« لإخلاص في الحج » - إخلاص فی الحج نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إخلاص فی الحج - نسخه متنی

عادل العلوی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



« لإخلاص في الحج »



عادل
العلوي


قال
الله تعالى في كتابه الكريم : { وما
أُمروا إلاّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين ... } 1
.


لقد
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم ، وتمدّح بخلقه في قوله تعالى : {فتبارك الله أَحسن
الخالقين}2
وركّبه من سرّ وعلن ، وروح وبدن . وبدنه من تراب وروحه من أمر ربه { ونفختُ فيه من روحي}3
فأودعه أسرار خلقه . جرمه صغير ولكن انطوى فيه العالم الأكبر . فدنا فتدلّى
فكان قاب قوسين أو أدنى ، فعلّمه الأسماء الحسنى وفهّمه البيان الأتم ،
وأناله الله تعالى بخضوعه وعبوديته له المقام الشامخ ، فإن العبوديّة جوهرة
كنهها الربوبيّة ، وأنطقه بأقواله سبحانه ومَن أصدق من الله قيلا ، وأصبغه
بصبغته ومَن أحسن من الله صِبغة ، وهداه النجدين: نجد الخير ونجد الشر ،
وجعله مختاراً في سلوك الطريقين إمّا شاكراً وإمّا كفوراً
.


وخلق لروحه
وبدنه منافيات وملائمات ، وآلام ولذّات ، ومنجيات ومهلكات ، فمنافيات البدن
الأمراض والأسقام الجسمانية ، وملائماته الصحة واللّذات الجسمانية ،
والمتكفّل ببيان تفاصيل هذه الأمراض
، وكيفية علاجها هو علم الطب ، ومنافيات الروح وآلامه هي رذائل الأخلاق
وذمائمها التي تهلكه وتشقيه ، وترديه وتهويه إلى أسفل السافلين ، فيكون
كالأنعام بل أضل سبيلا ، وقلبه كالحجارة بل أشدّ قسوة . والمتكفّل ببيان هذه
الرذائل الأخلاقية ومعالجاتها هو (علم الأخلاق) .


أما
صحة الروح فتتمّ برجوعها إلى فضائل الأخلاق ومحامدها التي تُنجيه وتُسعده في
الدارين ، وتأخذ بيديه إلى مجاورة أهل الحقّ عند مليك مقتدر في مقعد صدق
.


وإنما بعث
الله رسوله خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتمّم مكارم
الأخلاق ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إنّما بعثتُ لأُتمم مكارم
الأخلاق » وقد مدحه ربّه في قوله تعالى :
{ وإنك لعلى خلق عظيم }4
. وقد أقسم في سورة الشمس بأحد عشر قسماً أنه
{ قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها}حتى قيل
أوجب الواجبات الأخلاق الحسنة والمحمودة .


ثم
البدن ماديّ فان ، وكل من على الأرض
فان . والروح مجرد باق ، وإذا اتّصفت بشرائف الأخلاق كانت منعّمة في السعادة
الأبدية ، وإن اتّصفت برذائلها كانت في الشقوة والعذاب مخلّدةً .


فعلى المرء
الواعي أن يهذّب نفسه ، ويزكّي أخلاقه ، ويعالج أمراضه ، قبل فوات الأوان .
كما أن المريض ينبغي له أن يعالج بدنه وصحته . وكلُّ شيء إنما يعالج بضدّه ،
فإن علاج اليابس بالرطب ، والرطب باليابس ، والحار بالبارد والبارد بالحار ،
وهكذا أمراض الأخلاق ، فإن الجهل يُعالج بالعلم ، والبخل بالسخاء ، والكبر
بالتواضع ، والشّره بالكفّ عن الشهوات ، ومرض الرياء بالإخلاص . وإن كان ذلك
كلّه يستلزم التكلّف والمرارة ، فإنّ مَن أراد أن يعالج مرض بدنه عليه أن
يتحمّل مرارة الدواء ، وأن يصبر عن المشتهيات ، وكذلك الروح حيث يُريد
الإنسان علاجها فلابد له من احتمال مرارة المجاهدة وشدّة الصبر الذي هو سيّد
الأخلاق . فيصبر على فعل الطاعات والعبادات ، وترك المعاصي والآثام ، ليداوي
بالصبر أمراض القلوب . وإن علاجها أولى من علاج الأبدان ، فمرض البدن يخلص
الإنسان منه بالموت ، ولكن مرض الروح ـ والعياذ بالله ـ يدوم حتى بعد
الموت . فالحريّ بمن يخاف على نفسه وقلبه وروحه أن يباشر المعالجة قبل الموت
، فإنه سيندم يوم لا ينفعه الندم .


