سیدة فاطمة الزهراء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سیدة فاطمة الزهراء - نسخه متنی

محمد بیومی مهران

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



السيدة فاطمةالزهراء



اهداء





  • إليك يا ابنة رسول اللَّه
    إليك يا زوج إمام الائمة
    إليك يا أم السادة الأشراف نسل النبي
    إليك يا سيدة نساء أهل الجنة
    إليك يا من قال عنها رسول اللَّه
    إليك يا سيدتي يا قرة عين النبي
    أشرف بإهداء هذا الدارسة
    وكلي أمل من ربي، جل جلاله، أن يتقبلها



  • إليك يا أحب الناس إلى رسول اللَّه
    إليك يا أم الحسن و الحسين
    إليك يا سيدة نساء المؤمنين
    إليك يا سيدة نساء العالمين
    فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد اغضبني
    إليك يا سيدتي يا فاطمة الزهراء البتول
    وكلي أمل من ربي، جل جلاله، أن يتقبلها
    وكلي أمل من ربي، جل جلاله، أن يتقبلها








تقديم



إنتهينا من الأجزاء الثلاثة الاولى من هذه السلسلة «في رحاب النبي و آل بيته الطاهرين»، من سيرة سيد الأنبياء، و المرسلين، سيدنا و مولانا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم، و نتحدث في هذا الجزء الرابع، من السلسلة عن «السيدة فاطمة الزهراء» و هو في نفس الوقت إنما يمثل الجزء الأول من الأجزاء الأربعة التي خصصناها لآل البيت الطيبين الطاهرين، و قد قسمناه إلى قسمين رئيسيين:


الأول عن: أهل البيت- كمقدمة للأجزاء الأربعة التالية.


والثاني عن: السيدة فاطمة الزهراء- كجزء أول من هذه الأجزاء الأربعة.


أهل البيت- كمقدمة للأجزاء الأربعة التالية



و الحديث عن «أهل البيت» حديث قديم جديد، فمنذ صدر الإسلام، و إلى يوم الناس هذا، وإلى ما بعد يوم الناس هذا، و المؤرخون و أهل السير يكتبون في مناقب أهل بيت النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم، و ستظل الأقلام تسطر عظمتهم، ما كان للعظمة من ذكر، فلقد استوقفت تعاليمهم الباحثين من أمم مختلفه، و مذاهب متباينه، لأنهم وجدوا فيها عظمة اللَّه، وهيبة الحق، وقوة العلم، و كرامة الإنسان، و احترام الحياة، و جلال الكون، فاستلهموها و اتخذوا منها مقياساً للحق و الفضيله، و مصدراً للعلم و التشريع.


و بدهي أنه لا غرابه في ذلك، فأهل بيت النبي صلى اللَّه عليه و آله- كما قيل فيهم- هم عيش العلم و موت الجهل، يخبرك حلمهم عن علمهم، و صمتهم عن حكم منطقهم، لايخالفون الحق، و لا يختلفون فيه، هم دعائم الإسلام و ولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه و انزاح الباطل عن مقامه، و انقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين، عقل وعايه و رعايه، لاعقل سماع و روايه، فإن رواة العلم كثير، و وعاته قليل.


و أهل البيت- بيت النبي صلى اللَّه عليه و آله- إنما هم شجرة النبوة، و محط الرسالة، منبع الرحمة، و معدن العلم، و ينابيع الحكمه، و كنوز الرحمن، ناصرهم و محبهم ينتظر رحمةاللَّه و نفحاته، و مبغضهم يستقبل نقمه اللَّه و سطوته، بهم هدايتنا من الظلماء، و هم سر جدهم المصطفي، صلوات اللَّه عليه و عليهم أجمعين.


هذا و قد حاولنا في هذا الجزء من هذه الدراسة، أن نحدد من هم أهل البيت النبوي الشريف؟ فناقشنا الآراء المختلفة التي دارت حول هذا التحديد، و ارتضينا- عن اقتناع و إيمان- أن أهل البيت إنما هم سادتنا الخمسة الكرام البررة: سيدنا و مولانا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و علي و فاطمة و الحسن و الحسين، عليهم السلام، قال بذلك كثير من صحابه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و لفيف من أهل الحديث و التفسير، فمن الصحابة أبوسعيد الخدري و أنس بن مالك و واثلة بن الأسقع و أم المؤمنين عائشه و أم المؤمنين أم سلمه و ابن ابي سلمه، ربيب النبي صلى اللَّه عليه و آله، و سعد غيرهم، و قال به الكثيرون من أهل التفسير و الحديث، قال به الفخر الرازي في التفسير الكبير و الزمخشري في الكشاف، و القرطبي في الجامع لأحكام القرآن، و الشوكاني في فتح القدير، و الطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، و السيوطي في الدر المنثور، و قال به الإمام أحمد بن حنبل في المسند و ابن حجر العسقلاني في الإصابة و الحاكم في المستدرك و الذهبي في تلخيصه.


