بيركهارت: المستشرق الرحالة في خدمة الدوائر البريطانية
في الثامن عشر من تموز (يوليو) 1814م .
نزل في جدّة أحد أخطر الرحالة الغربيين في القرن التاسع عشر . وسار منها
إلى الطائف لمقابلة الخديوي محمد علي باشا ، ثمّ قصد مكة المكرمة ;
لإداء فريضة الحج على مايدّعي متخفياً تحت اسم مستعار هو «الشيخ
إبراهيم» .
إنّه الرحالة السويسري الأصل البريطاني
الجنسية «يوهان لودنج بيركهارت» أهم الرحالة الأوربيين ، وأغزرهم علماً
وثقافة وأبعدهم صيتاً وشهرة .
فمن هو بيركهارت هذا؟
وماهي طبيعة مهمته ؟
وماذا أنجز منها ؟
بطاقته الشخصيّة
يسميه الإنجليز «جون لويس» ، مستشرق
سويسري رحالة . ولد في لوزان عام 1784م ، وتخرّج من ليبزيج وغوتنجن
في الكيمياء ، وزار انجلترا وتعلّم في كمبردج الطب وعلم الفلك واللغة
العربية ( 1806 ـ 1809م ) ، وتجنّس بالجنسية البريطانية ، ثمّ قصد حلب حيث أتقنَ اللغة العربية ، وقرأ
القرآن وتفقه في الدين الإسلامي ، وتظاهر باعتناقه عام 1809م ،
وتسمى بإبراهيم بن عبد الله .
زار تدمر ودمشق ومصر وبلاد النوبة وشمالي السودان ، ثمّ مضى إلى
الحجاز ، فأدّى مناسك الحج! ، ليعود إلى القاهرة عام 1815م ،
وقد أخذ منه الاعياء كلّ مأخذ . وفي السنة التي بعدها زار سيناء وعاد
إلى القاهرة في حزيران (يونيو) 1816 ; ليبدأ منها رحلة جديدة
للاستكشاف ، ولكنه مرض وتوفي في القاهرة عام
1817م .
تلك هي ـ باختصار شديد ـ أبرز محطات حياة بيركهارت ، وبالإمكان
القول : إنّ بيركهارت يُعدّ نقلةً نوعيّة ، في تأريخ الرحّالة
الاُوروبيين; وذلك لتضافر ثلاث حلقات تمازجت فتكاملت . . فكان
بيركهارت .
فمن طبيعة المناخ الدولي الذي شهدته اوروپا
عقب حملة نابليون على مصر ، وماأفرزته من
تداعيات ، على صعيد التنافس بين الدول الكبرى ، لا سيما بين فرنسا
وبريطانيا .
إلى طبيعة الإعداد الخاص الذي تلقّاه بيركهارت في أروقة لندن وجامعة كمبردج
بالذات ، تمهيداً لتكليفه بمهمّة خاصة ، ليست بمنأى عن الاستخدام
الاستعماري للحقول الاستشراقيّة .
ثمّ إنّ طبيعة الاستعدادات الخاصة لدى بيركهارت; من نزوع إلى المغامرة ،
وشغف بالعلم ، وقدرة على تحمّل الصعاب ، ومهارة مدهشة على التخفّي
بعباءة الإسلام ، ومَلَكَة عالية لقراءة الحاضر والمستقبل . .
كلّ ذلك أضفى على طبيعة مهمته أهمية خاصة ; نظراً لأنها دشّنت مرحلة
جديدة في تأريخ الاستشراق .
ولابدّ من إلقاء بعض الأضواء الكاشفة ، ولو بشكل سريع :