الاُمّة القرآنية - أمة القرآنیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أمة القرآنیة - نسخه متنی

فلاح حسن

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



الاُمّة القرآنية



فلاح
حسن


إنّ فكرة وحدة
الأمة الإسلامية والتنظير لها والإيمان الصادق بها قولاً وعملاً ومنهجاً
وهدفاً . . يعود كلّ ذلك ـ بالضرورة ـ إلى عقيدة التوحيد
نفسها ، هذه العقيدة التي يرتكز عليها فكرنا الإيماني ، وكلّ ما
يترتّب عليه من آثار ومستلزمات في حياتنا العملية ، وما يتحدّد في ضوئه
من علاقات وتصوّرات ورؤى . وما يترشّح من أنشطة مختلفة في جميع مفاصل
حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية . .


فبالوحدة ـ هذا المفهوم العظيم والركن الرصين والهدف النبيل ـ يقوم
الدين ، وتزدهر معالمه ، وتنتشر دعوته وتعمّ مبادئه ، ويحفظ
كيانه ، ويُدحض أعداؤه ، ويُسعد أبناؤه . . لهذا جاءت
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وآثار الصالحين تترى بالحديث عنها والدعوة
إليها ، وترسيخها في قلوب الناس وأخلاقياتهم وفي سلوك النخبة
وأهدافهم . .


لقد
أكّدت تلك الآيات والروايات والآثار . . هذه الوحدة في حياتنا
منطلقاً وهدفاً ومنهجاً . . فالله الواحد الأحد الذي خلق وأبدع هذا
الكون ، وقدّر ما فيه وما حوله وفق أنظمة دقيقة ما إن يختلّ جزء منها
حتى يترك آثاره على باقي الأجزاء . إنه ـ حقّاً ـ جسم واحد يكمل بعضه
بعضاً ، ويتضرّر بعضه ببعض . . .


ثمّ خلق فيه نواة تطوره وديمومته بل وسيده آدم وزوجه من نفس واحدة
{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها
زوجها}1 . كان حفنة واحدة من تراب نفخ الله فيها من
روحه فتمثّل بشراً سوياً . فقدّر لهذا المخلوق أن يكون سيّد الكائنات
والمخلوقات بما أودعه الله فيه من جمال وجلال وقدرة {لقد خلقنا
الإنسان في أحسن تقويم}2 وبما أهّله لأن يكون خليفة الله تعالى في أرضه {وإذ
قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض
خليفة . .}3 ثم وضعت السماء بعد ذلك أمانتها في عنقه ،
بعد أن امتنعت عن حملها السماوات والأرض والجبال وأشفقن منها: {إنّا عرضنا
الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها
الإنسان . .}4 .


نعم حملها مختاراً طواعيةً لا كرهاً ، وثقةً منه بما أودعه الله تعالى
فيه من قدرات ، وشعوراً بتكليفه ومسؤوليته; ليبدأ مشواره من الله
تعالى ، مستمدّاً منه العزم والقوّة; لينتهي إلى الله تعالى أيضاً فيجد
حسابه وينال ثوابه ، ويحصد ثمار أعماله وكدحه {يا أيّها
الإنسان إنك كادحٌ إلى ربّك كدحاً فملاقيه}5 .


وفي كلّ خطوة يخطوها في مشواره ذاك ينظر نظرتين: نظرة إلى السماء يسأل رحمتها
وتسديدها له وهو يردّد: إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، إنّا لله بدءُنا
وإنّا لله حياتنا وديمومتنا ، وإنّا لله مآبنا ، وإنا لله
منتهانا . فهو بدون هذه النظرة لا يستطيع فعل شيء . وما بين
البداية تلك والنهاية هذه ما بين أوّل الشوط وآخره راحت منطلقةً بكلّ وعي
وصدق قوافلُ المجاهدين الصابرين; لتؤدي دورها العبادي بمعناه الأشمل
والأتمّ ، الذي أرادته السماء ورسمته ريشتها لبني البشر {وما خلقت الجن
والإنس إلاّ ليعبدون} ليعبدون ربّاً واحداً ، عبر عمل دؤوب ونشاط متواصل بالخير
والعطاء يرضي الله وينفع الناس ، وقطعاً إنّ العمل الذي يرضي السماء
وينتهل منه الناس خيراً وبركةً ونفعاً ليس العمل الذي يزرع البغضاء ويمزِّق
الأمّة ، بل هو الذي يبذر الخير للجميع ، ويوحّد الصفوف ،
ويلقي بظلاله الوارفة علينا جميعاً .


