عثمان بن مظعون
إنّ
الذي حرّضني على انتخاب هذا الموضوع والكتابة عنه جهات عديدة ، أهمّها شُبهةٌ
وُجّهت ـ ولا تزال توجّه ـ إلى الشيعة : بأنّهم لا يحترمون صحابة رسول الله
(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقعون فيهم سبّاً وطعناً . وهذه الشبهة لا أساس
لها من الصحة ، فإنّ الشيعة تضع وافر احترامها في صحابة رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)وتعظّمهم ، وتقتدي بهم ، وتجعلهم مناراً تستنير به ، أولئك
الذين لم يرتدّوا ولم يبدّلوا ولم يبدعوا
في الدين وبقوا على منهج النبيّ (صلى الله
عليه وآله وسلم) .
فالشيعة تجري
قواعد الجرح والتعديل على الجميع حتّى الصحابة ، فمن كان منهم على دين محمّد
(صلى الله عليه وآله وسلم)ومات وهو على يقين من أمره ، ولم يشك في
دينه ، فتجعله في أعلى القمم ، وتقتدي به ، ومن أبدع وشكّ في نبيّه
ودينه وبدّل وغيّر ، فالشيعة وكلّ حرّ جعل العقل إمامه يرفضه وينبذه
ولا يقتدي به ، لأنه إذا اقتدى به اقتدى ببدعته وضلاله وشكّه
.
وأمّا ما روي
من أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أصحابي كالنجوم بأيّهم
اقتديتم اهتديتم ، واحفظوني في أصحابي ،
ولا تسبّوا أصحابي . و... فهي أحاديث ضعيفة السند ، غير قابلة للاعتماد عليها
، ومع فرض صحّة سندها ، فإنّها محمولة على الأصحاب الذين بقوا على الدين ،
والتزموا بشرائط الصحبة ، لا أولئك الذين بدّلوا وغيّروا وأبدعوا ... ، وحاشا
لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأمر أمّته باتباع مَن أبدع وغيّر ،
وشكّ فى دينه ، لمجرّد أنه صحابي .
والقرآن
والحديث شاهدان على هذا المطلب ، وهو ليس كلّ صحابي وكلّ من له صحبة مع
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يجب الاقتداء به واحترامه قال تعالى
: { إنّ الذين يبايعونك إنّما يُبايعون الله
يدُ الله فوق أيديهم فمَن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومَن أوفى بما عاهد عليهُ
الله فسيؤتيه أجراً عظيماً }1.
وقال تعالى
: { .. ومن أهل المدينة مَردوا على النفاق لا
تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرّتين ثم يُردون إلى
عذاب عظيم }2 .
وقال تعالى
: { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهدُ
إنك لرسول الله واللهُ يعلم إنك لرسولهُ والله يشهد إنّ المنافقين لكاذبون
* اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدوا عن سبيل الله
إنهم ساء ما كانوا يعملون * ذلك
بأنهم آمنوا ثمّ كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون }3
.
إلى
غير ذلك من الآيات الكريمة ، الدالة على أنّ في الأصحاب منافقين وغير
مؤمنين بالله ولا برسوله .
وأما
الأحاديث فكثيرة جدّاً ، منها قوله (صلى
الله عليه وآله وسلم)في خطبة حجّة الوداع : فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب
بعضكم رقاب بعض4
.
وقوله (صلى
الله عليه وآله وسلم): أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعن إليّ رجال منكم ، حتّى
إذا أهويتُ لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربي أصحابي ! يقول : لا تدري
ما أحدثوا بعدك5
.
وقوله (صلى
الله عليه وآله وسلم): إنّي أيّها الناس فرطكم على الحوض ، فإذا جئت قام رجال
، فقال هذا : يا رسول الله أنا فلان ، وقال هذا : يا رسول الله أنا فلان ،
وقال هذا : يا رسول الله أنا فلان ، فأقول : قد عرفتكم ، ولكنّكم أحدثتم بعدي
ورجعتم القهقرى6
.
وقوله (صلى
الله عليه وآله وسلم)لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم ، فقال أبو بكر : ألسنا
يا رسول الله إخوانهم ، أسلمنا كما أسلموا وجاهدنا كما جاهدوا ؟! فقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : بلى ، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي
!!!7
فالشيعة
تقتدي بالصحابة الصلحاء المتّقين ، الذين آمنوا بالله ورسوله وماتوا وهم على
يقين مما هم عليه ، كعثمان بن مظعون الذي عقدنا لأجله هذه الرسالة الوجيزة ،
حتّى نتعرّف على جوانب من حياته ، ونجعلها قدوة نقتدي بها .
فإنّ الشيعة
مطبقة على عدالته ووثاقته ، وجعله في أعلى مرتبة الصالحين والمتقين ، ومن
الذين أبلوا بلاءً حسناً في صدر الإسلام ، وجاهدوا بكلّ ما لديهم من قوّة
لأجل إعلاء كلمة الإسلام ، حتى قال الشيخ المامقاني : فالرجل فوق مرتبة
الوثاقة والعدالة8
.
وحاولت في
هذه الرسالة أن أعتمد على مصادر الفريقين ، ليخرج البحث متكاملاً .