كلمة المجمع - من حیاة اهل البیت علیهم السلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

من حیاة اهل البیت علیهم السلام - نسخه متنی

محمد علی تسخیری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید





من حياة اهل البيت\ص5-ص21 من حياة اهل البيت عليهم السلام



محمد علي التسخيري



كلمة المجمع


لقد أجمع علماء الاجتماع في كافة الازمان والعصور على ضرورة وجود الحاكم والقائد الذي يسوس الرعية ويطبق الاحكام التي من شأنها حفظ كيان المجتمع الانساني والسير به إلى ما يجعله مجتمعاً تسوده القوانين والانظمة.



والدين الاسلامي الرسالة الالهية إلى البشرية هو شريعة الله إلى عباده وأحكامه التي ينظم بها حياة المجتمع وعلاقاته ويحفظ بها كيان الفرد والمجتمع من الانحراف والضلال والبغي والفساد في الارض، كما أنه يقود الانسان إلى الخير والصلاح في الدنيا والاخرة.



ولابد لهذا الدين بما فيه من أحكام وقوانين وأنظمة من قيّم وحاكم وقائد يتولى تطبيق الشريعة وفق الاُسس الصحيحة والفهم القائم على الارتباط الوثيق بمصدر التشريع حتى يتسنى للبشرية أن تنعم ـ ان هي استجابت للامر ـ في ظل تلك الاحكام والانظمة الالهية المستوعبة لجميع احتياجات البشر والمعالجة لكل مشكلاتهم.



ولقد كان الرسول الاكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) يمارس الحاكمية والقيادة للاُمة لتنفيذ اُطروحة الاسلام الاجتماعية والسياسية في الحكم كما هو شأنه في هداية الامة في الجوانب العبادية التي تربط الانسان بخالقه وتشدّه إليه. إذ لا يكمن فصل الموقف السياسي عن باقي المواقف التي وقفها الرسول الاكرم من خلال ممارسة حاكميته وقيادته الفريدة في تاريخ البشرية وهو دور النبوّة والرسالة.



وبعد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي دور الامامة والولاية التي هي منصب إلهي يفرضه الشرع ويبدهه العقل، لانه ليس من المعقول أن يترك الله ورسوله اُمة للضياع والاختلاف والتمزّق والاهواء في اختيار من يشاؤون، إذ إنهم عاجزون عن معرفة الاصلح لقيادتهم والاهتداء إلى من تتوفّر فيه الخصوصيات والضوابط الاسلامية كما يعرفها الله ورسوله، وهما أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأدرى بما تحتاجه الامة وبمن تحتاجه يا علي لا يعرف الله إلاّ أنا وأنت، ولا يعرفني إلاّ الله وانت، ولا يعرفك إلاّ الله وأنا.



ومن هذا المنطلق في الفهم جاء الايمان بولاية أهل البيت بعد أن ثبت بالنص المقدس أنهم خلفاء الرسول وولاة أمر الامة.



والكتاب الذي بين أيدينا دراسة لحياة أهل البيت من جهة كونهم قادة للامة، كانت حياتهم حياة مثلى أعطت للبشرية نموذجها الاسمى لتترسم منهجهم وتسير على هداهم.



ولكي يكونوا قادة للامة لابدّ من توفّر مقومات لشخصيتهم القيادية، هذه المقومات هي التي تحقق الاسس المبدئية لكونهم أئمة، ومن خلال دراسة هذه المقومات والمؤهلات يتبين لنا السر الكامن في اختيار الله ورسوله لهؤلاء العترة أئمة للاُمة وفرض مودتهم وولايتهم عليها.



والمتتبع لفصول الكتاب يجده دراسة فريدة في هذا الباب استدلالية في مطالبها، قد بذل كاتبها سماحة العلامة الشيخ محمد علي التسخيري حفظه الله جهداً علمياً هادفاً في بيان مقومات الشخصية القيادية ومنهج دراستها في اطار سيرة أهل البيت(عليهم السلام) وقيادتهم الاسلامية كاشفاً بذلك حجم الانحراف عن المنهج المنطقي الصحيح في البحث العقائدي والتاريخي من قبل البعض لسيرة أهل البيت(عليهم السلام) ومنهجهم في قيادة الاُمة على خطى الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم).



