عاشوراء بین الصلح الحسنی و الکید السفیانی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عاشوراء بین الصلح الحسنی و الکید السفیانی - نسخه متنی

السید جعفر مرتضی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




مقدمة لا بد منها:


بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.


وبعد..


فإن المثل يقول: «من كان بيته من زجاج، فليس له أن يرشق الناس بالحجارة».. وإذا ما فعل أحد ذلك، وقابله المظلومون، المعتدى عليهم بالمثل وتحطم بيته الزجاجي، فلا يلومنَّ إلا نفسه، فإنما «على نفسها جنت براقش».


وإن أمرنا مع المتعصبين، والمتحاملين على أهل البيت عليهم السلام، الذين نذروا أنفسهم لنقض فضائلهم، وتصغير شأنهم، وغمط حقوقهم صلوات الله عليهم، حتى أصبح ذلك هو شغلهم الشاغل، وخبزهم اليومي.. إن أمرنا مع هؤلاء، قد أصبح مصداقاً لذلك المثل الذي عرضناه آنفاً..


فهؤلاء المتحذلقون لا يملكون من الحق والصواب إلا الدعاوى العريضة، والاستعراضات، والانتفاخات الفارغة، التي تخفي وراءها الوهن، والعُدْم، والفقر، والضّآلة، والضحالة، الأمر الذي يضطرهم إلى التزوير، والتعمية، وإلى استخدام وسائل الإرهاب والقهر، معتمدين
علىحربة مسمومة، هي إثارة البغضاء، وشحن النفوس بالحقد، والضغينة، والكيد للحق وأهل الحق، وتصويره على أنه هو الباطل، والزيف، والكفر الصريح والقبيح..


بل إنك ترى هؤلاء رحماء على الكفار ومعهم، يخفضون لهم جناح الذل والضعة، أشداء على المسلمين، والمؤمنين، يبطشون بهم أفحش البطش، ويرتكبون في حقهم أعظم الجرائم، وتلك هي السنة التي سنها لهم وجرأهم عليها إمامهم يزيد بن معاوية لعنه الله.. حتى إذا ما وجدوا أنفسهم في موقع العجز عن ذلك، سلقوا أهل الإيمان بألسنة حداد، سراً وجهراً، غير مبالين بما يصيب المسلمين من وهن، وأذى، وتمزق، من جراء ذلك..


أما المسلمون الشيعة الإمامية، فإنهم يدركون أن هؤلاء لا يمثلون إلا أنفسهم، ويرون أن واجبهم ـ أعني الشيعة ـ هو أن يحفظوا لهذا الدين قوته، وللمجتمع الإسلامي وحدته، فالشيعة هم «أم الصبي»، التي تريد أن تحفظ ولدها بكل وسيلة، حتى لو كلفها ذلك حياتها..


ولأجل ذلك، كانوا وما زالوا يكتفون بالرد على هؤلاء العابثين بالدين، وبوحدة المسلمين، بالكلمة الطيبة، وبمنطق العلم، والحوار الموضوعي الهادئ الصريح، والبنَّاء، والصحيح، فيدحضون شبهاتهم، ويزيفون ادعاءاتهم، بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة..


ولكن أولئك سرعان ما يعودون لتكرار استعراضاتهم وانتفاخاتهم، وعرض بضائعهم الطحلبية ذاتها. ونسائجهم العنكبوتية نفسها من جديد..


ويعود أهل الحق والدين لفضح أباطيلهم، وتزييف أضاليلهم، على قاعدة:





  • «إن عادت العقرب عدنـا لها
    وكـانت النعل لها حـاضرة»..



  • وكـانت النعل لها حـاضرة»..
    وكـانت النعل لها حـاضرة»..




ولا تزال هذه الدوامة تعصف بالكيان الإسلامي، وتتكرر عاماً بعد عام.. منذ العهد الأموي، وحتى يومنا هذا.. ونتوقع لها أن تستمر في المستقبل أيضاً..


غير أن ما يحسن لفت النظر إليه هو أن هؤلاء على يقين من أن الشيعة الإمامية لهم نهج، وقضية، فهم لا يتعدون نهجهم، ولا يفرطون بقضيتهم، أي إنهم يعلمون: أن الشيعة لو أرادوا نشر ما لدى هؤلاء الحاقدين من بدع، وترهات، ومخازٍ وضلالات، لضاقت على هؤلاء الجناة على الدين وأهله، الأرض بما رحبت، ولكنهم يعلمون حرص الشيعة على عدم المقابلة بالمثل، إذا كانت سلبيات نشر هذه الفضائح، سوف تطال الكيان الإسلامي كله، وسوف تعصف براحته، وستؤثر على وحدته..


ولأجل ذلك فهم يؤثرون ولا يزالون، تحمل هذا الأذى الكبير من هؤلاء، انطلاقاً من منطق الإسلام في آياته المباركة: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} (الآية 29 من سورة الفتح).


