أعلام الهدایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أعلام الهدایة - نسخه متنی

السید منذر حکیم

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


أعلام
الهداية

خاتم
الأنبياء محمد المصطفى (ص)

أهل
البيت في القرآن الكريم

(
إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل
البيت ويطهركم تطهيراً )

سورة
الأحزاب : 33

أهل
البيت في الُسنّة النبويّة

«إنّي
تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي
أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا
بعدي ابدا»

«
الصحاح والمسانيد ».

بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد
لله الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى، ثم
الصلاة والسلام على من اختارهم هداةً
لعباده، لا سيما خاتم الأنبياء وسيّد
الرسل والأصفياء أبو القاسم المصطفى
محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى آله
الميامين النجباء .

لقد
خلق الله الانسان وزوّده بعنصري العقل
والإرادة، فبالعقل يبصر ويكتشف الحقّ
ويميّزه عن الباطل ، وبالإرادة يختار
ما يراه صالحاً له ومحقّقاً لأغراضه
وأهدافه .

وقد
جعل الله العقل المميِّز حجةً له على
خلقه، وأعانه بما أفاض على العقول من
معين هدايته ; فإنّه هو الذي علّم
الإنسان ما لم يعلم، وأرشده إلى طريق
كماله اللائق به، وعرّفه الغاية التي
خلقه من أجلها، وجاء به إلى هذه الحياة
الدنيا من أجل تحقيقها .

وأوضح
القرآن الحكيم بنصوصه الصريحة معالم
الهداية الربّانية وآفاقها
ومستلزماتها وطرقها، كما بيّن لنا
عللها وأسبابها من جهة، وأسفر عن
ثمارها ونتائجها من جهة اُخرى .

قال
تعالى :

(
قُلْ إنّ هُدى الله هو الهُدى ) [
الانعام (6) : 71 ].

(
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم )
[ البقرة (2): 213 ].

(
والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل )
[ الاحزاب (33) : 4 ] .

(
ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط
مستقيم ) [ آل عمران (3) : 101 ] .

(
قل الله يهدي للحقّ أفمن يهدي إلى الحق
أحق أن يتَّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن
يُهدى فمالكم كيف تحكمون)[يونس (10) :
35] .

(
ويرى الذين اُوتوا العلم الذي اُنزل
اليك من ربّك هو الحقّ ويهدي إلى صراط
العزيز الحميد ) [ سبأ (34) : 6 ] .

(
ومن أضلّ ممن اتّبع هواه بغير هدىً من
الله ) [ القصص (28) :50 ] .

فالله
تعالى هو مصدر الهداية. وهدايته هي
الهداية الحقيقية، وهو الذي يأخذ بيد
الانسان إلى الصراط المستقيم وإلى
الحقّ القويم.

وهذه
الحقائق يؤيدها العلم ويدركها العلماء
ويخضعون لها بملء وجودهم.ولقد أودع
الله في فطرة الانسان النزوع إلى
الكمال والجمال ثمّ مَنّ عليه بإرشاده
إلى الكمال اللائق به، وأسبغ عليه نعمة
التعرّف على طريق الكمال، ومن هنا قال
تعالى : ( وما خلقتُ الجنَّ
والإنسَ إلاّ ليعبدونِ )[ الذاريات
(51): 56 ]. وحيث لا تتحقّق العبادة
الحقيقية من دون المعرفة، كانت
المعرفة والعبادة طريقاً منحصراً
وهدفاً وغايةً موصلةً إلى قمّة الكمال.

وبعد
أن زوّد الله الانسان بطاقتي الغضب
والشهوة ليحقّق له وقود الحركة نحو
الكمال; لم يؤمَن عليه من سيطرة الغضب
والشهوة; والهوى الناشئ منهما،
والملازم لهما فمن هنا احتاج الانسان ـ
بالإضافة إلى عقله وسائر أدوات
المعرفة ـ ما يضمن له سلامة البصيرة
والرؤية; كي تتمّ عليه الحجّة ، وتكمل
نعمة الهداية، وتتوفّر لديه كلّ
الأسباب التي تجعله يختار طريق الخير
والسعادة، أو طريق الشرّ والشقاء بملء
إرادته.

