مقدمه - زهد فی نهج البلاغه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهد فی نهج البلاغه - نسخه متنی

عیسی سلیمان حبیب

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





مقدمه



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله حمدا يليق بجلاله، و الصلوه و السلام على سيدنا محمد و آله.


من مسك الختام فى كتاب الله، و عزيز آيه: قوله تعالى:


اليوم اكملت لكم دينكم، و اتممت عليكم نعمتى، و رضيت لكم الاسلام دينا


من كمال الدين اصولا و فروعا و بقيام حافظه، و من تمام النعمه بالهدايه والولايه، و من رضاء الله تعالى لنا تسليم امرنا للولى، من كل اولئك نود ان نستخلص حقيقتين:


الاولى : ان الاسلام الذى ارتضاه لنا سبحانه مدرسه انسانيه شامله لكل جوانب حياه الانسان الروحيه و الماديه، و لكل قضايا دينه و دنياه. و لامراء فى ان رساله الاسلام اكمل نداء تلقته الارض من السماء، و اجل حلقات دين التوحيد. و افصح رسالاته ابانه لصله الانسان بخالقه، و الدنيا بالاخره و ادقها و صفا لكل من الطريق الى حسن الثواب، و الطريق الى سوء الماب.


و اذا كان محمد صلى الله عليه و آله المعلم الاول فى هذه المدرسه العظيمه، و كتابه "القرآن الكريم" اول كتاب فيها، يليه حديثه الشريف و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى صار واضحا و سهلا ان نستخلص الحقيقه:


الثانيه: و هى ان على بن ابى طالب عليه السلام المعلم الثانى فيها، و خطبه الشريفه التى يضم معظمها كتاب "نهج البلاغه" هى الكتاب الثانى فيها.


على عليه السلام ربيب بيت النبوه، عرف التوحيد قبل المومنين بسنين و عبدالله مع محمد "ص" قبل الدعوه، و اوتى من علم الكون تسعه اعشار و كل الناس عشرا، لم يكن تلميذ النبى و ابن عمه فحسب بل كان منه كمال قال صلاه الله عليه و آله:


على منى بمنزله راسى من جسدى


[
امامه على "ع" الصفحه 199 نقلا عن ذخائر العقبى.]



و لم يكن حافظا للقرآن الكريم فحسب او عالما لاسراره يوقر سبعين جملا من سوره الفاتحه فقط، بل كان


على مع القرآن، و القرآن مع على، لن يفترقا حتى يردا على الحوض


[
امامه على "ع" الصفحه 110 نقلا عن كتاب معرفه الصحابه.]



ولانبالغ اذا قلنا ان الحديث الشريف لايجعله تابعا للقرآن بل صنوا له اذ كلاهما تابع متبوع. و امام هذا الحديث الذى "و ما ينطق عن الهوى" يصغر قول الخليل بن احمد:


"احتياج الكل اليه، و استغناوه عن الكل، دليل على انه امام الكل فى الكل"


[
تصنيف نهج البلاغه الصفحه 70 بلا اسناد.]



فلاعجب ان يكون الامام على عليه السلام مدهشا للدارسين على اختلاف عقائدهم و مشاربهم فما يكاد الواحد منهم يقترب من بحره حتى يقدم لدراسته او كتابه بالتعبير عن شعور بالهيبه و كانه امام محيط زاخر لايعرف انى يخوض و لا كيف يخرج.


بمثل هذا الشعور سنحاول قراءه "الزهد" كجانب من شخصيته عليه السلام من خلال خطبه و اقواله التى يضمها كتاب نهج البلاغه الذى كان للشريف الرضى طيب الله ثراه- فضل جمعه، و هو مازال فينا كتابا لم نقراه حق القراءه، و نبراسا لم نستض ء به حق الاستضاءه. محاولين التزام الكتاب دوام التاريخ و الاخبار، نظرا لوفرتها و لاننا لن نستطيع الاتيان بشى ء منها الا مكرورا.


ما مفهوم الزهد عنده؟ اهو خلق معجز لانستطيع بلوغه؟ ام مدرسه نتعلم منها قدر ما تستطيع؟ اهو خضم فلسفه؟ ام جاده صواب؟ ام ثوره روحيه؟ ما وسائله؟ ما سماته؟ ما غايته؟ اين الرهبانيه و الصوفيه منه؟.


معنى الزهد و حدوده



الزهد بالشى ء- لغه- ضد الرغبه فيه، و عرفا: الاعراض عن مباهج الدنيا و ملاذها او متاعها. فما الزهد فى عرف الامام "ع"؟


الزهاده: قصر الامل، و الشكر عند النعم، و التورع عند المحارم


[
شرح ابن ابى الحديد ج 2 ص 82.]



