عبادات بین المذاهب و الحکام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عبادات بین المذاهب و الحکام - نسخه متنی

صالح الوردانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


تمهيد:

الحديث عن العبادات يعنى الحديث عن الدين . فإن الدين بمجمل أحكامه وتعاليمه يقود إلى تحقيق العبودية لله بمفهومها الشامل الذى يحقق بدوره الاستقرار النفسى والاجتماعى للفرد والمجتمع .

ولقد درج الفقهاء على تقسيم الدين إلى عبادات ومعاملات وهذا التقسيم فى حد ذاته يضر بمفهوم العبادة فضلاً عن كونه يضر بالدين ويؤدى إلى تفتيت تصوره الثابت الذى يحقق فكرة العبودية ويرسخها فى نفوس المسلمين وفى ساحة الواقع ..

إن العلم والتفكير والجهاد والعمل الصالح والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والصلاة والزكاة والصيام والحج والذكر وسائر حدود الله إنما هى جوهر العبادة ومقوماتها ..

إن حصر العبادات فى حدود الصلاة والزكاة والصيام والحج إنما هو من عمل السياسة التى انحرفت بالعبادات عن حقيقتها واستثمرتها لصالح الحكام ..

ودور السياسة لم يقتصر على تحجيم دور العبادة فى واقع المجتمع وتشويهها بل امتد إلى تعطيل كثير من الأحكام والتعتيم عليها .

كذلك نتج عن تفريغ الصلاة والزكاة والصيام والحج من مضامينهم ـ وانعدام تأثيرهم بالتالى على الفرد والمجتمع ـ أن ساد الاعوجاج السلوكى والانحطاط الاجتماعى وأصبح الفقهاء فى مأزق بين الاعوجاج السلوكى والانحطاط الاجتماعى وكما عطلت الكثير من الأحكام والعبادات تحت ضغط السياسة عطلت عبادات أخرى تحت ضغط المذهبية ، ونتج عن هذا أن سقط المسلم ضحية هذا التناقض بين الفقهاء والسياسة والمذاهب وبين النصوص ..


إن العبادات هى صورة من صور التدريب الروحى الذى يحقق للمسلم التوازن النفسى ويحقق للواقع التوازن الاجتماعى. ولما فقدت العبادات مضمونها فقد المسلم والمجتمع هذا التوازن.

واستمرت العبادات على هذه الصورة يؤدى ما يؤدى منها بلا مضمون وبلا أثر نفسى أو اجتماعى أو سياسى .

وبدلاً من أن يتجه الفقهاء إلى إصلاح هذا الخلل ويعملوا على إعادة الصورة الشرعية للعبادات أنحو باللوم نحو الجماهير واعتبروها المتسبب فى هذا الخلل والسؤال الذى يطرح نفسه هنا هو :

أين الخلل .. ؟

ـ هل هو فى السياسة والحكام ؟

ـ هل هو فى الفقهاء والتراث ؟

ـ هل هو فى الجماهير والمجتمع ؟


سوف نحاول الإجابة على هذه الأسئلة من خلال هذا الكتاب ..

إن واقع المسلمين اليوم فى أمس الحاجة إلى أن تسترد العبادات دورها وتحيى مضمونها كى تسهم فى دفع الفرد والمجتمع الإسلامى إلى الأمام على طريق النهضة والتحضر ..

وإن مفهوم العبادة ليتجاوز ذلك الحد الضيق الذى وضعه الفقهاء وهو حد الصلاة والزكاة والصوم والحج إلا أننا سوف نركز فى هذا الكتاب على هذه الممارسات التعبدية الأربعة محاولين الوصول إلى صورتها الحقيقية بعيداً عن السياسة والمذهبية التى طمست صورتها وموهت على حقيقتها وأفقدتها مضمونها وتأثيرها على الفرد والمجتمع ..

صالح الوردانى

القاهرة


مقدمات

مفهوم العبادة ..

العبادة بين الدين والسياسة ..

المذاهب والعبادات ..