ومن
هنا اقتضت سُنّة الهداية الربّانية أن
يُسند عقل الانسان عن طريق الوحي
الإلهي، ومن خلال الهداة الذين
اختارهم الله لتولِّي مسؤولية هداية
العباد وذلك عن طريق توفير تفاصيل
المعرفة وإعطاء الارشادات اللازمة
لكلّ مرافق الحياة .

وقد
حمل الأنبياء وأوصياؤهم مشعل الهداية
الربّانية منذ فجر التاريخ وعلى مدى
العصور والقرون، ولم يترك الله عباده
مهملين دون حجة هادية وعلم مرشد ونور
مُضيء، كما أفصحت نصوص الوحي ـ مؤيّدةً
لدلائل العقل ـ بأنّ الأرض لا تخلو من
حجة لله على خلقه، لئلاّ يكون للناس
على الله حجّة، فالحجّة قبل الخلق ومع
الخلق وبعد الخلق، ولو لم يبق في الأرض
إلاّ اثنان لكان أحدهما الحجّة، وصرّح
القرآن ـ بشكل لا يقبل الريب ـ قائلاً : (إنّما
أنت منذر ولكلّ قوم هاد )[الرعد (13) :
7 ].

ويتولّى
أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم الهداة
المهديّون مهمّة الهداية بجميع
مراتبها، والتي تتلخّص في:

1
ـ تلقِّي الوحي بشكل كامل واستيعاب
الرسالة الإلهية بصورة دقيقة. وهذه
المرحلة تتطلّب الاستعداد التام
لتلقّي الرسالة، ومن هنا يكون
الاصطفاء الإلهي لرسله شأناً من
شؤونه، كما أفصح بذلك الذكر الحكيم
قائلاً : ( الله أعلم حيث
يجعل رسالته)[الانعام (6) : 124 ] و (
الله يجتبي من رسله من يشاء ) [ آل
عمران (3) : 179 ].

2
ـ إبلاغ الرسالة الإلهية الى البشرية
ولمن اُرسلوا إليه، ويتوّقف الإبلاغ
على الكفاءة التامّة التي تتمثّل في «الاستيعاب
والإحاطة اللازمة» بتفاصيل الرسالة
وأهدافها ومتطلّباتها، و «العصمة» عن
الخطأ والانحراف معاً، قال تعالى : (كان
الناسُ اُمّةً واحدةً فبعث الله
النبيِّين مبشّرين ومنذرين وأنزل معهم
الكتابَ بالحقّ ليحكم بين الناس فيما
اختلفوا فيه )[البقرة (2) : 213 ].

3
ـ تكوين اُمة مؤمنة بالرسالة الإلهية،
وإعدادها لدعم القيادة الهادية من أجل
تحقيق أهدافها وتطبيق قوانينها في
الحياة ، وقد صرّحت آيات الذكر الحكيم
بهذه المهمّة مستخدمةً عنواني التزكية
والتعليم، قال تعالى: (يزكّيهم
ويعلّمهم الكتابَ والحكمة ) [
الجمعة (62): 2 ] والتزكية هي التربية
باتجاه الكمال اللائق بالإنسان.
وتتطلّب التربية القدوة الصالحة التي
تتمتّع بكلّ عناصر الكمال، كما قال
تعالى : ( لقد كان لكم في
رسول الله اُسوة حسنة )[ الاحزاب (33)
: 21].

4
ـ صيانة الرسالة من الزيغ والتحريف
والضياع في الفترة المقرّرة لها، وهذه
المهمة أيضاً تتطلّب الكفاءة العلمية
والنفسية، والتي تسمّى بالعصمة.

5
ـ العمل لتحقيق أهداف الرسالة
المعنوية وتثبيت القيم الأخلاقية في
نفوس الأفراد وأركان المجتمعات
البشرية وذلك بتنفيذ الاُطروحة
الربّانية، وتطبيق قوانين الدين
الحنيف على المجتمع البشري من خلال
تأسيس كيان سياسيٍّ يتولّى إدارة شؤون
الاُمة على أساس الرسالة الربّانية
للبشرية، ويتطلّب التنفيذ قيادةً
حكيمةً، وشجاعةً فائقةً، وصموداً
كبيراً، ومعرفةً تامةً بالنفوس
وبطبقات المجتمع والتيارات الفكرية
والسياسية والاجتماعية وقوانين
الإدارة والتربية وسنن الحياة،
ونلخّصها في الكفاءة العلمية لإدارة
دولة عالمية دينية، هذا فضلاً عن
العصمة التي تعبّر عن الكفاءة النفسية
التي تصون القيادة الدينية من كلّ سلوك
منحرف أو عمل خاطى بإمكانه أن يؤثّر
تأثيراً سلبيّاً على مسيرة القيادة
وانقياد الاُمة لها بحيث يتنافى مع
أهداف الرسالة وأغراضها .