المعاونية الثقافية للمجمع العالمي



لاهل البيت(عليهم السلام)



مقدمة مسيرتان


اذن الله ـ تعالى ـ ان ينطلق الانسان في مسيرته المتكاملة مزودا بجوهرة الفكر الغالية، التي لا تقدر بثمن، والتي يستطيع بها ان يتعدى النطاق المادي المحسوس له ـ بالخصوص في لحظة التفكير ـ ليعلو على هذا الواقع، فيبصره بصورة ادق.. ثم يعمل على تغييره وتبديله الى الصورة الاكمل.. منتقلا من عالم الفكر التأملي الخالص الى المجالات العملية البناءة.. مستغلا ما اودع في فطرته، وتركيبه النفسي، والروحي، والجسمي من طاقات خلاقة، وقوى مبدعة محققا مقتضيات خلافته التي منحها الله تعالى اياه.. فشرفه بها.. وسما به الى مرتبة قد لا يحلم بها الملائكة المقربون احيانا. وانطلق في هذه المسيرة وامامه سرج، ومنابع ضوء.. امامه الهداية العقلية السالفة، والهداية الفطرية الغريزية تؤطرهما جميعاً، وتسدد مفعولهما وتنسق عطاءهما مع الواقع.. الهداية الالهية.



وتكون المجتمع الاول، وامتد شيئا فشيئا.. واتسعت علائقه، وبدرت ظواهره... ثم بدأ الضعف يدب قليلا قليلا في اعماقه، ينهش في الفطرة، ويعكر صفوها، ويساعده الجهل، ومهد لذلك البعد الزمني عن الوحي.. وهكذا وضحت على مسرح الحياة.. مسيرتان:



احداهما: تتجلى فيها معطيات الهداية.



والاخرى: تتجلى فيها ـ رويدا رويدا ـ معالم الانحراف والتراجع الانساني عن الشوط الفطري الخلافي الفترض.



وكان لابد من ان ينجم الصراع، وتلتحم المسيرتان في معركة لا هوادة فيها. كل ترى في الاخرى عقبة كأداء.



المسيرة المتكاملة ترى الاخرى اشواكا زرعت على طريق التكامل وتلك تنظرها ـ على العكس ـ مسيرة وهمية تقضي على مصالحها... وشهواتها.. وتقلل من جشعها.. وتطعن جبروتها بالصميم.



وماج التاريخ بالدموع، والالام، والضحكات والاحلام، والعزائم المتفجرة واختها المنهارة.. وحفل شريط التاريخ بنجوم لامعة، وشخصيات فذة من جهة، وبوجوه مكفهرة.. يأكلها الجشع.. ويزأر في وجودها الحقد... فتنداح امامها شعوب ويرقص في وجهها السيف، وتداس كرامات وكرامات.



التاريخ.. بحر واناس



وتمثل التاريخ بحرا خضما.. متلاطم الامواج... تموت امامه الحدود.. وتزخر اعماقه باللالئ والعجائب كما تزخر بالموت.. والظلام والصخور الجوفاء، ووقف على الساحل اناس هناك مختلفون.



فهذا هاجت به الصبابة والوجد.. فخرج من عالمه الضيق المقيت ليروّح عن نفسه ويناجي الامواج.. ولا يقصد غير الترويح.



وذاك استهوته مناظر الصراع الموجي، والالتطام الارعن فراح يعبر عن صراعه هو بوقفته الشاخصة.



والاخر جاء الى الساحل لاعبا بالحصى متغافلاً، او غافلا عن كل وجود، في حين قصده آخرون يطلبون صيدا يسدون به جوعة عوائلهم التي تقبع هناك عيونا تنتظر، ومنى تتوزع على ثقوب الشبكة فتلتهم في أية لحظة صيدها الثمين الثمين.