مفهوم العبادة :

العبادة تعنى الطاعة وهى مشتقة من العبودية وأصل العبودية الذل والخضوع. والعبادة غاية التذلل وهى حق لله سبحانـه وحـده ..(1)

وقد جاء فى القرآن الكريم ذكر العبادة لله فى ستة مواضع..(2)

وجاء فى سورة الذريات (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) آية 56 إن الهدف من خلق الإنسان هو أن يعبد الله وهذا يستوجب أن يكون المجتمع بكاملة يدور فى محيط العبودية محكوماً بنهج الله فإذا ما شذ الإنسان أو المجتمع عن هذا النهج فقد شذ عن العبودية ودخل فى دائرة التمرد والعصيان وأصبح فريسة سهلة للشك والضياع ذلك لكون العبودية هى الضابط لسلوك الفرد والمجتمع .

الخروج من دائرة العبودية يعنى انقطاع الصلة بين الإنسان وبين خالقة وانعزال المجتمع عن الله وهذا يفتح الباب لحزب الشيطان ليقود المجتمع ويدفع بالإنسان إلى الظلمات والانحطاط واتخاذ آلهة زائفة تفسد فطرته التى فطره الله عليها وتعبده للماديات وبالتالى تتعطل مسيرة النهوض الإنسانى والتقدم الحضارى ..

العبودية لله تعنى التزام الفرد والمجتمع بطاعة الله لا الفرد وحده دون المجتمع ، فإن الالتزام الحقيقى بالطاعة لابد وأن يكون له مردودة الاجتماعى على ساحة الواقع ليتحقق التوازن الاجتماعى وافتقاد هذا المردود يعنى افتقاد حقيقة العبودية .


ومن هذا المنطلق فإن العبادة ليست مجرد سلوك فردى يمارس فى عزلة عن المجتمع وإنما هى سلوك معنوى واجتماعى ..

سلوك سياسى ونفسى ..

سلوك حسى واقتصادى ..

وهذه هى الجوانب الأساسية للعبادة ..

وليست العبادة بتلك الصورة الساذجة التى تحاول تصويرها الروايات وباركها الفقهاء وسادت واقع المسلمين ..

لقد حاول الفقهاء استناداً إلى الروايات حصر العبادة وتحديدها فى الصلاة والزكاة والصوم والحج واعتبارها أركان الدين وعلى ضوء هذا المفهوم تم فصل العبادات عن المعاملات وتحول الدين إلى قسمين :


ـ عبادات ..

ـ ومعاملات ..(3)

إن جميع أحكام الدين وتعاليمه هى عبادات فهى جميعها تدخل فى دائرة الأوامر والتوجيهات الإلهية الواجب طاعتها وتنفيذها . وإن الإخلال بأى من هذه الأحكام والتعاليم هو إخلال بالعبودية لله سبحانه ..(4)

يقول سبحانه : (ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) ( يوسف / 40) ..

إن الانحراف عن عبادة الله يعنى الاتجاه إلى عبادة الإنسان وعبادة أصنام هى من صناعته ما أنزل الله بها من سلطان وهـذا يعنى افتقادها المشروعية التى تعود بالنفع على الإنسـان والمجتمـع ..

يقول سبحانه وتعالى : (ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) ( فاطر / 13 ) .


وما يؤكده هذا النص هو أن الاتجاه إلى غير الله مالك الملك يعنى الاتجاه إلى من لا يملك ومن لا ينفع وبالتالى فإن عبادته لن تنفع الفرد أو المجتمع بل تعود بالضرر والبوار على الفرد والمجتمع فى الدنيا والآخرة .

غاية العبادة هى نفع الإنسان ودفعه نحو التقدم والرقى فى ظل التوازن النفسى والاستقرار الاجتماعى الذين يتحققا من خلالها .

والله سبحانه لم يلزم الإنسان بعبادته إلا لنفعه مجتمعه فهو لا يضره العصيان كما لا تنفعه الطاعة تعالى عن ذلك ..

والشهادة أن لم تنعكس على المجتمع ..

والصلاة إن لم تنعكس على المجتمع فلا قيمة لها ..