وقد
سلك الأنبياء السابقون وأوصياؤهم
المصطفون طريق الهداية الدامي،
واقتحموا سبيل التربية الشاقّ،
وتحمّلوا في سبيل أداء المهامّ
الرسالية كلّ صعب، وقدّموا في سبيل
تحقيق أهداف الرسالات الإلهية كلّ ما
يمكن أن يقدّمه الإنسان المتفاني في
مبدئه وعقيدته، ولم يتراجعوا لحظة،
ولم يتلكّأوا طرفة عين.

وقد
توّج الله جهودهم وجهادهم المستمرّ
على مدى العصور برسالة خاتم الأنبياء
محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله)
وحمّله الأمانة الكبرى ومسؤولية
الهداية بجميع مراتبها، طالباً منه
تحقيق أهدافها. وقد خطا الرسول الأعظم (صلى
الله عليه وآله) في هذا الطريق الوعر
خطوات مدهشة، وحقّق في أقصر فترة زمنية
أكبر نتاج ممكن في حساب الدعوات
التغييرية والرسالات الثورية ، وكانت
حصيلة جهاده وكدحه ليل نهار خلال عقدين
من الزمن ما يلي :

1
ـ تقديم رسالة كاملة للبشرية تحتوي على
عناصر الديمومة والبقاء .

2
ـ تزويدها بعناصر تصونها من الزيغ
والانحراف .

3
ـ تكوين اُمة مسلمة تؤمن بالإسلام
مبدأً، وبالرسول قائداً، وبالشريعة
قانوناً للحياة .

4
ـ تأسيس دولة إسلامية وكيان سياسيٍّ
يحمل لواء الإسلام ويطبّق شريعة
السماء .

5
ـ تقديم الوجه المشرق للقيادة
الربّانية الحكيمة المتمثّلة في
قيادته (صلى الله عليه وآله) .

ولتحقيق
أهداف الرسالة بشكل كامل كان من
الضروري :

أ
ـ أن تستمرّ القيادة الكفوءة في تطبيق
الرسالة وصيانتها من أيدي العابثين
الذين يتربّصون بها الدوائر .

ب
ـ أن تستمرّ عملية التربية الصحيحة
باستمرار الأجيال; على يد مربٍّ كفوء
علمياً ونفسياً حيث يكون قدوة حسنة في
الخلق والسلوك كالرسول(صلى الله عليه
وآله)، يستوعب الرسالة ويجسّدها في كل
حركاته وسكناته .

ومن
هنا كان التخطيط الإلهيّ يحتّم على
الرسول (صلى الله عليه وآله) إعداد
الصفوة من أهل بيته، والتصريح
بأسمائهم وأدوارهم; لتسلّم مقاليد
الحركة النبويّة العظيمة والهداية
الربّانية الخالدة بأمر من الله
سبحانه وصيانة للرسالة الإلهية التي
كتب الله لها الخلود من تحريف الجاهلين
وكيد الخائنين، وتربية للأجيال على
قيم ومفاهيم الشريعة المباركة التي
تولّوا تبيين معالمها وكشف أسرارها
وذخائرها على مرّ العصور، وحتى يرث
الله الأرض ومن عليها.

وتجلّى
هذا التخطيط الربّاني في ما نصّ عليه
الرسول(صلى الله عليه وآله) بقوله:

«إنّي
تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما
لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي، وإنّهما
لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» .

وكان
أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم خير
من عرّفهم النبي الأكرم(صلى الله عليه
وآله) بأمر من الله تعالى لقيادة
الاُمّة من بعده.