ولأجل ذلك، فإننا نأمل أن لا يظن أهل السنة: أننا حين نرد على هؤلاء، المتعوذين بالتسنن: أننا نقصدهم أيضاً في خطابنا معهم، لإدراكنا العميق، المستند إلى العلم والمشاهدة: أن أهل السنة لا يرضون بمنطق هؤلاء، بل إن الكثيرين منهم قد تصدوا لهم كما تصدينا ونتصدى،
وأدانوا منطقهم كما ندين. فنحن وإياهم في خندق واحد، في رد التجني، وفي التصدي لأهل الأهواء..


حفظ الله هذه الأمة من أخطارهم، وصانها من شرورهم، وهدانا جميعاً إلى التمسك بحبل ولاية أهل البيت عليهم السلام، والأخذ عنهم، والقبول منهم، استسلاماً وانقياداً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله:


«إني تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض..» أو نحو ذلك.. (كنز العمال ج1 ص187، والمعجم الصغير للطبراني ج1 ص131 ـ 135 والمعجم الأوسط ج3 ص274 وج4 ص33 والمعجم الكبير ج5 ص154 ـ 166 وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص630 ومسند أبي يعلى ج2 ص303 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص375).


وبالمناسبة: فإن هناك من يوزع منشوراً، في مناسبات عاشوراء وسواها، يتضمن الكثير من التجني على الحق والتزوير للوقائع.. طلب منا بعض الإخوة النظر فيه، وبيان زيف ما فيه من دعاوى وأباطيل، فاستجبنا لطلبه، وأجبناه بما هو ماثل الآن أمام عيني القارئ الكريم، فنحن نذكر نص الرسالة، والمنشور أولاً، ثم نعقب على ذلك بما سنحت لنا الفرصة بتسجيله، فإلى ما يلي من مطالب، وفصول، وعلى الله نتوكل، ومنه نستمد العون والقوة.. إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير..


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..



منشور الممهدين للسفياني:


أرسل إلينا بعض الأخوة الرسالة التالية:


بسم الله الرحمن الرحيم


إن جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهابية، وبعض الجمعيات المتعصبة في مصر، تدَّعي أن من أنشطتها محاربة البدعة، قد نشرت كتباً وكتيبات توزع مجاناً على الناس فيها الكثير من التجني على الشيعة..


ولقد وقع بيدي منشور كان يوزع في العاشر من المحرم، والآن هم يوزعون منه بمناسبة الأربعين لاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام.


واسم هذا المنشور:


«البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما»
قد رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الإلكتروني، حتى ترسلوا لي الرد بالطريقة التي ترونها مناسبة.



نص المنشور:


«بويع يزيد للخلافة سنة ستين للهجرة، وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة، ولم يبايع الحسين بن علي ولا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم.


ذكر ابن كثير عن عبد الله بن مطيع وأصحابه أنهم مشوا إلى محمد ابن الحنفية (محمد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين) فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم، قال: ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة. فقال محمد بن الحنفية: لقد لزمت يزيد فوجدته متحرياً للسنة غير تارك للصلاة.


وبلغ الخبر أهل العراق أن الحسين لم يبايع ليزيد، فأرسلوا إليه الرسل والكتب أنّا قد بايعناك ولا نريد إلا أنت، حتى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب كلها جاءت من الكوفة.


فأرسل الحسين رضي الله عنه ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليتقصى الأمور ويعرف حقيقة الأمر.


فلما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين رضي الله عنه، فتمت البيعة عند أهل الكوفة للحسين.


فما كان من يزيد إلا أن أرسل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة ليمنع مسألة الحسين أن يأخذ الكوفة لكي لا تعود الأمور كما كانت قبل عام الجماعة فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام، ولم يأمر عبيد الله بن زياد بقتل الحسين.


وبعد أن استقرت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل، أرسل إلى الحسين رضي الله عنه أن أقدم وأن الجو قد تهيأ.


فخرج الحسين رضي الله عنه من مكة في يوم التروية قاصداً الكوفة.


فلما علم عبيد الله بن زياد بذلك أمر بقتل مسلم بن عقيل، فما كان من الأخير إلا أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة وحاصر قصر بن زياد، إلا أن أهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل حتى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف، فقتل رحمه الله يوم عرفة.


وكان الحسين رضي الله عنه قد خرج قاصداً العراق يوم التروية، وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج، منهم أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وكذلك أخوه محمد بن الحنفية، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم.


قال الشعبي: «كان ابن عمر بمكة، فلما علم أنه توجه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال فقال: أين تريد؟


فقال: العراق، وأخرج له الكتب التي أرسلت له من العراق وأنهم معه.


فقال له: هذه كتبهم وبيعتهم.


فقال ابن عمر: لا تأتيهم، فأبى الحسين إلا أن يذهب.


فقال ابن عمر: إني محدثك حديثاً: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والأخرة فاختار الأخرة ولن يريد الدنيا وأنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم أبداً ولا صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، أبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر فبكى وقال: استودعك الله من قتيل.


وكلمه أبو سعيد الخدري، قال: «يا أبا عبد الله إني ناصح لك وإني عليكم مشفق وقد بلغنا أن قوماً من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة فلا تخرج إليهم فإني سمعت أباك يقول:


«والله إني مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني»..


