شخصیات من الحرمین الشریفین (12) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شخصیات من الحرمین الشریفین (12) - نسخه متنی

حسن محمد

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید







خبّاب بن الأَرَتّ



من الذين صبروا وعلى ربّهم يتوكّلون


الحديث
عن مدرسة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأولى لا ينتهي ولا يقف عند
حدٍّ ، فما إن نختم الكلام عن تلميذ من تلامذتها وشخصية من شخصياتها
وعظيم من عظمائها وشهيد من شهدائها . . حتّى يجرّنا الحديث أو يبدأ
عن آخر هو في العظمة لا يقلّ عن صاحبه ، وفي التضحية والإيثار لا يكون
أدنى منه . . وفي صدق الإيمان وعمقه لا أظنّه إلاّ مساوياً له أو
قد سما عنه ، فهم يتبارون بإيمانهم ويتسابقون لنيل أرقى مراتبه ودرجاته
في الدنيا وفي الآخرة .


إنّها
مدرسة عظيمة ذات آفاق واسعة وجذور عميقة ثابتة ، فهي شجرة أصلها ثابت
وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كلّ حين; لأنّ صانعها ومؤسّسها
عظيم ، راحت يداه المباركتان تمدّانها بقوّة ، وراح قلبه الحاني
يخصّها بحنانه وشفقته ، وراح علمه يُصبّ عليها ، ولا ينضب له نبعٌ
ولا يضوي له طلع ، إنّه ماء موصول وطلع
نضيد . .


وها نحن
الآن أمام شخصية من شخصيات هذه المدرسة النبويّة المحمّدية الأصيلة ،
أمام صحابي جليل انتشله الإسلام من واقع مرير ، قنٍّ ضعيف وعبد ذليل
فإذا هو فارس مُهاب ، ومقاتل شجاع ، يحسب له أعداؤه ألف
حساب . . . فكان عظيماً من عظماء الإسلام . . من
فرسان الجهاد في سبيله تعالى ، يدعو إلى الحقّ لا لغيره ، ويدعو
إلى العدل لا لسواه ، ويدعو للإسلام الحنيف لا لدين غيره وكيف يدعو
لغيره ، وهو يعلم أنّه { وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ اْلإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ
فِي الاْخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}1؟! إنّه قمّة في المبادئ
والقيموفي الصدق والإخلاص حتّى نال حظوة كبيرة عند رسول الله (صلى الله
عليه وآله) و عند المسلمين ومن قبلهم عند الله
تعالى .


ونِعمَ
ما قال عنه إمامُ الموحِّدين عليّ(عليه السلام) : «رحم الله
خبّاباً! أسلم راغباً ، وجاهد طائعاً ، وعاش زاهداً ، وابتلي
في جسمه فصبر ، ولن يُضيع الله أجر من أحسن عملا»2 .


لقد كان
سلاحه اليقين والتقوى ، قلبٌ مملوء بهما ، وكفٌّ صلبة تمسك سيفاً
أبى صاحبه أن يضعه ما دام الإسلام بحاجة إليه ، لم يفتأ هذا السيف يطارد
الكفر والشرك والطغيان ، فقد شهد مشاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كلّها ، تراه في بدر يعلو هامات الأعداء وتراه في أحُد هو الآخر يمزّق
جموعهم ، وتراه في معارك الإسلام الاُخرى فارساً جوّالا بين الصفوف لا
يهاب عدوّاً ولا يخاف باطلا . . .


