الفصـل الاَول - عقائد الإسلامیة جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عقائد الإسلامیة - جلد 3

علی الکورانی؛ مصحح: السید علی السیستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید






مقـدمــة





بســـم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيدنا ونبينا محمد
وآله الطيبين الطاهرين



وبعد، فهذا هو المجلد الثالث من كتاب العقائد الاِسلامية
وقد اشتمل على أكثر مسائل الشفاعة، وعددٍ من البحوث النافعة فيها.



ونظراً لاَهمية مسائل الشفاعة، فقد حاولنا استقصاء الآراء فيها، وتعرضنا أحياناً لآراء غير المسلمين.



وسوف ترى أن هذه العقيدة الربانية من أكبر النعم الالهية السابغة على
العباد، وتلاحظ ما تعرضت له من تحريفات كبيرة بعد الاَنبياء عليهم السلام
خدمةً لاَغراضٍ سياسية وثقافية، بعيدةٍ عن الدين الالَهي ! !



وقد ساعد على ذلك أنها من عقائد الغيب والآخرة غير المنظورة،
التي يسهل على المحرفين التحريف فيها، ويصعب كشف عملهم.



نسأله تعالى أن يجعلنا من المشمولين بشفاعة سيد المرسلين
وآله الطيبين الطاهرين،
وأن يصلي عليهم أجمعين.



مركز المصطفى للدراسات الاِسلامية



علي الكوراني العاملي










الباب الثالث



في مسائـل الشفاعـة











الفصـل الاَول



تعريف الشفاعة وتاريخها



موقع الشفاعة من الرحمة الاِلَهية



الرحمة الاِلَهية وسعت كل شيء، ولا يمكن للبشر أن يحصوا أعدادها.. ولا
أنواعها.. لكن نشير إلى ستة أنواع كبرى منها، ليتضح موقع الشفاعة من بينها.



النوع الاَول:



التوبة، التي تمحو السيئات.



النوع الثاني:



أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة.



النوع الثالث:



أن نية الحسنة تكتب، ونية السيئة لا تكتب.



النوع الرابع:



أن الحسنات يذهبن السيئات.



النوع الخامس:



أنواع الرحمة الاِلَهية الخاصة بالآخرة.



النوع السادس:



الشفاعة، وهي نوع من الوساطة الى الله تعالى من وليٍّ مقربٍ عنده ليغفر لمذنب ويسامحه.




شبهة حول أصل الشفاعة



يدور في ذهن البعض سؤال عن أصل الشفاعة مفاده: أن رحمة الله تعالى
ومغفرته وسعت وتسع كل شيَء، وهي تتم بشكل مباشر، فلماذا يجعلها الله تعالى
تحتاج إلى واسطة عباده مثل الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام ؟



والجواب:



أن الرحمة الاِلَهية المباشرة في الدنيا والآخرة أنواع كثيرة لا تحصى،
ولا يمنع أن يكون منها رحمة غير مباشرة جعلها الله تعالى مرتبطة بالدعاء والشفاعة
لمصالح يعلمها سبحانه، كأن يريد رحمة عدد كبير من عباده بالشفاعة، ويُظهر كرامة
أنبيائه وأوليائه عنده.



فالشفاعة من ناحية عقلية لا مانع منها ولا إشكال فيها، نعم، لا تثبت إلا بدليل، وفي الحدود والدائرة التي يدل عليها الدليل.



مثال لتقريب فهم عقيدة الشفاعة



يمكن تقريب الشفاعة إلى الذهن بأنها (قاعدة الاِستفادة من الدرجات
الاِضافية) كأن يقال للطالب الذي حصل على معدل عال: يمكنك أن تستفيد من
النمرات الاِضافية على معدل النجاح فتعطيها إلى أصدقائك، الاَقرب فالاَقرب من
النجاح..



ولنفرض أن الاِنسان يحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلى 51 درجة (من
رجحت حسناته على سيئاته) فالذي بلغ عمله 400 درجة مثلاً يسمح له أن يوزع
349 درجة على أعزائه، ولكن ضمن شروط، مثل أن يكونوا من أقربائه القريبين،
وأن يكون عند أحدهم ثلاثين درجة فما فوق، وذلك لتحقيق أفضل استفادة
وأوسعها من هذه الدرجات الاِضافية.



وقد نصت بعض الاَحاديث عن الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام على أن شفاعة
المؤمن تكون على قدر عمله، ففي مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 15 عن الاِمام الباقرعليه السلام



في قوله تعالى: وترى كل أمة جاثية.. الآية، قال: ذلك النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام يقوم على كوم قد علا الخلايق فيشفع ثم يقول: يا علي إشفع، فيشفع الرجل في القبيلة،
ويشفع الرجل لاَهل البيت ويشفع الرجل للرجلين على قدر عمله. فذلك المقام
المحمود. انتهى. وورد شبيه به في مصادر السنة أيضاً.



