ولماذا الامام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ولماذا الامام - نسخه متنی

حسام الدین التحریر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




ولماذا الامام


کلمة العدد



لماذا الامام؟


في هذا العصر العصيب، حيث الأمّة الإسلامية في أدنى دركات الضعف والهزال والفرقة والحيرة، من أمر دينها: فكريّاً وعقائدياً وفقهيّاً، وحتّى أمر دنياها سياسياً واجتماعيّاً وإدارياً، واقتصادياً وصناعيّاً وزراعيّاً، وما إلى ذلك من مضاعفات ومآسٍ...


في مثل هذه الظروف، ما هو الهدف من مثل هذا التراث الخاصّ بالإمام عليه السلام؟ وإلى هذه الإثارة الخاصّة بقضايا مذهبيّة؟


بينما نحن بحاجةٍ إلى رصِّ الصفوف، وتوحيد الكلمة؟


وبينما القضايا الهامّة والعامّة، والتراث الإسلاميّ ككلّ، معرّض للتهديد تحت وطأة العلمنة والعولمة، بل التشرذُم والتحطّم بأقدام أبناء الأمّة من المثقفين، الذين يدعون النُخْبَويّة .


وبكلمةٍ أصرح: لماذا خصوص الإمام عليّ عليه السلام؟ في هذا العصر مع أنّ المبادئ التي كان من أجلها الإمام، هي في خطر داهم؟


قبل الدخول في التفاصيل:


أوّلاً: إذا قلنا لماذا الإمام عليّ عليه السلام فإنّ العنوان بالتحديد ينشطر إلى:


لماذا الإمام عليه السلام في نفسه؟


و لماذا نحن مع الإمام؟



ثانياً: إنّ الإمام وبعد حياةٍ جسمانيّة على الأرض، بدأتْ بالولادة المكرّمة في أقدس بُقعة عليها وأعظمها، وهي الكعبة.


وختمت بالشهادة في محراب العبادة، حيث معراج المؤمن.


إنّ الإمام كان هو: أباالحسن عليّ بن أبي طالب بن عبدالمطّلب الهاشميّ عليه السلام.


ولكنّه إلى جانب ذلك كان يمثّل معنىً، هو شي ء آخر، فهل عُرِفَ الإمام أوّلاً؟ ثمّ هل عرف آخراً؟


وما هي أخصر الطرق، وأعدلها، وأصدقها، وأعمقها، إلى معرفة الإمام في الأولى؟ والأخرى؟!


وأمّا لماذا نحن مع الإمام عليه السلام:


فنحن لم نقف على اسم عليّ عليه السلام، ولم نرتبط بشخصه، ولم نُميّز صفاته، وكرامته، إلّا من خلال ارتباطنا بالإسلام ورسوله، وباللَّه عزّوجلّ والحقّ الذي هدانا إلى وجوده.


فالعقل والدليل والمنطق والفطرة أرشدتنا إلى اللَّه الحقّ، وهو بمنّه وفضله أرشدنا إلى الرسول ورسالته الكريمة، ولمّا طلعت شمس الإسلام في وجود النبيّ الأكرم؛ وجدنا قمراً منيراً يدور في فلكه، يقتبس من نوره، ويُشعّ على الأفق ليُنير الليالي الظلماء، وكان ذلك القمر هو عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فوجدناه في كلّ مكانٍ، وفي كلّ زمان، ومع كلّ حركةٍ أو سكون، من شؤون السيرة النبويّة المباركة، في حراء، وفي المسجد الحرام، وفي الحروب، وعند الصلح، والبيعة، والوحي، والهجرة، وحتّى الاحتضار، وساعة الوداع.


فكان الربيبَ وليداً صغيراً، والحبيبَ والوزيرَ غُلاماً، والعضيدَ والنصيرَ شاباً، والصهرَ والناصرَ والوصيَّ.


كانت هذه المعيّة، والاقتران، منطلقاً لمعرفة عليّ والارتباط به، منذ فتح الأعين على القرآن والوحي والرسالة والرسول.


وبعد الإيمان، وعلى مدى عمقه وغوره، فإنّ للغيب دوراً بليغاً في ثقافتنا وطريقة تفكيرنا، وتتميّز عقيدتنا بالاعتزاز بالكنز المذخور من التراث الدينيّ المحفوظ عندنا من القرآن الكريم ونصوص الحديث الشريف، فأدلّة العقل والضمير والفطرة هي التي أدّتنا إلى الالتزام القطعيّ بهذه الثوابت الغيبيّة من النصوص القطعيّة التي هي أسس الفكر الديني والشريعة الإلهيّة، حيث ما فيها هو الوسيلة للنجاة والسعادة المنشودة في الدنيا والآخرة.


