لماذا هذا الكتاب - منهج فی الإنتماء المذهبی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهج فی الإنتماء المذهبی - نسخه متنی

صائب عبدالحمید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دعاء..

إلى الحبيب المصطفى وآله الكرام

أتم صلاة وأطيب سلام..

وإلى أمي، وأبي

(رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)

وإلى من علمني بالحق حرفا

رب آته أحسن الجزاء ضعفا..

وإلى كل أخ جمعته معي ذكريات خاطبتها في هذا الكتاب..

(رب اغفر لي ولأخي

وأدخلنا في رحمتك

وأنت أرحم الراحمين).

بسم الله الرحمن الرحيم


هذه الطبعة

الحمد لله حق حمده..

والصلاة والسلام على النبي المصطفى وآله

والتحية والرضوان على صحبه الأخيار والتابعين بإحسان..

وبعد..

فاليوم إذ أقدم لهذه الطبعة - ولعلها تكون الخامسة - بعد علمي بصدور أربع طبعات
في ثلاثة بلدان إسلامية في نحو (15000) نسخة صدرت جميعها في سنة 1413 هـ / 1992 -
1993 م.

أوكد بعد الحمد لله بما هو أهله: أني حرصت على المحافظة على هذا الكتاب في صورته
الأولى كما كنت أعيشها وأتفاعل معها أيام تدوينها، لذا تجنبت الإضافة والتغيير إلا في نطاق
ضيق جدا كان لا بد منه، وقد تضمن:

أ - تصحيح ما وقفت عليه من أخطاء طباعية وهفوات لغوية وهي قليلة جدا والحمد لله.

ب - استدراك موجز على حديث واحد فقط، وقع الاستدراك في صفحة 72 و 74.

ج - تعديل شمل موضعين فقط.

والله ولي التوفيق.

لماذا هذا الكتاب

ليس هو كتابا مذهبيا يراد منه تعميق الخلاف بين المسلمين. فما أحوجنا اليوم إلى كلمة
تلم شملنا، وتؤلف بين قلوبنا، وما أحرانا باجتياز الحواجز التي ركزت بيننا.

ثم ما أشوقنا إلى لغة الحوار السليم التي تعيننا على ذلك، إذن لبلغنا المنى ولاستوت
مراكبنا، واجتمعت كلمتنا على ما تركه لنا نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فلا نضل
بعده، ولا نفترق، أو نسلك سبلا شتى..

وإذا كانت هناك أسباب ودواع لما حصل بيننا من خلاف، فما أجمل أن نقف عليها بكل
حياد، وتعقل مدركين أن المهم في الأمر هو ظهور النهج الإسلامي الأصيل الحنيف، وليس
غلبة هذا الاتجاه، أو ذاك.. وأن اتفاقنا على الحق الصريح هو الذي سيضمن اجتماعنا.

وأما تعصب كل منا إلى فرقته - ليس إلا لأنه ورثها عن آبائه. ونشأ عليها، وتشربت
بها عروقه - فلا يزيدنا إلا تباعدا عن بعضنا، وابتعادا عن المحجة البيضاء. والشريعة
المحمدية السمحاء.

وهذا الكتاب هو تجربة شخصية على هذا الطريق.

تجربة فيها كل ما في التجارب الكبيرة من مشاكل وصعوبات، وفيها ما في أخواتها
عند ما تكلل بالنجاح.

وقد لا تكون التجارب في ميدان العقيدة عزيزة، فربما خاضها الكثيرون من أبناء كل

جيل، ولكن انتصار اليقين والحق المجرد على العاطفة هو العزيز في تلك التجارب.

ولست من الذين يرون أن هزيمة اليقين أمام العاطفة هو من أثر العصبية وحدها، فربما
يكون ذلك ولكن ربما تكون هذه العاطفة وفاء للذكريات الجميلة التي لا يشك صاحبها في
صفائها، وربما يجتمع الأمران معا.

والوفاء لذاته ممدوح، بعكس العصبية..

فكثيرا ما يقف المرء على حقيقة كان يعتقد بخلافها، ولكن لعقيدته هذه في قلبه قدسية
أحيانا، فينبعث عن هذه القدسية سؤال يقول: أحقا أن هذا المفهوم الذي عشت أقدسه لا أصل
له، وأن الصواب في المفهوم الآخر الذي يأباه قلبي وتنفر منه نفسي؟!