ولما علم عبيد الله بن زياد بقرب وصول الحسين أمر الحر بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق، فلقيه قريباً من القادسية، وأخبره بخبر مسلم بن عقيل وأن أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك، فهم الحسين رضي الله عنه أن يرجع، فتكلم أبناء مسلم بن عقيل قالوا: «لا والله لن نرجع حتى نأخذ بثأر أبينا. عند ذلك رفض الحسين رضي الله عنه الرجوع.


وأراد أن يتقدم فجاء الحر بن يزيد فسايره وقال: إلى أين تذهب يا بن بنت رسول الله؟


قال: إلى العراق.


قال: ارجع من حيث أتيت أو اذهب إلى الشام حيث يزيد بن معاوية ولكن لا ترجع إلى الكوفة.


فأبى الحسين، ثم سار إلى العراق والحر بن يزيد يمنعه، فقال الحسين: ابتعد عني ثكلتك أمك، فقال الحر بن يزيد: والله لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ولكن ماذا أقول وأمك سيدة نساء العرب.


فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب.


ثم جاءت مؤخرة الجيش وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص وواجهوا الحسين في مكان يقال له كربلاء.


ولما رأى الحسين رضي الله عنه أن الأمر جد قال لعمر بن سعد إني أخيرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء، قال: ما هي؟


قال الحسين: أن تدعني أرجع أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين أو تتركني أذهب إلى يزيد.


وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد بالخبر، فرضي عبيد الله بأي واحدة يختارها الحسين، وكان عند عبيد الله بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن، قال: لا حتى ينزل على حكمك، فقال ابن زياد: نعم حتى ينزل على حكمي بأن يأتي إلى الكوفة وأنا أسيره إلى الشام أو إلى الثغور أو أرجعه إلى المدينة، وأرسل عبيد الله شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين، إلا أن الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد.


فتوافق الفريقين وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارساً قال الحسين لجيش بن زياد: راجعوا أنفسكم وحاسبوها هل ينفعكم مثل هذا القتال وأنا ابن بنت نبيكم وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟


وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي: «سيدا شباب أهل الجنة».


فانضم الحر بن يزيد إلى الحسين، فقيل له: كيف جئت معنا أمير المقدمة والآن تذهب إلى الحسين؟


قال: ويحكم والله إني أخير نفسي بين الجنة والنار والله لأختار الجنة على النار لو قطعت وأحرقت.


وبات الحسين تلك الليلة يصلي ويدعو الله ويستغفر هو ومن معه، وكان جيش بن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومن معه فلما أصبح الصبح شب القتال بين الفريقين، وذلك لأن الحسين رفض أن يستأثر عبيد الله بن زياد.


ولما رأى الحسين بأنه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش، أصبح همهم الوحيد الموت بين يدي الحسين رضي الله عنه، فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر، حتى فنوا جميعاً، لم يبق منهم أحد إلا الحسين بن علي رضي الله عنهما، وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً لا يقدم عليه أحد حتى يرجع، لأنه لا يريد أن يبتلي بالحسين، فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن: ويحكم ما حل بكم أقدموا نحو الحسين فقتلوه، كان ذلك في العاشر من محرم سنة 61 هجرية، والذي باشر بقتله أنس بن سنان النخعي، وقيل أنه الشمر بن ذي الجوشن.


قتل مع الحسين كثير من أهل بيته وممن قتل من أولاد علي بن أبي طالب: الحسين وجعفر بن علي والعباس وأبو بكر وعثمان ومحمد ثمانية عشر رجلاً كلهم من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.


ولما بلغ يزيد قتل الحسين ظهر التوجع عليه وظهر البكاء في داره، ولم يسب لهم حريماً أصلاً، بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتى ردهم إلى ديارهم.


يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: «لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، أي أن خروجه ما كان سليماً، لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك، يقول: بل يمكن أولئك الطغاة من سبط النبي صلى الله عليه وسلم وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده، ولكنه أمر من الله تعالى وقدر الله كان ولو لم يشأ الناس.


وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء، وقد قدم رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام لبغي ونشر زكريا وأرادوا قتل موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وهؤلاء كلهم أفضل من الحسين، ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك، بل هذا منهي عنه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب» والواجب على الإنسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}..


اللهم ارحم شهداء آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر شهداء وموتى المسلمين واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن واجمعنا على كتابك المنزل وعلى سنة نبيك المرسل صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم..».


انتهى نص الكتيب.


هذا النص أضعه بين يديكم الكريمة، وبإذن الله ترون كيف تردون عليهم، ولكم الأجر والثواب.



الجواب


توطئة..


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


وبعد..


فإن هذا المنشور الذي أرسلتموه إلينا، وقلتم: إنهم يوزعونه عن الإمام الحسين عليه السلام وعاشوراء، ليس بذي قيمة علمية، بل هو يسعى لعرض أخطر قضية حدثت في الإسلام بصورة مزاجية، تهدف إلى تبرير موقف يزيد لعنه الله، والإيحاء بإدانة الإمام الحسين عليه السلام، مع حفظ ماء الوجه بإظهار الترضي على الإمام الحسين عليه السلام، على طريقة ذر الرماد بالعيون..