وغاص آخرون... وتحملوا الاهوال والمشاق.. وصارعوا في الاعماق ما تحمله الاعماق، وطلعوا بلالئ ثرة، ولكنها مفردة لا تفي الا بحاجة جمع معين. اما الباقون فهم اناس ملاوا وجودهم علما ووعيا.. وشقوا عباب البحر وجابوا اعماقه ودرسوه شبرا شبرا، واقاموا فيه مختبراتهم.. وخرجوا من بعد ذلك.. وعلى نفوسهم بهجة البحر وروعته، وجلال العلم وسموه وعندهم صيد الساحل، ولؤلؤ الاعماق وفوق ذلك خيرات لا تقدر بثمن.. وهكذا التاريخ.. حذو القذة بالقذة.



وقف عليه اناس.. اسميناهم جميعا مؤرخين.. وما فاز بجلال الاسم وقدسيته الحقيقية الا الواعون، اذ جابوا يطوفون، هدفهم الاسمى.. يشدهم اليه شدا.. ذلك هو الكشف عن الانسانية السامية التي اشرقت في أي مجال، أو تجسدت في أي شخص.



وبكشفهم هذا فازوا بكل ما فاز به الاخرون.. وفوق ذلك ما يسمو وحده على كل حصيلة...



الهدف والقائد


تتطامن الاهداف وتتصاغر امام الهدف الاعلى للانسانية التي تحملت من اجله كل الوان العذاب،والمصاعب الجمة.. ذلك هو السعادة البشرية او قل: النظام الاصلح الذي يسعد البشرية في مختلف مجالات حياتها الاجتماعية، او الذي يمتلك طاقات القيادة نحو هذا الهدف الكبير.



وكان سبب الشقاء الوحيد يكمن في ان البشرية لم تستق جوابها في هذا الصدد على هذا التساؤل الظامئ من منبع الحقيقة... وانما كانت كابن نوح(عليه السلام)صعد على جبل عال ليعصمه من الطوفان و (لا عاصم اليوم من امر الله)...



فكان عاقبة امرها الضياع، والظلم والحرمان، والدماء المهدورة.. اذ ظنت انها مستطيعة خلق هذا النظام ولكنها باءت بالفشل الذريع لعوامل كثيرة ـ لا يسعها مجال الحديث ـ اهمها ان النظام يحتاج الى الاحاطة اولاً بكل العلائق والاحتياجات الداخلية والخارجية، والى الاحاطة ايضا بعوامل الاشباع المختلفة.. وفوق ذلك الى عملية خلق التوازن في الاشباع، وطرح الطريقة العادلة له..



في حين لا يمكن للانسان ـ بعيدا عن هدى السماء ـ ان يخرج من اطاره الفردي فيطلع على جوانب نفسه العظيمة وما فيها من طاقات واحتياجات،وما تحتاج اليه من عمليات اشباع([1]).. فكيف يحيط بالعلائق الكونية المحيطة والعلائق البشرية المشتركة والخاصة. ليخرج من كل هذا وغيره بنظام اصلح يقيم التوازن، والتلاؤم المطلوب بين كل الاحتياجات...؟



وشاءت العناية الالهية بلطفها ان يهدى الانسان الى نظم كاملة تلائم كل مرحلة من مراحل نمو الانسانية على وجه هذا المهد الدافئ.. الارض الحنون.. فانقذهم من الضياع.. وحدد لهم موقفهم العام من الكون، ومن الحياة، ومن المجتمع ورسم لهم منهجهم العملي في كل سبيل..



وكان لابد لهذه العملية من قادة مربين، وكان الانبياء ـ اولئك القادة ـ .



