لمحة عن الحج و مناسکه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

لمحة عن الحج و مناسکه - نسخه متنی

محمدجواد حجتی کرمانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







1 ـ لمحة عن الحجّ



كلمة
الحجّ وما يندرج تحتها من عناوين المناسك، تستطيع التعبير
بنفسها ـ عن المحتوى العظيم لهذه الفريضة الإلهيّة المَلاْى
بالأسرار والرموز، والمكتظّة بالإشارات والكنايات.


فالحجّ ـ هذه اللّفظة القصيرة ذات النغم المحبّب، التي
تستبطن معاني القصد والعزم والتصميم ـ يحمل معنى بشموخ التأريخ
المعنويّ للبشرية، التأريخ
المعنويّ الذي يضفي النظام على الحياة الإنسانية ـ سياسيّاً
واجتماعيّاً ـ على أساس الحقّ والعدل.


والحجّ
الذي يتكوّن ـ عموماً ـ من عناصر السكون والتأمّل والتدبّر
والحركة والسعي والصراع، فيه إشارات جامعة وشاملة إلى السنن الإلهيّة الجارية
على الصعيدين: التكويني والتشريعي.


لغة الحجّ
لغة نموذجية، وأعماله ـ بتعبير متعارف ـ تمثيلية إيمائية
يمكن أن تكون حاكية ومجسّدة لتأريخ الأنبياء، وعالم الدنيا وعالم الآخرة.


كان
الحجّ ـ هذه الفريضة الرمزية والمشحونة بالإشارات
والشعارات ـ موضوعاً للدّراسة والتحليل من زوايا متعدّدة، وبنظرات
مختلفة، من قبل الباحثين والكتّاب والمحلّلين، فرديّاً واجتماعيّاً،
وعباديّاً وسياسيّاً، وعسكريّاً، وعالميّاً، ويتّصف بعض هذه البحوث
والتحليلات بشمولية نسبية ناقصة لأبعاد الحجّ، بينما يختصّ البعض الآخر ببعد
وجانب واحد، وبرؤية لا تتعدّى حدود مجتمع معيّن. وقد أغفلت هذه التحليلات
والدراسات ، ذات البعد الواحد الشموليّةَ المحيّرة
والمتناقضة ـ أحياناً ـ في ظاهرة الحجّ ، التي تجعل الزاهدين
المعرضين عن الدنيا غافلين عن أحد جانبي الشموليّة، وتجعل أصحاب السياسة
والمتصدّين لإدارة الدول الإسلامية غافلين عن الجانب الآخر. ولهذا سوف نسعى ـ
في هذا المقال القصير ـ إلى اختصار الكلام ، وأن نشير إشارة عابرة
إلى شموليّة الحجّ، ونحن على ثقة بأنّ أهل الفضل والعلم سوف لا يكتفون بهذا
المختصر، ولكنّهم سيبذلون ما عندهم في توسيع البحث وإكماله وشرحه.


يُعدُّ
الحجّ ـ من زاوية ـ اجتماعاً للطاهرين والأخيار، وأصحاب
المعنى وطلاب الآخرة . . .، وهو اجتماع يغلب عليه طهر
المقدّسين وملائكة الملإ الأعلى، الذين يحتشدون ـ كما هو
المشهور ـ حول أوّل بيت وضع للناس، كالبحر المتلاطم، وما الحاجّ
لبيت الله إلاّ فطرة من هذا البحر.


وإنّ
الحجّاج في هذا الاجتماع العظيم ـ منذ اللحظات الأُولى التي ينوون
فيها الحجّ، ويرحلون عن أهاليهم وديارهم، وينقطعون عن كلّ ما يجذبهم إلى
الدنيا، حتى الإحرام من الميقات، فالطواف، فالوقوف، فالرمي، وفي كلّ حلّ
ومرتحل لهم يبحثون عن الله، ويطلبون الزلفى إليه.


وما مناسك
الحجّ وشعائره إلاّ تجسيد
لأحوال الإنسان الباحث عن ربّه، المتوجّه إليه أينما حلّ وارتحل، يلتمس
سُبُلَ الوصول إليه، ويتعرّض لأنفاس رحمته، فالعاشق الذي أشرف على الهلاك من
فراق محبوبه، وسُلب منه الاختيار، فهو مختلف الأطوار في سبيل الوصول إلى
الحبيب، فتارة تراه متأمّلا تعلوه السكينة، وتارة تراه مضطرباً غير مستقرّ،
ينتقل من مكان إلى مكان صباحاً ومساء، فربّما التجأ إلى جبل، أو أفضى إلى
صحراء، لا يهدأ له بال ولا ينعم بقرار.