وعلى هذا، فالشفاعة مقننة بقوانين دقيقة حكيمة مثل كل الاَعمال الاِلَهية
الدقيقة والحكيمة، وليست كما يتصوره البعض من نوع الوساطات والمحسوبيات
والمنسوبيات الدنيوية.



وبما أن درجات الملائكة والاَنبياء والاَوصياء صلوات الله عليهم ودرجات
المؤمنين متفاوتة، وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبينا صلى الله عليه وآله فليس غريباً أن يكون
أعظمهم شفاعة عند الله تعالى.



وبما أن سيئات الناس تتفاوت دركاتها ويصل بعضها إلى تحت الصفر بألوف
الدرجات مثلاً.. فإن الذين تشملهم الشفاعة هم الاَقرب إلى النجاح والاَفضل من
مجموع المسيئين، وقد وردت في شروطهم عدة أحاديث، منها عن النبي صلى الله عليه وآله (إن
أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعةً: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانةً، وأحسنكم
خلقاً، وأقربكم من الناس). مستدرك الوسائل ج 11 ص 171



ـ قال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص 497



إن قيل: فإذا كانت الاِثابة والمعاقبة مختصتين به تعالى، فكيف يصح لكم ما
تذهبون إليه من الحوض واللواء والوقوف على الاَعراف، وقسمة النار وإدخال بعض
إليها وإخراج بعض منها، مع كون ذلك ثواباً وعقاباً ؟



قيل: لا شبهة في اختصاص أمور الآخرة أجمع به تعالى، غير أنه تعالى ردَّها أو
ردَّ منها إلى المصطفين من خلقه: رسول الله وأمير المؤمنين والاَئمة من آلهما
صلوات الله عليهم، فأوردوها عن أمره وأصدروها. كما يضاف تعذيب أهل النار
وتنزيل أهل الجنة حاصلاً بالملائكة المأذون لهم فيه... وليس لاَحد أن يقول: فأي



ميزة لهم بتولي هذه الاَمور على غيرهم في الفضل وهي موقوفة على إذنه تعالى، لاَن
الآخرة لما كانت أفضل الدارين بكونها دار الجزاء وغاية المستحقين، وجعل الله
سبحانه إلى هؤلاء المصطفين أفضل منازله وأسنى درجاته من اللواء والحوض
والشفاعة وقسمة النار، دل على تخصصهم من الفضل بما لا مشارك لهم فيه.



محاولات المستشرقين التشكيك في الشفاعة



وقد حاول بعضهم الاِشكال على قانون الشفاعة في الاِسلام فتصوره أو صوره
بأنه من نوع الوساطات الدنيوية المخالفة للعدالة، التي يفعلها الناس عند الحكام
الظلمة لمن يحبونه من المجرمين.. وقد مدح جولد تسيهر في كتابه مذاهب التفسير
الاِسلامي ص 192 المعتزلة وزعم أنهم لم يقبلوا الشفاعة لاَنها تنافي العدالة، قال:
والمعتزلة.. لا يريدون التسليم بقبول الشفاعة على وجه أساسي حتى لمحمد ذلك
بأنه يتعارض مع اقتناعهم بالعدل الاِلَهي المطلق. انتهى.



ولكن لايمكن لعاقلٍ أن يدعي بأن زيادة الرحمة الاِلَهية والمغفرة للمذنبين
بأسبابٍ متعددة، أمرٌ يتنافى مع العدالة الاِلَهية ! !



ثم إن الذي نفاه المعتزلة هو شمول الشفاعة لاَهل الكبائر، ولم ينفوا الشفاعة
لمرتكبي المعاصي الصغائر، كما سيأتي في محله.



على أن تسيهر اليهودي نفسه يعتقد بالشفاعة التي يزعمها اليهود لكل بني
إسرائيل دون سواهم من البشر، ولايراها منافية للعدالة الالَهية، فلا معنى لمدحه
المعتزلة بأنهم يرفضون الشفاعة لاَنهم طلاب مساواة !



تهافت منطق الوهابيين في الشفاعة والاِستشفاع



والاَعجب من المستشرقين الوهابيون.. حيث يتوسعون في الشفاعة فيجعلونها
تشمل اليهود والنصارى وجميع الخلق، على حد تعبير ابن تيمية، قال في مجموعة
رسائله ج 1 ص 10: أجمع المسلمون على أن النبي (ص) يشفع للخلق يوم القيامة



بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله في الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة
متفقون على ما اتفقت عليه الصحابة... أنه يشفع لاَهل الكبائر، ويشفع أيضاً لعموم
الخلق. انتهى.



ولكنهم في نفس الوقت يحرّمون الاِستشفاع والتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله ويعتبرونه شركاً،
مع أن هو الاِستشفاع طلب شفاعة النبي صلى الله عليه وآله إلى الله تعالى في الآخرة، أو في أمر من
أمور الدنيا !



إن التناسب بين الاِعتقاد بسعة الشفاعة في الآخرة يقتضي تجويز الاِستشفاع
بأهلها في الدنيا !