ثم
أصل تهذيب النفس وتزكيتها أن يقف الإنسان على حقيقة نفسه ، ويرى عيوبها
ومهلكاتها . فمن كملت بصيرته وتمّت حذاقته ، لم تخف عليه عيوبه . ومن عرف
الأمراض والعيوب يسهل عليه التداوي والتخلّص منها . ولكنّ أكثرَ الناس جهلوا
عيوب أنفسهم ، فيرون القذى في أعين الآخرين ، ولا يرون الجذع في عيونهم
.


ولابدّ من
الاعتدال والحكمة في الأخلاق فهما الصحة للقلب والنفس والروح . أما الميل
والانحراف عن حدّ الاعتدال فهما المرض والسقم الذي يخاف منه .


وعلاج النفس
لمحو الرذائل والأخلاق الذميمة عنها ، يكسبها الفضائل والأخلاق الحميدة ، كما
أن تخلية القلب من الأهواء والأمراض النفسيّة ، وتحلّيه هو الآخر بالأخلاق
الفاضلة ، يجعل الروح أكثر جلاءً ، ويصقلها حتى تكون كالمرآة تنطبع فيها
أسرار الله وكونه .


ثم
الغالب على أصل المزاج البدني هو الاعتدال ، وإنما تعتريه العلل المغيرة
بعوارض الأغذية والأهوية والأحوال . وكذلك الروح ، فكل مولود يولد على الفطرة
المعتدلة الصحيحة ، وإنما أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه ، فالمحيط
والتربية والتعلّم والتعوّد لها الأثر البالغ في اكتساب الإنسان الرذائل
والآثام .


ولما كان
البدن في ابتداء خلقه لم يخلق كاملا ، وإنما ينمو ويكمل وتقوى القوى فيه
بالنشوء والتربية بالغذاء والماء ، فكذلك النفس تخلق ناقصة ، إلا أنها قابلة
للتكامل المنشود في جبلته ، والذي خُلق الإنسان من أجله ، يصل الإنسان بجهده
وجهاده إلى كماله ، وأن يكون مظهراً لأسماء الله وصفاته . وتكمل هذه النفس
بالتزكية وتهذيب الأخلاق ، وتغذيتها بالعلم النافع والعمل الصالح والإيمان
الراسخ . وإذا كان البدن صحيحاً ، فشأن الطبيب حينئذ تمهيد القانون وبيانه
للصحة والمحافظة عليها ، وإن كان البدن مريضاً فشأن الطبيب أيضاً جلب الصحة
إليه ، فكذلك النفس ، فإن كانت سليمة وزكيّة ومهذّبة الأخلاق ، فينبغي السعي
من أجل حفظها وسلامة صحتها وبقائها ، واكتساب زيادة صفائها وجلائها ، وإن
كانت عديمة الكمال ، فاقدة للصفاء الروحي ، فينبغي الجهد المتواصل لجلب الصحة
النفسيّة إليها .


هذا
ومن أمراض القلب الخطرة جداً هو الرياء في النوايا والعمل ، فإنّه كدبيب نملة
سوداء في ليلة ظلماء على صخرة صلداء ، فمَن يحسّ بدبيبها ؟ وان الرياء من عمل
الشيطان الرجيم ليضل الناس ويغويهم {
قال فبعزّتك لأغوينهم أجمعين * الا عبادك
منهم المخلصين } 5
.


ويقابل
الرياء الإخلاص ، « والأعمال بالنيات » ـ كما ورد في الخبر ـ «
ولكل امرئ ما نوى » ، والنيّة من عمل الجوانح وهو القصد القلبي نحو العمل
المقصود اتيانه والمنشود فعله . ولو كانت النية خالصة لله سبحانه فإنها توجب
قبول الأعمال، فإنّ الكلم الطيّب ـ وهو الذي فيه الإخلاص كما ورد في الأثر ـ
يصعد إلى الله سبحانه ، وإنما يتقبّل الله من المتقين ، والإخلاص أساس التقوى
.


قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : طوبى للمخلصين أولئك مصابيح الهدى ،
تنجلي عنهم كلّ فتنة ظلماء6
.