والحجّ ـ من هذه الزاوية ـ حركة إنسانيّة روحيّة،
يقوم بها ـ في زمان واحد ومكان واحد ـ جمعٌ غفير من
الناس، يأتون من جميع أرجاء الأرض وأقطارها إلى البيت الذي أُعِدّ للتقرّب
إلى المبدإ الأعلى للخلق.


وهو ـ من هذه الزاوية أيضاً ـ مؤتمر لله يضمّ
المخلصين والمتّقين والصالحين والعابدين والقانتين على وجه الأرض.


وما أكثر
الاجتماعات والمؤتمرات العالميّة التي تعقد في مختلف شؤون الحياة الإنسانيّة; الدينيّة
والسياسيّة والعسكريّة والتأريخيّة والأدبيّة، ولكنّك لن تجد في أيّ
مكان ـ غير الحجّ ـ مؤتمراً للتوحيد والإخلاص والعبادة،
ومؤتمراً لجهاد النفس والانقطاع عن الدنيا والاستعداد للآخرة، ومؤتمراً للسير
إلى الله، وما يتضمّنه السير من مراقبة ومكاشفة.


ولن
تجد ـ غير الحجّ ـ مؤتمراً يُذيب الفرد في الجماعة
والجماعة في الفرد، فإذا بالأعمال الفرديّة تضمحلّ لتمتزج في أجواء الجماعة،
وأجواء الجماعة تضمحلّ لتمتزج في الأعمال الفرديّة; بحيث أنّ الحاجّ
يظلّ ـ في أيام الحجّ ـ عاكفاً على نفسه يحاول اكتشافها
وسبر أغوارها، قد شُغِلَ بحديث النفس والمناجاة ، وتصفية باطنه ممّا علق
به من الشوائب، وهذا من قبيل الرهبانيّة التي يمارسها الرهبان المنقطعون عن
هذا الخلق، وهي تدعو صاحبها إلى الخلوة والاعتزال ومفارقة الناس، وتؤكّد
فرديّة الفرد.
ونجد ـ إلى جانب هذا ومتزامناً معه ـ هذه الفرديّة تفنى
وتتلاشى في الجماعة، في كلّ موقف من مواقف الحجّ العظيمة، وأكثر ما تتجلّى
روعة هذا الفناء في عرفات. وإفناء الفرديّة في العمل الجماعي يساهم في رسم
الخطوط السياسيّة والاجتماعيّة للأمّة الإسلاميّة، كما يساهم في توحيدها،
وسنشير إلى هذا فيما بعد.


وفي
الحجّ ـ من ناحية أُخرى ـ أثر باق من أعماق التأريخ النورانيّ
لأنبياء الله وأوليائه، من آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمّد(صلى
الله عليه وآله)، وآله، وأصحابه، ففيه يتمّ إعادة بناء وصياغة هذا التأريخ
الممتلئ بحوادث ومحاولات حُفت بالأخطار، أبطالها الأنبياء والأولياء ،
فالحجّ ـ من خلال هذه الرؤية ـ إعادة بناء لتأريخ
الأنبياء.


والحجّ
عبارة عن أعمال وألوان من السلوك تعود في جذورها
التشريعيّة ـ طبقاً لما جاء به الكتاب، والأحاديث الواردة بطرق
السنّة والشيعة ـ إلى عهد آدم أبي البشر(عليه السلام).


وقد طاف
حول هذا البيت كلّ من جاء ـ بعده ـ من الأنبياء إلى
نبيّنا(عليهم السلام) وأدّوا مناسكهم على هذه الأرض المقدّسة، في عرفات،
والمشعر، ومنى.


والحجّ ـ على وجه التحديد ـ هو الرقيب على إعادة
بناء وتجديد نظام مؤسّسة التوحيد، الذي تمّ بواسطة أبي الأنبياء إبراهيم خليل
الله(عليه السلام) حين رفع قواعد البيت وطهّره للطائفين والعاكفين والركّع
السجود، كما قصّ لنا ذلك القرآن الكريم. فتضحيات وجهود إبراهيم وهاجر
وإسماعيل(عليهم السلام)وما راودهم خلال ذلك من انفعالات ومخاوف وآمال، تُعاد
صياغتها وتتجدّد في كلّ منسك من مناسك الحجّ بالشكل الذي سنشير إليه
فيما بعد.


