حول عصمه الرسول (ص) - فیما یتعلق بالرسول صلّى الله علیه و آله وسلّم نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

فیما یتعلق بالرسول صلّى الله علیه و آله وسلّم - نسخه متنی

محمد التیجانی السماوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




حول عصمه الرسول (ص)



الدّكتور محمّد التّيجاني السماوي



يقول الله سبحانه وتعالى في حقّ نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله): «والله يعصمك من النّاس» [سورة المائدة: الآية 67]. وقال أيضاً: «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى» [سورة النجم: الآية 3]. وقال: «وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» [سورة الحشر: الآية 7]. وتدل هذه الآيات دلالة واضحة على عصمته المطلقة في كل شيء. وتقولون بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) معصوم فقط في تبليغ القرآن وما عدا ذلك فهو كسائر البشر يُخطِئٌ ويُصيب وتستدلّون على خطئه في عدة مناسبات بأحداث تروونها في صحاحكم!.


فإذا كان الأمر كذلك فما هو حجّتكم وما هو دليلكم في ادّعائكم التمسّك بكتاب الله وسنّة نبيّه ما دامت هذه السنّة عندكم غير معصومة ويمكن فيها الخطأ؟


وعلى هذا الأساس فالمتمسّك بالكتاب والسنّة على حسب معتقداتكم لا يأمن من الضلالة، وخصوصاً إذا عرفنا بأن القرآن كُلّه مفسَّرٌ ومُبَيّنٌ بالسنّة النبويّة. فما هي حجّتكم في أن تفسيره وتبيانه لم يكن مخالفاً لكتاب الله تعالى؟


قال لي أحدهم معبّراً عن هذا الرأي: لقد خالف الرّسول (صلى الله عليه وآله) في القرآن في كثير من الأحكام حسب ما تقتضيه المصلحة.


ـ قلت متعجّباً: أعطني مثلاً واحداً على مخالفته.


ـ أجاب: يقول القرآن: «الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة» [سورة النور: الآية 2]. بينما حكم الرّسول على الزاني والزانية بالرّجم وهو غير موجود في القرآن.


ـ قلت: إنّما الرّجم على المحصن إذا زنى، ذكراً كان أم أنثى والجلد على الأعزب إذا زنى ذكراً كان أم أنثى.


ـ قال: في القرآن ليس هناك أعزب أو مُحصن لأن الله لم يخصّص بل أطلق لفظ الزانية والزاني بدون تخصيص.


ـ قلت: إذاً على هذا الأساس فكلّ حكم مطلق في القرآن خصّصه الرّسول (صلى الله عليه وآله) فهو مخالفٌ للقرآن؟ قأنت تقول بأن الرّسول خالف القرآن في أكثر أحكامه؟


ـ أجاب متحرّجاً: القرآن وحده معصوم لأن الله تكفّل بحفظه أمّا الرسول فهو بشر يخطئ ويصيب كما قال القرآن في حقّه: «قل ما أنا إلا بشر مثلكم»!


ـ قلت: فلماذا تُصلّي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء وقد أطلق القرآن لفظ الصّلاة بدون تخصيص لأوقاتها؟


ـ أجاب: القرآن فيه «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً» والرّسول هو الذي بيّن أوقات الصلاة.


ـ قلت: فلماذا تصدّقه في أوقات الصلاة وتردّ عليه في حكم رجم الزاني.


وحاول جهده أن يُقنعني بفلسفات عقيمة متناقضة لا تقوم على دليل عقلي ولا منطقي كقوله: بأنّ الصّلاة لا يمكن الشك فيها لأنّ رسول الله فعلها طيلة حياته وفي كل يوم خمس مرّات، أمّا الرّجم فلا يمكن الاطمئنان إليه لأنّه لم يفعله في حياته غير مرّة أو مرتين ـ وكقوله بأن الرّسول لا يُخطئُ عندما يأمره الله بأمره. أما عندكم يحكم بفكره فهو ليس معصوم، ولذلك كان الصّحابة يسألونه في كل أمر هل هو من عنده أم من عند الله، فإذا قال هو من عند الله امتثلوا بدون نقاش، وإذا قال هو من عندي، عند ذلك يُناقشونه ويجادلونه وينصحونه ويتقبّل نصائحهم وآراءهم، وقد ينزل القرآن أحياناً موافقاً لآراء بعض الصّحابة ومُخالفاً لرأيه كما في قضيّة أسرى بدر، وقضايا أُخرى مشهورة.


وحاولتُ بدوري إقناعهُ ولكن بدون جدوى ـ لأنّ علماء أهل السنّة والجماعة مقتنعون بذلك وصحاحُهم مشحونةٌ بمثل هذه الروايات التي تخدش في عصمة الرسول وتجعل منه شخصاً أقل مستوى من الرّجل الذكي، أو القائد العسكري، أو حتى شيخ الطريقة عند الصوفية، ولست مبالغاً إذ قلت أقلَّ مستوى حتى من الرجل العادي، فإذا ما قرأنا بعض الرّوايات في صحاح أهل السنّة والجماعة يتبينُ لنا بوضوح إلى أي مدى وصل التأثير الأموي في عقول المسلمين، من عهدهم وبقيت آثاره حتى يوم النّاس هذا.


وإذا ما بحثنا الغرض أو الهدف من ذلك فسوف نخرج بنتيجة حتمية ومرّة ألا وهي: أنّ أولئك الّذين حكموا المسلمين في عهد الدولة الأموية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، لم يعتقدوا يوماً من الأيّام بأنّ محمّداً ابن عبد الله، هو مبعوث برسالة من عند الله أو هو نبيّ الله حقّاً. وأغلب الظن أنّهم كانوا يعتقدون بأنّه كان ساحراً وقد تغلّب على النّاس وشيّد ملكه على حساب المستضعفين من النّاس وبالخصوص العبيد الذين أيّدوا دعوته وناصروه. وليس هذا مجرّد ظنّ فإنّ بعض الظنّ إثم ولكن عندما نقرأ في كتب التاريخ لنتعرف على شخصيّة معاوية وأحواله. وما فعله طيلة حياته خصوصاً مدة حكمه فالظن يصبح حقيقة لا مفرَّ منها. ‌‌


فكلّنا يعرف من هو معاوية. ومن هو أبوه أبو سفيان ومن هي أمّهُ هند فهو الطّليق ابن الطّليق الذي قضى شبابه في رحاب أبيه وفي تعبئة الجيوش لمحاربة رسول الله والقضاء على دعوته بكل جهوده حتّى إذا ما فشلت جميع محاولاته وتغلّب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليه وعلى أبيه استسلم للأمر الواقع في غير قناعة، ولكن الرّسول لكرمه ولعظمه خُلقه عفا عنه وسمّاه الطّليق، وبعد موت صاحب الرسالة حاول أبوه إثارة الفتنة والقضاء على الإسلام وذلك عندما جاء في اللّيل للإمام عليّ يحرّضه على الثورة ضد أب بكر وعمر ويمنّيه بالمال والرجال ولكن الإمام علي (سلام الله عليه) عرف قصده فطرده وبقي يعيش حاقداً على الإسلام والمسلمين طيلة حياته حتى آلت الخلافة إلى ابن عمّه عثمان عند ذلك أظهر ما في نفسه من كفر ونفاق فقال: تلقّفوها تلقّف الكرة يا بني أمية فوالذي يحلف به أبو سفيان ليس هناك جنّة ولا نار (1). وأخرج ابن عساكر في تاريخه من الجزء السادس في صفحة 407 عن أنس أن أبا سفيان دخل على عثمان بعدما عمي فقال: هل هنا أحد؟ فقالوا: لا. فقال: اللّهم اجعل الأمر أمر جاهلية والملك ملك غاصبية واجعل أوتاد الأرض لبني أميّة.