و قد قدمنا الكثير من الأدلة على ذلك من الحديث الشريف و من كتب التفسير، و من أقوال أهل البيت الكرام البررة، و الحق أن لفظ «أهل البيت»، إذا أطلق إنما ينصرف إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين، عليهم السلام، و ذريتهم،


و إن لم يكن له إلا شهرته فيهم لكفي.


هذا و قد تحدث القرآن الكريم و الحديث الشريف عن فضائل أهل البيت، ففي القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تشير إلى فضل أهل البيت، لعل من أشهرها: آية الأحزاب (33) يقول تعالى: (إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)، و هذه الآية الكريمة- فيما يرى جمهور العلماء- هي منبع فضائل أهل البيت، لا شتمالها على غرر مآثرهم، و اعتناء الباري- عزوجل- بهم حيث أنزلها في حقهم، و آية الشورى (23) يقول تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، و روى الإمام أحمد و الطبراني و ابن أبي حاتم و الواحدي عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول اللَّه، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: علي و فاطمة و ابناهما، و آية الأحزاب (56) قال تعالى:


(إن اللَّه و ملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما)، روى البخاري في صحيحه- عن كعب به عجرة- قال: «قيل يا رسول اللَّه، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة؟ قال قالوا: اللهم صل على محمد و على آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك علي محمد و آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».


و في هذا دليل على أن الأمر بالصلاة على آل محمد، مراد من الآية، و إلا لما سألوا عن الصلاة على أهل البيت عقب نزولها، و لم يجابوا بما ذكر، على أن النبي صلى اللَّه عليه و آله إنما أقام أهل البيت مقام نفسه من ذلك، لأن القصد من الصلاة عليه صلى اللَّه عليه و آله أن ينيله مولاه، عزوجل، من الرحمة المقرونة بتعظيمه ما يليق به، و من ذلك ما يفيضه، عزوجل، منه على أهل بيته، فإنه من جمله تعظيمه و تكريمه صلى اللَّه عليه و آله، و يؤيد ذلك ما جاء في طرق أحاديث الكساء من قوله صلى اللَّه عليه و آله: «اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك و بركاتك علي آل محمد»، و روي عنه صلى اللَّه عليه و آله أنه قال «اللهم إنهم مني و أنا منهم، فاجعل صلواتك و بركاتك عليهم».


و أما الحديث الشريف، فلقد ورد الكثير من أحاديث سيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله التي تبّين فضل أهل البيت، و تحض المسلمين علي مودتهم و موالاتهم، و تنفر من


بغضهم و كراهيتهم، بل و تعلن بوضوح و جلاء ان حب آل النبي صلى اللَّه عليه و آله من حبه، و أن بغضهم من بغضه، و أنه لا أمل لمن يكره آل النبي صلى اللَّه عليه و آله من رضاه صلى اللَّه عليه و آله في الدنيا و شفاعته في الآخرة.


و قد روي الإمام مسلم في صحيحه- عن زيد بن أرقم- قال: قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمّا بين مكة و المدينة، فحمد اللَّه و أثنى عليه و وعظ و ذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب اللَّه فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللَّه و استمسكوا به، فحث على كتاب اللَّه و رغب فيه، ثم قال و أهل بيتي، اذكركم اللَّه في أهل بيتي، اذكركم اللَّه في أهل بيتي، اذكركم اللَّه في أهل بيتي».


و رواه الإمام أحمد والنسائي، و في روايه للترمذي «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب اللَّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»، و روى ذلك أيضاً أبوذر و أبوسعيد و جابر و حذيفة بن أسيد، و أورده ابن تيميه في الفرقان.