ولأجل ذلك، فإننا لا نرى أنه يستحق الرد، أو المناقشة.. غير أننا نشير هنا إلى نقاط يسيرة، نكتفي بها عن الكثير الذي كان من المفترض بالكاتب لو كان منصفاً، أن لا يتجاهله، فكيف، وهو قد عرض أخطر قضية بصورة متناقضة تماماً مع سائر الحقائق التي سجلها لنا التاريخ..


وسوف نقتصر في بحثنا المقتضب هذا على أقل القليل من الشواهد ومن المصادر على حد سواء.


ونعتبر هذا الذي نذكره هنا بمثابة إطلالة سريعة، تهدف إلى مجرد الإشارة إلى مدى تجني الممهدين للسفياني على الحقيقة، وعلى أهلها..


فإلى ما يلي من فصول ومطالب:


القسم الأول


يزيد لعنه الله هو الباغي بجميع المعايير


الفصل الأول


سياسات ونتائج



الكذبة الكبيرة:


إن الملاحظ هو:


أن بداية الكلام في المنشور، وفي السطرين الأولين منه بالذات، تضمنت كذبة كبيرة، مفادها:


أن يزيد لعنه الله قد بويع، ولم يبايع [الإمام] الحسين بن علي [عليه السلام]، ولا عبد الله بن الزبير.


قد جاءت هذه الكذبة لتعطي الانطباع بأن الإمام الحسين عليه السلام قد خرج على إمام قد تمت بيعته، وصحَّت إمامته، مما يعني: أنه هو الباغي على إمام زمانه، وأن يزيد لعنه الله كان في موقع الدفاع..


مع أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، وقد كان عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار أموراً كثيرة، كلها تدحض هذا المنطق وتدينه، نسوق في هذه العجالة بعضاً منها، وذلك ضمن ما يلي من مطالب:



الحسن والحسين إمامان:


1 ـ إن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال عن الحسن والحسين: ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا..(1)


وفي نص آخر: «الحسن والحسن إماما أمتي بعد أبيهما»..(2)


وهناك حديث الخلفاء أو الأئمة بعدي اثنا عشر، والأحاديث الدالة على أنهم من ذريته عليه السلام..(3)


فإمامة الحسن والحسين عليهما السلام مجعولة من قبل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، الذي لا ينطق عن الهوى، وليس لأحد الحق في الإفتئات عليهما في ذلك..


فما معنى تصدي معاوية للإمام الحسن عليه السلام، ثم تصدي يزيد لعنه الله للإمام الحسين عليه السلام، واغتصاب مقام جعله الله ورسوله صلى الله عليه وآله لهما عليهما السلام، دون ابن آكلة الأكباد، وولده؟!..



الصلح الحسني العظيم:


ثم إن الصلح الحسني العظيم قد ضمن لحركة الإمام الحسين عليه السلام الجهادية صفاءها ونقاءها، وأبطل كل محاولات النيل منها، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بسط في القول، وفنون من البيان.


فنقول:



عظمة عمر بن الخطاب في العرب:


لقد كان لعمر بن الخطاب مكانة عظيمة، وهيمنة على قلوب العرب، فكان قوله فيهم كالشرع المتبع، حتى لقد رووا: أن القرآن قد نزل بموافقته مرات عديدة، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك(4)


ومحبتهم له ترجع إلى عدة أسباب، منها: ما قام به من فتوحات استفادوا منها الأموال، والمقامات، والرياسات، وحصلوا على الحسناوات، ومنها سياسة تفضيل العرب على غيرهم التي انتهجها وتوسع فيها، لتشمل مختلف الجهات والحالات وقطع فيها شوطاً بعيداً، فسقطت منزلة غير العرب، لصالح العرب، كما أوضحناه في كتابنا: «سلمان الفارسي في مواجهة التحدي»..



معاوية الرجل المفضل عند عمر:


وكان معاوية بن أبي سفيان عاملاً على الشام لعمر بن الخطاب، فكان هو الرجل المفضل والمدلل عنده، حتى إنه كان طيلة فترة حكمه، يحاسب جميع عماله، في كل عام، ويقاسمهم أموالهم، ويبقي من يبقي، ويعزل من يعزل منهم، ولا يبقي عاملاً أكثر من عامين..(5) باستثناء معاوية، فإنه أبقاه، وأطلق يده، وقال له: لا آمرك ولا أنهاك..(6) ليتصرف كيف يشاء، من دون حساب ولا كتاب، ولا سؤال ولا جواب..


فهو بعمله هذا تجاه عماله، يشككهم في أنفسهم، ويشكك الناس بهم، ويجعلهم مظنّة للخيانة، ويواجههم بما يضعف شخصيتهم، ولكنه يرفع شأن معاوية، ويعزز مقامه، ويزيده شوكة وعظمة ونفوذاً، بل هو قد كان إذا نظر إليه، يقول: هذا كسرى العرب..(7)


ويقول عن عمرو بن العاص:


«ما ينبغي لعمرو أن يمشي على الأرض إلا أميراً»..(8)


بل هو قد قال لأهل الشورى: يا أصحاب محمد، تناصحوا.. فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان..(9) ومدائح عمر لمعاوية كثيرة(10)


وقد صرح معاوية نفسه بأنه قد دبر الأمر من زمن عمر..(11) وما إلى ذلك..


