أقبل شهر ذي الحجة الحرام بكلِّ ما يحمله من عطاء أبدي للأمة الإسلاميّة .
حمداً لله ـ سبحانه ـ على ما أنعم به من هدية خالدة وينبوع دفّاق ، يستطيع المسلمون أن يتزوّدوا منهما كلّ سنة بقدر همتهم وبقدر معرفتهم .
المصالح والمنافع التي أودعها العِلم الإلهي والحكمة الإلهية في فريضة الحجِّ تبلغ من السعة والتنوّع بحيث لا يُرى لها شبيه في فريضة إسلاميّة أخرى . الذكر والحضور المعنوي ، ووعي الإنسان المسلم لنفسه في خلوته مع الله ، وغسل القلب من صدإ الذنب والغفلة ، وإحساس الحضور في المجموع ، واستشعار وحدة كلّ مسلم مع جميع الأمّة المسلمة ، وتحسّس القدرة المنبثقة عن عظمة جماعة المسلمين ، وسعي كلّ فرد لأن يَبْرأ من أسقامه وأمراضه المعنوية ، أي الذنوب ، ثم البحث والسعي لمعرفة ما يعاني منه جسدُ الأمّة المسلمة من آلام وجراحات عميقة ، ومعرفة دوائها وعلاجها ، ومواساة الشعوب المسلمة التي تشكل أعضاء هذا الجسد العظيم ... كلُّ ذلك قد أودع في الحجّ .. في تركيب أعماله ومناسكه المختلفة .
القرآن يطلق على أعمال الحجّ اسم «الشعائر» . وهذا يعني أنها لا تنحصر في أعمال فردية وتكاليف شخصية ، بل إنها معالم تثير شعور الإنسان وتفتح معرفته على ما ترمز له تلك المعالم وتدل عليه . ووراء هذه المعالم يقف التوحيد ، أي رفض كلّ القوى التي تهيمن بشكل من الأشكال على جسم الإنسان وروحه ، وترسيخ الحاكمية الإلهية المطلقة على كلّ الوجود ، وبعبارة واضحة ومألوفة : حاكمية النظام الإسلاميِّ والقوانين الإسلاميّة على الحياة الفردية والاجتماعية للمسلمين .