أما النظرة الثانية فهي إلى واقعه وما يتضمّنه ، وإلى منهجه
ومسيرته ، وما تتركه حركاته من بصمات على حياته بكلّ ما فيها ،
نظرة تأمّل ودراسة لساحته وميدان عمله بغية وضع يده على نقاط الضعف فيه
لتقويتها . وعلى نقاط القوّة فيه لإدامتها ، وبالتالي تطويره
وبرمجته وفق إرادة السماء وما خطّطت له {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}6 .


وأية
أمّة هذه التي أرادها الله تعالى أن تكون؟! إنّها الاُمّة القرآنية الموحّدة;
لأنّ أمانة السماء التي أبت السماوات والأرض حملها ، لا تؤدّيها أمّة
متفرّقة ، أمّة متخاصمة ، أمّة متنازعة ومتناحرة ومتباغضة
ومتحاسدة ، أمّة تنهشها هذه الأمراض من كلّ جانب لا تستطيع تحمّل
شيء ، أو تحريك ساكن فضلاً عن فعل ما فيه خير وصلاح ، إنّ التي
تحملها وتؤدّيها خيرَ أداء أمّةٌ قوّتها في وحدتها ، وعزّتها في
تراصها ، وكرامتها في تآلفها ، وشموخها في تلاحمها ، وبقاؤها
في تآزرها وانتصارها في تكاتفها . .


عندئذ
تستطيع أن تحمل تلك الأمانة العظيمة ، وتكون جديرةً بها وبالمحافظة
عليها وأدائها بالصورة التي تريدها السماء .


إنّ كلمة الاُمّة في النصّ القرآني {إنّ هذه اُمّتُكم اُمّةً
واحدةً}7 تعني معنى واحداً جامعاً لكلّ من آمن بالإسلام
ديناً لا خصوص جماعة معينة أو مذهب أو قومية محدّدة . فالمسلمون جميعاً
اُمّة واحدة تدين بدين واحد وتعبد ربّاً واحداً {وأنا ربّكم
فاعبدون} .


إذن هذه الاُمّة الواحدة ـ التي أردتها السماء ، وأمرت المؤمنين بالسعي
لتحقيقها ، هي الاُمّة المسؤولة المكلّفة بأحكام السماء لا غيرها ،
وإذا ما تفرّق أبناؤها وإذا ما تشتّت مذاهب وفرقاً ، فلا يصدق عليها
حينئذ التعبير القرآني والكلمة القرآنية أنها (اُمّة) ولا تكون مشمولة بما
أرادته الآية الكريمة هذه وكذلك الآية السابقة {كنتم خير
اُمّة . . .} فبالتنازع والتناحر تلغى خصوصية
الاُمّة ، وتلغى آثارها من القوّة والمنعة والقدرة والتآلف ،
وتستبدل بالضعف والعجز والحقد والبغضاء وما إلى ذلك .


أرادنا
الله أن نأمر بالمعروف جماعة وأرادنا أن نستنكر المنكر جماعة
فـ «يد الله مع الجماعة» ، وهذا لا يعني أنّ الفرد بنفسه ليس
مكلّفاً ومأموراً باستنكار المنكر والأمر بالمعروف وشجب الظلم ، فهذا
واجب ومسؤولية ملقاة علينا كأفراد وجماعات ، ولكن الله سبحانه يحبّ أن
يكون الأمر جماعة فهو أقوى أثراً وأدوم بقاءً ، فالصلاة جماعة أفضل من
الصلاة فرادى . .


إنّ الاُمّة القويّة القادرة المتآلفة هي الاُمّة القرآنية ، التي لا
تفاخر ولا تكاثر بينها بالأنساب والأموال والأنفس {ألهاكم
التكاثر}8 ، وهذه عيوب تفتت جمعها وتمزّق
شملَها ، وتبعثر وجودها ، وبالتالي تطيح بكيانها بعد أن تتركها
أكلةً سائغةً للأعداء .