كان هذا
الصحابي الجليل من أولئك الأوائل الذين حظوا بأن يكونوا قاعدة الانطلاق
الاُولى للإسلام والنخبة الصالحة له بعد أن آمنت به دعوةً وجاهدت في سبيله
صادقةً ، يوم لم تكن هناك مطامع دنيوية يبغونها ، ويوم لم تكن هناك
منافع شخصية يحوزونها ، بل عذاب مستمرّ وصبر دائم وجهاد متواصل ضد
المشركين ، الذين راحوا يكيدون لهم الكيد كلّه ويذوقونهم أنواع
العذاب ، لقد آمنت هذه الطليعة إيماناً خالصاً وأحبّت رسول الله (صلى
الله عليه وآله)
حبّاً صادقاً ، وسعت في الدفاع عنه يوم كان وحيداً لا يقف معه إلاّ نخبة
صالحة من عشيرته وعدد قليل من أصحابه ، لا يشوبهم شك فيه ولا ينتابهم
ريب في دعوته وصدقه ـ لقد ادرعت هذه العصابة بالايمان والإيمان وحده لتقاوم
ما صبّ عليها من بلاء وما نالته من أذى وعذاب ، خاصّة هؤلاء الذين هم
ضعاف المجتمع الحجازي يومذاك ، العبيد ، طبقة سخّرت لمصالح
اقتصادية وتجارية وخدمية ، قام على أكتافها المجتمع المكّي ،
خَدَمته بأقلّ الأثمان ، رغيف خبز لا غير ، ووضع ذليل وسخرية تنصبّ
عليهم من أسيادهم ، وسياط تنهال على ضلوعهم
وظهورهم . . .


لقد كان
خبّاب واحداً من أولئك الذين وصفهم المشركون الطغاة بأنّهم «الأرذلون» وراحت
هذه التسمية يطلقونها عليهم ويعيّرونهم بها حتّى بعد أن أعلن هؤلاء الزعماء
المشركون إسلامهم ، بقيت في نفوسهم وعلى ألسنتهم ، بغض قديم وسخرية
متأصّلة لم يتخلّوا عنها حتّى بعد إعلانهم
الشهادتين .


لفظة
ليست جديدة إنّها قديمة قدم دعوة التوحيد وقد رافقت أكثر مَن آمن بدعوة نوح
وهود وصالح وإبراهيم . . . {أَ
نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ اْلأَرْذَلُونَ}3 ، { وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ
أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ}4 . إنّه استعلاء بل طغيان اتصف به
هؤلاء الذين أرادوا علواً في الأرض وأرادوا فيها فساداً ، يسمّون أنفسهم
أشراف القوم أو ساداتهم وزعماءهم . .


إنّها
الجاهلية العمياء التي لا ترى لأصحاب الدعوات الصالحة أي فضل وأي كرامة ما
دام الذين سبقوا إليها هم من ضعاف الناس وأقلّهم مالا
وسلطاناً .


كيف
يؤمن طغاة قريش برسالة محمّد (صلى الله عليه وآله) وقد سبقهم إليها عمّار
وأبوه ياسر واُمّه سمية ،
وخباب ، . . .؟!


لقد
أدرك خبّاب الفرق بين الحرية والعبودية فنأى عن الثانية مصوّباً وجهه نحو
الاُولى وكان يعلم الثمن الباهظ الذي سيدفعه فداءً لعمله هذا ، يعلم أنّ
الثمن قد يكون حياته ، لكنّه رأى أنّ الموت بعزٍّ خيرٌ من الحياة
بذلّ ، الموت مؤمناً أفضل من الموت كافراً ، الموت قويّاً أجمل من
أن يموت ضعيفاً .


لقد
أدرك خبّاب البون الشاسع بين الحقّ والباطل { . . .بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَ
أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ}5 فنبذ الباطل وأعرض عنه والتحق بصفوف الحقّ
متجاوزاً ما سيتركه فعله هذا عليه من عذاب واضطهاد
وتشريد .


لقد
أدرك خبّاب طعم العلم وذلّ الجهل ، فأدار بوجهه بعيداً عن جاهلية عمياء
نحو { نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي
بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ
السَّلامِ . . .}6; لهذا فقد خلد خبّاب واخوانه ، وخلد
ظالموهم أيضاً ، إلاّ أنّ الفرق كبير والبون شاسع بين الفريقين ،
وبين الخلودين ، فأولئك دخلوا التاريخ مؤمنين مجاهدين غير ظالمين وقد
خلدوا فيه وهم يحملون هذه الصفات العظيمة فيما دخل هؤلاء التاريخ طغاة
متجبّرين ظالمين ، وقد خلدوا فيه أيضاً ، وهم يحملون أبشع الصفات
وأقذرها . فشتّان شتّان بين الخلودين!


* * *


/ 16