(2) ... والآن ، ونحن على أعتاب فريضة الحجِّ المباركة ، من اللازم أن يكون لنا توجه للأبعاد العرفانية والروحية والاجتماعية والسياسية والثقافية لهذه الفريضة ، عسى أن يكون ذلك باعثاً على اتخاذ خطوات فعّالة أخرى . كثير من الاخوة الملتزمين تحدّثوا عن هذه الموضوعات ، لهذا فإنّي أكتفي بإشارة عابرة إلى بعض أبعاد (هذه الفريضة) لعلّها تكون تذكرة . لمّا كانت هذه المناسك العجيبة من أول الإحرام والتلبية حتى آخر المناسك تنطوي على اشارات عرفانية وروحية لا يتيسر الحديث عنها بتفصيل في هذا المقال ، أكتفي ببعض إشارات التلبيات : التلبيات المكرّرة تكون حقيقة من أولئك الذين سمعوا نداءَ الله ، فأجابوا دعوته ـ سبحانه ـ باسمه الجامع . المسألة مسألة الحضور في المحضر (الإلهي) ، ومشاهدة جمال المحبوب . وكأن الملبي قد ذابت ذاته في هذا المحضر فيكرِّر تلبية (لبيك اللهم لبيك) ، ويتبع ذلك سلب الشريك (لبيك لا شريك لك لبيك) .. سلب الشريك بالمعنى المطلق ، وأهل الله يعلمون أن هذا السلب للشريك لايقتصر على الإلوهية ، وإن كان سلب الشريك في (الإلوهية) يشمل ـ في نظر أهل المعرفة ـ جميع المراتب حتى فناء العالم . وتحوي (التلبية) جميع الفقرات الاحتياطية والاستحبابية ، ففيها تخصيص الحمد بالله والنعمة به وتنفي عنه (مرّة أخرى) الشريك (إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك) . وهذه عند أهل المعرفة غاية التوحيد ، وتعني أنّ كل حمد ونعمة في عالم الوجود إنما هو حمد الله ونعمة الله سبحانه بدون شريك . ويجري هذا الموضوع والهدف الأعلى في كلّ موقف ومشعر وعمل وحركة وسكون ، وخلافه الشرك بالمعنى الأعمّ .