مع أن معاوية وعمرو بن العاص لم يكن لهم ذلك الشأن بين المسلمين، كما فقد أبو سفيان زعيم الشرك وقائد جيوشه ضد الإسلام، قد فقد موقعه وأهميته ونفوذه..



عمر يمهد لمعاوية وبني أمية:


ولعل سبب محبة عمر لمعاوية، هو أنه وجد فيه الرجل المناسب، إذا اعتمد على بني أمية، ومن تابعهم، لإنجاز أمر هام، طالما كان عمر يفكر فيه..


وهذا الأمر هو أنه قد كانت لدى عمر بن الخطاب رغبة بإبعاد أمر الخلافة عن الإمام علي عليه السلام وبني هاشم، وكان يعلم أن أياً من أبنائه غير قادر على التصدي لهذا الأمر، كما كان يدرك أن بني أمية هم الأكثر جرأة على اقتحام الصعاب في هذا السبيل، ولكنه كان يعلم أيضاً: أن نقل الأمر لمعاوية مباشرة، لن يكون مقبولاً ولا معقولاً، مع وجود الإمام علي عليه السلام، وغيره من وجوه ومشاهير الصحابة، وذوي الأسنان منهم، خصوصاً، وأن معاوية من أبناء الطلقاء، فآثر من أجل هذه الأسباب وسواها، أن يكون ثمة همزة وصل وسبب نقل..


فكان عثمان بن عفان، الشيخ الأموي، هو المؤهل بنظره لذلك.. فإذا تولى الأمر، فسوف يبقي معاوية على الشام ما دام حياً، وسيزيد ذلك معاوية قوة، أما بعد موته، فإن معاوية لن يستسلم للإمام علي عليه السلام، ولا لغيره.. بعد أن يكون قد حكم بلاد الشام حوالي عشرين سنة، ورباهم على يديه، وثقَّفهم بمفاهيمه، ونشَّأهم على محبته والارتباط به، ومحبة من أحب، والعداء لمن عادى حتى لو كان الإمام علياً عليه السلام، لأن أهل الشام لم يعرفوا الإمام علياً عليه السلام، ولا جهاده، ولا زهده، ولا علمه، ولا.. ولا.. بل عرفوا وتربوا على إسلام معاوية، وإسلام الأطماع، والغدر، والخيانات، والظلم، والاستئثار، والاحتيال، والبحث عن الشهوات، وارتكاب الجرائم، والتزام مفاهيم الجاهلية الملبسة بلباس الدين..


فرسم الخطة في الشورى، واختار الأشخاص، وأصدر قرارات تجعل من تولي عثمان من بعده أمراً يقينياً وحتمياً..


فقد روي أن عمر حين طُعن، قال:


ادعوا لي أبا طلحة الأنصاري، فدعوه له، فقال: انظر يا أبا طلحة، إذا عدتم من حفرتي، فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، واجمعهم في بيت، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم.


فإن اتفق خمسة وأبى واحد، فاضرب عنقه..


وإن اتفق أربعة وأبى اثنان، فاضرب أعناقهما..


وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة، فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه، فإن أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها، فاضرب أعناقها..


وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر، فاضرب أعناق الستة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم..(12)


وفي نص آخر:


حدثنا موسى بن هارون، عن قتيبة بن سعيد، عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه:


أن عمر قال للستة: هم الذين خرج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم من الدنيا وهو عنهم راض: بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف، فإذا بايعتم لمن بايع له عبد الرحمن، فمن أبى فاضربوا عنقه..(13)


وسارت الأمور بالاتجاه الذي رسمه عمر لها. فإنه كان يعرف ميول ابن عوف، ويعرف طبيعة التركيبة التي اختارها لأركان الشورى أيضاً.. وانتهت الأمور بقتل عثمان، وبغى معاوية على الإمام علي عليه السلام وحاربه، وأثار الشبهات، واستفاد من سياسات عمر، ومن غيرها، لإحكام قبضته على ما في يده، والتوثب على ما في يد الإمام علي عليه السلام، إلى أن استشهد الإمام عليه السلام، وأمسك الإمام الحسن عليه السلام بأزمة الأمور بعد وفاة أبيه، فتحرك معاوية بعد ثمانية عشر يوماً(14) بجيشه نحو العراق ليحاربه كما حارب أباه من قبل..


وكان جيش معاوية يتفق معه في الأهداف وفي السلوك، وفي النهج السياسي، وفي الولاء، وغير ذلك..


