن حذيفة بن أسد وأسماء بنت عميس وابن عبّاس واُمّ سلمة وأنس بن مالك وعليّ عليه السلام؛ وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 328/ ح375 بتفصيل أكثر؛ وأخرجه القندوزيّ في الينابيع 153:2/ الباب 56 - ح127 عن أسماء بنت عميس مختصراً، وقال: أخرجه أحمد في المناقب.


وأخرجه السيوطيّ في الدرّ المنثور 295:4 ذيل الآية عن السفليّ في الطيوريّات عن أبي جعفر محمّد بن عليّ.


أقول: يُلاحظ التعاضد العجيب بين هذا الحديث وحديث المنزلة الصحيح الذي روته كتب الفريقَين؛ الذي جعل النبيّ صلى الله عليه وآله فيه عليّاً عليه السلام منه بمنزلة هارون من موسى، فقد تواتر عنه صلى الله عليه وآله أنّه قال لعليّ عليه السلام: أنت منّي - وفي بعض الروايات: ألا ترضى أن تكون منّي - بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؛ فأثبت له جميع المراتب التي له صلى الله عليه وآله عدا النبوّة التي استثناها بقوله إلّا أنّه لا نبيّ بعدي .]



وهذا نصّ في الباب.


سوره حجر، آيه 47



قوله تعالى: إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ


[
الحجر: 47.]



من مسند أحمد بن حنبل، بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى، قال: دخلتُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مسجده، فذكر عليه قصّة مؤاخاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بين أصحابه، فقال عليّ: لقد ذهبت روحي وانقطَعَ ظهري حين فعلتَ بأصحابك ما فعلتَ غيري؛ فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العُتبى والكرامة. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالحقّ نبيّاً ما اخترتُك


[
في الطبعة الحجريّة: أخّرتُك.]

إلّا لنفسي، فأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت أخي ورفيقي


[
في ش1 و ش2 : أخي ووارثي.]

، وأنت معي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي، ثمّ تلا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ المتحابّون في اللَّه ينظر بعضهم إلى بعض


[
فضائل الصحابة لأحمد 666:2/ ح1137؛ وأخرجه أحمد بن عمرو الضحّاك في الآحاد والمثاني 172:5؛ وأخرجه الحاكم الحسكانيّ في شواهده 413:1-414/ ح436 عن ابن عبّاس، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب وحمزة وجعفر وعقيل وأبي ذر وسلمان وعمّار والمقداد والحسن والحسين عليهم السلام.


وأخرج المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 66 عن ابن عمر، قال: آخى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بين أصحابه، فجاء عليّ تدمع عيناه، فقال: يا رسول اللَّه، آخيتَ بين أصحابك ولم تؤاخِ بيني وبين أحد! قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أنت أخي في الدنيا والآخرة. ثمّ قال: أخرجه الترمذيّ، وقال: حديث حسن؛ وأخرجه البغويّ في المصابيح في "الأحاديث" الحسان.


ثمّ قال المحبّ الطبريّ: وفي رواية من حديث الإمام أحمد، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال له لمّا قال ك آخيتَ بين أصحابك وتركتني! قال: ولِمَ تراني تركتُك؟! إنّما تركتُك لنفسي؛ أنت أخي وأنا أخوك.


وأخرج في الرياض النضرة 13:1، عن زيد بن أوفى، قال: دخلتُ على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مسجده... ثمّ ساق حديث المؤاخاة، ثمّ قال: أخرجه الحافظ أبوالقاسم الدمشقيّ في الأربعين الطوال؛ وخرّج الإمام أحمد بن حنبل في كتاب مناقب عليّ بن أبي طالب معنى حديث المؤاخاة مختصراً.


وأخرج القندوزيّ في الينابيع 354:1/ ح3 - الباب 39 في تفسير الآية، عن أحمد بن حنبل في مسنده، وابن المغازليّ في المناقب بإسنادهما عن الحسن بن عليّ عليهما السلام قال: فينا نزلت هذه الآية: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ، وقال: أيضاً عن جعفر الصادق عليه السلام مثله.


وأخرجه الطبرانيّ في معجمه الأوسط 330:8/ ح7671 بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال عليّ بن أبي طالب: يا رسول اللَّه، أيّما أحبّ إليك أنا أم فاطمة؟ قال: فاطمة أحبّ إليّ منك، وأنت أعزّ عليّ منها، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس، وإنّ عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء. وإنّي وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيلاً وجعفراً في الجنّة إخواناً على سرر متقابلين؛ أنت معي وشيعتك في الجنّة، ثمّ قرأ رسول اللَّه إِخْوَانَاً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ |لا| ينظر بعضهم في قفا صاحبه.]



والمؤاخاة تستدعي المُناسبة والمُشاكلة، فلمّا اختصّ عليّ عليه السلام بمؤاخاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، كان هو الإمام.


سوره اعراف، آيه 172



قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... الآية


[
الأعراف: 172.]



من كتاب الفردوس لابن شيرويه، يرفعه عن حذيفة ابن اليمان، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لو يعلم الناس متى سُمّي عليّ أميرالمؤمنين ما أنكروا فضله، سُمّي أميرالمؤمنين وآدم بين الروح والجسد؛ قال اللَّه عزّ وجلّ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قالت الملائكةُ: بلى؛ فقال تبارك وتعالى: أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعليّ أميركم


[
الفردوس 354:3/ ح5066؛ ويؤيّده الرواية التي نقلها صاحب الفردوس في 283:3/ ح4851 عن سلمان مرفوعاً، قال: كنتُ أنا وعليّ نوراً بين يدَي اللَّه معلّقاً، يُسبّح اللَّهَ ذلك النور ويُقدّسه قبل أن يخلق |آدم| بأربعة ألف عام، فلمّا خلق اللَّه آدم ركّب ذلك النور في صلبه، فلم نزل في شي ء واحد حتّى افترقا في صلب عبدالمطّلب فجزأ أنا وجزأ عليّ بن أبي طالب.]



وهو صريح في الباب.


سوره تحريم، آيه 4



قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ


[
التحريم: 4.]



أجمع المفسّرون على أنّ صالح المؤمنين هو عليّ عليه السلام


[
تفسير القرطبيّ 192:18؛ تفسير مجمع البيان 475:10؛ تفسير الدرّ المنثور 244:6 ذيل الآية، عن ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر، بأسانيدهم عن عليّ عليه السلام وأسماء بنت عميس وابن عبّاس؛ شواهد التنزيل 352:2/ ح996. وأخرجه الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 138/ الباب 30، بإسناده عن أسماء بنت عميس، قالت: سألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن قوله عزّ وجلّ: وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قلتُ: مَن هو يا رسول اللَّه؟ فقال: هو عليّ بن أبي طالب.


ثمّ قال الكنجيّ الشافعيّ: هكذا رأيتُ رواية أئمّة التفسير عن آخرهم.


وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 269/ ح316 بإسناده عن مجاهد، قال: صالح المؤمنين عليّ ابن أبي طالب. وأخرج القندوزيّ في ينابيع المودّة 278:1/ الرقم 2 - الباب 22 عن أبي نعيم والثعلبيّ بسنديهما عن أسماء بنت عميس، قالت: لمّا نزل قوله تعالى: وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ... الآية، قال النبيّ صلى الله عليه وآله لعليّ: ألا اُبشّرك! إنّك قُرنتَ بجبرئيل، ثمّ قرأ هذه الآية، فقال: فأنت والمؤمنون من أهل بيتك الصالحون.


أقول: أمّا المتظاهرتان على النبيّ صلى الله عليه وآله فهما عائشة وحفصة. انظر: صحيح البخاريّ 1868:4/ ح4631 كتاب التفسير؛ وصحيح مسلم 1108:2/ ح1479؛ ومسند أحمد 33:1/ ح222؛ و48:1/ ح341؛ وتفسير الدرّ المنثور 244:6 ذيل الآية. وقال الزمخشريّ في تفسير الكشّاف 566:4: إِنْ تَتُوبَا خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات، ليكون أبلغ في معاتبتهما. ثمّ نقل قصّة استفسار ابن عبّاس من عمر عن المتظاهرتَين على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وجواب عمر بأنّهما عائشة وحفصة.]

؛ وروى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عُميس، قالت: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقرأ هذه الآية وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ، قال: صالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب


[
رواه أبو نعيم الحافظ في ما نزل من القرآن في عليّ كما في النور المشتعل : 257/ ح71 بإسناده عن أسماء بنت عميس.]



واختصاصه بذلك يدلّ على أفضليّته، فيكون هو الإمام. والآيات المذكورة في هذا المعنى كثيرة، اقتصرنا على ما ذكرناه للاختصار.


في الأدلّة المنقولة عن النبي



حديث العشيرة


ما نقله الناس كافّة، أنّه لمّا نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ


[
الشعراء: 214.]

جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بني عبدالمطّلب في دار أبي طالب، وهم أربعون رجلاً، وأمر أن يصنعَ لهم فخذ شاة مع مدّ من البرّ، ويعدّ لهم صاعاً من اللبن؛ وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد، ويشرب الفرق


[
في ش1 و ش2 : القرب.]

من الشراب في ذلك المقام، فأكلت الجماعة كلّها من ذلك اليسير حتّى شبعوا "ولم يتبيّن ما أكلوا"


[
في ش1 و ش2 : ولم يبين ما أكلوه.]

، فبهرهم بذلك وتبيّن لهم آية نُبوّته؛ ثمّ قال: يا بني عبدالمطّلب، إنّ اللَّه بعثني بالحقّ إلى الخلق كافّه، وبعثني إليكم خاصّة، فقال: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وأنا أدعوكم إلى كلمتَين خفيفتَيْن على اللسان، ثقيلتَيْن في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الاُمم، وتدخلون بهما الجنّة، وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّي رسول اللَّه، فمَن يُجِبْني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به يكُن "أخي و"


[
مابين القوسين في ر فقط.]

وصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي؟


فلم يجب أحد منهم.


فقال أميرالمؤمنين: أنا يا رسول اللَّه اُوازرك على هذا الأمر؛ فقال: اجلس. ثمّ أعاد القول على القوم ثانية، فأصمتوا وقمت فقلت "مثل"


[
مابين القوسين في ر فقط.]

مقالتي الاُولى، فقال: اجلس! ثمّ أعاد على القوم مقالته ثالثة، فلم ينطق أحدٌ منهم بحرف، فقمت فقلت: أنا اُوازرك يا رسول اللَّه على هذا الأمر. فقال: اجلس فأنت أخي ووصيّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي.


فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب: ليهنك اليوم أن دخلتَ في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنَك أميراً عليك


[
حديث العشيرة من الأحاديث المتواترة التي تناقلتها كتب التواريخ والسيرة والحديث بألفاظ وأسانيد مختلفة:


فقد رواه أحمد في مسنده 111:1/ ح885، و159:1/ ح1375 ورواه الطبريّ في تاريخه 542:1-543؛ والنسائيّ في خصائصه: 87 - 86؛ وابن كثير في تفسيره 351:3 ذيل آية وأنذر عشيرتك الأقربين .


وأخرجه أيضاً الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 207 - 204/ الباب 51؛ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 210 - 13؛ والحاكم الحسكانيّ في شواهده 486:1/ ح514، ثمّ قال: وقد ورد عن أنس بن مالك، وورد في الباب عن سلمان الفارسيّ.


وأخرجه الهيثميّ في مجمع الزوائد 302:8؛ والخوارزميّ في مناقبه: 126 - 125/ ح12 - الفصل 12. هذا غيض من فيض، وقد ذكر العلّامة صاحب الغدير بعض مصادره وألفاظه في الغدير 278:2-284.]



حديث غدير خم



الخبر المتواتر عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال لمّا نزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَّبِّكَ


[
المائدة: 67.]

خطب الناس في غدير خمّ، وقال للجمع كلّه: أيّها الناس، ألستُ أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: فمَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهمّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُر مَن نصره، واخذُل من خذله!


فقال له عمر: بخٍ بخٍ، أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة


[
حديث الغدير من الأحاديث المتواترة التي نقلتها كتب الفريقين، وقد ذكره أعلام المؤرّخين والمحدّثين والمفسّرين والمتكلّمين، وأفرده بعضهم - كابن جرير والذهبيّ - في مؤلّفات خاصّة ذكر فيها الطرق الكثيرة لهذا الحديث.


وعلى سبيل المثال، فقد أخرج الحديث الترمذيّ في سننه 633:5/ ح3713 عن أبي الطفيل؛ وابن أبي شيبة في المصنّف 369:7/ ح32069 عن سعد بن أبي وقّاص؛ و369:7/ ح32064 عن رباح بن الحارث؛ وأحمد في فضائل الصحابة 596:2/ ح1016 عن البراء بن عازب؛ و597:2/ ح1017 عن زيد بن أرقم، و585:2/ ح991 عن زادان أبي عمر أنّه سمع عليّاً عليه السلام يُناشد الناس في رحبة مسجد الكوفة مَن سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول ما قال يوم غدير خمّ، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول ذلك. وانظر الغدير 6:1-8، ورساله طرق حديث من كنت مولاه فعليٌّ مولاه للحافظ الذهبيّ، وكفاية الطالب: 65 - 50/ باب 1 في بيان صحّة خطبته صلى الله عليه وآله بماءٍ يدعى خُمّاً.]



والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرّف


[
للمولى عدّة معانٍ في اللغة، منها: الأولى بالتصرّف، الناصر، الحليف، مالك الرقّ، السيّد المطاع...، والمعنى الأوّل هو الأصل والعماد الذي ترجع إليه المعاني الاُخرى؛ قال تعالى مخاطباً الكفّار مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلكُمْ |الحديد: 15| أي أولى بكم، كذا ذكر المفسّرون "اُنظر التفسير الكبير للفخر الرازيّ 93:8 وسواه من التفاسير". وجاء هذا المعنى في أشعار العرب، ومنهم لبيد بن ربيعة في وصفه بقرة وحشيّة هاجمتها الكلاب من خلفها وأمامها:




  • فغَدَتْ كلا الفَرجَيْنِ تحسبُ أنّه
    مولى المخافةِ خلفَها وأمامَها



  • مولى المخافةِ خلفَها وأمامَها
    مولى المخافةِ خلفَها وأمامَها




يريد: أولى بالمخافة.


ونلاحظ في هذا المجال أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قطع الطريق حكمته على تأويلات المتأوّلين، فسأل المسلمين أوّلاً: ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟ فأكّد على أنّ هذا المعنى هو الذي يريده وليس المعاني الاُخر التي قد يُفسَّر بها كلامه؛ ثمّ أنّه صلى الله عليه وآله عطف على ذلك بحرف الفاء، فقال: فمن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه. وقد نقل المؤرّخون "كما في الإرشاد للمفيد 177:1 وغيره" أنّ حسّان بن ثابت نهض فأنشد أبياتاً في ذلك قال فيها:




  • يُناديهمُ يوم الغدير نبيُّهم
    وقال: فمن مولاكمُ ووليُّكم
    إلهُكَ مولانا وأنتَ وليُّنا
    فقال له: قُم يا عليُّ فإنّني
    فمَن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّه
    هناك دعا اللهمّ والِ وليَّه
    وكُن للذي عادى عليّاً مُعاديا.]،



  • بخُمٍّ وأسمِع بالرسولِ مناديا
    فقالوا لم يبدوا هناك التعاديا
    ولن تجدنّ مِنّا لكَ اليومَ عاصيا
    رضيتُكَ مِن بعدي إماماً وهاديا
    فكونوا له أنصار صِدقٍ مواليا
    وكُن للذي عادى عليّاً مُعاديا.]،
    وكُن للذي عادى عليّاً مُعاديا.]،




لِتَقَدُّم التقرير منه صلى الله عليه وآله بقوله: ألستُ أولى منكم بأنفسكم؟


حديث المنزلة



قوله صلى الله عليه وآله: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي


[
يُعرف هذا الحديث ب حديث المنزلة ، لأنّه صلى الله عليه وآله شبّه منزلة أميرالمؤمنين عليه السلام بمنزلة هارون من موسى إلّا النبوّة، لأنّه خاتم الأنبياء فلا نبيّ بعده.


قال ابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة: 44 - 43 - الفصل الأوّل بعد أو أورد حديث المنزلة: فلابدّ أوّلاً من كشف سرّ المنزلة التي لهارون من موسى، وذلك أنّ القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يدَيه ومن خلفه نطلق بأنّ موسى عليه السلام سأل ربّه عزّ وجلّ فقال: وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي |طه: 32 - 29|، وأنّ اللَّه عزّ وجلّ أجابه إلى مسؤوله فقال: قَدْ أُوتيِتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى |طه: 36|، وقال: وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً |الفرقان: 35|، وقال: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ |القصص: 35|، فتخلّص أنّ منزلة هارون من موسى صلوات اللَّه عليهما أنّه كان أخاه ووزيره وعضده في النبوّة وخليفته على قومه عند سفره، وقد جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عليّاً منه بهذه المنزلة إلّا النبوّة، فإنّه استثناها بقوله غير أنّه لا نبيّ بعدي ، انتهى كلامه.


وقد أخرج هذا الحديث البخاريّ في صحيحه 1359:3/ ح3503 - باب غزوة تبوك، بإسناده عن مُصعب بن سعد، عن أبيه؛ ومسلم في صحيحه 1873:4/ ح2404 كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل عليّ ، بإسناده عن مصعب بن سعد بن أبي وقّاص، عن سعد؛ وعن عامر بن سعد، عن أبيه؛ وعن إبراهيم بن سعد عن سعد.