وبتعبير آخر: إن تحريم الاِستشفاع والتوسل في الدنيا، يناسبه إنكار الشفاعة في
الآخرة، لا القول بسعتها لجميع الخلق !



وقد التفت إلى ضرورة هذا التناسب بعض المتأثرين بالفكر الوهابي في تحريم
التوسل والاِستشفاع، فأنكر شفاعة نبينا صلى الله عليه وآله بمعناها المعروف، وفسرها بتفسير
شاذٍّ جعل منها أمراً شكلياً بعيداً عن أفعال الله تعالى.



قال فيما قال: إن الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من
فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده، لتكون
المسألة في الشكل واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الاِلَهي الرباني، تماماً
كما لو كان النبي السبب أو الولي هو الواسطة.



إلى أن قال: وفي ضوء ذلك لا معنى للتقرب للاَنبياء والاَولياء ليحصل الناس على
شفاعتهم، لاَنهم لا يملكون من أمرها شيئاً بالمعنى الذاتي المستقل. بل الله هو
المالك لذلك كله على جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع
محددة ليس لهم أن يتجاوزوها. الاَمر الذي يفرض التقرب إلى الله في أن يجعلنا
ممن يأذن لهم بالشفاعة له. انتهى.



ولم يصرح صاحب هذا القول بحرمة طلب الشفاعة من الاَنبياء والاَولياء عليهم السلام،



ولكن محمد ابن عبد الوهاب صرح بذلك، واعتبر طلب الشفاعة منهم عليهم السلام شركاً !
قال (فالشفاعة كلها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفعه فيَّ.
وأمثال هذا.



فإن قال: النبي (ص) أعطي الشفاعة، وأنا أطلب مما أعطاه الله.



فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا، وقال: فلا تدعوا مع الله أحداً..
.. الخ.).



وقد قسم ابن عبد الوهاب الشفاعة الى شفاعة منفية، وهي التي (تطلب من غير
الله فيما لا يقدر عليه إلا الله) وشفاعة مثبتة، وهي (التي تطلب من الله الشافع
المكرم بالشفاعة... الخ.) انتهى.



والجواب الكلي على هذه المقولة أنها دعوى بدون دليل، نشأت من سوء الفهم
لمعنى الشفاعة، ومعنى طلبها من الشافع، ومعنى الاِستشفاع والتوسل الى الله تعالى
بالنبي وآله صلى الله عليه وآله وأوليائه المقربين ! فافترضت فيها معانٍ لا توجد فيها !!



والجواب عنها بشيء من التفصيل، أنها تتضمن شبهتين ينبغي التفكيك بينهما:



فالشبهة الاَولى حول الشفاعة، ومفادها أن آيات الشفاعة وأحاديثها، يجب أن
تحمل على المجاز، لاَن الشفاعة فيها أمرٌ شكلي لا حقيقي !



ولم يذكر صاحب هذه الشبهة دليلاً على لزوم ترك المعنى الحقيقي وحمل
نصوص الشفاعة على المجاز، بل لم نجد أحداً من الوهابيين ذكر ذلك.. نعم ذكر
محمد رشيد رضا إشكال بعضهم على ذلك وأجاب عنه بما قد يفهم منه أن الشفاعة
أمرٌ شكلي !



ـ قال في تفسير المنار ج 8 ص 13:



فإن قيل: أليس الشفعاء يوَثرون في إرادته تعالى، فيحملونه على العفو عن
المشفوع لهم والمغفرة لهم ؟



قلنا: كلا إن المخلوق لا يقدر على التأثير في صفات الخالق الاَزلية الكاملة....



فيكون ذلك إظهار كرامةٍ وجاهٍ لهم عنده، لا إحداث تأثير الحادث في صفات القديم
وسلطانٍ له عليها، تعالى الله عن ذلك. انتهى.



ومفاد هذه الشبهة أن القول بالشفاعة الحقيقية يستلزم أن تكون إرادة الخالق
متأثرة بإرادة المخلوق، وهو محال، فلا بد من القول بأن الشفاعة شكلية !!



وكذلك القول بتعليق بعض أفعاله تعالى على طلب أنبيائه وأوليائه منه، مثل
الرزق، والشفاء، والمغفرة، والنجاة من النار وإدخال الجنة.. لابد أن يكون شكلياً،
لاَن الحقيقي منه محال.



والجواب عنها: أن أصحاب هذه الشبهة أخطأوا في تخيلهم أن تعليق الله تعالى
لمغفرته أو عطائه على طلب مخلوقٍ، معناه تأثير المخلوق في إرادته سبحانه
وتعالى ! فإن تعليق الاِرادة على شيء ممكنٌ بالوجدان، ولا محذور فيه، لاَنه بذاته
فعلٌ إرادي وتأكيدٌ للاِرادة لا سلبها، أو جعلها متأثرة بفعل آخر، أو شيء آخر.. لقد
تصور هؤلاء أن الشفاعة من الله، إذا أعطيت لاَحدٍ تصير شفاعةً من دون الله تعالى،
فوقعوا في هذه الشبهة !