إنّ
سيرة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم
السلام) تمثّل المسيرة الواقعية
للاسلام بعد عصر الرسول (صلى الله عليه
وآله) ، ودراسة حياتهم بشكل مستوعب
تكشف لنا عن صورة مستوعبة لحركة
الاسلام الأصيل الذي أخذ يشقّ طريقه
إلى أعماق الاُمة بعد أن أخذت طاقتها
الحرارية تتضاءل بعد وفاة الرسول (صلى
الله عليه وآله)، فأخذ الأئمة
المعصومون (عليهم السلام) يعملون على
توعية الاُمة وتحريك طاقتها باتجاه
إيجاد وتصعيد الوعي الرساليِّ للشريعة
ولحركة الرسول (صلى الله عليه وآله)
وثورته المباركة، غير خارجين عن مسار
السنن الكونية التي تتحكّم في سلوك
القيادة والاُمة جمعاء .

وتبلورت
حياة الأئمّة الراشدين في استمرارهم
على نهج الرسول العظيم وانفتاح الاُمة
عليهم والتفاعل معهم كأعلام للهداية
ومصابيح لإنارة الدرب للسالكين
المؤمنين بقيادتهم، فكانوا هم
الأدلاّء على الله وعلى مرضاته،
والمستقرّين في أمر الله، والتامّين
في محبّته، والذائبين في الشوق اليه،
والسابقين إلى تسلّق قمم الكمال
الإنسانيّ المنشود .

وقد
حفلت حياتهم بأنواع الجهاد والصبر على
طاعة الله وتحمّل جفاء أهل الجفاء حتّى
ضربوا أعلى أمثلة الصمود لتنفيذ أحكام
الله تعالى، ثم اختاروا الشهادة مع
العزّ على الحياة مع الذلّ، حتى فازوا
بلقاء الله سبحانه بعد كفاح عظيم وجهاد
كبير .

ولا
يستطيع المؤرّخون والكتّاب أن يلمّوا
بجميع زوايا حياتهم العطرة ويدّعوا
دراستها بشكل كامل، ومن هنا فإنّ
محاولتنا هذه إنّما هي إعطاء قبسات من
حياتهم، ولقطات من سيرتهم وسلوكهم
ومواقفهم التي دوّنها المؤرّخون
واستطعنا اكتشافها من خلال مصادر
الدراسة والتحقيق، عسى الله أن ينفع
بها إنّه وليّ التوفيق .

إنّ
دراستنا لحركة أهل البيت (عليهم السلام)
الرسالية تبدء برسول الإسلام وخاتم
الأنبياء محمد بن عبدالله (صلى الله
عليه وآله) وتنتهي بخاتم الأوصياء،
محمد بن الحسن العسكري المهدي المنتظر
عجّل الله تعالى فرجه وأنار الأرض
بعدله.

ويختص
هذا الكتاب بدراسة حياة الرسول
المصطفى محمد بن عبدالله (صلى الله
عليه وآله) الذي جسّد الإسلام بكل
أبعاده، في جميع مرافق حياته: الفردية
والاجتماعية، وفي ظروف اجتماعية
وسياسية عصيبة فأرسى قواعد القيم
الإسلامية المُثلى في واقع الفكر
والعقيدة وفي اُفق الخلق والسلوك
وأصبح نبراساً ـ على مدى العصور ـ يشعّ
بالإيمان والطهر والبهاء للعالمين.

ولا
بدَّ لنا من تقديم الشكر الى كلّ
الاخوة الأعزّاء الذين بذلوا جهداً
وافراً وشاركوا في إنجاز هذا المشروع
المبارك وإخراجه إلى عالم النور، لا
سيما أعضاء لجنة التأليف بإشراف سماحة
السيد منذر الحكيم حفظه الله تعالى .

ولا
يسعنا إلاّ أن نبتهل الى الله تعالى
بالدعاء والشكر لتوفيقه على إنجاز هذه
الموسوعة المباركة فإنه حسبنا ونعم
النصير.

المجمع
العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)

الباب
الاول



المدخل:المنهج
القرآني في عرض ودراسة التأريخ
والسيرة



للقرآن
الكريم عناية فائقة بسيرة الانبياء
الهداة وله نهج خاص في عرض سيرتهم
صلوات الله عليهم أجمعين.

والمنهج
القرآني يقوم على مجموعة من الاُسس
والاصول العلمية في كيفية عرضه لسيرة
الهداة المصطفين.