ورواه أحمد في مسنده 170:1/ ح1466؛ و173:1/ ح1493؛ و175:1/ ح1512؛ و185:1/ ح1611 بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص.


وأخرج النسائيّ في الخصائص: 87 - 76؛ والحاكم في المستدرك 337:3؛ والخوارزميّ في مناقبه: 109 - 108/ الفصل 8؛ والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 287 - 281/ الباب 70، وقال في ص283: هذا حديث متّفق على صحّته، رواه الأئمّة الحفّاظ، كأبي عبداللَّه البخاريّ في صحيحه، ومسلم بن الحجّاج في صحيحه، وأبي داود في سننه، وأبي عيسى الترمذيّ في جامعه، وأبي عبدالرحمن النسائيّ في سننه، وابن ماجة القزوينيّ في سننه، واتّفق الجميع على صحّته حتّى صار ذلك إجماعاً منهم. قال الحاكم النيسابوريّ: هذا حديث دخل في حدّ التواتر.


وقال المزّي في تهذيب الكمال 484:20 في ترجمة أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام: روى قوله عليه السلام أنت منّي بمنزلة هارون من موسى جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحّها، رواه عن النبيّ: سعد بن أبي وقّاص وابنُ عبّاس وأبو سعيد الخدريّ وجابر بن عبداللَّه واُمّ سلمة وأسماء بنت عميس وجماعة يطول ذِكرُهم.


أقول: أوردنا بعض تخريجات حديث المزلة فيما مضى، وسيأتي الكلام فيه فيما بعد.]



أثبت له جميع منازل هارون من موسى للاستثناء، ومن جملة منازل هارون أنّه كان خليفةً لموسى، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضاً، وإلّا لزم تطرّق النقص إليه، ولأنّه خليفة مع وجوده وغيبته مدّة يسيرة، وبعد موته وطول الغيبة أولى بأن يكون خليفته


[
حاول طائفة من علماء السنّة - ومنهم ابن تيميّة - التشكيك بدلالة الحديث بعد أن عجزوا عن التشكيك بصحّته باعتبار وروده في الصحيحَين؛ فقالوا: بأنّ هارون توفّي قبل موسى ولم يكن له خليفة، وقالوا بأنّ استخلاف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام أشبه باستخلافه صلى الله عليه وآله غيره من الصحابة، كاستخلافه سباع بن عرفطة مرّة وابن اُمّ مكتوم مرّة اُخرى، وقالوا بأنّ هذا الاستخلاف انتهى بعودة النبيّ صلى الله عليه وآله من غزوة تبوك كما ينتهي استخلاف الملك لوزير من وزرائه استخلفه عند غيبته، فإذا عاد الملك انتهى الاستخلاف تلقائيّاً. وقد تعامى هؤلاء المشكّكون عن حقيقة أنّ الاستثناء في قول النبيّ صلى الله عليه وآله إلّا أنّه لا نبيّ بعدي استثناء متّصل حسب اعتراف كثير من فحول علماء العامّة في اللغة والحديث، وأنّ هذا الاستثناء من الأدلّة على أنّ جميع المنازل التي كانت لهارون من موسى عليهما السلام قد ثبتت لعليّ عليه السلام إلّا النبوّة التي استثناها، ولو كان هناك منزلة اُخرى مستثناة لما حسُن الاستثناء المذكور؛ وتجاهل هؤلاء المشكّكون حقيقة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد خصّ أميرالمؤمنين عليه السلام - دون غيره ممّن سبق له استخلافه في واقعة ما - بهذه المنزلة "أعني منزلة هارون من موسى عليهما السلام"، وأنّ عدداً كبيراً من الصحابة قد نفسوا على أميرالمؤمنين عليه السلام هذه المنزلة الجليلة، وأنّ بعضهم تمنّى أن تكون له مثلها، وصرّحوا بأنّ ذلك أحبّ إليهم ممّا طلعت عليه الشمس.


كما أنّ هؤلاء المشكّكين تغافلوا عن حقيقة أنّ حديث المنزلة لا ينحصر بغزوة تبوك أبداً، وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كرّره في مناسبات مختلفة: منها في قضيّة المؤاخاة، حيث روى أحمد في فضائل الصحابة 663:2/ ح1131 بإسناده عن محدوج بن زيد أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله آخى بين المسلمين، ثمّ قال: يا عليّ، أنت أخي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي - الحديث. ومنها في سدّ الأبواب. ومنها في حديث العشيرة حين أنذر قومه وعشيرته، وغير ذلك المناسبات؛ بل رووا أنّ جبرئيل عليه السلام ذكر للنبيّ صلى الله عليه وآله أنّ عليّاً منه بمنزلة هارون من موسى؛ فقد أخرج المحبّ الطبريّ |ذخائر العقبى: 64؛ الرياض النضرة 119:2، ف6| عن أسماء بنت عميس، قالت: هبط جبرئيل عليه السلام على النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك: عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى، لكن لا نبيّ بعدك.


ناهيك عن أنّ هذا الخبر قد روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله بصيغة مطلقة ليس هناك ما يخصّصها بغزوة تبوك - اللهمّ إلّا العناد والنصب -؛ مثل ما روي عن أسماء بنت عميس وجابر بن عبداللَّه واُمّ سلمة وابن عبّاس وأبي سعيد الخدريّ وسعد بن أبي وقّاص وزيد بن أرقم وأبي هريرة وحبشيّ بن جنادة وكثيرين غيرهم، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. اُنظر: صحيح ابن حبّان 15: 15/ ح6643 عن سعد بن أبي وقّاص واُمّ سلمة؛ سنن الترمذيّ 640:5/ ح3730 بإسناده عن جابر بن عبداللَّه؛ ثمّ قال الترمذيّ: وفي الباب عن سعد وزيد بن أرقم وأبي هريرة واُمّ سلمة؛ و641:5/ ح3731 عن سعد؛ سنن ابن ماجة 45:1/ ح121 عن سعد؛ مسند البزّار 276:3/ ح1065 عن سعد؛ مسند أحمد 174:1/ ح1505 و175:1/ ح1509 و179:1/ ح1547 عن سعد؛ و32:3/ ح11290 عن أبي سعيد الخدريّ؛ و369:6/ ح27126 عن أسماء بنت عميس؛ المعجم الكبير للطبرانيّ 247:2/ ح2035 عن جابر؛ و17:4/ ح3515 عن حبشيّ بن جنادة؛ و184:4/ ح4087 عن أبي أيّوب الأنصاريّ؛ و74:11/ ح11087 و75:11/ ح11092 كلاهما عن ابن عبّاس؛ و377:23/ ح892 عن اُمّ سلمة. وروى الطبرانيّ في المعجم الكبير أيضاً 83:12/ ح12341 عن ابن عبّاس، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لاُمّ سلمة: هذا عليّ بن أبي طالب لحمُه لحمي، ودمه دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.


أقول: أوردت هذه الأمثلة اليسيرة للتدليل على عدم انحصار حديث المنزلة بغزوة تبوك، وبإمكان القارئ الكريم مراجعة المصادر الحديثيّة السنّيّة - فضلاً عن الشيعيّة - للعثور على عشرات الأمثلة الاُخرى؛ غير أن بودّي أن اُنبّه إلى أنّ الظاهر هو أنّ محاولة حصر هذا الحديث بغزوة تبوك قد وضع أساسها سعد بن أبي وقّاص أحد رواة الحديث، وهو من المنحرفين عن أميرالمؤمنين عليه السلام وممّن امتنع عن مبايعته، فقد تعرّض لضغوط شديدة لسبّ عليّ عليه السلام، ناهيك عن التحديث بفضائله، وهذا الظرف جعله يغضب حين يسمع أنّ أحد آبائه يحدّث بحديث المنزلة على إطلاقه، ثمّ إنّه حاول استرضاء معاوية بحصر هذه الفضيلة العظمى في قصّة تبوك، ولعلّ في هذا ما يفسّر نقل البخاريّ ومسلم حديث المنزلة عن سعد دون غيره من رواة حديث المنزلة الذين رووه على إطلاقه.


أمّا استخلاف النبيّ صلى الله عليه وآله سباع بن عرفطة وابن اُمّ مكتوم فلا يُقارن بحال من استخلافه لأميرالمؤمنين عليه السلام، وحديث المنزلة شاهد على الفارق الكبير بين استخلافه فلاناً وفلاناً وبين استخلافه أخاه عليّاً عليه السلام الذي جعله منه بمنزلة هارون من موسى، وفات هؤلاء المشكّكين أنّ سعد بن أبي وقّاص وعمر بن الخطّاب وسواهما قد تمنّيا أن يكون لهم هذه الخصلة العظيمة التي ذكراها مع غيرها من الخصال التي تفرّد بها أميرالمؤمنين عليه السلام "اُنظر على سبيل المثال: المصنّف لابن أبي شيبة 369:7/ ح32069؛ سنن الترمذيّ 301:5/ ح3808 "، وأنّ أميرالمؤمنين عليه السلام قد احتجّ على مَن جحده حقّه بهذه المنزلة الجليلة التي أنزله إيّاها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله "اُنظر حديث المناشدة في المناقب للخوارزميّ: 302 - 299/ ح296؛ المناقب لابن المغازليّ: 118 - 112/ ح155 "؛ كما أنّ أعدى أعداء عليّ عليه السلام - أعني معاوية بن أبي سفيان - الذي سعى دائباً في طمس فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام لم يتمكّن من إنكار هذه المنزلة الجليلة لأميرالمؤمنين عليه السلام؛ وقد فاق هؤلاء المشكّكون معاويةَ في نصب العداء لعليّ عليه السلام والبغض له؛ وحَسْبُهم أن يكونوا مصداقاً لقول النبيّ صلى الله عليه وآله الذي تسالم الفريقان على نقله وتصحيحه: يا عليّ، لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يُبغضك إلّا منافق!.]



ان النبي استخلفه علي المدينة و لم يعزله



أنّه صلى الله عليه وآله استخلفه على المدينة مع قصر مدّة الغيبة، فيجب أن يكون "له خليفة"


[
في ش1 و ش2 : خليفته.]

بعد موته، وليس غير عليّ عليه السلام خليفة له في حال حياته إجماعاً؛ لأنّه لم يعزله عن المدينة، فيكون خليفة له بعد موته فيها. وإذا كان خليفة في المدينة كان خليفة في غيرها إجماعاً


[
يلاحظ المتأمّل المنصف أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم يكن يُفارق المدينة ولو لفترة يسيرة إلّا ويستخلف عليها أحداً من صحابته، فهل يعقل أن يتركها دون أن يستخلف عليها وعلى غيرها وصيّاً له، مع أنّه كان قد أخبر اُمّته أنّ الفتن المظلمة ستكتنفها!! كما يلاحظ المتأمّل أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يؤمّر على أميرالمؤمنين عليه السلام أحداً بينما أمّر على سواه، فقد روى المؤرّخون أنّه صلى الله عليه وآله حشد كبار الصحابة -وفيهم أبوبكر وعمر وعثمان - في جيش اُسامة بن زيد وأمّر عليهم اُسامة الشابّ الفتيّ، وشدّد عليهم النكير أن يخرجوا معه ولا يتخلّفون عنه، بل لعن من تخلّف عن جيش اُسامة! أمّا أميرالمؤمنين عليه السلام فلم يجعله في ذلك الجيش واستبقاه معه في المدينة، فيكون بهذا التخطيط قد أبعد المتوثّبين على الخلافة عن المدينة، ومهّد الطريق لوصيّه الشرعيّ لتثبيت دعائم خلافته قبل عودة الجيش الغازيّ.]



حديث أنت أخي و وصيي و خليفتي من بعدي وقاضي ديني



ما رواه الجمهور بأجمعهم عن النبيّ صلى الله عليه وآله، أنّه قال لأميرالمؤمنين: أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي دَيني.


[
مرّ بعض مصادر الحديث في حديث العشيرة؛ وانظر كفاية الطالب للكنجيّ الشافعيّ: 206 - 204 بإسناده عن البَراء بن عازب.


أقول: روى عبدالرزّاق في مصنّفه 294:7/ ح13235 عن قتادة، أنّ عليّاً قضى عن النبيّ صلى الله عليه وآله أشياء بعد وفاته، كان عامّتها عِدةً؛ قال: حسبتُ أنّه قال: خمس مائة ألف؛ قال عبدالرزّاق: يعني دراهم.


قلنا لعبدالرزّاق: وكيف قضى عن النبيّ، وأوصى إليه النبيّ صلى الله عليه وآله بذلك؟ قال: نعم، لا أشكّ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أوصى إلى عليّ، فلولا ذلك ما تركوه أن يقضي.]

وهو نصّ في الباب.


حديث المؤاخاة



روى أنس، قال: لمّا كان يوم المباهلة وآخى النبيّ صلى الله عليه وآله بين المهاجرين والأنصار، وعليّ واقفٌ يراه ويعرف مكانه ولم يُؤاخِ بينه وبين أحد، فانصرف عليّ باكي العين، فافتقده النبيّ صلى الله عليه وآله، فقال: ما فعل أبوالحسن؟ قالوا: انصرف باكي العين. قال: يا بلال، إذهب فائْتِ به.


فمضى إليه وقد دخل منزله باكي العين، فقالت فاطمة: ما يبكيكَ لا أبكى اللَّه عينَيك؟


[
في ش1 و ش2 : عينك.]

قال: آخى النبيّ صلى الله عليه وآله بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني ولم يُؤاخِ بيني وبين أحد؛ قالت: لا يحزنك اللَّه، لعلّه إنّما


[
في ر فقط.]

دخرك لنفسه.


فقال بلال يا عليّ، أَجِب النبيّ صلى الله عليه وآله.


فأتى النبيّ صلى الله عليه وآله، فقال: ما يُبكيك يا أباالحسن؟ فقال: آخيتَ بين المهاجرين والأنصار "يا رسول اللَّه"


[
مابين القوسين في ر فقط.]

وأنا واقف تراني وتعرف مكاني، ولم تؤاخِ بيني وبين أحد. قال: إنّما ادّخرتك


[
في ر : اخترتك.]

لنفسي، ألا يسرّك أن تكون أخا نبيِّك؟ قال: بلى يا رسول اللَّه، أنّى لي بذلك.


فأخذ بيده فأرقاه المنبر، فقال: اللّهمّ إنّ هذا منّي وأنا منه، ألا إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى، ألا مَن كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه، فانصرف عليّ قرير العين، فاتّبعه عمر فقال: بخٍّ بَخٍّ يا أبا الحسن، أصبحتَ مولاي ومولى كلّ مؤمن


[
في ش1 و ش2 : مسلم.]


[
ويُدعى ب حديث المؤاخاة ؛ وقد سبقت الإشارة إلى بعض مصادره في حديث المنزلة وحديث الغدير، وقد روى حديث المؤاخاة عدد كبير من الصحابة؛ فقد رواه عن زيد بن أبي أوفى كلٌّ من: أحمد في فضائل الصحابة 638:2/ ح1085، وابن الضحّاك الشيبانيّ في الآحاد والمثاني 170:5-172/ ح2707، والطبرانيّ في المعجم الكبير 220:5-221/ ح5146؛ ورواه عن ابن عمر كلّ من: الترمذيّ في سننه 636:5 ح3720، والحاكم في المستدرك على الصحيحَين 15:3، والطبرانيّ في المعجم الأوسط 40:8-41/ ح7894، والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 194/ الباب 47؛ ورواه عن جابر بن عبداللَّه الأنصاريّ: أحمد في فضائل الصحابة 666:2/ ح1135 وفي آخره: عليّ أخي وصاحب لوائي؛ ورواه عن جابر أيضاً 666:2/ ح1137 قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: رأيت على باب الجنّة مكتوباً: لا إله إلّا اللَّه، محمّد رسول اللَّه، عليّ أخو رسول اللَّه .


وممّن روى حديث المؤاخاة عن جابر: الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 193/ الباب 47، حيث قال: هذا حديث حَسَن عالٍ صحيح أخرجه الترمذيّ في جامعه، فإذا أردت أن تعلم قُرب منزلته من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فتأمّل صُنعه في المؤاخاة بين أصحابه: جعل يضمّ الشكل إلى الشكل، والمِثل إلى المِثل، فيؤلّف بينهم، إلى أن آخى بين أبي بكر وعمر، وادّخر عليّاً عليه السلام لنفسه واختصّه باُخوّته، وناهيك بها من فضيلة وشرف إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ |ق: 37|.


ثمّ أخرج الكنجيّ حديثاً عن أحمد بن حنبل في المناقب، عن سعيد بن المسيّب، ثمّ أخرج في ص196 حديثاً عن صحيح مسلم بإسناده عن سهل بن سعد، وختم بحديث عن جابر فيه أبيات لأميرالمؤمنين عليه السلام أنشدها ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله يسمع؛ وهي:




  • أنا أخو المصطفى لا شكّ في نَسَبي
    جدّي وجدّ رسول اللَّه متّحدٌ
    صدّقتُهُ وجميع الناس في ظُلَمٍ
    فالحمدُ للَّه شكراً لا نفادَ له
    البرّ بالعبد والباقي بلا أمد



  • مَعْهُ ربيتُ وسِبطاه هما ولدي
    وفاطم زوجتي لا قول ذي فَنَد
    من الضّلالة والإشراك والنَّكَدِ
    البرّ بالعبد والباقي بلا أمد
    البرّ بالعبد والباقي بلا أمد




فتبسّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقال: صدقتَ يا عليّ.