ومع القناعة التامّة بخاتميّة الرسالة المحمّدية، وإجماع الأمّة على هذه الفكرة القرآنيّة، بل اتفاق أهل الملل الإلهيّة على عدم دعوى نُبُوّةٍ بعدها.


ومع التزام الفكر الشيعيّ باستمرار الضرورة الملجئة إلى الحفاظ على الشريعة، فإذا انقطع الوحي الرساليّ، فلا بُدّ من ديل شرعيّ، وبحجّة ربّانيّة نَبَوِيّة، فلا تخلو الأرض من مثل ذلك الوصيّ القيّم على الأمّة.


ومع تظافر الآيات والروايات التي تحدّد المواصفات اللازمة، والقابليات الضروريّة لمثل ذلك الوصيّ والقيّم، وتعيّنها في وجود ذلك القمر الذي دار حول شمس الإسلام منذ طلوعها، ألا وهو الإمام عليّ عليه السلام.


ومع كلّ هذه الأمور: فإنّ ما انتشر من نور الإمام عليه السلام وتتطاير من وجوده الشريف من بركاتٍ وقابليّات وحكم وأعمال وأفكار وتصرّفات، لهو الدليل القاطع على كونه هو الأولى والأليق للوصاية عن الرسول صلى الله عليه وآله.


وقد كان لجميع هذه الأمور، الدلالة الناصعة على ارتباطنا بالإمام عليه السلام وكوننا معه، وتقديسه، والارتوار من معينه.


فكنّا له شيعة ووجدنا ما عنده وله، عند أولاده الأحدعشر ولهم، فكانوا أئمّتنا الاثني عشر وكنّا نحن الاثناعشريّة .


فالقابليّة الإراديّة، والموهبة الغيبيّة، اشتركتا في تكوين الإمام، فعرفناه وصيّاً، قيّماً على الأمّة، وعلى استمرار الرسالة الخاتمة، والشريعة الدائمة، وتمثّل منحصراً في عليّ أميرالمؤمنين عليه السلام، ومن تلاه من الأحدعشر إماماً.


ولكنّه ظُلِمَ، وآله ظُلموا، وظُلِمْنا مَعَهم!!!


فتنكروا له ولقابليّاته، وأنكرت فضائله المأثورة، وأخْفيت آثاره ومآثره، وحرّف تاريخه، وشوّهت سمعتُه وتاريخه، حتّى نادى: أنا - واللَّه - المظلوم .


وظلم أهله وأبناؤه، حتّى ملأت قبورهم المعمورة، وشهدت بمظالمهم مشاهدهم المزورة والمغمورة!


وظلموا حيث أهملوا حتّى في أوضح ما عندهم من العلم بالسنّة والشريعة، ومع الاعتراف بأنّ فيهم الأفقه ومع أنّ الفقهاء كانوا ممّن يأخذون عنهم!!


وظلمنا نحن شيعتهم، لأنّا الذين حفظنا وصيّة رسول اللَّه في أهله، وحافظنا على مودّتهم التي هي أجر رسالته، فاحتفظنا بتراثهم واتّبعنا فقههم، فنسبنا إليهم، كما نسب غيرنا إلى غيرهم، لكن أصبحنا نُتّهم بأنواع الاتّهام، ونرمى بالإجرام، لتمسّكنا بما سبق من النصوص فيهم، ولتعبّدنا بما ورد في حقّهم وشأنهم، لأنّهم آل بيت الرسول.


وأصبح غيرُنا أهلَ الإسلام، لبعدهم عن أهل البيت؟


وبدلاً من أنْ يكون الانتماء إلى أهل البيت فخراً وعزّةً ومدعاةً للتعرّف على مالهم وما عندهم، فإنّ من المستغرب أن يكون لغيرهم من العلم بالدين عقيدة وشريعة ما ليس عندهم ولهم؟ وهم من نزل الوحي في أبياتهم، وزقّوا العلم زقّاً على يد جدّهم الرسول وأمّهم البتول وأبيهم الوصيّ؟!