وفي
الحقيقة: إنّ إبراهيم(عليه السلام) بطل التوحيد، وإنّ الملايين من حجّاج بيت
الله العاشقين، ليقومون ـ في كلّ عام، ومن خلال مناسك
الحجّ ـ بتجلية هذه الشخصيّة العظيمة وإمدادها بالبقاء.


ولنتذكّر
أن إبراهيم كان أبَ الأنبياء الموحّدين: موسى، وعيسى، ومحمّدصلوات الله عليهم
أجمعين; وأنّ الأُمّة الإسلاميّة ـ دون بقية الأمم
الأخرى ـ هي وحدها التي تحتفي بذكرى رائد التوحيد، وتحترمه بما
يتناسب مقامه الشامخ، وتخلّد ذكره في مناسك الحجّ العظيمة بالعمل لا بالقول
فحسب. وسوف نشير إلى هذا الإحياء والتجديد أثناء الإشارة إلى مضمون كلّ واحد
من المناسك.


الحجّ ـ من زاوية أُخرى ـ تدريب متعدّد الجوانب، أو هو
ـ كما يُصطلح ـ استعراض شامل للنواحي السياسيّة، والعقائديّة،
والعسكريّة; لبعث روح الحماس وإحياء الغيرة والحميّة الدينيّة في المجتمع
الإسلامي.


ولتوضيح
الصورة أكثر نتساءل: ما هو الهدف من الاستعراض العسكري، أو التدريب الذي تقوم
به فرق إطفاء الحريق أو إنقاذ الغريق، أو الفرق الأُخرى المخصّصة لمواجهة
الحوادث الجويّة والبريّة
والبحريّة، مثلا؟


والجواب:
أنّ هذا الاستعراض والتدريب، وإن كان لا يتمّ على أرض الواقع، بل ينطلق في
أرض مفروضة، ويتابع أهدافاً مُفْتَرَضة، لكنّهُ أمر ضروريّ جدّاً لإيجاد
الكفاءة العسكريّة، والاستعداد القتالي، والمهارة، وسرعة الانتقال، وسرعة
التصميم والعمل، وغيرها ممّا ينبغي توفّره فيمن يمارس هذه الأعمال المهمّة
والمصيريّة.


وهكذا
الحجّ، إذ إنّ له دوراً مهمّاً في رسم الطريق، ووضع الخطوط والملامح الرئيسية
للحياة الإنسانيّة ، التي هي مزيج من العمل، والصراع، والسعي،
والمتابعة، وكونها كذلك يستتبع لا محالة كفّ النفس، والأخذ بزمامها، ولا
يلائم التنعّم وطلب الراحة.


فالحجّ
تدريب واستعراض وتعليم يستغرق عدّة أيام، ويبتغى من ورائه إعداد الإنسان
ليكون متمرّساً ومهيّئاً لخوض
الصراع الضاري في ميادين الحياة.


في الحجّ
يتعلّم الإنسان أنّ عليه أن يترك وطنه وأهله وماله، ويقطع كل علائق الدنيا،
ويتحمّل مصاعب السفر والسهر والقلق والغربة والهجرة، ويتخلّى عن كلّ ما يرتبط
بمظهره من اللباس والرياش، في سبيل الوصول إلى حياة إنسانية إسلامية مليئة
بالفخر.


يتعلّم أن
عليه أن يُعرض عن كلّ ذلك، ويستجيب لدعوة الحقّ الأزليّ ، فلا يسمع سائر
الدعوات الأخرى الباطلة، ويدور مع الحقّ حيثما دار، ولا يسعى ـ في
هذه الحياة ـ إلاّ إلى الطهارة والنزاهة والصدق والحقّ.


ويتعلّم
أنّ عليه أن يمزج التوقّف والتّروّي بالسعي والعمل; لأن كلاّ من التوقّف
والتروّي يجب أن يستتبع سعياً وعملا، كما أنّ السعي والعمل لا يكونان إلاّ
بعد تروٍّ وتوقّف; ونظر في العواقب، وحساب للمستقبل، فالتروّي دون عمل والعمل
دون رويّة، آفتان للإنسان في
دينه ودنياه.