وقال: أخرجه ابن إسحاق في سيرته.


وقال المزيّ في تهذيب الكمال 484:20 في ترجمة أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام: وروينا من وجوهٍ عن عليّ أنّه كان يقول: أنا عبد اللَّه وأخو رسوله، لا يقولها أحد غيري إلّا كذّاب ، وقال أبو عمر: آخى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بين المهاجرين بمكّة، ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة وقال "في" كلّ واحد منهما لعليّ: أنت أخي في الدنيا والآخرة وآخى بينه وبين نفسه؛ فلهذا كان هذاالقول وما أشبهه من عليّ. وانظر أيضاً: ذخائر العقبى: 67 - 66 ذِكر إخائه النبيّ صلى الله عليه وآله؛ الطبقات الكبرى 22:3؛ الاستيعاب 35:3؛ سيرة ابن هشام 109:2؛ البداية والنهاية لابن كثير 348:7.


وطلع علينا ابن تيميّة مكافحاً في إبطال كلّ ما يخالف عقيدته في تقديم الشيخين، فحكم على حديث المؤاخاة بالبطلان، وقال بأنّ النبيّ لم يؤاخِ أحداً |منها السنّة 96:4|، وتمسّك في إنكاره بذريعة أنّ المؤاخاة إنّما شرّعت لإرفاق بعضهم بعضاً، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض؛ ثمّ يختم ابن تيميّة كلامه بقوله: فلا معنى لمؤاخاة النبيّ لأحدٍ منهم، ولا لمؤاخاة مهاجريّ لمهاجريمّ . أرأيت - أخي المسلم المنصف - متانة الاستدلال؟! إنّ ابن تيميّة لمّا لم يُرِد أن يفهم - لنصبه وعِدائه - العلّة التي جعلت النبيّ صلى الله عليه وآله يؤاخي لأجلها عليّاً عليه السلام، فإنّه أنكر هذه الواقعة التي تسالم عليها المؤرّخون والمحدّثون، ولست أدري ما الذي سيقوله ابن تيميّة في آية المباهلة التي جعلت عليّاً عليه السلام نفس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بنصّ القرآن الصريح! لهذا وغيره ردّ علماء السنّة على ابن تيميّة، فقال شيخهم الحافظ ابن حجر |فتح الباري 217:7| - وتابعه الزرقانيّ المالكيّ في شرح المواهب اللدنيّة 273:1 - بعد أن ذكر أخبار المؤاخاة وإنكار ابن تيميّة لها: وهذا ردٌّ للنصّ بالقياس، وإغفال عن حكمة المؤاخاة.]



والمؤاخاة تدلّ على الأفضليّة


[
باعتبار أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله هو أفضل الخلق، فيكون أخوه أفضلَهم بعده.]

، فيكون هو الإمام.


حديث الراية فتح خيبر



ما رواه الجمهور كافّة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لمّا حاصر خيبر تسعاً


[
في ش1 و ش2 : بعضاً.]

وعشرين ليلة، وكانت الراية لأميرالمؤمنين عليه السلام، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب، وخرج مرحب يتعرّض للحرب، فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أبابكر، فقال له: خُذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين، فاجتَهدَ ولم يُغنِ شيئاً ورجع منهزماً.


فلمّا كان من الغد تعرّض لها عُمَرُ، فسار غير بعيد، ثمّ رجع يجبّن أصحابه، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: جيئُوني


[
في ش1 و ش2 : جيئُوا.]

بعليّ عليه السلام.


فقيل: إنّه أرمد، فقال: أَرونيه تروني


[
في ش1 و ش2 : أروني.]

رجلاً يحبّ اللَّهَ ورسوله، ويحبّه اللَّهُ ورسوله ليس بفرّار


[
ولا يخفى ما في هذا التعبير من تعريض باللذَين ذهبا قبله فرجعا منهزمَين، يُجبّن كلٌّ منهما أصحابَه ويجبّنه أصحابُه.]



فجاءُوهُ بعليّ، فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه، فبرِئَ، وأعطاه الراية، ففتح اللَّه على يده، وقتل مرحباً


[
ويُعرف ب حديث الراية . رواه البخاريّ في الصحيح 1086:3/ ح2812؛ و1542:4/ ح3972 باسناده عن سلمة بن الأكوع؛ و1357:3/ ح3498؛ و1542:4/ ح3973 بإسناد آخر عن سهل بن سعد؛ ورواه مسلم في صحيحه 1872:4/ ح2416 كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل عليّ رضى الله عنه بإسناده عن أبي هريرة، وبإسناد آخر عن سهل بن سعد، وفي 122:7 بإسناده عن سلمة ابن الأكوع. ورواه أحمد في مسنده 185:1/ ح1611 عن عامر بن سعد عن أبيه، و358:5/ ح22522 بإسناده عن بريدة الأسلميّ؛ و333:5/ ح22314 بإسناده عن سهل بن سعد؛ و384:2/ ح8764 بإسناده عن أبي هريرة؛ و353:5/ ح22484 بإسناده عن بريدة.


ورواه النسائيّ في الخصائص: 48 عن عامر بن سعد؛ وفي ص49 و50 بطريقَين عن سعد بن أبي وقّاص؛ وفي ص52 عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه؛ وفي ص53 و54 بطريقَين عن بريدة؛ وفي ص56 عن سهل بن سعد. وفي ص57 و58 بطريقَين عن أبي هريرة؛ وفي ص60 عن عمران بن الحصين.


ورواه الحاكم في المستدرك 37:3 وصحّحه؛ ورواه ابن المغازليّ في المناقب: 189 - 176/ ح224 - 213 بأسانيد وألفاظ مختلفة؛ وأخرجه المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 73 - 72 عن سهل بن سعد، وسلمة بن الأكوع وأبي هريرة وأبي سعيد الخدريّ وأبي رافع مولى رسول اللَّه بألفاظ مختلفة.


وقد نقل المؤرّخون قصّة فتح خيبر وأنّ الفتح كان على يدي أميرالمؤمنين عليه السلام؛ منهم الطبريّ في تاريخه 93:3، وابن الأثير في الكامل 219:2؛ وابن كثير في البداية والنهاية 349:7؛ وابن هشام في سيرته 216:3.


أولا يعجب المسلم المنصف من أمثال ابن تيميّة الذين أصمّتهم العصبيّة فأغمضوا أعينهم عن هذه الفضيلة الجليّة - والشمسُ لا تُستَر بغربال - فقال في منهاج السنّة 175:4 في ردّه على العلّامة الحلّيّ الذي نقل القصّة المذكورة: لعنة اللَّه على الكاذبين؛ يُقال: مَن ذَكَر هذا من علماء النقل؟ وأين إسناده وصحّته؟ أقول: اللهمّ آمين، لعنة اللَّه على الكاذبين!.]



ووصفه صلى الله عليه وآله بهذا الوصف يدلّ على انتفائه عن غيره، وهو يدلّ على أفضليّته، فيكون هو الإمام.


حديث الطائر



روى الجمهور كافّة أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله اُتي بطائر، فقال: اللهمّ ائتِني بأحبّ خلقك إليَّ يأكل معي من هذا الطائر.


فجاء عليّ عليه السلام فدقّ الباب، فقال أنس بن مالك: إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله على حاجة، فانصرف


[
في ش1 : فرجع.]



ثمّ قال النبيّ صلى الله عليه وآله كما قال أوّلاً، فدقّ عليّ عليه السلام الباب، فقال أنس: أَوَلم أقل لك أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله على حاجة؟ فانصرف.


فقال النبيّ صلى الله عليه وآله كما قال في الاُوليَين، فجاء عليّ عليه السلام فدقّ الباب أشدّ من الاُوليَين، فسمعه النبيّ صلى الله عليه وآله وقد قال له أنس أنّه على حاجة، فأَذِن له بالدخول وقال: يا عليّ، ما أبطأك عنّي؟ قال: جئتُ فردّني أنس، ثمّ جئتُ فردّني، ثمّ جئتُ الثالثة فردّني.


فقال صلى الله عليه وآله: يا أنس، ما حَمَلَكَ على هذا؟ فقال: رَجوتُ أن يكون الدُّعاء لأحدٍ من الأنصار.


فقال: يا أنس، أَفي الأنصار خير من عليّ؟! أَوَ في الأنصار أفضل من عليّ؟!


[
هو من الأحاديث الصحيحة التي وثّق سندها أئمّة الحديث، ويُعرف ب حديث الطائر ، رواه الترمذيّ في سننه 636:5/ ح3721؛ ورواه الحاكم في المستدرك 130:3 وصحّحه، وقال: رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفساً؛ ورواه النسائيّ في الخصائص: 52 - 51؛ وسبط ابن الجوزيّ في التذكرة: 39 - 38، وقال: قال الحاكم النيسابوريّ: حديث الطائر صحيح، يلزم البخاريّ ومسلم إخراجه في صحيحيهما لأنّ رجاله ثقات، وهو على شرطهما.


وقد عقد له الكنجيّ الشافعيّ باباً في كتاب كفاية الطالب ذكر فيه طرق الحديث وأسانيده عن الترمذيّ في جامعه الصحيح، وعن الخطيب في تاريخه، وعن ابن نجيح البزّار في الأوّل من منتقى أبي حفص عمر البصريّ، وعن المحامليّ في أماليه، ثمّ قال: وحديث أنس الذي صدّرتُه في أوّل الباب أخرجه الحاكم أبو عبداللَّه الحافظ النيسابوريّ عن ستّة وثمانين رجلاً، كلّهم رووه عن أنس، وهذا ترتيبهم على حروف المعجم... ثمّ ذكر أسماء الرواة، ثمّ ذكر حديثاً آخر بسندٍ آخر عن عمر بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وقال: ورُوي من وجهٍ آخر وفيه ردّ الشمس عليه، ذكرتُه في فصل ردّ الشمس، ورواه عبداللَّه بن عبّاس وأبو سعيد الخدريّ ويعلى بن مرّة الثقفيّ، كلّهم عن النبيّ صلى الله عليه وآله. ومن الرواة عدّة كثيرة من كبار التابعين المتّفق على ثقتهم وعدالتهم، المخرّج حديثهم في الصحاح، ممّن لا ارتياب في واحد منهم، والحديث مشهور وبالصحّة مذكور.


وقال الخوارزميّ في مقتل الحسين عليه السلام 46:1: أخرج الحافظ ابن مردوَيه هذا الحديث بمائة وعشرين إسناداً. وقال أبو عبداللَّه الحافظ: صحّ حديث الطير وإن لم يخرجاه، يعني البخاريّ ومسلم.


وقد صحّح الذهبيّ حديث الطير في تذكرة الحفّاظ 1041:3-1042 وألّف جزءاً فيما صحّ عنده من طرقه.


وروى حديث الطائر المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 62 - 61 بطريقَين؛ وابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة: 37/ الفصل 1؛ والبغويّ في مصابيح السنّة 173:4/ ح4770.


ومع هذا كلّه يأتي ابن تيميّة - كعادته في إنكار فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام بلا دليل - فيتعامى في منهاج السنّة ويقول بكلّ بساطة: إنّ حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل!! ثمّ زعم - غير آبهٍ بالحقائق الدامغة - أنّ الحاكم لم ينقله في مستدركه!!.]



وإذا كان أحبّ الخلق إلى اللَّه تعالى، وجب أن يكون هو الإمام.


ان النبي أمر أصحابه بالسلام علي علي بإمره المؤمنين



ما رواه الجمهور من أنّه صلى الله عليه وآله أمر أصحابه بأن يسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقال: إنّه سيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغُرّ المحجّلين، وقال: هذا وليٌّ كلّ مؤمن بعدي. وقال في حقّه: إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة


[
ذكرنا بعض مصادره في حديث الغدير؛ والنظر: سنن الترمذيّ 296:5/ ح3796؛ ذخائر العقبى: 68.]



فيكون عليّ بعده كذلك، وهذه نصوص في الباب.


حديث الملازمة بين العترة والقرآن و حديث السفينة



ما رواه الجمهور من قول النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا: كتاب اللَّه وعِترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض


[
ويُدعى ب حديث الثقلين ويدلّ - فضلاً عن الأمر بالتمسّك بالثقلَين - على تلازم أهل البيت مع القرآن وعدم انفكاكهما عن بعضهما، وبُطلان الأخذ بأحدهما دون الآخر، وعلى بطلان قول من قال: حسبنا كتاب اللَّه!


وقد رواه أئمّة الحديث: رواه مسلم في صحيحه 1873:4/ ح2408 كتاب الفضائل - باب من فضائل عليّ رضى الله عنه عن زيد بن أرقم؛ وأحمد في مسنده 17:3/ ح10747 عن أبي سعيد الخدريّ؛ و366:4-367/ ح18780 عن زيد بن أرقم؛ و498:4/ ح18815 عن أبي الطفيل؛ و182:5/ ح21068؛ و189:5/ ح21145 عن زيد بن ثابت؛ وأخرجه الحاكم في المستدرك 124:3 عن زيد بن أرقم وصحّحه؛ والنسائيّ في خصائصه: 93 عن زيد بن أرقم؛ والديلميّ في الفردوس 66:1-67/ ح194 عن أبي سعيد الخدريّ؛ والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 53 - 51 عن زيد بن أرقم؛ والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 16 عن زيد بن أرقم؛ وابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة: 40/ الفصل 1 عن الترمذيّ، عن زيد بن أرقم.]



وقال صلى الله عليه وآله: مَثَلُ أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نَجَا ومن تخلّف عنها غرق


[
رواه ابن المغازليّ في المناقب: 134 - 132/ ح177 - 173 بأسانيده عن ابن عبّاس بطريقَين، وإياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه، وأبي ذر.


وأخرجه المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 20 عن ابن عبّاس وعليّ عليه السلام، والحاكم في المستدرك 150:3 عن أبي ذر وصحّحه، وابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة: 26 - المقدّمة عن أبي ذر، وابن حجر في الصواعق: 91 الآية السابعة؛ والسيوطيّ في الدرّ المنثور 71:1-72 ذيل الآية 47 من سوره البقرة، عن عليّ عليه السلام، قال: إنّما مثلنا في هذه الاُمّة كسفينة نوح، وكباب حطّة في بني إسرائيل. وأخرجه القندوزيّ في ينابيع المودّة بألفاظ مختلفة. انظر الينابيع 93:1-94/ الباب 4 و118:2/ الباب 56و2:252/ الباب 56؛ و327:2/ الباب 56؛ و443:2/ الباب 59؛ و472:2/ الباب 59.]



وهذا يدلّ على وجوب التمسّك بقول أهل بيته، وسيّدهم عليّ عليه السلام، فيكون واجب الطاعة على الكلّ، فيكون هو الإمام دون غيره من الصحابة.


ما رواه الجمهور في وجوب محبة أمير المؤمنين و موالاته



روى أحمد بن حنبل في مسنده: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أخذ بيده حسن وحسين، وقال: من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما واُمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة


[
مسند أحمد 77:1/ ح577 بإسناده عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه؛ سنن الترمذيّ 641:5/ ح3733 بإسناده عن عليّ؛ المعجم الكبير للطبرانيّ 50:3/ ح2654 بإسناده عن عليّ؛ المناقب للخوارزميّ: 138/ ح156.]



وروى ابن خالويه عن حذيفة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من أحبّ أن يتمسّك بقصبة الياقوت التي خلقها اللَّه تعالى بيده ثمّ قال لها: كُوني فكانت، فليتولَّ عليّ ابن أبي طالب من بعدي


[
رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 86:1 عن حذيفة، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من سرّه أن يحيى حياتي ويموت ميتتي، ويتمسّك بالقصبة الياقوتة التي خلقها اللَّه بيده ثمّ قال لها كوني فكانت، فليتولَّ عليّ بن أبي طالب من بعدي.


وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 216 - 215/ ح264 - 260 بألفاظ مختلفة عن ابن عبّاس، وزيد بن أرقم، وأبي هريرة.


وأخرجه أيضاً: الخوارزميّ في مناقبه: 76/ ح58، الفصل 6 عن زيد بن أرقم؛ وسبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواصّ: 47 عن زيد بن أرقم.]



وعن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعليّ: حُبّك إيمان، وبُغضك نفاق، وأوّل من يدخل الجنّة مُحبُّك، وأوّل من يدخل الناس مُبغضُك، وقد جعلك أهلاً لذلك، فأنت منّي، وأنا منك، ولا نبيّ بعدي


[
كتاب ابن خالويه؛ وعنه بحارالأنوار 267:39.]



وعن شقيق ابن سلمة، عن عبداللَّه، قال: رأيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو آخذٌ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام وهو يقول: هذا وليّي وأنا وليّه، عاديتُ من عادى، وسالمتُ من سالم


[
مرّ بعض مصادر الحديثَين السابقين في آية ،وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وحديثَي المؤاخاة والغدير.


وروى النسائيّ في السنن الكبرى 136:5/ ح8483 بإسناده عن سعيد بن وهب، قال: قال عليّ في الرحبة: اُنشد اللَّه من سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم غدير خُمّ يقول: إنّ اللَّه وليّي وأنا وليّ المؤمنين، ومن كنت مولاه فهذا وليّه؛ اللهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه - الحديث.


وروى ابن حجر في الإصابة 328:4 عن الأصبغ بن نباتة حديث المناشدة، وذكر أنّ بضعة عشر رجلاً قاموا فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللَّه يقول: إنّ اللَّه وليّي وأنا وليّ المؤمنين، فمن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه.