إنّ
القرآن الكريم ينطلق من عنصر الهداية
وهو عنصر ترشيد حركة الانسان نحو
الكمال اللائق به فيختار أهدافاً
واقعيةً لمجموعة من الحوادث التاريخية
التي تشكّل منعطفاً مهمّاً في حياة
الأفراد والاُمم وتكون مفتاحاً للدخول
الى ابواب واسعة من العلوم والمعارف
التي تخدم حركة الانسان التكاملية.

والقرآن
الكريم يوظّف شتى الأدوات للوصول الى
تلك الأهداف المُثلى.

فهو
يخاطب العقل والعقلاء ويفتح أمام
الفكر الإنساني آفاقاً جيدة حيث يقول:

1
ـ (فاقصص القصص لعلّهم
يتفكّرون)
[1]
.

2
ـ (لقد كان في قصصهم عبرةٌ
لاُولي الألباب)
[2]
.

فـ
(التفكر) و (الاعتبار) في حوادث التأريخ
والسيرة (تاريخ الاُمم وسيرة القادة
الهُداة) يشكّلان هدفين أساسيّين في
المنهج القرآني في مجال للتاريخ.

ولا
تقتصر الأهداف على هذين بل تتعدّاهما
الى أهداف رسالية اُخرى تتجلى في قوله
تعالى:

(
ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي
بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة
لقوم يؤمنون)
[3]
.

وفي
قوله تعالى : (وكلاًّ نقصّ
عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك
وجاءك في هذه الحقّ وموعظة وذكرى
للمؤمنين)
[4]
.

حيث
تضمّنت كلّ آية أربعة أهداف رسالية
لاستعراض أنباء المرسلين والتحدّث عن
قصصهم.

ويعتمد
القرآن الكريم في منهجه التاريخي الذي
يتفرّد به على الاُصول التالية:

1
ـ الحق.

2
ـ العلم.

3
ـ المعاصرة للأحداث.

4
ـ الاحاطة بها.

فلا
يدع مجالاً للريب والافتراء فيما
يحدّث عنه ويقصّه ويستعرضه من ظواهر
تأريخية وحوادث اجتماعية سابقة أو
معاصرة للتنزيل. ما دام يعتمد الحق
والعلم دون الخرافة والخيال.

وقد
أكّد هذين الأصلين بقوله تعالى: (
إن هذا لهو القصص الحقّ ... )
[5]
وبقوله أيضاً في مطلع سورة الاعراف: (
فلنقصّنّ عليهم بعلم وما كنّا غائبين)
[6]
وفيه تصريح بعنصر المعاصرة للأحداث
التي يقوم بعرضها .

وللقرآن
الكريم بعد ذلك كله منهج علمي في
التحليل والاستنتاج الى جانب اعتماده
على الاستقراء تارة وعلى الاستدلال
تارة اُخرى.

وحين
يستعرض القرآن حياة الرسل بشكل عام
يذكر خطوطاً عريضة تجعلهم في صف واحد
وخندق واحد وخط واحد هو خط الاسلام
العام، كما قال تعالى : (إن
الدّين عند الله الاسلام)
[7]
.

ثم
إنه يغور في أعماق سيرة كل واحد من
اُولي العزم من الرسل ليحيط المتلقي
بأهم مفاصل سيرتهم وزواياها وليربط
بينها وبين ما سبقها وما يلحقها من
حوادث تتعلق بالخط الرسالي المستمر
باستمرار الحياة.

إنّ
من طبيعة البحث التاريخي أن تناله يد
التحريف وقد يغطيه الإبهام والغموض
وقد تستره سحب داكنة ريثما تتكشف
الحقيقة بالتدريج وينمو الانكشاف حتى
يبلغ حدّاً لا يستسيغ المجتمع
الانساني التغافل عنه وتجاوز الحقائق
فيه.

وتشير
الآية المباركة (111) من سورة يوسف الى
إمكان الافتراء والتلاعب بحقائق
التاريخ أو المبالغة والبحث عن غير علم
وسدل الستار على الحق الذي لابدّ أن
يظهر في ظرف ما.

ومن
هنا; كان على المدرسة القرآنية أن
تسلّح الباحث عن الحقيقة بسلاح موضوعي
قادر على اكتشاف الحقيقة بشكل كامل.