وجاء فى شرح ابن ابى الحديد: "فسر عليه السلام الزهاده- و هى الزهد- بثلاثه امور... فقال لايسمى الزاهد زاهدا حتى يبلغ هذه الامور الثلاثه"


ثلاثه مبادى او اركان يقوم الزهد بها مجتمعه:


- اما قصر الامل فهو عدم الركون، الى متاع الدنيا لسرعه زواله و ضاله شانه اذا ما قيس بمتاع الاخره، و لانه يشغل عنها بما يستزيده من رغبه الانسان فى الدنيا. و لذا قال المعلم الاول محمد صلى الله، عليه و آله:


لا تتخذوا الضيعه فترغبوا فى الدنيا


[
رياض الصالحين ص 227.]



- و اما الشكر عند النعم فمنجاه من البطر، و حفاظ على صله لابس النعمه بواهبها و هذا بالتالى منجاه منه الركون الى الدنيا و نسيان المنعم الكريم.


- و اما الورع عند المحارم ففيه صون للنفس و حمايه لها من المعاصى: و من الحيده عن الحق.


فان عرب عنكم فلا يغلب الحرام صبركم، و لا تنسوا عند النعم شكركم تابع


[
شرح ابن ابى الحديد ج 2 ص 82.]



فان عزب 0 اى بعد" او شق عليكم بلوغها مجتمعه، فلتغالبوا ما يستهوى انفسكم من حرام الدنيا و هذا يحتاج الى صبر. و اديموا الشكر عند النعم كيلا تغلبكم الدنيا فهل نكون زهادا بهذين الشرطين؟ قال ابن ابى الحديد: امران من الثلاثه لابد منهما و هما الورع و شكر النعم جعلهما آكد واهم من قصر الامل


و خلافا لراى الشارح الجليل، لا نرى ان الزهد يبلغ بهما و لا ان فصر الامل اقل منهما اهميه، و قد اكدت خطب الامام "ع" و اقواله اهميه الاستهانه بالدنيا لبلوغ الزهد و من ذلك قوله:


اخوف ما اخاف عليكم: اتباع الهوى، و طول الامل: فاما اتباع الهوى فيصد عن


الحق، و اما طول الامل فينسى الاخره


[
شرح محمد عبده الصفحه 100.]



و مادام طول الامل ينسى الاخره و لازهد مع نسيان الاخره، فلا زهد بلا قصر الامل، و يزداد الامر وضوحا و رسوخا بقوله عليه السلام:


الزهد كله بين كلمتين: قال سبحانه: لكيلا تاسوا على مافاتكم ، و لا تفرحوا بما آتاكم و من لم ياس على الماضى، و لم يفرح بالانى فقد اخذ الزهد بطرفيه


[
تصنيف نهج البلاغه ص 416.]



افلا يعنى هذا ان قصر الامل فى الدنيا يشكل القاعده الهامه التى يقوم عليها الزهد؟ انه ليذكرنا بتقسيمه للناس امام الجنه و النار الى ثلاثه: ساع سريع نجا، و بطى رجا، و مقصر هوى.


اما الزاهد العابد الذى اخذ الزهد بطرفيه فقد سعى الى الاخره سريعا فنجا، و اما البطى ء الذى عاقت الدنيا سعيه فراخ يغالبها صابرا شاكرا فقد رجا رحمه الله و من لم يفر بشى مما سبق فقد هوى.


مبادى بسيطه يقوم عليها الزهد فى مدرسه الامام المنبتقه من مدرسه الاسلام اذا اجتمعت بلغ بها الزاهد مرتبه الكمال البشرى و ان لم تجتمع بلغ ما دون ذلك. فليس الامر معجزا، و لا هو وليد تاويلات فلسفيه كما سنرى فى الصوفيه، بل هو مدرسه نتعلم فيها الاهتداء الى جاده العبور من الدنيا الى الاخره.


و با لبساطه نفسها يجلو الامام "ع" الصله بين الدنيا و الاخره:


الدنيا دار ممر، لا دار مفر


[
شرح محمد عبده ص 591.]



او انمنا الدنيا دار مجاز، و الاخره دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم...


[
شرح ابن ابى الحديد ج 3 ص 2.]



الرحله شاقه لما حفبت به من بهارج، و الدرب كثيره المزالق و المداحض. فمن اجنازها جادا الى قصده. لم يثنه جمال المشهد عن طلب المرام و لم يشغله جمال الرياض و الوان الجبال الا بقدر ما يخفف من وعثاء السفر و لم يحزنه فوتها مادام يقترب من القصد. اما من اجنازها بطيئا فسوف يشغله ما حف بها عن السعى الجاد.