وروى ابن عديّ في الكامل 369:6/ الرقم 1851 عن شقيق بن عبداللَّه، قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وآله أخذ بيد عليّ وهو يقول: اللَّه وليّي، وأنا وليّك، ومُعادٍ من عاداك، ومُسالم من سالمك.]



وروى أخطب خوارزم عن جابر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: جاءني جبرئيل من عند اللَّه عزّ وجلّ بورقة خضراء مكتسوب فيها ببياض إنّي افترضتُ محبّة عليّ ابن أبي طالب عليه السلام على خلقي، فبلِّغهم ذلك عنّي


[
مقتل الحسين للخوارزميّ 37:1، ومناقب الخوارزميّ: 66/ ح37.]



والأخبار في ذلك لا تُحصى كثرةً من طرق المخالفين، وهذا يدلّ على أفضليّته واستحقاقه للإمامة.


حديث المناصبة



روى أخطب خوارزم بإسناده إلى أبي ذر الغفاريّ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: مَن ناصب عليّاً الخلافةَ بعدي فهو كافر وقد حارب اللَّه ورسوله، ومَن شكّ في عليّ فهو كافر


[
لم أعثر عليه في المناقب ولا في مقتل الإمام الحسين عليه السلام للخوارزميّ؛ وقد رواه ابن المغازليّ في المناقب: 46 - 45/ ح68 عن أبي ذرّ باختلاف يسير؛ والمناويّ في كنوز الحقائق: 156؛ وعنه ينابيع المودّة للقندوزيّ 82:2/ الباب 56 - ح118، والغدير 274:10؛ وروى الديلميّ في الفردوس 62:3/ ح4175، عن جابر بن عبداللَّه، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: عليٌّ خير البشر، من شكّ فيه فقد كفر؛ وأخرج الحديث الخطيب البغداديّ في تاريخه 421:7/ الرقم 3984 عن جابر، بلفظ عليٌّ خير البشر، فمن امترى فيه فقد كفر .]



وعن أنس، قال: كنت عند النبيّ صلى الله عليه وآله، فرأى عليّاً عليه السلام مقبلاً، فقال: أنا وهذا حجّة على اُمّتي يوم القيامة


[
أخرجه القندوزيّ في الينابيع 249:2/ الباب - 56 ح700 وقال: رواه صاحب الفردوس والإمام أحمد.


وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 45/ ح67، والمحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 77 وقال: أخرجه النقّاش.]



وعن معاوية بن حيدة القشيريّ، قال: سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وآله يقول لعليٍّ عليه السلام: يا عليّ لا يُبالي مَن مات وهو يُبغضك ماتَ يهوديّاً أو نصرانيّاً


[
رواه الديلميّ في الفردوس 316:5/ ح8303؛ و330:5/ ح8339 بإسناده عن بهز بن حكيم مرفوعاً: يا عليّ، ما كنتُ اُبالي مَن مات من اُمّتي وهو يُبغضك، مات يهوديّاً أو نصرانيّاً.


وأخرجه ابن المغازليّ في المناقب: 51 - 50/ ح74 عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه معاوية ابن حيدة القشيريّ، ثمّ قال: قال يزيد بن زريع: فقلتُ لبهز بن حكيم: أحدّثك أبوك عن جدّك عن النبيّ؟ قال: اللَّه! حدّثني أبي عن جدّي وإلّا فأصمّ اللَّهُ اُذني بصمام من نار!.]



قالت الإماميّة: إذا رأينا المخالف لنا يُورد مثل هذه الأحاديث، ونقلنا نحن أضعافها عن رجالنا الثقات، وجب علينا المصير إليها، وحرم العدول عنها.


في الأدلّة على إمامته، المستنبطة من أحواله



انه كان أزهد الناس بعد رسول اللَّه


أنه كان أزهد الناس بعد رسول اللَّه وطلّق الدنيا ثلاثاً، وكان قُوته جريش الشعير، وكان يختمه لئلّا يضع الإمامان عليهما السلام فيه أداماً، وكان يلبس خشن الثياب قصيرها، ورقّع مدرعته حتّى استحيى من راقعها، وكان حمائل سيفه من اللّيف، وكذا نَعْلُهُ.


روى أخطب خوارزم عن عمّار، قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: يا عليّ، إنّ اللَّه تعالى زيّنك بزينةٍ لم يزيّنِ العباد بزينةٍ "أحبّ إليه"


[
في ش1 و ش2 : هي أحبّ إلى اللَّه.]

منها؛ زهّدك في الدنيا وبغّضها إليك، وحبّب إليك الفقراء، فرضيتَ بهم أتباعاً، ورضوا بك إماماً، يا عليّ، طوبى لمن أحبّك وصدق عليك، والويل لمن أبغضك وكذب عليك، أمّا من أحبّك وصدق عليك فإخوانك في دينك وشركاؤك في جنّتك، وأمّا من أبغضك وكذب عليك فحقيقٌ على اللَّه تعالى يوم القيامة أن يُقيمه مقام الكذّابين


[
المناقب للخوارزميّ: 116/ الفصل 10 - ح126؛ حلية الأولياء 71:1؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ 337:2/ ح2157؛ الفردوس للديلميّ 319:5/ ح8311 عن عمّار مختصراً.]



قال سُوَيد بن غفلة: دخلتُ على عليّ بن أبي طالب عليه السلام القصر


[
في ر : العصر.]

، فوجدتُه جالساً، بين يديه صحفة فيها لبن حازر


[
في ش1 و ش2 حار. واللبن الحازر: الحامض.]

أجدُ ريحه من شدّة حموضته، وفي يديه رغيف أرى قشار الشعير في وجهه، وهو يكسر بيده أحياناً، فإذا غلبه كسره بركبته فطرحه فيه، فقال: ادنُ فأَصِبْ من طعامنا هذا! فقلت: إنّي صائم! فقال: سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: مَن منعه الصيام من طعامٍ يشتهيه، كان حقّاً على اللَّه أن يُطعمه من طعام الجنّة، ويسقيه من شرابها.


قال: فقلتُ لجاريته وهي قائمة بقرب منه: وَيحك يا فضّة، ألا تتّقين اللَّه في هذا الشيخ؟ "ألا تنخلون"


[
في ش1 : لا تنخلين، وفي ش2 : ألا تنخلين.]

له طعاماً ممّا أرى فيه من النخالة؟ فقالت: لقد تقدّم إلينا ألّا ننخل له طعاماً.


قال: ما قلتَ لها؟ فأخبرتُه، فقال: بأبي واُمّي من لم يُنخَل لهُ طعام ولم يشبع من خُبز البرّ ثلاثة أيّام حتّى قبضه اللَّه عزّ وجلّ


[
مناقب الخوارزميّ: 118/ - الفصل 10 - ح130، وتذكرة الخواصّ: 112، وقال: وأخرجه أحمد أيضاً في الفضائل.]



واشترى يوماً ثوبَين غليظين، فخيّر قنبراً فيهما، فأخذ واحداً ولبس هو الآخر، ورأى في كُمّه طولاً عن أصابعه فقطعه


[
تاريخ دمشق 191:3/ ح1241؛ واُسد الغابة 24:4.]



قال ضرار بن ضمرة: دخلتُ على معاوية بعد قتل عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال: صِفْ لي عليّاً.


فقلت: أَعْفِني!


فقال: لابدّ أن تصفه.


فقلت: أمّا إذا لابدّ، فإنّه كان - واللَّهِ - بعيدَ المدى، شديدَ القُوى، يقول فَصلاً، ويَحكُم عَدلاً، يتفجّر العِلمُ من جوانبه، وتنطق الحكمةُ من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس بالليل ووحشته، غزير العَبرة، طويل الفِكرة، يقلّب كفَّه ويُعاتب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.


وكان فينا كأحدنا، يُجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحنُ - واللَّه - مع تقريبه لنا وقربه منّا لا نكاد نكلّمه هيبةً له، يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين، لايطمع القويّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأَشْهَدُ باللَّه لقد رأيتُه في بعض مواقفه وقد أرخى الليلُ سُدوله، وغارت نجومُه، قابضاً على لحيته، يتململ تَمَلْمُلَ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرّي غَيري، أَبي تعرّضتِ أم لي تشوّقتِ؟! هيهات هيهات، قد أبنتُك ثلاثاً لا رجعةَ فيها، فعمرُك قصير، وخطرُك يسير


[
في ش1 و ش2 : كثير.]

، وعيشُك حقير، آهٍ من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق.


فبكى معاوية، وقال: رحم اللَّه أبا الحسن! كان - واللَّه - كذلك، قال معاوية: كيف كان حبّك له؟ قال: كحبّ اُمّ موسى لموسى، قال: فما حزنُك عليه يا ضرار؟ قال: حُزن مَن ذُبح ولدُها في حِجرها، فلا ترقأ عَبرتُها، ولا يسكن حزنها


[
حلية الأولياء 84:1؛ تذكرة الخواصّ: 119 - 118؛ ذخائر العقبى: 100، وقال: أخرجه الدولابيّ وأبو عمرو وصاحب الصفوة؛ الاستيعاب لابن عبدالبرّ 44:3، عن الحرمازيّ رجل من همدان؛ الفصول المهمّة: 129/ الفصل 1.]



وبالجملة، فزهده لم يلحقه أحد فيه ولا يسبقه أحد إليه عليه السلام، وإذا كان أزهد الناس، كان هو الإمام؛ لامتناع تقدّم المفضول عليه.


انه كان أعبد الناس بعد رسول الله



أنّه عليه السلام كان أعبد الناس، يصوم النهار ويقوم اللّيل، ومنه تعلّم الناس صلاة اللّيل ونوافل النهار، وأكثر العبادات والأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت، وكان يصلّي في نهاره وليلته ألف ركعة، ولم يُخلّ بصلاة اللّيل حتّى في ليلة الهرير


[
مسند أحمد 144:1/ ح1223؛ حلية الأولياء 69:1؛ بحار الأنوار 41:17 عن أبي يعلى في المسند؛ شرح نهج البلاغة 9:1 طبع بيروت ذات أربع مجلّدات.]



قال ابنُ عبّاس: رأيتُه في حربه وهو يرقب الشمس، فقلت: يا أميرالمؤمنين، ماذا تصنع؟ فقال: أنظر إلى الزوال لاُصلّي. فقلت: في هذا الوقت؟! فقال: إنّما نُقاتلهم على الصلاة


[
إرشاد القلوب للديلميّ؛ وعنه: وسائل الشيعة 179:3/ ح2؛ وبحار الأنوار 23: 80.]



فلم يغفل عن فِعل العبادة في أوّل وقتها في أصعب الأوقات. وكان إذا اُريد إخراج شي ء من الحديد من جسده تُرك


[
في ش1 و ش2 : يُترك.]

إلى أن يدخل في الصلاة فيبقى متوجّهاً إلى اللَّه تعالى غافلاً عمّا سواه، غير مُدرك للآلام التي تُفعل به.


وجمع بين الصلاة والزكاة، فتصدّق وهو راكع، فأنزل اللَّه تعالى فيه قرآناً يُتلى، وتصدّق بقُوته وقُوت عياله ثلاثة أيّام حتّى أنزل اللَّه فيه وفيهم هَلْ أَتَى ، وتصدّق ليلاً ونهاراً وسرّاً وجهاراً، وناجى الرسول فقدّم بين يدَي نجواه صدقة


[
في ر : صدقات.]

، فأنزل اللَّه تعالى فيه قرآناً؛ وأعتق ألف عبد من كسب يده، وكان يؤجر نفسه ويُنفق على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في الشِّعب.


وإذا كان أعبد الناس كان أفضل، فيكون هو الإمام.


انه كان أعلم الناس بعد رسول الله



أنّه عليه السلام كان أعلم الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أقضاكم عليّ


[
الاستيعاب 38:3، بلفظ: قال صلى الله عليه وآله في أصحابه: "أقضاكم عليّ بن أبي طالب".


وفيه أيضاً: وقال عمر بن الخطّاب: عليٌّ أقضانا واُبيّ أقرؤنا... الحديث.


وعن ابن عبّاس، قال: قال عمر: عليٌّ أقضانا.


وفي المناقب للخوارزميّ: 81/ ح66 - الفصل 7 "بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ أقضى اُمّتي عليّ بن أبي طالب عليه السلام.


وفي ذخائر العقبى: 83 عن أنس، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: أقضى اُمّتي عليّ.


وفيه: عن عمر، قال: أقضانا عليٌّ؛ أخرجه الحافظ السلفيّ.]

؛ والقضاء يستلزم العِلم والدين.


وفيه نزل قوله تعالى: وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَةٌ


[
الحاقّة: 12.]


[
حلية الأولياء 67:1؛ الفردوس للديلميّ 329:5/ ح8338؛ تفسير الدرّ المنثور 260:6 ذيل الآية؛ شواهد التنزيل 363:2/ ح1008.]



ولأنّه عليه السلام كان في غاية الذكاء والفطنة، شديد الحرص على التعلّم، ولازَمَ رسول اللَّه - الذي هو أكمل الناس - ملازمة شديدة ليلاً ونهاراً من صغره إلى وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وقال صلى الله عليه وآله: العِلم في الصغر كالنقش في الحَجَر ، فيكون علومه أكثر من علوم غيره؛ لحصول القابل الكامل والفاعل التامّ، ومنه استفاد الناس العِلم.


أمّا النحو، فهو واضعه؛ قال لأبي الأسود الدؤليّ: الكلام كلّه ثلاثة أشياء: اسم وفِعل وحرف ... وعلّمه وجوه الإعراب.


وأمّا الفقه، فالفقهاء كلّهم يرجعون إليه؛ أمّا الإماميّة فظاهر؛ لأنّهم أخَذُوا علمهم منه ومن أولاده، وأمّا غيرهم فكذلك، أمّا أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف ومحمّد وزفر، فإنّهم أخذوا عن أبي حنيفة، والشافعيُّ قرأ على محمّد بن الحسن وعلى مالك، فرجع فقهه إليهما، وأمّا أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعيّ، فرجع فقهه إليه، وفقه الشافعيّ راجع إلى أبي حنيفة، وأبو حنيفة قرأ على الصادق، والصادق قرأ على الباقر، والباقر "قرأ على زين العابدين، وزين العابدين قرأ على أبيه، وأبوه قرأ على عليّ عليه السلام.


وأمّا مالك فقرأ على ربيعة الرأي


[
في ر : الرازيّ.]

، وقرأ ربيعة على عكرمة، وعكرمة على عبداللَّه بن عبّاس، وعبداللَّه بن عبّاس تلميذ عليّ عليه السلام.


وأمّا علم الكلام فهو أصله، ومن خُطَبِه استفاد الناس، وكلّ الناس تلاميذه: فإنّ المعتزلة انتسبوا إلى واصل بن عطاء وهو كبيرهم، وكان تلميذ أبي هاشم عبداللَّه ابن محمّد بن الحنفيّة، وأبو هاشم تلميذ أبيه، وأبوه تلميذ عليّ؛ والأشعريّة تلامذة أبي الحسن عليّ بن أبي بشر الأشعريّ، وهو تلميذ أبي عليّ الجبائيّ، وهو شيخ من شيوخ المعتزلة.


وعِلم التفسير إليه يُعزى، لأنّ ابن عبّاس كان تلميذه فيه. قال ابن عبّاس: حدّثني أميرُالمؤمنين من تفسير الباء من بسم اللَّه الرحمن الرحيم من أوّل الليل إلى آخره.


وأمّا علم الطريقة، فإليه منسوب، فإنّ الصوفيّة كلّهم يسندون الخِرقة إليه.


وأمّا علم الفصاحة، فهو منبعه، حتّى قيل في كلامه أنّه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، ومنه تعلّم الخطباء


[
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6:1-7.]



وقال: سلوني قبل أن تفقدوني! سلوني عن طرق السماء فإنّي أعلم بها من طرق الأرض !


[
روي هذا الحديث بألفاظ وأسانيد مختلفة، وقد أخرجه بهذا اللفظ: القندوزيّ في ينابيع المودّة 208:3/ الباب 68 ضمن خطبة مفصّلة لأميرالمؤمنين عليه السلام. ورواه في 224:3 بلفظ آخر عن أحمد في مسنده، بإسناده عن ابن عبّاس.


وأخرج الخوارزميّ في مناقبه 92 - 91/ ح85 عن أبي البختريّ حديثاً بهذا المضمون؛ كما أخرج في 91 - 90/ ح83 عن سعيد بن المسيّب، قال: ما كان في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله أحد يقول سَلوني غير عليّ بن أبي طالب عليه السلام.


وأخرج الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 208/ الباب 52 عن أبي الطفيل، قال: قال عليّ بن أبي طالب: سَلوني عن كتاب اللَّه، فإنّه ليس من آية إلّا وقد عرفتُ بلَيلٍ نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل. ثمّ قال: هكذا أخرجه صاحب الطبقات، وما كتبناه إلّا من هذا الوجه، انتهى. وأخرجه بهذا اللفظ ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 43:3.


ورواه الحاكم في المستدرك 383:2 بإسناده عن النزال بن سبرة بلفظ سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تسألوا بعدي مِثلي .]

وإليه يرجع الصحابة في مشكلاتهم. و "رووا في عمر"


[
في ش1 و ش2 : وردَّ عمرَ في.]