ومع أنّ المحافظة على تراثهم وفقههم عمل لا يَنوء بثقله في تلك الظروف الحرجة، إلّا من آمن بالحقّ وقلبه مطمئنٌ بالإيمان والإسلام، حيث كان القرب من أهل البيت جريمةً أقلّ جزائها القتل والذبح !


وليس ما يُواجَهُ به شيعتهم من سهام النقد والتسخيف والتزييف، اليوم، إلّا من مخلّفات ذلك الظلم السخيف! فلم يكتفُوا بظلم عليًّ وأولاده، في قتلهم وسبّهم وترك فقههم وتراثهم، حتّى عدَوا على أتباعهم بأشكال العدوان لما قامو به من حمل ذلك العب ء والمحافظة على ذلك التراث والحقّ الذي أوجبه اللَّه في قرآنه والرسول في حديثه.


ومع كلّ هذا، فأعداء الشيعة - وبكلّ صلافة - يدّعون الحبّ لأهل البيت ومودّتهم!


وإذا حوسبوا على ما جرى على أهل البيت من المظالم طول التأريخ؟


قالوا: تلك دماء طهّر اللَّه عنها أيدينا، فنحن نطهّر منها ألسنتنا !


وإذا عوتبوا على ترك فقه أهل البيت وضياع تراثهم.


قالوا: لم يصلْ إلينا بطرق مأمونة واضحة!


وإذا قيل: إذا حافظتم على فقه غيرهم وتركتم ما عند أهل البيت من فقه وعلم وتراث، فإنّ هؤلاء القوم الشيعة ممّن اتصلوا بهم وارتبطوا بهم، وتحمّلوا المشاقّ في المحافظة على علومهم وتراثهم، حتّى بلّغوه إلينا، بأفضل الوسائل وأضبط الطرق؟ وهم أتباع مذهب أهل البيت؟!


كان موقفهم أنّهم لم يطهّروا ألسنتهم ممّا دنّس ألْسِنَةَ أسلافهم من القذف والاتّهام والسبّ والاعتداء على أتباع أهل البيت، الذين كان جزاؤهم من أسلافهم القتل والذبح.


ويبقى السؤال: لماذا لم تطهّروا ألسنتكم ممّا طهّر اللَّه أيديكم من دمائهم من شيعة أهل البيت؟


وهنا حَصْحَصَ الحقُّ، حيث لجأوا إلى أئمّة الجرح والتعديل وحملة الحديث الذين عاصروا أئمّة أهل البيت، وتركوهم ولم يُحاولوا حفظ حديثهم وعلومهم وفقههم وتراثهم، ولكن البُعداء عن أهل البيت أصبحوا أئمّة الدين وأعمدة العلم!


فقالوا: إنّ هؤلاء قد جرحوا الرواة عن أهل البيت، فلم تكن الطرق إلى علومهم سليمة صحيحة.


وطال الإهمال والاعتداء على كلّ ما ينتمي إلى هذا البيت وأهله من علوم ورجال!


ودَعْ عنك نهباً صِيْحَ في حجراتها!


لماذا كلّ هذا؟


وأمّا نحن الشيعة:


فكما آمنا باللَّه واتّبعنا الرسول، والتزمنا بأدلّة العقل والنقل في ما دلّا عليه من حقّ الربوبيّة والرسالة، فكذلك التزمنا بما دلّا عليه من حقّ الوصاية والولاية.


وكما ضحّينا - على طول التاريخ - من أجل الإسلام كدين، والرسالة كشريعة، فإنا جاهدنا وتحمّلنا الضيم والظلم من أجل الولاية لآل محمّد قرناء الكتاب وخلفاء الرسول الذين عيّنهم ونصّ عليهم، والذين أثبتوا جدارتهم ولياقتهم لأداء هذا الدور العظيم.


فعلام نُلام؟ لو اتّخذناهم أئمّة بهديهم نهتدي، وبفقههم نعمل، وبنهجهم نبلغ ما هم بالِغوه؟! وما هم إلّا مع جدّهم الرسول في كلّ صغيرة وكبيرة تابعوه؟


ونتحمّل اليوم الضَيْم، كما تحمّله أسلافنا، من أجل المحافظة على هذا الحقّ، كي لا يضيعَ، نعلنُه ولو بالشفاه المخيطة، ونكتبه ولو بمداد من الدماء! ونبرز معالمه للعالم كي يكونوا على بيّنةٍ من أمر الدين.