وأما ابنهُ معاوية وما أدراك ما معاوية فحدّث ولا حرج وما فعله بأمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) طيلة ولايته في الشّام ثم بعد تسلّطه على الخلافة بالقهر والقوة وما ذكره المؤرخون من هتكه للقرآن والسنّة وتعدّيه كل الحدود التي رسمتها الشريعة والأعمال التي يتنزّه القلم عن كتابتها واللّسان عن ذكرها لقُبحها وفحشها، وقد ضربنا عنها صفحاً مراعاةً لعواطف إخواننا من أهل السنة والجماعة والذين أشربوا في قلوبهم حبّ معاوية والدفاع عنه.


ولكن لا يفوتنا أن نذكر هنا نفسيات الرجل وعقيدته في صاحب الرسالة فهي لا تبعد عن عقيدة أبيه وقد رضعها من حليب أمّه آكلة الأكباد والمشهورة بالعهر والفجور (2) كما ورثها عن أبيه شيخ المنافقين الذي ما عرف الإسلام يوماً إلى قلبه سبيلاً.


وكما عرفنا نفسية الأب فها هو الابن يعبّر بنفس التعبير ولكن على طريقته في الدّهاء والنّفاق.


فقد روى الزبير بن بكار عن مطوف بن المغيرة بن شعبة الثقفي قال: دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ويعجب ممّا يرى منه. إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء فرأيته مغتمّاً فانتظرته ساعة وظننتُ أنّه لشيء حدث فينا أو في عملنا فقلتُ له: ما لي أراك مُغتمّاً منذ الليلة؟


قال: يا بني إني جئتُ من عند أخبث الناس، قلتُ له: وما ذاك، قال: قلتُ لمعاوية وقد خلوتُ به: إنك قد بلغتَ مُناك يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً، فإنّك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه. وإن ذلك ممّا يبقى لك ذكره وثوابه. فقال لي: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر: ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: عمر، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعُمل به فوالله ما غدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فُعل به، وإن أخا هاشم يصرخ به في كل يوم خمس مرّات: أشهد أن محمداً رسول الله: فأي عمل وأي ذكر يبقى مع هذا لا أمّ لك؟ والله إلاّ دفناً دفناً (3).


خسئت وخبت وأخزاك الله يا من أردت دفن ذكر رسول الله بكلّ جهودك وأنفقت في سبيل ذلك كل ما تملكه ولكنّ جهودك كلّها باءت بالفشل لأن الله سبحانه لك بالمرصاد وهو القائل لرسوله: «ورفعنا لك ذكرك» فلست أنت بقادر على دفن ذكره الذي رفعه ربّ العزّة والجلالة، فكدْ كيدك واجمع جمعك فأنت غير قادر على إطفاء نور الله بفيك، والله متمّ نوره رغم نفاقك فها قد مَلكت الأرض شرقاً وغرباً وما إن هلكت حتّى هلك ذكرك إلاّ أن يذكرك ذاكر بأفعالك الشنيعة التي أردت بها هدم الإسلام، كما جاء ذلك على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4). وبقي ذكر محمد بن عبد الله أخي هاشم عبر القرون والأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كلّما ذكره ذاكر إلاّ (صلى الله عليه وآله) رغم أنفك وأنوف بني أميّة الذين حاولوا بقيادتك وزعامتك القضاء عليهم وعلى فضائلهم فما زادهم ذلك إلاّ رفعة وسموّاً وسوف تلقون الله يوم القيامة غاضباً عليكم لما أحدثتموه في شريعته فيجزيكم بما تستحقون.


وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء فرخهم يزيد بن معاوية الماجن الفاسق شارب الخمور والمجاهر بالفسق والفجور فسوف نجده هو الآخر يحمل نفس العقيدة التي ورثها عن أبيه معاوية وجدّه أبي سفيان كما ورث عنهم الخسّة والدناءة وشرب الخمر ومعاقرة العاهرات ولعب القمار ولو لم يرث كل هذه الصفات البشعة لما أورثه أبوه معاوية الخلافة وسلّط على رقاب المسلمين وكلهم يعرفوه حق معرفته وفيهم فضلاء الصحابة كالحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة ولا أشك في أنّ معاوية قضى حياته وأنفق ماله الذي اكتسبه من حرام في سبيل القضاء على الإسلام والمسلمين الحقيقيين، ولقد رأينا كيف كان يريد دفن ذكر محمد (صلى الله عليه وآله) وما قدر على ذلك فأشعلها حرباً على ابن عمّه علي وصيّ النّبي حتى إذا ما قضى عليه ووصل للخلافة بالقهر والغش والنفاق سنَّ سنّة سُنّته المشؤومة وأمر عمّاله في كلّ الأقطار بلعن علي وأهل البيت النّبوي على كل المنابر وفي كلّ صلاة وهو بذلك يريد سبّ ولعن رسول الله (5) ولما أعيته الحيل وأدركه الأجل ولم يصل إلى مأربه إنتدب إبنه وولاّه على الأمة ليواصل ذلك المخطط الذي رسمه هو وأبوه أبو سفيان ألا وهو القضاء على الإسلام وإعادة الأمر إلى الجاهلية.


فاستلم ذلك الماجن الفاسق الخلافة وشمّر سواعده للقضاء على الإسلام حسب رغبة أبيه فبدأ باستباحة مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) لجيشه الكافر ففعل فيها ما فعل طيلة ثلاثة أيّام وقتل فيها عشرة آلاف من خيرة الصحابة وثنّى بعد ذلك بقتل سيد شباب أهل الجنة وريحانة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وكل أهل البيت النّبوي وهم أقمار الأمّة حتّى أخذت حرائر أهل البيت سبايا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.


ولو أن الله لم يقصف عمره لتمكّن ذلك الوغد اللئيم من القضاء على الإسلام والمسلمين. والذي يهمّنا في هذا البحث هو الكشف عن عقيدته هو الآخر كما كشفنا عن عقيدة أبيه وجدّه.


فقد حدّث المؤرخون (6) أنه بعد وقعة الحرّة المشؤومة وقتل عشرة آلاف من خيرة المسلمين سوى النساء والصبيان، وأفتضّ فيها نحو ألف بكر، وحبلت ألف إمرأة في تلك الأيام من غير زوج، ثم بايع من بقي من الناس على أنّهم عبيد ليزيد ومن امتنع قتل، ولما بلغ يزيد خبر تلك الجرائم والمآسي التي يندى لها الجبين ولم يشهد لها التاريخ مثيلاً حتى عند المغول والتتار وحتى عند الإسرائيليين فرح بذلك وأظهر الشماتة بنبيّ الإسلام وتمثّل بقول ابن الزبعّري الّذي أنشده بعد موقعة أحد قائلاً:








  • ليت أشياخي ببدر شهــدوا
    لأهلّــوا واستهلّـــوا فرحــاً
    قد قتلنا القرم من ساداتهـم
    لست من خندفٍ إن لم أنتقم
    لعبــــت هاشــم الملــك فــلا
    خبــرٌ جــاء ولا وحــيٌ نـزلْ



  • جزع الخزرج من وقع الأسلْ
    ثــم قالــوا: يا يزيــد لا تشــلْ
    وعدلنــا ميــل بــدر فاعتــدلْ
    ومـن بنـي أحمد ما كان فعلْ
    خبــرٌ جــاء ولا وحــيٌ نـزلْ
    خبــرٌ جــاء ولا وحــيٌ نـزلْ





فإذا كان الجدّ أبو سفيان العدوّ الأول لله ورسوله يقول صراحة: تلقّفوها يا بني أمية تلقّف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان فما من جنّة ولا نار.


وإذا كان الأب معاوية العدوّ الثاني لله رسوله يقول صراحة: (عندما يسمع المؤذن يشهد أن محمداً رسول الله) أي عمل وأي ذكر يبقى مع هذا لا أمْ لك؟ والله إلاّ دفناً دفناً.