قضايا كثيرة قال فيها: لولا عليّ لهلك عمر ؛ وأوضح كثيراً من المشكلات: جاء إليه شخصان كان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة، فجلسا يأكلان، فجاءهما ثالث فشاركهما، فلمّا فرغوا رمى لهما ثمانية دراهم، فطلب صاحب "الأرغفة الأكثر خمسة" دراهم، فأبى عليه صاحب "الأرغفة الأقلّ، فتخاصما ورجعا إلى عليّ عليه السلام، فقال: قد أنصفك؛ فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ حقّي أكثر، وأنا اُريد مُرّ الحقّ، فقال: إذا كان كذلك فخُذ درهماً واحداً وأعطه الباقي


[
الاستيعاب لابن عبد البرّ 41:3-42 مفصّلاً؛ وذخائر العقبى للمحبّ الطبريّ: 84.]



ووقع مالِكَا جاريةٍ عليها جهلاً في طهرٍ واحد، فحملت فَأشكل الحال، فترافعا إليه، فحكم بالقُرعة، فصوّبه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقال: الحمد للَّه الذي جعل لنا - أهل البيت - من يقضي على سُنن داود.


[
المناقب لابن شهرآشوب 353:2 عن أبي داود وابن ماجة في سننهما وابن بطّة في الإبانة وأحمد في فضائل الصحابة وأبوبكر بن مردويه في كتابه، وفيه: قيل للنبيّ صلى الله عليه وآله: أتى إلى عليّ باليمن ثلاثة نفر يختصمون في ولدهم، كلّهم يزعم أنّه وقع على اُمه في طُهر واحد ذلك في الجاهليّة، فقال عليّ عليه السلام: إنّهم شركاء متشاكسون، فقرع على الغلام باسمهم، فخرجت لأحدهم، فألحق الغلام به وألزمه ثُلثي الدية لصاحبيه، وزجرهما عن مثل ذلك. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: الحمد للَّه الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سُنن داود.]

يعني به القضاء بالإلهام.


وركبتْ جاريةٌ اُخرى فنخستها ثالثة، فوقعت الراكبة فماتت، فقضى بثُلُثي ديتُها على الناخسة والقامصة، وصوّبه النبيّ صلى الله عليه وآله


[
مناقب ابن شهرآشوب 354:2 عن أبي عبيد في غريب الحديث، وابن مهديّ في نزهة الأبصار عن الأصبغ بن نباتة.]



وقتلت بقرةٌ حماراً، فترافع المالكان إلى أبي بكر، فقال: بهيمةٌ قتلتْ بهيمة، لا شي ء على ربّها! ثمّ مضيا إلى عمر فقضى بذلك أيضاً، ثمّ مضيا إلى عليّ عليه السلام، فقال: إن كانت البقرة دخلتْ على الحمار في منامه، فعلى ربِّها قيمةُ الحمار لصاحبه، وإن كان الحمار دخل على البقرة في منامها فقتَلَتْهُ فلا غَرم على صاحبها! فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: لقد قضى عليّ بن أبي طالب بينكما بقضاء اللَّه عزّ وجلّ.


[
الصواعق المحرقة: 73؛ مناقب ابن شهرآشوب 354:2 عن مصعب بن سلام، عن الصادق عليه السلام؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكيّ: 35 - 34/ الفصل1.]

والأخبار العجيبة في ذلك لا تُحصى كثرة.


وإذا كان أعلم، وجب أن يكون هو الإمام، لقوله تعالى: أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَن لاَ يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ


[
يونس: 35.]



انه كان أشجع الناس و بسيفه ثبتت قوائم الإسلام



أنّه كان أشجع الناس، وبسيفه ثبتت قواعد الإسلام، وتشيّدت أركان الإيمان، ما انهزم في موطنٍ قطّ، ولا ضرب بسيفه إلّا قطَّ، وطالما كشف الكرب عن وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ولم يفرّ كما فرّ غيره.


ووقاه بنفسه لمّا بات على فراشه مستتراً بإزاره، فظنّه المشركون - وقد اتّفقوا على قتل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - أنّه هو، فأحدقوا به وعليهم السلاح يرصدون طلوع الفجر ليقتلوه ظاهراً، فيذهب دمه؛ لمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل، ولا يتمّ لهم الأخذ بثاره لاشتراك الجماعة في دمه، ويعود كلّ قبيل إلى رهطه، وكان ذلك سبب حفظ دم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وتمّت السلامة، وانتظم به الغرض في الدعاء إلى الملّة؛ فلمّا أصبح القوم وأرادوا الفتك به، ثار إليهم فتفرّقوا عنه حين عرفوه، وانصرفوا وقد ضلّت حيلتهم وانتقض تدبيرهم


[
وفيه نزل: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ اللَّهِ كما سبقت الإشارة إليه، وانظر الفصول المهمّة: 47 - 46/ الفصل1.]



وفي غزاة بدر - وهي أوّل الغزوات - كانت على رأس ثمانية عشر شهراً من قدومه المدينة، وعمره سبعة وعشرون سنة، قتل عليه السلام منهم ستّة وثلاثين رجلاً بانفراده، وهم أعظم من نصف المقتولين، وشَرِك في الباقين


[
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8:1. وانظر الفصول المهمّة: 54 - 53 ذِكر أسماء رؤوس الكفر الذين انفرد عليه السلام بقتلهم.]



وفي غزاة اُحد انهزم الناس كلّهم عن النبيّ صلى الله عليه وآله إلّا عليّ بن أبي طالب عليه السلام وحده، ورجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نفر يسير أوّلهم عاصم بن ثابت وأبو دجانة وسهل بن حنيف، وجاء عثمان بعد ثلاثة أيّام، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لقد ذهبتَ فيها عريضة!


[
ورد ذِكر فرار عثمان في معركة اُحد وتغيّبه عن بدر وتخلّفه عن بيعة الرضوان في صحيح البخاريّ 1491:4/ ح3839 باب غزوة اُحد" بإسناده عن ابن عمر، وجاء فيه محاولة للدفاع عنه بتأويلات باردة. وانظر بحار الأنوار 84:20.]



وتعجّبت الملائكة من ثبات عليّ عليه السلام، وقال جبرئيل وهو يعرج إلى السماء: لاسيف إلّا ذوالفقار، ولا فتى إلّا عليّ


[
المناقب للخوارزميّ: 173 - 172/ ح208؛ ذخائر العقبى: 74، وقال: خرّجه الحسن بن عرفة العبدّ؛ مناقب ابن شهرآشوب 87:2؛ بحار الأنوار 86:20 - 84.]

، وقتلَ عليّ عليه السلام أكثر المشركين في هذه الغزاة، وكان الفتح على يديه عليه السلام.


روى قيس بن سعد عن أبيه، قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: أصابتني يوم اُحد ستّ عشرة ضربة، سقطتُ إلى الأرض في أربع منهنّ، فجاءني رجلٌ حسن الوجه "حسن الكلم"


[
في ش1 و ش2 : حسن السلام واللمَة.]

طيّب الريح، فأخذ بضبعي فأقامني، ثمّ قال: أقبِل عليهم فإنّك في طاعة اللَّه وطاعة رسوله، فهما عنك راضيان، قال عليّ: فأتيتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأخبرتُه، فقال: يا عليّ، أما تعرف الرجل؟ قلت: لا، ولكن شبّهته بدحية الكلبيّ، فقال: يا عليّ، أقرّ اللَّه عينك، كان جبرئيل عليه السلام


[
اُسد الغابة 20:4؛ الفصول المهمّة: 58، ف1؛ بحار الانوار 93:20، عن خصائص العلويّة.]



وفي غزاة الأحزاب - وهي غزاة الخندق - لمّا فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من عمل الخندق أقبلت قريش يقدمها أبو سفيان، وكنانة وأهل تهامة في عشرة آلاف، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد، ونزلوا من فوق المسلمين ومِن تحتهم، كما قال تعالى: إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ


[
الأحزاب: 10.]



فخرج النبيّ صلى الله عليه وآله بالمسلمين وهم ثلاثة آلاف، وجعل الخندق بينهم، واتّفق المشركون مع اليهود، وطمع المشركون بكثرتهم وموافقة اليهود.


وركب عمرو بن ودّ وعكرمة بن أبي جهل ودخلوا من مضيق في الخندق إلى المسلمين، وطلب المبارزة، فقام عليّ عليه السلام وأجابه، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّه عمرو، فسكت، ثمّ طلب المبارزة ثانياً وثالثاً، وكلّ ذلك يقوم عليّ ويقول له النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّه عمرو، فأذِن له في الرابعة.


فقال له عليّ عليه السلام: كنتَ عاهدتَ اللَّه ألّا يدعوك رجلٌ من قريش إلى إحدى خلّتَين إلّا أخذتَها منه، وأنا أدعوك إلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك. قال: أدعوك إلى النزال! قال: ما اُحبّ أن أقتلك. فقال له عليّ عليه السلام: ولكنّي اُحبّ أن أقتلك. فحمي عمرو ونزل عن فرسه، وتجاولا، فقتله عليّ عليه السلام وولَدَهُ، وانهزم عكرمة، ثمّ انهزم باقي المشركين واليهود.


وعنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: قتلُ عليٍّ لعمرو بن ودّ أفضل من عبادة الثقلَين


[
المستدرك للحكم 23:3 بإسناده عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لَمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من أعمال اُمّتي إلى يوم القيامة؛ تاريخ بغداد 18:13؛ مقتل الحسين للخوارزميّ 45:1.]



وفي غزاة بني النضير قتل عليّ عليه السلام رامي قبّة النبيّ صلى الله عليه وآله بسهم، وقتل بعده عشرة منهم فانهزموا.


وفي غزاة السلسلة جاء أعرابيّ فأخبر النبيّ صلى الله عليه وآله أنّ جماعة من العرب قصدوا أن يُبيّتوا النبيّ صلى الله عليه وآله بالمدينة، فقال صلى الله عليه وآله: من للوادي؟ فقال أبوبكر: أنا له، فدفع إليه اللواء وضمّ إليه سبعمائة؛ فلمّا وصل إليهم قالوا له: ارجعْ إلى صاحبك فإنّا في جمع كثير، فرجع.


فقال عليه السلام في اليوم الثاني: مَن للوادي؟ فقال عمر: أنا ذا يا رسول اللَّه، فدفع إليه الراية، ففعل كالأوّل.


فقال صلى الله عليه وآله في اليوم الثالث: أين عليّ بن أبي طالب؟ فقال: أنا ذا يا رسول اللَّه، فدفع إليه الراية، فمضى إلى القوم فلقيهم بعد صلاة الصبح، فقتل منهم ستّة أو سبعة وانهزم الباقون. وأقسم اللَّه تعالى "بفِعل أميرالمؤمنين عليه السلام"


[
في ش2 : بفعله.]

، فقال: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحَاً


[
العاديات: 1.]

السورة


[
الإرشاد للمفيد 117:1 و165 - 162؛ بحار الأنوار 78:21. وروى البستيّ المعتزليّ في المراتب: 98 و113 و138 أنّ اللَّه تعالى أقسم بفَرَس أميرالمؤمنين عليه السلام حين صبّح بني زهرة في قوله تعالى: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحَاً ، فقد خرج عليه السلام إليهم وقطع مسيرة أيّام بليلة واحدة حتّى صبّحهم وفتح اللَّهُ عليه.]



وقتل من بني المصطلق مالكاً وابنه، وسبى كثيراً من جملتهم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار، فاصطفاها النبيّ صلى الله عليه وآله، فجاء أبوها في ذلك اليوم، فقال: يا رسول اللَّه، ابنتي كريمة لا تُسبى، فأمره صلى الله عليه وآله بأن يُخيّرها فاختارت النبيّ صلى الله عليه وآله، فقال: أحسنت وأجملت، ثمّ قال: يا بُنيّة، لا تفضحي قومك! فقالت: اخترتُ اللَّه ورسوله!


[
الإرشاد للمفيد 118:1.]



وفي غزاة خيبر كان الفتح فيها على يد أميرالمؤمنين عليه السلام، دفع صلى الله عليه وآله الراية إلى أبي بكر فانهزم، ثمّ إلى عمر فانهزم، ثمّ إلى عليّ عليه السلام وكان أرمد العين، فتفل في عينه، وخرج فقتل مرحباً، فانهزم الباقون، وغلّقوا عليهم الباب، فعالجه أميرالمؤمنين عليه السلام فقلعه وجعله جسراً على الخندق - وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً - ودخل المسلمون الحصن ونالوا الغنائم، وقال عليه السلام: واللَّهِ ما قلعتُ


[
في ر : فتحتُ.]

باب خيبر بقوّةٍ جسمانيّة، بل بقوّةٍ ربّانيّة


[
أمالي الصدوق: 415/ المجلس 77، في رسالته عليه السلام إلى سهل بن حنيف.]



وكان فتح مكّة بواسطته عليه السلام.


وفي غزاة حُنين خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله متوجّهاً إليهم في عشرة آلاف من المسلمين، فعاينهم أبوبكر وقال: لن نُغلَب اليوم من كثرة، فانهزموا ولم يبقَ مع النبيّ صلى الله عليه وآله غير تسعة من بني هاشم وأيمن ابن اُمّ أيمن، وكان أميرالمؤمنين عليه السلام بين يديه يضرب


[
سقط من ر .]

بالسيف، وقتل من المشركين أربعين نفراً فانهزموا


[
الإرشاد للمفيد 140:1-141.


أقول: ولا ينقضي العجب من هؤلاء الذين حرّفوا تاريخ الإسلام وأوعزوا إلى الزهريّ المبغض لأميرالمؤمنين عليه السلام بتدوين الحديث والسيرة، فنراه يطنب في ذكره سيرة الشيخين ويُنحلهما كلّ فضيلة ثابتة لأميرالمؤمنين عليه السلام؛ ويحدّثنا التاريخ أنّ الزهريّ يسأل خالد القسريّ: فإنّه يمرّ بي الشي ء من سِيَر عليّ بن أبي طالب، فأذكره؟ قال: لا، إلّا أن تراه في قعر الجحيم |الأغاني لأبي الفرج الأصفهانيّ 21: 22 أخبار خالد بن عبداللَّه القسريّ|. وهكذا كتب الزهريّ السيرة كما أحبّ أسياده، فلم يأتِ لأميرالمؤمنين عليه السلام بذِكر في غزوة بدر، ولا في اُحد، ولا الخندق، ولا خيبر، ولا حُنين، ولا تبوك...، بل لم يذكر عنه شيئاً خلال فترة الدعوة السرّيّة في مكّة، كتحطيم الأصنام والمبيت على فراش النبيّ صلى الله عليه وآله، ولا عن هجرته عليه السلام إلى المدينة برفقة الفواطم!!! ويحدّثنا التاريخ أنّ معمر سأل الزهريّ عن كاتب يوم الحُديبيّة، فضحك وقال: هو عليّ بن أبي طالب، ولو سألتَ هؤلاء - يعني بني اُميّة - لقالوا: عثمان. |المصنّف لعبدالرزّاق 343:5/ ح9722|.]



اخباره بالغائب والكائن قبل كونُه



فأخبربأنّ طلحة والزبير لمّا استأذناه في الخروج إلى العمرة "يريدان الغدر، فقال: لا واللَّه ما يريدان العمرة وإنّما يُريدان البصرة ؛ فكان كما قال


[
الإرشاد 315:1؛ إعلام الورى 337:1؛ الاحتجاج 235:1؛ المناقب للخوارزميّ: 181 - 177/ ح216؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17:11.]



وأخبر وهو بذي قار جالس لأخذ البيعة: يأتيكم من قِبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون، يُبايعوني على الموت، فكان كذلك، وكان آخرهم أُوَيس القرنيّ


[
المستدرك على الصحيحَين 402:3-403؛ الإرشاد للمفيد 315:1؛ إعلام الورى 337:1.]



وأخبر بقتل ذي الثدية، وكان كذلك


[
صحيح مسلم 747:2/ ح1067؛ فضائل الصحابة لأحمد 612:2/ ح1046.]



وأخبره شخصٌ بعبور القوم في قضيّة النهروان، فقال: لم يعبروا ؛ ثمّ أخبره آخر بذلك، فقال: لم يعبروه، وإنّه - واللَّهِ لمصرعهم ، فكان كذلك


[
الإرشاد 317:1-319؛ إعلام الورى 339:1-340؛ مناقب ابن شهرآشوب 269:2 - 268.]



وأخبر بقتل نفسه الشريفة


[
المعجم الكبير للطبرانيّ 372:11/ ح12043؛ الطبقات الكبرى 34:3؛ الإرشاد 319:1-321؛ تذكرة الخواصّ: 175 - 172؛ الفصول المهمّة لابن الصبّاغ: 131؛ مناقب ابن شهرآشوب 310:3-311.]



وأخبر جويرية بن مسهر بأنّ اللعين يقطع يديه ورِجلَيه ويصلبه، ففعل به معاوية ذلك


[
الإرشاد 322:1-323؛ إعلام الورى 341:1؛ شرح نهج البلاغة 209:1، في إخباره بالمغيّبات.]



وأخبر ميثم التمّار بأنّه يُصلَب على باب عمرو بن حُريث عاشر عشرة، وهو أقصرهم خشبة، وأراه النخلة التي يُصلب عليها؛ فوقع كذلك


[
الإرشاد للمفيد 323:1-324؛ إعلام الورى 341:1-342؛ شرح نهج البلاغة 210:1.]



وأخبر رشيد الهجريّ بقطع يديه ورِجليه وصلبه وقطع لسانه؛ فوقع


[
الإرشاد للمفيد 325:1-326؛ إعلام الورى 343:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 269:2.]



وأخبر كُميل بن زياد بأنّ الحجّاج يقتله؛ فوقع.


[
الإرشاد للمفيد 327:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 271:2-272.]