أما إذا قالوا إن ذلك ممكنٌ ولكن الله تعالى لا يفعله لاَنه لا يجوز له، فلا دليل لهم
عليه من عقلٍ، ولا قول الله تعالى ولا قول رسوله صلى الله عليه وآله.



وإن كانوا يمنعونه من عند أنفسهم، فهو تعدٍّ على الله تعالى، وتحديدٌ
لصلاحيات من لايسأل عما يفعل، وهم يسألون !



ثم إن اللغة تأبى عليهم ما قالوه، فآيات الشفاعة وأحاديثها ظاهرة في الشفاعة
الحقيقية لا الشكلية، ولا يمكنهم صرفها عن ظاهرها !



والشبهة الثانية حول الاِستشفاع بالنبي وآله صلى الله عليه وآله، وهي الشبهة التي يكررها ابن
تيمية والوهابيون، وهي غير شبهة الشفاعة وإن كانت مرتبطة بها.



ومفادها أن طلب الشفاعة حتى ممن ثبت أن الله تعالى أعطاهم إياها حرامٌ، لاَنه
شركٌ بالله، وادعاءٌ لهؤلاء المخلوقين بأنهم يملكون الشفاعة من دون الله تعالى !!



وقد استدل ابن عبد الوهاب على ذلك بآيات النهي عن اتخاذ شريك مع الله
كقوله تعالى (فلا تدعوا مع الله أحداً)



والجواب عنها: أنه ثبت من القرآن والسنة أن كثيراً من الاَفعال الاِلَهية تتم بواسطة
الملائكة، وليس في ذلك أي شركٍ لهم مع الله تعالى، لا في ملكه، ولا في أمره، بل
هم عبادٌ مكرمون مطيعون. ولا مانع من العقل أو النقل أن يجعل الله تعالى أنواعاً من
أفعاله وعطائه بواسطة الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام أو يجعلها معلقةً على طلبهم منه !



ولا يصح التفريق بين الاَمرين والقول بأن ذلك إن كان بواسطة الملائكة فهو إيمان
لاَنهم لايصيرون شركاء، أما إن كان بواسطة غيرهم فيصيرون شركاء لله تعالى !



أو القول بأن تعليق العطاء الاِلَهي على طلب الاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام شراكةٌ لله تعالى
وشركٌ به، لكن شراكة الملائكة لله تعالى والشرك بهم لا بأس به !!



نقول لاَصحاب هذه الشبهة: إقرؤوا قول الله تعالى: ولله جنود السماوات
والاَرض وكان الله عليماً حكيما. الفتح ـ 4



وقوله تعالى: ولله جنود السماوات والاَرض وكان الله عزيزاً حكيما. الفتح ـ 7



وقوله تعالى: وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر. المدثر ـ 31



ثم نقول لهم: نحن وأنتم لايحق لنا أن نقسم رحمة الله تعالى أو نحصرها، أو
نحصر طرقها، أو نضع له لائحة فتاوى لما يجوز له أن يفعله وما لا يجوز !



ومعرفتنا ومعرفتكم بما يمكن له تعالى أن يفعله وما لا يمكن، إنما جاءت مما دلنا
عليه العقل دلالةً قطعية، أو دلنا عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله.



والعقل لا يرى مانعاً في أن يربط الله تعالى أفعاله بطلب ملائكته أو أوليائه، فيجعلهم
أدوات رحمته، ووسائط فيضه، ووسائل عطائه.. وذلك لا يعني تشريكهم في
ألوهيته، بل هم عباده المكرمون المطيعون، ووسائله وأدواته التي يرحم بها عباده.



هذا من ناحية نظرية.. وأما من ناحية الوقوع والثبوت، فقد دل الدليل على أن
أنظمة الفعل الاِلَهي وقوانينه واسعةٌ ومعقدةٌ، ودل على أنه تعالى جعل كثيراً من



عطائه ـ إن لم يكن كله ـ عن طريق خِيَرِةِ عباده من الملائكة والاَنبياء والاَوصياء عليهم السلام
ودل الدليل على جواز الاِستشفاع والتوسل بنبينا وآله صلى الله عليه وآله والطلب من الله تعالى
بحقهم وحرمتهم وواسطتهم، سواءً في ذلك أمور الدنيا والآخرة..



ودل الدليل على أن موتهم عليهم السلام ليس كموت غيرهم، وأن حرمتهم أمواتاً
كحرمتهم أحياء صلوات الله عليهم.



وقد قال تعالى في آخر سورة أنزلها من كتابه: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا
إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون. المائدة ـ 35 ولا فرق في أصحاب
الوسيلة إلى الله تعالى بين الملائكة وغيرهم، بل التوسل بنبينا صلى الله عليه وآله أفضل وأرجى
من التوسل بالملائكة، لاَنه أفضل مقاماً عند الله منهم.