وإذا ما نحن عرفنا عقيدة هؤلاء في الله ورسوله وفي الإسلام وإذا ما نحن عرفنا أعمالهم الشنيعة التي أرادوا بها هدم أركان الإسلام والإساءة إلى نبي الإسلام والتي لم نذكر منها إلاّ النزر اليسير روماً للاختصار ولو أردنا التوسّع لملأنا مجلداً ضخماً في أعمال معاوية وحده التي بقيت عليه عاراً وشناراً وفضيحة مدى الدهر ولو تجنّد لتغطيتها وسترها بعض علماء السّوء الذين كان لبني أمية عليهم أيادي وعطايا أعمت عيونهم فباعوا آخرتهم بدنياهم وألبسوا الحق بالباطل وهم يعلمون، وبقي أغلب المسلمين ضحية هذا الدسّ. والتزوير، ولو علم هؤلاء الضحايا الحقيقة، لما ذكروا أبا سفيان ومعاوية ويزيد إلاّ باللّعن والبراءة.


ولكن الذي يهمّنا في هذا البحث الوجيز هو التوصّل إلى مدى تأثير هؤلاء وأشياعهم وأتباعهم الذين حكموا المسلمين طيلة مائة عام ولمّا يزل في خطواته الأولى.


ولا شك في أنّ تأثير هؤلاء المنافقين كان كبيراً على المسلمين فغيّر عقيدتهم وغيّر سلوكهم وأخلاقهم ومعاملاتهم وحتى عباداتهم وإلاّ كيف يمكن لنا تفسير قعود الأمة عن نصرة الحق وخذلان أولياء الله والوقوف مع أعداء الله ورسوله.


وكيف يمكن لنا أن نفسّر وصول معاوية الطّليق ابن الطّليق واللّعين ابن اللّعين إلى الخلافة التي تمثل مرتبة وخلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي الوقت الذي يموّه علينا المؤرخون بأن النّاس كانوا يقولون لعمر بن الخطاب لو رأينا فيك إعوجاجاً لقوّمناك بسيوفنا. نراهم يتحدّثون عن معاوية وهو يعتلي منصّة الخلافة بالقهر والقوة وأول خطبة يقولها في جميع الصّحابة: «إني ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولكن لأتأمّر عليكم وها أنا ذا أميرٌ عليكم» فلا يحرّك منهم أحدٌ ساكناً ولا يعارضوه بل يَجْرُوا في ركابه حتى يسمّوا ذلك العام الذي استولى فيه معاوية على الخلافة بعام الجماعة في حين أنه كان بحق عام الفرقة.


ثم نراهم بعد ذلك يقبلون منه أن يولّي عليهم ابنه الفاسق يزيد المعروف لديهم جميعاً فلا يثورون ولا يتحرّكون إلاّ ما كان من بعض الصلحاء الذين قتلهم يزيد في وقعة الحرّة وأخذ ممن بقي منهم البيعة على أنهم له عبيد. فكيف لنا تفسير كل ذلك. على أننا نجد بعد ذلك أنّه وصل للخلافة باسم إمارة المؤمنين الفسّاق من بني أميّة كالوزغ مروان بن الحكم والوليد بن عقبة وغيرهم.


ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يستبيحوا مدينة رسول الله ويفعلوا فيها الأفاعيل وتُهتكُ فيها الحرمات، بل ويحرقوا بيت الله الحرام ويقتلوا في الحرم خيار الصحابة. ووصل الأمر بأمر المؤمنين أن يسفكوا دماء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك بقتلهم ريحانة رسول الله وذريته ويستبيحوا سبي بناته، فلا يحرّك أحدٌ من الأمة ساكناً ولا يجد سيد شباب أهل الجنة ناصراً.


ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يمزّقوا كتاب الله ويقولون له إذا لقيت ربّك يوم حشرٍ فقل يا رب مزّقني الوليد. كما فعل الوليد الأموي.


ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يلعنوا على المنار علي بن أبي طالب ويأمروا النّاس بلعنه في كل الأقطار وهم لا يقصدون بذلك غير لعن رسول الله فلا يحرك منهم أحدٌ ساكناً ومن امتنع قُتِلَ وصُلب ومُثّل به.


ووصل الأمر بأمراء المؤمنين أن يتجاهروا بشرب الخمر والزنا واللهو بالطرب والغناء والرقص وو وحدّث ولا حرج!


فإذا كان أمرُ الأمة الإسلامية قد وصل إلى هذا الحدّ من الانحطاط في الأخلاق والذلّ والاستكانة فلا بد أن هناك عوامل أثّرت في عقيدتها وهذا ما يهمّنا في هذا البحث لأنّه يتعلّق بموضوع العصمة وشخصية الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).


وأوّل ما يُلفتُ انتباهنا هنا هو أنّ الخلفاء الثّلاثة أبو بكر وعمر وعثمان منعوا كتابة حديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) بل وحتى التحدّث به.


فهذا أبو بكر يجمع النّاس في خلافته ويقول لهم: إنكم تحدّثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والنّاس بعدم أشدّ إختلافاً فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه (7).


كما أن عمر بن الخطاب هو الآخر منع أن يتحدّثْ الناس بحديث الرسول. قال قرظة بن كعب: لما سيّرنا عمر بن الخطاب إلى العراق مشى معنا وقال أتدرون لما شيعتكم؟ قالوا: تكرمة لنا، قال: ومع ذلك إنكم تأتون أهل قرية لهم دوّي بالقرآن كدوي النّحل فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم جوّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم.


يقول هذا الراوي: فلم أنقل حديثاً قط بعد كلام عمر، ولمّا قدم العراق هرع النّاس إليه يسألونه عن الحديث فقال لهم قرظة: نهانا عن ذلك عمر (8).


كما أن عبد الرحمن بن عوف قال بأنّ عمر بن الخطاب جمع الصّحابة من الآفاق لمنعهم من التحدث بأحاديث رسول الله في النّاس وقال لهم: أقيموا عندي ولا تفارقوني ما عشتُ، فما فارقوه حتى مات (9).


كما يذكر الخطيب البغدادي والذهبي في تذكرة الحفاظ بأنّ عمر بن الخطاب حبس في المدينة ثلاثة من الصّحابة وهم أبو الدرداء وابن مسعود وأبو مسعود الأنصاري بذنب الإكثار من نقل الحديث ـ كما أنّ عمر أمر الصحابة أن يحضروا ما في أيديهم من كتب الحديث فظنّوا أنّه يريد أن يُقوّمها على أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها كلها في النّار (10).


ثم أتى بعده عثمان فواصل المشوار وأعلن للنّاس كافة أنّه «لا يحل لأحد أن يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا عهد عمر» (11).


ثم بعد هؤلاء جاء دور معاوية بن أبي سفيان لمّا اعتلى منصّة الخلافة صعد على المنبر وقال: «أيها الناس إيّاكم والحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلاّ حديثاً يذكر على عهد عمر» (12).


فلا بدّ أنّ هناك سرّاً لمنع الأحاديث التي قالها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي لا تتماشى وما جرت عليه المقادير في ذلك العصر وإلاّ لماذا يبقى حديث الرّسول ممنوعاً طوال هذه المدة الطويلة ولا يُسمح بكتابته إلاّ في زمن عمر بن عبد العزيز.


ولنا أن نستنتج طبقاً لما سبق من الأبحاث بخصوص النصوص الصريحة في الخلافة والّتي أعلنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رؤوس الأشهاد بأنّ أبا بكر وعمر منعا من الرّاوية والحديث عن النبيّ خوفاً أن تسري تلك النّصوص في الأقطار أو حتى في القرى المجاورة فتكشف للنّاس بأنّ خلافته وخلافة صاحبه ليست شرعية وإنّما هي اغتصاب من صاحبها الشرعي علي بن أبي طالب. وقد تكلّمنا في هذا الموضوع وكشفنا عن هذه الحقيقة في كتابنا «لأكون مع الصّادقين» فليراجع لمزيد الاطمئنان.