هذه هي العصبية، وكم صدت فحولا عن مواصلة الطريق نحو الحقيقة الثابتة..

إن العصبية تمنح كثيرا من المفاهيم هالة قدسية، لكنها سراب لا حقيقة لها.. وأصعب
شئ على من يقدس أمرا أن يقال له: إن الذي تقدسه سراب!!

وثمة نوع آخر من العاطفة يشد المرء إلى الوراء..

إنه الوفاء للذكريات.. فلم لا وقد أمضى أيام شبابه وهو في ذروة الحماس الديني، مع
ثلة من إخوانه المؤمنين، تزدان مجالسهم بالذكر والبحث الصادق النقي الذي لا تشوبه شائبة
من رياء أو مكابرة؟

إنه ليعشق تلك الذكريات عشقا لا تتخلله سهام الطعن، فإذا ما واجهته الحقيقة بغير
ما كان يرى ثار شوقه إلى تلك الذكريات وتأجج عشقه لها، فينبعث من بين الشوق والعشق
سؤال يمض الفؤاد: أحقا كانت مجالسنا تلك قد تخللها شئ من الأوهام؟!

إنه لا يريد أن يشك في ذلك الماضي الجميل!!

وهذا هو الوفاء للذكريات..

ولقد كنت للعصبية عدوا حيثما واجهتني، غلبتها أو غلبتني، أما الذكريات فقد آخيتها
وأحسنت صحبتها حتى النهاية، وقد جعلتها في فقرات من هذا الكتاب بمثابة صديق لي
أحاوره فيستجيب لي ولو همسا.

وقد أعانني على ذلك كونها ذكريات واضحة لم تختلط في ذهني.. وكونها زاخرة

بعلامات استفهام كانت تثيرها العقول في ساعات انطلاقاتها، فتخترق بحريتها أسوار
القداسة، ثم تترك السؤال حائرا، وقلما وجدت له جوابا مقنعا وشافيا..

ورأيت أثناء رحلتي أن الوفاء للذكريات لا ينبغي أن يكون عاطفيا، فربما ينعكس أثره
فلا يكون عندئذ وفاء.. وإنما المطلوب من الوفاء أن يكون وفاء علميا إن صح التعبير.

من هنا وجدت لزاما علي أن أسجل تجربتي بكل أمانة، لتكون بين الأيدي تجربة
جاهزة تختزل الكثير من عناء هذا الطريق الطويل، وتقدم حلولا للكثير من تلك الأسئلة
الحائرة..

فوضعت هذا الكتاب..

قد حاولت أن أحفظ فيه أشواط رحلتي مرتبة كما كانت في الواقع، بعيدا عن
التكلف..

إثارات أولية، ثم عودة إلى نقاط البدء، فحوار بين حقيقة تهدي إليها الإثارة وموقف
مسبق إزاء هذه الحقيقة.. وقد اتخذ هذا الحوار ثلاثة أشكال:

- حوار مع قطب من الأقطاب الذين تبنوا ذلك الموقف ودافعوا عنه، وقد قدمت لهذا
دائما بذكر اسم الرجل وكتابه.

- حوار مع الذكريات، فإذا حاورتها سميتها (صديقي)، أو تكلمت بضمير الخطاب.

- حوار مع حدث ثابت من الأحداث، أو مفهوم من المفاهيم.

فتكشف عن كل ذلك أن ثم نسيجا غليظا نسجه التاريخ حول كثير من الحقائق، وهالة
مصطنعة أضفاها على كثير من الرجال والمفاهيم، وليس لذلك أساس في الدين ولا واقع في
التاريخ.

ووضعت ذلك في فصول اكتفيت فيها بالقليل من شواهد التاريخ، وأغضيت عن كثير
منها خشية الإطالة مرة، ولكراهة الغوص في أغوار بعض الأحداث المؤلمة أكثر من القدر
الكافي مرة أخرى.

وقد قدمت له بمقدمتين:

الأولى: حول طبيعة الانتماء المذهبي، وأثره في قضية الوحدة بين المسلمين.

والثانية: إشارة موجزة إلى بداية قصتي في هذه الرحلة.

وهناك ركائز منهجية اعتمدناها تجدر الإشارة إلى بعضها، فمنها:

1 - تجنب النقل بالواسطة، والاقتصار على ما نقف عليه مباشرة ما تيسر ذلك.

