الحجّ في القرآن
عبداالله
جوادي آملي
يقول تعالى : {إنّ أوّل بيت وضع للناس للذي ببكّة مباركاً و هدى للعالمين
* فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومَن دخله كان آمناً
وللّه على الناس حجّ البيت من استطاع اليه سبيلاً ومن كفر فانَّ الله غني عن
العالمين}1.
صلة الآية بما سبقها
لقد سُبقت الآية
اكريمة الآنفة بقوله تعالى : {فاتّبعوا ملّة ابراهيم
حنيفاً وما كان من المشركين}2،ثم
جاء قوله تعالى : {انّ أول بيت وُضع للناس ...}
والذي يدلنا على هذا الترتيب انّ خطاب الآية ينصرف إلى اليهود الذين كانوا يزعمون
انهم على دين إبراهيم الخليل، فجاء القرآن يحاججهم : لو أنكم على ملة إبراهيم
الخليل فعلاً وحقّاً، إذاً لعظمتم البناء الإبراهيمي ، واتّخذتموه قبلةً
ومطافاً.
شبهة أهل الكتاب
نستفيد من ظاهر الآية
أيضاً انها جاءت ناظرة لشبهة كان يُلقي بها أهل الكتاب على المسلمين ، ومفاد الشبهة
أولاً : لا مجال للباطل أن ينفذ إلى دين ابراهيم
الخليل(عليه السلام). لذلك لا يصح القول بالنسخ الذي يذهب اليه المسلمون واتخذوا
بمقتضاه الكعبة قبلة بدلاً من بيت المقدس .
فبيت المقدس لا زال في
زعم أهل الكتاب هو قبلة المسلمين التي يجب أن يتولّوها كما كانوا يتولونها فعلاً قبل الهجرة
إلى المدينة ، وإنّ تحوّلهم عنه إلى الكعبة بذريعة النسخ لا يعدو أن يكون ضرباً من
الوهم والخيال ، لأنّ النسخ لا يجوز في حكم الله!
ثانياً : لقد أتيتم باطلاً في قولكم : إنَّ هذا
السلوك هو من دين ابراهيم ؛ وفي زعمكم أنَّ ابراهيم(عليه السلام) كان مسلماً
وأنكم مُتّبِعوُه . فأنتم اذن اجترحتم الباطل مرتين ; مرَّة حين قلتم بالنسخ ;
ومرَّة حين نسبتم تصرفكم في تحويل القبلة إلى ابراهيم وقلتم إنكم تبعٌ له في
ذلك!