أما الإمام الحسن عليه السلام فلم يكن جيشه يتفق معه في شيء من ذلك، بل هو إلى معاوية أقرب، وأكثر انسجاماً معه، كما أن العراقيين أنفسهم إنما يعرفون إسلام معاوية لا إسلام الإمام علي عليه السلام، ولا الإمام الحسن عليه السلام، ولم يكن بينه وبينهم علاقة مصالح، ولا علاقة عاطفية، بل كانوا يرون أن مصالحهم مع المناوئين له، وهم لا يقاتلون على نفس الشيء الذي كان الإمام علي والإمام الحسن عليهما السلام يقاتلون من أجله، فهم كانوا في وادٍ والإمامان عليهما السلام في وادٍ آخر. بل كانوا منسجمين في فكرهم وعقائدهم وسلوكهم وأهدافهم، وارتباطاتهم العاطفية مع معاوية أكثر مما هم منسجمون مع الإمام علي والحسن عليهما السلام..



التأسيس في الخمسين سنة الأولى:


هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التأمل في الأمور يعطي: أن الخمسين سنة التي تلت استشهاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله كانت هي فترة التأسيس لبقاء هذا الدين، وإرساء قواعده العقائدية والفكرية والسياسية، لتجد سبيلها إلى فكر ووعي الأمم والأجيال المتعاقبة.


فكل ما يقال ويمارس في هذه الفترة لا بد أن يكون له صدى وحضور في الفكر، والعقيدة، والسياسة، والممارسة الدينية عبر الدهور والعصور المتعاقبة، فغياب الحق وأهله في هذه الفترة، معناه غيابهما في المراحل التي تليها، وبمقدار ما يكون لهما حضور في فترة التأسيس، فسيكون لهما حضور في المراحل التالية، وذلك لأن الأجيال والأمم سوف تستقي من فترة التأسيس المشار إليها، حيث ستصبح المنبع والرافد للناس في جميع العصور والدهور في فكرهم وعقائدهم، ودينهم، ومفردات إيمانهم..



الحسنان عليهما السلام في فترة التأسيس:


وقد عاش الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام في هذه الفترة بالذات، وكان لا بد لهما فيها من التعاطي مع الأمور بصورة تحقق أمرين:


أحدهما: حفظ الشيعة..


والثاني: حفظ جهود الأنبياء، بحفظ الدين الذي جاؤا به، وبحفظ معالمه، وأسسه، ومبانيه، في سياساته، وفي عقائده، ومفاهيمه، ومن أهمها وأخطرها، موضوع الإمامة في مبانيها الفكرية، والإيمانية، والعقائدية، وتحديد مفهومها، وبيان شؤونها وحالاتها، ومواصفات وشرائط وحالات الإمام الحق، وليتميَّز بذلك عن المزيفين، والمدّعين للباطل..


الفصل الثاني


الإمام الحسن عليه السلام


بين خياري السلم والحرب



بعد استشهاد الإمام عليه السلام:


لقد استشهد الإمام علي عليه السلام في سنة أربعين للهجرة، بعد معاناة طويلة، وحروب دامية له، ضد الظالمين، والطامعين، وطلاب اللبانات، وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان..


وكانت الإمامة والخلافة من بعد الإمام علي عليه السلام، للإمام الحسن عليه السلام، في الوقت الذي كان لا يزال معاوية مصراً على موقفه، رافضاً التخلي عن حكم الشام، والدخول فيما دخل فيه المسلمون..


بل هو بمجرد أن سمع باستشهاد الإمام علي عليه السلام، وبعد ثمانية عشر يوماً فقط، جرَّد جيشاً قوامه ستون ألفاً، وقصد العراق ليحارب الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه..



الإمام الحسن عليه السلام بين خياري السلم والحرب:


وقد قلنا: إنه كان لابد للإمام الحسن عليه السلام من السعي لتحقيق هدفين:


أحدهما: حفظ الشيعة.


والثاني: حفظ جهود الأنبياء، بحفظ الدين في عقائده وسياساته ومفاهيمه، وقيمه، وفي أحكامه وشرائعه..


وقد كان أمام الإمام الحسن عليه السلام خياران للوصول إلى هذين الهدفين:


أحدهما: الحرب.


الثاني: السلم.



خيار الحرب:


أما خيار الحرب: فإنه يجعله أمام ثلاثة احتمالات، لا بد في كل واحد منها من الموازنة بين التضحيات وبين النتائج، ثم اختيار الخيار الذي يحقق الأتم والأفضل، والأصلح منها، حيث إن موقع الإمامة يفرض على الإمام التفكير في جميع الجوانب، والحالات التي تواجهه في سياسة الأمة، من أجل حفظ دينها، ووجودها، ومصالحها..


ومهما يكن من أمر فإن الخيارات الثلاثة هي التالية:


الأول: أن يتمكن من تحقيق النصر: ولا بد في هذه الحالة من دفع ثمن لهذا النصر، وهو:


أولاً: أرواح المئات، والألوف من المسلمين(15) وفيهم المخلصون، والأطياب الأطهار من أهل الإيمان ومن شيعته، الذين هم خلاصة جهود أمير المؤمنين عليه السلام، ومن قبله الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.. والذين كان معاوية نفسه قد قتل قسماً منهم في حرب صفين، وقُتل قسم آخر منهم في حرب الجمل قبل ذلك..


ثانياً: ما ينشأ عن الحرب من سلبيات وأخطار اجتماعية، واقتصادية، وسياسية وغيرها..