2 - التحقيق في أسانيد الأحاديث المنتخبة، أو اعتماد حكم أرباب هذا الفن فيها. وقد
ذكرنا نبذا من ذلك في مواضع الضرورة فقط، وأعرضنا عما سواها تجنبا للإطالة.

3 - لملاحظة اختلاف النسخ المتعددة للمصدر الواحد، ذكرنا تعريفا بالنسخة المعتمدة
في فهرس المصادر.

4 - ألحقنا بالكتاب فهارس مفصلة تيسيرا للحصول على المطالب، وقد تضمنت:

الآيات، والأحاديث، والأعلام، والأشعار، والمصادر، ومحتوى الكتاب.

والله ولي التوفيق.

صائب عبد الحميد

الانتماء المذهبي بين الواقع والمسؤولية

لماذا هذا التجافي بين أبناء المذاهب الإسلامية؟

هل انتخب كل منا مذهبه عن وعي وإدراك، وبعد الدرس والتحقيق؟

أم كيف حصل هذا الانتماء؟

بين هذين السؤالين تدور أشياء كثيرة، منها ما هو بديهي، ومنها ما يتطلب
بعض العمليات العقلية، وما لم نمتلك الروح الموضوعية في مواجهة القضايا،
فسوف تغيب عنا حتى تلك الأمور البديهية.

ولا بد أن نعترف مقدما بأن هذه الموضوعية ستكون أمرا صعبا للغاية
عندما نواجه قضايا تتعلق بالعقائد والتقاليد والموروثات التي تشبعت بها العروق،
وألفتها النفوس.

وسوف تكون أشد وأصعب عندما يدور الحديث بين تلك العقائد
والموروثات من جهة، وبين ما يقابلها لدى الآخرين من جهة أخرى،
فالإنحياز الفوري نحو المألوف هو النتيجة المتوقعة دائما، بينما يبقى الموقف
الموضوعي أمرا نادر الحصول.

كيف نشأ هذا الموقف الإنحيازي؟

وما هو نصيبه من الصحة؟

وما هو أثره في الوجود الاجتماعي لهذه الأمة؟

وكيف ينبغي أن نواجهه؟

سنطرق هذه المواضيع من جوانبها النفسية، بدلا من عواملها
التاريخية..

- أذكر يوما أني قد أديت خدمة ما إلى مجموعة من الناس، فيهم السني
وفيهم الشيعي، فأراد بعضهم أن يشكر لي جهدي، فقبلني بحرارة، وقال - معبرا
عن امتنانه الكبير -: سأدعو لك عند ضريح أمير المؤمنين، وأبي عبد الله الحسين
وتلاه آخر، فقبلني بلهفة، وهو يقول: سأدعو لك عند الشيخ عبد القادر
الكيلاني، وأبي حنيفة.

لا أشك أن كلا منهما قد كشف عن المعاني التي يقدسها، في لحظات كانت
تهيج فيها مشاعره، وتنطق براءته بلا أي تكلف، فهي عبارات تعبر عن شعور
بالقرب من المعاني التي تعيش في أعماقه إن لم نقل بالاتحاد النفسي معها
والسؤال الذي برز إلى ذهني حينها، هو: من أي شئ حصلت هذه
الفوارق في الارتباطات النفسية؟

إنه لا ينبغي أن يثيرنا سؤال واحد يجب أن نضعه أمام أنفسنا لأجل
البحث عن سر اختلافنا، وهذا التجافي الحاصل بيننا. ولعلنا سوف نمسك
بطرف من أطراف الاتفاق، ونقترب خطوة نحو الموضوعية لو ابتدأنا من هذه
الملاحظة البسيطة:

فلو أنك سألت شابا ولد في مدينة (النجف) فقلت له: هل ستكون
شيعيا لو حصل أنك ولدت في (حلب) من أبوين سنيين؟

وهكذا لو سألت الحلبي، هل ترى أنك ستكون سنيا بهذه الطريقة، لو
أنك ولدت في (النجف)، في أسرة شيعية؟

هنا سوف لا يختلف منا اثنان حول الجواب الذي سنسمعه، بل يمكننا
أن نضع الجواب مقدما، متفقين على أنه من المسلمات التي لا خلاف فيها.