والعجيب في أمر عمر بن الخطاب هو مواقفه المتناقضة بالخصوص في كل ما يتعلق بأمر الخلافة.


ففي حين نجده هو الذي ثبّت بيعة أبي بكر وحملَ الناس عليها قهراً يحكم عليها بأنها فلتةً وقى الله شرّها ـ وفي حين يختار هو ستّة للخلافة نراه يقول: لو ولّوها الأجلح (يقصد علي بن أبي طالب) لحملهم على الجادّة فما دام يعترف بأن علي هو الشخص الوحيد الذي يحمل النّاس على الجادّة فلماذا لم يعيّنه وينتهي الأمر ويكون بذلك قد بذل النصح لأمّة محمّد. ولكنّا نراه بعد ذلك يتناقض فيرجّح كفّة عبد الرحمن بن عوف ثم يتناقض مرة أخرى فيقول: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لوليته عليكم (13).


والأعجب من ذلك في أمر أبي حفص هو منعة الحديث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وحبسه الصّحابة في المدينة ومنعهم من الخروج منها، ونهيَه المبعوثين من قِبله إلى الأقطار بأن لا يحدّثوا النّاس عن السنّة النبوية، وحرقه للكتب التي كانت بأيدي الصّحابة وفيها أحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله).


ألم يفهم عمر بن الخطاب بأن السنّة النبويّة هي تبيان للقرآن الكريم؟ أو لّم يقرأ قوله سبحانه وتعالى: «وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم» [النحل: 4]. أم أنه فهم من القرآن ما لم يفهمه صاحب الرسالة الذي أنزل عليه القرآن؟


وهذا ما يحاوله بعض المهوّسين الذين يقولون بأن القرآن كثيراً ما ينزل موافقاً لآراء عمر، ومخالفاً لآراء النبيّ (صلى الله عليه وآله) كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنهم لا يفقهون.


وكنت دائماً أتعجب عندما أقرأ في البخاري رفض عمر قبول رواية عمّار بن ياسر بخصوص تعليم النبي له كيفية التيمّم، كما أتعجّب من قول عمّار: إن شئت لا أحدّث به. مخافة من عمر، فيتبيّن بوضوح بأن عمر بن الخطاب كان شديداً على كل من يروي أحاديث الرّسول فيلحقه الأذى.


وإذا كان الصحابة من قريش يخافون من الخليفة فلا يخرجون من المدينة وحتى الذين يخرجون منها يمتنعون عن نقل الأحاديث النبويّة، ثم يحرق لهم كتبهم التي جمعوا فيها الأحاديث فلا يتكلم منها أحدٌ، فما قيمة عمّار بن ياسر الغريب البعيد والبغيض لقريش لوقوفه مع علي بن ابي طالب وحبّه إيّاه؟


وإذا ما رجعنا قليلاً بالبحث، وبالضّبط يوم الخميس الذي سبق وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، والذي سمّاه ابن عبّاس يوم الرّزية، وذلك عندما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحاضرين أن يأتوه بالكتف والدواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً، نرى في ذلك اليوم أن عمر بن الخطّاب هو الذي اعترض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واتّهمه بالهجر ـ أي الهذيان ـوالعياذ بالله، وقال: «حسبُنا كتاب الله يكفينا» وقد أخرج هذه الحادثة البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم من المؤرخين كثير.


فإذا كان عمر يمنعُ رسول الله من كتابة أحاديثه وبمحضر كثير من الصحابة وأهل البيت ويتّهمه بالهجر بتلك الجُرأة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، فليس غريباً ولا عجيباً أن يشمّر عن ساعديه بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) ليمنع النّاس من نقل أحاديث الرسول بكل جهوده وهو الخليفة القوي الذي يملك الحول والطول، ولا شك أنّ له في الصّحابة أنصاراً كثيرين من سراة قريش الذين لهم نفوذ في القبائل والعشائر والذين كانوا يصحبون النبيّ (صلى الله عليه وآله) إما طمعاً أو خوفاً أو نفاقاً، وقد رأينا هؤلاء على كثرتهم يؤيدون قولة عمر بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يهجُر ويشاركونه في منع النبي (صلى الله عليه وآله) من كتابة الكتاب، وأعتقد بأن ذلك كان هو السبب الرّئيسي في سكوت النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الكتابة لأنّه علم بوحي ربّه بأنّ المؤامرة قوية وقد تهدّد مسيرة الإسلام بكامله إذا ما كُتب ذلك الكتاب.


ذلك الكتاب الذي أراد به رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحصين أمّته من الدخول في الضّلالة فإذا بالمتآمرين يقلّبون الموقف ويصبح ذلك الكتاب (إذا ما كُتبَ) سبب الضلالة والانقلاب عن الإسلام.


فكيف لا يُغير رسول الله ـ بأبي هو وأمّي ـ وهو على تلك الحال من المرض على فراش الموت رأيهُ وبوحي من ربّه الذي يرنّ في أذنيه، ويملأ قلبه حسرة وأسى على أمّته المنكوبة قوله: «أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم» ولم تنزل هذه الآية عفوية بل هي نتيجة حتمية لما علمه الله سبحانه من دسائسهم ومؤامراتهم ومكرهم فهو يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور ـ والذي يُعزّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ ربّه أعلمه عن كل ذلك وسلاّه وأجزاه خير ما يجزي نبي عن أمّته ولم يحمّله مسؤولية ارتداد الأمة وانقلابها ـ بل قال له مسبّقاً: «ويوم يعَضُّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذتُ مع الرسول سبيلاً، يا ويلتي ليتني لم أتّخذ فلاناً خليلاً، لقد أضلّني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً، وقال الرسول يا ربّ إنّ قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً وكذلك جعلنا لكل نبيّ عدواً من المجرمين وكفى بربّك هادياً ونصيراً » [الفرقان: 27]. والذي لا مفرّ منه في هذا البحث هو النتيجة المؤلمة التي وصلنا إليها، وهو أن أبا سفيان ومعاوية ما كانا ليتجرّءا على صاحب الرسالة لولا مواقف عمر السّابقة وجرأته على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبحضرته (صلى الله عليه وآله). وخصوصاً إذا بحثنا مواقفه طيلة حياة النبي (صلى الله عليه وآله) ومعارضته إياه في كثير من المواقف.


والاستنتاج الذي لا بدّ منه هو أن هناك مؤامرة كبرى حيكت للنّيل من شخصية الرسول الأكرم وانتقاصه وتصويره للناس الذين لم يعرفوه بأنّه شخصٌ عاديٌ أو أقلّ من ذلك فقد تأخذه العاطفة ويميل مع هواه ويزيغ عن الحق كل ذلك ليموّهوا على الناس بأنّه ليس معصوماً والدليل أنّ عمر عارضه عدة مرات والقرآن ينزل بتأييد ابن الخطاب حتّى وصل الأمر بأن يهدد الله نبيّه (صلى الله عليه وآله) فيبكي ويقول: لو أصابنا الله بمصيبة لم ينجُ منها إلا ابن الخطاب (14) في قضية اسرى بدر.


أو أن عمر كان يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأن يحجُب نساءه ولم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) يفعل ذلك حتى نزل القرآن بتأييد عمر، وأمر نبيّه (صلى الله عليه وآله) أن يحجب نساءه (15) أو أن الشيطان لا يخاف من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكنّه يخاف ويهرب من عمر (16) إلى غير ذلك من الروايات المخزية التي تحطّ من قيمة الرسول (صلى الله عليه وآله) وترفع من قيمة الصحابة ولكن عمر ضرب الرقم القياسي في هذا الصدّد حتى رووا (أخزاهم الله) بأن رسول الله كان يشكّ في نبوّته وذلك لحديث يروونه بأنه قال (صلى الله عليه وآله): «ما أبطأ عني جبرئيل إلاّ ظننت أنّه ينزل على عمر بن الخطاب»!!.