لقد
طرح القرآن الكريم نظرية الثوابت التي
لا يمكن للفكر الانساني أن يتجاوزها في
حال من الاحوال وسمّاها بالمحكمات
واُم الكتاب. وهي الحقائق الثابتة
والبينة للفكر الانساني، وهي لا تقبل
الريب أو الترديد أو التشكيك بحال من
الاحوال.

والثوابت
دائماً تشكّل الخطوط العريضة والمعالم
الاساسية للفكر الانساني الذي يستوعب
ما لا يستوعبه عالم المادة، ولكنه لا
يستسيغ أن يقف مكتوف اليدين أمام
المبهمات وما يختلف فيه أبناء آدم (عليه
السلام).

ويسوق
القرآن الكريم للقارئ الواعي موقفين
واُسلوبين من التعامل مع المبهمات أو
ما يختلف فيه بنو آدم، ويحاكم هذين
الاسلوبين ليخرج الى نتيجة بيّنة تصبح
معياراً وتقدم قاعدة عامة للتعامل مع
كل خبر يرد على الفكر الانساني.

ويعود
كل نوع من أنواع التعامل الى جذور
نفسية واضحة تنسحب على نوع التعامل
وتنعكس في اُسلوب المواجهة مع كل حديث
ينقل الى الانسان ويراد من الفكر
الانساني أن يتخذ منه الموقف المناسب
والجدير به.

قال
تعالى بعد أن أشار الى أن القرآن هو
الفرقان الذي نزله الله على رسوله
الامين:

(هو
الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات
محكمات هُنَّ أمّ الكتاب واُخر
متشابهات فأمّا الذين في قلوبهم زيغ
فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ
الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا
به كل من عند ربّنا وما يذّكّر إلاّ
اُولوا الالباب * ربّنا لا تزغ قلوبنا
بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة
إنّك أنت الوهاب)
[8]
.

إن
سلامة النفس من الزيغ تحول بين الانسان
وبين ابتغاء الفتنة. ومن هنا يتوقف
الانسان الذي يتحرّى الحقيقة عن
اتّباع المتشابه من الآيات، بل يُرجع
الأمر الى ربه.

فالعقل
يقف حائلاً بينه وبين أي تفسير غير
علمي أو غير مستند الى دليل صحيح
وحقائق ثابتة، بل العقل هو الذي يرشده
الى الركون الى المحكمات والالتزام
بأم الكتاب حيث يشكّل ذلك الاطار العام
والخطوط الثابتة التي لا يمكن تجاوزها
بحال من الاحوال، وحينئذ من الطبيعي أن
نلاحظ الآيات الاخرى في ظل هذه الثوابت
وهذه المعالم التي لا يمكن تجاوزها.

وهنا
تتفتح آفاق النفس لآفاق الفكر لتتأمل
فيما لا يكون صريحاً أو واضحاً في
بداية الامر، وبهذا سوف يضمن العاقل
الذى آمن بربّه عدم الزيغ وعدم التسرّع
في تفسير وتحليل ما يشاهده من الآيات
المتشابهة، بل يقف منها موقف اللبيب
الحكيم، وإن لم يفلح في اكتشاف الحقيقة
فإنه لا ينكرها ولا يستنكرها،
وإنّما يرجع الامر الى مصدره ويوكل
الامر الى ربه الذي نزّل الآيات هذه
ويستفهم منه ما يبتغيه، طالباً منه
استمرار الهداية ونزول الرحمة.

إنه
الموقف السليم الذي يمثل النضج
والتعامل المنطقي مع النصوص إذ لا
يتسرع العاقل في التوجيه والتحليل.

ومن
هنا: قد نفهم الوجه في قوله تعالى في
مطلع سورة هود: (الر* كتاب
اُحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)
[9]
فإن التفصيل إنما يكون بعد الإحكام
وبعد أن تتعين الآيات التي هي اُم
الكتاب، والتي تعدّ هي الاُسس والخطوط
الثابتة كما أفصحت بذلك الآية السابعة
من سورة آل عمران (منه آيات
محكمات هنّ اُمّ الكتاب)
[10]
.

والآية
(39) من سورة الرعد تلقي بظلالها على هذه
النقطة أيضاً إذ تقول: (يمحو
الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب)
فإن ما لا يتعرض للمحو والتغيير هو أم
الكتاب. وما دونه قد يتعرض للمحو
والتغيير تبعاً لاختلاف الظروف
والحالات والطوارىء.

