آيات الحجّ ومناسكه بين التفسير الدلالي والتفسير التطبيقي ـ في نظر الإمام الخميني
عبدالسلام زين
العابدين
أهمّ ما يمتاز به تفسير الإمام الخميني للقرآن الكريم أمران
أساسيان
الأوّل: الأبعاد المتعدّدة ، والاتجاهات المتنوّعة ،
التي تنطلق مع الآيات القرآنية في آفاقها الرحبة ، وأبعادها الواسعة
التي تتجاوز الفرد إلى المجتمع والأمّة
والدولة .
الثاني: التطبيق
والتجسيد ، وهو عملية تلمّس المصاديق الحيّة المعاصرة ، والنماذج
الفاعلة الحاضرة لما تطرحه الآيات القرآنية . . وهو ما يعرف بـ
(التفسير التطبيقي) .
ويعطي الأمر الأوّل للتفسير طابع الشمولية والامتداد لكلّ ساحات
الحياة ، ومواقع التدافع : الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
والثورية . . فيما يُعطي الأمر الثاني طابع الواقعيّة
والعصريّة . . بعيداً عن التجريدية
والماضويّة .
من هذا المنطلق يأسف الإمام الخميني على تلك النظرات التفسيرية الضيّقة
للآيات المباركة التي تجعلها محصورة في زاوية معتمة ، وبُعد ضيّق ،
واُفق قريب لا يتجاوز دائرة المحلّة التي يصلّون في مسجدها ، أو على حدّ
تعبير الإمام «لا يتجاوز محور تفكيره محيط
المسجد» .
فإذا أرادوا أنْ يطبّقوا ـ مثلاً ـ آية أكل
السحت في سورة المائدة: {لولا ينهاهم الرّبانيون والأحبار عن قولهم الإثم
وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون}1 ،
«لا يخطر ببالهم سوى البقّال القريب من المسجد الذي
يطفّف في البيعمثلاً . . . فلا يلتفتون إلى التطبيقات الواسعة
والكبيرة لأكل السحت والنهب ، التي تتمثّل ببعض الرأسماليين الكبار أو
من يختلسون بيت المال ، وينهبون نفطنا ، ويحوّلون بلادنا إلى سوق
لبيع المنتوجات الأجنبية غير الضروريّة ، والغالية الثمن; لكونهم
يمتلكون وكالات الشركات الأجنبية ، ويملأون جيوبهم وجيوب المتموّلين
الأجانب من أموال الشعب غير هذا السبيل» .
يؤكّد الإمام على هذا النمط المغفول عنه من
السحت ، بقوله: «هذا أكلٌ للسحت على مستوى واسع
ودولي»!
كما يدعو الناس ـ وهم يقرأون آية أكل السحت ـ إلى تطبيق الآيات في واقعنا
المعاصر لتشمل المصاديق الكبيرة ، قائلاً
«اِدرسوا أوضاع المجتمع وأعمال
الدولة والجهاز الحاكم بشكل دقيق; لتروا أنّ (أكل السحت) مرعب يجري
عندنا» 2 .
وإذا أرادوا أن يفسِّروا آيات (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ويطبقوها
على المجتمع ، فإنّهم لايرون المنكر إلاّ في«نطاق دائرة صغيرة» ، كـ «سماع الموسيقى في الباصات ، أو ارتكاب بعض
المخالفات في المقاهي ، أو تجاهر بعض الناس بالإفطار» في
الساحات ، من دون أن يلتفتوا إلى«تلك المنكرات
الكبيرة» ، وإلى«أولئك الذين يقومون
بضرب الإسلام معنوياً ، وسحق حقوق الضعفاء»3 .
ولم تشذّ آيات الحجّ عن تلك النظرة الضيّقة لبعض الناس ، ممّا أدّى بنا
الأمر إلى حصرها في آفاق ضيّقة سواء على صعيد التفسير الدلالي أو
التطبيقي .
كما لم
تشذّ تلكم الآيات عن ذلك المنهج التفسيري القيّم للإمام الخميني ، بل
إنّها تشكّل مصاديق بارزة ، ونماذج حيّة ، تؤكّد على طابعي
الشمولية والمعاصرة في منهجه التفسيري4 .
ينطلق الإمام في تفسيره لآيات الحج ومناسكه في آفاق رحبة بعيدة; ليكتشف
أبعادها السياسية والاجتماعية والثورية ، إضافة إلى أبعادها الروحية
العرفانية .