وإذا تمكّن أهل الجهل والسلطة والحقد، من أعداء محمّد وآل محمّد، على مدى القرون المظلمة من بثّ الدعايات المغرضة، ومن إبادة أهل الحقّ بمختلف الأساليب بدءاً بإحراق تراثه، ومروراً بالخنق والسجن والتبعيد، وانتهاء بالقتل والإعدام.


فإنّ أساليب الإعدام العصريّة، والمتطوّرة قد فَوَّتت - بحمداللَّه - كثيراً من الفُرص على أتباع أولئك الظلمة الجهلة الحاقدين.


والوعيُ العام، والتوجّه إلى الحقوق والحقائق وتعطّش إنسان اليوم إلى المعرفة الملائمة للضمير والوجدان ممّا يكشف عن زيف الدعايات المظلّلة والاتهامات الباطلة سواء في ماضيها المظلم، أو حاضرها الُمجرم.


فما علينا لو أعلنّا عن قولة الحقّ وكلمة الصدق وأبدينا ما آمنّا به وضحّينا من أجله كلّ غالٍ ونفيسٍ من الأرواح والأموال، مضى على ذلك أئمّتنا وعلماؤنا ورجالنا ونساؤنا، حتّى كانت قوافل شهدائنا من أطول قوافل شهداء الفضيلة في التاريخ البشري.


فانطلاقاً من هذه الأصول، خصّصنا الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام رائد المسيرة، ومنطلق الحقّ.


لنرفع بعض الظلامات عنه، ونعرّفه للعالم، نعرّف نهجه في إيمانه وعمله وحكمه وشجاعته وبلاغته.


ولنرفع بعض الظلامة عن فضائله المكتومة، ومزاياه العظيمة، وخصائصه الفريدة، ولتراثه الحكيم، المجهول، على ما فيه من عظمة المعنى وسموّ البلاغة.


والأمّة الإسلاميّة العظيمة، قد بلغت من الرشد كما جعلها اللَّه } أمّة وسطاً{، ليكونوا شهداء على النّاس، أصبحت من الوعي والعقل في مرحلة تكشف كلّ الزيف الزائل والدجل الباطل، التي قنَّع بها التاريخ الظالم الحقائق الناصعة وأصبحت تتقبّل الحقّ بعد بيانه ووصوله وبلوغه.


لكنّ أعداء الدين - من الكفّار والمشركين والمعاندين من النصارى واليهود - وأهل الجشع والطمع واللهو واللعب من أبناء الحياة الدنيا، لم يَرُقْ لهم ذلك الوعي وهذا الرشد وتلك المعرفة.


فبدأوا حرباً شعواء ضدّ الحقّ وأهله وبأسلحة حديثة وأجهزة متطوّرة، للوقوف أمام النور الطالع، وصوت الحقّ الهادر، وللفصل بين الأمّة وبين آل محمّد ومذهب التشيّع لهم، وعلومهم وفكرهم وتراثهم.


فتارة بإثارة النعرات السالفة، من حناجر متحجّرين باسم السلفيّة المنبوذة، والمشوهّة لسمعة الإسلام والمسلمين.


وأخرى بنشر الأكاذيب، وبعث المزيّفين من أدعياء العلم والدين لتمثيل المذهب والتحدّث عنه والكتابة باسمه، بما لا يمتّ إليه بصلة، وبما هو براء من فصّه ونصّه.


وأخيراً ببعث ثُلّةٍ من المنتمين إلى المدارس والجامعات، المبرمجة على المناهج الغربيّة، ممّن يدّعي معرفة الإسلام، مرتدين قبعات التطوير في المنهج، والتحرير من الماضي، والإصلاح في المجتمع، وبعناوين إسلاميّة برّاقة مثل: الإخوان المسلمين، والتحرير، والعمل، والدعوة، والإرشاد، والإصلاح، والجهاد، والهجرة وغيرها من العناوين الخادعة للمتطلّعين من شباب الأمّة إلى التغيير والخروج من المأزق الحضاريّ التي تصارعه الأمّة.


إنّ ما يجمع هذه الثلّة المدّعية للتثقّف الإسلامي، والمتسميّة بالنخبويّة، والولاية على الأمّة هو التنكّر لكلّ ما هو ثابتٌ لدى الأمّة من مسلّمات وأصول وقناعات، ثبتت في ضمائر الناس ووجدانهم على مرّ القرون، ودُعمت قواعدها بأقوى الأدلّة والبراهين.