فانه الدنيا مشغله عن غيرها، و لم يصب صاحبتها منها شيئا الا فتحت له حرصا عليها


[
شرح ابن ابى الحديد ج 4 ص 184.]



يمكن ان نعرف "الزهد" هنا بانه ذلك النضج العقلى او السمو الانسانى الذى بلغ بصاحبه ذروه من الكمال يطل منها على الدنيا فتبدو لعين عقله اقل شانا من ان يشغله عن حقيقته الازليه و هى صلته بالخالق و شوقه الى وجهه، او بعباره ابسط: يبدو كل ما فيها وسيله و الاخره هى الغايه، عملا بالايه الكريمه:


و ابتغ فيما آتاك الله الدار الاخره. و لا تنس نصيبك من الدنيا


من الزاهد؟



بعد ان نبينا جاده الصواب فى الزهد، يجد ربنا ان نبحث عن صوره لحياه الزاهد فى الدنيا، فربما قدم لنا الوصف مزيدا من وضوح النهج امامنا، و قد ورد فى كتاب النهج وصف الزهاد فى اكثر من موضع ولكن اوجزه و اشمله ماجاء فى:


كانوا قوما من اهل الدنيا وليسوا من اهلها، فكانوا فيها كمن ليس منها، عملوا فيها بما يبصرون، و بادروا فيها ما يحذرون، تقلب ابدانهم بين ظهرانى اهل الاخره، و ييرون اهل الدنيا يعظمون موت اجسادهم، و هم اشد اعظاما لموت قلوب احيائهم


[
شرح ابن ابى الحديد ج 3 ص 183.]



الزاهد: من اهل الدنيا، يعيش جسديا على الخبز و الماء و الهواء.


و ليس من اهلها فيما عدا ذلك، فهو مشغول بالاخره انشغالهم بالدنيا. يفتدى بعقله "بصيرته" افتداءهم باهوائهم، يطلب الموت بمقدار ما يفرون منه لانه مطمئن الى ما بعده و هم خائفون، عصم بدنه عن ملاذها و نذره للاخره بقدر ما اعرفوا ابدانهم بالمتع، فهان عنده موت الجسد بقدر ما عظم عندهم، و استعظم رسوخ قلوبهم فى الدنيا بقدر ما غرقوا فى الغفله. و كان الغربه فى الدنيا صارت شعبه من شعب الزهد. و هذا مصداق الحديث الشريف:


الدنيا سجن المومن و جنه الكافر


و نقرا- فى هذا- القاعده الاساسيه لحياه الزاهد لا جمله اخلاقه و مبادثه و فضائله التى سنعود اليها فى بحث سمات زهدالامام "ع"


نشاه الزهد



كل حلقات الدين السماوى، و جل العقائد الوثنيه. حثت الانسان على الخير


حسب مفهومها و اغلبها وعد الانسان بالثواب و اوعده بالعقاب، و اكثرها عرف لونا من الزهد اوجذرا من جذوره، و اقربها الى الاسلام زهد السيد المسيح عيسى بن مريم عليه السلام. و عرفت اطراف الجزيره العربيه قبيل بعثه محمد "ص" صوامع، و اديره، انقطع فيها رهبان و نساك للعباده و القراءه و كان هولاء يبشرون بظهور نبى تتحدث عنه كتبهم "الراهب بحيرى"


و يحاول بعض المستشرقين ان يصلوا بين زهد اولئك و زهد مردسه الاسلام و قد كثرت الاراء و الاقوال فى ذلك حتى اننا لانستطيع تفنيدها فى هذه العجاله الا ان امر رفض الاسلام للرهبانيه التى ابتدعوها واضح فى الايه الكريمه:


و رهبانيه ابتدعوها ما كتبناها عليهم الا ابتغاء رضوان الله فمارعوها حق رعايتها


و على الرغم من تقدير الرسول الكريم "ص" لعلم المومنين منهم فان حديثه "لا رهبانيه فى الاسلام" مشهور. و ما ذلك الا لان اهلها لم يرعوها حق رعايتها فحولوها الى هرب من الدنيا و تخل عن الواجبات و الفرائض و هذا ما سنعود الى تفصيله.