وسيأتي ذلك في بحث التوسل والاِستشفاع، إن شاء الله تعالى. ويأتي أنه يجوز لنا
أن نطلب العطاء الاِلَهي المعلق على شفاعة الاَنبياء والاَولياء، أو غير المعلق، منهم
أنفسهم عليهم السلام ولا يعتبر ذلك شركاً، بل هو طلبٌ من الله تعالى.



وأن حكم التوسل بالاَنبياء والاَولياء والاِستشفاع بهم إلى الله تعالى، لا يختلف بين
الاَموات منهم والاَحياء عليهم السلام.. الى آخر المسائل التي خالف فيها الوهابيون عامة
المسلمين.



ـ وقد أجاب السيد جعفر مرتضى في كتابه خلفيات مأساة الزهراء عليها السلام ص 219 على
الشبهتين المذكورتين، ومما قاله:



1 ـ إن الكل يعلم: أن لا أحد يدعو محمداً صلى الله عليه وآله أو علياً عليه السلام أو أي نبي أو ولي
كوجودات منفصلة عن الله تعالى ومستقلة عنه بالتأثير، ولم تحدث في كل هذا
التاريخ الطويل أن تكونت ذهنية شرك عند الشيعة نتيجة لذلك فضلاً عن غيرهم.



2 ـ إننا نوضح معنى الشفاعة في ضمن النقاط التالية:



أ ـ إن الاِنسان المذنب قد لا يجد في نفسه الاَهلية أو الشجاعة لمخاطبة ذلك
الذي أحسن إليه وأجرم هو في حقه، أو هكذا ينبغي أن يكون شعوره في مواقع



كهذه، فيوسط له من يحل مشكلته معه ممن لا يرد هذا المحسن طلبهم ولا يخيب
مسألتهم..



ب ـ إن الله إنما يريد المغفرة للعبد المذنب بعد شفاعة الشفيع له.. ولم تكن تلك
الاِرادة لتتعلق بالمغفرة لولا تحقق الشفاعة.. فلو أن الشفيع لم يبادر إلى الشفاعة
لكان العذاب قد نال ذلك العبد المذنب.



وهذا كما لو صدر من أحد أولادك ذنب فتبادر إلى عقوبته، فإذا وقف في وجهك من
يعز عليك وتشفع به فإنك تعفو عنه إكراماً له، وإن لم يفعل ذلك كما لو لم يكن
حاضراً مثلاً فإنك ستمضي عقوبتك في ذلك الولد المذنب لا محالة.. فالشفاعة
على هذا سبب في العفو أو جزء سببه له.



إذن فليس صحيحاً ما يقوله البعض من أن الله تعالى له قد تعلقت إرادته بالمغفرة
للعبد قبل الشفاعة بحيث تكون المغفرة له حاصلة على كل حال، ثم يكرم الله نبيه
ويقول له: هذا العبد أريد أن أغفر له فتعال وتشفع إلي فيه..



ج ـ إذا كان الشخص المذنب قد أقام علاقة طيبة مع ذلك الشافع وتودد إليه ورأى
منه سلوكاً حسناً واستقامة وانقياداً، فإن الشافع يرى أن من اللائق المبادرة إلى
مساعدته في حل مشكلته أما إذا كان قد أغضبه وأساء إليه أو تعامل معه بصورة لا
توحي بالثقة ولا تشير إلى الاِستقامة، فإنه لا يبادر إلى مساعدته ولا يلتفت إليه..
فسلوك المشفوع له أثر كبير في مبادرة الشافع إلى الشفاعة.



د ـ وحين يكون الشفيع لا يريد شيئاً لنفسه من ذلك الشخص ولا من غيره ويكون
ما يرضيه هو ما يرضي الله سبحانه فإن تقديم الصدقات والقربات للفقراء والاِهتمام
بما يرضى الشافع، هو في الواقع إثباتات عملية على أن ذلك المذنب راغبٌ في
تصحيح خطئه وتدارك مافاته، وهو براهين وإثباتات على أنه قد التزم جادة
الاِستقامة وندم على ما فرط منه، فإذا قدم مالاً للفقراء أو أطعم أو ذبح شاة وفرقها
على المحتاجين، فإن ذلك لا يكون رشوةً للنبي أو الولي.. وهو يعلم أن النبي



والولي لا يأخذ ذلك لنفسه بل يعود نفعه إلى الفقراء والمحتاجين أو يستثمر في
سبيل الله وفي نشر الدين والباذل إنما يبذل ذلك رغبة في الحصول على رضا الشافع
الذي رضاه رضا الله.



هـ ـ أما إذا أدار ذلك المذنب ظهره للنبي والوصي ولم يلمس الشافع منه أنه
يتحرق لتحصيل العفو والرضا عنه، ويقرع كل باب ويتوسل بكل ما من شأنه أن يحل
هذا الاشكال، ويبادر إلى العمل بكل مايعلم أنه يرضي سيده عنه، فإنه لا يشفع له
ولا كرامة..