فالاُمّة القرآنية وهي الهدف الذي كانت تهفو إليه قوافل الأنبياء
والمرسلين ، وجدّت في المسير إليه ولا زالت كلّ مواكب الصالحين ،
كما راحت ترفرف حوله وتطوف به أرواح الشهداء ، بعد أن عبّدته جماجمهم
وسقته دماؤهم . . وظلّت الأجيال المؤمنة المتعاقبة تتوارث كنوزه
المضرّجة بدماء الشهداء والمعفّرة بتراب ساحات الفداء حتى وصل إلينا وها هو
بين أيدينا هدفاً سامياً عظيماً ، أفيصح منا أن نفرّط به وأن نضيّع ما
قد وفّرته لنا تلك الجهود المباركة وتلك الحشود الصادقة ، فنفد على
ربّنا ببضاعة كاسدة فيقول كلّ منّا {أين المفرّ}9 بعد أن {ينبأ الإنسان يومئذ بما
قدّم وأخّر}10 ويومها {يتذكّر الإنسان وأنّا له الذكرى* يقول يا ليتني
قدّمت لحياتي}؟


لا أريد
أن يُفهم ممّا أقوله أنّ الماضين لم يكن بينهم خلاف ، ولم تكن هناك
مواقف كادت أن تمزّقهم . لا ، أبداً ، بل أريد أن أقول: إنّ
هناك قواسم مشتركة بينهم ، زيّنت صفحات حياتهم ، وكانت نقاط خير
وعطاء للقائهم وتوحّدهم . . . فما أحرانا وقد كثر أعداؤنا
والمتربّصون بنا ـ أن نلتقي نحن أيضاً عند القواسم المشتركة وما
أكثرها . فخلافات الرأي وما يترتّب عليها من مواقف ماثلة أمامنا ،
ولكن بوجود الصالحين الواعين تضيق دائرتها ويمنع من تجذّرها; لنبدأ حياة أكثر
إشراقاً وأكثر أملاً دون أن نكبت صوت الحق أو نلغي الآراء المبرّرة
والاجتهادات العلميّة ، أو أن نصادر الرأي الآخر إذا ما توفّرت أدلّته
وقام على ركن قوي . وبذلك نستطيع أن نحفظ لاُمّتنا دينها
وأصالتها ، وأن نصون وحدتها ونقوي شوكتها ونديم وجودها ، فتقف
شامخةً بين الاُمم ، ومتعاليةً على ما فيها من خلافات فرضتها طبيعة
الحياة وطبيعة العمل والكدح ما دام الهدف الأعلى والغاية الأسمى التي نسعى
جميعاً لتحقيقها ، هو الاُمّة القرآنية التي بها كلّ خير وعطاء وبها رضا
الله سبحانه وتعالى .


لهذا
كلّه ولغيره ممّا لا يسع المقام ذكره بادر السيّد الإمام رضوان الله عليه بعد
أن وعى كلّ ذلك وآثاره ، وعرف أنّ قيمة هذه الاُمّة بوحدتها ، وأنّ
للوحدة قيمة كبرى ، وأنّ رسالة السماء ودعوتها يتوقف تبليغها على وحدة
الاُمّة ، وأن انتصارها وبقاءها رهين بوحدتها وأنّ موتها وانقراضها
بتفرّقها ، وبالتالي فإنّ وحدتها فوق كلّ اختلاف . . بادر
سماحته يحول نقاط الخلاف بين أبنائها إلى نقاط ائتلاف ضمن رؤية عقائدية
وفقهية وسياسية تبحث عن القواسم المشتركة ، فيقف عندها دون أن يغور
بالخلافات الاُخرى فتتعمّق ، أملاً أن تجد حلاًّ في المستقبل ،
فالزمن كفيل بحلّ كثير من المعضلات ، وما استعصى حلّه اليوم يتيسّر حلّه
غداً ، وهكذا راح سماحته بحكمته العالية وهمّته التي لا تعرف
الكسل ، وبأمله الذي لا يشوبه اليأس ، يدلي بوصاياه وأوامره في هذا
الخصوص ، وسنذكر بعضها بعد أن نقف قليلاً;


/ 9