والصلاة إن لم تثمر إيجابياً على ساحة المجتمع فهى فاقدة قيمتها ولا تقام على وجهها الصحيح ..

والزكاة إن لم تنفق فى مصارفها وتصل إلى مستحقيها فكأنها معطلة ، وكذلك الأمر بالنسبة للصوم والحج ..(5)


ولقد أدى غياب جوهر الإسلام وتشويه صورته والتعتيم على حقيقته تحت ضغط السياسة والروايات إلى فقدان العبادة لمضمونها

وتحولها إلى شعائر تقليدية لا اثر لها فى واقع الناس ..

يقول محمد باقر الصدر : لم تختص العبادة بأشكال معينة من الشعائر ولم تقتصر على الأعمال التى تجسد مظاهر التعظيم لله سبحانه وتعالى فقط ، كالركوع والسجود والذكر والدعـاء . بـل امتدت إلى كل قطاعات النشاط الإنسانى، فالجهاد عبادة وهو نشاط اجتماعى مالى أيضاً، والصيام عبادة وهو نظام غذائى، والوضوء والغسل عبادتان وهما لونان من تنظيف الجسد .

وهذا الشمول فى العبادة يعبر عن اتجاه عام فى التربية الإسلامية يستهدف أن يربط الإنسان فى كل أعماله ونشاطاته بالله تعالى ، ويحول كل ما يقوم به من جهد صالح إلى عبادة مهما كان حقله ونوعه .

ومن أجل إيجاد الأساس الثابت لهذا الاتجاه وزعت العبادات الثابتة على الحقول المختلفة للنشاط الإنسانى تمهيداً إلى تمرين الإنسان على أن يسبغ روح العبادة على كل نشاطاته الصالحة وروح المسجد على مكان عمله فى المزرعة أو المصنع أو المتجر أو المكتب ..

من هنا جاءت الشريعة ووزعت العبادات على مختلف حقول الحياة وحثت على الممارسة فى كل تصرف صالح وأفهمت الإنسان بأن الفارق بين المسجد الذى هو بيت الله وبين بيت الإنسان ليس بنوعية البناء أو الشعار، وإنما استحق المسجد أن يكون بيت الله لأنه الساحة التى يمارس عليها الإنسان عملاً يتجاوز فيه ذاته ويقصد به هدفاً أكبر من منطق المنافع الماديـة المحدودة وإن هذه الساحة ينبغى أن تمتد وتشمل كل مسرح الحياة .


وكل ساحة يعمل عليها الإنسان عملاً يتجاوز فيه ذاته ويقصد به ربه والناس أجمعين فهى تحمل روح المسجد ..(6)

وجاء فى الحديث : الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقييم الصلاة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان ..(7)

وجاء أيضاً : أن أعرابياً أتى النبى (ص) فقال : دُلنى على عمل إذا عملته دخلت الجنة ..؟

قال النبى (ص) : تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة . وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان .. (8)

ومن خلال هاتين الروايتين يتبين لنا أن العبادة بمفهومها الشامل هى أصل الإسلام وأن الصلاة والزكاة والصوم فروع لهذه العبادة تسهم فى ضبط حركة الفرد والمجتمع وفق هذه العبادة .

إلا إن هناك خلط قد وقع فيه الفقهاء بين الأصل والفروع كان نتيجة طغيان الفروع على الأصل وإهماله مما أدى إلى أن تفقد الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الشعائر مضمونها وتأثيرها على الفرد والمجتمع .


العبادة بين الدين والسياسة :

ومثلما طغت السياسة على الروايات وعلى صورة الإسلام طغت أيضاً على العبادات ، بل يمكن القول أن العبادة حظت بالنصيب الأكبر من تدخل السياسة وذلك لعظيم مكانتها وارتباطها بالسلوك اليومى لجماهير المسلمين ..

من هنا فقد أسهمت العبادة بصورتها الزائفة التى اخترعتها السياسة فى تخدير الجماهير ودفع الأمة إلى طريق الركود الفكرى والجمود الحركى لتصبح الرعية فى أحضان الحكام .