و ـ ومن الواضح: أن من يكون جرمه هائلاً وعظيماً فإن إمكانية وفرص الاِقدام
على الشفاعة له تتضاءل وتضعف..فلا يضع النبي والوصي نفسه في مواضع كهذه
ولا يرضى الله سبحانه له ذلك. كما أن من يدير ظهره لاَولياء الله ولا يهتم لرضاهم ولا
يزعجه سخطهم فإنه لا يستحق شفاعتهم قطعاً، لاَن الاِهتمام بهم وبرضاهم جزء من
عبادته تعالى ومن المقربات إليه وموجبات رضاه.. فالتوسل إليهم والفوز بمحبتهم
وبرضاهم سبيل نجاةٍ وطريق هدى وسلامةٍ وسعادة.



ز ـ إن من الواضح أن المجرم لا يمكن أن يتشفع في مجرم مثله، وأن المقصر لا
يتشفع بنظيره، لاَن الشفاعة مقامٌ عظيمٌ وكرامةٌ إلَهية فلا يقبل الله سبحانه شفاعة كل
أحد، بل الذين يشفعون هم أناسٌ مخصصون بكرامة الله سبحانه لاَنهم يستحقونها..



ح ـ قد ظهر مما تقدم: أن إرادة الله لم تكن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل
الشفاعة لتكون شفاعة النبي أو الوصي بعدها ـ بالشكل ـ ومن دون أن يكون لها
تسبيب حقيقي.. بل هناك تسبيب حقيقي للشفاعة، فإنها هي سبب المغفرة وهي
سبب إرادة الله بأن يغفر لذلك المذنب ولو لم يقم الشافع بها لم يغفر الله لذلك
المذنب.



ولولا ذلك فإنه لا يبقى معنى للشفاعة.. ولا يكون العفو إكراماً للشافع واستجابة
له. انتهى.







تعريف الشفاعة في اللغة



ـ قال الخليل في كتاب العين ج 1 ص 260



الشافع: الطالب لغيره، وتقول استشفعت بفلان فتشفع لي إليه فشفعه فيَّ.
والاِسم: الشفاعة. واسم الطالب: الشفيع. قال:









  • زعمت معاشر أنني مستشفع
    لما خرجت أزوره أقلامها



  • لما خرجت أزوره أقلامها
    لما خرجت أزوره أقلامها








أي: زعموا أني أستشفع (بأقلامهم) أي بكتبهم إلى الممدوح، لا بل إني أستغني
عن كتب المعاشر بنفسي عند الملك. والشفعة في الدار ونحوها معروفة يقضى
لصاحبها. والشافع: المعين، يقال فلان يشفع لي بالعداوة، أي يعين علي ويضادني
قال النابغة:أتاك امرؤ مستعلن شنآنه له من عدوٍّ مثل ذلك شافعأي: معين.
وقال الاَحوص:بأنَّ من لامَنِي لاَصْرمها كانوا علينا بلومهم شفعواأي: أعانوا.



ـ وقال الراغب في المفردات ص 263



الشفع: ضم الشيَء إلى مثله ويقال للمشفوع شفع. والشفع والوتر: قيل الشفع
المخلوقات من حيث إنها مركبات كما قال: ومن كل شيء خلقنا زوجين. والوتر هو
الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه.



وقيل: الشفع يوم النحر من حيث إن له نظيراً يليه، والوتر يوم عرفة. وقيل الشفع ولد
آدم والوتر آدم لاَنه لا عن والد.



والشفاعة: الاِنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام
من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى. ومنه الشفاعة في القيامة قال (لا
يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا. لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له
الرحمن. لا تغني شفاعتهم شيئاً. ولا يشفعون إلا لمن ارتضى. فما تنفعهم شفاعة
الشافعين، أي لا يشفع لهم. ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة. من حميم
ولا شفيع. من يشفع شفاعة حسنة. ومن يشفع شفاعة سيئة، أي من انضم إلى غيره
وعاونه وصار شفعاً له أو شفعياً في فعل الخير والشر فعاونه وقواه وشاركه في
نفعه وضره.






وقيل الشفاعة هاهنا أن يشرع الاِنسان للآخر طريق خير أو طريق شر فيقتدي به،
فصار كأنه شفع له وذلك كما قال عليه السلام: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل
بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، أي إثمها وإثم من عمل بها
وقوله: ما من شفيع إلا من بعد إذنه، أي يدبر الاَمر وحده لا ثاني له في فصل الاَمر إلا
أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه.
واستشفعت بفلان على فلان فتشفع لي، وشفعه أجاب شفاعته، ومنه قوله عليه السلام:
القرآن شافع مشفع.



والشفعة: هو طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمه إلى ملكه، وهو من الشفع
وقال عليه السلام: إذا وقعت الحدود فلا شفعة.



ـ وقال في المفردات ص 436



وأما قوله: من يشفع شفاعة حسنة إلى قوله: يكن له كِفْلٌ منها، فإن الكفل ههنا
ليس بمعنى الاَول بل هو مستعار من الكفل وهو الشيَء الردي.