اما فصل الزهد فى مدرسه الامام فهو من صميم مدرسه الاسلام العظمى تابع بالفطره من عمق ايمان الامام "ع" و تلامذته، و تطبيع تعاليم القرآن بصدق فى حياتهم. و حملهم رايه الاسلام عباده و ثوره. فكيف نشا زهدهم؟


- كان الامام "ع" اعمق المومنين صله بالقرآن الكريم، فقد عبدالله مع النبى "ص" قبل ان يعبده احد و سمع القرآن قبل ان يسمعه احد:


كنت اسمع الصوت و ابصر الضوء سنين سبعا


[
شرح ابن ابى الحديد ج 1 ص 5.]



و هو بعد غض الاهاب، مرهف القلب، متوفد الفكر، مرهف المشاعر فنزل القرآن على قلبه نزول المداد على الرقعه البيضاء


- نزلت السور القرآنيه ببيان ساحر و وصف موثر فحقرت من شان الدنيا ابلغ تحقير و عظمت شان الاخره بحاليها جحيما و نعيما.


فاذا صور الجنه اخاذه رائعه بين سعاده روحيه و نعيم بدنى، ينشرح لها الصدر، و نحن النفس و ينحفر الضمير الى الثواب، حتى لتغدو النفس البشريه و كانها زجاجه صافيه ما فيها الا اشراقه العقل و وجيب القلب.


- و من ثم جاءت موعظه الاسلام تضى جاده اليمين و تحذر من جاده الشمال فتصف المومنين فى الدنيا بالورع و التقوى و الايثار و التواضع و الرحمه و الزهد فى الدنيا و تصفهم فى الاخره متكئين على الارائك تشع وجوههم نضره و نفوسهم غبطه ينظرون الى وجه الله و قد رضى الله عنهم و رضوا عنه. و تصف الكافرين على النقيض من ذلك فى الدنيا و الاخره


فاذا باصحاب النبى "ص" الاوائل يشتعلون حماسه للقاء وجه ربهم و ياخذون انفسهم بكل ما يقربهم من الله من صفات اسبغها القرآن الكريم على المومنين المقربين فاذا هم زهاد فى الدنيا على اروع ما يكون الزهد حالا و امامهم فى ذلك بعد النبى على عليه السلام يقراون القرآن و كانه نداء روحى يفجر فى نفوسهم العجائب.


- و بعد غياب الرسول، و تحسن حال المسلمين و تهافت اكثرهم على الدنيا صار الزهد ضروره لابد منها فراح الصابرون منهم يتخذون منه شعارا بل مبدا ثوريا فى ملحمه الاسلام يرفعونه فى وجه زعامه المسلمين التى تهاونت او تواطات مع ذلك الانحدر الخطير فى مسار رساله محمد و راحت خطب الامام "ع" تحفزهم و تنطق باسمهم، و لمعت اسماء سلمان المحمدى، و ابى ذر الغفارى و حذيفه بن اليمان... و بدا الزهد يتخذ طابع تيار ثورى ضمن مدرسه الاسلام و اخذت اسسه تبلور من خلال خطب الامام "ع" و سيرته و اصحابه.


وسائل الزهد



لم يال للامام على "ع" جهدا فى دعوه الناس الى الزهد. و فى خطبه الشريفه اساليب متعدده لهذه الدعوه بين نصائح مباشره او دعوه الى الاعتبار و التبصر او ذم للدنيا و تهوين لشانها فى مقابل تعظيم الاخره. ولكن اروعها اتخاذه من نفسه و سيرته نبراسا يضى لهم طريقهم. فمن مواعظه المباشره.


ايها الناس! انظروا الى الدنيا نظر الزاهدين فيها، الصادقين عنها


[
شرح ابن ابى الحديد ج 2 ص 196.]



عباد الله! اوصيكم برفض الدنيا التاركه لكم، و ان لم تحبوا تركها


[
شرح ابن ابى الحديد ج 2 ص 186.]



و لعل القول الثانى يوضح المقصد من القول الاول، انها ستتر كنا غير عابئه بنا ولن


يهون علينا فراقها الا الزهد فيها و مبادره الفراق قبل حلوله، فلنسقبلها بما تودعنا به من اعراض و قله احتفال. و كيف يكون الرفض؟ هل هو رفض لكل ما فيها و هروب من مسولياتنا فيها من عمل و جهاد و طلب للعلم و نشر لدين الله؟


- ان الدنيا فى خطب الامام "ع" مثلها فى القرآن الكريم و الحديث الشريف، ليست نقيض الاخره بل سبيل اليها، هى دار ممر و ابتلاء و تزود و لذا كان يقول:


انما الدنيا دار مجاز، و الاخره دار قرار، فخذوا من ممركم لمقركم، و لا تهتكوا استاركم عند من يعلم اسراركم، و اخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل ان تخرج منها ابدانكم، ففيها اختبرتم و لغيرها خلقتم


[
شرح ابن ابى الحديد ج 3 ص 2.]