في الحجّ
يطوي الإنسان مراحل متعدّدة في أيّام قلائل، تعلّمه أنّ ما طواه منها يجب أن
يكون مثالا يحتديه في حياته.


الحجّ ـ بمنظار آخر ـ تمثيل لعرصات القيامة،
وتجسيد لحشر الخلق، فالكلّ إلى جهة واحدة، لا شيء يميّز بينهم، متوجّهون إمّا
إلى الجنّة وإمّا إلى النار، حشر عظيم في هذه الحياة الدنيا، ونموذج مصغّر عن
الحشر الأكبر في الآخرة.


الرحيل عن
الدار والأهل يشبه الموت الذي هو بداية الحياة الأُخرى، ومواقف الحجّ
ومناسكه، كلّ واحد منها يذكّر بمواقف العبد أمام مولاه في يوم القيامة، حيث
ينتهي به المطاف إلى الردّ أو القبول: {
فريق في الجنّة وفريق في السعير} .


والحاج ـ من خلال هذه الرؤية التطبيقية بين مواقف الحجّ
ومواقف القيامة في قلق واضطراب دائمين، واقف بين الخوف والرجاء فإلى أيّ
ناحية سيتوجّه، ومع أيّ فريق
سيحشر؟


وذلك لأنّ
بعض الحجّاج ـ كبعض من يحشر يوم القيامة ـ سيؤخذون الى الجحيم، ولا
يزيدهم الحجّ غير تبار وتخسير.


وإنّ شرح
مواقف الحجّ ومواقف القيامة، والتطبيق بينهما، وتجلية روعة هذا التطبيق،
ليحتاج إلى مقال مستقلّ، ولكن في هذه الإشارة كفاية لليقظين الموقنين بالموت،
والدائمين على التفكّر في الدار الآخرة، يخافون سوء الحساب وسوء
الدار.


والحجّ ـ أخيراً، ومن خلال رؤية أعمق ـ صعود
للإنسان في مقابل هبوطه التأريخي، وتسالم وتعاون للبقاء في مقابل تنازع
البقاء المتأصّل في حياة الإنسان.


وهذه
النقطة جديرة بالعناية والتأمّل، ولهذا سنتريّث في الحديث عنها
قليلا


لقد بدأ
السقوط والهبوط الإنسانيّ عندما التفتت البشريّة ـ بحكم حاجاتها
الطبيعية والفطرية ـ إلى ضرورات الحياة، وسعت إلى استخدام الطبيعة
من أجل مواصلة الحياة، وسرعان ما جعل هذا الاستخدامُ الإنسان مفتوناً
بالطبيعة، ودفعه خياله المطلق العنان إلى طلب الزيادة بعد الزيادة، ومن هنا
كان الانحدار شيئاً فشيئاً، ثمّ استمرّ هذا الانحدار مع بروز الصراع والنزاع
بين أفراد النوع الإنساني، وأخذ يتضاعف مع مرور الأيّام { أَلهاكم التكاثر...}، وكان هذا منشأً لكلّ الحروب الطويلة
المدمّرة في التأريخ الإنساني الزاخر بالحوادث والوقائع.


وأمّا
الحجّ، فهو تعليم، وتجربة مؤقّتة، ومظهر للمثل العليا، يحثّ الإنسان على كبح
جماح غرائز حبّ الزيادة والمكاثرة، ويظلّ الإنسان ينهل من هذا
التعليم ـ المحدود زماناً ـ طوال عمره.


كما أنّ
هذه الرؤية . . . تتّضح أيضاً بوصفه مدرسة أخلاقيّة ومعنويّة،
بنّاءة ومؤثّرة; فالحجّ بتهذيبه للنفس وتزكيته للأخلاق، وإحيائه للروح، يُطلق الإنسان،
ويحرّره ممّا يكدّر صفاء روحه; من حرص وطمع وتكاثر وتفاخر وتكالب، وينقذه من
السقوط، ويعرج به إلى الأعلى والأوج.


وهذا
العروج الإنساني إلى الأوج، وإن كان أخلاقيّاً وعباديّاً وعرفانيّاً في
جوهره، إلاّ أنّهُ أساس انتصار الإنسان على الصعيد السياسي،والعسكري،
والاقتصادي... كما هو واضح عند أرباب الرأي والنظر.