ـ وقال الزبيدي في تاج العروس ج 5 ص 260



وشفعته فيه تشفيعاً حين شفع كمنع شفاعة، أي قبلت شفاعته، كما في العباب
قال حاتم يخاطب النعمان:









  • فَكَكْتَ عديّاً كلها من إسارها
    فأفضلْ وشفعني بقيسِ بن جُحْدرِ



  • فأفضلْ وشفعني بقيسِ بن جُحْدرِ
    فأفضلْ وشفعني بقيسِ بن جُحْدرِ








وفي حديث الحدود: إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع.



وفي حديث أبي مسعود رضي الله عنه: القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، أي من اتبعه
وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة من العفو عن فرطاته، ومن ترك العمل به
ندم على إساءته وصدق عليه فيما يرفع من مساويه، فالمشفع الذي يقبل الشفاعة.



والمشفع الذي تقبل شفاعته، ومنه حديث الشفاعة: إشفع تشفع، واستشفعه
إلينا، وعبارة الصحاح واستشفعه إلى فلان أي سأله أن يشفع له إليه، وأنشد
الصاغاني للاَعشى:









  • تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً
    يا رب جنِّب أبي الاَوصاب والوجعا



  • يا رب جنِّب أبي الاَوصاب والوجعا
    يا رب جنِّب أبي الاَوصاب والوجعا

















  • واستشفعت من سراة الحي ذا شرف
    فقد عصاها أبوها والذي شفعا



  • فقد عصاها أبوها والذي شفعا
    فقد عصاها أبوها والذي شفعا








يريد والذي أعان وطلب الشفاعة فيها. وأنشد أبو ليلى:









  • زعمت معاشر أنني مستشفعٌ
    لما خرجت أزوره أقلامها



  • لما خرجت أزوره أقلامها
    لما خرجت أزوره أقلامها








قال زعموا أني أستشفع بأقلامهم في الممدوح أي بكتبهم.



ومما يستدرك عليه الشفيع من الاَعداد ما كان زوجاً، والشفع ما شفع به سمى
بالمصدر، وجمعه شفاع، قال كثير:









  • وأخو الاِباءة إذ رأى خلانه
    تلي شفاعاً حوله كالاِذخر



  • تلي شفاعاً حوله كالاِذخر
    تلي شفاعاً حوله كالاِذخر








شبههم بالاِذخر لاَنه لا يكاد ينبت إلا زوجاً زوجاً. وشاة شفوع كشافع ويقال هذه شاة
الشافع كقولهم صلاة الاَولى ومسجد الجامع.



وهكذا روى في الحديث الذي تقدم عن سعر بن ديسم رضي الله عنه، وشاة مشفع كمكرم
ترضع كل بهيمة، عن ابن الاَعرابي. وتشفع إليه في فلان: طلب الشفاعة، نقله
الجوهري. وتشفعه أيضاً مطاوع استشفع به كما في المفردات. وتشفع صار شافعي
المذهب وهذه مولدة.



والشفاعة ذكرها المصنف ولم يفسرها وهي كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها
لغيره. وشفع اليه في معنى طلب إليه. وقال الراغب: الشفع ضم الشيَ الى مثله،
والشفاعة الاِنضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه وأكثر ما تستعمل في انضمام من
هو أعلى مرتبة إلى من هو أدنى ومنه الشفاعة في القيامة. وقال غيره: الشفاعة
التجاوز عن الذنوب والجرائم. وقال ابن القطاع: الشفاعة المطالبة بوسيلة أو ذمام.



تعريف الشفاعة عند المتكلمين



ـ قال الشريف المرتضى في رسائله ج 1 ص 150



وحقيقة الشفاعة وفائدتها: طلب إسقاط العقاب عن مستحقه، وإنما تستعمل في
طلب إيصال المنافع مجازاً وتوسعاً، ولا خلاف في أن طلب إسقاط الضرر والعقاب
يكون شفاعة على الحقيقة.








ـ وقال في ج 3 ص 17



وشفاعة النبي صلى الله عليه وآله إنما هي في إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع، لاَن
حقيقة الشفاعة تختص بذلك، من جهة أنها لو اشتركت لكنا شافعين في النبي صلى الله عليه وآله
إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله. انتهى.



ـ وقال في ج 2 ص 273



الشفاعة: طلب رفع المضار عن الغير ممن هو أعلى رتبة منه، لاَجل طلبه.



ـ وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص 469



وقلنا: إن الشفاعة وجهٌ عندنا لاِجماع الاَمة على ثبوتها له صلى الله عليه وآله ومضى إلى زمان
حدوث المعتزلة على الفتوى بتخصيصها بإسقاط العقاب، فيجب الحكم بكونها
حقيقة في ذلك، لانعقاد الاِجماع في الاَزمان السابقة لحدوث هذه الفرقة.