وقد بارك الفقهاء هذا الوضع وبرروه على أساس من الروايات التى توجب تقديس الحكام وطاعتهم ..(9)

وأفرغت الشهادتين من محتواهما وأصبحت مجرد كلمات لا أبعاد لها ولا مدلول. ولو كانت الشهادتين بهذه البساطة لما كانت تشكل عقبة أمام أهل مكة وقد ناصبوا الرسول (ص) العداء أكثر من عشر سنوات رافضين النطق بها ..

وكان نتيجة إفراغ الشهادتين من مضمونهما أن أفرغت الصلاة من محتواها وأصبحت مجرد شعيرة تؤدى لا أثر لها فى نفس الفرد ولا فى واقع المجتمع ، بل رفعها الحكام شعاراً لهم وشاركوا الجماهير فى إقامتها والمواظبة عليها .. (10)


وقام الحكام بدعم المساجد والإنفاق عليها والإكثار منها بهدف كسب تعاطف المسلمين وفقد المسجد دوره ورسالته فى واقع المسلمين لوقوعه تحت سيطرة الحكام الذين أصبحوا مؤسسية والمنفقين عليه .. (11)

وحظت صلاة الجمعة بتركيز الحكام الذين سعوا إلى فرض وصايتهم عليها ليصبحوا هم أئمة والجماعات يعتلون المنابر ويعظون الناس .. (12)

ومن بعد عصر الرسول (ص) أفرغت الجمعة من محتواها السياسى والاجتماعى وفقدت مضمونها وأبعادها واستمر هذا الحال حتى اليوم الذى فرضت فيه القوى الحاكمة نوع الإمام والخطيب وموضوع الخطبة الذى يخدم سياستها ..

ولقد عملت الروايات والحكام على تضخيم الصلاة كى تلفت الجهاد من الممكن أن تنعكس على الحكام وتهدد أمنهـم وسيادتهـم ..(13)

أما الزكاة فقد هيمن عليها الحكام واستولوا عليها وحالوا بينها وبين مستحقيها ومنذ ذلك الحين ساد الخلل الاجتماعى واقع المسلمين وكثر الفقراء والمساكين والغارمين وأبناء السبيل المستحقين لأموال الزكاة بشرع الله وقد حرموا من هذا الحق بفعل السياسة ..(14)

وجاء فى الحديث أن رسول الله (ص) قال : أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟

قالوا : الله ورسوله أعلم ..


قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمـس ..(15)

وكما عطلت فريضة الزكاة وتلاعب بها الحكام تم تعطيل فريضة الخمس أيضاً لأسباب سياسية حيث أن مال الخمس كما نص القرآن موجه إلى مصرف واحد بين المسلمين وهم ذوى القربى أى أقارب الرسول (ص) من بنى هاشم ..(16)

لقد عطلت فريضة الخمس بعد وفاة النبى على يد الخلفاء لأسباب قبلية ثم عطلت على يد بنى أمية وبنى العباس من بعدهم ولا زالت معطلة حتى اليوم لأسباب سياسية وهى أضعاف بنى هاشم الذين كانوا يشكلون القوة المناوئة للخلفاء والحكام من بعدهـم ..(17)

وإذا ما جاء الحديث عن الصوم فيمكن القول أن يد السياسة لم تطله حيث أنه فريضة ليست لها أبعاد سياسية أو اجتماعية وإنما هى عبادة خاصة إلا أن المذهبية قد طالتها وانحرفت بها على ما سوف نبين ..(18)

أما الحج فهو عبادة ذات أبعاد عالمية تهدف إلى توحيد المسلمين وتذويب الفوارق بينهم وتقوية أواصر المحبة عن طريق التعارف وبحث مشاكل المسلمين وهمومهم . فهو من ثم ذو أبعاد سياسية تتجاوز الحدود الأقليمية لمجتمعات المسلمين ولم يتنبه الحكام إلى خطورة تأدية هذه الفريضة على وجهها الصحيح إلا فى العصر الحديث وبالتحديد على يد الحكومات الوهابية التى حكمت جزيرة العرب وقامت بتحجيم هذه الفريضة وفرض الحصار على المسلمين المؤدين لها ..(19)


المذهبية والعبادات :

وقد أدى الصراع المذهبى إلى نشـوء فجـوة فـى التصـور

والتطبيق فيما يتعلق بالعبادات وجاءت السياسة والروايات لتزيد هذه الفجوة وتعمق هذا الخلاف الذى انعكس بصورة واضحة على العبادات فأدى إلى تعطيل بعضها وتحريم البعض الآخر ..