كانوا اناسا على مستوى الهدف يمتلكون طاقات تنعدم عند الاخرين وكان ذلك ضروريا انطلاقا من قاعدة ـ تغافل او غفل عنها الكثير ممن يدعون القيادة الاجتماعية، وهم خلو من مؤهلات التربية ـ هي ان المؤثر لابد ان يمتلك طاقة وقوة اكبر حتى يستطيع التأثير وكان هذا ـ بالاضافة لغيره ـ من بواعث العصمة التي امتاز بها الانبياء وأوصياؤهم باعتبارهم القائمين والمنفذين الاوائل لتلك الخطط الالهية التي تستهدف اعظم غاية في حياة الانسان.. ولن تجدي هنا بعض المحاولات العقيمة ممن اغرقوا التاريخ بدراسة حرفية لا واقعية، فاستنتجوا جواز الغاء هذا الاشتراط في القائد.



نعم اذا فقد المعصوم لجأنا الى الفئة التي هي اقرب من غيرها اليه.



التجربة الطويلة والقيادة الامتدادية


ولما كان الاسلام هو الحلقة الاخيرة والرسالة الخاتمة التي جاءت في مرحلة النضج البشري تطرح نفسها امام العالم رسالةً الهية تستطيع ان تتجاوز الزمان، والمكان، والمجتمعات وتنظيم البشرية في مختلف اطوارها في مسيرة واحدة، وكل هذا يحتاج الى جهد كبير في مرحلة يسود فيها الانحراف العقائدي الرهيب والفوضى العملية القاتلة.



فطبيعي ان تكون هذه المهمة الجبارة عبءاً ثقيلا لن يحمله الا من اصطفاه الله جل وعلا واعطاه نفسا عالية وعزما لا خور فيه وتربية عالية تتناسب مع علو الهدف. وهكذا كان(صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث لن يستطيع فكر خصب، ولا خيال محلق ان يعرض جوانب العظمة كلها في حياته الطاهرة.



وعلاوة على هذا نقول ان تلك العملية الضخمة لم تكن لتكفيها مرحلة زمنية قصيرة مهما كانت جهوده(صلى الله عليه وآله وسلم) عظيمة، خصوصا والمسبقات الذهنية الخطرة ما زالت تعشعش في الصميم، حتى في اذهان كثير ممن كلفوا بحمل الرسالة في مطلعها الاول، ولم يكن ممكنا ازالتها في هذه المدة القصيرة، وقد غمرت وجودهم من قبل.



فمن الطبيعي جدا ان يحكم المنصف بأن الاسلام ـ وفق برنامجه العالمي ـ كان بحاجة الى قادة مثاليين يجسدون تعاليم الاسلام، ويشكلون امتدادا لشخصيته(صلى الله عليه وآله وسلم)من حيث المهام التي يقوم بها تجاه عملية التربية ومن حيث القدس والسمو، والاحاطة، والقدرة وان افترقوا عنه في مجال الوحي الذي ادى ما عليه من مهمات بعد ان اسلم حكم السماء اليه(صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد ان حقق ذلك الامتداد الضروري، وضمن المسيرة الكاملة للاسلام في مراحله المستقبلية..



وهكذا شاء الله تعالى ان ينمي علياً(عليه السلام)في حجر الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)يغذيه ويربيه وينهله من ري الاسلام الخالد، فينمو وجوده قرآناً ناطقاً، وايماناً حقيقياً صناعاً، وعيوناً مركزة على الهدف السامي.. فهو الوجود المعجزة..



واخيرا كان ذلك الحدث العظيم على ملا لم يجتمع مثله من قبل من المسلمين ينتظرون قائدهم، وقد علا حدوج الابل في حر الصحراء المتوهج معلنا نداء الوحي من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار([2]).



وكانت حقا مهمة عظمى ربطت الواقع بالمستقبل، والقيادة العامة بامتدادها الضروري، فكأنه(صلى الله عليه وآله وسلم) بقي خالدا ـ شخصا ـ في علي وابنائه الطاهرين وحمل الوحي للبشرية بشارة الاكمال اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا.



انه الرضا الالهي المرجو بالمسيرة الصاعدة والقيادة العلوية.. المتوجة بالعصمة، والمتوجه لخطى الركب الصاعد.