وأنّ قنبراً يذبحه الحجّاج؛ فوقع


[
الإرشاد للمفيد 328:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 271:2-272.]



وقال للبراء بن عازب: إنّ ابني الحُسين يُقتل ولا تنصره ، فكان كما قال. وأخبر بموضع قتله


[
الإرشاد للمفيد 331:1؛ إعلام الورى 345:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 270:2.]



وأخبر بملك بني العبّاس وأخذ الترك المُلك منهم، فقال: مُلك بني العبّاس يُسر لا عُسر فيه، لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان على أن يُزيلوا مُلكهم لما قدروا أن يزيلوه، حتّى يشذّ عنهم مواليهم وأرباب دولتهم، ويسلِّط عليهم ملك من التُّرك يأتي عليهم من حيث بدأ مُلكهم، لا يمرّ بمدينة إلّا فتحها، ولا ترفع له راية إلّا نكّسها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتّى يظفر، ثمّ يدفع بظفره إلى رجل من عترتي يقول بالحقّ ويعمل به


[
الغيبة للنعمانيّ: 250 - 249/ ح4، ب 14؛ إعلام الورى 346:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 270:2.]

، وكان الأمر كذلك حيث ظهر هولاكو من ناحية خراسان، ومنه ابتدأ مُلك بني العبّاس حيث بايع لهم أبو مسلم الخراسانيّ.


انّه كان مستجاب الدعاء



دعا على بسر بن أرطاة بأن يسلبه اللَّه عقله؛ فخولط فيه


[
الإرشاد للمفيد 321:1؛ بحار الأنوار 204:21.]



ودعا على العيزار بالعمى فعمي


[
فضائل الصحابة لأحمد 539:1/ ح900؛ الإرشاد 350:1-351؛ مناقب ابن شهرآشوب 297:2؛ بحار الأنوار 198:41-199. والعيزار هو رجلٌ اتّهمه أميرُالمؤمنين عليه السلام برفع أخباره إلى معاوية.]



ودعا على أنس بن مالك لمّا كتم شهادته بالبرص، فأصابه


[
لإرشاد 351:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 279:2-280؛ بحار الأنوار 204:21.]



وعلى زيد بن أرقم بالعمى، فعمي


[
الإرشاد للمفيد 352:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 352:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 281:2؛ وذكره ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، في ترجمة زيد بن أرقم.]



قصة قلعه الصخرة في طريقه إلي صفين



أنّه لمّا توجّه إلى صفّين لحق بأصحابه عطشٌ شديد، فعدل بهم قليلاً، فلاح لهم دير، فصاحوا بساكنه وسألوه عن الماء، فقال: بيني وبينه أكثر من فرسخَيْن، ولولا أنّي أُوتَى بما يكفيني كلّ شهر على التقصير لتلفتُ عطشاً؛ فأشار أميرالمؤمنين إلى مكانٍ قريب من الدير وأمر بكشفه، فوجدوا صخرة عظيمة، فعجزوا عن إزالتها، فقلعها وحده، ثمّ شربوا الماء، "فنزل إليه الراهب وقال له: أنت نبيٌّ مرسل أو مَلَك مقرّب؟"


[
في ش1 و ش2 : فجاء صاحب الدير عنده وقال: أنت رسول اللَّه؟.]

قال: لا، ولكنّي وصيّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، فأسلم على يده، وقال: إنّ هذا الدير بُني على طلب قالعِ هذه الصخرة ومُخرج الماء من تحتها، وقد مضى جماعة قبلي ولم يُدركوه، وكان الراهب من جملة من استشهد معه، ونظم القصّة السيّد الحِميريّ في قصيدته المذهّبة


[
الإرشاد للمفيد 336:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 264:2-265؛ إعلام الورى 346:1-348.]

:




  • ولقد سرى فيما يسير بليلةٍ
    بعد العشاء بكربلا في موكبِ



  • بعد العشاء بكربلا في موكبِ
    بعد العشاء بكربلا في موكبِ




غزوة بني المصطلق



ما رواه الجمهور أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لمّا خرج إلى بني المُصطلق جنب عن الطريق وأدركه الليل، فنزل بقرب وادٍ وَعرٍ، فهبط جبرئيل عليه السلام آخر الليل وأخبره


[
في ش1 و ش2 : وأخبر النبيّ صلى الله عليه وآله.]

أنّ طائفة من كفّار الجنّ قد استوطنوا


[
في ر : استبطنوا.]

الوادي يريدون كيده وإيقاع الشرّ بأصحابه، فدعا بعليّ عليه السلام وعوّذه أمره بنزول الوادي؛ "فنزل أميرالمؤمنين عليه السلام الوادي فقتلهم


[
الإرشاد للمفيد 3398:1؛ إعلام الورى 353:1.]



رجوع الشمس له مرتين



إحداهما في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله، والثانية بعده.


أمّا الاُولى: فروى جابر وأبو سعيد الخدريّ أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نزل عليه جبرئيل يوماً يُناجيه من عند اللَّه تعالى، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أميرالمؤمنين عليه السلام، فلم يرفع رأسه حتّى غابت


[
في ش1 و ش2 : فاتت.]

الشمس؛ فصلّى عليّ العصر بالإيماء، فلمّا استيقظ النبيّ صلى الله عليه وآله قال له: سَل اللَّه تعالى يردّ عليك الشمس لتصلّي العصر قائماً! فدعا فردّ الشمس، فصلّى العصر قائماً


[
أخرج حديث ردّ الشمس طائفة كبيرة من أئمّة الحديث؛ وقد أخرجه الخوارزميّ في مناقبه: 306/ ح301 عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن أسماء بنت عميس، وفي 307 - 306/ ح302 عن أسماء بنت عُميس.


وأخرجه ابن المغازليّ في مناقبه: 96/ ح140 بإسناده عن أسماء بنت عميس، وفي 98/ ح141 بإسناده عن أبي رافع.


وأخرجه سبط ابن الجوزيّ في التذكرة: 50 - 49، حديث في ردّ الشمس له عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، عن أسماء بنت عميس، وله كلام مع من ضعّف الحديث، قال في آخره: وقد حُبست "الشمس" ليوشع بالإجماع، ولا يخلو إمّا أن يكون ذلك معجزة لموسى أو كرامة ليوشع؛ فإن كان لموسى فنبيّنا أفضل منه، وإن كان ليوشع، فعليّ عليه السلام أفضل من يوشع؛ قال صلى الله عليه وآله: علماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل. وهذا في حقّ الآحاد فما ظنُّك بعليّ... ثمّ استشهد سبط ابن الجوزيّ بما ذكره أحمد في الفضائل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في قوله الصدّيقون ثلاثة... وعليّ بن أبي طالب وهو أفضلهم ؛ وقد مرّ الحديث آنفاء فاكتفيتُ بالإشارة إليه.


وأخرج الحديث الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 387 - 381 عن أسماء بنت عميس، وقال: هكذا ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور؛ وأخرجه بطريق آخر عن أسماء بنت عميس، وقال: هكذا رواه أبوالوقت في الجزء الأوّل من أحاديث الأمير أبي أحمد؛ ورواه عن عامر بن واثلة أبي الطفيل في حديث المناشدة يوم الشورى، ثمّ قال: هكذا رواه الحاكم في كتابه. وقد تكلّم في الحديث من حيث الإمكان، فروى حديث ردّ الشمس لنبيّ من الأنبياء حسب ما جاء في صحيحَي البخاريّ ومسلم ومسند أحمد، ومن حيث عدالة مَن نقل ذلك، وذكر جمعاً ممّن رواه من العلماء. وانظر كتاب الغدير للعلّامة الأمينيّ 126:3-141 فقد استقصى الكلام في رواة حديث ردّ الشمس من الأعلام.]



وأمّا الثانية: فلمّا أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابّهم، وصلّى بنفسه في طائفة من أصحابه العصر، وفاتت "الصلاة كثيراً منهم، فتكلّموا في ذلك، فسأل اللَّه تعالى ردّ الشمس فردّت، ونظمه السيّد الحميريّ في قصيدته المذهّبة، فقال:




  • رُدّت عليه الشمسُ لمّا فاته
    حتّى تبلّجَ نورُها في وقتِها
    وعليه قد رُدّت بِبابِلَ مرّةً
    اُخرى وما رُدّت لخلقُ مُعرِبِ



  • وقتُ الصلاة وقد دَنَت للمغربِ
    للعصر ثمّ هوت هُوِيَّ الكوكبِ
    اُخرى وما رُدّت لخلقُ مُعرِبِ
    اُخرى وما رُدّت لخلقُ مُعرِبِ



[
الإرشاد للمفيد 347:1؛ وقد أورد بيتاً رابعاً للسيّد الحميريّ يقول فيه:




  • إلّا ليوشع أوله من بعده
    ولردّها تأويل أمرٍ مُعجبِ



  • ولردّها تأويل أمرٍ مُعجبِ
    ولردّها تأويل أمرٍ مُعجبِ




وانظر مناقب ابن شهرآشوب 316:2-318؛ وإعلام الورى للطبرسيّ 346:1-351.]



قصته مع الفرات لما زاد ماؤه حتي خشي الناس الغرق



ما رواه أهل السيرة أنّ الماء زاد في الكوفة وخافوا الغرق، ففزعوا إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، فركب بغلة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وخرج الناس معه، فنزل على شاطئ الفرات فصلّى، ثمّ دعا وضرب صفحة الماء بقضيب في يده، فغاض الماء وسلّم عليه كثير من الحيتان، ولم ينطق الجرّي والزمّار والمارماهي، فسُئل عن ذلك، فقال: أنطق اللَّه لي ما طَهُر من السموك، وأَصْمَتَ ما حرّمه ونجّسه وأبعده


[
الإرشاد للمفيد 352:1؛ مناقب ابن شهرآشوب 330:2؛ إعلام الورى 352:1.]



قصته مع الثعبان في مسجد الكوفة



روى جماعة أهل السيرة أنّه عليه السلام كان يخطب على منبر الكوفة، فظهر ثعبان فرقى المنبر، فخاف الناس وأرادوا قتله فمنعهم، فخاطبه ثمّ نزل، فسأل الناسُ عنه، فقال: إنّه حاكمٌ من حكّام الجنّ التبس عليه قضيّة فأوضحتُها له، وكان أهل الكوفة يسمّون الباب الذي دخل منه باب الثعبان ، أراد بنو اُميّة إطفاء هذه الفضيلة، فنصبوا على ذلك الباب فيلاً مدّة طويلة، حتّى سُمِّي باب الفيل


[
الإرشاد للمفيد 347:1؛ إعلام الورى 351:1-352.]



فضائله النفسانية و البدنية والخارجية



الفضائل إمّا نفسانيّة أو بدنيّة أو خارجيّة؛ وعلى التقديرَين الأوّلَين، فإمّا أن تكون متعلّقة بالشخص نفسه أو بغيره؛ وأميرالمؤمنين عليه السلام جمع الكلّ.


أمّا فضائله النفسانيّة المتعلّقة به، كعِلمه وزُهده وكرمه وحِلمه، فهي أشهر من أن تخفى، والمتعلّقة بغيره كذلك، كظهور العلوم عنه واستفادة غيره منه، وكذا فضائل البدنيّة كالعبادة والشجاعة والصدقة.


وأمّا الخارجيّة فكالنسب، ولم يلحقه أحدٌ فيه؛ لقُربه من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وتزويجه إيّاه بابنته سيّدة النساء


[
وقد افتخر أميرالمؤمنين عليه السلام بذلك في عدّة موارد، منها حديث المناشدة، ومنها قوله في جواب على رسالةٍ لمعاوية يفتخر فيها:




  • محمّد النبيّ أخي وصِهري
    وجعفرٌ الذي يُمسي ويُضحي
    وبنت محمّد سكني وعرسي
    وسبطا أحمد ولديّ منها
    سبقتُكُمُ إلى الإسلامِ طُرّاً
    صغيراً ما بلغتُ أوانَ حلمي



  • وحمزة سيّدالشهداء عمّي
    يطير مع الملائكة ابن اُمّي
    مسوط لحمها بدمي ولحمي
    فأيّكمُ له سهمٌ كسهمي
    صغيراً ما بلغتُ أوانَ حلمي
    صغيراً ما بلغتُ أوانَ حلمي




تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 30:42-31.


وروى الخوارزميّ والكنجيّ الشافعيّ والزرنديّ الحنفيّ عن جابر بن عبداللَّه الأنصاريّ، قال: سمعت عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه ينشده ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله يسمع:




  • أنا أخو المصطفى لا شكّ في نَسَبي
    جدّي وجدُّ رسول اللَّه مُنفردٌ
    صدّقتُهُ وجميع الناس في بُهَمٍ
    الحمدُ للَّهِ شُكراً لا شريكَ له
    البَرّ بالعبد والباقي بلا أمَدِ



  • رَبيتُ مَعْهُ وسِبطاه هما ولدي
    وفاطمٌ زوجتي لا قول ذي فَنَدِ
    مِن الضَّلالة والإشراكِ والنَّكَدِ
    البَرّ بالعبد والباقي بلا أمَدِ
    البَرّ بالعبد والباقي بلا أمَدِ




المناقب للخوارزميّ: 157/ ح186؛ كفاية الطالب للكنجيّ: 196/ ب47؛ معارج الوصول للزرنديّ: 45.]



وقد روى أخطب خوارزم - من كبار السنّة - بإسناده عن جابر، قال: لمّا تزوّج عليّ فاطمة، زوّجه اللَّه إيّاها من فوق سبع سماوات، وكان الخاطب جبرئيل، وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفاً من الملائكة شهوداً؛ فأوحى اللَّه تعالى إلى شجرة طوبى أن انثري ما فيك من الدرّ


[
في ر : الدرر.]

والجواهر، ففعلت، وأوحى اللَّه تعالى إلى الحور العين أَن: الْقُطْنَ ، فَلَقَطْنَ، فهنّ يتهادين بينهنّ إلى يوم القيامة.


[
أخرج الخوارزميّ في مناقبه عدّة أحاديث بأسانيد وألفاظ مختلفة، في أنّ اللَّه تعالى زوّج أميرالمؤمنين فاطمة عليهما السلام في السماء، وأنّ الملائكة قد زفّت فاطمة عليها السلام، وأنّ شجرة طوبى نثرت ما فيها عليهما.


فقد أخرج حديثاً بهذا المضمون في: 337/ ح361 بإسناده عن ابن مسعود، وفي 340/ ح360 بإسناده عن عليّ بن الحسين، عن أبيه؛ وفي 341/ ح361 بإسناده عن بلال بن حمامة؛ وفي 342/ ح362 بإسناده عن ابن عبّاس؛ وفي نفس الصفحة، ح363 عن عليّ عليه السلام. كما أخرج عدّة أحاديث بهذا المضمون في مقتل الحسين عليه السلام 64:1-65.


وأخرج ابن المغازليّ في المناقب: 344 - 343/ ح394 و395 بإسناده عن جابر حديثَين يقرب لفظهما من لفظ المصنّف، وفي 342 - 341/ ح393 بإسناده عن جابر بلفظ آخر، وفي 345/ ح396 بإسناده عن أنس.


وأخرج المحبّ الطبريّ في ذخائر العقبى: 32 حديثاً عن أنس بلفظ قريب، ثمّ قال: أخرجه الملّا في سيرته. وأخرجه في ص32 عن عبداللَّه بن مسعود حديثاً وقال: أخرجه الغسّانيّ. وأخرج في ص32 - 31 حديثَين عن عليّ عليه السلام، وقال بعد كلٍّ منهما: خرّجه الإمام عليّ بن موسى الرضا في مسنده.


وأخرج الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 303 - 299 عدّة أحاديث عن جابر بن سمرة وابن مسعود وجعفر بن محمّد الصادق عليه السلام.]

وأورد أخباراً كثيرة في ذلك.


وكان أولاده عليه السلام أشرف الناس بعد رسول اللَّه وبعد أبيهم.


وعن حذيفة بن اليمان، قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وآله آخذاً بيد الحسين بن عليّ عليهما السلام، وقال: أيّها الناس، هذا الحسين بن عليّ، ألا فاعرفوه وفضّلوه، فواللَّه لجدّه أكرم على اللَّه من جدّ يوسف بن يعقوب عليهما السلام، هذا الحسين بن عليّ جدّه في الجنّة، وجدّته في الجنّة، واُمّه في الجنّة، وأبوه في الجنّة، وعمّه في الجنّة، وعمّته في الجنّة، وخاله في الجنّة، وخالته في الجنّة، وأخوه في الجنّة، وهو في الجنّة، ومحبّوهم


[
في ش1 و ش2 : مُحبّهم.]

في الجنّة، ومحبّو محبّيهم في الجنّة


[
أخرجه الخوارزميّ في المناقب: 284/ ح279؛ وأخرجه الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 420 - 419/ الباب 7 بإسناده عن ربيعة السعديّ، ثمّ قال: هذا سند اجتمع فيه جماعة من أئمّة الأمصار، ومنهم ابن جرير الطبريّ، ذكره في كتابه؛ ومنهم إمام أهل الحديث ومحدّث العراق ومؤرّخها ابن ثابت الخطيب، ذكره في تاريخه؛ ومنهم محدّث الشام وشيخ أهل النقل ابن عساكر الدمشقيّ، ذكره في تاريخه في الجزء الثالث والثلاثين بعد المائة.


وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 136 - 135/ ح173 بإسناده عن ربيعة السعديّ في حديث مفصّل.


وأخرج ابن المغازليّ في مناقبه: 143/ ح188 حديثاً طويلاً عن الأعمش وردت فيه فقرات مقاربة للحديث أعلاه.]