وعلى الرغم من أن هذه المذاهب أصبحت فى ذمة التاريخ. اليوم إلا أنها لا تزال تلقى بظلالها على قضية العبادات ويعود السبب المباشر لهذا إلى السياسة من جهة وحالة الركود الفكرى التى يعيشها واقع المسلمين من جهة أخرى ..

فمنذ أن تحالف آل سعود مع حركة محمد بن عبد الوهاب فى جزيرة العرب وتمنكوا من فرض هذه الدعوة على الجزيرة وهم يسعون إلى تعميم المذهب الوهابى الحنبلى فى واقع المسلمين وتمكنوا بواسطة النفط من اختراق المؤسسات الإسلامية واستقطاب رموز المسلمين وتياراتهم فى كل مكان ..(20)

والمذهب الوهابى الذى أصبح اليوم مذهـب معظـم التيـارات الإسلامية السائدة فى واقع المسلمين يحمل رؤية متشددة تجاه معظم قضايا الدين كما يحمل رؤية عدائية للمذاهب الأخرى المخالفة له..


وهذه الرؤية المتشددة إنما هى نابعة من تمسكة بالروايات واستناده إلى عقل الماضى وفقه السلف ، هذا فى الوقت الذى تتحلى فيه المذاهب الأخرى بقدر من المرونة واليسر تجاه مختلف القضايا ..

إلا أن هذه المذاهب جميعاً قد باركت السياسة والحكام فى مواقفهم تجاه تعطيل حكم الخمس وتوجيهه ليخدم مصالحهم ، كما باركت موقفهم فى تحريم زواج المتعة وفى توجيه فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر نحو الجماهير ..

وباركت مواقفهم أيضاً فى تغيير عدد من الشعائر فيما يتعلـق بالصلاة والزكاة والصوم والحج على ما سوف نبين ..

ولا يزال الأزهر الذى يعد من أكبر المؤسسات الإسلامية فى واقع المسلمين يتسلح بالمذهبية ويصبغ بها مواقفة واطروحاته ..

ولقد أدى تطبع العبادات بالطابع المذهبى إلى أن تتجاوز النصوص وتصبح عبادة مذهبية لا شرعية ..

إن المذاهب إنما قامت وسادت بفعل السياسة لا بفعل الفقة والفقية ولم يكن الفقية يملك القدرة على أن يسود الآفاق كما أن فقهه لم يكن يشكل جاذبية كبيرة للمسلمين فى عصور كانت تتنازعها أطروحات وتيارات وملل ونحل ومذاهب منافسة ..(21)


ولقد ادى الموقف العدائى للمذاهب تجاه الشيعة وعدم الاعتراف بها كمذهب إسلامى إلى الانحراف عن كثير من النصوص والتعتيم عليها وتأويلها كى تفوت الفرصة على الشيعة للاعتماد على هذه النصوص واستخدامها فى دعم رؤيتها تجاه قضية العبادات ..(22)

وكان من تبعات هذا الموقف أن وقعت المذاهب فى مأزق فقهى فتح ثغرات فى أطروحاتها وأضعفها فى مواجهة الشيعة التى استثمرت هذا الموقف لصالحها وشككت فى أطروحات المذاهب الأخرى ..(23)

ونشأ من خلال ذلك صراع زكته القوى الحاكمة وخلق فقهاً مذهبياً تجاوز حدود النصوص وأصبح طابع فقه المذاهب السائدة فى ظل هذه القوى واستمر فى التداول بين الفقهاء حتى عصرنا الحالى ..

/ 13