ولكنّ هذه الثلّة المبعوثة، تستغلّ بُعْدَ الأمّة عن تراثها، وضعف الروح العلميّة، والصلة بينها وبين مصادر المعرفة، نصوصاً وعينات ولغة وفهماً وقراءة، ودلالة وخطاباً وأداء، وأخيراً الهرج والمرج المفتعل في الحياة السياسيّة في البلدان الإسلاميّة.


إنّ هؤلاء المثقفين المدّعين للإسلامية، يتنكّرون بالخصوص لعليٍّ وآل محمّد، بأشدّ مما تَنَكَّر له أسلافهم، فإنّ كان تنكّر أولئك بالإهمال والإعراض، فإنّ هؤلاء يُحاولون التجاوز إلى إنكار الحقوق والقابليّات والصفات، كما ينكرون أصولاً ضروريّةً في الإسلام لم يتعرّض لها سلفهم.


فمن هؤلاء من يُنكر خاتميّة الرسالة المحمّدية، كما ينكر استمرار الشريعة الإسلامية المطهّرة، ومن يُنكر تماميّة النصّ القرآني ويحاول التشكيك فيه وإثارة الشبه حوله، كمن يُنكر بلوغه وأداءه وفاعلية خطابه، كمن يحاول قراءته مقلوباً منكوساً، وأخيراً: فإنّ هذا الجيل المنخوب و المثقوف يقوم بعمليّة تزييف المعارف الدينيّة بتزييف التراث الدينيّ وجوداً، وتشويه الاستفادة منه دلالة وقراءة وإثارة الشكوك فيه معارضة ومناقضة.


لكن العلمانيّة، وبشكلها الإسلامي، بالخصوص، لم تجد في الأمّة منفذاً إلّا وسُدّ في وجهها، لما في عملها من الخواء والضعف، والقصور في اللغة والأداء، كما في الفهم والقراءة، وكما في المنهجيّة والاستدلال.


واستهدف هؤلاء النخبة في ما استهدفوا من الأمّة، رجالاتها من أئمّةٍ ورجال حديث وعلماء.


فمع أنّ الدين لم يقم، ولم يستمرّ، ولم يصل إلينا ويبلغنا، إلّا على عواتق هؤلاء العلماء الفقهاء المحدّثين وكواهلهم وأيديهم، فهم الذين كانوا حرّاساً له وأمناء عليه، وكانوا حفظةً له وشرّاحاً، وقوّامين عليه وولاة لأمور المسلمين، والذين تخصّصوا لخدمته بالمعرفة والتعريف وصرفوا قدرتهم للحفاظ على نصوص العلم وتراث المسلمين، حتّى تخلد وتتوارث وتتصل حلقاتها إلى يومنا الحاضر.


إنّ العلمانيّة المتأسلمة، تركّز على رجال الدين بالذات، بأشكال من التزييف والتضعيف، لإسقاطهم عن مواقعهم عند الناس والفصل بين الناس وبين تراثهم الدينيّ كلّه، ليكون الانقضاض على العلماء وعلى التراث، وثمّ على الأمّة، سهلاً يسراً. فلا يكون الملجأ إلّا القوانين العرفية، المتّخذة - في أحسن الحالات - من الحضارة الغربيّة الغازية، الملبّسة بمظاهر الرفاهيّة والراحة والمحافظة على اللذات والشهوات.


إنّ تنفير الأمّة عن علماء الدين - الجديرين والمتميّزين بمعرفته الصادقة، والمتقطعين لقضاياه، والوارثين لتراثه منذ صدر الرسالة، وحتّى اليوم:


إنّ تنفير الأمّة عن هؤلاء من جهةٍ، وترغيب الناس في الرفاهيّة الغربية، لهو من أخْبَث ما يراد عمله على يد هؤلاء الثلة المبعوثة باسم المثقفين وبوجوه الإسلاميين .