ويهمنا ان نذكر هنا ان هذا الامر حدث بعد لقاءات واسعة بين النبي القائد وامته. اكد لها فيها انها ان ارادت السعادة ومشت دربها فعليها ان ترتبط بصفوة أفذاذ عرف الله تعالى انها ستكون خير رابط للامة بالرسالة، وخير رائد لها في مسيرتها المتسلقة سلم الحق والكمال.



واختلفت مضامين التعبير; فتارة: يعبر عنها بـ (سفينة نوح) حيث يلف الرعب كل الدروب والحنايا كما يطغى على الجبال والوديان في حين يرفرف على ركابها جناح الامن، وفي نفس الصدد يقول (علي)(عليه السلام)مؤكدا قولته(صلى الله عليه وآله وسلم):



أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة.



واخرى: يعبر عنها بأحد الثقلين اللذين يجب على الامة الارتباط بهما واستقاء الشريعة من معينيهما الصافيين، مما يشعرهم، بل يدلهم على الترابط الوثيق بين العدلين المقدسين، وانه لا يمكن الفصل بينهما، وحينذاك فلن تضلوا بعدي ابدا. والغريب حقا ان يركز الكثير على الرواية بلفظ وسنتي بدل وعترتي، مع ان لفظ وعترتي هو المتواتر حقا في حين لم يرد لفظ وسنتي الا في روايات ضعاف ومراسيل([3]).



واخرى: نجده(صلى الله عليه وآله وسلم) يجمع الموجودين منهم في عصره(عليه السلام)تحت كساء خاص متعمدا ذلك في مواطن عديدة، معلنا اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.



وقد ولّد تكرر العمل منه(صلى الله عليه وآله وسلم) احتمالا من بعض العلماء بتكرار نزول الاية ايضا والحقيقة ـ كما يقول السيد الامام شرف الدين في مراجعاته ـ : (ان الصواب عندنا نزولها مرة واحدة لكن حكمة الصادق الامين في نصحه، ببلاغه المبين اقتضت تكرير تلك القضية مرة في بيت ام سلمة عند نزول الاية، وتبليغها لاهلها المخاطبين فيها، واخرى في بيت فاطمة) الى ان يقول: حتى كان بعد نزول الاية كلما خرج الى الفجر يمر ببيت فاطمة فيقول: الصلاة يا أهل البيت (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً) وقد استمر على هذا ستة اشهر في رواية انس([4])، وعن ابن عباس سبعة اشهر، وفي رواية ذكرها النبهاني، وغيره ثمانية اشهر([5]).



ومن الموارد التي يربط القرآن الامة بأهل البيت فيها تلك الاية التي جاءت جوابا على موقف عاطفي حاول به بعض المسلمين ان يقدموا جزاء ماديا للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لقاء خدماته، ولم يعلموا ان النبي ليس من صفاته طلب الاجر كذلك، بل صرح كل الانبياء بأنهم لا يسألون أمتهم أجرا فتتكرر هذه العبارة المباركة خمس مرات (وما أسألكم عليه من اجر ان اجري الا على رب العالمين)([6]).



وجاءت هذه العبارة المقدسة ايضا (قل ما اسألكم عليه من أجر الا من شاء ان يتخذ الى ربه سبيلا) وكذلك (ان اجري الا على الله وهو على كل شيء شهيد)([7]).



ولكنه(صلى الله عليه وآله وسلم) امر بأن يطلب منهم أجراً ما اروعه. انه الارتباط والانشداد بأهل البيت(عليهم السلام) (قل لا اسألكم عليه اجراً الا المودة في القربى) وهم هم كما صرح به كبار العلماء كالمقريزي، والبغوي، والثعلبي والسيوطي، والحافظ ابو نعيم، وغيرهم كثير.



في حين جاءت الاية الكريمة الاخرى تشير لهذا المعنى بوضوح :



(قل ما سألتكم من اجر فهو لكم)([8]).



والحديث في هذا الجانب طويل لا نستطيع هنا مواصلته فلتراجع مظانه الخاصة.