وقال (صلى
الله عليه وآله وسلم) : العلماء كلّهم هلكى إلّا العاملون ، والعاملون كلّهم
هلكى إلاّ المخلصون والمخلصون على خطر .


وقال (صلى
الله عليه وآله وسلم) : إذا عملت عملا فاعمل لله خالصاً لأنّه لا يقبل من
عباده الأعمال إلا ما كان خالصاً .


وقال (صلى
الله عليه وآله وسلم) : ليست الصلاة قيامك وقعودك إنما الصلاة إخلاصك ، وأن
تريد بها وجه الله .


وقال أمير
المؤمنين علي (عليه السلام) : العمل كلّه هباء إلا ما أُخلص فيه .


وقال (عليه
السلام) : ضاع مَن كان له مقصدٌ غير الله .


وقال الإمام
الصادق (عليه السلام) : ولابدّ للعبد من خالص النيّة في كلّ حركة وسكون ;
لأنه إذا لم يكن ذلك منه يكن غافلا ، والغافلون قد وصفهم الله تعالى فقال
: { أولئك كالأنعام بل هم أضل
سبيلا } وقال :
{ أولئك هم الغافلون } .


قال
الله تعالى عن لسان نبيّه : { قل إنّي
أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين * وأمرت
لأن أكون أوّل المسلمين } 7
.


قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ لكل حقّ حقيقة ، وما بلغ عبد
حقيقة الإخلاص حتى لا يحبّ أن يحمد على شيء من عمل لله .


وقال (صلى
الله عليه وآله وسلم) في حديث آخر : « أما علامة [ علامات ] الُمخلص فأربع :
يسلم قلبه وتسلم جوارحه وبذل خيره وكفّ شرّه .


وعن
أمير المؤمنين علي (عليه السلام)قال : مَن لم يختلف سرّه وعلانيته ، وفعله
ومقالته فقد أدّ الأمانة وأخلص العبادة .


قال
أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين في بيان حقيقة الإخلاص ـ بعد أن ذكر
أقوال الشيوخ فيها ـ : الأقاويل في هذا كثيرة ولا فائدة في تكثير النقل بعد
انكشاف الحقيقة ، وإنما البيان الشافي بيان سيد الأولين والآخرين ، إذ سُئل
عن الإخلاص فقال : « هو أن تقول ربّي الله ثم تستقيم كما أُمرت » أي لا تعبد
هواك ونفسك ولا تعبد إلا ربّك ، وتستقيم في عبادته كما أمرك ـ إياك نعبد
وإياك نستعين ـ وهذه إشارة إلى قطع كلّ ما سوى الله عزّ وجلّ من مجرى النظر
وهو الإخلاص حقّاً .


ثم
من آثار الإخلاص في حياتنا الفردية والاجتماعيّة ، وفي العلميّة والعمليّة ،
هو تفجّر ينابيع الحكمة وجريانها من قلب المخلص على لسانه .


وقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : قال الله عزّ وجلّ : لا أطلّع على قلب عبد
فأعلم منه حبّ الإخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته
.


وقال أمير
المؤمنين علي (عليه السلام) : غاية الإخلاص الخلاص . والمخلص حريّ بالإجابة ،
وعند تحقق الإخلاص تستنير البصائر ، وبالإخلاص ترفع الأعمال ، وفي إخلاص
النيّات نجاح الأمور ، ومَن أخلص بلغ الآمال ، أخلص تنل .


حريّ أن تكتب
هذه الكلمات بأقلام من نور على وجنات الحور ، فما أروع قوله (عليه السلام) :
أخلص تنل . كلمتان فقط ولكن فيها ما فيها من الأسرار والحِكم والحقائق ، فإن
الإنسان إنما ينال ما ينال بالإخلاص .


وقال الإمام
الصادق (عليه السلام) : إن المؤمن ليخشع له كلّ شيء ويهابه كلّ شيء ، ثم قال
: إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كلّ شيء حتى هوام الأرض وسباعها وطير
السماء .


ثم
يا هذا هل بعد الإخلاص من مقصود ومنشود ؟


وقد
قال الإمام الباقر (عليه السلام) : ما بين الحق والباطل إلا قلّة العقل ـ أي
من يختار الباطل فهذا من قلّة عقله ـ قيل : وكيف ذلك يا بن رسول الله ؟ قال :
إن العبد يعمل الذي هو لله رضىً فيريد به غير الله ، فلو أنه أخلص لله ،
لجاءَه الذي يريد في أسرع من ذلك8


هذا
في الإخلاص الذي هو من جنود العقل ، ويقابله الرياء الذي هو من جنود الجهل ،
وقد قال الله تعالى في محكم كتابه : {
ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ويصدّون عن سبيل الله
} 9
.


قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لابن مسعود : يا بن مسعود إياك أن تظهر
من نفسك الخشوع والتواضع للآدميين ، وأنت فيما بينك
وبين ربّك مصر على المعاصي والذنوب . يقول الله تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور }
.


وقال : أشد
الناس عذاباً يوم القيامة من يرى الناس أن فيه خيراً ولا خير فيه10
.


قال
أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : المرائي ظاهره جميل وباطنه عليل
.


وقال الإمام
الصادق (عليه السلام) : إياك والرياء فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من
عمل له .


وعن
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ان الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به
فإذا صعد بحسناته يقول الله ـ عزّ وجلّ ـ اجعلوها في سجّين إنه ليس إيّاي
أراد به .


وفي
حديث آخر : تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجاً به فيطأُون الحجب كلّها حتى
يقوموا بين يدي الله فيشهدوا له بعمل صالح ودعاء ، فيقول الله تعالى : أنتم
حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه ، إنه لم يردني بهذا العمل عليه
لعنتي .


وقال (صلى
الله عليه وآله وسلم) : إن المرائي يُنادى يوم القيامة : يا فاجر ! يا غادر !
يا مرائي ! ضلّ عملك وبطل أجرك ، اِذهب فخذ أجرك ممّن كنتَ تعمل له
.


وقال الصادق
(عليه السلام) : ما على العبد إذا عرفه الله ألاّ يعرفه الناس ؟ إنّه من عمل
للناس كان ثوابه على النّاس ، ومن عمل لله كان ثوابه على الله ، وإن كلّ رياء
شرك .


قال
الله عزّ وجلّ : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري
فأنا منه بريءٌ فهو للذي أشرك .


وقال رسول
الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ الله تعالى لا يقبل عملا فيه مثقال
ذرّة من رئاء .


وقال (صلى
الله عليه وآله وسلم) : يا بن مسعود إذا عملت عملا من البرّ وأنت تريد بذلك
غير الله فلا ترج بذلك منه ثواباً فإنّه يقول :
{ فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} 11
.


وعن
شدّاد بن أوس قال : رأيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي ، فقلتُ : يا
رسول الله ! ما يبكيك ؟ فقال : إني تخوّفت على أُمتي الشرك أما إنّهم لا
يعبدون صنماً ولا شمساً ولا قمراً ، ولكنهم يراؤون بأعمالهم .


وعن
الإمام الصادق (عليه السلام) : يُجاء بعبد يوم القيامة قد صلّى فيقول : يا
ربّ صلّيت ابتغاء وجهك فيقال له : بل صليت ليقال ما أحسنَ صلاة فلان اذهبوا
به إلى النار .


ولكلّ شيء
علامة ، وقد جاء في علامة المرائي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
« اما علامة [ علامات ]المرائي فأربع ; يحرص في العمل لله إذا كان عنده أحد ،
ويكسل إذا كان وحده ، ويحرص في كل أمره على المحمدة ، ويحسن سمته بجهده »
.


وقال الإمام
الباقر (عليه السلام) : الإبقاء على العمل أشدُّ من العمل . قال الراوي وما
الإبقاء على العمل ؟ قال : يَصلُ الرجل بصلة ، وينفق نفقة لله وحده لا شريك
له فتكتب له سراً ، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانيةً ، ثمّ يذكرها فتمحى
وتكتب له رياءً .


قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصف المؤمن : لا يعمل شيئاً من الخير
رياءً ، ولا يتركه حياءً . وفي غرر الحكم عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
كلّ حسنة لا يراد بها وجه الله تعالى فعليها قبح الرياء وثمرها قبح الجزاء
.


وقال الإمام
الصادق (عليه السلام) : ما كان من الصدقة والصلاة والصوم وأعمال البرّ كلّها
تطوّعاً فأفضلها ما كان سرّاً ، وما كان من ذلك واجباً مفروضاً فأفضله أن
يعلن به12
، فالرياء حرام والمرائي عند الله سبحانه ممقوت ومغضوب عليه ، وقد شهدت لذلك
الآيات والأخبار والآثار كما ذكرنا .


هذا
غيض من فيض في أخبار الإخلاص والرياء وبيان حدودهما وما يترتب عليهما من
الآثار في الدنيا والآخرة .