الحجّ ـ من زاوية أُخرى، وعلى المدى
البعيد ـ يُعدُّ إعداداً لتأسيس حكومة عالميّة موحّدة، وإزالة
الحدود الجغرافيّة، وإدارة المجتمعات البشرية من قبل حكومة عادلة عالمة
مقتدرة. وكما نعلم فإنّهُ قد بشّر بفكرة الحكومة العالميّة الواحدة كثيرٌ من
روّاد الفكر، وعلماء الاجتماع، والسياسيين، والفلاسفة في العالم.


ومع أنّ
تحقيق هذه الفكرة في هذه
القرون الأخيرة ـ التي يمكن عدّها آخر أدوار الترقّي
البشري ـ أمرٌ متعذّر، إلاّ أنّ تحقّق الأفكار الإلهيّة، وتطبيق
الأهداف السماوية العظيمة، له أجل معيّن، ويتعاقب بشكل ينسجم والتأريخ
البشريّ، ومن هذه الناحية فإنّ عرض الوحدة السياسيّة الاجتماعيّة من قبل
الحجّاج ، الذين يحضرون مراسم الحجّ من جميع أقطار الأرض، سيكون أحد
العوامل المهمّة في تحقيق الجزء الأخير من هذه الوحدة.


والحجّ ـ على المدى القريب ـ يسعى لوضع قضايا ومشاكل
المجتمع الإسلامي ـ الداخلية والخارجيّة، اجتماعية كانت أو سياسيّة، أو
اقتصاديّة ـ موضعَ البحث والمطالعة. ويخطّط لمواجهة الأعداء الذين
نذروا أنفسهم لحرب الإسلام والمسلمين. ويحتضن كلّ أرباب الرأي والفكر،
والمصلحين، والمؤرّخين، وعلماء الاجتماع، والسياسيّين، وعلماء الدين، وزعماء
المذاهب، من كلّ أطراف الأرض;
لتتجدّد روابط الأُخوّة الإسلاميّة، وتشيع المودّة والمحبّة بينهم، وليتعرف
كلّ منهم على ما يحمله الآخرون من أخلاق وآداب، وطبائع، وأفكار، وعقائد،
وخُطَط واقتراحات، ثمّ ليصلوا من خلال المشاورة، واستطلاع الرأي، والبحث
الجماعيّ المنسّق ـ مع الأخذ بنظر الاعتبار مستجدّات العصر
ومتغيّراته ـ إلى طرق الحلول المناسبة، الشاملة، المتكاملة;
وليقوموا ـ بعد ذلك ـ بإيصال ما حصلوا عليه من هذا السفر
المبارك إلى أسماع شعوبهم والمسلمين المقيمين في الدول غير الإسلاميّة، وإلى
أسماع العلماء وأرباب الرأي في كل أرجاء البلاد الإسلاميّة وغيرها، حتى
يتعرّفوا على آرائهم فيما سمعوه، ويستفيدوا منها.


وينبغي
على هؤلاء أن يخضعوا هذا الارتباط العلمي، والاستطلاع، والحِجاج، والبحث
الجماعيّ، لإدارة منظمة، ويقوموا بوضع نظام وقواعد لهذا البحث بشكل يكون
معروفاً ومقبولا لدى
المسلمين، وبهذا يتمّ تعزيز الروابط بين الدول الإسلاميّة، ويُفسح الطريق
أمام الوحدة المستقبليّة الكاملة للعالم الإسلاميّ.


والحجّ ـ مع حفظ كلّ ما فيه من نواح معنويّة وسياسيّة
واجتماعيّة سبق ذكرها ـ يشتمل على جانب آخر، ألا وهو الرؤية الاقتصادية في
الحجّ. والحجّ ـ من خلال هذه الرؤية ـ سوق حرّة للدول
الإسلاميّة.


والرقي
الاقتصادي لهذه الدول مرهون بتبادل المنتوجات الصناعيّة واليدوية والزراعيّة،
وتبادل الخبرات في هذه المجالات. ولو أنّ دولة من هذه الدول انطوت على نفسها،
وقطعت روابطها الاقتصادية مع سائر الدول الإسلاميّة، فإنّها ستكون عُرضةً
للتخلّف الاقتصادي، أو الانجذاب إلى فلك إحدى القوى الاقتصاديّة الكبرى في
العالم، والتبعيّة لها.