وأنا أعتقد بأن هذه الأحاديث وأمثالها وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان لما أعيته الحيلة في طمس حقائق علي بن أبي طالب فلجأ إلى إطراء أبي بكر وعمر وعثمان واختلاف الفضائل لهم كي يرفعهم في نظر النّاس على مقام علي ويرمي من ذلك إلى هدفين:


الهدف الأوّل تصغير شان ابن أبي طالب (أبو تراب) كما يُسمّيه هو للتمويه على النّاس واعتبار الخلفاء الثّلاثة الذين سبقوه أفضل منه. والهدف الثاني لوضعه الأحاديث هو لكي يتقبل الناس تجاوز أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصاياه في أمر الخلافة في أهل بيته خصوصاً الحسنين عليهما السلام اللذين كانا يعاصران معاوية ـ فإذا كان من الممكن أن يتجاوز الثلاثة أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله) في علي عليه السلام لِمَ لا يمكن أن يتجاوز معاوية (الرابع) أوامره (صلى الله عليه وآله) في أولاد علي عليه السلام.


وقد نجح ابن هند في مخطّطه نجاحاً كبيراً والدليل أنّنا اليوم عندما نتحدث عن علم علي وشجاعته وقرابته وأفضاله على الإسلام والمسلمين يقفُ في وجوهنا من يقول: «قال رسول الله لو وزن إيمانُ أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر» ويقف في وجوهنا من يقول: «عمر الفاروق هو الذي يفرق بين الحق والباطل» ويقف في وجوهنا من يقول: عثمان ذو النورين الذي استحت منه ملائكة الرحمن.


والمتتّبع لهذه الأبحاث يجد أن عمر بن الخطاب أخذ نصيب الأسد في باب الفضائل وليس ذلك من باب الصدفة، كلاَّ ولكن لمواقفه المعارضة والمتعددة تجاه صاحب الرسالة. أحبّتْهُ قريش. وخصوصاً للدور الذي لعبه عمر في إقصاء أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عن الخلافة وإرجاع الأمر إلى قريش تتحكّم فيه كيف شاءت ويطمع فيه الطلقاء والملعونين من بني أميّة، وقريش كلّها وعلى رأسهم أبو بكر يعرفون بأنّ الفضل كلّه يرجع لعمر في تسلطهم على رقاب المسلمين. فعمر هو بطل المعارضة لرسول الله وعمر هو المانع لرسول الله بأن يكتب الخلافة لعليّ، وعمر هو الذي هدّد الناس وشكّكهم في موت نبيّهم حتّى لا يسبقوه بالبيعة لعلي، وعمر هو بطل السّقيفة، وهو الذي ثبّت بيعة أبي بكر، وعمر هو الذي هدّد المتخلّفين في بيت علي بأن يحرق عليهم الدار بمن فيها إن لم بايعوا أبا بكر، وعمر هو الذي حمل الناس على بيعة أبي بكر بالقوّة والقهر، وعمر هو الذي كان يعيّن الولاة ويعطي المناصب في خلافة أبي بكر، بل لسنا مبالغين إذا قلنا بأنّه هو الحاكم الفعلي حتّى في خلافة أبي بكر نفسه فقد حكى بعض المؤرخين بأنّ المؤلفة قلوبهم لما جاؤوا لأبي بكر لأخذ سهمهم الذي فرضه الله لهم جرياً على عادتهم مع سول الله (صلى الله عليه وآله) فكتب لهم أبو بكر بذلك فذهبوا إلى عمر ليتسلّموا منه فمزّق الكتاب وقال: لا حاجة لنا بكم فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم فإن أسلمتم وإلاّ فالسيف بيننا وبينكم. فرجعوا إلى أبي بكر، فقالوا له أنت الخليفة أم هو؟ فقال: بل هو إن شاء الله تعالى وأمضى ما فعله عمر (17).


ومرة أخرى كتب أبو بكر لصحابيين قطعة من الأرض وأرسلها لعمر ليمضي فيه فتفل فيه عمر ومحاه فشتماه ورجعا لأبي بكر يتذمّران فقالا: ما ندري أأنت الخليفة أم عُمر؟! فقال: بل هو، وجاء عمر مغضباً إلى أبي بكر وقال له: ليس من حقك إعطاء الأرض إلى هذين. فقال أبو بكر: لقد قلتُ لك بأنّك أقوى منّي على هذا الأمر ولكنّك غلبتني (18).


ومن هنا يتبيّن لنا سرّ المكانة التي حظي بها عمر بن الخطاب لدى قريش عامة ولدى بني أمية خاصّة حتى سمّوه بالعبقري وبالملهم وبالفاروق وبالعدل المطلق إلى أن فضّلوه على رسول الله (صلى الله عليه وآله).


وقد رأينا عقيدة عمر في رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يوم صلح الحديبية إلى يوم الرّزية أضف إلى ذلك أنّه منع الصحابة من التبرّك بآثار رسول الله صلّى اله عليه وسلّم فقطع شجرة بيعة الرضوان، كما توسّل بالعبّاس عمّ النبيّ ليُشعرَ الناس بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات وانتهى أمره فلا فائدة حتى في ذكراه، فلا لوم على الوهابية الذين يقولون بهذه المقالات فهي ليستْ جديدة كما يتوهّم البعض.


ومن هنا فُتح الباب إلى أعْداء الإسلام والمستشرقين ليستخلصوا بأنّ محمّداً رجلٌ عبقري عرف أنّ قومه وثنّيّين تربّوا على عبادة الأصنام فأزال الأصنام ولكنّه أبدلهم بذلك حجراً أسوداً.


ونرى بعد كل هذا عم هو بطل المعارضة لكتابة الأحاديث النبويّة حتى يحبس الصحابة في المدينة ويمنع آخرين من الحديث ويحرق كتب الحديث حرصاً منه بأن لا تتفشّى السنّة النبوية بين النّاس.


ونفهم أيضاً من خلال ذلك لماذا بقي علي حَبيس الدّار لا يخرج إلاّ عندما يُدعى لحلّ معضلة عجز عنها الصحابة ولم يُشركه عمر في منصب ولا في ولاية ولا في مسؤولية ولا في بعث، وحُرم حتّى من ميراث فاطمة وليس عنده ما يُطمع الناس فيه ولذلك يذكر المؤرخون بأنّه اضطرّ للبيعة بعد موت الزهراء سلام الله عليها لمّا رأى تحوّل وجوه الناس عنه: لك الله يا أبا الحسن فكيف لا يبغضُك الناس وقد قتلت أبطالهم وفرّقت جموعهم وسفّهت أحلامهم، وما تركت لهم في سوق الفضائل فضيلة ولا في ميدان الحسنات حسنة ومع ذلك فأنت ابن عمّ المصطفى وأقربهم إليه وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين وأبو السبطين سيدي شباب أهل الجنّة وأوّلهم إسلاماً وأكثرهم علماً.


وعمّك حمزة سيد الشهداء، وجعفر الطيار ابن أمّك وأبيك، وأبو طالب سيد البطحاء وكفيل النبي (صلى الله عليه وآله) هو أبوك، والأئمة الميامين كلهم من صُلبك، سبقت السَّابقين ونأيت عن اللاّحقين فكنت أسد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وكنت سيف الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وكنت أمين الله ورسوله صلّى اله عليه وسلّم عندما بعثك (صلى الله عليه وآله) ببراءة ولم يأتمن عليها غيرك ـ وكنت أنت الصّديق الأكبر لا يقولها بعدك إلاّ كذّاب وكنت الفاروق الأكبر الذي يسير الحق في ركابه فيُعرف الحقُ به من بين ركام الباطل، وكنت العلم الظاهر والمنار الساطع يُعرفُ بحبّه إيمان المؤمن وببغضه نفاق المنافق. وكنتَ الباب لمدينة العلم، من أتاك أتاها، فقد كذب من زعم الدخول من غيرك والوصول بدونك.