وتكفي
هذه الآيات لرسم المنهج العام الذي
يسير عليه القرآن الكريم في تعامله مع
وقائع التاريخ، فإن الاختلاف في
التفاصيل لايسمح لنا بإنكار الأصل
والتغافل عنه وإدانة ما ثبت لدينا
وتحققنا من وجوده.

وفي
ضوء هذا يمكن تقويم كل ما ورد في كتب
السيرة النبوية أو التاريخ الاسلامي
أو تأريخ ما قبل الاسلام مما يرتبط
بالانبياء واُممهم ; فإنّ الثوابت
التأريخية هي محطّات الإشعاع وهي
المحكمات التي لايمكن تجاوزها بحال من
الاحوال واليها نحتكم في تفسير أو قبول
أو ردّ ما أثبتته كتب التأريخ من نصوص
تحتوي على الصحيح والخطأ .

إذن;
حقل التاريخ ـ وهو حقل اختلاط الحقائق
بالأباطيل ـ يتطلب منا استعمال أدوات
تسعفنا لكشف تمام الحقيقة الثابتة.

وثوابت
التاريخ ـ التي أيّدتها محكمات العقل
والنقل ـ هي المنطلق لأي تفسير أو
تأويل أو محاكمة أو إدانة.

وقد
طبّق القرآن الكريم هذا المنهج على
سيرة الأنبياء واُممهم بالذات حينما
رسم لنا صورة واضحة يشترك فيها كل
الأنبياء واعتبر النبوّة والاصطفاء
ناشئين من مواصفات أساسية في شخصية كل
نبيّ، أهّلته لأن يختاره الله نبيّاً
لِهداية الخلق على يديه، وهذه
المواصفات هي : اكتمال العقل والوعي
والصلاح والصبر والعبودية التامّة لله
القائمة على الوعي والبصيرة، قال
تعالى مخاطباً نبيّه: (قل
إنّي على بيّنة من ربي...)
[11]
، كما قاله له: (قل هذه
سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن
اتّبعني...)
[12]
.

هذا
هو المنطق القرآني الذي يمثّل الإحكام
والثبات... فكيف يبعث الله نبيّاً لا
يعي ولا يدرك أنه مبعوث أو مرسَل من ربه
ولا يطمئن الى ما يراه من آيات ربه إلاّ
أن يطمئنه الآخرون؟! فلا يعقل أن يُبعث
ويهيّأ للنبوة وهو لا يعلم أنه نبي
ومبعوث من الله الى الخلق، أو يتردد أو
يشك في مهمّته، فضلاً عن تصوّره أنه
يستلهم الحقيقة ممّن يراد منه هدايته.قال
تعالى مُشيراً الى هذه الحقيقة :

(
... أفمن يهدي الى الحق أحق أن يُتّبع
أمّن لا يهدّي إلاّ أن يُهدى فما لكم
كيف تحكمون)
[13]
.

إن
الصورة الواضحة التى يرسمها القرآن
الكريم عن شخصية أنبياء الله والتي
تؤيّدها محكمات العقل هي التي تصبح
موئلاً ومرجعاً محكماً وثابتاً
لمحاكمة كل صورة تسرّبت من التوراة
والانجيل أو جاءت فيما سمّي بالصحاح أو
عامّة كتب التاريخ التي وردت فيها بعض
القصص عن أنبياء الله، سواء كان ذلك
النبي هو إبراهيم(عليه السلام) أو موسى
(عليه السلام) أو عيسى(عليه السلام) أو
محمد (صلى الله عليه وآله)، وسواء كان
الناقل لهذه الصورة بعض اُمّهات
المؤمنين أو بعض الصحابة أو من يَمُتُّ
الى الرسول (صلى الله عليه وآله) بصلة
من قريب أو بعيد.



[1]

الاعراف (7) : 176.


[2]

يوسف (12) : 111 .


[3]

يوسف (12) : 111.


[4]

هود (11) : 120.


[5]

آل عمران (3) : 62.


[6]

الاعراف (7) : 7.


[7]

آل عمران (3):19 .


[8]

آل عمران (3) : 7 ـ 8 .


[9]

هود (11) : 1.


[10]

آل عمران (3) : 7 .


[11]

الانعام (6) : 57.


[12]

يوسف (12) : 108.


[13]
يونس (10): 35.

/ 26