أما نتائج الحرب: فقد لا تكون في قيمتها، وأهميتها في مستوى تلك الخسائر، لأن هزيمة أتباع الخط المناوئ لأهل البيت، لا تعني القضاء عليهم، لأن انتصار الإمام الحسن عليه السلام ليس مثل انتصار معاوية ـ كما بيناه ـ لأن انتصار الإمام عليه السلام يقتصر على وأد الفتنة، وإسقاط القدرة القتالية للطرف الآخر، وسوف يصبح الجميع بعد الحرب في أمن وأمان، ثم البدء في عملية إصلاح واستصلاح، مع حفظ سلامة الجميع، تماماً كما حصل في حرب الجمل، فإنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها، عومل أولئك المحاربون ـ حتى زعماء الحرب وأركانها، مثل ابن الزبير، ومروان وأضرابهما ـ بالرفق واللين، حتى وكأن شيئاً لم يكن.. كما أن علياً في النهروان قد داوى جرحى الخوارج، ولم يتعرض لهم بالأذى.. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في فتح مكة قد عفا عنهم، وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».


أما انتصار معاوية فإنه لا يكون إلا بقتل الحسن ثم الحسين، وبني هاشم وشيعتهم، فضلاً عمن يقتل من سائر الناس. فنصر معاوية نصر إبادة، ونصر النبي صلى الله عليه وآله، والإمام علي، والإمام الحسن، والأئمة عليهم السلام نصر حقن الدماء، وإصلاح، واستصلاح..



انتصار الإبادة:


وقد طبق معاوية سياسة الإبادة هذه، حتى بعد معاهدة الصلح.. حيث بطش في أصحاب علي، واستأصل شأفتهم..


فقد «نادى منادي معاوية: أن قد برئت الذمة ممن يروي حديثاً من مناقب علي وفضل أهل بيته.


وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة، لكثرة من بها من الشيعة، فاستعمل زياد ابن أبيه وضم إليه العراقَيْن: الكوفة والبصرة، فجعل يتتبع الشيعة، وهو بهم عارف، يقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وصلبهم في جذوع النخل، وسمل أعينهم، وطردهم وشردهم، حتى نفوا عن العراق فلم يبق بها أحد معروف مشهور، فهم بين مقتول أو مصلوب، أو محبوس، أو طريد، أو شريد.


وكتب معاوية إلى جميع عماله في جميع الأمصار: أن لا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة..(16)


وكتب إليهم أيضاً أن يقتلوا كل من يحب أهل البيت، أو يشك، أو يتهم بحبه لهم..(17)


ومن جهة أخرى، فإن النصر العسكري للإمام الحسن عليه السلام، لا يعني بطلان أطروحتهم وبوار حجتهم..


والشاهد على ما نقول: إن معاوية قد استطاع أن يخدع الناس بباطله، حتى في مقابل أمير المؤمنين عليه السلام، الذي لا يدانيه أحد في الأمة في جهاده، وتضحياته، ومقامه وفضائله.


ولا يجرؤ أحد على ادعاء شيء منها في مقابله.. فهل يعجز هو والأخطبوط الأموي من ورائه، والزبيريون وأتباعهم، والخوارج وأصحاب الأطماع، وكذلك الذين لا يعتقدون بإمامته عليه السلام، بل يوالون غيره ـ هل يعجز هؤلاء كلهم ـ عن بلبلة الأفكار، وإثارة الشبهات، والشكوك حول الإمامة والإمام، خصوصاً بعد خديعة التحكيم، التي أعطته الجرأة ليتسمى بأمير المؤمنين..


ثم بعد استشهاد الإمام علي عليه السلام، وصيرورة الأمر إلى ولده الإمام الحسن عليه السلام، حيث تداعى الجيش العراقي، وظهرت فيهم حسيكة النفاق، وساروا في صراط الخيانة والغدر..


والخلاصة: أن انتصار الإمام الحسن عليه السلام، لا يعني أن تصبح النتائج على صعيد وضوح الحق، وإبطال كيد أهل الباطل، في المستوى المطلوب، بل سيبقى مثيروا الشبهات، وأصحاب الادعاءات الباطلة، يثيرون الشبهات بدعواهم شراكة الإمام علي عليه السلام في قتل عثمان، ولادعاء أن معاوية قد ظلم، وأن كل من معه قد ظلموا معه، وسيقولون للناس: إن النصر العسكري لا يعني أن المنتصر محق..


فالانتصار عليهم إذن لن يكون مانعاً لهم من التشكيك في أحقية أهل البيت بمقام الإمامة، فكيف إذا أصبحوا يدَّعون المظلومية لأنفسهم، والغاصبية والعدوانية من أهل البيت عليهم السلام، وعلى رأسهم الإمام علي عليه السلام، عليهم وعلى حقوقهم؟!..


وسوف يجدون الكثيرين من البسطاء والسذج، وطلاب الدنيا، والجهال، وحديثي العهد بالجاهلية، يستمعون إليهم، ويقبلون منهم، ويأخذون عنهم..