الربط يكشف عن السمو


ولسنا هنا في مقام التدليل على الربط المفروض للامة بالائمة من اهل البيت(عليهم السلام)وان تعرضنا لبعض الصور الكثيرة التي حققت القوة فيه.



وانما نريد هنا أن نؤكد حقيقة مهمة جدا يجب ان يتأملها الباحث بعمق لانها تبرز حقيقةً يلقي الايمان بها اضواء على المسيرة العامة.



تلك هي ان الاسلام دين الوضوح والتعقل والعواطف المركزة المتجاوزة حدود السطحية العائمة، وليس فيه خطوة واحدة تتنافى مع ما سبق، وما حاول يوما ان يفرض على الناس شيئا يتأكدون هم من عدم صلاحيته لذلك، وعلى ذلك فالتأكيد الشديد والربط الوثيق للامة بقيادتها المستقبلة كان ينطوي على كشف رائع عن سمو نفس، وشموخ عزيمة، ورسوخ ايمان، وتوق طليعي للجهاد والفداء ورجاحة عقل، وسعة علم، وقوة تأثير، وحسن اطلاع على مهام القيادة.. الى غير ذلك مما يجب ان يتوفر في تركيب فئة ترتبط بها امة هي الامة الوسطى بين كل تلك الامم الارضية وهي الامة الشاهدة، وهي الامة الافضل تحمل للكون والاجيال الحاضرة والاتية قبس رسالة الله الخالدة، وغير واقعي ـ ان لم يكن الامر كذلك ـ ان تكلف الامة بحب هذه الصفوة المجرد، فضلا عن تكليفها بتسليم القيادة لها، اذ لا يمكن ان تنبع غريزة الحب في اطار واقعي الا اذا توفرت لها اسبابها الواقعية المثيرة.



هذا فضلا عن ان ذلك ـ لو فرض، والفرض أمره سهل ـ تضييع فضيع لمقاييس الاسلام في مجال التقييم، اذ اعتمد على اساس واقعي يلازم خطوات الرقي، ويكشف عنه لا غير وذلك هو التقوى بما تستتبعه من عمل واع، وجهاد معطاء متدفق من ايمان وضاح، واعتقاد رصين.



وكل ذلك يتنزه عنه الرسول العظيم، بعد ان عرفنا قبل قليل انه لا بد ان يكون اول مطبق للمقاييس التي يبشر بها، وهكذا كان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان حية صادقة.



كل هذا يتم مع استبعاد عنصر قد يتوهم في البين ـ ولا يتم معه ذلك الكشف ـ ذلك هو عنصر العاطفة النابعة من القرابة مثلا، وحب البقاء ببقاء الاولاد وما الى ذلك من أمور. اعتقد أني متفق مع القارئ الكريم على أنها لم تكن مطلقا تمتلك أي دور في هذا المجال مجال التشريع، وحقوق البشرية، وذلك بعد ان أخبرنا القرآن الكريم بأنه(صلى الله عليه وآله وسلم)صادق امين: (وما ينطق عن الهوى * ان هو الا وحي يوحى).



ان لم نقل ـ ونقول بكل تأكيد ـ إن عواطفه(صلى الله عليه وآله وسلم) نفسها كانت عواطف رسالية خالصة قائمة على اسس تشريعية متينة لامتزاج تلك الروح العالية، بتعاليم الرسالة امتزاجا لا يوصف... وأنها تكشف عن أمور تشريعية ـ ان أعطت سلوكا معينا احيانا ـ ولكن بمقدار نخرج ببيانه عن حدود هذا المقال، وانما نشير الى أنه يعبر عن قسط من عنصر التقرير المقر عنصراً مشتركاً في عمليات الاستنباط المحددة للسلوكيات العملية للمكلفين بحكم اتباعهم للشريعة الغراء.



ويمكن ان نتقدم في التوضيح خطوة اخرى، فنقولها صريحة اننا نعلم اجمالا وبصورة مسبقة بسلوكياتهم(عليه السلام) قبل ان نطلع عليها، ونعيشها تأريخا حيا، أقول ذلك بعد أن اطلب من المؤمن ان يرجع الى عقيدته في التشريع ومشرعه الحي القيوم عالم الغيب والشهادة، اذ يتجاوز علمه الواقع متخطيا عوالم الغيب المجهولة لدينا بعد.