وعن حذيفة بن اليمان، قال: بتُّ عند النبيّ صلى الله عليه وآله ذات ليلة، فرأيتُ عنده شخصاً، فقال لي: هل رأيت؟ قلت: نعم يا رسول اللَّه، قال: هذا مَلَك لم ينزل إليّ منذ بُعِثتُ، أتاني من اللَّه فبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة


[
أخرجه أحمد في مسنده 391:5-392/ ح22818 و22819 عن حذيفة، وفي أوّلهما .... ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، وأنّ فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة .


وأخرج الحديثَين ابن عساكر في تاريخ دمشق، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 51 - 50/ ح73 و74 بإسناده عن حذيفة.


وأخرجه الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 422/ ب8 عن حذيفة، كما في رواية أحمد الاُولى.]



والأخبار في ذلك كثيرة.


وكان محمّد بن الحنفيّة فاضلاً عالماً حتّى ادّعى قومٌ فيه الإمامة.


في إمامة باقي الأئمّة الإثنا عشر



النصّ


النصّ، وقد تواترت به الشيعة في بلاد المتباعدة خَلَفاً عن سَلَف عن النبيّ صلى الله عليه وآله، أنّه قال للحسين عليه السلام: هذا ابني إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة، تاسعهم قائمهم، اسمه اسمي وكُنيته كنيتي، يملأ الأرضَ عدلاً وقِسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً


[
أخرج الخوارزميّ في مقتل الحسين: 146/ الفصل 7 عن سلمان المحمّديّ، قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وآله وإذا الحسين على فخذه وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ويقول: إنّك سيّد ابن سيّد أبو سادة؛ إنّك إمام ابن إمام أبو أئمّة، إنّك حجّة ابن حجّة أبو حُجج تسعة، تاسعهم قائمهم.


وأخرجه الجوينيّ في فرائد السمطَين 313:2/ ح563؛ والقندوزيّ في الينابيع 291:3/ ح8 وقال أيضاً: أخرجه الجوينيّ وموفّق بن أحمد الخوارزميّ.]



وقد روى ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي، وكُنيته كُنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً، فذلك هو المهديّ.


رواه ابن الجوزيّ الحنبليّ عن أبي داود وصحيح الترمذيّ


[
تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزيّ: 364 - 363؛ وقال: وهذا حديث مشهور.


وأحادث المهديّ عليه السلام متواترة، وقد تناقلتها كتب الصحاح والمصادر المعتبرة، كصحيح البخاريّ وتاريخ البخاريّ وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن ابن ماجة وسنن الترمذيّ ومسند أحمد ومسند أبي يعلى الموصليّ والمعاجم الثلاثة للطبرانيّ ومصنّف ابن أبي شيبة ومصنّف عبدالرزّاق الصنعانيّ ومستدرك الحاكم وتاريخ بغداد ومجمع الزوائد للهيثميّ، وعُرف المهديّ والدرّ المنثور للسيوطيّ، وعشرات المصادر السنّيّة الاُخرى، ورد في معظمها التصريح باسم المهديّ، وفي البعض الآخر نَعتُه. وقد استقصى بعض الأعلام أحاديث المهديّ في كتاب مسند أحمد لوحده، فبلغت من الكثرة حدّاً طُبعت معه في كتاب مستقلّ.]



ضرورة وجود المعصوم و انحصار العصمة فيهم



أنّا قد بيّنّا أنّه يجب في كلّ زمان إمام معصوم


[
لأنّ استمراريّة الرسالة الخاتمة إلى يوم القيامة تتطلّب - كما هو بديهيّ - استمرار الإمامة، لصيانة الدين عن تلاعب المتلاعبين وتحريف المحرّفين، ولبيان آيات القرآن الكريم وتفسيرها، وللإشراف على تطبيق قوانين الإسلام الحنيف، وليكون الإمام قدوة للناس يقتدون به ويتعلّمون منه معالم دينهم. ولابدّ لهذا الإمام والقدوة أن يكون معصوماً لا يتسرّب الخطأ ولا الزلل إلى أفعاله وأقواله، وإلّا لم يبقَ ثقةبما يقوله ويفعله.


وقد حدّد القرآن الكريم مواصفات الإمام الذي أورثه اللَّه تعالى الكتاب، بقوله عزّ من قائل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا |فاطر: 32|، والذي صرّح بأنّ سواه - أي سوى الإمام - لا يمكنه إدراك حقائق القرآن السامية حقّ إدراكها بقوله: كِتَابٍ مَكْنُونٍ، لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ |الواقعة: 79 - 78|، فبيّن أنّ مَن ورث الكتاب وعَلِم تفسيره إنّما هم المطهّرون؛ ثمّ بيّن في آية اُخرى مَن هم هؤلاء المطهّرون، فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً |الأحزاب: 33|، فاتّضح لكلّ ذي عينَين أنّ أهل البيت عليهم السلام - لا غيرهم - هم الذين ورثوا الكتاب، وأنّهم هم الذين يعلمون تفسيره وتأويله.]

، "وغير هؤلاء عليهم السلام إجماعاً ليس بمعصوم"


[
في ر : ولا معصوم غير هؤلاء عليهم السلام إجماعاً.]



الفضائل التي اشتمل كلّ واحد منهم عليها، الموجبة لكونه إماماً



في أنّ من تقدّم أميرالمؤمنين عليّ لم يكن إماماً


ان لي شيطاناً يعتريني



قول أبي بكر: إنّ لي شيطاناً يعتريني، فإن استقمتُ فأعينوني، وإن زغتُ فقوّموني.


[
تاريخ الطبريّ 440:2؛ المعجم الأوسط للطبرانيّ 271:9/ ح8592 بإسناده عن زيد بن عطيّة؛ طبقات ابن سعد 129:3؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 6؛ الصواعق المحرقة: 11 - 10؛ مجمع الزوائد 183:5 عن الطبرانيّ في الأوسط.]

ومن شأن الإمام تكميل الرعيّة، فكيف يطلب منهم الكمال؟!


قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة



قول عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللَّه المسلمين شرّها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه!


[
مصنّف ابن أبي شيبة 453:6/ ح32864؛ مسند البزّار 410:1/ ح286.]



وكونها فلتة يدلّ على أنّها لم تنبع عن رأي صحيح، ثمّ سأل وقاية شرّها، ثمّ أمر بقتل من يعود إلى مثلها، وكلّ ذلك يوجب الطعن فيه.


قصورهم في العِلم والالتجاءهم إلي علي



قصورهم في العِلم، والالتجاء في أكثر الأحكام إلى عليّ عليه السلام


[
كتب التواريخ والحديث تضجّ بأحاديث رجوع الخلفاء إليه عليه السلام، وبأقوال مثل لولا عليّ لهلك عمر ، وقد مرّت بعض هذه القضايا في بداية الكتاب.]



الوقائع الصادرة عنهم، وقد تقدّم أكثرها



قوله تعالى: لاَ يَنَالُ عَهْدي الظَّالِمينَ و قوله الكافرون هم الظالمون


قوله تعالى: لاَ يَنَالُ عَهْدي الظَّالِمينَ


[
البقرة: 124؛ ويلاحظ أنّ اللَّه تبارك وتعالى نسب العهد إلى نفسه، فبيّن أنّ الإمامة عهدٌ منه سبحانه، وأنّ هذا العهد لا ينال ظالماً. ويعضده ما سبقه من قوله تعالى إِنِّي جَاعِلُكَ للنَّاسِ إِمَامَاً الدالّ على أنّ الإمامة جَعلٌ منه سبحانه؛ وقوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا |السجدة: 24|؛ وقوله: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ |القصص: 5|، وقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام: وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي |طه: 32 - 29|. أمّا ما يتمسّك به البعض من الاستشهاد بقوله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ |الشورى: 38| فلا دليل فيه على أنّ للاُمّة حقّاً في اختيار الإمام، لأنّ الضمير في أمرهم يعود على الاُمّة، وأمر الاُمّة - وليس أمر الإمامة التي هي من مختصّات اللَّه عزّ وجلّ - عائد إليها.]

؛ أخبر بأنّ عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم والكافر؛ لقوله تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ


[
البقرة: 254.]

، ولا شكّ في أنّ الثلاثة كانوا كفّاراً يعبدون الأصنام إلى أن ظهر النبيّ صلى الله عليه وآله.


قول أبي بكر: أقيلوني فلستُ بخيركم



قول أبي بكر: أقيلوني فلستُ بخيركم


[
انظر الطبقات الكبرى لابن سعد 171:3؛ مسند أحمد 14:1/ ح81؛ الصواعق المحرقة: 11.]

! ولو كان إماماً لم يجز له طلب الإقالة.


قول ابي بكر: ليتني كنتُ سألت رسول اللَّه هل للأنصار في هذا الأمر حقّ



قول أبي بكر عند موته: ليتني كنتُ سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هل للأنصار في هذا الأمر حقّ .


[
تاريخ الطبريّ 52:4، حوادث سنة 13؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة تحت عنوان مرض أبي بكر .]

وهذا يدلّ على شكّه في صحّة بيعة نفسه


[
انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 171:3؛ مسند أحمد 14:1/ ح81؛ الصواعق المحرقة: 11.]

، مع أنّه الذي دفع الأنصار يوم السقيفة لمّا قالوا: منّا أمير ومنكم أمير


[
انظر تفاصيل ماحصل في السقيفة برواية ابن قتيبة في الإمامة والسياسة: 26 - 22.]

بما رواه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الأئمّة من قريش


[
أورد هذا الحديث ابن عديّ في الكامل في ضعفاء الرجال 246:1 / الرقم 77 "وابن حجر العسقلانيّ في تهذيب التهذيب " 105:1-106 / الرقم 216 في ترجمة إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري، ونقلاً عن سليمان بن الأشعث وأبي داود السجستانيّ أن أحمد بن حنبل سُئل عن حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: الأئمّة من قريش ، فقال: ليس هذا في كتب إبراهيم، لا ينبغي أن يكون له أصل.]



قول أبي بكر: ليتني كنتُ تركت بيت فاطمة لم أكشفه



قوله في مرضه: ليتني كنتُ تركت بيت فاطمة لم أكشفه؛ وليتني في ظلّة بني ساعدة كنتُ ضربتُ على يد أحد الرجلَيْن، فكان هو الأمير وكنتُ الوزير .


[
تاريخ الطبريّ 52:4.]

وهذا يدلّ على إقدامه على بيت فاطمة عليها السلام عند اجتماع أميرالمؤمنين والزبير وغيرهما فيه، وعلى أنّه كان يرى الفضل لغيره لا لنفسه.


انفاذ رسول الله الثلاثة في جيش أسامة



أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جهّز جيش اُسامة وكرّر الأمر بتنفيذه، وكان فيهم أبوبكر وعمر وعثمان، ولم يُنْفِذْ أميرالمؤمنين عليه السلام، لأنّه صلى الله عليه وآله أراد منعهم من التوثّب على الخلافة بعده، فلم يقبلوا منه


[
طبقات ابن سعد 190:2، وفيه: فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأوّلين إلّا انتُدب في تلك الغزوة، فيهم أبوبكر الصدّيق وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح وسعد بن أبي وقّاص.


وروى عبدالرزّاق في مصنّفه 57:6/ ح9993 عن ابن جريج، قال: بلغني أنّ النبيّ أوصى عند موته بأن لا يُترك يهوديّ ولا نصرانيّ بأرض الحجاز، وأن يمضي جيش اُسامة إلى الشام، وأوصى بالقبط خيراً فإنّ لهم قرابة. وأخرج الطبرانيّ في المعجم الكبير 130:3/ ح2891 عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن حسين، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أوصى عند موته بثلاث: أوصى أن ينفذ جيش اُسامة، ولا يسكن معه المدينة إلّا أهل بيته - الحديث.]



انّ النبيّ لم يُوَلِّ أبابكر شيئاً من الأعمال



أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يُوَلِّ أبابكر شيئاً من الأعمال، وولّى غيره


[
فقد استخلف على المدينة سباع بن عرفطة في غزوة خيبر، ونصب ابن اُمّ مكتوم لإقامة الصلاة، وأمّر على الصحابة - سوى عليّ عليه السلام - اُسامة بن زيد في قضيّة جيش اُسامة، وسوى ذلك.]



استرداد النبي أبا بكر و بعثه عليا لتبليغ سورة براءة



أنّه صلى الله عليه وآله أنفذه لأداء سورة براءة، ثمّ أنفذ إليه عليّاً عليه السلام وأمره بردّه وأن يتولّى هو ذلك.


[
مرّت الإشارة إلى ذلك مفصّلاً. وروى أبو يعلى في مسنده 100:1/ ح104 بإسناده عن أبي بكر أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله بعثه ببراءة إلى أهل مكّة: لا يحجّ بعد العام مُشرك، ولا يطوفنّ بالبيت عُريان، ولا يدخل الجنّة إلّا نفس مسلمة، ومَن كان بينه وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مدّة فاجلُه إلى مدّته، واللَّه بري ءٌ من المشركين ورسولُه. قال: فسار بها ثلاثاً، ثمّ قال صلى الله عليه وآله لعليّ: الْحَقْهُ فرُدَّ عَليَّ أبابكر، وبلِّغْها! قال: ففعل. قال: فلمّا قدم على النبيّ صلى الله عليه وآله أبوبكر بكى وقال: يا رسول اللَّه، أحدث فيَّ شي ء؟ قال: لا. ثمّ قال: ما حدث فيك إلّا خير، إلّا أنّي اُمِرتُ أن لا يبلغ إلّا أنا أو رجل منّي. ورواه الهيثميّ في مجمع الزوائد 239:3 وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات.]

ومَن لا يصلح لأداء سورة أو بعضها، كيف يصلح للإمامة العامّة المتضمّنة لأداء الأحكام إلى جميع الاُمّة؟!


قول عمر: إنّ محمّداً لم يَمُتْ



قول عمر: إنّ محمّداً لم يَمُتْ


[
انظر: السنن الكبرى للنسائيّ 263:4/ ح7199؛ مجمع الزوائد 182:9؛ الرياض النضرة 39:2. وفي الحقيقة أنّ قول عمر كان مناورة يُراد منها صرف الناس عن الدخول في بيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لئلّا يبايعوا أميرالمؤمنين عليه السلام - وكان آنذاك في البيت - وكسب الوقت حتّى يعود أبوبكر الذي كان يومذاك في السنح خارج المدينة. انظر: صحيح البخاريّ 1341:3/ ح3467؛ الطبقات الكبرى لابن سعد 265:2.]

، وهو يدلّ على قلّة عِلمه؛ وأمر برجم حامل، فنهاه عليّ عليه السلام، فقال: لولا عليّ لهلك عمر


[
المناقب للخوارزميّ: 81/ ح65؛ ذخائر العقبى: 81؛ تذكرة الخواصّ: 148.]

، وغير ذلك من الأحكام التي غلط فيها وتلوّن فيها.


ابتداع عمر صلاة التراويح



أبدع التراويح


[
روى مالك في الموطّأ 114:1/ ح250 بإسناده عن عبدالرحمن بن عبدالقاري، أنّه قال: خرجتُ مع عمر بن الخطّاب في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزان متفرّقون يصلّي الرجل لنفسه، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط، فقال عمر: واللَّهِ إنّي لأراني لو جمعتُ هؤلاء على قارئٍ واحد لكان أمثل، فجمعهم على اُبيّ بن كعب. قال: ثمّ خرجت معه ليلة اُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون، يعني آخر الليل.]

، مع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: يا أيّها الناس، إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان في النافلة جماعةً بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجمعوا ليلاً في شهر رمضان في النافلة، ولا تصلّوا صلاة الضحى، فإنّ قليلاً في سُنّة خيرٌ من كثيرٍ في بدعة، ألا وإنّ كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة سبيلُها إلى النار


[
مسند أحمد 125:4/ ح17184 و17185؛ سنن ابن ماجة 15:1؛ المستدرك على الصحيحَين 174:1.]



وخرج عمر في شهر رمضان ليلاً فرأى المصابيح في المساجد، فقال: ما هذا؟ فقيل له: إنّ الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوّع، فقال: بدعةٌ ونعمتِ البدعةُ ، فاعترف بأنّها بدعة


[
انظر الصراط المستقيم للعلّامة البياضيّ 26:3.]



انكار المسلمين علي عثمان أفعاله و إجماعهم علي قتله



أنّ عثمان فعل اُموراً لا يجوز فعلها، حتّى أنكر عليه المسلمون كافّة


[
وممّن أنكر على عثمان: عائشة بنت أبي بكر، فقد أخرجت نعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقالت بأنّ عثمان أبلى سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ولم تبلَ نعلُه بعدُ؛ ثمّ نادت: اقتُلوا نعثلاً فقد كفر. |تاريخ الطبريّ 12:3؛ الفتوح لابن أعثم 456:1|.]

، وأجمعوا على قتله أكثر من إجماعهم على إمامته وإمامة صاحبَيْه.


في نسخ حججهم على إمامة أبي بكر



منع الإجماع


والجواب منع الإجماع؛ فإنّ جماعة من بني هاشم لم يوافقوا على ذلك، وجماعة من أكابر الصحابة؛ كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمّار وحذيفة وسعد بن عبادة وزيد بن أرقم واُسامة بن زيد و "خالد بن سعيد بن العاص"


[
في ش1 و ش2 : خالد بن سعد، وابن العبّاس.]