إنّ المثقفين المتأسلمين من أصحاب هذه الدعوة الخبيثة، يسيرون على نهج العلمانيّة في ضرب رجال الدين، ومحاولة تزييف نصوص الإسلام حسب مناهج غربية، كما يُحاولون قراءتها بعقولٍ فارغة من مؤهلات القراءة العلميّة السلميّة، لفراغهم من أوّليات التأهّل لذلك وهي: الكنز اللغوي، وأساليب الحوار العربي، وأسس البلاغة والأداء العربي، وقواعد النحو والصرف اللغوي، وحتّى في الأداء والخطاب، فإنّهم قاصرون لنفس ذلك البعد عن الثقافة العربية السليمة، وقصورهم في ما يفهمون ويكتبون، كما أنّهم يقرأون بمنظار الثقافة الغربيّة السوداء.


فليس هدفهم، من ذلك إلّا ما يستهدفه الغرب من تفريغ الأمّة من دينها ليسهل له ولعلمائه - النخبة! - الصعود إلى السلطة والسيطرة على مصير الأمّة، وليسهل على الأسياد تمرير مخطّطاتهم، وتنفيذ أغْراضهم.


إنّ من واجبنا تجاه هذه المؤامرة، التي هي من أشدّ أنواع الظلم على عليٍّ وآل عليّ وشيعتهم، ولصدّ هذه التصرّفات الشوهاء:


أوّلاً: أن نَقوم بتعريف الإمام عليه السلام في كلا جانبيّ: قابليّاته الإراديّة، وتعيينه الغيبيّ، والتصريح بكونه صاحب الحقّ الشرعي للوصاية الرساليّة والولايّة التكوينيّة والتشريعيّة، وقد اخترنا طريقاً فريداً لذلك هو الاعتماد على ما نطق به، وهو الصادق المصدِّق، من إعلان عن نفسه بعنوان أنا جمعناه من الموروث المنتشر في التراث الإسلامي الخالد.


وثانياً: الدفاع عن النفس، بردّ الاتهامات الباطلة، التي كرَّسها التاريخ الظالم والمؤرّخون الكذبة، ضدّ هذا المذهب الشريف، في مختلف الأدوار، وعلى بعد القرون والأعصار، وحيث كان سلفنا الصالح يتّخذون التقيّة الإسلاميّة، أساساً للعمل حفاظاً على أصول الدين، وقواعده ومصادره، وتضحية بقضايا العمل الصغار من أجل مهامّ العقيدة الكبار، وتنفيذاً لقاعدة الصلاح والإصلاح بين الأمّة، وتحكيماً لمبدأ الوحدة والاتحاد بين طوائف الأمّة الواحدة وحتّى لا ينفرط عقدها الرصين، ولا يتشتت صفّها المرصُوص.


لكن، اليوم، وحتّى لا يخلّط الأمر على من لا يعرف قصوراً، أو يتجاهل تقصيراً، أو لكي يتّضح لمن بَعُدَت عليه الشُقّة زماناً أو مكاناً، أو حجبت عن نظره حواجب دعاة السوء ورعاة الكذب والضلال: ما لمذهب الشيعة من أصول وقواعد وفروع وعلماء ورجال، وكتب وتراث، وفنّ وبطولات وجهاد وجهود، وطموحات، وآمال، وآلام، ملأت التاريخ.


وإنْ كان قد ولّى العصر الذي، تنطلي على البشر أن للشيعة ذنباً قصيراً أو طويلاً! أو أنّهم يؤلّهون عليّاً ؟! أو أنّهم يشهدون له بالرسالة في الأذان؟! ويقولون خان الأمين ؟!


كلّ هذا، والشيعة يملأون الدنيا، وهم ظاهرون، ومجامعهم مكشوفة، ويشتركون مع المسلمين في المساجد والمشاهد والمشاعر والمجامع والمؤتمرات، وأذانهم يذاع على الملأ على المآذن، وفي مكبّرات الصوت، وعلى أمواج الفضاء، وعلى الراديو والتلفاز، وعلى الأقمار الصناعيّة، وفي الكتب الفقهيّة والحديثيّة، وهم يشهدون: أن لا إله إلّا اللَّه و أنّ محمّداً رسول اللَّه هذه الفصول المشروعة كأجزاء في الأذان والإقامة، واستحبوا إضافة شهادة أنّ عليّاً وليّ اللَّه !


ومثل تلك الكذبة على الشيعة، لا تنطلي حتّى على الأمّيين الذين لا يقرأون، لأنّ بإمكانهم أن يُديروا المذياع على أمواج الإذاعة ليسمعوا أذان الشيعة، وإنّما تنطلي على الصمّ البكم الذين لا يسمعون إلّا من المطاوعة الدجّالين!