فمن منهم له سهم كسهمك يا أبا الحسن ومن منهم له فضلٌ كفضلك فإن كان للشرف دليلاً فأنت دليله وأنت مبتداه ومنتهاه لقد حسدوك على ما أتاك الله من فضله ولقد أبعدوك لمّا خصّك الله من قُربه فسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.


لقد شط بنا القلم إلى مناجاة أمير المؤمنين المظلوم حيّاً وميّتاً وله في أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة فهو أيضاً مظلوم حيّاً وميّتاً لأنّه قضى حياته (صلى الله عليه وآله) مجاهداً ناصحاً حريصاً على المؤمنين بهم رؤوف


رحيم وقابلوه في آخر لحظة بالكلام القبيح ورموه بالهجر وجابهوه بالعصيان والتمرّد في تأميره أسامة وهرعوا للسقيفة من أجل الخلافة وتركوه جثة هامدة ولم يشتغلوا حتى بتجهيزه وغسله وتكفينه بأبي هو وأمي، وبعد وفاته عملوا على انتقاصه في أعين الناس والحط من قيمته وتجريده من العصمة التي يشهد بها القرآن والوجدان كل ذلك من أجل حكم زائل ودنيا فانية.


وإذا عرفنا من خلال البحث، موقف بعض الصحابة تجاه شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أجل الوصول للخلافة.


فإنّ حكام بني أميّة على رأسهم معاوية بن أبي سفيان جاءتهم الخلافة بالوراثة واطمأنّوا لها ولم يكن يدور في خلد أحدٍ منهم بأنها في يوم من الأيام سوف تخرج منهم، فلماذا استمرّ بنوا أميّة في انتقاص شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتزوير الرّوايات للحطّ من قيمته.


وأعتقد بأنّ هناك سببين رئيسيين وهما:


السبب الأول: إن في الحطّ من قيمة رسول الله، هو إرغام أنوف بني هاشم الذين نالوا عزّاً وشرفاً بين كل القبائل العربية لوجود النبي منهم وخصوصاً إذا عرفنا أن أمية كان ينافس أخاه هاشماً ويحسده ويعمل كل ما في وسعه للقضاء عليه.


زد على ذلك بأن عليّاً هو سيد بني هاشم بعد الرسول من غير منازع وقد عرف الخاص والعام بغض معاوية لعلي والحروب التي شنّها ضدّه لانتزاع الخلافة منه وبعد مقتله أولغ في سبّه ولعنه على المنابر. فالحطّ من شخصية الرسول بالنسبة لمعاوية هو تحطيم شخصية علي كما أن سبّ ولعن علي هو في الحقيقة موجّهٌ لرسول الله.


السبب الثاني: إن في الحطّ من قيمة رسول الله ـ فيه تبرير لما يقوم به حكام بني أمية من أعمال مخزيّة وقبائح شنيعة سجلها لهم التاريخ ـ فإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ كما يصوره بني أمية ـ بميل مع هواه ويحبّ النّساء إلى درجة أنّه ينسى واجباته ويميل إلى إحداهن إلى درجة أنه لا يعدل بينهن حتى يبعثن له يطالبنه بالعدل. فلا لوم بعد ذلك على البشر العاديين أمثال معاوية ويزيد وأضرابهم.


وتكمن الخطورة في السبب الثاني في أن الأمويين اختلقوا روايات وأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصبحت أحكاماً يُعمل بها في الإسلام، والمسلمون يأخذونها مسلّمة على أنها من أقوال وأفعال الرسول (صلى الله عليه وآله) فتصبح عندهم سنّة نبويّة.


وأضرب لذلك بعض الأمثلة من الأحاديث المخزية التي وُضعت للنيل من شخصية الرسول والحطّ من قيمته ولا أريد أن أتوسّع في هذا الموضوع وسوف أقتصر فقط على ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما (روايات مخزية للطّعن في النّبي).


1 ـ أخرج البخاري في كتاب الغسل في باب إذا جامع ثم عاد ـ قال أنس: كان النبي (صلى الله عليه وآله) يدور على نسائه في السّاعة الواحدة من اللّيل والنّهار وهنّ إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: أو كان يُطيقه؟ قال: كنا نتحدّث أنه أعطي قوة ثلاثين.


أنظر معي أيها القارئ إلى هذه الرواية المخزية التي تصوّر لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا النهم من الجماع فيجامع إحدى عشرة زوجة في ساعة واحدة ويجامعهنّ في الليل أو النهار وبهذه السرعة ومن غير أن يغتسل من الأولى فيجامع الثانية بماء الأولى وما عليك أيها القارئ إلاّ أن تتصور وتتخيّل كيف يرتمي إنسان على زوجته كالحيوان بدون مقدمات ولا تهيئة وقد شاهدنا أنّه حتى عند الحيوانات تستغرق عملية الجماع مدة طويلة وتتطلّب مقدّمات وتهيأ فكيف بهذا الرسول العظيم يفعل مثل هذا؟ قاتلهم الله ولعنهم أنّي يؤفكون ـ ولأن العرب في ذلك العهد والرجال حتى في هذا العهد ما زالوا يفتخرون بقوة الجماع ويعتبرون ذلك علامة الرجولة فوضعوا هذه القصة على رسول الله (صلى الله عليه وآله). وحاشاه وهو الذي كان يقول: «لا ترتموا على نسائكم كالبهائم واجعلوا بينكم وبينهنّ رسولاً».


فبمثل هذه الروايات يتحامل أعداء الإسلام على النبي (صلى الله عليه وآله) ويصفونه بأنه رجل يتهالك على الجنس والجماع وحبّ النساء إلى غير ذلك من التّهم.


وهل لنا أن نسأل أنس بن مالك راوي هذه القصّة، من أخبره بها؟ من أعلمه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُجامع نساءه في ساعة واحدة وهن إحدى عشرة؟


هل النبي هو الذي حدّثه بذلك؟ فهل يليق بأحدنا أن يحدّث الناس على مجامعته لزوجته؟ أمْ أنّ زوجات النبي هنّ اللاتي حدّثنه بذلك؟ فهل يليق بالمرأة المسلمة أن تحكي للرجال عن جماع زوجها لها؟ أم أنّ أنس هو الذي تجسّس على النبي وتتبّع خلواته مع زوجاته وتفرج عليه من ثقوب الأبواب؟ أستغفر الله من همزات الشياطين ولعن الله الكذّابين.


ولا أشكّ في أن الحكام الأمويّين والعباسيين الذين اشتهروا بكثرة النساء والجواري هم الذين وضعوا مثل هذه القصّة لتبرير أعمالهم.


2 ـ أخرج البخاري في صحيحه من الجزء الثالث صفحة 132 وكذلك مسلم في صحيحه من الجزء السابع في صفحة 136 قالا: قالت عائشة أرسل أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى رسول الله فاستأذنت عليه وهو مُضطجع معي في مرطي فأذن لها، فقالت: يا رسول الله إنّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في أبنة أبي قحافة، وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أي بُنيّة ألست تُحبّين ما أحبُّ فقالت: بلى، قال: فأحبّي هذه»


ثم تمضي الرواية فتقول إلى أن يبعث أزواج النبي مرّة ثانية بزينب بنت جحش زوج النبي ينشدنّهُ العدل في بنت أبي قحافة فتدخل هي الأخرى على رسول الله وهو مضطجع مع عائشة ولابس مرطها على الحالة التي دخلت عليه فاطمة فتنشد الرسول العدل في بنت أبي قحافة على لسان أزواج النبيّ ثم تقع في عائشة وتسبّها فتنتصر عائشة لنفسها وتقع هي الأخرى في زينب حتى تسكتها فيبتسم عند ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقول «إنها إبنة أبي بكر».