ـ تفسير التبيان ج 5 ص 334



قوله تعالى: إن ربكم الله الذي خلق السموات والاَرض في ستة أيام ثم استوى
على العرش يدبر الاَمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا
تذكرون...



وقوله: وما من شفيع إلا من بعد إذنه، فالشفيع هو السائل في غيره لاِسقاط الضرر
عنه. وعند قوم أنه متى سأله في زيادة منفعة توصل إليه كان شفيعاً. والذي اقتضى
ذكره هاهنا صفات التعظيم مع اليأس من الاِتكال في دفع الحق على الشفيع.



والمعنى هاهنا أن تدبيره للاَشياء وصنعته لها، ليس يكون منه بشفاعة شفيع، ولا
تدبير مدبر لها سواه، وأنه لا يجسر أحدٌ أن يشفع اليه إلا بعد أن يأذن له فيه، من
حيث كان تعالى أعلم بموضع الحكمة والصواب من خلقه بمصالحهم...



وإنما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر، لاَن المخاطبين بذلك كانوا يقولون
الاَصنام شفعاؤهم عند الله، وذكر بعدها: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا






ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وإذا كانت الاَصنام لا تعقل فكيف تكون
شافعة ! مع أنه لا يشفع عنده إلا من ارتضاه الله.



ـ كنز الدقائق ج 1 ص 238



واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها
عدل ولا هم ينصرون. واستدلت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لاَهل الكبائر.



قال البيضاوي: وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والاَحاديث الواردة في
الشفاعة، قال: ويؤيده أن الخطاب معهم، والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن
آباءهم تشفع لهم.



أقول: الآية يحتمل أن تكون مخصصة للآيات والاَحاديث الواردة في الشفاعة
الدالة على عمومها، كما أن كون الخطاب معهم يحتمل أن يكون مؤيداً للتخصيص
بالكفار، فلا يتم الاِستدلال من الجانبين، فتأمل.



ـ مجمع البحرين ج 2 ص 522



قال تعالى: ومن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها، قيل معناه من يصلح
بين اثنين يكن له جزء منها. ومن يشفع شفاعة سيئة، أي يمشي بالنميمة مثلاً، يكن
له كفل منها أي إثم منها.



وقيل المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، وبالشفاعة السيئة الدعاء عليهم.



قوله: ولا يشفعون إلا لمن ارتضى، دينه، وهو مروي عن الرضا عليه السلام وعن بعض
المفسرين ولا يشفعون إلا لمن ارتضى دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون
من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة. قال الصدوق: المؤمن من تسره حسنته
وتسوءه سيئته لقول النبي صلى الله عليه وآله: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن، ومتى
ساءته سيئته ندم عليها والندم توبة، والتائب مستحق الشفاعة والغفران. ومن لم
تسوؤه سيئته فليس بمؤمنٍ ومن لم يكن مؤمناً لم يستحق الشفاعة، لاَن الله تعالى
غير مرتضٍ دينه.



قوله: فما تنفعهم شفاعة الشافعين قيل في معناه لا شافع ولا شفاعة، فالنفي
راجع إلى الموصوف والصفة، كقوله لا يسألون الناس إلحافاً.



وفي الحديث تكرر ذكر الشفاعة فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي السؤال
في التجاوز عن الذنوب والجرائم، ومنه قوله صلى الله عليه وآله: أعطيت الشفاعة.



قال الشيخ أبو علي: واختلفت الاَمة في كيفية شفاعة النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة فقالت
المعتزلة ومن تابعهم: يشفع لاَهل الجنة ليزيد في درجاتهم. وقال غيرهم من فرق
الاَمة: بل يشفع لمذنبي أمته ممن ارتضى الله دينهم، ليسقط عقابهم بشفاعته.



وفي حديث الصلاة على الميت: وإن كان المستضعف بسبيل منك فاستغفر له
على وجه الولاية. وفي الخبر: إشفع تشفع، أي تقبل شفاعتك، وفيه: أنت أول
شافع وأول مشفع، هو بفتح الفاء، أي أنت أول من يشفع وأول من تقبل شفاعته.
وفي الحديث: لا تشفع في حق امرىَ مسلم إلا بإذنه. وفيه: يشفعون الملائكة
لاِجابة دعاء من يسعى في المسعى كأنهم يقولون: اللهم استجب دعاء هذا العبد.



ـ تفسير الرازي ج 2 جزء 3 ص 55



أجمعت الاَمة على أن لمحمد (ص) شفاعة في الآخرة، وحمل على ذلك قوله
تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، وقوله تعالى: ولسوف يعطيك
ربك فترضى... ثم اختلفوا بعد هذا في أن شفاعته عليه السلام لمن تكون ؟ أتكون للمؤمنين
المستحقين للثواب، أم تكون لاَهل الكبائر المستحقين للعقاب ؟ فذهب المعتزلة
إلى أنها للمستحقين للثواب... وقال أصحابنا تأثيرها في إسقاط العذاب عن
المستحقين للعقاب.















/ 34