و قد سمى الرسول صلى اللَّه عليه و آله القرآن و أهل بيته ثقلين، و الثقل كل نفيس خطير مصمون، و هما كذلك، إذ أن كلا منهما معدن العلوم اللدنيه، و الحكم العلميه، و الإحكام الشرعية، و قال الطيبي- كما في تحفة الأحوذي- لعل السر في هذه التوصية، و اقتران العترة بالقرآن، أن إيجاب محبتهم لائح من معنى قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)، فإن اللَّه تعالى إنما جعل شكر إنعامه و إحسانه بالقرآن منوطاً بمحبتهم على سبيل الحصر، فكأنه صلى اللَّه عليه و آله يوصي الأمة بقيام الشكر، و قّيد تلك النعمة به، و يحذرهم عن الكفران، فمن أقام بالوصية و شكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما لن يفترقا، فلا يفارقانه في مواطن القيامة و مشاهدها حتى يردا علي الحوض، فشكر صنيعه عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله حينئذ هو


بنفسه يكافئه، واللَّه تعالى يجازيه الجزاء الأوفي، و من أضاع الوصية و كفر النعمة فحكمه على العكس، و على هذا التأويل حَسُنَ موقع قوله صلى اللَّه عليه و آله: «فانظروا كيف تخلفوني فيهما»، أي تأملوا و تفكروا و اسعملوا الرويه في استخلافي إياكم، هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء».


هذا وقد اختص اللَّه تعالى أهل البيت بخصائص كثيرة، منها أن من كرامة أهل البيت عند اللَّه تعالى، أن جعل الصلاة عليهم- كما أشرنا آنفاً- مقرونة بالصلاة على جدهم العظيم، سيد الأولين و الآخرين، و أفضل الأنبياء و المرسلين صلى اللَّه عليه و آله في كل صلاة، و في كل تشهد، و منها أن اللَّه تعالى قد أمر- كما أوصى الرسول صلى اللَّه عليه و آله- بحب أهل البيت، لأنهم غصون هذه الدوحة المباركة، التي أصلها في الأرض، و فرعها في السماء، و التي اصطفاها اللَّه تعالى من بين خلقه، و اصطنعها على عينه، فبلغت أوج الكمال في الروح و الجسد، و في السر و العلن، و ذلك لأنها بضعة أشرف الخلق و أكرم الأنبياء، و يقول ابن كثير، و لا ننكر الوصاة بأهل البيت، و الأمر بالإحسان إليهم و احترامهم و إكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وجد على وجه الأرض، فخراً وحسباً و نسباً، و صدق سيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله إذ يقول- فيما يروي مسلم في صحيخه- «إن اللَّه اصطفي كنانة من ولد إسماعيل، و اصطفى قريشاً من كنانة، و اصطفى من قريش بني هاشم، و اصطفاني من بني هاشم».


ثم لأن مقام أهل البيت من مقام النبي صلى اللَّه عليه و آله، فهم في كل عصر و زمان خير الناس، و خيرهم بيوتاً، لأن اللَّه تعالى اختار نبيَّه من خير البيوت و أشرفها «اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته» هذا فضلاً عن أن حكمة اللَّه في خلقه، و رحمته بعباده، اقتضت أن تستمر بأهل البيت ذرية سيد المرسلين صلى اللَّه عليه و آله إلى يوم الدين، تشع بضيائها على العالمين، و ترشد بهدايتها الضالين، و من ثم فإن التاريخ لم يعرف أهل بيت أحبهم الناس من قوميات و مذاهب شتى، كأهل البيت، أحبوهم أحياء و أموات، فألف العلماء الكتب في منزلتهم عند اللَّه تعالى و عند الناس، و نظم الشعراء الدواوين و القصائد في مديحهم، وردد الخطباء فضائلهم على المنابر و في


المحافل، و ما من مسلم في شرق الارض و غربها يصلي للَّه، إلا و يذكر رسول اللَّه و آله بالصلاة و التسليم.


و بدهي أن هذه ليست كلها خصائص أهل البيت، فهناك غيرها الكثير، من ذلك أن أهل البيت، سلالة النبي صلى اللَّه عليه و آله إنما هم أهل الحسب و النسب، و الطهر و الشرف، لا يلوثهم رجس و لا ينالهم دنس، فلقد طهرهم اللَّه، فضلاً منه و كرماً، ثم دعا لهم جدهم المصطفى صلى اللَّه عليه و آله، و هو الذي لاينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحي، فقال صلى اللَّه عليه و آله: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا»، كما أنهم أهل البلاء و الاصطفاء، و جعل لهم في الغنائم حقاً معلوماً، و حرم عليهم الصدقة ، لأنها أوساخ الناس، و جعل الإمام الحجة منهم، و في الحديث «إن اللَّه يمن على أهل دينه في رأس كل مائة سنة برجل من أهل بيتي، يبيّن لهم أمور دينهم»، و من ثم فقد ذهب قوم إلى أن القطب في كل عصر، لابد و أن يكون من أهل البيت النبوي الشريف، و إن رأى أبوالعباس المرسي- كما نقل عنه تلميذه ابن عطاء- أن القطب قد يكون من غيرهم، ولكن قطب الأقطاب لا يكون إلا منهم، لأنهم أزكى الناس أصلاً، و أوفرهم فضلاً، كما أن المهدي المنتظر من آل البيت، قال صلى اللَّه عليه و آله: «المهدي منا، يختم الدين بنا، كما فتح بنا، و قال صلى اللَّه عليه و آله: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة».