فما عساني أن أقول في هذه الرواية المنكرة التي تجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يميل مع هواه ولا يعدل بين زوجاته،وهو الذي جاء القرآن على لسانه: «وإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم» .


ثم كيف يأذن الرسول (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة سيدة النساء لتدخل عليه وهو على تلك الحالة مضطجع مع زوجته ولا بس مرطها، فلا يجلس ولا يقوم ويبقى مضطجعاً حتى يقول، أي بنية: ألست تحبّين ما أحبّ. وكذلك عندما تدخل عليه زوجته زينب وتطالبه بالعدل يبتسم ويقول إنها ابنة أبي بكر.


أنظر أيها القارئ الكريم إلى هذه المخازي التي يُلصقونها برسول الله (صلى الله عليه وآله) رمز العدالة والمساواة في حين أنهم يقولون مات العدل مع عمر بن الخطاب ويصوّرون رسول الله (صلى الله عليه وآله) شخصاً مستهتراً بالقيم الأخلاقية فلا يعرف الحياة ولا المروءة ـ ولهذه الرواية نظائر كثيرة في صحاح السنّة والتي يقصد الرّواة من ورائها إبراز فضلية لصحابي أو لعائشة بالذات لأنها ابنةُ أبي بكر، فينتقصون رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حيث يشعرون أو لا يشعرون ـ وكما قدّمت في البحث، بأن هذه الرّوايات موضوعة للنيل من شخصيّة الرسول (صلى الله عليه وآله) فإليك الرواية الثالثة وهي شبيهة بهذه.


3 ـ أخرج مسلم في صحيحه في باب فضائل عثمان بن عفان. عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) وعثمان حدّثا أنّ أبا بكر استأذن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو مضطجع على فراشه لابسٌ مِرَط عائشة فأذن لأبي بكر وهو كذلك فقضى إليه حاجته ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: أجمعي عليك ثيابك فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت. فقالت عائشة: يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّ عثمان رجلٌ حَييٌّ وإنّي خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلُغ إليّ في حاجته.


وهذه الرواية أيضاً هي الأخرى شبيهة بما أخرجه البخاري ومسلم في فضل عثمان بن عفان ومفادها بأنّ رسول الله كان كاشفاً على فخذيه فاستأذن أبو بكر فلم يغطّي رسول الله فخذيه وكذلك فعل مع عمر فلما استأذن عثمان غطّى رسول الله فخذيه وسوّى ثيابه ولمّا سألته عائشة عن ذلك قال لها: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة».


قاتل الله بني أميّة الذين ينتقصون رسول الله لرفع مكانة سيّدهم.


4 ـ أخرج مسلم في صحيحه في باب وجوب الغسل بالتقاء الختانين عن عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) عن الرّجل يجامع أهله ثم يُكسل هل عليهما الغسْلُ وعائشة جالسة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل».


وأترك لك أيها القارئ أن تُعلّق بنفسك على هذه الرواية. فقد بلغ من تدليل الرسول (صلى الله عليه وآله) لزوجته عائشة أن يحدّث بجماعها الخاص والعامّ من الناس وكم لعائشة بنت أبي بكر من أمثال هذه الروايات التي فيها مسّ من كرامة الرسول والحطّ من قيمته، فمرة تروي بأنه يضع خدّه على خدّها لتتفرج على رقص السودان ومرّة يحملها على كتفه ومرّة يتسابق معها فتغلبه وينتظر الرسول (صلى الله عليه وآله) حتى تسمن فيسابقها ويقول هذه بتيك، ومرة يستلقي على ظهره والنساء يضربن بالدفوف ومزمارة الشيطان في بيته فينتهرها أبو بكر.


وكم في كتب الصحاح أمثال هذه الروايات المخزية التي لا يقصد منها إلاّ انتقاص نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)، كالروايات التي تقول بأنّ الرسول سُحر حتّى لا يدري ما يفعل وما يقول وحتى يخيّل له أنه يأتي نساءه ولا يأتيهنّ (19) وكالروايات التي تقول بأنّه (صلى الله عليه وآله) كان يصبح في رمضان جنباً (20) وأنه ينام حتى يغطّ في نومه ثم يقوم فيصلّي بغير وضوء (21).


ويسهو في صلاته فلا يدري كم ركعة صلّى (22) ولا يدري رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما هو مصيره يوم القيامة وما يفعل به (23) وأنه يبول قائماً والصحابي ) يبتعد عنه فيناديه الرسول (صلى الله عليه وآله) ليقترب منه حتى يفرغ من بوله (24).


نعم لقد بلغ من تدليل رسول الله (صلى الله عليه وآله) زوجته عائشة بنت أبي بكر أنه يحبس نفسه ويحبس المسلمين معه ليبحثوا عن عقد ضاع من عائشة وليس معهم ماء حتّى أن الناس يشتكون من عائشة لأبي بكر فيأتي أبوها يوبّخها ويلومها كل ذلك ورسول الله مشغول بالنوم في حجر زوجته. وإليك الرواية بالتفصيل!


أخرج البخاري في صحيحه في باب التيمم ومسلم في صحيحه في باب التيمم أيضاً عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض أسفاره حتّى إذا كنّا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماءٍ وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالناس معه وليسوا على ماءٍ وليس معهم ماء. فجاء أو بكر ورسول الله صلّى الله عليه واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء. قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرّك إلا مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى أصبح على غير ماءٍ فأنزل الله آية التيمّم فتيمّموا. فقال أسيد بن الحُضير وهو أحد النقباء: ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر. فقالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه فوجدنا العقد تحته (25).


فهل يصدق مؤمن عرف الإسلام بأن رسول الله يتهاون في أمر الصلاة إلى هذه الدرجة ويحبس المسلمين وهم على غير ماء وليس عندهم ماء كل ذلك من أجل البحث على عقد زوجته الذي ضاع منها. ثم يترك المسلمين يتحسّرون على الصلاة ويشتكون إلى أبي بكر، وهو يذهب فينام على فخذ زوجته ثم يستغرق في نوم لا يشعر معه بدخول أبي بكر وتوبيخه عائشة وطعنها في خاصرتها، وكيف يجوز لهذا الرسول أن يترك النّاس يموجون من أجل الماء واقتراب وقت الصلاة وينام هو في حجر زوجته.


ولا شك بأن هذه الرواية وضعت في زمن معاوية بن أبي سفيان ولا أساس لها، وإلاّ كيف نفسّر حادثة مثل هذه حضرها كل الصحابة وتغيب عن عمر بن الخطاب فلا يعرفها عندما يسئل عن التيمّم كما أخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب التيمّم.


والمهم في كل هذه الأبحاث هو أن نعرف بأنّ المؤامرة ضد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت مؤامرة خسيسة ودنيئة تعمل على الانتقاص من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحط من قيمته إلى درجة أن أحدنا اليوم (ورغم كل الفساد الذي عمّ البرّ والبحر) لا يرضى لنفه مثل هذه المواقف والأفعال. فما بالنا بأعظم شخصية عرفا تاريخ البشرية والذي يشهد له ربّ العزة والجلالة بأنّه على خلق عظيم.