وهذه الملاحظة وحدها تكفي لأن تضعنا أمام الحقيقة كلها، وتكفي لأن
تبعث فينا الاستغراب لهذا التجافي والتنافر الحاصل بيننا، كما تسمح لنا هذه
الملاحظة أيضا أن نطرح مزيدا من الأسئلة اللازمة، لنقترب أكثر نحو
الموضوعية كلما استطعنا أن نزيح شيئا من دواعي الانحياز الوهمية المتراكمة
فينا.

ولنبدأ بالسؤال حول الانحياز نفسه، والعصبية ذاتها:

فهل سيرضى أحدنا لو وجد آخر يتعصب ضده من غير دواع
حقيقية، وبدون أن يتعرف على حقيقة مواقفه وآرائه؟

فإذا كان الجواب بالنفي بديهيا لدى هذا الشخص، فماذا نتوقع أن
يكون موقف أشخاص محايدين، نفترض أنهم يراقبون هذا المشهد قطعا إنهم
سيؤاخذون المتعصب على تعصبه.

إذن، فعند الجميع كان التعصب لذاته شيئا ممقوتا.

أفلا يكون من التناقض إذن أن نحمل بين جوانحنا أشياء نمقتها لدى
الآخرين، ونمقتها بالأصل؟!

فلماذا لا نكون إذن على مستوى تقبل الطرح العلمي والموضوعي الذي
يتناول شيئا من مواقفنا تجاه الأشياء والقضايا المبدئية، وتجاه بعضنا؟

وماذا في الأمر؟ فما دام الطرح موضوعيا وعلميا، فإنه سيثبتنا على
ما نحن عليه، إن وافقنا الأصل والصواب، أو أنه سيرشدنا إلى ما هو أحق
وأهدى، إن لم نكن قد وافقناه.

ألسنا جميعا من دعاة الحق، وطلابه؟

ولكن السر كله يمكن ها هنا، فثمة حقيقة نستطيع أن نطلق عليها:

(الخوف من الهزيمة) أمام الطرف المقابل، تراودنا جميعا، وهذه حقيقة لا يمكن
لنا أن نوافق الصواب إن تنكرنا لها. وقد تتجلى هذه الظاهرة في الملاحظات
التالية:

- أفلا ترون أننا لو صدمتنا الحقيقة بشئ يخالف ما ألفناه واعتقدناه،
لظهرت ردود الفعل فينا - فورا - على هيئة غضب وثورة، ثم أحكام تلقى جزافا،
وربما أعقبتها سخرية، ثم يسدل الستار على الموضوع، حتى لو عاد يواجهنا
ثانية لما أحدث فينا أثرا يذكر، ولأصبح كأية مسألة لا تستحق العناية، أو
الالتفات!

وبهذه الطريقة يدفعنا اللاشعور للتسلح بالمناعة الكافية ضد أي مفهوم
يخالف المألوف، ولو كان أكثر منه ثباتا، وأقوى حجة.

وهذه ظاهرة عامة في بني الإنسان، إلا من تحرر منها بالوعي والمعرفة،
وتلك شجاعة ما أعزها!

- وترانا أيضا، حين نواجه الأمر معكوسا نقف منه الموقف المناسب! فلو
عرض علينا مذهبنا مفهوما أو اعتقادا لا يستقيم مع الفطرة السليمة، والعقل
المستقيم، والبيان الشرعي، فإن رد الفعل هذه المرة سيأتي على هيئة تنازل
تلقائي عما نرتضيه حقيقة، لنخضع - بأي مستوى من مستويات الخضوع -
لمعان تأباها عقولنا، وتنفر منها فطرتنا، ولكننا ورثناها!

ولو خشينا من أن هذه المعاني الجديدة قد تستولي علينا، فإننا نلجأ -
من حيث ندري، أو لا ندري - إلى غض النظر عنها، مؤثرين السكوت،
والوقوف عند أي مستوى يمكننا أن نخضع له، مستبعدين إمكان المناقشة
والحوار
فما الذي يدفعنا إلى كل هذا؟ إنه (الخوف من الهزيمة)!

ذلك الشبح الذي يراود كل من يواجه مثل هذا الموضوع، حيث يرغب،

بل يندفع من الداخل لأن يكون متفوقا، ويهرب من أي نوع من أنواع
التراجع، حتى لو كان تراجعا أمام الحق، وأمام الحكم الشرعي
وهو لأجل إرضاء هذه الرغبة، يطرح في المقابل آراء وحججا ليقتنع بها
ويجعلها في النهاية سدا منيعا دون الدخول في أية محاولة للمناقشة الجادة،
والحوار والمتابعة.