بقيت الإشارة إلى أن هذا القسم الأول (أهل البيت) إنما كان مقدمة ضرورية لدراسة سير سادتنا آل النبي الطاهرين المطهرين: السيدة فاطمة الزهراء و الإمام علي بن أبي طالب، و الإمام الحسن بن علي، و الإمام الحسين بن علي.


السيدة فاطمة الزهراء- كجزء أول من هذه الأجزاء الأربعة



و أما القسم الثاني من هذا الدراسة، و الذي يحمل اسمها الأصلي «السيدة فاطمة الزهراء» فإنما يتحدث عن أم الذرية الطاهرة، فاطمة الزهراء، سيدة نساء أهل الجنة، بنت النبي صلى اللَّه عليه و آله، و زوج الإمام علي، و أم السبطين، عليهم السلام.


و قد ولدت الزهراء في بيت النبوة و الرسالة، و مهبط الوحي و التنزيل،


و هكذا تأدبت الزهراء بأدب أبيها النبي، الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، و من ثم فقد كانت سيدتنا فاطمة الزهراء، المثل الأعلى من الخلق الكريم، و الطبع السليم، و قد عنى بها سيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله عناية تامة، فكان يثقفها ثقافة إسلامية، و يروضها على الهدى النبوي، و الصراط المستقيم، و من ثم فقد نشأت الزهراء نشأة كانت المثل الأعلى من الكمال و الجلال، فهي إنما تمثل أشرف ما في المرأة من إنسانية و كرامة و عفة، و قداسة و رعاية، إلى ما كانت عليه من ذكاء و قاد، و فطنة حادة، و علم واسع، و كفاها فخراً أنها تربت في مدرسة النبوة، و تخرجت في معهد الرسالة، و تلقت عن أبيها الرسول الأمين صلى اللَّه عليه و آله ما تلقاه عن رب العالمين.


و من البدهي أن الزهراء تعلمت في دار أبويها، مالم تتعلمه طفله غيرها في مكه، بل و في الدنيا كلها، و صدقت أم المؤمنين أم سلمة، رضي اللَّه عنها، حيث تقول «تزوجني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و فّوض أمر ابنته إليّ، فكنت أؤدبها و أدلها، و كانت واللَّه آدب مني و أعرف بالأشياء كلها».


أوليست هي- يا أم المؤمنين- بضعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، أو ليست هي «أم أبيها» كما كان يسميها سيد المرسلين، أوليست هي التي اصطفهاها اللَّه لتكون التيار الذي يحمل نور النبي صلى اللَّه عليه و آله عبر أسلاك الزمن، و لتضاء البشرية بعد ذلك من هذا النور الفياض، و صدق الأستاذ العقاد حيث يقول:«في كل دين صورة للأنوثة الكاملة المقدسة، يتخشع بتقديسها المؤمنون، كأنما هي آية اللَّه فيما خلق من ذكر و أنثى، فإذا تقدست في المسيحية صورة مريم العذراء، ففي الإسلام، لاجرم، تتقدس صورت فاطمة البتول.


و كانت الزهراء، عليهاالسلام- فيما تروي كتب السيرة- أشبه الناس بأبيها سيد الأنبياء و المرسلين، و كانت السيدة خديجة، رضي اللَّه عنها، ترى في هذا الشبه بركة من بركات اللَّه عليها و علي آل البيت الكرام، و قد أخرج الترمذي بسنده عن عائشة أم المؤمنين قالت: «ما رأيت أحد أشبه سمتاً و دلا وهدياً برسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله في قيامها و قعودها، من فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، قالت: و كانت إذا دخلت على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله قام إليها فقبلها و أجلسها في مجلسه، و كان النبي صلى اللَّه عليه و آله إذا دخل عليها


قامت من مجلسها فقبلته و أجلسته في مجلسها».


هذا وقد اختص اللَّه- بمنه و كرمه- الزهراء من بين أخواتها بنات النبي صلى اللَّه عليه و آله بالدرجة الرفيعة التي رفعها إليها، فجعلها في مقام مريم ابنة عمران، حيث وصفها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله بأنها خير نساء العالمين، و اختصها أيضاً بأن جعلها وحدها- من دون أبناء النبي و بناته- هي التي كان منها سبطا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، الحسن و الحسين و منها كان نسل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و من ثم فقد كان للزهراء- بضعة النبي و سيدة آل البيت، و أم الأئمة، و سيدة نساء المؤمنين- كثيراً من الفضائل التي أنعم اللَّه بها عليها، إكراماً و تشريفاً لأبيها النبي الرسول، سيدنا و مولانا وجدنا محمد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و قد جاء بعض هذه الفضائل في كتاب اللَّه، و جاء بعضها الأخر في سنه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله.