ولكن حتى لو لم تحصل للباحث هذه المسبقات، ويطوف مجردا عن كل هذه العقائد فانه سيجد أمامه معالم الانسانية المتكاملة في كل حلقة من حلقات هذه السلسلة الذهبية.. ومن هنا نجد كثيرا من الكتاب الذين لم تتم لهم تلك المقدمات ـ كغير المسلمين مثلا ـ يقفون في رحاب علي امير المؤمنين(عليه السلام)فيصفونه مثلا بأنه (صوت العدالة الانسانية) وبأنه (رجل يسبق زمانه بقرون) وهكذا بالنسبة الى باقي الائمة(عليهم السلام).



وستنكشف لنا خلال هذه الحلقة وما يتبعها بعض الومضات التي يكفي تسللها الى قلوب القراء، ليقف أمامها كل فرد شاخص البصر، خاشع الضمير، مأخوذا بالجمال المتجسد والقيم الوهاجة.



على أني أؤكد على ان الدراسة تقتضي منا أن نكون على وعي من ان نكون مجرد مرددين لصدى ذلك اليقين المسبق، وان كان يقينا، لاجل ان نتفاعل مع مختلف الاراء، والفكر والطبقات القارئة.



تقديس يسمو على التشكيك


والامة بعد ان وعت هذا منهم، وعرفت جوهر سلوكياتهم قدستهم رغم كل الاباطيل، والمزاعم التي بثت لتشوه الصورة الناصعة.



وبقي الامام أمير المؤمنين(عليه السلام)مقدسا في ضمير الامة، وان كانت اريقت دماء ودماء على عهده نتيجة لاستئصاله المتواصل للعناصر المنحرفة عن خط الاسلام المستقيم. نعم بقي مقدسا في واقعها، لانها وعت بعد ذلك أنه الحق الذي لا مراء فيه.



وهكذا قد تكون الامة اعترضت ممثلة ببعض قادتها على الامام الحسن(عليه السلام)في صلحه مثلا، ولكنها وعت حقيقته بعد لاي بصورة عامة وان دلسها الكثيرون.



وهكذا الحسين(عليه السلام)اذ ما ان سولت للحاكمين الطغاة نفوس ضعيفة شرهة ان تصنع تلك الجريمة الخالدة العار حتى تيقض ضمير الامة الى عظمة الحسين(عليه السلام) ، وضعف الجهاز الاموي المتسلط، وكان لذلك أبعد الاثر في تنمية احساسها بوجودها المحاسب المراقب امام الحكام، وهو مفهوم اسلامي ضخم المحتوى كادت ان تقضي عليه السياسة الاموية المركزة، وشهدنا التاريخ وعلى انصع صفحاته يعيش السبط الشهيد دنى عظمة، وطاقات ثورة على الباطل لا تفنى.



وهذا الامام الرضا(عليه السلام)وقد عاش فترة في البلاط العباسي ـ بضغط من الخليفة ـ عاش الرجل الثاني في حساب الادارة العامة، ولكنه الرجل الاول في حساب الحقيقة والضمير الاسلامي العام، وبقي مقدسا يسمو على الشبهات، مع ما كان عليه البلاط من ظلم، وترف حديدي أقيم على قوت الامة وعرقها.. كل ذلك نظرا لانه(عليه السلام)بقي ذلك الرجل المثالي الذي لم ير يوما في مأثم من مآثم الحكم، وانما كان الطليعي في قضايا الامة، مما دعا الحكم ـ على بعض الاراء ـ لان يعمل على التخلص منه بكل وسيلة.