، حتّى أنّ أباه أنكر ذلك وقال: مَن استخلف الناس؟ فقالوا: ابنك، فقال: وما فعل المستضعفان؟ إشارةً إلى عليّ والعبّاس. فقالوا: اشتغلوا بتجهيز رسول اللَّه؛ ورأوا أنّ ابنك أكبر الصحابة سنّاً. فقال: أنا أكبر منه!


[
انظر الاستيعاب 256:2، في ترجمة أبي بكر؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 184:2.]



و "كَ بني حنيفة كافّة، لم يحملوا الزكاة إليه حتّى سمّاهم أهل الردّة وقتلهم وسباهم، وأنكر عمر عليه وردّ السبايا أيّام خلافته


[
مرّت الإشارة إليه سابقاً في الفتن التي ذكرها الشهرستانيّ في الملل والنحل، الفتنة السادسة.]



وأيضاً الإجماع ليس أصلاً في الدلالة، بل لابدّ أن يستند المُجمعون إلى دليل على الحكم حتّى يُجمعوا


[
في ر : يجتمعوا.]

عليه، وإلّا كان خطأً، وذلك الدليل إمّا عقليٌّ، وليس في العقل دلالة على إمامته؛ وإمّا نقليّ، وعندهم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله مات عن غير وصيّة ولا نصّ على إمامته


[
ونلاحظ في هذا الصدد أنّ غاية وسع أبي بكر وعمر في الاحتجاج على الأنصار المجتمعين في السقيفة أنّهما احتجّا عليهم بحديث الأئمّة من قريش ، وهو حديث عامّ يشترك فيه معهما سواهما، وأنّهم لم يجدا ما يحتجّ به مَن يطلب أمراً خطيراً - كالخلافة - كالسبق في الإيمان والجهاد والعِلم وسائر المزايا الحسنة التي لم يكن أحد يُقارن فيها مع أميرالمؤمنين عليه السلام، فضلاً عن وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله لأميرالمؤمنين عليه السلام وكونه عليه السلام أحقّ برسول اللَّه صلى الله عليه وآله لقرابته وصُحبته.]

، والقرآنُ خالٍ منه، فلو كان الإجماع متحقّقاً، كان خطأً، فتنتفي دلالته.


وأيضاً الإجماع إمّا أن يُعتبر فيه قول كلّ الاُمّة، ومعلوم أنّه لم يحصل، بل ولا إجماع أهل المدينة أو بعضهم، وقد أجمع أكثر الناس على قتل عثمان.


وأيضاً كلّ واحد من الاُمّة يجوز عليه الخطاء، فأيّ عاصم لهم عن الكذب عند الإجماع؟


[
في ر : الاجتماع.]



وأيضاً قد بيّنّا ثبوت النصّ الدالّ على إمامة أميرالمؤمنين عليه السلام، فلو أجمعوا على خلافه كان خطأً، لأنّ الإجماع الواقع على خلاف النصّ يكون خطأً عندهم.


نقض رواية اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر



ما رووه عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: اقتدوا باللَّذَيْنِ مِن بعدي أبي بكر وعمر


[
ضعّف علماء أهل السنّة هذا الحديث - فضلاً عن علماء الشيعة - وعدّوه من الأحاديث الموضوعة الواهية؛ وممّن ضعّف الحديث: الألبانيّ في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 233:5؛ والطابلسيّ في الكشف الإلهيّ عن شديد الضعف والموضوع الواهي 135:1؛ ومقبل بن هادي الوادعيّ في أحاديث معلّة ظاهرها الصحّة : 93؛ وعمر بن حسن بن عثمان فلاتة في الوضع في الحديث 147:1؛ والعجلونيّ في كشف الخفاء ومُزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسن الناس 482:1، وكثير آخر سواهم. وكيف - يا للعجب - يأمر النبيّ صلى الله عليه وآله بالاقتداء بمن يقول: إنّ لي شيطاناً يعتريني، فإن استقمتُ فأعينوني، وإن زغتُ فقوِّموني؟! وكيف يطعن عمر في من أمر النبيّ صلى الله عليه وآله بالاقتداء به - في الحديث المختلَق العجيب - فقول: كانت بيعة أبي بكر فلتة... فمن عاد لمثلها فاقتُلوه؟! ولماذا لم يحتجّ الخليفتان بهذا الحديث العجيب على من أنكر عليهما؟! ولماذا لم يحتجّ أبوبكر بهذا الحديث حين اعترض عليه الصحابة في استخلافه عمر بن الخطّاب، وخوّفوه باللَّه وقالوا له: ولّيتَ علينا فظّاً غليظاً؟ سيل من الأسئلة التي لم يحسب لها من اختلق هذا الحديث حساباً، وحسبُه أن يكون قد كذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وافترى عليه، وباع دِينه بالثمن الأوكس.]



والجواب: المنع من الرواية من دلالتها على الإمامة، فإنّ الاقتداء بالفقهاء لايستلزم كونهم أئمّة.


وأيضاً فإنّ أبابكر وعمر اختلفا في كثير من الأحكام، فلا يمكن الاقتداء بهما.


وأيضاً فإنّه معارَض بما رووه من قوله: أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ، مع إجماعهم على انتفاء إمامتهم.


نقض ما رووه من فضائل أبي بكر كاية الغار و غيرها



ما ورد منه من الفضائل، كآية الغار


[
وهي الآية: 40 من سوره التوبة.]

، وقوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى


[
الليل: 17.]

، وقوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ


[
الفتح: 16.]

، والداعي هو أبوبكر، وكان أنيس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في العريش يوم بدر، وأنفق على النبيّ صلى الله عليه وآله، وتقدّم في الصلاة.


والجواب:


أنّه لا فضيلة له في الغار؛ لجواز أن يستصحبه حذراً منه لئلّا يُظهِر أمره.


وأيضاً فإنّ الآية تدلّ على نقصه؛ لقوله: لاَ تَحْزَنْ ، فإنّه يدلّ على خوره وقلّة صبره وعدم يقينه باللَّه تعالى وعدم رضاه "لمساواته للنبيّ" صلى الله عليه وآله


[
مابين القوسين في ر فقط.]

بقضاء اللَّه وقدره، لأنّ الحزن إن كان طاعةً استحال أن ينهى النبيّ صلى الله عليه وآله عنه، وإن كان معصيةً كان ما ادّعوه فضيلةً رذيلة.


وأيضاً فإنّ القرآن حيث ذكر إنزال السكينة على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، شرك معه المؤمنين، إلّا في هذا الموضع، ولا نقص أعظم منه


[
ذكر علماء الشيعة وجوهاً عديدة في الردّ على من زعم أنّ في آية الغار فضيلة لأبي بكر؛ نوجزها فيما يلي:


1 - إنّ القرآن الكريم استخدم لفظ الصاحب في معنى المقارنة بين اثنين ولو اختلفا في العقيدة، فقد قال تعالى في قصّة يوسف عليه السلام حين خاطب الفتيَين اللذَين سُجنا معه: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ |يوسف: 39|، يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً |يوسف: 41|؛ وقال تعالى حكاية عن محاورة بين مؤمن وكافر: فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً |الكهف: 34|، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ |الكهف: 37|؛ وقال تعالى مخاطباً كفّار قريش: مَا بِصَاحِبِكُم مِن جِنَّةٍ |سبأ: 46|، وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ |التكوير: 22|؛ وقال عن الذين عقروا ناقة صالح عليه السلام: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ |القمر: 29|؛ بل استخدم القرآن لفظ الصاحب في الحيوان غير العاقل أيضاً، كما في قوله تعالى في قصّة يونس عليه السلام: وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ |القلم: 48|.


2- إنّ آية الغار تصرّح بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله نهى أبابكر عن حُزنه بقوله لاَ تَحْزَنْ ، ولا يمكن أن يكون النبيّ صلى الله عليه وآله قد نهاه عن أمر فيه للَّه رضا، لأنّه صلى الله عليه وآله مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى |النجم: 3 و4|؛ فلابدّ أن يكون حزن أبي بكر حزناً لا يُرضي اللَّهَ عزّ وجلّ، ولا فضيلة له فيه.


3 - أنّ الملاحَظ في الآيات القرآنيّة التي تحدّثت عن إنزال السكينة على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، أنّها قرنت معه المؤمنين في تلك السكينة المُنزَلة، كما في قوله تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ |التوبة: 26|، وقوله: فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ |الفتح: 26|. أمّا في آية الغار فالملاحَظ أنّ السكينة لم تنزل إلّا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله دون أبي بكر؛ وفيه ما لايخفى. وقد تأوّل البعض: كبُرت كلمة تخرج من أفواههم - بأنّ السكينة إنّما نزلت على أبي بكر دون رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وفي تأوّلهم حطّ من مقام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؛ ناهيك عن أنّ الضمائر المذكورة في آية الغار تتعلّق كلّها برسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ونورد فيما يلي تمام الآية ليتأمّلها من يشاء: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .]



وأمّا قوله تعالى: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي... ، فإنّ المراد به أنّ أباالدحداح حيث اشترى نخلة شخص لأجل جاره، وقد عرض النبيّ صلى الله عليه وآله على صاحب النخلة نخلةً في الجنّة فأبى، فسمع أبوالدحداح فاشتراها ببستان له ووهبها للجار، فجعل له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بستاناً عوضها في الجنّة


[
وردت قصّة أبي الدحداح في كتب التفسير وأسباب النزول؛ اُنظر: أسباب النزول للواحديّ: 300 - 299 ذيل الآية؛ تفسير القرطبيّ 90:20؛ ورواها السيوطيّ في تفسير الدرّ المنثور 257:6 للسيوطيّ ذيل الآية، ولم يذكر اسم أبي الدحداح.]



وأمّا قوله تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ


[
الفتح: 11.]

فإنّه أراد الذين تخلّفوا عن الحديبيّة


[
تفسير القرطبيّ 272:16، قال: قوله تعالى: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ أي لهؤلاء الذين تخلّفوا عن الحُديبيّة؛ وانظر: تفسير الطبريّ 82:26.]

، والتمس هؤلاء أن يخرجوا إلى غنيمة خيبر، فمنعهم اللَّه بقوله: قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا...


[
الفتح: 15.]

الآية؛ لأنّه تعالى جعل غنيمة خيبر لمن شهد الحديبيّة


[
انظر: تفسير الطبريّ 82:26.]

، ثمّ قال: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ


[
الفتح: 16.]

يريد أنّه سندعوكم فيما بعد إلى قتال قومٍ اُولي بأس شديد، وقد دعاهم النبيّ صلى الله عليه وآله إلى غزوات كثيرة، كمؤتة وحُنين وتبوك وغيرها، وكان الداعي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله


[
تفسير الدرّ المنثور 62:6، حيث أخرج عدّة أحاديث عن عبد بن حميد عن جويبر؛ وعن عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقيّ في الدلائل عن مجاهد، وعن عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة.


وقد أعقبتها آية بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً |الفتح: 12|.]



وأيضاً جاز أن يكون عليّاً عليه السلام، حيث قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وكان رجوعهم إلى طاعته إسلاماً لقوله صلى الله عليه وآله: يا عليّ، حربُك حربي


[
المناقب لابن المغازليّ: 50/ ح73؛ وأخرج في: 64 - 63/ ح90 عن أبي هريرة، قال: أبصر النبيّ صلى الله عليه وآله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: أنا حربٌ لمن حاربكم، وسلمٌ لمن سالمكم؛ ينابيع المودّة 171:1-172/ ح19 - الباب 7 مفصّلاً؛ وأخرج الترمذيّ في سننه 699:5/ ح3870؛ والكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب: 330/ الباب 73 عن زيد بن أرقم: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسين: أنا حربٌ لمن حاربتم، وسِلم لمن سالمتم.


وأخرجه الكنجيّ في ص331 بنفس اللفظ عن زيد بن أرقم بطريق آخر، وأخرجه في نفس الصفحة عن أبي هريرة بلفظ ابن المغازليّ.]

، وحربُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كُفْر.


وأمّا كونه أنيسه في العريش يوم بدر فلا فضلَ فيه؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان اُنْسه باللَّه تعالى مُغنياً له عن كلّ أنيس، لكن لمّا عرف النبيّ صلى الله عليه وآله أنّ أمره لأبي بكر بالقتال يؤدّي إلى فساد الحال، حيث هرب عدّة مرّات في غزواته.


[
قال العلّامة الأمينيّ في الغدير 200:7 بعد ذِكر فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر وذكر من أخرجه: ويُعرب عن فرارهما يوم ذلك قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعد ما فرّا: لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ اللَّهَ ورسوله، ويُحبّه اللَّهُ ورسولُه، يفتح اللَّه على يديه ليس بفرّار. وفي لفظ: كرّار غير فرّار... وقال ابن أبي الحديد المعتزليّ فيما يُعزى إليه من القصيدة العلويّة:




  • وما أَنْسَ لا أنسَ اللَّذَين تقدّما
    وللراية العظمى وقد ذهبا بها
    ملابسُ ذلٍّ فوقها وجلابيبُ



  • وفرَّهما والفرُّ قد عَلِما حُوبُ
    ملابسُ ذلٍّ فوقها وجلابيبُ
    ملابسُ ذلٍّ فوقها وجلابيبُ




إلى أن يقول:




  • عَذَرْتُكما إنّ الحِمام لَمُبْغَضُ
    لَيُكره طَعْمُ الموتِ والموتُ طالبٌ
    فكيف يلذُّ الموتُ والموتُ مطلوبُ؟



  • وإنّ بقاءَ النفس للنفس محبوبُ
    فكيف يلذُّ الموتُ والموتُ مطلوبُ؟
    فكيف يلذُّ الموتُ والموتُ مطلوبُ؟




ثمّ تحدّث عن حديث العريش مفصّلاً وأورد كلمة للإسكافيّ في الردّ على الجاحظ.]

أيّما أفضل: القاعد عن القتال أو المجاهد بنفسه وماله في سبيل اللَّه؟


[
قال تعالى: وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرَاً عَظِيماً |النساء: 95|؛ وقال تعالى: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً |نفس الآية|.]



وأمّا إنفاقه على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فكذب؛ لأنّه لم يكن ذا مال؛ فإنّ أباه كان فقيراً في الغاية، وكان يُنادي على مائدة عبداللَّه بن جدعان بمُدٍّ في كلّ يوم يقتات به.


[
مثالب العرب لابن الكلبيّ: 48.]

فلو كان أبوبكر غنيّاً لكفى أباه.


وكان أبوبكر في الجاهليّة معلّماً للصبيان، وفي الإسلام كان خيّاطاً.


ولمّا ولي أمر المسلمين منعه الناس من الخياطة، فقال: إنّي أحتاج إلى القوت! فجعلوا له في كلّ يوم ثلاثة دراهم من بيت المال، والنبيّ صلى الله عليه وآله كان قبل الهجرة غنيّاً بمال خديجة، ولم يَحْتجْ إلى الحرب وتجهيز الجيوش؛ وبعد الهجرة لم يكن لأبي بكر شي ء البتةَ


[
أورد ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 254:2 في ترجمة أبي بكر قال: لمّا بويع لأبي بكر جاء أبو سفيان ابن حرب إلى عليّ، فقال: غلبكم على هذا الأمر أرذلُ بيت في قريش. وفي لسان العرب 198:5، رذل: الرذل والرذيل والأرذل: الدُّون من الناس؛ وقيل: الدُّون في منظره وحالاته... وقوله عزّوجلّ: وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ قاله قوم نوح له. قال الزجّاج: نسبوهم إلى الحياكة والحجامة.]

على حالٍ من الأحوال.


ثمّ لو أنفق لوجب أن ينزل فيه قرآن كما نزل في عليّ عليه السلام هَلْ أَتَى . ومن المعلوم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان أشرف من الذين تصدّق عليهم أميرالمؤمنين عليه السلام، والمال الذي يدّعون إنفاقه كان أكثر؛ فحيث لم ينزل شي ء دلّ على كذب النقل.


وأمّا تقدّمه في الصلاة فخطأٌ؛ لأنّ بلالاً لمّا أذّن بالصلاة أمرت عائشة أن يُقَدَّمَ أبوبكر، فلمّا أفاق النبيّ صلى الله عليه وآله سمع التكبير، فقال: مَن يصلّي بالناس؟ فقالوا: أبوبكر، فقال: أخرجوني! فخرج بين عليّ عليه السلام والعبّاس، فنحّاه عن القبلة وعزله عن الصلاة وتولّى هو الصلاة


[
ويعضده ما رواه البخاريّ في صحيحه 241:1/ ح651 كتاب الأذان، عن عروة قال:.. فوجد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من نفسه خفّة فخرج إلى المحراب، وكان أبوبكر يصلّي بصلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر "أي بتكبيره".


أقول: ما أشبه هذه الواقعة بعزل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأبي بكر عن تبليغ سوره براءة!.]



فهذا حال أدلّة هؤلاء؛ فلينظر العاقل بعين الإنصاف ويقصد طلب الحقّ دون اتّباع الهوى، ويترك تقليد الآباء والأجداد، فقد نهى اللَّه تعالى في كتابه عن ذلك، ولا تُلْهيه الدنيا عن إيصال الحقّ إلى مستحقّه، ولا يمنع المستحقّ عن حقّه؛ فهذا آخر ما أردنا إثباته في هذه المقدّمة، واللَّه الموفّق للصواب.


فرغتُ من تسويده في جمادى الأوّل من سنة تسع وسبعمائة بناحية خراسان، وكتب حسن بن يوسف المطهّر مصنّف الكتاب، والحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على سيّد المرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.



/ 1