وبعد هذه
الوقفة العاجلة عند عظمة الأخلاق الإسلاميّة ، ودورها البالغ في حياة المسلم
الرسالي ، وبعد عرض موجز عن الإخلاص والرياء ، وإنّ القلبَ منشؤهما ومحطهما ،
فإنه العالم بالله وهو العامل لله ، والساعي والمخلص والمتقرب إليه ، وهو
الكاشف بما عند الله ولديه ، وإنما الجوارح أتباع له ، وخَدَم وآلات يستخدمها
القلب كاستخدام الراعي للرعيّة ، وهو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله ،
وهو المحجوب عنه إذا صار مستغرقاً بغير الله ، وهو المخاطب وهو المطالب ، وهو
المثاب والمعاقب ، فيفلح الإنسان إذا زكّاه ، ويشقى ويخيب إذا دَنّسَهُ
ودسّاه ، وهو المطيع لله بالحقيقة ، وإنما التي تظهر على الجوارح الظاهرية من
العبادات أنواره ، فهو سلطان البدن ، وهو العاصي المتمرد على الله ،
وإنما الساري على الأعضاء من الفواحش آثاره . وبظلمانيته ونورانيته تتجلّى
المحاسن الظاهرية ومساويها ، فإن كلّ إناء بما فيه ينضح ، وهو الذي إذا عرفه
الإنسان فقد عرف نفسه ، ومن عرف نفسه عرف ربّه ، فتارة يهوي إلى أسفل
السافلين ويكون كالأنعام بل هو أضلّ سبيلا ، وأخرى يصعد إلى أعلى عليين ،
ويرتقي إلى عالم الملائكة المقرّبين .


ومن
لم يعرف قلبه ليراقبه ويراعيه ويترصّد ما يلوح من خزائن الملكوت عليه وفيه
ومنه ، فهو ممّن قال الله تعالى فيه :
{ ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم اولئك هم
الفاسقون } 13
. فمعرفة القلب وحقيقة أوصافه أصل الدين ، وأساس السالكين ، فلا تغفل
.


فلابدّ
للمؤمن من أن يخلص في نواياه وأعماله ، وحركاته وسكناته ، حتى يلقى الله وليس
في قلبه سواه وذلك هو القلب السليم ، الذي ينفع في يوم لا ينفع فيه مال ولا
بنون .


والمؤمن
الحاج ، والمؤمنة الحاجة لابدّ لهما من الإخلاص في مناسكهما ، وفي حجّهما
وعمرتهما ، فإنّ الحجَّ من فروع الدين ومن العبادات ، وشرطها الأوّل النيّة
الخالصة متقرّباً بها إلى الله سبحانه وتعالى .


والحجُّ من
العبادات الدينية والسياسيّة والاجتماعية ذات المفاهيم القيّمة ، روحياً
وبدنياً ، فرديّاً واجتماعيّاً ، في جميع جوانب الحياة من العبادة ،
والإقتصاد والسياسة ، والثقافة والحضارة ، والأخوة الإسلاميّة وغير ذلك
.


ويكفي في
شرافة الحج ، ومقامه الشامخ في الدين الإسلاميّ الحنيف ، أنه أحد الأركان
التي بني عليها الإسلام ، فهو من الأسس الأولى التي يعلو عليها الإسلام
العظيم . وتتجلّى في الحجِّ روح المحبّة والأخوة والصفاء ، وحكومة
الروحانيّات على الماديّات . وكل مسلم متحمّس لدينه يرى في حجّه وعمرته ، أن
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، وأن هذا الدين القيم لو تمسّك به أهلُه حقَّ
التمسك ، وطبقوه في كل زوايا حياتهم لحكم العالم ولرفرفت راياته على ربوع
الأرض ولو كره المشركون .


فإن
الإنسان الضائع ، والبشرية التائهة تجد انشودتها وسعادتها في هذا الدين ، فهو
يتكفل سعادة الإنسان في داري الدنيا والآخرة .