وقد بدات المؤامرة حسب اعتقادي بعد حجة الوداع وبعد تنصيب الرسول (صلى الله عليه وآله) للإمام علي كخليفة له يوم غدير خم وبذلك عرف الطّامعون في الرئاسة أن ليس أمامهم إلاّ المعارضة والتمرّد على هذا النّص كلّفهم ذلك ما كلّفهم ولو أدّى إلى الانقلاب على الأعقاب. وبذلك يستقيم تفسير الأحداث التي بدأت بمعارضة الرسول (صلى الله عليه وآله) في كل أوامره من كتابة الكتاب إلى تأمير أسامة إلى عدم الذهاب في الجيش الذي عبأه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنفسه، وكذلك الأحداث التي أعقبت وفاته (صلى الله عليه وآله) من حمل الناس على البيعة بالقوة وتهديد المتخلفين بالحرق وفيهم علي وفاطمة والحسنين، إلى منع الناس من نقل أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحرق الكتب التي فيها سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبس الصحابة لئلا يتحدثوا بأحاديث النبي، إلى قتل الصحابة الذين امتنعوا عن أداء الزكاة لأبي بكر لأنه ليس هو الخليفة الذي بايعوه على عهد نبيّهم، إلى اغتصاب حق فاطمة الزهراء من فدك والإرث وسهم الخمس وتكذيبها في دعواها، إلى إبعاد الإمام علي عليه السلام عن كل مسؤولية وتولية الفسّاق والمنافقين من بني أمية على رقاب المسلمين إلى منع الصحابة من التبرّك بآثار الرسول (صلى الله عليه وآله) ومحاولة محو اسمه من الأذان إلى إباحة مدينته المنورة للجيش الكافر يفعل فيها ما يشاء إلى ضرب البيت الحرام بالمنجنيق وحرقه وقتل الصحابة في داخله ـ إلى قتل عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) وسبّهم ولعنهم وحمل الناس على ذلك ـ إلى قتل وتشريد من يحبّ أهل البيت ويتشيع لهم، إلى أن أصبح دين الله لعباً وهزؤاً والقرآن يُمزق ويُعبث به.


والمؤامرة ما زالت حتى اليوم وآثارُها ومفعولها يسري في الأمة الإسلامية وما دام هناك في المسلمين من يترضّى عن معاوية ويزيد ويبّرر أفعالهم بأنها اجتهاد ولهم بها أجرٌ عند الله وما دام هناك من يكتب الكتب والمقالات ضد شيعة أهل البيت ويرميهم بكل شتيمة وشنيعة، وما دام هناك من يستبيح قتل شيعة أهل البيت في بيت الله الحرام وفي موسم الحجّ ـ فالمؤامرة ما زالت متواصلة وستبقى متواصلة إلى أن يشاء الله.


وأنا لست بقادر على كشفها كلها أو الإحاطة بكل تفاصيلها وجوانبها ولكني أحاول بجهدي المتواضع أن أُنزّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الروايات المخزية التي ألصقت بحضرته وأدافع عنه وعن عصمته، وأحاول إقناع المسلمين المثقّفين والمتحرّرين بأنّ هذا الرسول الذي أرسله الله لهداية البشرية جميعاً وجعله قمراً وسراجاً مُنيراً هو أجلّ وأعظم وأسمى وأظهر وأنقى وأكمل إنسان خلقه الله تعالى فلا يمكن لنا أن نسكت على مثل هذه الروايات التي لم يقصد من ورائها إلا النّيل من كرامته والحطّ من قيمته.


فلا ولن نرضى بهذه الروايات ولو اتّفق عليها أهل السنة والجماعة وأخرجوها في صحاحهم ومسانيدهم، لا بل ولو اتفق عليها أهل الأرض كافّة. فقوله سبحانه وتعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم» هو القول الفصل والحكم الأصل وليس بعده إلا الأباطيل والأوهام.


وهذا هو قول الشيعة في سيد الأنام ومنقذ البشرية من العمى والضلال وقائدها إلى الأمن والسّلام فاعتبروا يا أولى الألباب!.


قول أهل الذكر في الرسول (صلى الله عليه وآله)


يقول الإمام علي: حتّى أفضتْ كرامة الله سبحانه إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً وأعزّ الأرومات مغرساً. من الشجرة التي صدع منها أنبياءه وانتخب منها أمناءه، عترته خير العتر وأسرتُه خير الأسر وشجرته خير الشجر نبتت في حرم وبسقت في كرم، لها فروع طوالٌ وثمرة لا تنال فهو إمام من أتّقى وبصيرة من أهتدى، سراج لمع ضوءه وشهابٌ سطع نوره وزندٌ برق لمعه سيرته القصد وسنّته الرشد وكلامه الفصل وحكمه العدل، أرسله على حين فترة من الرسل وهفوةٍ عن العمل وغباوة من الأمم فبالغ (صلى الله عليه وآله) في النّصيحة ومضى على الطريقة ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة مستقره خير مستقرّ ومبتُهُ أشرف منبت في معادن الكرامة ومماهد السلامة قد صُرفت نحوه أفئدة الأبرار وثنيت إليه أزمة الأبصار دفن به الضّغائن وأطفأ به الثّوائر. ألّف به أخواناً وفرّق به أقراناً، أعزّ به الذلّة وأذلّ به العزّة كلامه بيان وصمته لسان أرسله بحجة كافية، وموعظة شافية ودعوى متلافية، أظهر به الشرائع المجهولة وقمع به البدع المدخولة، وبيّن به الأحكام المفصولة.


أرسله بالضياء وقدّمه في الاصطفاء فرتق به المفاتق وساور به المغالب وذلَّل به الصعوبة وسهّل به الحزونة حتى سرّح الضلال عن يمين وشمال.




1- تاريخ الطبري: 11/357. مروج الذهب: 1/440.


2- الزمخشري في ربيع الأبرار ج2 باب القرابات والأنساب. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/111.


3- كتاب الموفقيات: 576. تاريخ المسعودي مروج الذهب: 2/341. وشرح النهج لابن أبي الحديد: 5/130. الغدير للعلامة الأميني: 10/ 283.


4- كتاب صفين: 44.


5- أخرج ابن عبد ربه في العقد الفريد: 2/301 قال إن معاوية لعن علي على المنبر وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر ففعلوا، فكتبت أمّ سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى معاوية: إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم. وذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهد أن الله أحبّه ورسوله، فلم يلتفت معاوية إلى كلامها.


6- أنساب الأشراف للبلاذري: 5/42. لسان الميزان: 6/294. تاريخ ابن كثير: 8/221. الإصابة: 3/473.


7- تذكرة الحفاظ للذهبي: 1/ 2 و3.


8- سنن ابن ماجة: 1/12. وسنن الدارمي: 1/85. والذهبي في تذكرة الحفاظ: 1/ .


9- مستدرك الحاكم: 1/110. كنز العمال: 5/239.


10- الطبقات الكبرى لابن سعد: 5/140. الخطيب البغدادي في تقييد العلم .


11- منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد: 4/64.


12- الخطيب البغدادي شرف أصحاب الحديث: 91.


13- وهذا الحديث اتخذه أبو حنيفة حجة على جواز الخلافة للموالي وخالف بذلك الصريح من حديث النبي (صلى الله عليه وآله) بأن الخلافة لا تكون إلاّ في قريش، ومن أجل ذلك اعتنق الأتراك مذهب أبو حنيفة عندما استولوا على الخلافة وسمّوا أبا حنيفة الإمام الأعظم.


14- البداية والنهاية لابن كثير نقلاً عن مسلم والإمام أحمد وأبي داود والترمذي وكذلك في السيرة الحلبية والسيرة الدحلانية: 1/512.


15- صحيح البخاري: 1/46 باب خروج النساء إلى البراز.


16- البخاري: 4/96 وج8/161.


17- كتاب الجوهرة النيرة في الفقه الحنفي: 1/164.


18- الإصابة في معرفة الصحابة للعسقلاني في ترجمة عيينة. ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 3/108.


19- البخاري: 4/68 وج7/29.


20- البخاري: 2/232 وصفحة 234.


21- البخاري: 1/ 44 و171.


22- البخاري: 1/123 وج 2/65.


23- البخاري: 2/71.


24- صحيح مسلم: 2/157 في باب المسح على الخفين.


25- صحيح البخاري: 1/86. وصحيح مسلم: 1/191.


/ 1