ففي القرآن الكريم، تشارك الزهراء أهل البيت فيما نزل فيهم من آي الذكر الحكيم، كما في آيه المباهلة (آل عمران 61)، و آية التطهير (الأحزاب 33)، وآية مودة القربى (الشورى 23)، و آيات سورة الإنسان (7- 12)، و غيرها.


و أما الحديث الشريف فقد جاء عن الزهراء الكثير، و في هذا الكثير يعلمنا سيدنا و مولانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله مكانة الزهراء، عليهاالسلام، و من ذلك ما رواه البخاري و مسلم و أحمد و الترمذي و ابن حبان و السيوطي من أنها سيدة نساء أهل الجنة، و سيدة نساء المؤمنين، و ما رواه الإمام أحمد و أبويعلى و الطبراني و الحاكم و ابن عبد البر من أنها إحدى سيدات النساء أهل الجنة الأربع: مريم بنت عمران و فاطمة بنت رسول اللَّه و خديجة بنت خويلد و آسيه امرأة فرعون.


و يعلمنا سيدنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله أن الزهراء بضعة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، ففي صحيح البخاري يقول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد اغضبني»، و في صحيح مسلم «إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما أذاها»، و في روايه الترمذي «إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما أذاها، و ينصبني ما أنصبها»، و عن مجاهد قال: خرج النبي صلى اللَّه عليه و آله، و هو آخذ بيد فاطمة فقال: من عرف هذه فقد عرفها، و من لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، و هي بضعة مني، و روحي التي بين


جنبّي، فمن آذاها فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى اللَّه تعالى».


و روى ابن سعد في شرف النبوة عن علي، رضي اللَّه عنه، قال قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، يا فاطمة، إن اللَّه عزوجل يغضب لغضبك، و يرضى لرضاك، و روى أبونعيم في فضائل الصحابة، و ابن عساكر في تاريخه و أبويعلى في مسنده عن علي عن النبي صلى اللَّه عليه و آله أنه قال: يا فاطمة، إن اللَّه ليغضبك، و يرضى لرضاك.


هذا و لما أقسم أبولبابة، عندما ربط نفسه في المسجد (في غزوه بني قريظة) ألا يحله أحد إلا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و جاءت فاطمة لتحله فأبى، فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله: إنما فاطمة مضغة مني، فحلته، و يقول الإمام السهيلي في «الروض الأنف» بعد ذكر الحادث، فصلى اللَّه عليه و على فاطمة، فهذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر، و أن من صلى عليها، فقد صلى على أبيها، صلى اللَّه عليه و سلم.


و يعلمنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله أن الزهراء أحب الناس إليه، فلقد أخرج الطبراني عن علي أنه قال: «يا رسول اللَّه أينا أحب إليك، أنا أم فاطمة، قال صلى اللَّه عليه و آله: فاطمة أحب إلي منك، و أنت أعز علي منها»، و روى ابن عبد البر: سئلت عائشة، رضي اللَّه عنها، أي الناس كان أحب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، قالت: فاطمة، قيل فمن الرجال، قالت: زوجها، إذ كان ما علمته، صواماً قواماً» و من ثم فقد كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله- فيما يروى الحاكم- «إذا رجع من سفر أو غزاه، أتى المسجد فصلى ركعتين، ثم ثنى بفاطمة، ثم يأتي أزواجه»، و عن ابن عمر بسنده أنه قال «إن النبي صلى اللَّه عليه و آله كان إذا سافر كان آخر الناس عهدا به فاطمة، و إذا قدم من سفر كان أول الناس به عهدا فاطمة، رضي اللَّه تعالى عنها».


هذا و قد أكرم اللَّه الزهراء، بأن حفظ ذرية نبيّه صلى اللَّه عليه و آله في ذريتها، و أبقى عقبه في عقبها، فهي وحدها- دون بناته و بنيه- أم السلالة الطاهرة، و العترة الخيرة، و الصفوة المختارة من عباد اللَّه من أمته صلى اللَّه عليه و آله، و أعظم بها مفخرة، و هكذا كان من ذرية الزهراء، من أبناء الحسن و الحسين، جميع السادة الاشراف، ذرية رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله، و في الحديث يقول صلى اللَّه عليه و آله: «كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة، ما خلا


/ 17