كما أن الخوارج والزبيرية والعثمانية، والموالين لغير أهل البيت، وأهل المطامع والأهواء، سوف ينشطون لمواجهة خط أهل البيت عليهم السلام ونهجهم، وسوف يسرحون، ويمرحون، ويضلون، ويشككون، ويثيرون الفتن، ويشيعون الباطل في الناس. ولربما تحدث تقلبات وفتن تزيد الطين بلة، والخرق اتساعاً، حين تتشارك آلاف الأيدي الأثيمة، في تشويه صورة الحق، وفي زرع الفتنة، وتمزيق المسلمين..


الثاني: أن لا يتحقق انتصار حاسم لأي من الطرفين، بل يبقى كل فريق في موقعه، كما كان الحال عليه في زمن الإمام علي عليه السلام..


ومن الواضح: أن هذا الأمر لن يأتي بسهولة، بل سوف يكون ثمنه خوض حروب صعبة، قد تكون كبيرة وخطيرة، بالإضافة إلى الكثير من الضحايا من خلص الشيعة، ومن الناس عامة..


أما النتائج: فهي بلا شك ستكون ضئيلة، وغير متكافئة مع حجم التضحيات وفقاً لما أوضحناه آنفاً، وذلك في ظل النشاط التخريبي للأخطبوط الأموي، وكل المناوئين لأهل البيت عليهم السلام..


ولعلك تقول:


إذا كان الأمر كذلك، فلماذا حارب الإمام علي عليه السلام معاوية، ولم يسع إلى الصلح معه؟!..


ونقول في الجواب:


سيأتي: أن الإمام علياً عليه السلام كان قادراً على الحرب، وعلى تسجيل النصر الحاسم فيها.. فسعيه لمسالمة معاوية يعطي الانطباع بأن معاوية محق فيما يدعيه، كما سيأتي..


الثالث: أن ينتصر معاوية في الحرب، والثمن سوف يكون في هذه الحالة أعلى وأغلى، فإن الدماء التي سوف تسفك في حرب كهذه، سوف تكون كثيرة وغزيرة، ولن يقتصر ذلك على دماء شيعة الإمام علي عليه السلام، بل هي سوف تتعداهم إلى غيرهم، كما أن الآثار السلبية للحرب السياسية منها، والاجتماعية، والأخلاقية، والاقتصادية، وغيرها سوف تكون كبيرة وخطيرة جداً..


أضف إلى ذلك: أن هذه الحرب سوف تتمخض عن نتائج مرعبة هي بلا شك الأشر والأضر: هي قتل أهل بيت النبوة، واستئصالهم، ثم الملاحقة بالإبادة الأكيدة لجميع أهل الإيمان، أينما كانوا، وحيثما وجدوا..


وإذا كان معاوية قد تتبع شيعة الإمام علي عليه السلام حتى استأصلهم ـ كما تقدم ـ رغم أنه لم يخض مع الإمام الحسن عليه السلام حرباً، ورغم العهود التي أعطاها في صلحه وعقد هدنته معه، فماذا ستكون النتيجة؟!..


وكيف سيعامل شيعة الإمام علي والإمام الحسن عليهما السلام، لو أن الإمام الحسن عليه السلام كان قد حاربه، وانتصر هو على الإمام عليه السلام؟!..


وإذا تمخضت الحرب عن هذه النتائج، فمن يا ترى يمكن أن يكون الداعي إلى الحق، والمدافع عنه؟!، ومن يجرؤ على تعريف الناس به، أو دلالتهم عليه؟!..


فإن هذا الدين سوف يصبح بلا شك أسيراً بأيدي الأشرار، وعلى رأسهم من هو مثل يزيد لعنه الله، والوليد، ومروان، ومن تابعهم وشايعهم، من أمثال الشمر بن ذي الجوشن، وعمر بن سعد، وعبيد الله بن زياد، والحجاج، وخالد القسري، وغيرهم ممن هو على شاكلتهم..


ومن جهة أخرى: فإن معاوية الذي استطاع أن يجند المسلمين لحرب أعظم رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن يخدع الناس بشبهاته وشائعاته، وأن يستفيد إلى أبعد الحدود من قتل عثمان، ومن علاقته بعمر بن الخطاب.. لو انتصر على الإمام الحسن عليه السلام، فسوف يكون أقدر على تشويه الصورة، وقلب الحقائق، وسوف يستعين بكل ما له من مال ورجال، وسيشتري الضمائر، ويشوه الدين، ويعبث بأحكامه بلا رقيب، أو عتيد..


فلا بد من تجاوز مرحلة معاوية بأفضل الطرق والوسائل، خصوصاً بعد أن سمى نفسه بأمير المؤمنين بعد التحكيم، حيث إن هذا سيجعله أكثر شراسة في الدفاع عما يعتبره إنجازاً عظيماً في سياق تحقيق طموحاته وأطماعه الكبرى..


ولعلك تقول:


إن هذه الأمور لا بد أن تمنع أيضاً من مواجهة الإمام الحسين عليه السلام ليزيد لعنه الله..


ونقول في الجواب:


إن الأمر بعد الصلح قد أصبحت له حيثيات أخرى، فإن حركة الإمام الحسين عليه السلام الجهادية قد جاءت لتؤكد ثمرات هذا الصلح، وتحفظها..


/ 7