معجزة الصياغة المثلى


واستطيع ان اجزم باخلاص ويقين بأن الاسلام يمتلك كثيرا من المعاجز الخالدة، التي يسري منها الايمان بخلوده هو ايضا، ويمكن ان نعد أولها القرآن الكريم بكل ما فيه من دنى عظمة، وآفاق اعجاز، وعلو بيان، وسمو معان... كما يمكن ان نجعل منها نفس النظام الاسلامي الذي انبثق في قلب الصحراء الخاوية من كل مظاهر الحياة العلمية العامة واذا به يخطط لكل الاجيال، والمجتمعات ويتناول مختلف المجالات الانسانية، ويطرح على صعيد الواقع حلولاً اصيلة، محاولا ان يرتفع بواقعها الى واقعه الذي يريد، وبحيث نستطيع بكل ثقة ان نحكم على كل النظم البشرية اليوم، التي جاءت نتيجة لتفاعل حضاري واسع، ورقي علمي عال ـ بزعمها ـ تصلح البشرية، نحكم عليها بأنها ما زالت تسعى جاهدة لتتسلق سفوح قمم ذلك النظام الالهي، وهي تئن تحت وطأة ضعفها، وبشريتها الذاتية، مما يوردها تناقضا لا تستطيع ان تنفيه عنها الا ان تنفي وجودها وها هي ـ ذي امامنا ـ هذه النظم ومآسيها تملا الكون ويفر منها حتى صانعوها.. ويصرخون ولات حين مناص.



واخيرا.. يمكن ان نعد من تلك المعجزات الخالدات تلك القدرة الجبارة لتلك التعاليم على ان توجد على مسرح الانسانية، هذه النماذج العالية التي تتواجد فيها كل روائع الكمال الذي يمكن ان يصله الانسان.



وقد يحسب القارئ الكريم في ذلك شيئا من المبالغة.



ولكن فليسمح لي ان اقول: ان ما قلته لا يمكن ان يعطيك وجه الحقيقة بكامله، لقصر في التعبير نفسه في مجال مترامي الابعاد كهذا، مثله تماما مثل عدم استطاعة الاقوال التعصبية الشاذة ستر وجه هذه الحقيقة نفسها.



فامامك اولاء وادرس حياتهم باخلاص، لنجد ان ما قلته قليل قليل، ولا اريد استعراض حتى بعض القضايا المفردة من سلوكهم ولكن اردت ان ابعث فيك ـ عزيزي القارئ ـ الدافع نحو التتبع والبحث.



وأنا مطمئن تمام الاطمئنان، أنك ستجد ما اقوله هو الحق ـ كل الحق ـ وهل يخشى من يعرض جوهرة ثمينة في سوق التقييم من دعوته الناس الى ان يبحثوا عن قيمتها الحقيقية بعمق؟ كلا بل ذاك منهج الاسلام في بنائه العقائدي، وفي كل جانب طرحه عقائديا، وطلب الى الناس الايمان به. طرح عقيدة التوحيد، ثم اشار الى الفطرة النقية طالبا استيضاحها لتقول قولتها فيه.



وطرح عقيدة النبوة المتمثلة فيه(صلى الله عليه وآله وسلم) ثم دعا الناس لان تستجلي الموقف بدقة وتلاحظ مجموع القرائن السلوكية والحالية لتحكم حكما واعيا متخلية عن كل المؤثرات العاطفية والخارجية كالتأثيرات الجمعية ـ على حد تعبير البعض ـ فيقول سبحانه مخاطبا نبيه الكريم :



(قل انما أعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة).



فهل اخشى عدم الوصول حينما اتبع نفس اسلوب الاسلام مطمئنا الى النتيجة؟!



([1]) راجع كتاب (الانسان ذلك المجهول) لكارلل.



([2]) راجع كتاب الغدير للامام المرحوم الاميني لتطلع على اسانيد هذا النقل.



([3]) راجع كتاب (حديث الثقلين) وكتاب (اصول الفقه المقارن ) مبحث السنة.



([4]) الامام احمد في مسنده (ص259 الجزء 3).



([5]) صفحة 8 من الشرف المؤبد.



([6]) الشعراء / 109، 127، 125، 164 و180.



([7]) سبأ / 47.



([8]) سبأ / 47.



/ 14