وهم يتّهمون الشيعة بتحريف القرآن! مع أنّ القرآن يملأ بيوت الشيعة، ويملأ صدور حفّاظه من الشيعة، وهم يعقدون مجالس القرآءة للقرآن، ويطبعون ملايين النسخ، وينشرون كتب التفسير بأعداد كبيرة، وليس في شي ء من نصّ ذلك، خلاف وتغيير؟


وإذا وجد المسلم العاقل، كذب تلك التُهمة، وأمثالها من الأكاذيب! يكون ذلك موجّهاً له إلى معرفة الحقيقة ووجدانها، بعيداً عن الدعايات المضلّلة التي يُثيرها الأعداء والمغرضون الحاقدون على وحدة الأمّة الإسلاميّة.


فلم تكن الهجمات العنيفة ضدّ الشيعة، إلّا سبباً لمزيد من الاندفاع للمثقفين النابهين إلى معرفة المذهب الشيعي، والوقوف على أعماقه وقوّة حجّته وعظمة رجاله، واعتمادهم على المصادر الإسلاميّة الأصيلة وهي الكتاب والسنّة الشريفة والحديث الثابت، إلى اهتمامهم بقضايا المسلمين والحفاظ على وحدتهم والحرص على عظمتهم.


وهنا يتّضح مدى وجوب قيامنا بتعريف الإمام عليه السلام وثمّ الإعلان عن منهج الشيعة في الفكر والعمل والثقافة.


وإذا قمنا بتعريف أنفسنا، وبيان منهجنا في الإيمان بالحقّ الذي هدانا اللَّه إليه، ودليلنا القويم عليه من الكتاب الكريم والسنّة المطهّرة، والإعلان عن مواقفنا العقائديّة والفقهيّة وعن ذخائرنا التراثيّة والعلميّة، وعن تاريخنا المجيد، كطائفة كبيرة من الأمّة الإسلاميّة المجيدة، إنّ عرضنا لكلّ هذا لا يمسّ وحدة كلمة المسلمين، بقدر ما هو فتحٌ لباب مبين أمام الحلول الإسلاميّة، وتفسير أمين للحقائق الدافعة لما اعتاص على المذاهب الأخرى، وبيانٌ صادق للواقع الذي تجاهل عنه أعداء الأمّة عمداً، وتغافل عنه الجاهلون تخلّفاً وكسلاً، وتخليصاً للأمّة من كثيرٍ من المشاكل العالقة منذ الأجيال والقرون.


إنّ الفكر الشيعي بعقائده وفقهه ومصادره، وتراثه، وخاصّة الحديث الشريف المأثور عن أئمّته، وجهود صحابة الرسول والتابعين، وجهود علماء الأمّة على طول التاريخ، ذلك الذي يحتفظ به الشيعة بكلّ قوّة واعتزاز، إذا عرض، وعرف، واستخدم، لسوف ترى فيه الحلول الواقعيّة لمشاكل الحياة المعاصرة، وصدّ الهجمة الشرسة التي يوجّهها الغرب وبأيدي العلمانيّة العميلة، والمثقّفين المتأسلمين الجهلة الطامعين في السلطة.


فعلى الذين يجاهدون في سبيل اللَّه، ويريدون الإخلاص من هذه الأزمة الخانقة، المفتعلة من العلمنة الغربية والأسلمة المغرورة، بأساليبهما الماكرة وجدلهما السخيف الخبيث، أن يفسحوا المجال للفكر الشيعيّ بالظهور، وأن يفتحوا أعينهم على هذا الفكر المجيد الأصيل.


ومن هُنا كان التأكيد على تراث الإمام عليه السلام وتقديم نماذج منه هي من أقوى النصوص المأثورة عراقةً في قدم الجمع، وقوّة الضبط، وإحكام المتن، وعظم المعنى، وخلود الذكر، من تلك الكلمات القصار التي يحتوي كلٌّ منها على مادّة قانونيّة عامّة وثابتة ومقبولة لدى كلّ العقلاء من البشر.


لتكون دليلاً آخر على حقيقة ما التزمناه من تقديم الإمام عليه السلام وتخصيصه بالإمامة.


ولهذا كانَ تخصيصنا العدد بالإمام عليه السلام.


ونحمد اللَّه على توفيقه لرضاه، ونسأله المزيد بفضله وإحسانه وبجلال وجهه الكريم، إنّه ذوالجلال والإكرام.



/ 1