والحجّ ـ بصورته الفعليّة ـ لا ينسجم اقتصاديّاً
مع الغايات التي يسعى إليها الاقتصاد الإسلاميّ، بل هو ـ في أكثره ـ معرض
ومكان لبيع وشراء السلع المستوردة من دول غير إسلاميّة، وهذا أمر طارئ على
الحجّ أفرزته المشاكل السياسيّة التأريخيّة في العالم الإسلامي، وليس له
ارتباط بنفس الحجّ.


فالحجّ ـ بنفسه ـ ملتقىً اقتصاديّ للدول
الإسلاميّة، ولا ريب في أنّ له دوراً أساسيّاً ومؤثّراً في تسريع عجلة
الاقتصاد، وإيصال العالم الإسلامي إلى الاكتفاء الذاتيّ، علميّاً، وصناعيّاً،
وزراعيّاً.


نضيف إلى
كلّ ما مرّ أنّ الحجّ ـ كما تشهد به التجربة ـ عمل صحّيّ
وعلاجيّ، يضمن سلامة أفراد الحجّاج، إذ لا شكّ في أنّ سفراً حيّاً مليئاً
بالحركة والنشاط كهذا السفر، إضافةً إلى أنهُ يدفع بالسموم المستقرّة في
البدن إلى الخارج، وينظّم الدورة الدموية، ويساعد على تنشيط الدماغ والأعصاب،
وذلك بسبب المجهود البدني والحركة الكثيرة، فإنّهُ ـ أي
الحجّ ـ بما فيه من روحانيّة ومعنويّة يضفي على الزائر جوّاً روحانيّاً مؤثّراً
يملأ نفسه صفاءً وقلبه راحة واطمئناناً، وينعكس هذا بشكل إيجابيّ على صحّته
البدنيّة. وكلّ من وُفّق إلى هذا السفر العظيم، لمس ذلك بالتجربة.


ونقول
باختصار: إنّ الحجّ رهبانيّة إسلاميّة، فيه قوام الدنيا والدين، وهو كله
منافع للناس، وذكر الله.


الحجّ
عبادة وسياسة، سياحة وزيارة، اقتصاد وصحّة، الحجّ فرد ومجتمع، مادّة ومعنى،
دنيا وآخرة، وهو كهذا العالم، وهذا الإنسان، مركّب ثنائيّ من جسم
وروح.


وينبغي أن
نُشير إلى نقطة جديرة بالاهتمام، وهي: أنّ الحاجّ إذا لم يسعَ في إصلاح نفسه،
وينعتقْ من أنانيّته، ويهتمّ بتزكية نفسه وتصفيتها، ويتدبّر في أسرار الحجّ
ورموزه، وإذا لم يطهر ممّا إلتاث به من مساوئ الأخلاق وأمراض النفس، فإنّهُ
سوف لن يصل إلى أيّ منفعة من المنافع الآنفة الذكر. لا في السياسة، ولا في الاقتصاد، ولا في
جهاد الأعداء، ولا في الفكر، ولا في أيّ مجال آخر، وذلك لأنّ الإنسان إذا لم
ينتصر على عدوّه الداخلي ـ وهو النفس الدائبة على معاداة الله وكلّ
المظاهر الإلهيّة، والتي لا تبرح زائغة عن صراطه المستقيم ـ فإنّهُ
ليس منتصراً.


والانتصار
على العدوّ الخارجيّ معناه تضافر وتجسّد كلّ القوى المعادية لله والموجودة في
كلّ نفس، وليس انتصاراً أن يظهر عدوّنا الداخليّ ويبرز. ففي الحقيقة أنّ كلّ
واحد منّا يحمل في داخله عدوّاً من قبيل الطابور الخامس ـ إذا صحّ
التعبير ـ وهو الأنا وحبّ الذات، وإذا لم يتمّ القضاء على هذا
الطابور الخامس، الذي هو ـ بتعبير أدقّ ـ مقرّ قيادة
العدو، فلن نكون بمأمن من شرّ العدوّ.


والمقصود:
هو أنّ إعطاء الأهميّة للجانب المعنويّ من الحجّ، والاستناد إلى الزوايا
العرفانيّة والأخرويّة، وإلى معاني ورموز وإشارات السير والسلوك الكامنة في الحجّ، ينبغي أن لا
يمنع من الرؤية الاجتماعيّة والسياسية، وأن لا يحول دون النظر إلى الجوانب
الدنيويّة الأُخرى في الحجّ.


/ 15