وعندما تكون تلك الهواجس متفوقة لديه جدا، فإنه سيكتسب قناعات
شديدة بكل ما من شأنه قطع السبيل إلى ميادين التفكير الحر، ويجعل أي شئ
من هذا القبيل بمثابة الأمر المحرم، الذي يجب إنكاره كليا.

ثم كيف نفسر وجود هذه العقد النفسية المتراكمة فينا تراكما جعل أحدنا
يرى أن مجرد اقترابه من الآخر يعد مستوى من مستويات الهزيمة، أو الضعف
العقائدي، أو أنه مجاملة على حساب المبادئ!

ومن منا ينكر ظاهرة الانكماش النفسي المفاجئ، والنفور غير الإرادي
التي فرضت نفسها حتى على الكثير ممن جاء ليعالج هذا الداء العضال،
ويرسم حدود هذه المشكلة المستعصية في الأمة؟

فحتى الكثير من هؤلاء ينزلق من حيث لا يشعر، فيمارس مرة أخرى
تجسيد تلك الروحية، وتعميق تلك الحواجز النفسية التي سيكون لها هنا آثار
أكثر سلبية حتى من تلك البحوث التي تكرس أصلا لتعميق الخلاف، وإحياء
الروح الطائفية، وذلك لأنها ستوحي للقارئ بأن هذه الظاهرة هي بمستوى
الحقيقة التي تأصلت في النفوس، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من عقائدنا وعواطفنا،
وعند هذا يصبح مجرد مناقشتها أمرا مخالفا للطبع، وليس له موضع بيننا على
الاطلاق.

ومن أبرز الأمثلة على هذا النمط، ما نجده عند بعض من كتب في
الدفاع عن الوحدة الإسلامية، متحمسا ضد الطائفية ومروجيها، ثم إذا أراد

أن يستشهد بمثال، أو يأتي بمصاديق على دعواه، مال على الجانب الآخر،
مسجلا نماذج من حملات بعض رجالهم ضد المذهب الذي ينتمي إليه هو، فكأنه
يريد أن يقول: إن أولئك هم أساس هذه النزاعات، وهم الذين يؤججون نار
الفتنة بين المسلمين، ولم يكن أصحابه هو إلا مدافعين عن مذهبهم المستهدف!

وهكذا يمارس دوره من جديد في إثارة النزاع بما يثيره من ردود فعل
سلبية لدى الأطراف الأخرى، فيضيف حلقة أخرى إلى مسلسل النزاعات!

بينما كان الأجدر به - حين يلجأ إلى مثل هذا الاستشهاد - أن ينتخب
نموذجا من حملات أصحابه هو ضد المذاهب الأخرى، فيردها، ويبعدها عن
ساحة القبول، وبهذا يكون قد أعطى نموذجا صادقا ورائعا في هذا المضمار،
وقدم مثالا لروحية عالية تترفع على الأهواء والعصبيات، وتميل بصدق لتحقيق
التآلف بين أبناء هذه الأمة الواحدة.

ذلك بحق إنسان في القمة، وما أحوجنا إليه في كل مكان وزمان.

إن تلك الروحية العالية وحدها هي التي تحقق أثرا إيجابيا يرجى أن يؤتي
ثماره على طريق التقارب والتفاهم والحوار العقلاني الواعي، الذي سيزيدنا قوة
ويوفر بيننا مستوى من الانسجام والاتحاد لا يقل عن درجة الاحساس
الصادق بالارتباط المصيري، والاتحاد العقيدي. وسيعيننا هذا الفهم، بل
سيدفعنا إلى التعرف على بعضنا من جديد، بروح أخوية نزيهة، ويزودنا برغبة
صادقة في البحث عن الحقائق الناصعة المبرأة من كل ما تراكم من غبار زمن
طويل، ملئ بالنزاعات والتخاصم، وتبادل التهم والشتائم و...

وبمثل هذه الصيغة يمكننا أن نتوصل إلى جذور تلك الحواجز النفسية،
وخلفيات هذا التشنج، وتلك العصبيات المقيتة.

فلقد بلغت بنا تلك العصبيات حدا بالغ الخطورة، حتى صار تعصبنا لأي
شئ ألفناه هو أشد ألف مرة من استعدادنا للتمسك بالحكم الشرعي الثابت.

/ 305