انه رفض الحذر المتحرر من سلطانها، رفض من يريدها تسلس قياها له و لا يسلس قياده لها، لان اسلاس القياد للذنيا مهلكه لانها حافله بالوان الغرور


حلوه حضره، حفت بالشهوات، و تحببت بالعاجله، و راقت بالقليل، و تحلت بالامال و تزينت بالغرور


[
شرح ابن ابى الحديد ج 2 ص 238.]



ان فى خضرتها لفتنه، و ان فى شهواتها لقوه، تطل على الانسان من كل باب و تعترض سبيله متبرجه، و تسنح له مع كل سانحه، حتى نوقظ الغرائز و تولب الاهواء، و تخدع البصيره، فلا ينجو من غرورها الا من اوتى صبرا عظيما


كمثل الحيه لين مسها، و السم النافع فى جوفها، يهوى اليها الغر الجاهل و يحذرها ذواللب العاقل


[
شرح محمد عبده ص 587.]



- لاينخدع بها ذواللب لانه يدرك غدرها، و غدرها نتيجه محتومه لسرعه تقلبها، فما يكاد الانسان يانس بها و يستطيب طيبها حتى تفجعه بما استهواه و ملك عليه لبه، لذلك افاضت خطبه عليه السلام بعرض هذه الصفه من صفات الدنيا محذره و مكرره فهى تاره:


لاندوم حبرتها، و لا تومن فجعتها، غراره ضراره، حائله زائله نافده بائده تابع


[
شرح ابن ابى الحديد ج 2 ص 238.]



و من صفاتها تاره اخرى:


فانها غداره غراره خدوع، معطيه منوع، ملبسه نزوع، لايدوم رخاوها، و لا ينقضى


عناوها و لايركد بلاوها


[
شرح ابن ابى الحديد ج 3 ص 182.]



يكثر مثل هذا الوصف فى خطب الامام "ع" للدنيا، و فى مواضع كثيره من نهج البلاغه فياتى بادق الوصف و اعمق التحليل لاحوالها باساليب بلاغيه رائعه، و قد ورد ذم الدنيا فيما ينوف عل خسمين خطبه او حديثا له عليه السلام، و نستطيع ان نجمل الصفات الوارده للدنيا بمايلى: الاغراء و الغرور، اشرافها على الزوال، الخير فيها مشوب بالشر، تربص دهرها باهلها، سوء عاقبه الركون اليها و وعوره مركبها صغر شانها عند الله... الخ.


- ولكن الدنيا لا تقصر فى مكاشفه الانسان العبره و العظه: ف ما اكثر العبر و اقل الاعتبار


[
شرح محمد عبده ص 626.]



و ذم الامام لها ليس هدفا بل امعانا فى التنبيه و التحذير و طلبا للعظه و الاعتبار فهو يصفها لمن يذمها قائلا: اتغتر بالدنيا ثم تذمها؟ ثم يقول:


ان الدنيا دار صدق لمن صدقها، و دار عافيه لمن فهم عنها، و دار غنى لمن تزود منها، و دار مواعظ لمن اتعظ بها


[
شرح ابن ابى الحديد ج 4 ص 304.]



كل اولئك واجد فيها مبتغاه. روى ابن ابى الحديد عن بعض الكتب الالهيه القديمه ان الله سبحانه قال لها: يا دنيا من خدمنى فاخدميه و من خدمك فاستخدميه فهى لاتناصب خليفه الخالق العداء، و لا تنصب له شباك الهلاك. ولكنه يراها و لا يبصرها يقوده هواه فيقع فى حبائلها.


حقا اقول: ما الدنيا غرتك ولكن بها اغتررت، و لقد كاشفتك العظات، و آذنتك على سواء- و لهى- بما تعدك من نزول البلاء بجسمك، و النقص فى قوتك- اصدق و اوفيمن ان تكذبك او تغرك


[
شرح ابن ابى الحديد ج 3 ص 78.]



انها تقدم له العظه تلوا العظه بما يبتلى به غيره او بما يبتلى به هو، و ما عليه الا ان يقراها كما يقرا فى الكتاب فيتعظ و يعتبر، فما غايه العظه؟


- يكفى ان يتعظ بمصير السابقين و فيهم من بلغ من الغنى او السلطان حدا عاليا ليذكر انه لاحق بهم لامحاله، و عندها يزهد فى عرضها و بالزهد يزداد بصيره.



/ 3