فالحجُّ
يمثّل بوضوح عزّ الإسلام وبقاءه وسلطانه ، وكرامة المسلمين وشرفهم ، فليس
لأُمّة وملّة من الأمم والملل مثل هذا المؤتمر العالمي العظيم ، والمشهد
السنوي الكبير ، الحافل بالخيرات والبركات ; ليشهدوا منافع لهم ; ليجتمع فيه
المسلمون من شرق الأرض وغربها على اختلاف جنسيّاتهم ، وطوائفهم ، واشكالهم
وألوانهم ولغاتهم ، ولا يتميز غنيّهم عن فقيرهم ورئيسهم عن مرؤوسهم ، وكلّ
واحد منهم وقد اتزر بأحد ثوبي الإحرام وارتدى بالآخر ; ليلبي دعوة الله ،
التي يدوي صداها عبر الأحقاب والأجيال من شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل (عليه
السلام)في قوله تعالى : { وأذن في
الناس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق }
14
.


فالحجّ فلاح
وصلاح وقد أفلح من اقامه ، ورفع بنيانه كما أمر الشارع به ، وإنما ركّز
القرآن الكريم ، ورسولُ الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأهل بيته
الأطهار (عليهم السلام)على الحجِّ لما فيه من المغزى والمعنى الملكوتي ،
ولأنّه يحتوي على كثير من العبادات ، والفضائل الأخلاقية ، والخير والإحسان
الاجتماعي ، والثواب الأخروي فإنه من بين أركان الإسلام ومبانيه ، عبادة
العمر وختام الأمر ، وتمام الإسلام وكمال الدين فيه ، قال النبي (صلى الله
عليه وآله وسلم) : « من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء
نصرانياً »15
.


فهو
نقلة اجتماعية ، ورحلة جماهيريّة يتّجه فيها الناس من كل صوب ومكان ; لأداء
فريضة إلهيّة واجبة ، في مكان مقدس واحد هو أشرف بقاع الأرض : مكّة المكرّمة
. وفي زمان واحد من الأشهر الحرم ، ذي الحجة المبارك ; ليمارسوا شعائر موحدة
، ومناسك دينيّة ، وطقوساً خاصة ، تجرّد الإنسان عن عالم الماديّات ، وتحلّق
بروحه إلى عالم ملكوتي وروحاني بلا نهاية ، إلى الرفيق الأعلى فيكون قاب
قوسين أو أدنى .


ولكن نوايا
الناس مختلفة ، والإنسان على نفسه بصيرة ، ولو ألقى معاذيره وأستاره ، فقد
روي في خبر من طريق أهل البيت (عليهم السلام) : « إذا كان آخر الزمان خرج
الناس للحجِّ أربعة أصناف : سلاطينهم للنزهة ، وأغنياؤهم للتجارة ، وفقراؤهم
للمسألة ، وقرّاؤهم للسُّمعة »16
.


فليس كلّ من
أدى فريضة الحجِّ نال الكمال وبلغ العُلى ، بل بشرطها وشروطها والإخلاص أوّل
شروطها .


قال
الإمام الصادق (عليه السلام) : الحجُّ حجّان : حجٌّ لله وحجٌّ للناس ، فمن
حجّ لله كان ثوابه على الله الجنّة ، ومن حجّ للناس كان ثوابه على الناس يوم
القيامة17
.


ولا
يخفى أنّ من يدخل الجنة فهو من السعداء لقوله تعالى : { وأمّا الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ... }
18
، فمن كان سعيداً في حجّه ، إنما يخلص لله في مناسكه ويبتغي وجه الله في
أعماله ، ومن عمل للناس فقد خسر الدنيا والآخرة ، فإن الدنيا الدنيّة
دار ممرّ ، وأهل الدنيا لا وفاء لهم ، وفي الآخرة كلّ ينادي وانفساه ، وكلّ
يفرّ من أخيه وصاحبته وبنيه وعشيرته التي كانت في الدنيا تؤويه . فمن الحماقة
وقلّة العقل أن يعمل الإنسان لغير الله سبحانه ، كما ورد في الخبر
.


قال
الإمام الصادق (عليه السلام) : مَن حجّ يريد به الله ولا يريد به رياءً
وسمعة غفر الله له البتّة19
ـ أي قطعاً ـ .


فمن
حجّ ليُنادى في المجتمعات والنوادي : يا حاج فلان ، يا حاجّة فلانة ، وليفخر
على الآخرين ويتطاول عليهم ، لم يصيبه من حجّه إلا التّعب والنّصب . والأعمال
العبادية تبطل بالرياء فيجب إعادتها وقضاؤها حينئذ . فهل بعد هذا إلا الإخلاص
في النوايا والعمل ؟!


وعن
الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث يذكر علامات ظهور المهدي (عليه السلام)
: ... ورأيت طلب الحجّ والجهاد لغير الله ... فكن على حذر واطلب من الله
النجاة20
.


/ 4